عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-12-2010, 01:36 PM
 
فوق بحر الشوك .. نـمـضي

امرأة في الخمسين من العمر ممسكةٌ بيدِ طفلٍ صغير لم يتجاوز السابعة من العمر ، يسيران في عتمةِ الليل الرهيب ، والرياح تشتدّ من حولهما ، والأمطار تتساقط بشراسةٍ بلهاء غير آبهة بمصائر البشر المجهول.
ما زالت تلك المرأة تقاوم ذلك الطاعون الأسود الذي يكتنِفُها ، تسير بحزمٍ وثبات محاولةً نسيان الماضي والبحث عن مستقبلٍ جديد ، تقبضُ على يدِ الفتى الصغير محاولةً العبور بهِ من فوقِ بحر الشوك.
بدأت أمواج البحر بالإرتفاع ، وكأنّ غضبَ السماء قد حلّ على تلك المرأة العجوز.
كانت جبال المياه المدويّة تبحثُ عن ضحية ، أو بالأحرى تبحثُ عن شهيد لكي يرافق شهداء البحر الراقدين في ذلك القاعِ المجهول.
ضمّت الطفل إلى صدرها وبَدَت قطرات الدماء جليّة تتساقط من ظهرها المُقوّس ، بالرغم من ذلك كانت تسير بحزمٍ وثبات من أجل الوصول إلى مستقبلٍ جديد.
اشتدّ سواد الليل ، فلقد رحلَ القمر خاطفاً معهُ نجمات الكون الواسع ، هدأت الرياح ، وعادَ الموج قابعاً في أعماق البحر ، وحلّ الصمت الموحش فلا صوت يُسمع سوى قطرات الدم التي بدأت تتساقط من قدميّ تلك العجوز.
كانت براكين الغضب الثائرة في قلب تلك العجوز تحثّها على المسير بالرغم من كلّ تلك العوائق القاتلة والجو الكئيب.

.... فوق بحر الشوك ....

امرأة جاوزت الستين من العمر تسندُ برأسها على صدرِ شابٍّ يافع ويسيران بخطىً ثابتة نحو مستقبلٍ جديد.
الأمواج أخذت بالصياح والإرتفاع الشاهق ..
الرياح عاودت النعيق ..
والصمت أصبحَ فوضى هستيرية ، فلقد عاد القمر مُجبراً بعد أن حبسَ النجمات في مكانٍ بعيد.

‘‘ انتصفَ الطريق ‘‘ .. هذا ما قالتهُ العجوز في حين حاول الشاب الإسراع في المسير حاملاً اياها على ظهرهِ والدماء تتساقط من عينيه الملتهبتين.

.... فوق بحر الشوك ....

وذلك النعش المخيف الذي يحملهُ ذلك الشاب يوحي بالأمل ، فلقد انقضى الزمان ، والسماء مليئةٌ بالغيوم ، البحر ملئٌ بالمياه ، الليل ملئٌ بالسواد ، والريح ملئٌ بالهواء .
وما زالت الخطوات الثابتة تسير نحو المستقبل الجديد.

.... فوق بحر الشوك ....

اقترب ذلك الشيخ الهرم من نهاية الطريق ببطءٍ شديد ، فالقيح أدمى قلبهُ وقدميه ، وما زالت الأحلام تقترب من الحقيقة ، فلم يُصدّق ذلك الكهل بأنّ الوصول باتَ شبه حقيقة ، أمتار قليلة وتنتهي المسيرة فوق بحر الشوك.
وتنقص الأمتار ، وينقص العمر نحو انتهاء الأجل .. ولحظة فـ لحظة فـ لحظة
وجدَ العجوز قدميه على اليابسة ، والدنيا تملأهُ فرحاً في انتظار المستقبل الجديد.
وبسرعةٍ شديدة أخذَ يعدو على اليابسة ، وسرعانَ ما تلاشى الأمل ، كانت هناك عثرة تواجههُ قبل الوصول إلى ذلك المستقبل الجديد.
عليهِ أن يمضي فوق بحرِ شوكٍ آخر ....
سرحَ ببصرهِ ، فوجدَ طفلة لم تتجاوز السابعة من العمر ، توجّه نحوها ، أخذَ بيدها وانطلقَا فوق بحر الشوك محاولاً البحث عن مستقبلٍ جديد .
وهكذا ....
فوق بحر الشوكِ نمضي .






.......
‘‘ قد نجتاز كل تلك البحور المصنوعة من الشوك ، وربما من الدم ..
قد نجد صعوبة في اجتيازها ، وقد نحتاج إلى مئات السنين حتى نستطيع أن نتخطى كلّ تلك العوائق والحواجز .
ولكن يا ترى ..
هل سنجد ذلك المستقبل الجديد الذي نبحثُ عنه خلف تلك البحور ؟؟
آمل ذلك ، لأني أثق بأنّ لكلِّ مجتهدٍ نصيب ‘‘

قلب إنسان
.......
__________________
جِئتُ من أينَ ؟
" لا أدري "
ولَكنّي أتَيت