عيون العرب - ملتقى العالم العربي

http://up.arabseyes.com/uploads2013/...0853601861.gif
مميزة ق0 ق0
.

مرآيا..مرآيا تملأ الردهات !
تنظر إلى نفسها بشغف،تبتسم برضا شديد، تمرر يدها على شعرها الاشقر الناعم الطويل كشعر الدمى،تضع احمر شفاه لامع على شفتيها الصغيرتين المكتنزتين،و كحلا على عينيها الواسعتين ذوات العدسات الزرقاء، تضع عقدا ماسيا على عنقها الطويل،و تلبس فستانا زهريا يبدي مدى صغر خصرها و طول سيقانها، تضحك بسعادة غامرة و تدور وسط المرايا، انها راضية،راضية جدا!
لكن المرآيا خائنة،تنكسر و تتشتت احلامها معها..تنكسر المرآيا و تتحول إلى شظايا مشبعة بدموعها،تجثو امام الحطام..تحمل شظية و تنظر الى انعكاسها..إنها بشعة، هل لست جميلة! هي لا تملك ما يرضيها و يرضي الآخرين،عيناها سوداوتان، بشرتها ليست ناعمة و شفتيها شديدتا الرقة،شعرها قصير و ليس ناعما و لا اشقر! هي بشعة جدا،هذا ما تمتمت به بهستيرية فيما غسلت الدموع مساحيق التجميل التي لطخت وجهها.
"جميلة" هي..هكذا اسمها الذي تمقته بشدة لانه يذكرها ببشعاتها و "لا مثاليتها"! لا طالما كرهت نفسها، مقتت وجهها "العادي جدا" وجسمها غير الممشوق، كرهت المرآيا و الصور التي تعكس هذه الكينونة الكريهة،و حسدت دمى المجلات و العارضات و الحسناوات..كانت تؤمن ببشاعتها، لذلك ما انفكت تغرق مسامات وجهها بمساحيق تجعلها تبدو اجمل، اكثر جاذبية..تجعلها تشعر انها مرغوبة.كما واظبت على ارتداء ما يجعلها تبدو انحف،و يجعل خصرها يبدو اصغر، بل و منعت نفسها من الطعام لِليال طوال ابتغاء الحصول على جسد مثيل لأجساد الدمى الحسناوات.
لكن كل هذا لم ينفع "جميلة" في أن تغدو دمية فاتنة!لا تزال غير مرغوبة، لا تزال غير جميلة!
جلست قبالة الشاشة العجيبة و اخذت تحملق باحدى الاشهارات المبهرجة، يبدو ان الحل يلوح في الافق!عيادة السيد غراب الاولى في عالم الدمى التي ستحقق حلمها، ستغدو فاتنة!
اسرعت و اخذت العنوان، حملت حقيبتها و ركضت الى العيادة، حلمها سيتحقق، ستتخلص من وجهها للأبد! ولجت العيادة لتجد صفا طويلا جدا من الدمى البائسة اللواتي ابتلين بالبشاعة مثلها، بوجوه اعتلاها مزيج من الولج و الغبطة..اصطففن امام باب غرفة كبيرة بها مخرج آخر يتراءى من خلاله جمع من الرؤوس المضمدة تخرج من هناك.انضمت جميلة للدمى و الشوق يحرق جوفها لأن تخرج من هنا و قد تخلصت من بشاعتها وتركتها خلفها.
جاء دور جميلة اخيرا، دخلت الى الغرفة الكبيرة حيث تواجد السيد غراب، كانت غرفة مخيفة، مظلمة..توسطها سرير ابيض صوب نحوه ضوء اصفر معم،جاورته طاولة حديدية عليها ادوات حادة مخيفة. استولى الوجل على قلب جميلة لكن رغبتها بالجمال كانت اعتى،تقدمت بخطوات راجفة نحو السيد غراب الذي اشار لها بان تأخذ مكانها على السرير الابيض.صوب الضوء نحو وجهها، فتحت عينيها،و نبست بصوت متهدج:
"اجعلني جميلة".
رسم السيد خطوطا على وجهها بدقة،ابرة في شفتيها لنفخهما، اخرى لوجنتيها لرفعهما، شق جبينها لتصغيره و كذا صدرها لرفعه...
...فتحت جميلةُ عينيها و لمست وجهها لتصطدم كفها بالضمادات،نظرت الى السيد لتجده يضع وجهها القديم داخل علبة زجاجية بها ورقة حملت اسمها، ليقدمه لها.
-لا استطيع ان اشعر بوجهي، هذا الالم لا يحتمل !
-يأتي الجمال في موكب صاخب من الألم..ستصبحين جميلة و مرغوبة، يمكنك الذهاب الآن.
حملت جميلة العلبة و خرجت من هناك بصعوبة، الضمادات لا تزال تغلف وجهها، حركت عجلات الكرسي المتحرك نحو منزلها محتملة الألم، و حرصت على ان تشتري في طريقها عددا كبيرا من المرايا ملأت بها ردهات بيتها، تعلم انها لن تشبع من وجهها الجميل و جسدها الرائع و أنها سترغب بمشاهدتهما طوال اليوم! ستصير دمية رائعة اخيرا.
حان وقت ازالة الضمادات و مغادرة الكرسي المتحرك، جهزت الفستان الاصفر ذو المقاس الصغير الذي اشترته و باروكة الشعر الشقراء الجميلة، ووقفت وسط المرايا بصعوبة، بدأت بنزع ضماداتها عن وجهها لتكشف عن ما غير حياتها للأبد:
وجهها كان اشبه بوجه وحش كريه! عيناها غير متناسقتان في حجمهما، شفتاها اكبر مما يجب كبالون هواء منتفخ، خدها الايمن كان به أثار مجعدة مقرفة في حين كان الايسر منتفخا، جبينها به آثار خياطة مقيتة شوهت مظهرها كليا! خصرها كان صغيرا جدا لدرجة كانت تخنقها و ساقاها كانتا مشوهتان..
كانت كينونة مشوهة! كتلة من البشاعة المطلقة! صارت الجميلة وحشا حقيقيا!
اخذت تنظر الى انعكاسها في المرايآ و علامات الصدمة قد اجتاحتها، اخذت تلمس وجهها و تصرخ بهستيرية "أنا جميلة! أنا جميلة"
ارتدت الفستان بسرعة ووضعت باروكة الشعر، اخذت تركض في الردهات محطمة المرايآ و هي تصرخ بهستيرية : " انت تغارين مني"..
ها هي ذي تجلس هناك و هي تضم العلبة التي احتوت وجهها القديم، تجلس في الزاوية هناك وسط حشد من الدمى بوجوه مماثلة لوجهها، بعض منهن منهمكة في تزيين نفسها بيأس، أخريات تحملن لافتات كتب عليها " اقبلوني! انا جميلة!" و قد ارتسمت ابتسامة على شفتيها المنفوخة أو المشوهة...

"لا احد سيحبك إن كنتِ بشعة،لا أحد يريدكِ ان لم تكوني بصورة الدمية المثالية..الحقن مؤلمة لكن اهمال المجتمع اكثر ايلاما..عالم الدمى لا يريدكِ ان لم تكوني جميلة".