عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 12-17-2009, 12:39 PM
 
الفصل الحادي عشر
زوار أكثر إلى الجزيرة

ذات صباح طلبت من جمعة أن يذهب إلى شاطئ البحر ليرى إذا ما كان يمكنه أن يجد سلحفاة . لم يكن قد ذهب إلى مسافة بعيدة حين عاد جارياً .
صاح بصوت عال : " أوه سيدي , أشياء سيئة يا سيدي ! "
سألته : " أي أشياء سيئة يا جمعة ؟ "
أشار نحو الشاطئ .
قال بصوت خائف جداً : " كاون واحد واثنان وثلاثة . "
حاولت أن أطمئنه لكن لم يكن هناك فائدة . لم يكن هناك أي شيء يمكنني قوله له يقنعه بأن المتوحشين لم يعودوا للبحث عنه فقط . كان متأكداً من أنهم سيقطعونه إلى قطع ويأكلونه .
أخبرته : " إذا هاجمونا سنقاتلهم . "
أجاب : " أنا قاتل أيضاً . لكن هناك يأتي الكثير جداً بالنسبة إلينا . "
أجبت : " ذلك لا يهم يا جمعة . ستخيف بنادقنا أولئك الذين لن نقتلهم . "
ذهبت إلى البرميل أولاً حيث لا يزال لدي بعض شراب الروم . شربت بعضاً منه أنا نفسي ومن ثم أعطيت بعضه لجمعة لأثبت أعصابه . أعددت بنادقي وساعدني جمعة . حين شحنت كل البنادق والمسدسات علقت سيفي إلى جانبي وأعطيت جمعة فأساً . ثم , وبعد أن أخذت مرقابي , تسلقت أنا وجمعة التل لأرى كم من المتوحشين أتى هذه المرة .
رأيت أن هناك واحداً وعشرين متوحشاً في المجموع وكان لديهم ثلاثة سجناء . رسوا هذه المرة في مكان أقرب كثيراً إلى بيتي . كان الشاطئ هنا منخفضاً , ووصلت غابة كثيفة إلى حافة الرمل . لم أشك بأن المتوحشين نووا أن يقتلوا ويأكلوا سجناءهم , وقد أغضبني التفكير في هذا غضباً شديداً حتى أنني قررت أن أهاجمهم بمساعدة جمعة . بانتقالي حوالي ميل داخل اليابسة تمكنت من شق طريقي في الغابة خلفهم . لحسن الحظ , وصلت إلى مسافة ضمن نطاق إطلاق النار على المتوحشين دون أن أُكتشف .
دخلت الغابة بأسرع ما أمكنني وجمعة يتبعني عن قرب خلفي . حين كنت على حافة الغابة على مسافة أقرب من المتوحشين ناديت بصوت رقيق على جمعة . أريته شجرة كبيرة وطلبت منه أن يتسلقها ويى ما إذا كان يمكنه أن يرى أي شيء .
حين عاد أخبرني أن المتوحسين كانوا يجلسون حول النار يأكلون أحد سجنائهم . كان سجين آخر يجلس بالقرب منهم وهو مربوط بحبل . أخبرني جمعة بأنه رجل أبيض بلحية . ملأني هذا بالرعب وذهبت أنا بنفسي إلى الشجرة ونظرت من خلا مرقابي . بوضوح فقط رأيت رجلاً أبيض يتمدد على الرمل ويداه وقدماه مربوطتان .
أردت أن أجري نحو المتوحشين مباشرة لكنني أدركت أن هذا سيكون بلاهة . كانت توضع بعض الشجيرات بيني وبين النار حيث كانوا يجلسون . لو أنني كنت أستطيع الوصول إليهم دون أن أُرى لكنت قادراً على مفاجأتهم . بعد أن خطوت بحذر كبير عدت راجعاً حوالي عشرين قدماً وسلكت طريقي بهدوء غبر الغابة , إلى أن أتيت إلى الشجيرات .
لم تكن هناك أية لحظة أضيعها . كان تسعة عشر شخصاً من المتوحشين يجلسون حول النار . كان الآخران أُرسلا لقتل السجين الآخر . أشرت إلى جمعة لكي ينضم إلي وسرعان ما كان بجانبي .
قلت : " الآن يا جمعة , افعل تماماً كما أطلب منك . ضع بندقياتك على الأرض واستخدم الخردق . حسناً , الآن أنت جاهز لإطلاق النار . "
أومأ جمعة برأسه بسرعة .
أمرت : : إذن اطلق ! "
انطلقت بندقيتانا معاً . كان تصويب جمعة أفضل من تصويبي . بطلقاته الأولى قتل اثنين من المتوحشين وجرح ثلاثة آخرين . بطلقاتي قتلت واحداً فقط وأصبت اثنين .
لابد أن تتأكدوا أن فزعاً تاماً حل بين المتوحشين . قفز كل الذين أُصيبوا واقفين على أقدامهم . لم يعرفوا من أين تأتي الطلقات ولا إلى أي طريق يجرون لتحقيق سلامتهم . وضعت بندقيتي في الخردق جانباً وتناولت بندقية أخرى في من الرمل . فعل جمعة الشيء نفسه واستعد ليطلق النار مرة أخرى .
سألت : " هل أنت مستعد يا جمعة ؟ "
" نعم . "
" إذن اطلق النار . "
أطلقنا النار مرة أخرى لكننا قتلنا اثنين فقط هذه المرة . جُرح الكثيرون وجُرُّوا في الأنحاء صاخين وصائحين كأنهك كانوا مجانين . التقطت بنادق الخردق الأخرى وناولت بندقية لجمعة .
قلت : " الآن اتبعني . "
بهذا القول اندفعت خارجاً من الغابة وجمعة خلفي . حالما رآني المتوحشون صرخت بأعلى صوت أمكنني إطلاقه . اتجهت مباشرة نحو السجين الذي كان وحيداً الآن . كان المتوحشان اللذان على وشك أن يقتلاه قد هربا وقفزا داخلين قارب كانو . تبعهما ثلاثة من المتوحشين الآخرين . طلبت م جمعة أن يطلق النار عليهم . جرى على الشاطئ ليكون أقرب إليهم وأطلق النار عليهم . ظننت في بداية الأمر أنه كان قد قتلهم أو جرحهم كلهم , فقد سقطوا كلهم في كومة داخل القارب . نهض اثنان منهم بسرعة ورأيت أنه قُتل اثنين وجرح واحداً .
بينما كان جمعة يطلق النار على المتوحشين , سحبت بندقياتي وقطعت الحبال التي ربطت السجين المسكين . رفعته على قدميه لكنه كان ضعيفاً جداً حتى أنه لم يكد يستطع أن يتوقف أو يتكلم . أخذت قنينة شراب الروم من جيبي وطلبت منه أن يشرب . أعطيته أيضاً قطعة من الخبز أكلها . سألته من أي بلد أتي فأخبرني أنه إسباني .
عندئذ استعاد قوته قليلاً وعرفني كم كان ممتناً لي لإنقاذه حياته .
قال بما أمكنني تذكره من اللغة الإسبانية : " سيدي , سنتكلم فيما بعد , لكن علينا أن نقاتل الآن . لو كنت تتمتع بأي قوة باقية خذ المسدس والسيف . "
أخذ المسدس ووضعه في حزامه . ثم أخذ السيف وجرى إلى المتوحشين . قطع اثنين منهم إلى قطع . في أثناء ذلك , أرسلت جمعة إلى الشجيرات حيث كنا قد أطلقنا طلقاتنا الأولى . طلبت منه أن يحضر لي كل بندقياتي التي أبقيناها هناك . لم أكن قد أطلقت كل بندقياتي بعد فأنا لم أرغب في أن يمسك بي وأنا بلا وسيلة دفاع . حالما عاد جمعة أعطيته بندقيتي ليحميني بها بينما رحتُ أعيد شحن كل البنادق الأخرى .
بينما كنت أقوم بهذا هاجم أحد المتوحشون الإسباني من الخلف . كان الإسباني زميلاً شجاعاً لكنه كان ضعيفاً بسبب بقائه سجيناً طيلة هذه المدة الطويلة من الزمن . قاتل جيداً وجرح المتوحش مرتين في الرأس , لكن المتوحش كان أقوى منه وأخيراً رمى بالإسباني على الأرض . ثم أمسك المتوحش بسيف الإسباني ولواه في يده وأخذه منه . كنت أجري لمساعدته , حين وصل الإسباني إلى المسدس في حزامه وأطلق النار على المتوحش في جسده . سقط ميتاً على الفور .
جرى جمعة وراء المتوحشين الثلاثة الذين كنا قد جرحناهم وقتلهم بفأسه . أخذ الإسباني بندقية من النادق التي أعدت شحنها وجرح اثنين آخرين من المتوحشين . حين هربا لم يستطع أن يرجي بسرعة كافية ليتبعهما وهربا إلى داخل الغابة . جرى جمعة وراءهما بسرعة وسرعان ما قتل واحداً منهما بينما جرى الآخر بسرعة إلى الشاطئ وسبح خارجاً إلى قارب الكانو . كان متوحشان آخران قد ركبا قارب الكانو مع شخص آخر كان جريحاً . هرب هؤلاء الأربعة وكانو المتوحشون الوحيدون الذين هربوا من بين المجموعة كلها .
أطلق جمعة طلقتين وراءهم لكنهم كانوا أبعد جداً من أن يتعرضوا لأي خطر . سألني ما إذا كا يستطيع أخذ قارباً من قوارب الكانو ويتبعهم . وافقت على الفور فلم أردهم أن يعودوا إلى شعبهم بأخبار ما قد حدث . تخيلت أنه في لكح البصر سيغزوا مائتان أو ثلاثمائة من المتوحشين الجزيرة لأخذ ثأرهم .
ركضت مع جمعة إلى أحد قوارب الكانو وكنت على وشك أن أقفز فيه حين لاحظت سجيناً آخر في قاعه . كانت يداه وقدماه مغلولتين وكان ميتاً تقريباً من الخوف . كان قد سمع الطلقات والصرخات ولم يكن يعرف ما حدث . كان مربوطاً بإحكام شديد حتى أنه بالكاد يتحرك .
قطعت الحبال التي أمسكت بيديه وقدميه وحاولت مساعدته على الوقوف . كان أضعف من أن يقف واستلقى في قارب الكانو وكان يئن , أظن أنه اعتقد أننا فككنا رباطه فقط لنقتله . حالما رآه جمعة بدأ يحضن ويقبّل هذا السجين . ثم صاح , وقفز وغنى وقفز من مكان إلى آخر كأنه مجنون . مر وقتاً طويلاً قبل أن أتمكن من حمل جمعة على الكلام إلي ويخبرني لماذا كان مثاراً إلى هذا الحد . حين هدأ قليلاً أخبرني أن الرجل في قاع القارب كان أباه .
بدأ جمعة يفرك رجلي أبيه ليحاول أن يعيد بعض الحياة إليهما . جعلتنا كل هذه الإثارة ننسى ملاحقة المتوحشين . كما حدث , كان من حسن الحظ أننا لم نفعل هذا لأن عاصفة عنيفة هاجت بعد ساعتين . كانت الأمواج عالية جداً لدرجة أنني شككت بأن المتوحشين سيصلون إلى موطنهم في أي وقت وهم أحياء . ظننت أننا لو كنا لاحقناهم لكنا متنا أنا وجمعة غرقاً .


الفصل الثاني عشر
ضيوف كروزو في الجزيرة

حين استعاد أبو جمعة وعيه قليلاً استدعيت دعوت خادمي إليّ . سألت ما إذا كان قد أعطى أباه أي خبز يأكله . أخبرني بأن ليس لديه شيئاً يعطيه له . مددت يدي إلى داخل كيسي وأعطبته خبزاً وزبيباً ليأكله وقليلاً من الروم ليشربه . لم يكد جمعة يعطي أبوه الطعام حتى جرى مبتعداً يأرسع ما يمكنه .
قبل أن أمتشف أين كان يذهب جمعة , أو ما نوى فعله , اختفى عن الأنظار . عاد بعد ساعة ومعه جرة مليئة بالماء العذب وبعض المزيد من الخبز . رشفت رشفة صغيرة من الماء ثن لأخذها جمعة إلى أبيه . كان الرجل العجوز عطشاً جداً وبدا أن الماء يفعل به خيراً من الروم الذي شربه للتو . حين أنهى أبو جمعة الشرب طلبت إلى الخادم أن يأخذ الماء إلى الإسباني , الذي بدا في حاجة ماسة للماء قدر حاجة أبي جمعة .
كان الإسباني يستقر على العشب تحت الشجرة . حين عرض عليه جمعة الماء جلس معتدلاً وشربه بلهفة . أخذت له بعض الخبز وبعض الزبيب الذي أكله بسرعة . حين انتهى أشرت إليه إشارات أن يأتي إلى قارب الكانو , لكنه لم يكن يستطيع بعد القتال أن يقف على قدميه على نحو سليم . رفعه جمعة بين ذراعيه , ووضعه على ظهره وحمله إلى قارب الكانو . هنا خفض الإسباني بلطف إلى أن استقر بجانب والد جمعة . ثم دفع القارب خارجاً في الماء وجذف به في أنحاء الخليج قرب بيتنا . انطلقت لأذهب إلى البيت سيراً على الأقدام . حالما وصل جمعة إلى الخليج , أحضر قارب الكانو إلى الشاطئ ومن ثم جرى ليحضر قارب كانو آخر . كان سريعاً في هذا جداً حتى أنني بالكاد عدت إلى الخليج قبل أن يجذف جمعة بقارب الكانو الثاني إلى الشاطئ .
كان ضيوفنا الجدد غير قادرين على المشي من قارب الكانو إلى بيتنا . صنعت نوعاً من نقالة حملناها أنا وجمعة بيننا . حين وصلنا إلى السور الخارجي واجعتنا مشكلة طيف ندخل الضيوف إلى الداخل . لم نستطع رفع النقالة من فوق السور ولم يستطع الضيوف تسلق السور . حللنا المشكلة بصنع خيمة بشراع قديم ونصبناها خارج السور . كان في داخل الخيمة فراشان من القش مغطيان بأغطية . هنا سيقيم ضيفانا إلى أن نتمكن من إدخالهما إلى داخل الأسوار .
بدأ جمعة في طبخ وجبة , وحالما كانت جاهزة جلست مع ضيوفي لنأكل . كانت جزيرتي الآن مثل مملكة صغيرة . كنت الملك وجلست حول الطاولة حيث كان شعبي . تصرف جمعة كمترجم وأنا أتحدث إلى أبيه . سألت الرجل العجوز ما الذي فكر بأنه حدث مع المتوحشين الذين فروا في قارب الكانو . أجاب بأنه فكر بأنهكك كانوا قد غرقوا في العاصفة . فكر : حتى إذا كانوا قد وصلوا إلى بيوتهم , كانوا خائفين جداً من البنادق إلى درجة أنهم لن يعودوا . بينما الوقت يمضي , ولم يظهر أي قارب كانو , وصلت إلى استنتاج أنه كان على حق .
حين تكلمت إلى الإسباني علمت أن هناك تسعة عشر شخصاً من بلده يعيشون في البر الرئيسي . كانوا قد أُنقذوا من حطام السفينة ويعيشون في سلام جنباً إلى جنب مع المتوحشين .
تابع : " الحياة قاسية جداً في البر الرئيسي , ونحن نفتقر إلى أشياء كثيرة نحتاج إليها . "
سألت : " من أين أتيت حين تحطمت سفينتك ؟ "
أجاب : " جئنا من نهر بلات في الأرجنتين وكنا نتجه إلى هافانا . "
" كيف حدث أنك لم تحاول الهرب أبداً والعودة إلى أسبانيا ؟ "
" غالباً ما تكلمت عن هذا لكن خططنا دائماً كانت تؤدي إلى لا شيء . "
" هل تظن أن رفاقك سيرغبون في أن يأتوا إلى هذه السفينة ومن ثم يهربون معي ؟ "
حين أجاب الإسباني أخبرني بأن حياتهم كانت قاسية جداً حتى أنهم سيرحبون بأي فرصة للهرب . اقترحت أن يعود إلى البر الرئيسي مع جمعة ويبحث الموضوع من زملائه من أبناء بلاده . وإذا رغبوا في أن يأتوا إلى الجزيرة فإنهم يمكنهم أن يعودوا معه في قارب كانوا كبير .
شكرني الإسباني لعرضي , لكنه سأل إذا ما كان لدينا ما يكفي من طعام في الجزيرة لإطعام رفاقه إضافة إلى إطعامنا نحن أنفسنا . كانت هذه مشكلة لم أفكر بها , ورأيت بأننا سنحتاج إلى زراعة المزيد من الحبوب إذا أصبح لدينا الكثير من الناس إلى هذا الحد في الجزيرة . في النهاية , قررنا أن نزرع أرضاً أكثر ونستعمل كل احتياطاتنا من البذور . بحلول وقت الحصاد التالي سيكون لدينا ما يكفي من حبوب ليُطعم الكل .
الآن , وقد كان هناك الكثير جداً منا في الجزيرة إلى هذا الحد في الجزيرة , ان يمكننا أن نتجول في أنحاء الجزيرة بلا خوف من المتوحشين , وانطلقت في الأنحاء مُزيداً عدد قطيعي من الماعز . فعلت هذا بالإمساك بعشرين جدياً صغيراً وتربيتهم . بحثت أيضاً في الجزيرة إلى أن وجدت جزءاً وافراً حيث الأعناب كانت وفيرة . التقطنا أمبر كمية أمكننا حملها معنا , وحين عدنا إلى البيت , علقناها في الشمس لتجف . حين كان حصاد الشعير والرز جاهزاً أصبح لدينا ما يكفي من حبوب ليدوم لدينا حتى الحصاد التالي , حتى لو أتتي المجموعة كلها من البر الرئيسي .
الآن , وقد أصبح لدينا مل يكفي من طعام لكل ضيوفنا , أخبرت الإسباني أن يستعد لرحلته . أخذ هو وأبو جمعة قارباً من الكانو الذي أُحضِرا به إلى الجزيرة كسجينين . فيه وضعوا ما يكفي من طعام لهما وما يكفي من طعام لمواطنيهما لمدة ثمانية أيام . أعطيتهما بندقية لكل واحد منهما وبعض الذخيرة في حالة ما إذا وقعا في متعب .
بعد أن تمنيت لهما رحلةً طيبة راقبتهما وهما ينطلقان . اتفقنا على الإشارة التي سيطلقونها عند عودتهم . كان هذا إلى الحد الذي يجعلني لا أخطئ وأحسب أنهم هم القادمون بدلاً من المتوحشين .

يتبع ...