عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-10-2008, 03:44 PM
 
خطبة المسجد النبوي 7 - 8 - 1429ﻫ للشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم

وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقبوه في السرِّ والنَّجوى.

أيها المسلمون:
خُلِقَ الله الإنسان للابتلاء والتمحيص، والشيطان ملازمٌ له لغوايته وإضلاله، والنفوس الأمَّارة بالسوء تؤزُّه إلى ما تهوى من تفريط في واجب أو وقوع في محظور، والله يعاقب على السيئة بسيئةٍ أخرى، وتتضاعف عقوبة السيئات بعضها ببعض حتى يستحكم الهلاك.

والمعاصي توجِب حزنًا وفسادَ حال، وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها؛ قال عليه الصلاة والسلام لأبي بكر - رضي الله عنه -: ((قُلْ: اللهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ أن أُشركَ بكَ وأنا أعلمُ، وأستغفركَ لما لا أعلمُ))؛ رواه البخاري في "الأدب المفرد".

وبرحمةٍ من الله؛ شرع لخَلْقِه عبادةً من أجلِّ العبادات، تكفِّر عنهم سيئاتهم، وترفع درجاتهم، وتستوجِب رضا الله عنهم، ولا يكمل عبدٌ ولا يحصل له كمال قربٍ من الله إلا بها، ومَنْ لم يؤدِّ تلك العبادة كان ظالمًا لنفسه؛ قال سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].

سلوكها رفعةٌ وسعادةٌ، وهو سبحانه يهبها لمَنْ يشاء من عباده؛ قال - جلَّ وعلا -: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [التوبة: 15]، وهي من مقتضيات ربوبيَّته، لا يملكها أحدٌ من البشر ولو من أقربهم إليه سبحانه؛ قال - جلَّ وعلا - لنبيِّه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128].

والرجوع إلى الله ليس نقصٌ؛ بل هو من أفضل الكمالات، وهو حقيقة دين الإسلام، والدين كله داخلٌ في مسمَّى التوبة، وهي غاية كل مؤمنٍ، وحاجة العبد إليها في نهايته وبدايته.

والتوبة الصادقة أفضل وأحبُّ إلى الله من أعمال كثير من التطوُّعات، وإن زادت في الكثرة على التوبة؛ قال ابن القيم - رحمه الله -: "أكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها".

ومن كرمه - جلَّ وعلا - لم يجعل لهذه العبادة زمانًا ولا مكانًا؛ بل أداؤها مكفولٌ في كلِّ موطنٍ وآن؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ اللَّهَ يبسُطُ يده بالليل ليتوب مُسِيءُ النَّهار، ويبسُطُ يده بِالنَّهارِ ليتوب مُسِيءُ الليل حتَّى تطلع الشمسُ من مغربها))؛ رواه مسلم.

والله سبحانه سمَّى نفسه التوَّاب؛ ليذكِّر العباد بالإقبال عليه، ويحب العائد إليه، ويفرح سبحانه بتوبة التائب أعظم فرحٍ يعرفه الناس، ويريد - جلَّ وعلا - فضلاً منه أن يتوب على جميع عباده؛ قال – عزَّ وجلَّ -: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27]، والملائكة تدعو لمَنْ تاب بالمغفرة والنجاة من النار؛ قال - عزَّ وجلَّ -: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7].

والأنبياء والرسل تذلَّلوا لله بها لمزيد العبودية لله وكمال صلاح القلب:
آدم - عليه السلام - أكل من الشجرة: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37].

وموسى - عليه السلام - لما رأى الجبل دكًّا قال: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143].

وداود - عليه السلام - فتنه الله بحكمٍ: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24].

ونبينُّا - صلى الله عليه وسلم - قال: {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30]؛ أي: إلى الله توبتي.

وتضرَّع الأنبياء إلى ربهم أن يتقبل منهم تلك العبادة العظيمة:
فقال الخليل وإسماعيل - عليهما السلام -: {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 128].

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو في المجلس الواحد مائة مرةٍ: ((ربِّ اغفرْ لي وتُبْ عليَّ؛ إنكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيم))؛ رواه الترمذي.

والمجتمع لا يسعد إلا بها، فدعت الرسل أقوامهم إليها:
فقال هود - عليه السلام - لقومه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 52].

وقال صالح - عليه السلام -: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 61].

وقال شعيب - عليه السلام -: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 90].

وقال الله لهذه الأمة: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3].

وأنزل الله آيةً مدنيةً، خاطب بها أهل الإيمان وخيار الخَلْق أن يتوبوا مع إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم، إذ لا فلاح لهم إلا بها؛ فقال - عزَّ وجلَّ -: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

بالتوبة تتنزَّل أرزاقٌ من السماء: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: 52]، وتمنح قوة في البدن؛ قال - عزَّ وجلَّ -: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52]، وبها يسعد الإنسان في الدنيا، ويُمنح فيها متاعًا حسنًا: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3].

وخير أيام العبد في دهره وأفضلها: يوم يتوب فيه إلى الله؛ قال - عليه الصلاة والسلام - لكعبٍ بن مالك - رضي الله عنه -: ((أبشر بخير يومٍ مرَّ عليك منذ ولدتك أمُّكَ))؛ متفقٌ عليه.

وكان - عليه الصلاة والسلام - يفرح بتوبة التائب إذا أقبل إليه؛ تاب الله على كعبٍ فاستنار وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه وجهه قطعة قمر، وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يهنِّئ بعضهم بعضًا بها!! قال كعب: "لما أنزل الله توبتي تلقَّاني الناس فوجًا فوجًا؛ يهنِّئونني بالتوبة، ويقولون: لتهنأك توبة الله عليكَِ".

وأعطى - رضي الله عنه - مَنْ بشَّره بها ثوبين سرورًا بها، وكانوا يتصدَّقون فرحًا بالتوبة؛ قال كعب - رضي الله عنه -: "يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله"؛ رواه البخاريُّ.

التوبة تحطُّ وزرَ أعظم ذنبٍ عند الله؛ قال سبحانه: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، وقال للمنافقين: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ} [التوبة: 74]، ودعا المفسدين والسارقين والظالمين والمرابين إليها وقال: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 39]، وقال للمسرفين في العصيان: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

والله لا يعذب مستغفرًا تائبًا؛ قال - جلَّ شأنه -: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، ولا تُبقي التوبة للذَّنب أثرًا؛ بل تبدِّل السيئات حسنات، والسخط رضا، وقد يكون حال المرء بعد التوبة خيرًا منه قبلها.

آدم - عليه السلام - تاب إلى الله فاجتباه الله وهداه، وداود تاب فغفر الله له وقرَّبه إليه؛ قال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

قال بعض السلف: "كان داود بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيَّة".

وكان خروج يونس من بطن الحوت وتوبته أعظم درجةٍ منه قبل ذلك؛ قال - عزَّ وجل -: {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القلم: 50].

وكعب بن مالك - رضي الله عنه - بقي ذكره خالدًا، يُتلى في المحاريب دهورًا، بسبب توبته إلى الله!!

ففضله سبحانه عظيم، ورحمته وسعت كل شيء، مَنْ أقبل إليه تائبًا فرح به وآواه، تاب إليه أفرادٌ وقبل توبتهم ورفع ذِكْرهم.

الفاروق عمر - رضي الله عنه - كان يعبد صنمًا، فأقبل إلى الله بالتوبة؛ فكان من المبشَّرين بالجنة، ورجلٌ قتل مائة نفسٍ فتاب، فقبل الله توبته، وأقبل إليه سبحانه أقوامٌ فتجاوز عنهم جميعًا، وبسط عليهم فضله؛ قال - جلَّ شأنه -: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98].

وسحرةٌ صدُّوا عن سبيل الله أوَّل النهار، ولمَّا سجدوا لله آخره؛ جعلهم الله من أوليائه: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء: 46 - 48].

فأقبِلْ على التوَّاب الرحيم، واجعل تعلُّقكَ بحبل رجاء الكريم، فباب الرؤوف الودود مفتوحٌ منذ أن خلق السماوات والأرض، وهو مناط الآمال ومحطُّ الأوزار.

وتوبة هذه الأمة أيسر الأمم توبةً؛ كان من شرط توبة قوم موسى من عبادة العجل قتل أنفسهم تكفيرًا لخطيَّتهم؛ قال جل وعلا: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54].

وهذه الأمة خطؤها ونسيانها مغفور، وتوبتها ترك ذنبٍ وندمٍ وعزمٍ، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من مسلمٍ يذنب ذنبًا فيتوضأ ويحسن الوضوء، ثم يصلِّي ركعتين ويستغفر الله - إلا غُفِرَ له))؛ رواه التِّرمذي.

وجاء ماعز بن مالك - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد زنا فقال: يا رسول الله، طهِّرني. فقال: ((ويحك، ارجع فاستغفر الله وتُبْ إليه))؛ رواه مسلم.

وكلُّ تائبٍ يجد في توبته حزن فراق المعصية، والسرور والفرح عقب التوبة على قدر هذا الحزن؛ فكلَّما كان أقوى وأشد كانت الفرحة بعد التوبة أكمل، فبداية الحزن على فراق الذنب دليلٌ على حياة القلب وتغيُّره لفراق المعصية، وما أبهى سرور الطاعة بعد ظلمة المعصية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أيها المسلمون:
العبد بين نعمةٍ من الله يحتاج فيها إلى شكر، وذنبٍ منه يحتاج إلى استغفار، ومَنْ بلي بآفات الذنوب وجب عليه منع وصولها إليه.

والتوبة من ترك الواجبات المأمور بها - كدعوة الآخرين ونصحهم - أشدُّ من فعل السيئات، وترك الذنب أيسر من طلب التوبة، ودواء الذنوب الاستغفار والتوبة.

ومن علامة قبول التوبة: كراهة العبد المعصية واستقباحه لها، وأن يزال خائفًا من خطيئته، لا يأمن مكر الله منها طرفة عينٍ.

ومن تمام التوبة: عملٌ صالحٌ بعدها؛ قال - عزَّ وجلَّ -: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71].

ومَنْ لم يَتُبْ من معصيته ندم إن أقبل على الله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99 - 100].

ويجب أن تكون التوبة خوفًا من الله وتعظيمًا له، لا خوف زوال دنيا عنه؛ قال علي - رضي الله عنه -: "لا يرجونَّ عبدٌ إلا ربَّه، ولا يخافنَّ إلا ذنبه".

والفرح بالمعصية جهلٌ بقدر مَنْ عصاه، وبسوء عاقبتها وعظم خطرها، ومن خذلان الله للعبد أن يخلِّي بينه وبين ذنبه ولا يوفِّقه للتوبة.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه؛ فقال في محكم التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحقِّ وبه كانوا يعدلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].

{رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنَّا نسألك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة، اللهم ألهمنا الصواب، وجنِّبنا الفتن.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوبا، والربا والزنا، والزلازل والفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصةً وعن سائر بلاد المسلمين.

عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-11-2008, 04:42 PM
 
رد: خطبة المسجد النبوي 7 - 8 - 1429ﻫ للشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم

__________________
أنا جروح في صورة انسان

أنا ذكرى منسية

أنا دموع واحزان

بأختصار أنا قصة

طويلة ما يحفظها كتاب
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-13-2008, 02:06 AM
 
رد: خطبة المسجد النبوي 7 - 8 - 1429ﻫ للشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم


وبارك الله فيكم على الموضوع والفوائد القيّمة
أخوكم في الله
فارس السنّة
__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف اخترع – بولس – المسيحية ، وهدم النصرانية fares alsunna نور الإسلام - 10 03-27-2009 01:23 AM
السنن المنسية للشيخ الألباني رحمهُ الله fares alsunna نور الإسلام - 9 01-19-2008 12:57 AM
فتنة المسيح الدجال jihadnet نور الإسلام - 4 11-16-2006 03:52 PM


الساعة الآن 05:14 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011