|
قصص قصيرة قصص قصيرة,قصه واقعيه قصيره,قصص رومانسية قصيرة. |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
إنتظار ما لا يأتي انتظار مالا يأتي بعد التهجير ، وبعد التغريب ، بعد ذلك الدمار الذي لحق بنا من كل جانب ، وبعد تلك الأوجاع ، أصبحت وحيدة ، لا مأوى ولا طعام لديَّ ، لا راحة ولا نومةٌ هنية ، إن وجدت الأكل أكلت ، ويكون أكلي كالطيور ، لأوفر الباقي ، لباقي الأيام ، أبحث عن ما يسترني بين أزقة القمامة ، والكل يعلم بأن حالي وحال غيري الذي في مثل حالتي هو أصعب حاله من بين كل الأحوال . أُضيّفُ نفسي على أبواب المطاعم ، لا أدخلها ولا أطرقها ، إنما أنتظرُ في الخارج ، أنتظر إلى أن تصلني المعونات ، وفي غالب الأوقات أُطرد ، نعم أُطرد لأني أُشَوهُ منظر المكان ، أُحاول بتوسلاتي فينهروني بشدة ، فأنام باقي يومي من دون طعام . أُغير موقعي من مقهى إلى آخر ، وبما أني غيرت المواقع ، غيرت معه الإسلوب أيضا ، أصبحت لا أتوسل ولا أتسول إلا بنظراتي المنكسرة ، أُرسلها للجميع ، أرسلها إلى قلب كل من ينظر إليَّ ، علّي أجد من يشفق ويحن عليَّ فيطلب مني أن أُشاركه أيُّ لقمة ، أفعلها مراتٍ ومرات حتى المساء ، ولكن دون فائدة ، فأعود وتسبقني رؤوس الخيبة بدل أذيالي ، ولأن الليل موحش ومخيف ، أُسرعُ الخطى بين الأزقات لكي أصل بسرعة إلى مخدعي الذي يقع بالقرب من القمامة العامة ، لأشارك زملائي وزميلات نوم المهجرين ، أستلقي تحت صفيح من الحديد وأنام ، متوسداً قطعة من الطوب الأحمر ، وأتغطى بقطعة قماشٍ البالية ، وهذا حالي منذ بداية المأساة . نعم .. مأساة قد حلت بي منذ تلك الأيام ، بعد تلك النعم المتواضعة التي كُنتُ أنعم بها ، بعد سريري الخشبي وغرفتي الدافئة ، بعد كل التواضع الذي كُنتُ أمتلكه ، أجبرت على الفقر .. نعم أُجبر ذلك التواضع على الرحيل ، ليحل مكانه البؤس والفقر ، لقد رحل عني وأخذ معه كل شيء ، وأصبحت على هذا الحال ، أنتظر المحال من المحال ، في أي حال من الأحوال ، حتى مل الصبر من صبري الذي طال . مسكينةٌ أنا ، أنتظر من يساعدني ، أو يفكر أن يساعدني ، لم أُفكر قط مثل الغير ، مثل الذين عاشوا بطرقٍ ملتوية ، بطرق ( خُذ ما تُريد وأعطني ما أُريد ) ، لأنها طرق سريعة الذهاب وتؤدي إلى الضياع ، تؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه . على رصيفٍ متهالك أجلس ، أترنم بما أحفظ من أناشيد وأغاني ، فلفت نظري شخصٌ قد نزل من سيارة الأجرة ، نظرت إليه بعين الإهتمام فلم يعيرني إهتمامه ، ضللتُ أُتابعه بنظراتي عَلّي أجد إلتفاتةٍ منه ، فلم أجدها ، لأنه كان مشغولاً بهاتفه ، فتبعته .. من شارع إلى شارع ، ومن حارة إلى أخرى ، حتى وصل إلى منزله الكبير ودخل ، إنتظرته ، حتى يخرج ، ولم يفعل حتى جن الظلام عليَّ وجعلني أترك المكان . في الصباح ذهبت إليه ، من الجائز إنه سيساعدني للقضاء على هذا الفقر ، ملامحه تقول ذلك ، إنتظرته مرات ومرات عله يخرج ، في كل يوم آتي وأنتظر وهو لا يخرج ، لعلي آتي في وقت هو غير موجود فيه ، سأنتظرة ولن أرحل حتى يأتي . وقفتُ تحت شجرة تقع أما منزله ، أُفكر في الدخول ، وأنا أرمق الداخل والخارج ، أُحاول الدخول ولكني مترددة ، خوفاً من الطرد ، لأني طُردتُ من قبل ، ولكن .. هل سيساعدني ، لا أعرف ، سأنتظر عودته لأعرض عليه طلبي . يهطل المطر وأنا واقفة في الخارج ، أحتمي بتلك الشجرة من زخاته ، ولا أُبالي بما يصيبني من الزخات ، فقط أن منتظرة ذلك الذي رحل ، لأنه سيأتي عاجلاً أم آجلاً ، جلست أنتظر ، حتى غلبني النعاس ونمت ما بين المطر وطين الشجر . صحوت مذعورة لأن نِومي في مكانٍ معزول خطر ، فحمدت لله لم يصيبني سوى رشحٍ خفيف ، وزعت نظراتي بين أرجاء الشارع ، باحثة عنه ، تذكرت بأني نمت ومؤكد بأنه دخل المنزل أثناء نومي أو خرج منه ، تحركت إلى الباب فخرج ، فيا محاسن الصدف ، إن الله يحبني ، فنتبهت له فرحة ، فانتبه لي مصدوم ، إبتسمت له وبتسم لي ، نظرت له بعين الشفقة ، فنظر لي بعين الرحمة ، تمعنت فيه وفي هندامه ، فتمعن فيَّ وفي هندامي الرث ، مشيت إليه فمشى إليَّ ، أنزلت يدي إستعداداً لمصافحته ، فأنزل حقيبته وأدخل يده في جيبه ، ضننت بأن منديله الذي في جيبه سيسبقه إلى وجنتي الملطخة بالطين وأوراق الشجر ، ولكن المنديل سبقني إلى دموعة التي نزلت عندما رآني ، فأيقنت بالفرج ، وفرحت لذلك ، لأنه بكى من أجلي ، ومن شدة فرحي تعثرت أمامه فأمسكني بيديه الناعمتين ، وساعدني على والقوف فتبسمت له ، فتبسم لي ، ثم وضع في يدي ورقة نقدية كبيرة ورحل ، تركني من غير أن يكلمني ، لم ينطق أبداً ، ولا أعرف لماذا ؟! ، فقط إكتفى بكل الذي مضى ؟ ، ركب سيارته ورحل ، تركني واقفه مندهشة مستغربه متعجبة متلعثمة منصدمة من هول ما جرى ، زارتني أربعة فصول في وقت واحد ولم أشعر بها ، كنت منتظرة هذا الرجل ليساعدني ، ولكن إنتظاري لم ينفعني ، فأتى البواب وطلب مني الرحيل من أمام الباب . هذا آخر ما كتبت وإنشاء الله تعجبكم . |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |