عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-20-2009, 10:49 AM
 
Post الحمد لله ...مات ابني

بسم الله الرحمن الرحيم



من يستطيع ذلك؟

من يصبر عند الصدمة الأولى؟

من يتصبّر فيقول عند نزول المصيبة وحلول الكارثة: (إنا لله وإنا إليه راجعون).



قليل ما هم.

لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري. قالت: إليك عني! فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى. رواه البخاري ومسلم.



هل تأملت العنوان؟

الحمد لله... مات ابني!



أهذا موطن من مواطن الحمد؟

أيكون الحمد على المصيبة؟



قال أبو سنان: دفنت ابني سنانا، وأبو طلحة الخولاني جالس على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي، فقال: ألا أبشرك يا أبا سنان؟ قلت: بلى. قال: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟

فيقولون: نعم.

فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟

فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد. رواه الإمام أحمد والترمذي وهو حديث حسن.



وروى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول الله - تعالى - ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيَّهُ من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة.



حدّث هشام بن عروة بن الزبير بن العوام - رضي الله عنهم - أن أباه عروةَ بنَ الزبير وقعت في رجله الآكلة، فقيل ألا ندعوا لك طبيبا؟ قال: إن شئتم. فقالوا: نسقيك شرابا يزول فيه عقلك، فقال: امض لشأنك، ما كنت أضن أن خلقا يشرب ما يزيل عقله حتى لا يعرف ربّه!! فوُضِع المنشار على ركبته اليسرى، فما سمعنا له حسا فلما قُطِعتْ جعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت.

وما ترك جزأه بالقرآن تلك الليلة.



وكان مرةً في سفر فأصيب عروة بابنه محمد ركضته بغلة في اصطبل فلم يسمع منه في ذلك كلمة، فلما كان بوادي القرى قال: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) ثم قال: اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت واحدا وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفا وأبقيت ثلاثة، ولئن ابتليتَ لقد عافيت، ولئن أخذتَ لقد أبقيت.

قال الوليد بن عبد الملك: ما رأيت شيخا قط أصبرَ من هذا.



أما إنه أعطيَ عطاءً هو خيرُ عطاءٍ وأوسعُه.



فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحدٌ عطاء خيرا وأوسع من الصبر.



والتعزية مما يهوّن المصيبة.



مات ابنٌ لعبد الرحمن بن مهدي، فجزع عليه جزعاً شديداً حتى امتنع عن الطعام والشراب، فبلغ ذلك الإمام الشافعي فكتب إليه أما بعد:



فَعَزِّ نفسك بما تُعَزِّ به غيرك، ولتستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أمضى المصائبِ فقْدُ سرورٍ مع حرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا على اكتساب وزر؛ وأقول:

إني مُعَزِّيكَ لا إني على طمع ***** من الخلود ولكن سُنّةُ الدينِ

فما المُعزِّي بباقٍ بعد صاحبه ***** ولا المُعزَّى ولو عاشا إلى حين

فكانوا يتهادونه بينهم بالبصرة.



حضر ابنُ السماك جنازةً فعزَّى أهلها، وقال: عليكم بتقوى الله والصبر، فإن المصيبةَ واحدةٌ إن صبر لها أهلُها، وهي اثنتان إن جزعوا؛ ولعمري للمصيبة بالأجر أعظم من المصيبة بالميت، ثم قال: لو كان مَنْ جَزِعَ على مَيِّتِهِ رُدَّ إليه لكان الصابرُ أعظمَ أجراً وأجزل ثواباً.



تَعَزَّ فإن الصبر بالحرِّ أجمل.... وليس على ريب الزمان مُعَوّل

فلو كان يُغني أن يُرى المرء.... جازعا لحادثة أو كان يُغني التذلل

لكان التّعزي عند كل مصيبة.... ونائبة بالحُرِّ أولى وأجملُ



ومما يُخفف من وقع المصيبة أن يتأمل العبد في ذلك الميت:

فإن كان صغيرا فربما كان في موته خير له ولوالديه إذا احتسبا الأجر

وربما كان في موته خير لوالديه.

كيف ذلك؟



تأمل قصة موسى مع الخضر – عليهما السلام – كيف قتل الخضر غلاماً صغيراً حتى قال موسى: (أقتلت نفسا زكية)؟

لكن ما خفي على موسى - عليه الصلاة والسلام - وأظهره الله للخضر هو حقيقة ذلك الطفل لو عاش.

قال - عليه الصلاة والسلام -: إن الغلام الذي قتله الخضر طُبِعَ كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً. متفق عليه.

وهذا ما خشيه الخضر: (فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا * فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحماً).

وهذا من لطف الله بعباده، أن خلّص أبويه منه حتى لا يُرهقهما طغيانا وكفراً بالله، بل أبدلهما خيرا منه وأزكى، وقد ورد أنه سبحانه أبدلهما به وخلف عليهما جارية ولدت نبياً أو أنبياء.



فسبحان من بيده ملكوت كل شيء...

كم في طيّات الأمور من ألطاف اللطيف الخبير؟

وكم هي العِبَر التي سُتِرت عن العباد...

ولو كُشِفت لهم حجب الغيب لعلموا علم يقين أن الله أرحم بالعباد من أمهاتهم.

ولأدركوا أن المصائب مِحَنٌ في طيّها منح ٌ.

وصدق الله:

(لا تحسبوه شراً لكم).



لا تحسبوه شراً لكم على مستوى الأفراد والشعوب

ما يُصيبك في خاصة نفسك فلا تحسبه شراً لك

وما يُصيب الأمة (لا تحسبوه شراً لكم).



ونحن اليوم نعيش مُصيبة أمّة لا مُصيبة أفراد فحسب

نتعزّى بأن الفجر قادمٌ وبقوّة

ولكن لا بُدّ للفَجر من مخاض، ولا بُد للنور من وِلادة

وعندما ينبلج ضوء الحق تنبهر خفافيش الظلام

ويخنس صوت الباطل

وينقمع كل دَعيٍّ ومُنافق



تنوّعت الجراح فلا اصطبار *** يواجهها ولا قلب يُطيقُ

يُدنّس عرض مُسلِمة وتُرمى *** ويلطم وجهها وغد حليقُ

وتتبعها ملايين الضحايا *** تذوق من المآسي ما تذوق

وكم من مسجد أضحى رُكاماً *** وفي محرابه شبّ الحريقُ

تُعذّبني نداءات اليتامى *** وصانع يُتمهم حُرٌّ طليقُ

تُسافر بي الجراح فليت شعري *** متى يحني على قدمي الطريقُ

يُخادعني العدو فما أُبالي *** وأبكي حين يخدعني الصديق

سألت عن الصمود رجال قومي *** فخاطبني من الإعلام بوقُ

أتنسى أن إسرائيل أختٌ؟ *** لها في المسجد الأقصى حقوق

كأن رجال أمتنا قطيع *** وإسرائيل في صَلَفٍ تسوقُ

وأمتنا تنام على سرير *** تهدهدها المفاتن والفسوق

كتاب الله يدعوها ولكن *** أراها لا تُحسّ ولا تفيق

أقول لأمتي والليل داجٍ *** بِكَفّكِ لو تأملتِ الشروق



والحمد لله رب العالمين
رد مع اقتباس