عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 10-09-2010, 10:33 PM
 
الفصل الأول

((6))


:88: ابتسامة رجل :88:





تخرجت أخيرا بمعدل قال لي الجميع إنه معدل رائع، لكن في قرارة نفسي لم أكن راضية عنه أبدا، لقد كنت أشعر أنني مهزومة أمام الدكتور، لا أدري لماذا لا أتوقف عن التفكير بهذا الإنسان طوال الوقت، ولماذا أشعر أنه يسخر مني كلما أخفقت في اختبار، حتى حين حصلت على معدل يحسدني عليه الجميع..



الحقيقة أنني كافحت كثيرا منذ السنة الاولى للحصول على علامات عالية، والشيء الذي علي الاعتراف به أنني لم أكن أحلم بهذا المعدل الذي حصلت عليه.. لقد كنت أضع أسوأ الاحتمالات دائما في مخيلتي حتى لا أصدم..

لكن... مكالمة ذلك الرجل في تلك الليلة، كانت كجذوة النار التي قـُدحت في امرأة ممتلئة مسبقا بالبارود.. وعن قليل ستنفجر..



لم يغب عني صوته ولا جملته التي يغالب فيها ضحكة ساخرة.. كنت ارتعد غضبا كلما فكرت في هذا.. ولكن مع مرور الوقت.. كنت ألجأ إلى التفكير في تلك الجملة حتى حللتها إلى أبعاد وزوايا لا أفعلها حين أحلل مسألة رياضية مستعصية في اختبارات الجامعة..

عليّ الاعتراف.. انني بتُّ ارتاح إلى التفكير فيه نوعا ما.. وربما هذا هو السبب الذي يجعلني لا اتوقف عن الغضب منه دائما..



رن جرس هاتف منزلنا.. وهذا الجرس البغيض كلما سمعته تذكرت الدكتور.. جاء صوت امي: "سلوى حصة تبيك على التليفون.." نزلت فورا والتقفت السماعة كأنما كنت أنتظر منقذا لي من افكاري المتلاحقة: "هلا حصة شخبارك؟" قالت: "هلا .. اقول.. بنروح انا ولطيفة العثيم تجين معنا؟" التفت على أمي قائلة: "امي.. اروح مع حصه العثيم؟" قالت امي: "شتسون ما لكم غرض.." قلت لها راجية بصوت منخفض: "يوه.. لا تفشليني معهم.. شوي كلها ساعة ساعتين ونرجع تكفين" قالت: "مين بيروح معكم ومين بيوديكم" .. جاء صوت حصة في الهاتف: "قولي لها ابوي بيودينا وبتروح معنا لطيّف بنت عمي" .. فقلت لها فردت: "طيب طيب بس لا تتأخرون" قالت حصه: "يالا بسرعة بنمرك بعد نص ساعة" اقفلت السماعة وذهبت الى غرفتي بعد ان طبعت على خد امي قبلة شاكرة مسحتها بيدها..

في الحقيقة لم اكن ارغب كثيرا بالخروج.. لكن كنت أريد بقدر الامكان التخلص من افكاري..


كان الركوب في سيارة عمي عبد الرحمن والد حصة محببا الى قلبي لانه رجل يتمتع بروح الفكاهة والابوة الحقيقية التي لم ارها في والدي.. كانت حصة تتحدث مع والدها بكل بساطة ومزاح رائع يكون فقط بين الاصدقاء وليس بين الاباء وابنائهم.. كنت دائما وما زلت اغبطها على ذلك التواصل الجميل بينها وبين ابويها..

عندما نزلنا قال والدها: "اذا خلصتوا دقوا علي بروح اسوي كم مشوار ضروري وانتوا ظلوا على رحتكم..".. ما الطف هذا الرجل..



كانت حصة ولطيفة تستشيراني في كل ما تشتريان.. وتستمتعان بصحبتي جدا لاني مشاغبة كثيرا ولي تعلقيات متفجرة على الناس والاشكال والمحلات والملابس والاصوات والهواتف النقالة.. كنت اتكلم فقط لاجل النكتة والمسخرة وكانتا هما تضحكان فقط وترددان : "الله يقطع ابليسك على هالتعلقيات.. انتي تحفة من جد"..

لكن.. شاء الله ان يخرس لساني.. فمن بين كل الناس في البلد.. ومن بين كل الاماكن .. اراه.. ارى الدكتور محمد.. رأيت ظهره.. ومعه سيدتان.. التفت على إحداهما وابتسم.. ابتسم ابتسامة فتت عظامي صدقا.. ثم غاب عن نظري داخلا الى أحد المحلات معهما وغطاه عني دخول نفر من الناس خلفه.. لكن لم تغب عن كياني كله تلك الزلزلة التي لم انسها مطلقا حتى هذه اللحظة..



قالت لي حصة: "اقول سلوى ابيك تجين معي ابي اشتري عطر رجالي لابوي هدية وانتي ذوقك يجنن.." مشيت .. كان كل الكلام الذي اذكر اني قلته: نعم او لا او حلو او عادي .. واشياء من هذا القبيل..



كنت افكر فقط في شيئين.. في أن أعود إلى البيت.. وفي ابتسامته..



"انا غبية غبية غبية.." بقيت أردد هذه الكلمة مرارا..


بقيت حصة صامتة وهي تراقبني.. كنا قد عدنا إلى البيت.. كنت أتحين فرصة اخلو بها الى حصة التي عدنا إلى بيتها .. ولم اصدق ان لطيفة دخلت إلى زوجة عمها تثرثر معها قليلا... حتى انفجرت بتلك الكلمات اشتم نفسي..

قالت لي حصة: "الحين انتي شفيك؟ فجأة كلتي سد الحنك.. انختم على لسانك!! شفيك قولي لي.. من لما كنا بالعثيم وانتي فجأة صرتي مش طبيعية..."


قلت لها وقلبي يخفق: "مدري.. جد يا حصيص والله مدري احس اني مش فاهمة.. بس انا فعلا غبية"..


قالت: "يعني انا الحين رح افهم من انك غبية شي؟ طول عمري ادري انك بقرة.. وين المشكلة.. مش شي جديد يعني..!!!"


قلت وانا اقاوم البكاء: "شفت الدكتور اليوم في العثيم"


ارتسمت على وجه حصة دهشة وقالت هامسة: "ليه ما قلتي لي يالحقيرة؟ متى ووين؟ على الاقل اشوفه"


قلت لها: "كان قريب منا كثير.. بس كانت معه ثنتين"


قالت: "مرت عمك؟" قلت: "لا لا.. اصلا مدري ما كنت منتبهة"..


قالت وهي تتنهد: "طبعا انتي مهتمة فيه هو وبس"..


ثم قالت بعد فترة: "وبعدين تعالي الحين .. واذا شفتيه .. يعني شفتي الملك!!.. عادي وين المشكلة؟؟؟؟؟"


قلت: "المشكلة اني مدري.. حسيت بالقهر يمكن.. او الخوف.. مدري جد مدري"


قالت محتارة: "ما تدرين؟ لا تكونين مهتمة فيه زيادة عن اللزوم.. "


نظرت اليها دون كلام.. فقالت مترددة: "سلوى.. انتي.. اقصد يعني انتي عارفة انه خاطب و.. ويعني.."


هززت رأسي إيجابا ولم اتكلم.. كنت أعرف قصد حصة جيدا.. لا مجال للاهتمام برجل مثل الدكتور.. او بالاحرى.. لا مجال لرسم امال ايا كان نوعها .. كنت اعرف ان حصة خافت على مشاعري من الصدمة لو تركت تلك على سجيتها ولم اوقف اهتمامها بالدكتور..


كانت لطيفة قد عادت ومعها ابتسام اخت حصة.. بقينا نثرثر مدة قبل أن استأذن للذهاب للبيت.. ركبت معي حصة سيارة والدها ليوصلاني الى البيت.. كان الجميع صامتا طوال الطريق.. وكأنهما احترما صمتي وهدوئي