عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-13-2009, 02:22 PM
 
Smile السنة ومكانتها فى الاسلام وفى اصول التشريع

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


اخوتى واخواتى



قال تعالى فى كتابه((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي
الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً))


هذه الايه الصريحه تدلنا على اتباع سنه رسولنا الحبيب



محمد- صلى الله عليه وسلم – احببت



ان اتحدث على هذا الموضوع المهم جدا



وذالك بنقل ما قاله فضيله الشيخ ابن باز رحمه الله

عليه فى احد كتبه



الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين والصلاة

والسلام على سيد المرسلين ومن اهتدى بهداه إلى يوما لدين، أما بعد:




فهذا بحث مهم يتعلق بالسنة وأنها الأصل الثاني من

أصول الإسلام يجب الأخذ بها والاعتماد عليها إذا

صحت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-،

فأقول: من المعلوم عند جميع أهل العلم أن السنة

هي الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن مكانتها

في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله - عز وجل -،

هي الأصل المعتمد بعد كتاب الله - عز وجل-

بإجماع أهل العلم قاطبة، وهي حجة قائمة مستقلة

على جميع الأمة، من جحدها أو أنكرها أو زعم أنه

يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقط فقد

ضل ضلالاً بعيداً وكفر كفراً أكبر، وارتد عن

الإسلام بهذا المقال، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد

يكون قد كذب الله ورسوله وأنكر ما أمر الله به

ورسوله وجحد أصلاً عظيماً فرض الله الرجوع إليه والاعتماد




عليه والأخذ به، وأنكر إجماع أهل العلم عليه، وكذّب به، وجحده.




وقد أجمع علماء الإسلام على أن الأصول المجمع

عليها ثلاثة: الأصل الأول: كتاب الله، والأصل

الثاني سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام،

والأصل الثالث: إجماع أهل العلم. وتنازع أهل

العلم في أصول أخرى، أهمها: القياس، والجمهور

على أنه أصل رابع إذا استوفى شروطه المعتبرة.



أما السنة: فلا نزاع ولا خلاف في أنها أصل مستقل

وأنها هي الأصل الثاني من أصول الإسلام وأن

الواجب على جميع المسلمين، بل على جميع الأمة

الأخذ بها، والاعتماد عليها والاحتجاج بها إذا صح

السند عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.



وقد دل على هذا المعنى آيات كثيرات من كتاب

الله، وأحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة

والسلام، كما دلّ على هذا المعنى إجماع أهل العلم

قاطبة على وجوب الأخذ بها، والإنكار على من

أعرض عنها أو خالفها.





وقد نبغت نابغة في صدر الإسلام أنكرت السنة

بسبب تهمتها للصحابة - رضي الله عنهم

وأرضاهم-، كالخوارج، فإن الخوارج كفّروا كثيراً

من الصحابة، وفسَّقوا كثيراً منهم، وصاروا لا

يعتمدون بزعمهم إلا على كتاب الله؛ لسوء ظنهم

بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتابعتهم

الرافضة فقالوا: لا حجة إلا فيما جاء من طريق

أهل البيت فقط، وما سوى ذلك لا حجة فيه.



ونبغت نابغة بعد لك، ولا يزال هذا القول يذكر فيما

بين وقت وآخر، وتسمى هذه النابغة الأخيرة

القرآنية، ويزعمون أنهم أهل القرآن، وأنهم يحتجون

بالقرآن فقط، وأن السنة لا يحتج بها؛ لأنها إنما

كتبت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- بمدة

طويلة، ولأن الإنسان قد ينسى وقد يغلط، ولأن

الكتب قد يقع فيها غلط، إلى غير ذلك مما قالوا من

الترهات والخرافات، والآراء الفاسدة، وزعموا أنهم

بذلك يحتاطون لدينهم فلا يأخذون إلا بالقرآن فقط.

وقد ضلوا عن سواء السبيل وكذبوا، وكفروا بذلك كفراً أكبر بواحاً.






فإن الله عز أمر بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام واتباع ما

جاء به، وسمى كلامه وحياً في قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾([1])

ولو كان رسوله - صلى الله عليه وسلم- لا يتبع ولا يطاع

لم يكن لأوامره ونواهيه قيمة.




وقد أمر - صلى الله عليه وسلم- أن تُبلّغ سنته،

فكان إذا خطب أمر أن تبلغ سنته، فدلّ ذلك على أن

سنته - صلى الله عليه وسلم- واجبة الاتباع،

وعلى أن طاعته واجبة على جميع الأمة، كما تجب

طاعة الله تجب طاعة رسوله عليه الصلاة

والسلام، ومن تدبر القرآن العظيم وجد ذلك

واضحاً، قال تعالى في كتابه الكريم في سورة آل

عمران: ﴿وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([2])

فقرن طاعة الرسول بطاعته سبحانه، وقال تعالى:

﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ سورة آل

عمران، فعلّق الرحمة بطاعة الله ورسوله، وقال

سبحانه أيضاً في سورة آل عمران: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾([3]

وقال سبحانه في سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ


فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾([4])،

فأمر سبحانه بطاعة وطاعة رسوله أمراً مستقلاً، وكرّر




الفعل في ذلك ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ﴾ ثم

قال:﴿وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ولم يكرر الفعل؛ لأن طاعة أولي

الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله وإنما تجب في المعروف حيث

كان ما أمروا به من طاعة الله ورسوله ومما لا يخالف أمر الله

ورسوله، ثم بين أن العمدة في طاعة الله ورسوله فقال:﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ﴾

ولم يقل: إلى أولي الأمر منكم، بل قال: ﴿إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ﴾

فد ذلك على أن الرد في مسائل النزاع والخلاف إنما يكون

لله ولرسوله، قال العلماء: معنى ﴿إِلَى اللّهِ﴾: الرد إلى كتاب





الله ومعنى: ﴿وَالرَّسُولِ﴾: الرد إلى الرسول في

حياته، وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.



فَعُلِمَ بذلك أن سنته مستقلة، وأنها أصل متّبع، وقال

جلّ وعلا: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾([5]

وقال سبحانه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾([6])

وقبلها قوله جل وعلا:﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾([7])

فجعل الفلاح لمن اتبعه عليه الصلاة والسلام،؛

لأن السياق فيه عليه الصلاة والسلام: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
فذكر أن الفلاح لهؤلاء المتبعين لنبي الله عليه

الصلاة والسلام دون غيرهم، فدلّ ذلك على أن من

أنكر سنته ولم يتبعه فإنه ليس بمفلح وليس من

المفلحين، ثم قال بعدها: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ يعني:

قل يا محمد: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ



السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ
الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾([8])،
فعلق الهداية باتباعه عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على

وجوب طاعته، واتباع ما جاء به من الكتاب والسنة عليه

الصلاة والسلام، وقال - عز وجل – في آيات أخرى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ
وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾([9]
وقال جل وعلا أيضاً في هذه السورة سورة النور: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([10]
فأفرد طاعته وحدها بقوله: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
وقال في آخر السورة سورة النور: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([11])

فذكر جل وعلا أن





المخالف لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- على

خطر عظيم من أن تصيبه فتنة بالزيغ والشرك

والضلال أو عذاب أليم نعوذ بالله من ذلك، وقال عز

في سورة الحشر: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾([12]).



فهذه الآيات وما جاء في معناها كلها دالة على

وجوب اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، وأن

الهداية والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة كلها

في اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، فمن أنكر

ذلك فقد أنكر كتاب الله، ومن قال: إنه يتّبع كتاب

الله دون السنة فقد كذب وغلط وكفر فإن القرآن

أمر باتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم-، فمن

لم يتبعه فإنه لم يعمل بكتاب الله، ولم يؤمن بكتاب

الله، ولم ينقد لكتاب الله، إذ كتاب الله أمر بطاعة

الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وأمر باتباعه،

وحذر من مخالفته عليه الصلاة والسلام، فمن زعم

أنه يأخذ بالقرآن، ويتبع القرآن دون السنة فقد

كذب؛ لأن السنة جزء من القرآن فطاعة الرسول جزء من





القرآن وقد دلّ على الأخذ بها القرآن وأمر بالأخذ

بها القرآن، فلا يمكن أن ينفك هذا عن هذا، ولا

يمكن أن يكون الإنسان متِّبعاً للقرآن بدون اتباع

السنة، ولا يكون متبعاً للسنة بدون التابع القرآن

فهما متلازمان ولا ينفك أحدهما عن الآخر.



ومما جاء في السنة عن رسول الله - صلى الله

عليه وسلم- ما رواه الشيخان البخاري ومسلم

رحمة الله عليهما في الصحيحين من حديث أبي

هريرة - رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله

عليه وسلم- قال: ((من أطاعاني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله،
ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني))([13]).



وفي صحيح البخاري رحمة الله عليه عن أبي

هريرة - رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله

عليه وسلم- قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: يا رسول الله:
ومن يأبى، قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))([14]
وهذا واضح في أن من عصاه فقد





عصى الله، ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة والعياذ بالله، وفي

المسند وأبي داود وصحيح الحاكم بإسناد جيد عن المقداد بن

معدي كرب الكندي - رضي الله عنه – أن النبي - صلى

الله عليه وسلم- قال: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه))

والكتاب هو القرآن، ومثله معه يعني: السنة، وهي الوحي

الثاني: ((ألا يوشك رجل شبعان يتكئ على أريكته يُحدَّث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينهم كتاب الله،
ما وجدنا فيه من حللا حلّلناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه))([15])
وفي لفظ: ((يوشك رجل شبعان على أريكته يُحدَّث بالأمر

من أمري مما أمرت به ونهيت عنه يقول: بيننا وبينكم كتاب

الله ما وجدنا فيه اتبعناه ألا وإن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرَّم الله))
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.



فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة الرسول

عليه الصلاة والسلام، وأن تعرف قدرها، وأن تأخذ

بها، وتسير عليها





فهي الشارحة والمفسرة لكتاب الله - عز وجل -،

والدالة على ما قدم يخفى من كتاب الله، والمقيدة

لما قد يطلق من كتاب الله، والمخصصة بما قد يعم

من كتاب الله، ومن تدبرَّ كتاب الله وتدبر السنة فقد

عرف ذلك، لأن الله يقول جلَّ وعلا: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾([16]).




فهو المبين للناس ما نزل إليهم عليه الصلاة

والسلام، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها، فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم؟ هذا من أبطل الباطل، فعلم بذلك أنه المبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله، وقال في آية أخرى في سورة النحل: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾([17]).



فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبن للناس ما

اختلفوا فيه، فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا

تعتمد بطل ها المعنى، فهو سبحانه وتعالى بين أنه

- صلى الله عليه وسلم- الذي يبين للناس ما نُزِّل

إليهم، وأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي يفصل النزاع



بين الناس فيما اختلفوا فيه، فدل لك على أن سنته

لازمة الاتباع، وواجبة الاتباع.



وليس هذا خاصاً بأهل زمانه وصحابته - رضي

الله عنهم-، بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم

القيامة، فإن الشريعة شريعة لأهل زمانه ولمن

يأتي بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم

القيامة فهو رسول الله إلى الناس عامَّة، قال
تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾([18]

وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾([19])
فهو رسول الله إلى جميع العالم: الجن والإنس،

العرب والعجم، الأغنياء والفقراء، الحكام

والمحكومين، الرجال والنساء إلى يوم القيامة،

ليس بعده نبيٌّ ولا رسول الله بل هو خاتم الأنبياء

والمرسلين عليه الصلاة والسلام فوجب أن تكون

سنته موضحة لكتاب الله وشارحة لكتاب الله،

ودالة على ما قد يخفى من كتاب الله، وسنته أيضاً

جاءت بأحكام لم يأت بها كتاب الله، جاءت بأحكام

مستقلة شرعها الله - عز وجل – لم تذكر في كتاب

الله سبحانه وتعالى، من ذلك: تفصيل





الصلوات وعدد الركعات، وتفصيل أحكام الزكاة،

وتفصيل أحكام الرضاع، فليس في كتاب الله إلا

الأمهات والأخوات من الرضاع وجاءت السنة

ببقية محرمات الرضاع، فقال - صلى الله عليه وسلم-: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب))([20]

وجاءت السنة بحكم مستقل في تحريم الجمع بين

المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وجاءت بأحكام

مستقلة لم تذكر في كتاب الله في أشياء كثيرة، في

الجنايات والديات، والنفقات وأحكام الزكوات،

وأحكام الصوم والحج إلى غير ذلك.



ولما قال بعض الناس في مجلس عمران بن

حصين - رضي الله عنهما-: (دعنا من الحديث

وحدثنا عن كتاب الله) غضب عمران - رضي الله

عنه وأرضاه-، واشتد إنكاره عليه وقال: (لولا

السنة كيف تعرف أن الظهر أربع والعصر أربع،

والعشاء أربع، والمغرب ثلاث...) إلى آخره.





فالسنة بينت لنا تفاصيل الصلاة، وتفاصيل الأحكام،

ولم يزل الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم-

يرجعون إلى السنة ويتحاكمون إليها ويحتجون

بها، ولما ارتدَّ من العرب من ارتدَّ وقام الصديق -

رضي الله عنه وأرضاه ودعا إلى جهادهم توقف

عمر في ذلك، وقال: كيف نقاتلهم، وقد قال النبي -

صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها))([21]

قال الصديق - رضي الله عنه -: (أليست الزكاة

من حقها – من حق لا إله إلا الله- والله لو منعوني

عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله

عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها)، قال عمر -

رضي الله عنه -: (فما هو إلا أن عرفت أن الله قد

شرح صدر أبي بكر لقتالهم فعرفت أنه الحق)، ثم

وافق المسلمون، ووافق الصحابة واجتمع رأيهم

على قتال المرتدين فقاتلوهم بأمر الله ورسوله.




ولما جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق - رضي

الله عنه – تسأله عن إرثها؟ قال: ما أعلم لك شيئاً

في كتاب الله، ولا في سنة




رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولكن سوف

أسأل الناس، يعني عما جاء في السنة، فسأل

الناس فأخبر أن رسول الله - صلى الله عليه

وسلم- قضى لها بالسدس، فقضى لها بالسدس -

رضي الله عنه وأرضاه-، وهكذا عمر - رضي الله

عنه – لما أشكل عليه حكم إملاص المرأة: وهو

خروج الجنين ميتاً بالجناية على أمه ما حكمه؟

توقف حتى سأل الناس، فشهد عنده محمد بن

مسلمة والمغيرة بن شعبة بأن النبي - صلى الله

عليه وسلم- قضى فيه بغرة عبد أو أمة، فقضى
بذلك.

ولما أشكل على عثمان حكم المعتدة من الوفاة، هل

تكون في بيت زوجها أو تنتقل إلى أهلها؟
فشهدت
عنده فريعة بنت مالك الخدرية أخت أبي سعيد أن

رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمرها أن تعتد في بيت زوجها،
قضى بذلك عثمان - رضي الله عنه – وأرضاه،

ولما سمع علي - رضي الله عنه – عثمان في

بعض حجاته ينهى عن المتعة ويأمر بإفراد الحج

أحرم علي - رضي الله عنه – بالحج والعمرة جميعاً، وقال: (لا أدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بقول أحد من الناس)،

ولما سمع ابن عباس بعض الناس ينكر عليه الفتوى بالمتعة ويحتج عليه بقول أبي بكر وعمر

أنهما يريان إفراد الحج قال: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال


رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وتقولون: قال أبو بكر وعمر)،
ولما ذكر لأحمد - رحمه الله – جماعة يتركون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان الثوري

ويسألونه عما لديه وعما يقول: تعجب! وقال: (عجبت لقومٍ عرفوا الإسناد وصحته يعني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يذهبون إلى رأي سفيان، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([22]).
ولما ذكر عند أيوب السختياني - رحمه الله – رجل يدعو إلى القرآن ويثبط عن السنة قال: (دعوه فإنه ضال).



والمقصود أن السلف الصالح قد عرفوا ها الأمر،

ونبغت عندهم نوابغ بسبب الخوارج في هذا الباب،

فاشتد نكيرهم عليهم وضللوهم، وحذَّروا منهم، مع

أنه إنكار ليس مثل الإنكار الموجود الأخير؛ لأنه

إنكار له شُبهة بالنسبة إلى الخوارج وما اعتقدوه

في الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم- في

بعضهم دون بعض، أما هؤلاء المتأخرون فجاءوا

بداهية كبرى ومنكر عظيم وبلاء كبير، ومصيبة

عظمى حيث قالوا: إن السنة برمتها لا يحتج بها بالكلية لا





من هنا ولا من هنا، وطعنوا فيها وفي رواتها وفي

كتبها، وساروا على هذا النهج الوخيم وأعلنه

كثيراً أحد زعماء العرب فضلّ وأضلَ، وهكذا

جماعة في مصر، وغير مصر فإن من قال بهذه

المقالة، واحد أو جماعة، فقد ضلوا وأضلوا وسموا

أنفسهم بالقرآنيين، وقد كذبوا وجهلوا ما قام به

علماء السنة؛ لأنهم لو علموا بالقرآن لعظَّموا

السنة وأخذوا بها، ولكنهم جهلوا ما دلَّ عليه كتاب

الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- فضلوا وأضلوا.



وقد احتاط أهل السنة كثيراً للسنة حيث تلقوها أولاً

عن الصحابة حفظاً، ودرسوها، وحفظوها حفظاً

كاملاً، وحفظاً دقيقاً حرفياً، ونقلوها إلى من بعدهم،

ثم ألَف العلماء على رأس القرن الأول وفي أثناء

القرن الثاني ثم كثر ذلك في القرن الثالث، ألََّفوا

الكتب، وجمعوا فيها الأحاديث حرصاً على بقائها

وحفظها وصيانتها فانتقلت من الصدور إلى الكتب

المحفوظة المتداولة المتناقلة التي لا ريب فيها ولا

شك، ثم نقَّبوا عن الرجال، وعرفوا ثقاتهم من

كذابيهم وضعفائهم، ومن هو سيء الحفظ منهم حتى حرَّروا





ذلك أتم تحرير، وبيَّنوا من يصلح للرواية، ومن لا

يصلح للراية، ومن يحتج به ومن لا يحتج به،

وأوضحوا ما وقع من بعض الناس من أوهام

وأغلاط، وسجلوها عليهم، وعرفوا الكذابين

والوضاعين، وألَفوا فيهم وأوضحوا أسماءهم، فأيد

الله بهم السنة، وأقام بهم الحجة، وقطع بهم

المعذرة، وزال تلبيس الملبسين وانكشف ضلال

الضالين، فبقيت السنة بحمد الله جلية واضحة لا

شبهة فيها، ولا غبار عليها، وكان الأئمة يعظمون

ذلك كثيراً وإذا رأوا من أحد أي تساهل بالسنة أو

إعراض أنكروا عليه حدَّث ذات يوم عبد الله بن

عمر - رضي الله عنهما- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) ([23])

فقال بعض أبنائه: والله لمنعنهن – عن اجتهاد

منه- ومقصوده أنهن تغيرن، وأنهن قد يتساهلن

في الخروج، وليس قصده إنكار السنة، فأقبل عليه

عبد الله وسبَّه سباً سيئاً وقال: أقول: قال رسول الله وتقول والله لنمنعهن.





ورأى عبد الله بن مغفل المزني - رضي الله عنه –

بعض أقاربه يخذف فقال له: إن رسول الله - صلى

الله عليه وسلم- نهى عن الخذف وقال: ((إنه لا يصيد صيداً، ولا ينكأ عدواً))([24]).
ثم رآه في وقت آخر يخذف، فقال: أقول إن

الرسول نهى عن هذا ثم تخذف، لا كلمتك أبداً.



فالصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم- كانوا

يعظمون هذا الأمر جداً، ويحذرون الناس من

التساهل بالسنة أو الإعراض عنها أو الإنكار لها


برأي من الآراء أو اجتهاد من الاجتهادات، وقال

أبو حنيفة في هذا المعنى - رضي الله عنه ورحمه-

: (إذا جاء الحديث عن رسول الله فعلى العين والرأس، وإذا جاء عن الصحابة - رضي الله عنهم فعلى العين والرأس..)

إلى آخر كلامه. وقال مالك - رحمه الله -: (ما

منا إلاّ رادٌ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر،

يعني النبي - صلى الله عليه وسلم-).


وقال أيضاً: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أقولها)،

وهو اتباع الكتاب والسنة. وقال الشافعي - رحمه الله -:


(إذا رويتُ عن الرسول حديثاً صحيحاً ثم رأيتموني خالفته فاعلموا أن عقلي قد ذهب).

وفي لفظ آخر، قال: (إذا جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقولي يخالفه فاضربوا بقولي الحائط).
وقال أحمد - رحمه الله -: (لا تقلدوني ولا تقلدوا

مالكاً ولا الشافعي وخذوا من حيث أخذنا). وسبق

قوله - رحمه الله -: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد

وصحته يذهبون إلى رأي سفيان والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([25]).



فالأمر في هذا واضح، وكلام أهل العلم في هذا

جلي ومتداول عند أهل العلم، وقد تكلم المتأخرون

في هذا المقام كلاماً كثيراً كأبي العباس ابن تيمية

وابن القيم وابن كثير وغيرهم، وأوضحوا أن من

أنكر السنة فقد زاغ عن سواء السبيل، وأن من

عظَّم آراء الرجال وآثرها على السنة فقد ضل

وأخطأ، وأن الواجب عرض آراء الرجال مهما

عظموا على كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة

والسلام، فما شهدا له أو أحدهما بالقبول




قُبلَ،

وما لا فإنه يرد على قائله، ومن آخِر من كَتَبَ في

هذا الحافظ السيوطي - رحمه الله – حيث كتب

رسالة سماها: (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة)

، وذكر في أولها أن من أنكر السنة وزعم أنه لا

يحتج بها فقد كفر إجماعاً، ونقل كثيراً من كلام السلف في ذلك.



فهذه منزلة السنة من الإسلام، وهذه مكانتها من

الشريعة وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام،

وأنها حجة مستقلة قائمة بنفسها يجب الأخذ بها

والرجوع إليها، وأنه متى صحَّ السند إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-

وجب الأخذ به مطلقاً، ولا يشترط في ذلك أن يكون

متواتراً أو مشهوراً أو مستفيضاً أو بعدد كذا من

الطرق، بل يجب أن يؤخذ بالسنة ولو كانت من

طريق واحدة، متى استقام الإسناد وجب الأخذ

بالحديث مطلقاً بسند واحد أو بسندين أو بثلاثة، أو

بأكثر، سواء سُمِّيَ خبراً متواتراً، أو خبر آحاد، لا

فرق في ذلك، كلها حجة، يجب الأخذ بها، مع

اختلاف ما تقتضيه من العلم الضروري أو العلم

النظري، أو الظني إذا استقام الإسناد وسلم من

العلَّة فالعمل بها واجب، والأخذ بها متعين، متى

صح الإسناد وسلم من العلَّة عند أهل العلم بهذا





الشأن، أما كونه متواتراً، أو كونه مشهوراً أو

مستفيضاً أو آحاداً غير مستفيض ولا مشهور، أو

غريباً، أو غير ذلك فهذه أشياء اصطلح عليها أهل

الحديث في علم الحديث وبيَّنوها في أصول الفقه

أيضاً، وأحكامها عندهم معلومة والعلم بها يختلف

بحسب اختلاف الناس، فإنه قد يكون هذا الحديث

متواتراً عند زيد وعمرو وليس متواترا عند خالد

وبكر لما بينهما من الفرق في العلم، واتساع

المعرفة فقد يروي زيد حديثاً من عشرة طرق أو

من ثمانية، أو من سبعة، أو من ستة أو خمسة

ويقطع هو أنه بهذا متواتر؛ لما اتصف به رواته

من العدالة والحفظ، والإتقان، والجلالة، وقد يروى

الآخر حديثاً من عشرين سنداً، ولا يحصل له ما

حصل لذلك من العلم اليقين القطعي بأنه عن

الرسول - صلى الله عليه وسلم- أو بأنه متواتر.



فهذه أمور تختلف بحسب ما يحصل للناس من

العلم بأحوال الرواة وعدالتهم، ومنزلتهم في

الإسلام، وصدقهم، وحفظهم، وغير ذلك. هذا

يتفاوت فيه الرجال حسب ما أعطاهم الله من العلم

بأحوال رواة الحديث، وصفاتهم، وطرق الحديث

إلى غير ذلك، لكن أهل العلم أجمعوا على أنه متى

صح السند وسلم من العلَّة






وجب الأخذ به، وبيَّنوا أن الإسناد الصحيح هو ما

ينقله العدل الضابط عن مثله، عن مثله، عن مثله،

إلى الصحابة - رضي الله عنهم إلى النبي - صلى

الله عليه وسلم- من دون شذوذ ولا علَّة، فمتى

جاء الحديث بهذا المعنى متصلاً لا شذوذ فيه ولا

علَّة، وجب الأخذ به والاحتجاج به على المسائل

التي يتنازع فيها الناس، سواء حكمنا عليه بأنه

غريب أو عزيز أو مشهور أو متواتر، أو غير ذلك؛

إذ الاعتبار باستقامة السند وصلاحه وسلامته من

الشذوذ والعلّة سواء تعددت أسانيده أم لم تتعدد.




هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وجميع

المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا

جميعاً الفقه في دينه، والاستقامة على ما يرضيه،

وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

إنه جلَّ وعلا جواد كريم، والحمد لله رب العالمين،

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله

وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.




والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته




__________________
امرايف علي نسمتها نعشق سبخها وشطها وبركتها ......
اخريبيشنا والصابري وحومتها....
بعيد عن بحرها مايروق مزاجي...
فيها العرب عاشت علي فطرتها ...
فيها صحابي ورفقتي ...واعزازي
الام الحنونه غيرها مانوازي يومين والثالث علي بنغـــــــــازي
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-13-2009, 04:33 PM
 
رد: السنة ومكانتها فى الاسلام وفى اصول التشريع

وجوب العمل بسنة الرسول


صلى الله عليه وسلم- وكفر من أنكرها

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد

المرسل رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين وعلى آله وأصحابه الذين حملوا

كتاب ربهم سبحانه وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم إلى من بعدهم بغاية الأمانة

والإتقان والحفظ التام للمعاني والألفاظ رضي الله عنهم وأرضاهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان.([1])


أما بعد: فقد أجمع العلماء قديما وحديثا على أن الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام،


وبيان الحلال والحرام في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من

خلفه، ثم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا

وحي يوحى، ثم إجماع علماء الأمة، واختلف العلماء في



أصول أخرى أهمها: القياس، وجمهور أهل العلم على أنه حجة إذا استوفى شروطه

المعتبرة، والأدلة على هذه الأصول أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر.


أما الأصل الأول: فهو كتاب الله العزيز وقد دل كلام ربنا عز وجل في مواضع من

كتابه على وجوب اتباع هذا الكتاب والتمسك به والوقوف عند حدوده قال تعالى:

﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾([2])

وقال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([3])

وقال تعالى:﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ, يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ

سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾([4])

وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ, لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ


خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾

([5])، وقال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾([6]

وقال تعالى: ﴿هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾([7])

والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقد جاءت الأحاديث الصحاح عن رسول الله -

صلى الله عليه وسلم- آمرة بالتمسك بالقرآن والاعتصام به، دالة على أن من تمسك ب
ه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلال ومن ذلك ما ثبت عنه - صلى الله

عليه وسلم- أنه قال في خطبته في حجة الوداع: ((إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله))([8])

رواه مسلم في صحيحه، وفي صحيح مسلم أيضا عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه

- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به))
فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: ((وأهل


بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي))([9]) وفي لفظ قال في

القرآن: ((هو حبل الله من تمسك به كان على الهدى ومن تركه كان على الضلال)).

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وفي إجماع أهل العلم والإيمان من الصحابة ومن


بعدهم على وجوب التمسك بكتاب الله والحكم به والتحاكم إليه مع سنة رسول

الله - صلى الله عليه وسلم- ما يكفي ويشفي عن الإطالة في ذكر الأدلة الواردة في

هذا الشأن.


أما الأصل الثاني: من الأصول الثلاثة المجمع عليها فهو ما صح عن رسول الله -

صلى الله عليه وسلم- من أقواله وأفعاله وتقريره، ولم يزل أهل العلم من أصحاب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم يؤمنون بهذا الأصل الأصيل

ويحتجون به ويعلمونه الأمة، وقد ألَّفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة وأوضحوا ذلك في

كتب أصول الفقه والمصطلح، والأدلة على ذلك لا تحصى كثرة؛ فمن ذلك ما جاء

في كتاب الله العزيز من الأمر باتباعه



وطاعته وذلك موجه إلى أهل عصره ومن بعدهم؛ لأنه رسول الله إلى الجميع، ولأنهم

مأمورون باتباعه وطاعته حتى تقوم الساعة؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام هو المفسر

لكتاب الله والمبين لما أجمل فيه بأقواله وأفعاله وتقريره.

ولولا السنة لم يعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات وصفاتها وما يجب فيها، ولم

يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات وما أوجب الله بها من حدود


وعقوبات. ومما ورد في ذلك من الآيات قوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَأَطِيعُوا

اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([10])

وقوله تعالى في سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾([11]).

وقال تعالى في سورة النساء أيضاً: ﴿مَنْ يُطِعِ


الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾([12])،

وكيف يمكن طاعته، ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله إذا كانت

سنته لا يحتج بها، أو كانت غير محفوظة؟ وعلى هذا القول يكون الله قد أحال عباده

إلى شيء لا وجود له وهذا من أبطل الباطل ومن أعظم الكفر بالله وسوء الظن به.

وقال - عز وجل - في سورة النحل: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾([13])
وقال أيضا في آية أخرى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾([14])
فكيف يكل الله سبحانه إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم- تبيين المنزل إليهم، وسنته لا وجود لها أو لا حجة فيها، ومثل ذلك قوله تعالى في سورة النور: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ


إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾([15])
وقال تعالى في السورة نفسها: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([16]).

وقال في سورة الأعراف: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي
وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾([17]).
وفي هذه الآيات الدلالة الواضحة على أن الهداية والرحمة في اتباعه عليه الصلاة

والسلام، وكيف يمكن ذلك مع عدم العمل بسنته أو القول بأنه لا صحة لها أو لا

يعتمد عليها؟ فقال - عز وجل - في سورة النور: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([18])

وقال في سورة الحشر:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾([19]).


والآيات في هذا المعنى كثيرة وكلها تدل على وجوب طاعته عليه الصلاة والسلام

واتباع ما جاء به كما سبقت الأدلة على وجوب اتباع كتاب الله والتمسك به

وطاعة أوامره ونواهيه، وهما أصلان متلازمان من جحد واحداً منهما فقد جحد

الآخر وكذب به وذلك كفر وضلال وخروج عن دائرة الإسلام بإجماع أهل العلم

والإيمان، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في وجوب

طاعته واتباع ما جاء به وتحريم معصيته، وذلك في حق من كان في عصره، وفي حق

من يأتي بعده إلى يوم القيامة، ومن ذلك ما ثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي

هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أطاعني فقد

أَطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله))وفي صحيح البخاري عنه - رضي الله عنه -

أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل يا

رسول الله: ومن يأبى، قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)). وخرج

أحمد وأبو داود والحاكم بإسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله

- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك

رجل شبعان على


أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم
فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه)).


وخرج أبو داود وابن ماجه بسند صحيح: عن ابن أبى رافع عن أبيه عن النبي -

صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من

أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)).
([20])


وعن الحسن بن جابر قال: سمعت المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه -

يقول: حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر أشياء ثم قال: ((يوشك

أحدكم أن يكذبني وهو متكئ يحدث بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما

وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا إن ما حرم
رسول الله مثل ما حرم الله))([21]).
أخرجه الحاكم والترمذي



وابن ماجه بإسناد صحيح. وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه

وسلم- بأنه كان يوصي أصحابه في خطبته أن يبلغ شاهدهم غائبهم ويقول لهم: ((رب مبلغ أوعى من سامع))([22]).


ومن ذلك ما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما خطب الناس في

حجة الوداع في يوم عرفة وفي يوم النحر قال لهم: ((فليبلغ الشاهد الغائب فرب من يبلغه أوعى له ممن سمعه))([23])
.
فلولا أن سنته حجة على من سمعها وعلى من بلغته،

ولولا أنها باقية إلى يوم القيامة لم يأمرهم بتبليغها.

فعلم بذلك أن الحجة بالسنة قائمة على من سمعها

من فيه عليه الصلاة والسلام وعلى من نقلت إليه بالأسانيد الصحيحة.

وقد حفظ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سنته عليه الصلاة والسلام

القولية والفعلية وبلغوها من بعدهم من


التابعين ثم بلغها التابعون من بعدهم. وهكذا نقلها العلماء الثقات جيلا بعد جيل

وقرنا بعد قرن، وجمعوها في كتبهم وأوضحوا صحيحها من سقيمها، ووضعوا لمعرفة

ذلك قواعد وضوابط معلومة بينهم يعلم بها صحيح السنة من ضعيفها وقد تداول

أهل العلم كتب السنة من الصحيحين وغيرهما وحفظوها حفظا تاما كما حفظ الله

كتابه العزيز من عبث العابثين وإلحاد الملحدين وتحريف المبطلين؛ تحقيقا لما دل عليه

قوله سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾([24]).

ولا شك أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وحي منزل فقد حفظها الله

كما حفظ كتابه، وقيض الله لها علماء نقاداً ينفون عنها تحريف المبطلين وتأويل

الجاهلين ويذبون عنها كل ما ألصقه بها الجاهلون والكذابون والملحدون؛ لأن الله

سبحانه جعلها تفسيراً لكتابه الكريم وبياناً لما أجمل فيه من الأحكام، وضمنها

أحكاما أخرى لم ينص عليها الكتاب العزيز، كتفصيل أحكام الرضاع وبعض أحكام المواريث وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها



وبين المرأة وخالتها إلى غير ذلك من الأحكام التي جاءت بها السنة الصحيحة ولم

تذكر في كتاب الله العزيز.

ونذكر بعض ما ورد عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم في تعظيم

السنة ووجوب العمل بها.

في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-

وارتد من ارتد من العرب، قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: والله لأقاتلنَّ


من فرق بين الصلاة والزكاة، فقال له عمر رضي الله عنه: كيف تقاتلهم وقد قال

النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله

فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)).

فقال أبو بكر الصديق: أليست الزكاة من حقها والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها

إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها،

فقال عمر - رضي الله عنه -: فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي

بكر للقتال فعرفت أنه الحق)).

وقد تابعه الصحابة - رضي الله عنه - على ذلك

فقاتلوا أهل الردة،

حتى ردوهم إلى الإسلام وقتلوا من أصر على ردته، وفي هذه


القصة أوضح دليل على تعظيم السنة ووجوب العمل بها.

وجاءت الجدة إلى الصديق - رضي الله عنه - تسأله عن ميراثها فقال لها: ليس لك


في كتاب الله شيء ولا أعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قضى لك


بشيء، وسأسأل الناس، ثم سأل - رضي الله عنه - الصحابة فشهد عنده بعضهم

بأن النبي - صلى الله عليه وسلم-
أعطى الجدة السدس فقضى لها بذلك، وكان عمر

رضي الله عنه يوصي عماله أن يقضوا بين الناس بكتاب الله فإن لم يجدوا القضية في


كتاب الله، فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.

ولما أشكل عليه حكم إملاص المرأة وهو إسقاطها جنينا ميتا بسبب تعدي أحد عليها،
سأل الصحابة رضي الله عنهم عن ذلك فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة بن

شعبة رضي الله عنهما بأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قضى في ذلك بغرة عبد أو

أمة فقضى بذلك - رضي الله عنه -. ولما أشكل على عثمان - رضي الله عنه -

حكم اعتداد المرأة في بيتها بعد وفاة زوجها وأخبرته فريعة بنت مالك بن سنان أخت

أبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمرها بعد وفاة زوجها

أن تمكث في بيته حتى يبلغ الكتاب أجله قضى بذلك رضي الله عنه وهكذا قضى

بالسنة في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة. ولما بلغ علياً - رضي الله عنه - أن عثمان رضي


الله عنه ينهى عن متعة الحج، أهلَّ علي - رضي الله عنه - عنه بالحج والعمرة

جميعاً، وقال: (لا أدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقول أحد من ا

لناس) , ولما احتج بعض الناس على ابن عباس رضي الله عنهما في متعة الحج بقول

أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في تحبيذ إفراد الحج قال ابن عباس: (يوشك أن تنزل

عليكم حجارة من السماء, أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-

وتقولون: قال أبو بكر وعمر).

فإذا كان من خالف السنة لقول أبي بكر وعمر تخشى عليه العقوبة فكيف بحال من

خالفها لقول من دونهما أو لمجرد رأيه واجتهاده.


ولما نازع بعض الناس عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في بعض السنة قال له عبد ا

لله: (هل نحن مأمورون باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم- أم باتباع عمر؟) ولما

قال رجل لعمران بن حصين رضي الله عنهما: حدثنا عن كتاب الله وهو يحدثهم

عن السنة غضب - رضي الله عنه - وقال: (إن السنة هي تفسير كتاب الله ولولا

السنة لم نعرف أن الظهر أربع والمغرب ثلاث والفجر ركعتان ولم


نعرف تفصيل أحكام الزكاة إلى غير ذلك مما جاءت به السنة من تفصيل الأحكام).

والقضايا عن الصحابة رضي الله عنهم في تعظيم السنة ووجوب العمل بها والتحذير

من مخالفتها كثيرة جداً. ومن ذلك أيضاً أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما

حدث بقوله - صلى الله عليه وسلم-: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله))قال بعض

أبنائه: والله لنمنعهن، فغضب عليه عبد الله وسبه سباً شديداً وقال أقول: قال رسول

الله وتقول والله لنمنعهن، ولما رأى عبد الله بن المغفل المزني - رضي الله عنه - وهو

من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعض أقاربه يخذف نهاه عن ذلك

وقال له: ((إن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن الخذف وقال: إنه لا يصيب

صيدا وينكأ عدواً، ولكنه يكسر السن ويفقأ العين))، ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال:

والله لا كلمتك أبداً، أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الخذف ثم

تعود، وأخرج البيهقي عن أيوب السختياني التابعي الجليل أنه قال: (إذا حُدِّث

الرجل بسنة فقال دعنا من هذا، وأنبئنا عن القرآن فاعلم أنه ضال)، وقال الأوزاعي




رحمه الله: (السنة قاضية على الكتاب ولم يجئ الكتاب قاضيا على السنة)، ومعنى

ذلك: أن السنة جاءت لبيان ما أجمل في الكتاب أو تقييد ما أطلقه أو بأحكام لم

تذكر في الكتاب، كما في قول الله سبحانه: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾([25]).
وسبق قوله - صلى الله عليه وسلم-: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه))، وأخرج البيهقي عن عامر الشعبي - رحمه الله - الله أنه قال لبعض الناس: (إنما هلكتم في حين تركتم الآثار)
يعني بذلك الأحاديث الصحيحة، وأخرج البيهقي أيضا عن الأوزاعي رحمه الله أنه

قال لبعض أصحابه: (إذا بلغك عن رسول الله حديث فإياك أن تقول بغيره فإن

رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان مبلغا عن الله تعالى.)

وأخرج البيهقي عن الإمام الجليل سفيان بن سعيد الثوري - رحمه الله - أنه قال:

(إنما العلم كله العلم بالآثار).

وقال مالك - رحمه الله -: (ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر)،

وأشار إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وقال أبو حنيفة - رحمه الله - الله: (إذا
جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فعلى الرأس والعين)

، وقال الشافعي - رحمه الله -: (متى رويت عن رسول الله - صلى الله عليه

وسلم- حديثاً فلم آخذ به فأُشهدكم أن عقلي قد ذهب)، وقال أيضا رحمه الله:

(إذا قلت قولاً وجاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بخلافه فاضربوا بقولي الحائط)،
وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - لبعض أصحابه: (لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي وخذ من حيث أخذنا)
. وقال أيضا - رحمه الله -: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته عن رسول الله -

صلى الله عليه وسلم- ويذهبون إلى رأي سفيان والله سبحانه يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([26])
ثم قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك لعله إذا رد بعض قوله عليه الصلاة والسلام أن يقع في قلبه شيء من
الزيغ فيهلك).

وأخرج البيهقي عن مجاهد بن جبر التابعي الجليل أنه قال في قوله سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾([27]
قال: (الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول الرد إلى السنة).


و
أخرج البيهقي عن الزهري رحمه الله أنه قال: (كان من مضى من علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة)
، وقال موفق الدين بن قدامة - رحمه الله - في كتابه روضة الناظر، في بيان أصول ا
لأحكام ما نصه: (والأصل الثاني من الأدلة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقول رسول الله - صلى الله عليه و
سلم- حجة؛ لدلالة المعجزة على صدقه وأمر الله بطاعته وتحذيره من مخالفة أمره). انتهى المقصود.

وقال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ

أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي عن أمر رسول الله صلى الله

عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال

بأقواله وأعماله فما وافق ذلك قبل وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله، كائناً

من كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-

أنه قال: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))([28]) أي: فليخش وليحذر

من خالف شريعة الرسول باطناً أوظاهراً: ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو


بدعة،
﴿أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك، كما

روى الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما

حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله
ا جعل الفراش وهذه الدواب اللائي
يقعن في النار يقعن فيها، وجعل
يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها قال فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار فتغلبوني وتقحمون فيها))([29])
أخرجاه من حديث عبد الرزاق وقال السيوطي - رحمه الله - في رسالته المسماة

"مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" ما نصه:
(اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في
الأصول حجة كفر، وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة)
. انتهى المقصود.


والآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم في تعظيم السنة ووجوب

العلم بها والتحذير من مخالفتها كثيرة جدا، وأرجو أن يكون في ما ذكرنا من الآيات

والأحاديث والآثار كفاية ومقنع لطالب الحق، ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين

التوفيق لما يرضيه والسلامة من أسباب غضبه، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم إنه

سميع قريب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه

وأتباعه بإحسان
__________________
امرايف علي نسمتها نعشق سبخها وشطها وبركتها ......
اخريبيشنا والصابري وحومتها....
بعيد عن بحرها مايروق مزاجي...
فيها العرب عاشت علي فطرتها ...
فيها صحابي ورفقتي ...واعزازي
الام الحنونه غيرها مانوازي يومين والثالث علي بنغـــــــــازي
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لماذا يحقد الفرس والبويهيون على الاسلام واهل السنة والكتاب؟؟ من لسانهم نفضحهم.. صقروادي الرافدين حوارات و نقاشات جاده 17 06-04-2009 01:50 PM
رفقا أهل السنة بأهل السنة fares alsunna نور الإسلام - 15 08-03-2008 11:27 PM
ملف مواضيع تدوين و كتابة السنة النبوية ورد الشبهات قلب فلسطين النابض نور الإسلام - 9 10-08-2007 08:19 PM
رجال حول الرسول dada2010 نور الإسلام - 2 04-16-2007 04:28 PM
رحلتي من المسيحية الى الاسلام دين الحق المشتاق لله نور الإسلام - 2 03-21-2007 01:27 PM


الساعة الآن 03:54 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011