عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-19-2007, 01:28 PM
 
لماذا يتصرف المسلمون السُنة كأنهم أقلية مذعورة؟


م / د. سعد الدين إبراهيم

للتخلف ألف وجه ووجه. ومن هذه الوجوه الإحساس بالنقص، وانعدام الثقةبالنفس، والشعور الدائم بالاضطهاد والخوف، حتى عندما لا توجد أسباب موضوعية لهذهالأحاسيس والمشاعر. ومناسبة استدعاء هذه الملاحظة هي المخاوف التي عبّرت عنها بعضالقيادات الدينية والسياسية، المصرية والعربية في الآونة الأخيرة، حيال المسلمينالشيعة. فمنذ ثلاث سنوات والملك عبدالله الثاني عاهل الأردن، يحذر العرب المسلمينالسُنة، مما سماه هو "المثلث الشيعي" أو "الهلال الشيعي"، ويقصد به التكويناتالبشرية المسلمة الشيعية، التي تمتد من إيران، عبر جنوب العراق، البحرين، وشرقالسعودية، وشمال سوريا، إلى سهل البقاع والجنوب اللبناني، ثم انضم الرئيس المصريحسني مبارك إلى الملك الأردني، لينبه من عام، أي في ربيع ٢٠٠٦، إلى أن "ولاء" المسلمين الشيعة العرب ليس لبلدانهم العربية التي يعيشون فيها ويحملون جنسيتها،ولكن لإيران!.



وقد تصادف وجودي في منطقة الخليج، التي يعيش فيهاهؤلاء الشيعة العرب الذين اتهمهم الرئيس المصري "بعدم الولاء" لبلدانهم، والذينعبّروا عن صدمتهم واستيائهم لتصريحات الرئيس مبارك، وقال بعضهم في مؤتمر كُنت أشاركفيه وقتها، إن أحداً لم يأخذ تصريحات الملك الأردني مأخذ الجد، ولكن أن يصدر مثلها،بل أقسى منها من رئيس أكبر دولة في المنطقة، وهي مصر، فهو أمر خطير، واعتذرت لمنعبّروا عن استيائهم وقتها،



وبمجرد عودتي إلى مصر، كتبت مقاليالأسبوعي، في "الدستور" (٢٩/٤/٢٠٠٦) والذي ينشر في عدة بلدان خليجية بعنوان "اعتذارللشيعة العرب، عن سقطة رئيس مصر"، والذي فنّدت فيه هذه المزاعم، فلم يحدث أن ثبت فيأي صراع بين أي بلد عربي وبين إيران، أن شيعياً عربياً خان بلده لحساب إيران، كمالم يثبت أبداً أن سُنياً إيرانياً خان بلده لحساب بلد عربي. وحقيقة الأمر أن ولاءالمواطنين العرب لدولهم الحديثة هو أعمق بكثير من الولاء لأي عقائد دينية أودنيوية.



ومع ذلك تظل المخاوف من الشيعة تتردد بين سياسيين عرب، لهمحسابات مع إيران، أو مع حزب الله اللبناني، ذي القاعدة الشيعية، والجديد في التعبيرعن المخاوف من الشيعة، عبّرت عنه مؤخراً بعض القيادات الإسلامية ـ مثل الدكتور يوسفالقرضاوي، المصري الذي يعيش في دولة قطر، ومثل الأستاذ فهمي هويدي، الكاتب الصحفيبـ "الأهرام"، والدكتور محمد سليم العوا، المحامي المصري المعروف، وكان ثلاثتهم قدشاركوا في مؤتمر للتقريب بين المذاهب الإسلامية، عُقد في الدوحة، منذ عدة أسابيع،وفي هذا المؤتمر أشار ثلاثتهم إلى أن "التبشير الشيعي" أو "التشيع" في بلاد ذاتأغلبية سُنية هو أمر خطير، ويهدد محاولات "التقريب والتفاهم بين المذاهب"، بل توجهاثنان منهم، بعد المؤتمر، إلى طهران لتحذير آيات الله الشيعة من محاولات هذاالتبشير في بلدهما مصر!.



والغريب في هذا هو أن المفكرين الإسلاميينالثلاثة المذكورين (القرضاوي والعوا وهويدي) هم أول من يعلمون أو ينبغي أن يعلمواأن المعتقدات الإيمانية تستقر في الضمائر والقلوب قبل أن تنفذ إلى العقول أو تظهرفي السلوك، وبالتالي لا يتم "التفاوض" بشأنها وكأنها مساومات سياسية، ولا التحذيرمنها كأنها مواد تخديرية.



إن المعتقدات الشيعية قديمة راسخة، منذمنتصف القرن الهجري الأول، أي قبل ١٤٠٠ سنة، وهي تتمحور حول محبة آل بيت محمد رسولالله صلى الله عليه وسلم، والاعتقاد أنهم كانوا ولايزالون الأحق بخلافة الرسول فيحكم المسلمين، لأنهم الأكثر تقوى، وطهراً، وصفاءً، وإلهاماً. وبصرف النظر عما إذاكانت هذه الصفات الحميدة تنتقل بالوراثة من عدمه، فإن المعتقدات الإيمانية لا تتطلبإثباتاً أو برهاناً من أصحابها.



وإحدى الطرائف العربية في "التحذيرمن الخطر الشيعي" و"المثلث الشيعي" و"الهلال الشيعي" هو الملك عبدالله الثاني بنالحسين، بن طلال بن عبدالله، بن الحسين، الهاشمي شريف مكة، وهو شأنه شأن بقيةسلالته الهاشمية يؤسسون شرعيتهم في حكم مكة والحجاز، ثم سورية والعراق، وأخيراًالأردن، ارتكازاً إلى أنهم من "آل البيت"، بل تحتضن العاصمة الأردنية ـ عمان ـمؤسسة تحمل هذا الاسم، ويرأسها حالياً، الأمير الحسن بن طلال، عم الملك عبداللهالثاني، أي أن الهاشميين الذين يؤسسون شرعيتهم على نسبهم لآل البيت، هم آخر من يحقلهم التحذير من "الشيعة" الذين تقوم دعوتهم تاريخياً على "التشيع لآل البيت"، أيالانحياز لسلالة الرسول الكريم، لقد أتى هؤلاء الهاشميون من مكة، وحكموا في بلادمثل سورية والعراق والأردن، ولم يكونوا أصلاً من مواطنيها، لا لشيء، إلا لأنهم منآل البيت. واعتمدوا هم والبريطانيون الذين دعموهم في القرن الماضي، على هذه الشرعيةالمستمدة من مصادر روحية نبوية.



وكما هو شأن كل المعتقدات الإيمانيةالروحية في أي دين ـ من الهندوكية إلى اليهودية إلى المسيحية والإسلام ـ فإنهاتتحول بمرور الزمن والأجيال إلى مذاهب، تلتف حول كل مذهب منها طائفة، ولتأكيدالوجود والتميز فإن هذه المذاهب والطوائف تنشأ مدارسها أو معاهدها الفقهية، لتأصيلمعتقداتها وأفكارها وممارساتها وطقوسها، وينشأ مع هذا كله "رجال دين"، أو فئة تسهرعلى كل هذه الأمور، وتكسب منها معنوياً واجتماعياً وسياسياً، وربما مادياً، من ذلكأنه إلى جانب "الهاشميين" من آل البيت، هناك "السادة" الذين يحرسون المقدساتالشيعية.



وهناك "المجتهدون"، و"المرجعيات" (آيات الله) الذينيدرسون ويتفقهون ويقومون بمهام التدريس والخطابة والهداية والفتوي في شؤون الدين،بل قد تم تأصيل منظور الشيعة إلى الشريعة الإسلامية من خلال مذهب خاص مستقل بهم،وهو "المذهب الجعفري" ـ مثلما لدينا نحن المسلمين السُنة مذاهبنا الأربعة (الحنبلي،والمالكي، والحنفي، والشافعي)،



كذلك فعل أهل الشيعة باستحداث أماكنلطقوسهم الخاصة باستذكار محنة "الحسين"، ابن علي وفاطمة الزهراء، حفيد الرسول، وكانالحسين قد قُتل، ومُثل بجثته، في موقعة كربلاء، بعد أن تخلى عنه معظم أنصاره، وفروامن أرض المعركة، تاركينه وحده وقلة من أقربائه، يواجهون جيوش يزيد بن معاوية، التيفتكت بهم جميعاً، وهذه الأماكن أشبه بـ "المقارئ" أو "دور المناسبات" عند أهلالسُنة، ويسميها أهل الشيعة "الحسينية"، نسبة إلى الحسين، رضي الله عنه. وفي هذهالحسينيات يتم استدعاء ذكري كربلاء، بطريقة طقوسية مؤثرة، تُبكيالسامعين.



المهم لموضوعنا هو أن الشيعة لا تتعدى نسبتهم في العالماليوم أكثر من ١٥% من مسلمي العالم (حوالي ١٥٠ مليونا من مجموع ١٥٠٠ مليون)، ومعذلك يتصرف المسلمون السُنة حيالهم بخوف وهلع من أخطار انتشار مذهبهم، ومن مظاهر هذاالهلع ما أشرنا إليه في صدر هذا المقال من تصريحات الملك عبدالله الأردني والرئيسحسني مبارك المصري، وثلاثة من المحسوبين مفكرين كبارا بين أهل السنة (القرضاويوالعوا وهويدي)، بل من آيات هذا الهلع في مصر، والتي كانت شيعية لعدة قرون في العصرالفاطمي، وكان الأزهر الشريف هو مسجدهم وجامعتهم، أن السلطات المصرية تناصب القلةالقليلة من المصريين الشيعة، العداء، فهي تطاردهم وتضيق الخناق عليهم، كما تفعل معالطائفة البهائية ومع بعض الطوائف المسيحية، لقد تضاعف عدد المسلمين الشيعة في مصرفي السنوات الثلاث الأخيرة، لا بسبب "التبشير الشيعي"، ولكن بسبب اللاجئينالعراقيين، الذين تزايدت أعدادهم مع استمرار العنف والترويع والقتال في بلادهم، بعدالغزو الأمريكي، في ١٩ مارس ٢٠٠٣، أي منذ أربع سنوات.



إن عدد هؤلاءاللاجئين الآن يتجاوز المائة ألف. ويقيم معظمهم في المدن الجديدة ـ مثل ٦ أكتوبر،وهم لا يمثلون عبئاً على الدولة أو المجتمع في مصر، فمعظمهم من الميسورينالمتعلمين، ولا يتلقون أي إعانات رسمية أو أهلية، وقد استقبلت سوريا والأردن ولبنانوتركيا وبلدان الخليج وإيران أعداداً أكبر ممن استقبلتهم مصر، ولكن لأن هذه البلادجميعاً يوجد بها شيعة من سكانها الأصليين، ولهم دور عباداتهم وطقوسهم من مساجدوحسينيات، فإن اللاجئين من شيعة العراق يمارسون فيها شعائرهم، أما في مصر، فلا توجدمثل هذه المرافق الخدمية الشيعية، وقد نقلت صحيفة "الحياة" اللندنية (١١/٢/٢٠٠٧) خبراً مفاده أن السلطات المصرية رفضت التصريح ببناء مسجد أو حسينية شيعية في مدينة٦أكتوبر ـ لخدمة أكثر من ثلاثين ألف عراقي شيعي يقيمون بها وفي مدينة الشيخ زايدالقريبة منها.



فيا تري لماذا هذا الرفض؟ لماذا يتصرف كبارالمسؤولين المصريين بهذا القدر من الخوف والهلع؟ إن الإسلام والمذهب السُني هو دينالأغلبية ومذهبهم في مصر المحروسة، ولم يمسسهما ضرر طيلة ألف عام، ولن يمسهما سوءخلال الألف عام القادمة؟ إن هؤلاء المسؤولين يتصرفون كأقلية تشعر بالنقص والدونية. فعار عليهم إلى يوم الدين.