عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12-17-2009, 11:42 AM
 
الفصل الخامس
المطاردة

تسبب وصول الجنود بقيام الضيوف عن المائدة بارتباك , وحمل السيدة جو العائدة إلى المطبخ خالية اليدين حملها على الوقوف والتحديق متسائلة : " إلهي ! ما الذي حدث للفطيرة ؟ "
فقال الرقيب : " عذراً أيها السيدات والسادة , إنني أقوم بمطاردة باسم الملك , وأريد الحداد . "
وأوضح الرقيب من ثم أن قفل أحد الأصفاد قد تعطل , وحيث أنهم بحاجة إليها على الفور , فقد طلب إلى الحداد التدقيق فيها . حين أخبره جو أن الأمر يستغرق نحو ساعتين , طلب إليه الرقيب المباشرة بالعمل فوراً , وأوعز إلى رجاله لمساعدته .
كنت في حال من الخوف الشديد . لكن حين أدركت أن القيود لم تكن لي , وأن وصول الجنود أنسى شقيقتي أمر الفطيرة , استجمعت بعضاً من أفكاري المشتتة .
سأل السيد ووبسل الرقيب إذا ما كانوا يطاردون أحد المجرمين , فأجابه : " نعم , اثنين . ومعلوم أنهما ما يزالان في المستنقعات , ولن يحاولا الخروج منها قبل الظلام . فهل شاهد أحدكم أي أثر لهما ؟ "
الجميع , باستثنائي , نفى ذلك بشيء من الثقة . ولم يفكر أحد بي , خلع جو معطفه وصدرته وارتدى وزرته الجلدية , ثم توجه إلى دكانه . أشعل أحد الجنود النار وأخذ الثاني ينفخ بالمنفاخ , فيما تحلق الباقون حول النار التي ما لبثت أن تأججت . ثم بدأ جو يعمل بالطرق , ووقفنا جميعاً نراقبه .
في النهاية أنجز جو المهمة , وتوقف الطرق والرنين . وفيما كان جو يرتدي معطفه , اقترح أن يذهب بعضنا مع الجنود لمشاهدة نتيجة المطاردة . فقال السيد ووبسل إنه سيذهب لو فعل جو . ووافقت السيدة جو , بدافع من الفضول لتعرف ما سيحدث وما سينتهي إليه الأمر , وافقت على ذهاب , وسمحت لي بمرافقته .
لم ينضم إلينا أحد من القرية , فالطقس كان بارداً ينذر بالمطر , والطريق مظلم والليل بدأ يزحف . أشعل الناس المواقد في بيوتهم وقبعوا أمامها . هطل البارد علينا عند خروجنا من ساحة الكنيسة متجهين نحو المستنقعات , فحملني جو على ظهره .
اتجه الجنود نحو الحصن القديم , وكنا نسير وراءهم على بعد مسافة قصيرة حين توقفنا فجأة . إذ حملت إلينا أجنحة الريح والمطر , صيحة طويلة . ثم تكرر ذلك . وبدا أن صيحتان أو أكثر تنطلقان معاً . وكلما اقتربنا من الصياح , كنا نسمع صوتاً ينادي : " جريمة ! " وآخر ينادي : " مجرمون ! فارون ! حراس ! هذه هي الطريق إلى السجناء الفارّين . " بعد ذلك بدا وكأن الصوتان يختنقان في عراك لينطلقا من جديد . حين سمع الجنود ذلك , ركضوا كالغزلان , وكذلك فعل جو .
قال الرقيب لاهثاً وهو يصارع في أسفل حفرة : " هنا يوجد الرجلان , استسلما كلاكما , اللعنة عليكما أيها الوحشين ! تقدما كل على حدة . "
كانت الماء تتناثر والوحل يتطاير والشتائم تنهال والضربات تسدّد حين نزل مزيد من الرجال إلى الحفرة لمساعدة الرقيب , فسحبوا المجرمين كل على حدة . كان كلاهما ينزفان ويلهثان ويلعنان ويكافحان , ولا غرو فقد عرفتهما مباشرة .
قال المجرم صاحبي : " تذكر ! " وهو يمسح الدم عن وجهه بأكمامه الممزقة , ويزيل الشعر المنتوف عن أصابعه , " لقد ألقيت القبض عليه وسلمته لكم ! تذكروا ذلك ! "
فقال السرجنت : " ليس هذا بالأمر الهام . لن ينفعك هذا كثيراً يا صاحبي , فأنت مجرم فارّ . عليك بالأصفاد . " كان السجين الآخر مصاباً , وقد تمزقت جميع ثيابه .
وأول ما قال : " انتبه أيها الحارس ! لقد حاول أن يقتلني . "
فقال المجرم صاحبي بازدراء : " حاولت أن أقتله ؟ حاولت ولم أفعل ؟ لقد اعتقلته وها أنا أسلمه . هذا ما فعلته . إنني لم أمنعه من الهرب خارج المستنقعات وحسب , بل سحبته إلى هنا ـ سحبته كل هذه المسافة . إنه سيد وقور , لو سمحت , هذا الحقير . والآن فقد استعادت سفينة الاعتقال سيدها ثانية بواسطتي . وهل أقتله ؟ فهو لا يستحق أن أقتله في حين أستطيع القيام بما هو أسوأ , وأعيده ثانية . "
كان الرجل الآخر ما يزال يلهث : " لقد حاول ـ لقد حاول أن يقتلني . اشهدوا ـ اشهدوا على ذلك . "
فقال المجرم الآخر للرقيب : " انظر هنا , لقد أفلتّ من سفينة الاعتقال وحدي ـ وقمت بهجوم وحققت ذلك . كان بإمكاني كذلك الإفلات من هذه المستنقعات الباردة ـ أنظر ‘لى قدمي : فلن تجد أثراً للحديد فيها ـ لو لم أكتشف وجوده هنا . وهل أدعه يذهب طليقاً ؟ وأتركه يستفيد من لاوسائل التي اكتشفتها ؟ أأدعه يستغلني ثانية ؟ مرة أخرى ؟ لا , لا , لا . لو مت في الأسفل لبقيت ممسكاً به بهذه القبضة , حيث كنت ستجده في قبضتي بالتأكيد . "
قال الرقيب : " كفى هذا الجدال . أضئ تلك المشاعل . "
وفيما التفت المجرم صاحبي للمرة الأولى , وقع نظره علي . كنت قد نزلت عن ظهر جو حين وصلنا المكان , ولم نتحرك منذ ذلك الوقت . تطلعت إليه بتوقٍ حين نظر إلي . وحركت يدي قليلاً وأومأت برأسي . كنت أنتظر أن ينظر إلي , لعلي أستطيع تأكيد براءتي إليه . رمقني بنظرة لم أفهمها , وقد حصل كل ذلك بلحظة . أضيئت المشاعل , وأعطى الرقيب أوامره للسير . بعد ساعة تقريباً , وصلنا إلى كوخ خشبي , بال قرب مرسى للقوارب . كان هناك حارس داخل الكوخ , يضع ما يشبه التقرير , ويدون أمراً في سجل لديه . اقتيد المجرم الذي أدعيه المجرم الآخر , برفقة حارسه إلى متن السفينة أولاً .
وفجأة التفت المجرم صاحبي للرقيب واعترف لدهشة الجميع ـ أنه سرق من بيت الحداد بعض الطعام وفطيرة وبعض المشروب . عاد الزورق , وكان حارسه جاهزاً , فتبعناه إلى مكان المرسى ورأيناه يصعد إلى القارب الذي كان يجذفه مجموعة من المجرمين أمثاله .
هتف واحد من الزورق وكأنه يتحدث مع كلاب : " افسحوا الطريق . " وكان يعني بذلك بدأ التجذيف . ومن خلال ضوء المشاعل , رأينا الشفينة السوداء على مسافة قصيرة من وحل الشاطئ , وكأنها سفينة نوح .
وبدت السفينة لعينيّ الصغيرتين وهي محاطة ومقيدة بسلال ضخمة صدئة كأنها مقيدة بالحديد كالسجناء . رأينا الزورق يمر بجانبها , ورأيناه يُقتاد إليها ثم يختفي ...

رد مع اقتباس