عيون العرب - ملتقى العالم العربي

عيون العرب - ملتقى العالم العربي (https://www.3rbseyes.com/)
-   مواضيع عامة (https://www.3rbseyes.com/forum79/)
-   -   موعظة معمّر ... (https://www.3rbseyes.com/t594836.html)

سوبر نوفا 12-05-2019 10:18 AM

موعظة معمّر ...
 
يزدادُ المرءُ عمراً إلى عمره من خلال تجارب الآخرين وخبرتهم ، ومما زاد في عمري عمراً ذلك اللقاءُ الذي جمعني بشيخٍ عراقيٍّ كان عمرُه وقتئذٍ مائةَ سنةٍ وسنة، عندما زارني في بيتي ببغدادَ مع حفيده الأربعيني .
بعد جلسةٍ مؤنسةٍ وادِعةٍ سألتُه مغتنمًا الفرصة : ما أعجبُ ما مرَّ بك يا عمُّ في عمرك المديد ؟!
أطرق رأسَه هنيهةً ثم رفعه متنهداً وقد لمعت عيناه من تحت حاجبين غليظين ألقيا بظلالهما على ملامح قرنٍ من عمُر البشر .

قال : لقد رأيتُ في حياتي أحداثٌ عجيبة ولكن أعجبها إليَّ ما سوف أقصُّه عليك ، فاحفظ عني وخذ العبرةَ لك ولمن وراءك .
لقد كنا في الزمن الغابر نقتاتُ في بعض مواسم السنة على ما نقومُ بصيده ، وكنتُ قد خرجتُ ذاتَ موسم أصطاد ، ومرَّت بضعةُ أيامٍ وأنا أتربَّصُ للصيد دون جدوى ، حتى بدأ اليأسُ يدبُّ إلى نفسي من الرزق في تلك الغدوة ، وبينما أنا كذلك أراني الله عجباً .
لقد رأيتُ ثعبانًا يراقبُ شيئًا ما ويتحرَّكُ نحوه ببطءٍ فتبعتُه حتى رأيتُ أمامَه يربوعاً صغيراً يأكلُ من خشاش الأرض ، وسرعان ما صار بين فكي الثعبان وبدأ بابتلاعه وأنا في مكمني أتابعُ المشهد ، وأرى جسمَ اليربوع يتنقَّلُ في جوف الثعبان ببطء من حلقه إلى وسطه ، وعندما وصلَ اليربوعُ إلى نحو نصفِ جسم الثعبان تحرَّكتُ نحوه وأنا لا أدري لمَ تحركت . وأخرجتُ بندقيتي وصوبتُ فوهتَها نحو رأس الثعبان وأطلقتُ رصاصةً عاجلةً خرقته وتركته يتلوى قليلاً ثم سكن .
أقبلتُ عليه وأخرجتُ حربتي وطعنتُ في الموضع المنتفخ من جلده وشققته فخرجَ اليربوعُ وفيه رمَقٌ ، لم يمُت بعد ..
ركزتُ حربتي في الأرض وجلستُ غيرَ بعيدٍ منه وأنا أتأملُ فيما صنعت ، ولا أدري ما الذي دفعني لفعل ذلك !!.
رأيت الحياةَ تعودُ إليه .. بدأ يمشي .. يحاولُ الركضَ لكنه يترنَّحُ يمنةً ويسرةً .. بدأ يُسرع .. ركضتُهُ مستقيمة .. يا الله .. لقد نجا .. لقد نجا !!.
لم أكد أُنهي خاطرَتي إلاّ وصقرٍ كبير ينقَضُّ من عَلوٍّ كالبرق ، فينشبُ مخالبَه في جسد اليربوع ليطيرَ به بعيداً ، ويختفي عن مدى بصري ويتركني في ذهولٍ من مشهدٍ سريعٍ خاطفٍ مرَّ كلمح البصر ..
ولكني شعرتُ حينئذٍ بأنَّ رسالةً ما قد بلغتني عن ربي مفادُها :
"ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك" نعم، إنَّ الله هو من يُعطي ويمنع ، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع .
لقد أفدتُّ من ذلك الدرس ألا أهتم للرزق ما حييت .. أسعى بقدر استطاعتي ولكني أعلم يقيناً أن الأرزاق بيد الله وحده .
وها أنا ذا يا ولدي أمامَك قد جاوزتُ المئة ، ومرَّ على تلك الحادثة قرابةَ السبعين سنةٍ وأنا أتقلَّبُ في رزقِ ربي .. لا يضلُّ ربي ولا ينسى .

الآن وبعد مرور سنين عديدة على لقائي مع ذلك الشيخ ما زلت أتأمل في ذلك الدرس الذي تعلمته منه
وأعلم يقيناً ان الرزق والأجل كلاهما بيد الله وحده عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون .

لقد وافى الثعبانَ أجلُهُ في لحظةٍ ظفرَ فيها برزقٍ وافرٍ كان يظنُّ أنَّه سوف يستمتعُ به ، وإذا به رزقُ غيره سيخرجُه الله له من داخل جوفه ، وهو لا يعلم .
وأما اليربوع فقد أُكِلَ مرَّتين ، وكانت المرةُ الثانيةُ في اللحظة التي ظنَّ فيها أنه نجى بالفعل ، ولم يعلم أن مستقرَّهُ سوف يكون في بطنٍ آخر بعد أن يُقطَّعَ إرَباً .
وأما أمرُ الطائر فهو الأعجبُ عندي ، فقد أخرجَ اللهُ له رزقَهُ من أغرب مكان ، من بطن الثعبان ، وسخَّر له المخلوقَ الأرقى في الأرض ليقومَ بتلك المهمة ويُقرِّب إليه رزقه .
يا الله .. ما أبلغَهُ من درس ، لعلَّ الشيخ قد فارقَ الحياة على الأغلب .. لكنَّ صورته لم تفارق مخيلتي .
وكلما ضاقت أبوابُ الرزق أتذكَّرُ ذلك الشيخَ وأقول :
إلزَمها.. فهي موعظةُ مُعمَّر *

jehan1970 12-06-2019 09:34 AM

بارك الله فيك على هذا الطرح الطيب
قصة رائعة و موعظة اكثر روعة

نعم لقد تكفل الله بأرزاق الخلق فإن لم يؤتنا رزقنا من السماء ساقه لنا من الأرض

وصدق القائل


وكيف أخاف الفقر والله رازقي
ورازق هذا الخلق في العسر واليسر



تكفل بالأرزاق للخلق كلهم
وللضب في البيداء والحوت في البحر



يعطيك العافية

ب انتظار كل جديدك

تحياتي و كل الود

Nor*! 12-24-2019 11:04 PM

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

يا لهذه الموعظة الثمينة أخي..لو وضعها كل منا بقلبه لما رأيت احدا يتقلب على هذه الارض مهموما..ليس فقط من ناحية الرزق أتحدث..بكل لكل شكل من أشكال سفاسف الحياة الاي قد يقابلها الواحد منا هنا في حياته على الأرض..
لو وضعناها صوب أعيننا..لما حملنا هم رزق..فالرزاق يقسم الرزق و لا ينسى..فلو كان الأمر مسالة قوة لما أكل العصفور شيئا مع الصقر.
لو وضعناها صوب أعيننا..لعاش الواحد منا مرتاحا لا يضنيه شيء
فرب العباد لا ينسى عباده..و هو أدرى بضعفهم و حاجتهم له سبحانه..

رحم الله هذا الشيخ الجليل ان كان في ذمة الله..و ان كان حيا حماه الله و ثبته على دينه..
موعظة اغلى من الذهب الله شاهد...جزاك الله عنا كل خير أخي


سبحان الله و بحمده..سبحان الله العظيم

سوبر نوفا 01-01-2020 11:35 PM

جيهان
نور
اشكر لكما المرور والتعليق الجميل على الموضوع
لكنّ كل التقدير والاحترام

basemnady 01-04-2020 11:41 AM

بارك الله في عمرك


الساعة الآن 12:38 PM.

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011