عيون العرب - ملتقى العالم العربي - روايةة || ” تَطلُّع : نَيْطَلٌ مُدلهِّم “

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/16_07_161468629531698510.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]http://up.arabseyes.com/uploads2013/...2953166478.gif

http://up.arabseyes.com/uploads2013/...6295315772.png

[mark=#e3ed5c]الفصلُ الأول [/mark] : ~ مَجزرةُ الأَحدِ الدّامي ~

ليسَت كُل الأمور واضِحة كالشمس !
و إنما أغلبُها كالنجومِ ، يمحو بعضُها بعضاً
و هذِهِ هي حقيقةُ الواقِع
ليس بالضرورةِ إن يكونَ هُناكَ حقٌّ و باطِل ...
مِن المُمكِن أن يتواجدَ حقّانِ يتصارعانِ لنيلِ حقِهما فلا ذلك ينالُ حقهُ و لا ذاك ينبسُ بمُراده .
و قدَ يتشابكُ باطِلانِ ليظفرا بحقٍّ مغشوش ..
فمَن يربَح ينصُر باطِله ...
هذا هو الواقِعُ المليءُ بالأخطاء .
فليسَ كلُّ حُكمٍ ظالم كما لا يوجدُ حكمٌ لا تشوبُه الشوائِب ، و في الكفّةِ الأخرى لا وجودَ لِحُكمٍ مُنصف ..
فمن وجهةِ نظر الأطراف المُختلِفة ، لن تجِد ما هو عادل !!

ترنَمتِ الأرضُ الزراعية لمدينةِ بطرسبرغ ” أحدُ أكبرِ المدن الروسية „ سعيدةً بتعاضُدِ المُزنِ في السماء ، مُبشِرةً بزخاتٍ من الحيا الذي سيروي الأرض العطشى ...
انبلَج جميعُ السُكانِ كُلٌّ يقصدُ غايتهُ ، و من بينِهم الأبُ جيورجي غابون ، انصرمَ لعملِه في إنحاءِ الكنيسة يتأكدُ مِن سلامةِ هيكلِ كنيسته ، و يتفقدُ المؤن و ما إلى ذلك ، يجب ان تكون كل الأمور مُجهزة بدونه ..
لأنهُ سيتركُ أطفالهُ ليومٍ كامل !!
فلديهِ مهمةٌ عَلَيْهِ إنجازُها ..

* * *

مِن بينِ الممرات و بِسُرعة كبيرة هرولتْ فتاةٌ صغيرة ، لربما لا تبلغُ الأحدعشرَ عاماً
خصلاتُ شعرها القصيرة تُغطي وجهها الناصِع ...
تلهثُ مِن شدةِ الركض و لكنها ستتابِع حتى تصِل إليه ، إلى والِدها ...
تنزِل تحتَ أقدامِ الماريّن ، و من بينِ السِلال التي تحمِلُها الراهِبات ، تخترِقُ فاهها إبتسامة طفولية بريئة ...
انعطفتْ نحو اليمينِ لتجِدهُ واقِفاً يتأملُ ورقةً ما ..
فورما رآها إنخفضَ نحوها و إلتقطها بحُضنِه ، ....

" صوفي ، لماذا شعركِ يُغطي وجهكِ كالعادة ؟! ألم أقل لكِ ان تقومي برفعه .."

تعلقت بهِ و قالت باكيةً :" لااا لا أريد أن أرى ما أراهُ عادةً ، لا أريدُ أن اعرِف بموعدِ مـ...."
قاطعها برفعِ يده لِمستوى جبهتِها و ضربها بسبابتِه الوسطى ..
شدّ خصلاتِها إلى أعلى و جمَع شعرها كُله برباطٍ مطاطي ...
و همسَ :" إفتحي عينيكِ صوفي ، لا تخافي مِن هذِهِ الهِبةة بل إفهميها ، إتفقنا ؟ .."

فتحتْ عينيها بصعوبة ، الرؤية مشوشةة و لكنها تتضِحُ تدريجياً ...
أرادتْ ان تبتسِم لهُ و لكِن ما رأتُه ، أرعدها خوفاً ، تكدسّت دموعُ عينيها في محجريهما .
تضيقت حدقتُها ، تشتت أنفاسُها ، و صرخت بكُلِ ما أوتيت مِن قوة ...
و هي تضعُ يديها على جانبي رأسِها !!

انصدَم جيورجي مِن الأمر :" صوفي ، صوفي ما الأمر ؟! "
أجابتهُ و صدى بُكاءها يخنُق الأرجاء :" أني أراه ! يحومُ حولك ، انا خائفة ، لا أريد منك الذهاب غداً !! "
إزدرّ ريقهُ و ابتسمَ ، لتكونَ إبتسامتهُ صادمةً لذاتِ الشعرِ الأصهب
و أعقب :" و كأني سأموت فقط لقيامي بتظاهُراتٍ سلمية !؟ "

أنزلها أرضاً و كفكفَ دمعاتِها النديّة بيديه ، نظرَ مُطولاً لعينيها المُتألمتين ....
أسدلَ جفنيهِ ، و أطلقَ زفرةً تُحيلُ الجليدَ جمراً ..

وضعَ يديهِ على أكتافِها و نبسَ :" لن أترُككِ وحيدةً أبداً صوفي ، أعلمُ أنكِ لن تعيشي لساعةٍ بدوني "
ربّتَ على رأسِها
و انطلقَ في طريقِه تاركاً أياها لتغرقَ بالأمل الزائف البريئ ..

* * *

استيقظت صوفي صباحاً لتمعكَ أعينها اللازوردية بيديها الصغيرتين
تثاءبت بِكُلِّ هدوء ، لتطلّ فتاةٌ بشعرٍ كستناءيٍّ مُجعّد عليها من السرير الذي يرتقي فوق سريرِها و تقول :
" صوفي ، استيقظتي ؟ اسمعي هذا ، وعدني أبي أنهُ سيحضرُ لي الوردَ بعد عَودتهِ مِن البلاط ! أليسَ خبراً مُفرِحاً ؟ "
لم تستطِع تلك الصغيرة الرد
فعقلها كانَ مشغولاً بالتمنيات و كرهِ الأقدار .

طوال اليوم أضربتْ عن الطعامِ و الشراب ، و إنزوتْ لوحدِها تذرفُ الدمعاتِ و ترجو عودتهُ سالِماً
حتى غربتِ الشمسُ التي كانت تسلُّ أشعتها من خلفِ السحاب

و مع اضمحلالها ركضَ رجلٌ يبدو بالعشرينَ او ما يقاربُ ذلك
وقفَ أمَامَ باب الكنيسة الخشبي بينما تطايرتْ خصلاتهُ البنيّة المُتمرِدة
و صرخَ :
" أطلقَ الحرسُ النارَ بِشكلٍّ عشوائيٍّ على المُتظاهرين !! ، لـم ينـجـو أحــد "

هُنا أعلنتْ الغيومُ موعِدَ تهطالِ دموعِها المُعزيّة
للراحلينَ جميعاً ....

عيناها تنظُر بصدمة و قلبها يخفقُ دونَ هوادة
و هي ترى ضِحكةَ شبحِ الموت الصامت
ملوِّحاً منجلَهُ بِشكلً مُستفِز و كأنهُ يهمسُ لها بأن الكل مُلاقٍ حتفهُ

نبستْ عبر شفتيها المُنطبقتين :
" ماذا ؟! "

~ يُتبَع ~

[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]