عيون العرب - ملتقى العالم العربي - كيف تصنع الأشياء . . . . ؟!

كيف تصنع

الأشياء ......؟ !

http://www.runnersweb.com/running/im...H_achilles.jpg

الدكتور عماد عطا البياتي
أخصائي طب المجتمع

منذ وقت طويل..
وخلال أيام الصبا والشباب كان سؤال "كيف تصنع الأشياء؟" يستهويني كثيرا كما يستهوي غيري من الصبيان والشبان، وأذكر كيف كنا في المدرسة نتبارى فيما بيننا ونتنافس في المعرفة ضمن هذا المجال. كانت هنالك كتب ونشرات وبرامج تلفزيونية جميلة ومميزة تتحدث عن هذا الموضوع وتوضح لنا كيف يصمم ويقدر المهندس المخترع للشيء المراد صنعه ثم يقوم العامل المنفذ في داخل المعامل وباستخدام المواد الأولية المطلوبة وبمساعدة آلات المصنع في صنع وإيجاد هذا الشيء ثم كيف يقوم بتزيينه وتجميله واعطاءه الصورة النهائية المطلوبة، وكنا نقرأ ونتابع هذه المواضيع بشغف كبير.

وفي أيام الكلية..
ابتعدت عن هذا الموضوع بسبب نمط الدراسة الذي يعنى بالإنسان وأعضاءه وأنسجته وخلاياه وصحتها ومرضها، لكن اهتمام الصبا هذا بقي عالقا في خلايا الدماغ المسؤولة عن الذاكرة طويلة الأمد. وكنت أحن إلى هذا الموضوع والمعاني والأفكار المشوقة التي يتضمنها بين الحين والآخر وأتمنى في بعض الأحيان لو أني اخترت الدراسة في كلية هندسية لأختص في هذا الموضوع وأحاول الإبداع والتميز فيه، ولكن الأوان قد فات والأمنيات أصبحت أماني!!.

وبعد التوسع ..
في بعض القراءات الإيمانية التي تتحدث عن المخلوقات لأستنبط منها الآيات الإعجازية على بديع صنع الخالق القدير جل جلاله، ثم الارتقاء الفكري إلى التجول في بعض من معاني أسماء الله الحسنى (في خطوة إيمانية محببة إلى النفس رجوت منها الوصول إلى عبادة الله الصادقة ظاهرا وباطنا من خلال معرفة أسماء الله الحسنى جل جلاله)، أقول: وبعد هذا الذي ذكرته تجولت في بعض المصادر المختصرة المركزة التي تتحدث عن أسماء الله: الخالق البارئ المصور.. جل جلاله محاولا الوصول إلى بعض من الأسرار الإيمانية التفكرية العظيمة التي تحتويها تلك الأسماء الحسنى؛ وقرأت الآية الكريمة في القرآن الكريم؛ بسم الله الرحمن الرحيم: (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى..) (من الآية 24:سورة الحشر) فعرفت أن الله يخلق أي يقدر الخلق، ثم يبرئ أي يوجد من العدم على وفق التقدير، ثم يصور أي يعطي الصورة النهائية الرائعة البديعة للمخلوق (حسب ما قرأت وفهمت من تفسير العلامة ابن كثير للآية الكريمة وشرح الأسماء الحسنى للإمام الغزالي في المقصد الأسنى رحمهما الله تعالى).

انطبعت في ذهني ..
هذه الأسماء الحسنى الثلاثة وصرت أتذكرها كلما قرأت أو سمعت أو شاهدت موضوعا يتحدث عن إحدى مخلوقات الله تعالى وكنت أتذكر الصبا والشباب وكيف صنعت واخترعت الأشياء وأفكر في هذا المخلوق وميزاته ومواهبه العجيبة المذهلة وانتقل بتفكيري مسبحا للخالق البارئ المصور جل جلاله على قدر فهمي وطاقتي الروحية حينها (هذا في أوقات اليقظة والذكاء والإيمان، أما في أوقات الغفلة والبلادة وال... فيمر عليّ الموضوع والفكر غارق في دنايا الدنيا الدَنية).

ثم انتبهت..
إلى معنى بديهي غفلت عنه سنين طويلة: درست في كلية الطب عن تفاصيل جسم الإنسان والأعضاء والأنسجة والخلايا والتراكيب المعقدة جدا والمعجزة التي يتكون منها والأعمال والوظائف المذهلة والمدهشة التي يؤديها بكل إبداع وروعة، وهذه الدراسة هي عبارة عن تجول إيماني عظيم جدا في آيات الخالق البارئ المصور للإنسان لمن يمتاز باليقظة والذكاء والإيمان، وعندما كنت أحن وأشتاق إلى موضوع "كيف تصنع الأشياء؟" وأتمنى لو أني اخترت الدراسة فيه؛ فإني كنت في نفس الوقت أدرس في موضوع "كيف تخلق الأشياء؟" وتفاصيل ومواصفات هذا الخلق الرائع وأنا لا أدري بسبب غفلتي وجهالتي.

نعم ..
انتبهت إلى ذلك بعد التخرج بفترة من الزمن، وأنا أتحسر الآن على ذلك وأتمنى لو كنت أفهم ذلك وأنا في سنوات الكلية، ولكني على كل حال أقول لنفسي: المهم أني توصلت إلى هذا المعنى الإيماني العظيم قبل الممات، وأرجو أن أتمكن من ترويض نفسي لأملك سلوكا عمليا يليق بحمل هكذا معاني إيمانية عالية.