عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-17-2009, 12:35 PM
 
الفصل السادس
روبنسون كروو يبدأ في اكتشاف جزيرته


في الخامس عشر من حزيران , بعد أن ظللت الجزيرة عشرة أشهر , بدأت أستكشف جزيرتي . في البداية ذهبت إلى أعلى النهر حيث كنت قد أحضرت طوفي إلى الشاطئ لأول مرة . يصبح النهر على مسافة ميلين من أعلى التيار , أصغر كثيراً والماء ندياً وصافياً . وفي اليوم التالي قطعت حتى مسافة أبعد داخل الجزيرة ووجدت أن المنطقة قد أصبحت مكسوة بالأشجار . كانت تنمو أنواع متنوعة من الفاكهة , بما في هذا البطيخ والأعناب . أكلت بعض هذه الفاكهة ووفرت بعض الأعناب , على نحو خاص , لآكلها فيما بعد . جففت بعض الأعناب في الشمس , حتى أحصل على زبيب آكله حين لا تكون هناك فاكهة طازجة في الجوار .
لم أعد للبيت في تلك الليلة لكنني نمت , كما نمت في ليلتي الأولى في الجزيرة , على شجرة . في الصباح التالي مشيت حوالي أربعة أميال وحللت في أجمل الوديان . هنا كان يوجد ينبوع صغير وبدا كل مكان أخضر ومبهجاً للنفس . بدا تقريباً مثل حديقة زُرعت خصيصاً بالفاكهة والأزهار .
أحببت المكان كثيراً جداً حتى أنني غالباً ما عدت هنا حخلال شهر تموز . فكرت تقريباً بالعيش هنا على نحو دائم , لكنني قررت ضد هذا حيث أن الوادي كان بعيداً جداً عن الشاطئ . بدلاً من هذا , قررت أن أبني مأوى صغيراً حتى يمكنني أن آتي وأبقى حينما أحب .
بدأت العمل على الفور , بانياً إياه حسب تصميم بيتي الأول . كان له سياج حوله كله وكنت أدخل إليه عن طريق سلم . بحلول بداية شهر آب كان العمل قد انتهى . كانت الأعناب التي جنعتها في وقت مبكر قد أصبحت الآن جافة تماماً , وأنزلت الكتل من على الشجرة حيث كانت معلقة . حين عدت إلى بيتي على الساحل أخذت معي بعض الزبيب . كنت مسروراً جداً بأنني فعلت هذا لأن السماء بدأت تمطر مطراً غزيراً بعد أسبوعين . أمطرت كل يوم بعد ذلك إلى منتصف شهر تشرين . أحياناً أمطرت بغزارة شديدة حتى أنني لم أستطع طيلة أيام بلا انقطاع أن أترك بيتي .
حالما توقفت الأمطار وأصبح الطقس مستقراً , قمت برحلة مرة أخرى إلى أعلى النهر . في الوادي وجدت كل شيء تماماً كما تركته . كانت الأوتاد , التي غرستها داخل الأرض , قد امتدت جذورها وحلت الشتلات الخضر في كل مكان يرى . مع مرور الأيام , أصبحت قادراً على تقليمها حتى أن بيتي أصبح محاطاً بسياج طويل أخضر . قررت أن أقطع بعض المزيد من الأوتاد لأعود بها إلى الساحل معي , لأرى ما إذا كان يمكنني أن أزلاع سياجاً مشابهاً حول بيتي الأول . استعلمت الفروع الأصغر من هذه الأوتاد لحبك سلاسل . كانت محاولاتي الأولى في هذا خاماً إلى حد ما , لكن بعد وقت أصبحت قادراً على أن أصنع سلة خدمت غرضي جيداً إلى حد كاف .
أردت أن أرى كيف يبدو الجانب الآخر من الجزيرة . لذلك أخذت بندقيتي , والفأس والكلب , وكمية من الطعام وانطلقت . حين كنت قد سافرت لبعد كافٍ لأرى الساحل , رأيت بأن هناك جزيرة أخرى على بعد حوالي عشرين ميلاً . عند لالوصول إلى الشاطئ الآخر من الجزيرة , سرعان ما وصلت إلى استنتاج أن هذا سيكون أفضل جانب للجزيرة للعيش فيه .
هناك بدا أنه يوجد عدد كبير من السلاحف على الشاطئ . على جانبي من الجزيرة رأيت ثلاث سلاحف فقط طيلة إقامتي كلها .وُجد أيضاً كثيراً من الطيور هنا , بما في هذا بعض ما منها ميزت كطيور بطريق . كان هناك المزيد من الماعز أيضاً , لكن , ولأن المنطقة كانت منبسطة , كان من الأصعب علي أن أصيدها بإطلاق النار عليها . استكشفت الشاطئ لمسافة اثني عشر ميلاً قبل أن أعود . نصبت عموداً كبيراً في الرمل لأحدد بعلامة أين كنت قد وصلت , وقررت أن أمشي حول الجزيرة في الاتجاه الآخر في تاريخ لاحق إلى أن أقابل عمودي .
أخيراً سلكت طريقي عائداً إلى بيتي الذي سررت كثيراً جداً في أن أراه ثانية . كنت الآن في الجزيرة لمدة سنتين دون أن تظهر علامة تدل على منقذ .
كنت أتوق للحصول على محصول جيد من الشعير والرز بعد موسم المطر . كان علي أولاً أن أتعامل مع نمطين من الأعداء . عدد من مخلوقات طويلة الأرجل , بدوْ مثل أرانب برية ظهرت وكانت ستأكل كل الشتلات الخضراء . سرعان ما عملت سياجاً أحاط بالمحصول , وفي الليل ربطت كلبي به . أبعد هذا الأرانب البرية , وما كدت أن أنهي السياج حتى بدأت أسراب طيور في الهجوم على الحب قبل أن ينضج . كان التعامل معها أصعب بكثير من التعامل مع الأرانب البرية . حين أطلقت نار بندقيتي ابتعدت , لكن إلى مسافة تصل إلى الأشجار . ما كان ظهري يستدير حتى تعود كلها طائرة إلى الحقل .
قررت أنني سأعلق أجسام الطيور التي أصطادهل على الحقل . أملت أن يخيف هذا الطيور الأخرى ويبعدها . لدهشتي وفرحتي هذا ما حدث ولم أعد أنزعج من الطيور ثانية . لذلك , وفي نهاية شهر كانون الأول أصبحت قادراً على حصد غلتي وجمعت في كيسين رزاً في كيسين ونصف كيس شعيراً . كنت راضياً جداً من هذا المحصول .
خلال موسم المطر أبقيت نفسي منشغلاً بكل أنواع التجارب . كانت واحدة من هذه التجارب صنع قوارير وجرار أخزِّن فيها الطعام والماء . فكرت أنني إذا وجدت مزيداً من الصلصال فسأتمكن من صنع بضع جرار . أملت أن الجرار , حين تحمَّص , ستكون قوية قوة كافية وقاسية تماماً لأستعملها . في البداية , تفتت الثير من جراري , فلم يكن الصلصال قاسياً إلى حد كافٍ لحمل ثقلها نفسه . تشققت جرار أخرى لأنني أبقيتها في الخارج في الشمس مدة طويلة جداً . بعد شهرين من العمل الشاق تمكنت من صنع جرتين كبيرتين . كانتا غير جيدتي الشكل وقبيحتين , لكنني كنت قادراً على استخدامها لخزن الحبوب .
لكنهما لم تستوعبا الماء . كيف يمكن فعل هذا ؟ فكرت بالمشكلة لمدة طويلة من الزمن وبعدئذٍ توصلت إلى الحل بالصدفة . ذات يوم أشعلت ناراً كبيرة لأتمكن من طبخ بعض لحم الماعز . بعد أن أنهيت الطبخ لاحظت قطعة مكسورة من الفخار في النار . كانت قد احترقت وتقسّت وأصبحت كحجر وكانت حمراء كطوبة . جعلني هذا أفكر كيف يمكنني أن أفكر كيف يمكنني ترتيب ناري حتى أحمص الفخاريات كلها .
في المرة التالية التي حاولت فيها صنع الفخار رتبت ناري حولها . ظللت أضع المزيد والمزيد من الخشب على النار إلى أن رأيت بأن الفخار أصبح ساخناً إلى درجة الاحمرار . أبقيتها في تلك الحرارة لخمس ساعات ثم وببطء تركت النار تخمد . راقبت الفخار طيلة الليل حتى لا تخمد النار بسرعة أكثر من اللازم . في الصباح وجدت أنني في هذه المرة صنعت بعض أوعية طبخ فخارية جيدة جداً , وإن لم تكن جميلة . كنت مسروراً جداً بعملي حتى أنني بالكاد انتظرت حتى بردت الأوعية الفخارية قبل أن أختبرها . ملأت واحدة من الأوعية الفخارية بالماء حالما بردت , وغليت الماء . لم يتسرب الماء من الوعاء , فأضفت بعض اللحم ووجدت أنني يمكنني أن أصنع حساءً جيداً جداً . الآن وقد أصبح لدي الكثير جداً من الحبوب أصبحت قادراً على أن أصنع خبزاً . احتجت إلى هاون لسحب الحبوب . لم أستطع أن أجد حجراً مناسباً لذلك استعملت كتلة من خشب قاس جداً . عملت تجويفاً صغيراً في وسطها بحرق الخشب وصنعت مطرقة من خشب معروف بخشب الحديد .
كانت مشكلتي التالية هي فصل القشرة عن الدقيق . أخيراً وجدت بعض القماش المصلي بين رزمة القماش التي أحضرتها من السفينة .
وقامت هذه بعمل منخل لعدة سنين .
كنت الآن مستعداً تماما لأبدأ الخبز ، لكن كان علي أولاً أن أضع تصميم فرن . هذا ما فعلته . صنعت مدفأة من آجر خبزته بنفسي . ثم صنعت بعض الأغطية الفخارية بطول حوالي قدمين وعرض تسعة بوصات . أشعلت ماراً عللى الآجر إلى أن أصبحت ساخنة حقاً . ثم كنست النار وأبعدتها ووضعت خبزي على الآجر وغطيتها كلها . ثم أشعلت النار حولها لها وتركت الخبز يُخبز . وجدت أنني يمكنني , بهذه الطريقة , أن أصنع لا خبزاً فقط بل معجنة أيضاً .


الفصل السابع
روبنسون كروزو يبني قارباً

بدأت ملابسي تتساقط قطعاً متناثرة . كان لدي الوفير من القمصان لكنني كنت أفتقر إلى البناطيل وسترات قصيرة . حل الوقت الآن كي أحاول مهارتي كخياط . كان لدي عدد من جلد الماعز أخذته من الحيوانات التي قنصتها بطلق النار عليها . مططت هذه الجلود وجعلتها تجف في الشمس . كان أول شيء صنعته هو قبعة , قم سترة وبنطالاً , ناسبتني هذه على نحو سيئ جداً لكنها أبقتني بارداً في الطقس الحار وجافاً في المطر . أنفقت الكثير من الوقت والجهد في صنع مظلة . كنت قد رأيتها تُصنع في البرازيل لكنني قمت بعدة محاولات قبل أن أنجح . المشكلة كانت أن أصنع مظلة تُطوى على الفور حين تُرفع . أخيراً أصبحت قادراً على صنع إطار سيهبط بها , وغطيته بجلد ماعز . أمكنني الآن أن أخرج , ليس فقط حين كانت تمطر , بل أيضاً في الضقس الأكثر حرارة .
طيلة هذا الوقت لم تبتعد فكرة الهرب من الجزيرة أبداً عن عقلي . تمنيت لو ظل قصوري معي وقارب الصيد بالشراع الطويل . كنت قد أبحرت تقريباً مسافة ألف ميل على طول الساحل الإفريقي فيه . ذكرني هذا بأحد قوارب سفينتنا الذي اكتُسح ودُفع إلى الشاطئ في جزء آخر من الجزيرة . فكرت بأنني سأذهب وأُلقي نظرة لأرى إن كان يمكن أن يُصلح . كان القارب لا سزال في الرمل حيث كانت العاصفة قد تركته . كان قد قُلب وفيه ثُقب كبير في أحد جوانبه . سرعان ما رأيت أنه يمكن أن يُستخدم بعد وقت قصير .
لذلك قلبت أفكاري في صنع ( كانو ) من جذع شجرة كبيرة . كنت متلهفاً جداً في صنع هذا الكانو حتى أنني لم أكف عن النفكير بالصعوبات التي قد تواجهني . لم يخطر ببالي أنني قد لا أكون قادراً على تنفيذ التصميم . ولم أفكر كيف يمكن أن أوصل قارب الكانو إلى داخل الماء حين أُنهيه .
وجدت شجرة أرز هائلة الحجم بعرض ستة أقدام عند قاع الجذع . بالأدوات البسيطة التي كانت لدي , استغرقت وقتاً طويلاً في قطع الشجرة وقطع كل الفروع . حين فعلت ذلك كانت لا تزال هناك مهمة تشكيل الجذع إلى شيء مثل القارب . بعد أسابيع من عمل شاق صنعت قاربي الكانو كبيراً إلى حد كاف ليستوعبني ويستوعب أي حمولة أريد أن أحملها معي .
كانت مشكلتي التالية هي كيف أصل به إلى الماء . كانت المسافة حوالي مائة ياردة من حيث صنعت قارب الكانو حتى البحر . خططت أن أحفر الرمل لأسمح للماء بالتدفق حو الكانو , فيطفو خارجاً إلى البحر بنفسه . بدأت أحفر قناة صغيرة بعرض ستة أقدام تقريباً وعمق أربعة أقدام . مع أن القناة استغرقت وقتاً طويلاً في حفرها , لم أضن على نفسي في الوقت والطاقة المبذولة في الحفر , بسبب أن لدي الآن قارب أستطيع أن أذهب إلى البحر به . أخيراً انتهت القناة وأصبحت قادراً على طفو قاربي الكانو في الخليج . صنعت سارية وشراعع أيضاً من بعض شراع السفينة القديمة , ووجدت بهذه أن قاربي الكانو يبر بشكل جيدٍ جداً . صنعت أيضاً بعض الخزائن الصغيرة لأتمكن من أخذ ما يكفي من طعام لرحلات أطول إذا رغبت في هذا . ثبَّتُّ مظلتي في القارب الكانو لتعطيني ملاذاً من الشمس وأنا أوجهه . كان هناك أيضاً رفٌّ لبندقيتي حيث كان من السهل الوصول إليها , لكن دون أن تتعرض لخطر إصابتها بالبلل .
حين جهزت كل شيء احتجته في قاربي الكانو , قررت أن أبحر حول الجزيرة . مأت خزائني بالطعام وانطلقت برحلتي في السادس من تشرين الثاني . كان علي أن أُبحر إلى مسافة أبعد مما توقعت , لأن الصخور في النهاية الشرقية من الجزيرة تمتد بعيداً داخل البحر . حين وصلت إلى أمام هذه الصخور رأيت أمامي خليجاً حيث كان الماء سلساً . وجهت قاربي الكانو نحو هذا الخليج , وعند الوصول إليه أحضرت قاربي لصق الشاطئ . ربطته إلى الشجرة , وأمضيت الليلة بين فروعها .
في الصباح بحثت عن خليج آخر حيث استطعت أن أُرسي قارباً في أمان بينما رُحتُ أستكشف المنطقة الريفية . كنت محظوظاً إلى حد كافٍ في أن أجد مرفأً مناسباً تماماً وليس بعيداً . استقر قاربي فيه , كأنه في رصيف رسو صُنع خصيصاً له .
عند الذهاب إلى الشاطئ اكتشفت أنني كنت قريباً تماماً من العمود الذي وضعته منتصباً في الرمل لأحدد بعلامة مكان رحلتي السابقة , ولذلك , كنتُ قرب منزلي في الوادي تماماً . حين وصلتُ إليه , كان من السار جداً أن أرى كل شيء مرتباً . تسبقت السياج , ودخلت المنزل وسرعان ما هيأت نفسي لأكون في بيتي .
بعد إقامة ثلاثة أيام اتجهت عائداً عبر الجزيرة . تركت قاربي الكانو في مرفأه , لأنني أردت أن أتأكد من حركت المد والجزر حول الجزيرة قبل أن أحاول أن أبحر عائداً . كنت قلقاً أيضاص في أن أصل البيت بأسرع ما أستطيع , حتى لا تأكل الطيور والأرانب البرية محصولي من الرز والشعير .
ذات يوم , ليس بوقت بعيد من هذا , سلكت طريقي إلى ذلك الجزء من الجزيرة حيث الصخور تمتد خارجة إلى البحر . وأنا أمشي فكرت بالمشهد العجيب الذي لابد أن أنظر إليه . حتى الآن , كانت كل ملابسي السليمة قد اهترأت تماماً , وقد صنعت بنفسي كل شيء كنت ألبسه . كانت الطاقية على رأسي مصنوعة من جلد الماعز وليس لها شكل مهما كان نوعه . كان لها رفرف يسقط على رقبتي ويقيني من الشمس والمطر . انسدلت السترة المصنوعة من جلد الماعز إلى أسفل الخصر , ولبست بنطالاً من المادة نفسها , انسدل حتى أسفل الركبتين .
لم يكن لدي حذاء ولا جوارب . حول خصري كان هناك حزام مع أنشوطتَيْن جلديتين حملت فيهما فأساً ومنشاراً . ارتفع حزام آخر أضيق فوق كتفي . كان فيه جيبان حيث احتفظت بمسحوق البارود وطلقة لبندقيتي . على ظهري حملت سلتي , وحملت بندقيتي على كتفي , وفوق كل هذا استقرت مظلتي المصنوعة من جلد الماعز .
وأنا ألبس عل هذا النحو شققت طريقي إلى الجزيرة وابتعدت عن البيت طيلة ستة أيام . حين بلغت مقصدي , رأيت أن البحر كان هادئاً وسلساً . لو اخترت الوقت اختياراً صحيحاً , وطبقاً لحركة المد والجزر , لما كان هناك سبب لعد إحضاري قاربي الكانو عائداً إلى هنا بأمان مرة أخرى .

يتبع ...