عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-25-2011, 09:26 AM
 
دليل العناية على وجود الله


المتأمل في هذا العالم المترابط الأجزاء يجد فيه الدلالة الواضحة على قدرة خالقه، وكمال علمه وحكمته وحسن لطفه وعنايته بالعالم كله إذ الرعاية شاملة لكل أفراده، والعلم محيط بَكـل جزئياته.

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} الأنعام آية 59.

{...وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ..} فـاطر آية 11.

فالناظر بعين البصيرة في هذا العالم كله: علويه، وسفليه. كبيره، وصغيره، يـجد فيه
العناية التامة به أولا، وبمن خلق الله له هذه الموجودات وسخرها له ثانيا، فالسماوات وأفلاكها والأرض ومحتويـاتها، خلقت بـالحق، وبه حفظت، كما قـال تعالى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقّ} الأحقاف آية 3 .

وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} الأنبياء آية 16.

فإذا تأمل الإنسان بفكره وعقله في بعض جزئيات هذا العالم المسخر لمصالحه والتي عليها استقرار حياته، كفاه ذلك دليلاً واضحا. وحجة بينة على أن هذا العالم مخلوق لخالق، حكيم قدير عليم قد قدر هذا العالم، فأحسن تقديره. ونظمه فأتقن تنظيمه.

فمن تلك الجزئيات، الشمس، وما تضمنته من مصالح عليها قوام حياة الناس وأحوالهم، وحياة المخلوقات جميعا، من حيوان ونبات، فإن الناظر فيها يلمس كمال العناية. واللطف من الله تعالى والرحمة بهذا الإنسان.

تعاقب الليل والنهار: وأول ما ينتج عن طلوع الشمس وغروبها، تعاقب الليل والنهار، واللذان هما من أعجب آيات الله، و بدائع مصنوعاته، كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لله الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} سورة فصلت آية 37.

فلولا تسخير العليم القدير لها لتعطل أمر العالم، إذ كيف يتصرف الناس، ويسعون لكسب معاشهم، وطلب أرزاقهم، إذا لم يكن هناك ضياء يبصرون به، ثم كيف يكون لهم قرار وهدوء تستريح به أبدانهم. ويستعيدون فيه قواهم، إذا لم يكن هناك ليل يسكنون فيه. فنعمة الليل والنهار الناتجين عن طلوع الشمس وغروبها من أعظم آيات اللطيف الخبير، الذي جعل تلك الشمس المشرقة للناس بمنزلة السراج يرفع لأهل البيت، زمناً لقضاء حوائجهم، ثم يغيب عنهم مثل ذلك الزمن، ليهدءوا ويستريحوا تماما كما هدي الإنسان لإيقاد مصباحه عند الحاجة إليه، وإطفائه بعد قضائها. وقد نبه الله عباده إلى تلك
العناية والرحمة به، في جعله الليل والنهار متعاقبين، ليتمكنوا من طب المعاش والسعي في تحصيل الرزق في النهار المبصر، والهدوء والراحة في لباس الليل الهادئ. وبين أن ذلك التصريف الحكيم حاصل بأمره وتقديره، ومشيئته وإرادته. يقول تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ}.

{
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ}.

{وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} القصص آية 71_73.

أي لعلكم تشكرون نعمة الله وإحسانه إليكم، ولطفه وعنايته بكم، في جعله الليل والنهار متعاقبين، على الدوام والاستمرار؛ وقد خص آية الليل بحاسة السمع لقوة سلطانها في هدوء الليل، إذ تسكن فيه الحركات، كما خص آية النهار بالبصر لشدة إدراكه المبصرات فيه، هذه المخلوقات التي هي السماوات وأفلاكها، والأرض ومحتوياتها جميعها مسخرة بأمر خـالقها محفوظة بعنايته المستمرة في كـل لحظة فهو الخالق لكل شيء، الآمر له بما أراد، القائم بحفظه، كما قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ} الأعراف آية 54 وقال تعالى: {الله لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} البقرة آية 255.

فهو قيوم السماوات والأرضين، فلا قيام لهما ولا استقرار إلا به سبحانه وتعالى – كما قال تعالى: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} فاطر آية 41.

رد مع اقتباس