عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 10-03-2010, 01:29 AM
 

الفصل الأول

((5))

ثرثرة
******************


عدت إلى البيت، فورا إلى غرفتي، حيث الوسادة، لم أضربها، لكن ضممتها وبكيت، كنت أغالب الدمع طوال اليوم، حتى أتى عم سعد اخيرا لينقذني ويأخذني الى البيت. جاء صوت امي خارج غرفتي تقول: "ليه قافلة الباب بعد؟ قومي تغدي صارت الساعة ثلاث العصر.." استغربت اني بقيت أبكي طوال هذا الوقت مدة ساعة ونصف.. قلت لها بصوت مبحوح: "طيب طيب".. استبدلت ملابسي لكن لم استطع التوقف عن البكاء..

كنت اقول لنفسي: "حصة لازم تحس بالذنب.. لازم تحس انها جرحتني.. لازم تعرف ان كلامها غلط ولا عندها ذوق.. ليه اصلا قالت لي اني نرفزت علشان الدكتور.. انا اصلا ما تكلمت معاها الا مرة وحدة عن الموضوع.. عيب يعني تقول لي كذا.. وتقول لي انا هالكلام ليه.. وانا انا صديقتها اللي المفروض تراعي شعوري.. بس انا البقرة اللي اكلمها عن همومي ومشاكلي واسراري ومعتبرتها صديقة.. اخس عليك يا حصة جد اخس.. يا حسافة اني معتبرتك صديقتي"..
رددت هذا الكلام عشرات المرات... كنت قد أقفلت جوالي كي لا أستقبل منها اي مكالمة.. لكن تمنيت جدا أن اعرف إذا كانت الآن تتصل أم لا.. وتمنيت أكثر ان تتصل عدة مرات وتجد الهاتف مغلقا.. كنت لا اعرف كيف اريد الانتقام منها، لكن كنت اود لو انها تبكي بحرقة كما فعلت بي..
بعد المغرب قالت لي امي: "حصة تبيك على التليفون".. خفق قلبي.. أردت ان اقول لامي قولي لها مشغولة.. لكن لم اكن اريد ان اثير فضول امي المتوارث من اجدادها الخمسين.. فأخذت السماعة وانا اقول بصوت حاولت ان اجعله جديا ما امكن: "نعم" جاء صوت حصة باكيا: "اسفة يا سلوى حقك علي والله العظيم ما اقصد شي انتي كل شي تاخذينه جد.. والله وربي كنت امزح معك.."

كان صوتها يخترق قلبي، فقلت بهدوء وعتب: "خلاص ما صار شي.. عموما انتي انسي الموضوع وبكرة نتفاهم".. قلت ذلك لأن امي كانت ترهف السمع..

قالت حصة: "ادري اهلك جنبك طيب افتحي جوالك علشان اكلمك" قلت: "طيب"..
ليلتها نمت سعيدة هادئة لأن مكالمتي على الجوال مع حصة كانت بكاء من كلينا.. تعتذر كل منا للاخرى.. شعرت اني احب حصة اكثر مما مضى..

حين عدت إلى البيت في اليوم التالي قالت لي امي: "بتروحين لهند الليلة كلنا بنروح انا وخالتك وبناتها".. قلت: "طيب نروح لا مشكلة".. كانت امي تعرف اني سأوافق على اي اقتراح في ايام الاربعاء.. وكان اجتماع بنات خالتي منيرة فعلا يروق لي مع انني اضطر كثيرا ان اجعل احاديث اختي البلهاء اكثر تعقلا وضحكتها اقل جلجلة..
كان بيت هند مثالا للبيت الهادي البسيط الصغير.. لم يكن فيه ما يزعج سوى تقليد ابنها فهد لسائق السيارة في ارجاء البيت كله والاصطدام بما شاء جمادا كان أو انسانا..

كانت الثرثرة متشابكة بالكاد استطيع التقاط خيوط السوالف والانتهاء الى نهاية نفس الخيط.. لكن تردد ذكر ابناء عمي كثيرا على لسان امي وهند.. اكتشفت ان الدافور محمد قد افتتح عيادته اخيرا.. وكانت غير بعيدة منا.. وقالت هند: "بصير أول زبونة عنده" وهي تضحك.. سألتها: "الا صحيح تخصصه ايش؟" فوجئت انها تقول: "أسنان" .. تملكتني دهشة كبيرة.. فلاحظت هي دهشتي فقالت: "شفيك ارتعتي؟".. ضحكت منى بنت خالتي منيرة وهي تقول: "خايفة تاخذينها معك الجبانة .. طبيب الاسنان عندها ام السعف والليف".. فضحكت وقلت: "لا ابدا بس غريبة يروح المانيا بكبرها علشان يصير طبيب اسنان.. احس مسخرة بصراحة"..
قالت منى: "انتي من جدك تظنين طب الاسنان سهل..!!!".. اكملت هند كلام منى قائلة: "وطب الاسنان في المانيا متقدم حيل عن اي مكان ثاني في العالم هذا اللي سمعته.. يعني دراسته مش عبث".. شعرت لحظتها انني جاهلة نوعا ما..

ثم تابعت منى: "وبعدين تعالي اقول لك.. واحد لسا توه متخرج جديد والمستقبل قدامه يبي يبني له رصيد كويس بتعبه ومجهوده وين الاحسن له ماليا؟.. يتخصص جراحة قلب ولا اسنان.. وبعدين علشان يتخصص جراحة قلب المفروض يفتح له مستشفى مش عيادة".. قالت ذلك وختمت كلامها بضحكتها المشهورة التي تشبه نق الدجاج..

وإذا شئتم الحقيقة فقد قررت بيني وبين نفسي أن ابحث على شبكة الانترنت اذا عدت الى البيت عن موضوع طب الاسنان في المانيا.. ولا تسألوني عن السبب.. ربما هو حب المعرفة آنذاك.. وربما هو شيء آخر..
لكن كنت ذلك اليوم أريد أن أعرف كل شيء.. فتجرأت على سؤال هند قبل ان يغلقن الموضوع ويشرعن في حديث عن الطب: "الا صحيح هنيدة.. هو من متى خاطب؟".. مع اني كنت اريد ان اسأل سؤالا اخر فانا لا يهمني في الحقيقة متى خطب لكن هكذا خرج مني السؤال .. قالت هند مفكرة: "يمكن قبل ما يروح المانيا المرة الثانية" قلت وانا التقط الموضوع: "المرة الثانية؟ هو يعني راح مرتين؟" قالت: "لا هو يجي كل سنة شهرين يجلس الظاهر عندهم هناك اجازة" ثم اردفت ضاحكة: "عاد ليتك تشوفين خطيبته كيف تغار عليه حيل .. من جد خبلة" وضحكت اكثر.. فقلت: "ليه يعني تغير؟ علشان راح المانيا" قلت وانا اتصنع الضحك والانبساط.. فدخلت منى في الموضوع قائلة: "اكيد يا بنتي هناك عندهم حرية يعني ممكن يشوف له وحدة المانية غيرل فرند ويسهر معاها بعدين يحبها ويمكن مش بعيدة ينساها المسكينة كأنها مش موجودة.." فقالت هند: "لا هي تغير عليه حتى لما فتح العيادة تقول بيجون بنات يكشفون وجههم علشانه طبيب اسنان .. بس انا اللي اعرف ومتأكدة منه انها تغار عليه لانه وسيم حيل مع انها هي مش شينة بي مهما يكون صراحة مهما كانت حلوة هو يظل احلى منها.."
في الواقع لم يعجبني كلام هند كثيرا.. رغم اني اعرف انه وسيم.. لكن ازعجني ان اتذكر انه وسيم فعلا.. لا اعرف لماذا تمنيت اغلاق الموضوع فورا تلك اللحظة..