عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-26-2009, 10:08 PM
 
حبة الكستناء - بشرى الخدام

حبة الكستناء

مددت يدي لألتقط أولى الزهرات اليانعة بحنو بالغ ، انها زهرات النرجس التي تفاجئني كل عام بأريجها العبق ، مخالفة قوانين الطبيعة بازهارها في فصل الشتاء ، تأملت لزوجة السائل الأخضر فوق أصابعي ، ثم تحسست راحة يدي متسائلة : هل رحلت لتترك طيفك بعهدتي ، أم أخذت معك تفكيري ليس الا ؟
تأملت تلك الندبة ثم تحسستها كمن يداعب وجنتي طفل رضيع وتذكرت حين عصفت رياح الثلج بمنطقة الوادي ذات عام ، لم أكن ابلغ حينها الا سنوات البراءة والسذاجة ، وأذكر جيدا خروجي بحثا عن بصلة النرجس لأطمئن أنها بامان ، خرجت غير آبهة للصقيع ، وبختني أمي وزجت بي قرب المدفأة بنظرة تحمل من الحنان أكثر مما تحمل من التوبيخ والتعنيف ، فوجئت يومها بحبات الكستناء قرب المدفاة ، مازال السؤال يحيرني : لم لون الكستناء وأثرها في يدي يسكن عينيك ؟ أدركت أن لعينيك أيضا مذاق الكستناء الطري ، ولون البياض فيهما اسطورة تحكي كل لب عاشق .
لم اكن أشعر بالبرودة اطلاقا حين التقيت بحبات الكستناء فوق المدفأة بعد زمن طويل حين نظرت اليك مباشرة كانني أفتش سراديب الذاكرة بحثا عنك أو عن شيء يشبه لون الاحتراق البني داخلك ؟
كانت امي تقلب حبات الكستناء فوق الموقد برفق ، لكم تمنيت حينها أن أمتلك تلك الجلادة لأحرك الحبات التي عثرت عليها الآن... أن أسرق مهارة أمي في ذلك .
لم تفلح ضوضاء المكان من حولي في انتشالي من حالة التأمل ومعرفتي التي أحصل عليها في صمت الحبات وقسوتها ،ما فاجاني حقا أنك تمتلك هذا الصمت ...... حين فتحت لي أمي احدى الحبات وتذوقتها سكرت لطعمها الدافئ وتساءلت هل لقلبك هذا الطعم أيضا ؟
ندف الثلج تثور قرب النافذة ثم تجري أدراج الرياح كانها تختلس النظر الى دفء المواقد وحركة اليدين السمراوين وهما تحيكان سترة الصوف يلفها عطر الكستناء .
لوجنتي لون الاحتراق، اغالب نعاسي حيث ذهبت أمي لشانها ، فتحت جفوني الكسيرة وجذبني بريق المشبك النحاسي قرب الموقد فاجتاحتني رغبة تولي دفة القيادة ، رفعته عاليا وبحذر شديد حركت الحبات فقفزت الى الجهة المقابلة وأصدرت فرقعة تزامنت مع حشرجة الموقد ثم هدأت ..... وأعدت الكرة ...
كيف كنت تحاول الهرب من نظراتي ثم تناديني .. لم أكن أريد احراجك .. أريد النظر اللجوج... لاستفهم هل لهما لون الكستناء ؟ هل هناك ما يشفي أسئلتي الملحة غير آبهة لاشتعال الرغبة القاتلة في معرفة لون اللب بل مهتمة لسرك المخفي خلف هذا اللون القاتم والملمس الناعم .....
فلتميز غيظا باقي الحواس لأنها علمت أنني لاأذكر صوتك جيدا بل افضل النظر فقط لأذكر جيدا أنك تخفي شيئا أو بالأحرى تحترق لأخرى ..؟
الملائكة خارج النافذة تشارك رياح الثلج عزفها على قيثارة الروح وظلك يسبق النظر ... عزمت سافعلها .. عزمت على التقاط حبة الكستناء مها حدث فحشرج الموقد عاليا ، أجفلني الصوت وسقط المشبك النحاسي خلف الموقد ، ومددت يدي الصغيرة باصابع مرتعشة محاولة التقاطه ، لكن عبثا حاولت ..
جزعت لقدوم أمي فجأة ... نظرت الى حبة الكستناء بعين كسيرة ، والرياح هي الأخرى بدأت تصفر كأنها تهزأ بعدم قدرتي على الاختيار ... وعزمت ... امتدت يدي بحركة واحدة والتقطت حبة الكستناء ، أخفيتها في يدي وأطبقت عليها باحكام ...
فتح الباب ورايت وجه أمي يتلون حيرة وغضبا حين نظرت الى دموعي المترقرقة ، جزعت فأخفيت يدي أخفي عنها حبة الكستناء ، وأخفي ألمي فقد أنساني الموقف أنها حبة مشتعلة كما عينيك ... لهيب شوق يحترق خلف لون بني مغر وبياض لطيب القلب وفيه الهلاك ...
صرخت بوجهي : ماذا تخفين ؟ وامسكت يدي فوجدتها منكمشة ، نظرت الي وأنا احاول اخفاء بكائي المكتوم من الم احتراق يدي ... فتحت أصابعي بهدوء ، فصرخت باكية بلوعة ... سارعت أمي الى الخارج تحضر دلوا من الماء المثلج ، اقحمت يدي فيه ...شعرت براحة ونشوة تداعبها موسيقا الملائكة خلف النافذة .
حبة الكستناء ملتصقة بالجلد تماما ... عالجتها بصعوبة ، وبكت علي ثم ضمتني ومازالت تبكي ، أخيرا خلصتني من احتراق الكستناء في يدي والذي ترك ندبة مازالت حتى الآن ... نظرت في عينيك ... تحسست الندبة مرة أخرى ، ومازال السؤال يحرقني ... ماذا يوجد داخل حبة الكستناء ؟
بادرت بالسؤال وقلبك القاسي يصدني ويجرحني كقسوة الكستناء ، رغم معالجتي ليدي عند الطبيب .. حيث أصبت بحمى لفترة وجيزة .. الا أني احن لحبة الكستناء .
كيف تركت في نفسي شعورا رائعا بالامتلاك ، فحين قبضت عليها شعرت أنني أمتلك كل شيء جميل وفاتن ، ترى حين قبض نظري على لون الكستناء في عينيك ...هل احترق قلبي كما احترقت يدي ؟ من يدري ؟
أعلم أنك كنت ساحرا ومغريا ....
وكنت أنا كما الطفلة تعبث بموقد عليه .. حبات كستناء ؟
منقول

تم حذف الرابط

التعديل الأخير تم بواسطة *GHADA* ; 06-28-2009 الساعة 10:11 PM