عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 12-28-2015, 11:36 AM
oud
 
دعّوة لّلموتّ غّزى أركانّ حفّلة فلادمير ، هذاّ كان العّنوان الرئيسيّ فيّ كلّ قّناة صّباح اليّوم المواليّ و مقّالة مسّلية
وردّ فيهاّ أخّبار عنّ جميّع الضّيوف و أحّوالهم الرديئة ، بينماّ و بدّاخل ذلكّ المستشفى قد نقّل إليه أغّلبية المصّابين
أصّبح مشّهورا فكاّنت جميّع الصّحافيينّ يّقفون خلفّ أبوابه بّإنتظارّ خروجّ أحدّ المشّاهيرّ ،
فيّ أحدّ الغّرف العّديدةّ عنـدّما قّررتّ أخيّرا أنّ تّفتحّ عينيهاّ الواسعتينّ و هـذّه المرةّ قدّ عكسّتاّ مدىّ الفّراغّ الذيّ تشعرّ
به نـظرّت حّولهاّ، غّرفة بيّضاءّ خـّاليةّ منّ أيّ شيء سوّى رائحّة المعقماّت و صّوت دّقاتّ قّلبهاّ احتلّ ذلك الجّهاز ليعلن
استمرارها بالعيش فّحاولت تحريكّ قّدميها للمغادرة لكنهاّ لم تّشعر بهماّ قطّ ، كأنهماّ لمّ يّعودا جّزءا منّ جسدّها فاعتدلت
فّي جلستهاّ مستندةّ على الوسادةّ التيّ خلفها و رمقتّ قدّميها بّريبة شديدةّ تّخللهاّ خوفّ من المجهول ،
لتّعيد المحّاولة بّعزم فّاختل توازنهّا بعدماّ ركزتّ كلّ جهدها علىّ يدها اليمنىّ لتسقطّ أرضّا علىّ وجّهها تماماّ ، رمشتّ مراراّ
غيرّ قادرة على استيعابّ لماّ قدميها لا تستجيبان لأوامرهاّ ؟ لماّ هيّ هناّ ؟ و ما الذيّ قدّ حدثّ ؟
أغّلقت عينيهاّ محـّاولة التـذّكر ، لقدّ كانتّ فيّ حفّلة تنـكّرية بّرفقة عّائلة لبيّر ثمّ .. ثمّ دّعاهاّ شّابّ ماّ لرقصّ و وافقّت لكنّ لما ؟
نـّايت .. أجلّ نايتّ و إليزابيثّ ، كايّل إنفجاّر و الحريقّ اللهبّ الذيّ رفضّ أنّ يّخمدّ أخيرّا تلكّ المرأة التيّ ضحتّ بّحياتهاّ من أجّل
حّمايتهاّ ، عندّما أوشكتّ الأثريةّ علىّ الوقوعّ عليهاّ سارعتّ بّالركضّ ناحيتهاّ غيرّ آبهة بّإنقاذّ نفسهاّ
عندّها رأتّ نفسهاّ مستلقيةّ على الأرضّ فيّ تلكّ القّاعة و الكلّ يركض من حولهاّ بينما كانّ ذلكّ البابّ الفولاذيّ يّعيقها من التقدّم
و هوّ يؤجج نيراناّ لاسعة على قدميها ، صّرخاتّ كايلّ مطاّلبا إياهاّ بّعدم الاستسّلام و محاّولاته العديدةّ لإنقاذّها ، ثمّ مغادّرته لجلّب
المسّاعدة حينهاّ اقّترب اللهبّ منهّا أكثّر، شهقتّ بّخوف و أخـذتّ تّصرخّ بّرعب و هي تحـّاول الوّقوف مبتعدّة عنّ النيرانّ لكنهاّ
لا تنفكّ الاقترابّ منهاّ أكثّر و أكثّر ، صاحتّ بهستيرية و هيّ تزحفّ
ـ لاّ ، لاّ لا تقّتربيّ .. أبتعدي عنيّ ، لاّ
علىّ صوتّ صّرخاتها المستغيثةّ فتحّ بابّ غّرفتها بّقوة ليّظهر منّ خلفهّ حراسّ عدةّ يترأسهمّ فرانسواّ الذيّ اتسعتّ عينيه بّصدمة
فّتدارك نفّسه و ركضّ إليهاّ لّيحاول رّفعها معيداّ إياها إلىّ مكانهاّ لكنّ بدى كماّ لو كأنها لم تكن واعية لما يحدثّ من حولهاّ ، بلّ
بدى كماّ لو كأنهاّ ليست ماريّ نفسهاّ المبتسمةّ البّشوشة فأخذتّ تّصرخ و تصّرخ و لمّ تتوقفّ بلّ دفّعتّ فرانسواّ و عادّت تسقطّ علىّ
الأرضّ فّتقدمّت منهاّ ممرضّة بّعدّ أنّ ضغطّ فرانسواّ على زرّ مستدّعيا إياهاّ و برفقتها سوزيّ ،
كادّ أنّ يمسكّها مجدداّ لكنهاّ صّرختّ بّنبرة مّذعورة لتختبئ فيّ زاوية التيّ ما بينّ السريرّ و دولابّ واضّعة يدّيها علىّ أذنيهاّ و تستمرّ
بالأنينّ دونّ أنّ تدعّ لأحدّهم فّرصة بلمسهاّ أوّ حتىّ التحدثّ معهاّ ،
حـّاول الثّلاثة أنّ يعيدّوها إلّى السّريرّ أو أنّ يستعملواّ حقّنة على الأقّل لكنّ بقوة غّير طّبيعية اكتسبتها كانت تستمّر فيّ دّفعهم بعيداّ
و هي تصّيحّ أنّ النيرانّ في كّل مكانّ ، نـظرّ فرانسواّ إلّى الممرضة التيّ بدّت مرتبكةّ و لمّ تّعلم ما الذيّ قدّ تفعله لّيساعدّ فيّ تثّبيت
ماريّ فّعادّ فرانسواّ يّرفعها بّقوة و ثّبتها علىّ السّريرّ صّارخاّ بحدةّ
ـ سوزيّ أمسكّي ذّراعيهاّ بسرعةّ
نفذتّ سوزيّ مطّلبه بالّرغم منّ الخوفّ الذيّ أصّابهاّ فحّقنتهاّ الممرّضة بّإبرة مخدّرة لتتّوقفّ تدريجّيا عنّ المقاومّة ، شعرهاّ البنيّ
حولّ وسادّتها و بّشرتها الشاحبّة من سوء التغذّية بينماّ هناكّ دموعّ جاّفة علّى وجنتيهاّ ، فتحتّ عينيهاّ الزجاّجيتين بإرهاق شديدّ
لتّعود إلىّ ماريّ القدّيمة فّنظرتّ من حولهاّ باّحثة عنّ شيء ماّ و همستّ لفرانسوا بّنبرة متعبةّ
ـ أنقذّه فرانسوا ، إنه يريدّ الانتقام منه
ثمّ غفتّ ، تنهدّ فرانسواّ بّأسى و كادّ أنّ يغادّر الغّرفة عندّما لمحّ كـّايلّ يقفّ أمامه و يبدواّ مصدوماّ منّ ردّة فعلّ ماريّ الجنونيةّ ،
قـّال فرانسواّ بحدةّ
ـ سيديّ أرجوّا المعذّرة لكّن هلا غـّادرتّ ؟ فالآنسة مارّي بحاجّة إلّى الراحّة ،
أومأ كايل بالإيجاب و استدار عائدا أدراجه ، لقدّ قّال الطّبيبّ أنّ هناكّ صدّمة أصّابتها قبّلّ أن تفقدّ الوعيّ فما كانت هذه الصدّمة لتجّعلها
شخصّا آخر ؟ كما لو كأنها ّ ليست ماريّ تلكّ الفتاة اللطّيفة المطيّعة ، ما الذيّ حدثّ لها خّلالّ اندّلاع الحّريقّ ؟ أكانّت النيرانّ سببّا
أمّ هناك شيءّ آخر يدّفعهاّ لّرغبةّ فيّ الاستمرارّ بهذّه الغيبوبة ؟ فـزفرّ بكلّ استنكاّر و عـّاد ينظرّ من حوله عندما لمح من طرفّ عينيه
وجودّ نايت قد كان الأخير مستندا على الجدارّ و ذّراعيه بجاّنبه بينماّ يبدوا وجّهه شاحباّ بّشدة ، لابدّ أنه رأى ردةّ فعل ماريّ تواّ لقدّ كانتّ
فتاة لاّ أحدّ يعرفهاّ خاّئفة و متعبة لا تثق بأحدّ ، نـظرّ إليه بّبرود ثمّ تحدثّ بنبرة سّاخرة
ـ ماذاّ ؟ ألن تذّهب لرؤية إليزابيثّ ؟ أو لستّ تحبّها ؟ أمّ يّعقل أن منـظرّ ماريّ صنعّ بّقلبك الفولاذيّ عقدةّ من الذّنب ؟ لا أصدقّ هذاّ
حدقّ نايتّ به بّنظراتّ ناّرية حاّرقة ، فّحتى فيّ أصّعب المواقفّ لاّ يزال كايلّ يسردّ دّعاباته فيّ الأرجاءّ و لوّ أنّ روحه الفكّاهية منعدمةّ ،
تجّاهله بكلّ برود متجّها إلىّ الغـّرفة حينماّ تحدثّ كايلّ مجدداّ بّحرقّة و ألم
ـ بالرغمّ من أنكّ لم تّظهر يوماّ حبّك لهاّ إلاّ أنك كنتّ أول منّ تبحث عنه و هيّ فيّ أشدّ لحّظاتهاّ خطّورة ، و لوّ أنكّ لا تستحقّ ذلك
سّار بخطّوات هادئّة مرّهقة فيّ الردّهة تّاركا خلفّه نايت و الصدمة تّغزوا وجّهه ، لوهلة من الزمنّ تذّكر اعتّراف ماري ، كانتّ نبّرتها
تشبّه نبرة كايلّ توا لقدّ كانتّ متألمة و حزينةّ لدّرجة لاّ تصدقّ فكيفّ جعّل منها كاذّبة ؟ كيفّ لم يّؤمن بّقولها الحقيقة حينها ؟ هلّ أعمىّ الانتقام
بصيّرته إلى هذه الدّرجة ؟ ألمّ يّعد يّفرق بينّ المخادّع و الصادقّ بعد الآن ؟ تخللتّ أنامله خصّلات شعره الأسودّ الحريريّ بّكل عّصبية، ما الذيّ يحدث له ؟
أليسّ هدفّه واضحاّ و نصبّ عينيه ؟ لا يجبّ عليه أن يّشغل عّقله بّأمور تافهة مثلّ هذهّ ففي النهـّاية ماري لن تبقى إلى جانبه للأبدّ و هذّه
مجردّ مسرحية يّقومان بّتمثيلها، لاّ يهمّ إن كانت تحبه أو تكرهه ماّ دامتّ تنفذّ دورها على أكملّ وجه ، أيضاّ لديّه أشياءّ أكثرّ أهمية تسترعيّ
انتباههّ كمنّ هذاّ الصحافيّ الذيّ يّعرف بّأمر الـ 500 ملّيون دّولار و كيفّ له الجرأة لكيّ يهدده أمامّ الملأ ؟ لا يعقلّ أن يكون مجردّ رجلّ
ماّ فلابدّ أن تكونّ لديه أذرّع خفية تّحركه و إلاّ لما تّجرأ على الوقوف أمامه ،
أغّلق فرانسواّ بّاب الغـّرفة و كـّاد أنّ يكمل سّيره لولا منـّاداة نايتّ لهّ فّإتجه ناحيتهّ و الاحتّرام باديّ علىّ وجههّ إلّا أن هناكّ القليلّ
من الشّفقة نطقّت بها عينيهّ ، تحدثّ نايت بنبرة بّاردة
ـ لمّ تسنحّ لي الفرصّة بّأن أسّألك، هلّ أمسكتّ بذلك الرجلّ ؟
ارتبكّ فرانسوا لأول مرّة و انحنىّ بكل لبّاقة و أسّف شديدّ ، شاعّرا بّالإحراجّ لفشّله فيّ مهمته فأجـّابه بّكلّ احراج
ـ أناّ أسفّ سيديّ أفلت منّ قّبضتنا بعدّ أن تمتّ مهاجمتناّ من عّصابة ماّ ، لكننيّ تمكنتّ من معرفةّ هويته سيديّ ،
إنهّ وريث شركة جونسون
احتدتّ ملامحّ نايتّ بّكل عصبيةّ و شحبّت بشّرته بشدةّ كأن قّلبه قدّ توقف عن النبضّ ، بينماّ ظهرتّ نـظّراته الحاقدّة المنتقمةّ ليزدادّ
لون عّينيه دكنة و غموضاّ ، همسّ من بين صريرّ أسنانه
ـ لاّ تخبرنيّ أنّ لديمتري عّلاقة بالأمر ،
تّردد فرانسواّ ثمّ أومأ بكلّ أسفّ ليشتمّ نايتّ بّصوتّ عاليّ و قدّ فقدّ أعّصابه ، ديميتري يّعلم بأمرّ الـ 500 ملّيون دّولارّ ؟ كيفّ ذلك ؟
إنّ تسرب الأمرّ لصّحافة فسوفّ يخسرّ ترشحه الذيّ عملّ طوالّ خمس سنينّ الماضية لنيّله ، أيّعقل أن فكرّة حفّلة التنكريةّ فقطّ لتهديده ؟
لكنّ كيفّ له أنّ يصلّ إلى قصرّ فلادمير و هو نكرة ؟
عـّاد يّشتم بّحدة بّلكنة غّريبة ذاتّ لغّة ماّ فّشعر فرانسوّا بالدّهشة ، بهذّه اللحـظّة نايت يبدواّ مختلفاّ بشدةّ كأن الوحشّ النائمّ بدّاخله قدّ
استيقظ ، فّاستدارّ نايت و سددّ قبّضة قويةّ ناحية الجداّر شّاتماّ ، همسّ فرانسوا له بّتوتر
ـ سيدي هلّ أفهم من تصّرفك أنّ الصحافيّ ما كانّ إلاّ مجردّ تلهية ، إذّن ما كان السببّ الحقيقّي خلفّ إضرام النار في الحفلة ؟
كانتّ نـظّرات ناّيت حاّرقة نـّارية تكادّ تلتهمّ كل شيءّ حولهاّ بينماّ شفتيه تنطقّان بّشتائمّ عدةّ لا تتوقفّ منذّ لحظةّ سماّعه إسمّ شركة
جونسون ، أليسّ الأمرّ واضحاّ ؟ ديميتري يّريد إعادة اللعبة و هـذه المرةّ بّقوانين جديدة تّخوله قّتل أيّ شخصّ يّقف بطريّقه ، و لا يهم
كيف ما دام الأمرّ يّساعده للوصول إلى غايته ، محـو نايت من هذا العالمّ

/

فيّ الجّهة المقّابلة ، كانتّ إليزابيثّ مستلقية علىّ السريرّ و نائمـّة بكلّ راحة بينماّ تّناثرّ شعرهاّ الأسودّ من حولهاّ كأنهاّ لوحّة فنية
لاّ تشوبهاّ شائبةّ ذاّت ملامحّ لطيّفة رقيّقة بجانبهاّ كانّ كايلّ يجلسّ محتّضنا يدّها بينّ أنامله و مخفضّا رأسه للأسفلّ ، أكمامّ قميصّه
الأزرقّ مرفوعة بينماّ ذّراعيه مضّمدين إلى غّاية مّعصمه ،
تـذّكر كيفّ اندفعت ماريّ تـّركض نحوه محاولة إنقاذّه ، أرادتّ أن تضحيّ بنفسهاّ لكيّ ينجوا هوّ و بالّرغم من ألمهاّ حينهاّ كانتّ تّحثه
علىّ البحثّ عن نايتّ بلّ و تناديّ بّأنينّ محاكيّ لنايّ ، أهـذاّ هو نوعّ الحبّ الذيّ تملكه فيّ قلبها ؟ ألمهاّ و لسعات النيرّان الحاّرقة لاّ
تساوي شيئّا أمامّ قّلبها الخائّف على زوجهاّ ،
انسلتّ دمعة منّ بين رموشهّ و أسند رأسه بّكل إرهاق على ركبّته ، ما نوعّ الحبّ الذيّ تكنه له إليزابيثّ ؟ لماّ لم يسبقّ لها و أنّ
حاولتّ تضحية بشيء من أجله ؟ لماذاّ نفذّ كل ما تطّلبه بينماّ هيّ خانته رفقة إبن عمته ؟ لقدّ تخلى عن عائلته لأجلها و حاول قتل نايت
لأجلها فلماذا تجازيه بتحطيم قّلبه هكذا ؟
تنهدّ و ابتسـمّ بكل مرحّ عندماّ استيقظت إليزابيثّ فّنـظرت منّ حولهاّ لتستقرّ عينيهاّ أخيرّا على زوجـّها الجالسّ بجاّنبها ثمّ تحدثتّ بنبرة قّلقة
ـ أينّ هو نايت ؟
اختفتّ الابتسامةّ من وجّهه و ظهرّ البرود على ملامحّه لمّا لم تسأله عنّ حاله أولاّ ؟ ألمّ تلمح إصّاباته ؟ أو لنّ تسأل عن كيفّية نجاته ؟
بالطبّع هي لن تفعلّ ، فأفلت يدّها بّهدوء و وقفّ لّيجيبهاّ بّغيضّ مكتوم
ـ إنهّ معّ ماري ، فقدّ تعرضت هيّ الأخرى لإصّابات خطيرة
نـظرتّ إليه بّهدوء لتعودّ إلىّ النوم مجدداّ مستديرة إلىّ الجّهة الآخرى ، بينماّ كان هناك سّؤال واحدّ يّدور فيّ ذهن كايّل ، ما الذيّ تحاولين
فعله يّا إليزابيثّ ؟ ّرمقها كايّل بّقليل من الشكّ ، إليزابيثّ تكره ماريّ لكنّ لن تفعل شيئّا لها دون أن تخبره ؟ و هلّ أخبرته أيضّا
بّعلاقتها السريّة مع ابن عمته ؟ احتقنت وجنتيه باللون الأحمر القاني من الغيض بينماّ كان يمسك أعصابه بشدةّ ، حينما استدارت إليزابيث
ناحيته ، أشارت له أن يقترب ففعل لّتقبله بكل رقة هامسة
ـ عـزيزيّ أنا متعبة الآن فّهلا جلست بجانبيّ ؟ وجودكّ دوما ما يجعلني أشعر بالراحة
ابتسمّ لهاّ بكلّ هدوء و عـّاد يجلس فيّ مكانه محكماّ القبضّ على يدّها ، لتغلقّ عينيهاّ بّراحة و تغّرق فيّ النوم ،
إنه لا يفهم أبدا تّصرفاتها أو حتى ما الذي تحاول فعله لكن لأجلها سّيفعل المستحيلّ ، لنّ يتخلى عنهاّ أبدا

/

بّعد مـّرور يّومين علّى تلكّ الحادّثة التيّ غزتّ صّحف لندنّ ، و تصّدرت أخبارّ العّالم كـّانت هذّه لحـظّة وصّولهمّا فابتعدّ الحرّس عنّ
البّاب مفسحينّ لهماّ المجاّل بالعـّبور فّأسرعتّ فلورّ و ركضّت إلى حيثّما كانتّ ماريّ نائـّمة ، وسطّ تلكّ الغـّرفة فيّ سّريرّ ذوّ غطّاء ناعمّ
حريريّ ترتديّ فستاناّ ورديّا يصّل إلىّ ركبّتيها بينماّ قدّميها مضّمدتينّ فّجلّست بجاّنبها و أمسكّت بأناملهاّ ، بالرغمّ منّ مرضّها إلاّ أنّ
هالّة البّراءة منّ حولهاّ لمّ تختفيّ ،
تنهدّ ويّليامّ بقلة حيّلة ثمّ اقتربّ ليجلسّ بجاّنبها ، ما الذيّ سّتكون ردّة فعلهاّ إنّ علمتّ أنهاّ لن تستطيّع السيّر بّعد الآن ؟ هل ستتقّبل ذلك ؟
و ماذاّ عنّ العّلاقة التيّ بين نايت و إليزابيثّ ؟ هل هي تعلمّ بشأنها ؟ أمسكّ رّأسه بّغيضّ مفكراّ، ما الذيّ حدثّ خلال فترة ذهابه إلى استراليّا ؟
كيفّ سـاءت الأمور إلى هذاّ الحدّ ؟ وقفّ و إتجه إلى فرانسواّ ثمّ تحدثّ بنبرة هامسةّ
ـ ما الذيّ حدثّ خلال فترة غّيابيّ فرانسوا ؟
لمّ يّعلمّ فرانسواّ أيّ جوابّ ويّليام يريدّه فحتى هوّ لا يّعلمّ شيئّا ، لذلّك هز كتفيه بّعدم قّدرة على الشّرح فّزفرّ ويليام بّكل غيضّ و قّرر أنّ
يسأل نايتّ بالرغمّ من أنه لن يجيّبه لكنّ المحاولة أفّضل من لاشيءّ فأتجه إلى الخـّارج عندّما لمحّه قّادمّا بخطّواته الكّسولة حاملا بينّ
يدّيه بمّلفّ ماّ تّّوقف عن السيرّ حالماّ رأى ويليامّ و كادّ أن يّعود أدراجّه لولاّ أن الأخيرّ سّارعّ بالإمساكّ به منّ ذّراعه ، قّال بّحدة
ـ أنـّا أريدّ تفسيرّا و حاّلا ،
زفّر نايتّ بحدةّ و نزعّ يدّ ويليّام بّكل عصّبية ، سّار بّخطّوات سّريعة نحوّ المصّعد لكنّ ويليامّ كاّن لاّ يّقل عناداّ عنه فّقد وقفّ أمامّه مجدداّ
و علاماّت التصميمّ واضحة عليهّ فّرمقه نايتّ بّغضبّ و تحدثّ بنبرته المبحوحّة البّاردّة
ـ لّست مجّبراّ على تفّسير أفّعاليّ لكّ ،
ـ ربماّ لستّ مجبّرا لتفسّير أفّعالكّ إلّى ويّليامّ لكنّ بالنسّبة لّلغيرّ فأنتّ مجبّر ، كّتّفسيرّ قّبلتكّ العـّاطفية نحوّ إليزابيثّ ، زوجتيّ إنّ كنت لا تعّلم
تّواجّه الثّلاثةّ ، كاّيلّ يّستندّ على الجّدار الذيّ خلّفه و يّلعبّ بهاتفهّ بكلّ لا مبّالاة ظاّهرية فقطّ بينماّ نايتّ يمسكّ بالملفّ و مستعدّ لمغـّادرة أماّ
ويّليام فّكان يّقف بّعدم فهمّ لما يحدثّ من حوله فّكيفّ لنايت أّن يقّبل إليزابيثّ و هل هو فـّعلا فّعل ذلّك أم أن هذاّ من اختلاق كاّيل ؟ و ماذاّ
عن نايتّ لماّ لا يدّافع عن نفسه ؟ لكنّ بّعلمه لشخصّية نايّت فهوّ لن يّتفوه بّكلمة بّل سّيتجاّهله و هـاّهيّ تصدقّ أفكاّر ويّليام إذّ أنّ نايتّ
تجّاهلهماّ ليّضغطّ على زرّ المصّعد كأنّ كلامّ كايلّ لمّ يؤثر فيهّ قيدّ أنمله أوّ بكل بّساطة لّأنه لا يهتمّ ، حيّنهاّ لمّ يستطعّ كاّيل أن يتمالكّ أعّصابه
أكثّر منّ ذلك مّفاجأ إياهّ بلكـّمة قوية مستهدّفا صدّره فّتأوه بألمّ لّيستندّ على الحائطّ ، سددّ لكمةّ أخرى إلى معدّته و هو يتنفسّ بّصعوبة
فتحدثّ من بينّ كلّماته
ـ أنـّا لّن أسـّامحكّ أبداّ يـّا نايتّ ، أتسمعنيّ ؟ أنـّا لّا و لنّ أبداّ أسامحكّ مهماّ حيت و منّ الآن فصّاعدا اعتبرني مشتركّا فيّ اللعبة سوفّ
بكل تأكيدّ آخذّ شركة لبيّر حتى لو كانت كالملعقة بين يديكّ
ضّرب الجـّدار الذيّ خلفه بينماّ ملامحّ نايت لمّ تتغّير قطّ كأنه لمّ يسمعهّ ، بّل بدى بالأحرى غيّر مباّليّا لماّ قاله كما لو كأنه واثّق من فوزه
لّيثيرّ نيرانّ مسّعورة و موقدّة فيّ قلبّ كايّل فّابتسمّ بّقهر و تكلم بنبرته الحادّة
ـ أجلّ لطاّلما كنتّ تأخذّ أشّياء الغيّر و ما الذيّ أتوقعه أكثّر منّ طّفل غيّر شّرعي ؟
ابتسمّ نايت بّسخرية ثمّ تـّقدم منه و ضّربه بّقوة على معـدتّه ليتـأوه كاّيل إذّ أنه لمّ يتوقع منه القّيام بأيّة حركة مقاومة كعادته، أمسكّ به
من خصّره بينما كايّل منحنيّ ليّقول نايتّ بنبرةّ حادةّ حاقّدة و ذاتّ لسّعة حاّرقة
ـ أنتّ أكثّر شخصّ يعرفني كايّل و يعرفّ ما الذيّ أنا قّادر على فعله للوصول إلى هدفيّ ، تّعلم بماّضي
و بّكل جنونيّ فّهل فعلا تريدّ منافستي ؟
نـظرّ إليهّما ويّليامّ بّعدم استيعاب ، ألمّ يكنّ كايّل قد أخذّ منصّب الشّركة سّابقّا على محملّ الجدّ ؟ أيضّا كيفّ له أنّ ينبشّ أحداّثاّ
قدّيمة عّالماّ بمدى تأثيرّ وقعها علىّ مسّامع نايت ؟ فّتدّخل مبّعداّ الاثنين عنّ بعضهماّ البعضّ و هو يّقولّ بّغيضّ
ـ ماّ الذيّ تحّاولانّ فعله بحقّ الله ؟ ما الذيّ يحدثّ هنا ؟ ماّ الأمرّ ؟ أنا لم أعد أفهم شيئا
دّفعه كاّيلّ بّكل قّوة لّيسقطّ ويّليام أرضّا فّاقداّ توازنه ثمّ استمّر بّضربه بينما نايتّ بادره بالمثل و قدّ سئم منّ تراجعه ، صّاح كّايل بّحدة
ـ أيهاّ السّافل ،
بينما قام نايت بمسح الدمّ من طرفّ فمه و هو يبتسم بسخرية مستهزئا منهّ فّثار غّضب كايل و كاد أن يتشاجرا مجددا لولا إمساكه
المتأخرّ لأعّصابه الثّائرةّ ، لقدّ قام بتقبيل زوجته و سمعّ بإعتراف حبها الذيّ حتى هو لم يسبق لها و ان اعترفت بمشاعرها له فّهل
يّجرؤ على البقاء ساكنا دون فعل شيء ؟ زفرّ بّعصبية و قّالّ بحدةّ
ـ كيّف تجرؤ نايتّ ؟
نـظرّ إليه نايتّ بحدّة ثمّ دّفعه بّقوة على الجـّدار الذيّ خّلفهم ، سّدد لكّمة إلّى معدّته و لكمّة أخرىّ لّيصيحّ به بنّبرة غـّاضبة حـّاقدة
و ذاّت رنينّ غّريبّ
ـ كيّف أجرؤ ؟ أتسـألنيّ كيّف أجرؤ ؟ ماذاّ عنك ؟ عندّما كّانتّ إليزابيثّ ملكّا ليّ ألمّ تأخذّها من بيّن ذّراعايّ ؟ ألمّ تّخونانيّ معّا فيّ
غرفتكّ أيهاّ السافّل ؟ أتتوقّع منيّ أن أتّعامل معكّ بّإخلاصّ بعدّ هذاّ ؟ أخبرنيّ ؟
صمّت كاّيل و قدّ شحبّ وجّهه، ثمّ عمّ سكونّ غّريبّ فيّ الـّرواقّ عندّما داهمتّ الذّكرياتّ ثّلاثتهم ، عّلاه صوتّ تّصفيقّ حّار ليلتفتّ
الثّلاثة إلّى فلوراّ التيّ كانتّ تّرمقهمّ بسخريّة واضحّة ، غّريبّ كيفّ أنّ الثّلاثة يتشاجّرون حولّ إليزابيثّ بينماّ ماريّ التي فقدّت قّدرتها
على السّير ليستّ محضّ اهتمامهم و لا حتىّ لّثانية ، اقتربتّ منهمّ ثمّ قدّمت شيكاّ عّليه مبّلغ الـ 500 مّليون دّولار و وضّعته فيّ جيبّ
سّترة نايتّ لتّقول بّاستهزاءّ
ـ هـذاّ هو مّالّك و لمّ تّأخذّ منه ماريّ قطّعة نقدّية واحدّة فأسترجعه لأننيّ سأسترجّع أختيّ بدوريّ ، فأنتّ لا تستحقّ و لنّ تستحقّ
وجودّها بجّانبكّ
سقطّتّ ذّراعايّ كاّيل جاّنبا مستّغربّا منّ موضوعّ المـّال ثمّ انسحبّ بكلّ بّهدوء لا رّغبة لهّ بسمّاع المزيدّ من هذّه الترهات قدّ فقدّ قّدرته
علىّ القّتالّ أكثرّ ، بينماّ و لأولّ مرة عّلتّ ملامحّ نايتّ الصدّمة ، ماريّ لمّ تستعملّ الماّل ؟ قـّال بّحدةّ
ـ لاّ تمزحيّ معيّ فّماريّ استعملّت المالّ منّ أجلّ تسدّيد ديونّ والدّكمّا
ابتسمّت فلورّ بّكل سخريةّ ، لقدّ فّضلت التضحيّة بّنفسهاّ من أجلّها هيّ لكيّ لا تضطرّ لزواجّ من آرثّر ، تنهدتّ و نـظرتّ إليهّ كاّن
وجّهه شّاحباّ كعّادته و عينيهّ حاّدتين بشكلّ خطيّر بينماّ هناكّ دماءّ علىّ شفتيهّ إنه هوّ منّ أرادّت ماّري إكمالّ حيّاتهاّ معه و بالرغم
من علمها التام بّرفضّ ماريّ البوح بّسرها إلا أنها أجابته بنبرة باردة ساخرة
ـ لمّ يسّتعمل والدّي النقودّ لأنه لمّ يكن هناكّ داعيّ لمسألة الدّيون كانتّ وهميةّ من أجلّ ضّمان مسّتقّبلناّ قّبل أنّ يتوفىّ ، و لمّ تردّ ماريّ
أن تّعيدّ لكّ المالّ لأنهاّ تّعلمّ أنهاّ إذّا أعـّادتهاّ لكّ فهذا يّعني نهايةّ علاقتهاّ بكّ لذّلك طلّبت منيّ الإحتفاظّ بهاّ ريثماّ تحاولّ هي كسّب قّلبك ،
علىّ كلّ حالّ هذاّ ليسّ مهماّ بعدّ الآن لأنه من الماضّي ، سوفّ أسترجّع أختيّ و اليومّ
ثمّ ابتسمتّ بّسخريةّ شديدّة على ملامحّه المصدّومة ، الآن تستطيّع ان تهنأّ بّحيّاة سعيدّة رفقة أختهاّ و بعيداّ عنّ عّائلة لبيّر ، بعيـداّ
عن أجواّء لندّن العاّصفة سيرحّلان لكنّ نايتّ نـظرّ إليهاّ غيّر متأثّر بكّلماتهاّ ثمّ قـّال بّحدّة
ـ لّيس أنتّ من بيدّك تّقريرّ بّقاء ماريّ من رحّيلهاّ ، و مـاريّ لن تتحركّ قيدّ أنملّة من تلكّ الغّرفة فإن كنتّ تّظنينّ أنّك قّادرة
على إجتّياز عـّشرين حّارسّا فّتفضّلي ،
زمّجرت بّعصّبية و قدّ ظهرّتّ شخصّيتهاّ الناريّة فأحكمتّ القّبض على يّاقة نايتّ و قّربت وجههاّ منهّ بينماّ رمقّها هوّ بكلّ بّرود و
حدّة فيّ آن واحدّ ، فتقدمّ ويّليام منهماّ ليّفرقّ بينهماّ دّفع نايتّ جاّنبا و أمسكّ بّفلور قّائّلا بّهدوء
ـ ماّ رأيكماّ لو أنّ ماريّ تّقرر بنفسهاّ ماّ إنّ كانتّ تريدّ البقّاء أوّ رحيّل ؟ الآن دّعوناّ نؤجلّ هذاّ الحديثّ إلىّ أنّ تشفى حسناّ ، أيضّا
نايتّ لديّك الكثيرّ لتفسره فلا تّظن و لو حتىّ لثانية أننيّ نسيتّ كلماتّ كايلّ
رتبّ نايتّ سّترتهّ ثمّ غـّادر بخـطّوات واثّقة إلىّ الشّركة غيّر آبه بكلّمات فلورّ أو حتىّ رحيّل ماريّ ، كـأنه متأكدّ من بّقائهاّ فّصرختّ
فلور بّعصبية بّالغةّ و لوّ أنّ ويليامّ لم يكن يمسكّ بهاّ لّنزعتّ تلكّ اللوحّة الثمينةّ من مكاّنها و رمتّها علىّ نايتّ ، منّ يّظن نفسه ؟
لماذاّ هوّ واثقّ إلى هذه الدّرجة ؟

/

فيّ مكّتب واسّع فخمّ ، كاّن يترأسه ذلّك الشابّ ذو الشّعر الأسودّ الحّريريّ بينماّ و أمامهّ يقفّ شّابينّ أحدّهما يبدوا غيّر مباليا بالأمرّ
الذي استدعاه في هذه الساعة المتأخرة من الليل و بهذا الجو العاصف في حين أن الثانيّ يرتجفّ بّقوة منّ توترهّ فّتحدّث الرئيسّ بّنبرة حادّة
ـ أظنّ أنّك تّعلم لماّ قدّ طلّبت رؤيتكّ أليس كذّلك ؟
أومأ الشّاب ذوّ القلنسوة بّإرتباك و توتر فّابتسمّ الرئيسّ ليطلّب منه الاقتراب ، نفذّ الشّاب أمره فّسددّ الرئيسّ لكمّة قويةّ إلىّ فكه جّعلته
يّتأرجّح أرضّا ثمّ وقفّ و إتجه نحوه ليمسكه من ياقته ، تحدثّ من بينّ صّرير أسنانه
ـ أظننيّ أخبرتكّ و بكلّ وضوحّ أنّ تجذبّ الانتبّاه نحوكّ فكيفّ لتلكّ الفتاة أنّ تنجواّ منّ الحريقّ و منّ أنقذّها ؟
في النهايةّ لمّ يكن الرئيسّ سوّى ديميتري الذيّ يبدوا أنّ أعصابه ثّائرة فيّ حين أنّ الجريدّة مرّمية على الأرضّ بعدماّ قدّ داسّ عليهاّ ،
ترأسّ الصفحةّ صورةّ لنايتّ محتّضناّ ماريّ أمامّ قّصر فّلادميرّ فأجاّبه الشّاب بّخوف
ـ لكننيّ فّعلا قدّ تأكدتّ من أن جّميع حرسّ فرانسواّ يتبعوننيّ و جعّلت العّصابة تّقاتلهمّ ، أناّ لاّ أعلمّ من كان بّرفقة ماريّ أرجوكّ صدّقني ،
تنهدّ ديميتريّ و عادّ يّسدد لكمّة أشدّ قوة لّوجه ذلكّ الشاّب ليظهرّ وجههّ ، كانّ أشقّر الشّعر ذوّ بّشرة بيّضاء فيّ حين أن عينيه مصّابتينّ
أحدّهما تظهر تحتهاّ هالات بنفسجية اللونّ فّصرخّ به ديميتري بّكل غضّب
ـ إذن فسّر وجودّ تلكّ المرأة و منّ هي لتّنقذّها ؟ كيّف لخادمة أن تضّحي بّحياتهّا منّ أجلّ نكرة ؟ أريدّ أن تجلبّ ليّ إسمّ المرأة
و من تكونّ و هل هيّ تعمّل كّحارسة شخصّية لماريّ ، أريدّ أنّ أعرفّ ما الذيّ حدثّ لماريّ و كيّف هي إصابتهاّ ، أظنكّ قّلت أنكّ سّتزحّف
على صدرّك للإنتقام منّ نايت لكن كل ما أراكّ تفعله هو فّشل وراءّ فشّل
زفرّ الشّاب الأخرّ و تقدّم ليفكّ قّبضة ديميتريّ منّ ذلكّ الرجلّ و وقفّ بينهمّا ، كانّ هذّا الشّاب ذو شّعر فّضيّ يّضع قّرطاّ علىّ أذنه اليسّر ،
يّرتديّ ثّيابّ الحفّلات الصّاخبة فتحدّث بنبرة منزعجّة
ـ ماّ الذيّ تريدّه أنّ يّفعله ديميتري ؟ لقدّ نفذّ أوامركّ بحّوافرهاّ و ألمّ تكنّ أنت مّراقّبا لماّ يحدثّ بداّخل الحّفلة ؟ فكيفّ إذن قدّ أهملت هذّه المرأة ؟
حسناّ جاّيسون إرحلّ سّوف أهتمّ أناّ بهذاّ الأمرّ
فّوقف جاّيسون بّرعب و ركضّ مسّرعا منّ المكتّب ليّتنهدّ ديميتريّ بّغيضّ و يّعود للجّلوس بّمكانهّ مقّطبا ّ، يبدوا أنّ أوسكاّر محقّ فيّما قّاله
فّزفرّ بّكل حقدّ قّائلاّ
ـ لنّ أدعّ هذاّ يمرّ بّسّلام ، أوسكاّر أريدّ أنّ أعّرف عنّ حالتهاّ
اقتربّ منه أوسكاّر و وضّع هاتفهّ أمامّ عينيّ ديميتريّ الحادّتين لينظرّ إلىّ صورة ماريّ مستلقّية علىّ سّريرّ بينماّ الأجّهزة
تحيطّ بهاّ فيّ حينّ كانّت هناكّ ملاحّظة عنّ عشرينّ حارسّا يّلفّ حولّ الغّرفة بّعضهم مخفيّ فّقال ديميتريّ بّبرود
ـ ما الأمرّ مع هذّا الرجلّ ؟ عّشرين حارسّا ؟ ألاّ يبدوا مصّابا بالارتياب نوعّا ما ؟
رمّقه أوسكاّر بّقليلّ من السخّرية ، لقدّ حاّول قّتلّ زوجّته ألنّ يكون عشرينّ شخصّا يّحرسها عدّدا قّليلا ؟ جلّس علىّ الأريكّة
ليستلقيّ بعدّها بّلحظاّت محاّولا أنّ يأخذّ غّفوة قصّيرة عندّما عادّ ديميتريّ لتحدثّ بّنبرة خّبيثة
ـ ماّ رأيكّ لو أننّا نزيدّ منّ الجّرعة هذّه المرةّ أوسكاّر ؟ لديّ عدةّ أفكارّ لم أنفذّها
أشّار لهّ أوسكارّ بّعدمّ اهتمامّ أنّ يّفعلّ ما يشّاءّ فّابتسمّ ديميتريّ و قدّ بدأتّ عدةّ خططّ تّنسّاب إلّى عّقله ، هوّ لنّ يدّع نايتّ ينجواّ بّلا ألمّ ..
سوفّ يّقتله ببطّء مشّبع ببرودّ حتىّ يّركع أمامهّ سوفّ يردّ لها الصّاع صّاعينّ ، ابتسمّ بّبرود هامسّا
ـ إمـّا أنتّ أو أنـّا ، أحدّنا فقطّ سّيبقى فيّ هذاّ العّالم نايتّ


آنتهـّى
__________________
  #42  
قديم 12-28-2015, 11:39 AM
oud
 
الشـآبترّ الـ 25


أيتهـّا الغـّالية لقدّ حـّان وقتّ الـّرحيـّل


خلفّ سّحب لندّن الداّكنة و جّوهاّ الممطـّر عندّما دّوى صّوت الرّعد شّاقّا طّريقّه بينّ السماءّ و تسّاقطتّ الثّلوجّ
بّغزارةّ معّرقلةّ الطّرقّات حيّن دّخل نايتّ منّ بّوابةّ القّصرّ راكناّ سّيارتهّ أمامّ المدّخلّ ثمّ خرجّ بّهدوءّ و بخـّطواتّ
كّسولة اتجّه إلىّ جّناحّه فيّ الطـّابقّ الثّانيّ عبّر المصّعدّ ، بّعدّ دّقائّق كاّن يّغلّق البّاب خّلفه ، رمّى سترتهّ علىّ الأريكّة
السوداّء و سحّب قّميصّا أزرقّ اللونّ داكنّ ليّرتديّه تّاركاّ أزراّره العّلوية مّفتوحّة ،
وجّه عينيهّ الحادّتين إلّى ماريّ الممدّدّة بّلا حرّكة فّلم تستيقّظ منذّ ماّ يّقاربّ يومينّ ، منذّ ماّ أنّ أحقنتهاّ الممرّضة بالإبّرة
المخدّرة و كمّ أنبهاّ الطّبيبّ على فعلهاّ المتّسرع فّلاّ يجدرّ أبداّ تخديرّ شخصّ استيقّظ توهّ منّ غيبوبةّ قدّ تكونّ دائمّة ، أشّار
بيدّه فّشّغل تلّفازّ لتظهرّ قناّة الأخبّار كانّ موضوّع حديّثهاّ هذّه المرّة هوّ كميّة الثّلوجّ الغّزيرة ثمّ سّارّ إلىّ تلكّ الثلاجّة الصّغيرة
و أخرجّ علبّة صّغيرة فتّحها ليرتّشف القّليلّ منّ شّرابّ
فتحّ حّاسوبهّ المحّمول و إتجّه إلىّ الأريكـّة لّيرميّ قميصّه و سترتهّ أرضّا مفّسحاّ المكانّ لجّلوسه ، فأخذّ يّفتحّ عدّة ملّفاتّ كلهاّ
منحّنيات تظهرّ نسبّة تصديّر الشّركة و الأسهمّ أيضّا كماّ أنه قّام بّنسخّ العقودّ التيّ من المفترضّ الموافقّة عليهاّ الشهرّ القادّم
كيّ يّدققّ النظرّ فيّ بياناتهاّ و يّحرصّ البحثّ فيّ خلفيّات الشّركاتّ كيّ لاّ تعادّ حادثّة شركةّ جونسونّ مجدداّ
تّوقفت أنامله عنّ الضغطّ علىّ أزرار لوحّة المفاتيحّ لوهلة من الزمنّ عندّما صدرّ صّوت رنينّ من جهازهّ ففتحّ نافذةّ ماّ ليّعلوهاّ
صّورة قّديمة ماّ ، كاّنت لّرجل ماّ في نهاية العشرينيات يبّتسمّ بكلّ ثّقة و غـّرور نـّاحية الكّاميرا كتبّ أسّفله بّخط أسودّ واضّح ،
بداّية الانتقام فّزفر نايت بكلّ كره منتقّدا تصّرفات ديميتريّ الحقودةّ و أكملّ عّمله متجّاهلا الإنذاّر الذيّ وصّله ، يبدواّ غيرّ مباليّا
أبداّ بّكون هذاّ الشّاب يهددهّ
بّعد مرورّ سّاعتينّ إزداد جّوّ لندّن بّرودة مرّافقةّ بّثّلوجّ غّزيرةّ و رّعد غيّر عاديّ ، قدّ كانّ نايتّ مركزاّ فيّ قّراءة المنحّنياتّ
و تحّليلهاّ عندّما دّوى صّراخّ ماريّ فّوجّه نظرّ بّسرعة ناّحيتهاّ ،
كـّانتّ تّصرخّ بّهستيّرية و هيّ تحـّاول الوقوفّ و كلمّة واحدّة قّد رفّضت أنّ تتركّ لسانهاّ إنهاّ النيّران و هي تلتهمّ كلّ شيءّ من
حولهاّ بداّية بّستائرّ إلىّ الخدّم و همّ يصّرخونّ بّألمّ رّعباّ و خوفّا منّ الموتّ ،
فّتقدّم مسّرعا إليهاّ و أمسكّها منّ ذّراعيها مثّبتا إيّاها قّبل أنّ تسقطّ منّ السّريرّ لكنّ و بقوةّ دّفعته جاّنبا علّى صدّره فتأوهّ بألمّ
لتتاحّ الفرّصة لهاّ ، استداّرت و سقطّّت علّى الأرضّ حـّاولت الحراكّ لكن قدّميها لمّ يّسعفانهاّ ، حـّاولت الصّراخ لكنّ ريّقها جاّف
و أرادتّ النظرّ لكنّها لمّ ترى سوىّ النيرانّ تلتهمّ الأخضّر و اليّابسّ من حولهاّ فّوضّعت يدّيها علىّ أذّنيها و أخذتّ تّصيحّ بصوتّ
خافتّ تأنّ له الّقلوب ،
نـظرّ إليهاّ نايتّ بعدمّ تّصديقّ ، كانتّ ماريّ مختلفة تماماّ ضّعيفة جداّ لدّرجة الهشاّشة أهذاّ كلّه صّنع تلكّ الحفّلة ؟ لمّ يدريّ تماماّ
ما الذيّ سيّفيد فيّ هذه الحاّلة فّبّخطّواتّ مترددةّ اقتربّ منهاّ و لفّ ذّراعيه حولهاّ ، لتسندّ رأسهاّ علىّ صدره ثمّ تحدثّ بنبرة خاّفتة مبحوحةّ
ـ ماريّ ،
شهقتّ و نـظرّت إليهّ فانقشع غّشاءّ النيرانّ منّ بينّ جّفونهاّ لتتساقطّ دموعهاّ الحاّرقة على وجّنتيهاّ أخيـّرا استطاعتّ أن تجّده ،
فّلفتّ هيّ الآخرى ذّراعيها حولّ رقّبته متمسكةّ بشدةّ به ، كاّنت تّشهقّ باستمرار غيرّ مصدّقة لكونه سّالما بّخيرّ ،
صّاحت به بنبرة بّاكية
ـ يّا إلهي ، لقدّ كانّ كاّبوساّ مروعّا ، كنتّ أبحثّ عنكّ فيّ كل مكان و لم أستطّع أنّ أجدّك .. أناّ شّاكرة نايتّ ، أنـّا شّاكرة
لمّ يتحدثّ بّل اكتفى بالصمتّ فقطّ و ماّ العذرّ الذيّ قدّ يجدّه ؟ عندّما تداّركتّ نفسهاّ ابتعدتّ عنه بّمسافة كاّفية ، أخفضت رأسهاّ للأسّفل
و قامتّ بمسحّ دموعهاّ بّكل إحراجّ ثمّ عادتّ تنظرّ إليه بعينيهاّ الواسعتينّ و أمسكتّ بيدّيه فّعلت شفتيهاّ ابتسامةّ بالرغمّ من مقاومتهاّ
لدموعهاّ إلاّ أنها عادتّ تتخطّ وجنتيهاّ خطاّ لرحلتهاّ فّتحدثتّ مجدداّ بّنبرة متحشرجة
ـ هذاّ يبدّوا غّريباّ ،
رفّعت يدّيها لمستوى عّينيهاّ تنـظرّ إليهماّ بّكل تعجبّ كاّنتا ملفوفتينّ بّضّماداتّ كذّلك قدّميهاّ، حّاولت تّحريكهماّ لكنّ كأنهماّ لم تّعدا جّزءا
من جسّدها فّشحبّ وجههاّ بأكمله، كيفّ نست ذّلك ؟ لقدّ أرداتّ أن تنقذّ كايلّ بشدةّ فّدفعت نفسها أمام ذلك البابّ الفولاذي ليسقطّ عليهاّ ،
أرادتّ أنّ تجدّ نايتّ بّكل ما تّملكه منّ إرادة لكنّها لمّ تجدّه ، فّتحدثّ نايتّ بّهدوء عندّما لاحظّ ملامحّ الصدّمة التيّ غزتّ كل ركنّ بهاّ
ـ ماريّ ، هلّ تتذّكرين آخرّ ماّ فعلته ؟
بالطبّع تتذّكر و كيفّ لها أن تّنسى بينماّ كلّ شيء يمرّ أمامهاّ كّمنبه حيّ لألمهاّ ؟ يّعيدّ الحزنّ لقّلبها كلما حاّولت تناسيهّ ، صمتتّ لّمدةّ طّويلة
قّاومتّ فيهاّ رّغبتها الشديدّة بالصّراخ ، أرداتّ أنّ تلومه على تّركهاّ ، أنّ تلومه علىّ حبّه لّغيرهاّ لكنّها و لأنهاّ ماريّ فّلم تستطعّ فعّل ذلكّ ،
فاكتفت شفتيهاّ بّصمتّ مطّبق محكمّ بينماّ تهاوتّ الدّموع منّ رموشهاّ الطّويلة إلىّ أسّفلّ خدّها ، أومأتّ بالإيجابّ ثمّ نـظرتّ إليه بّعينين
فّارغتينّ تّعكسان مدىّ عمقّ جّرحهاّ ، تحدثتّ بنبرة مبحوحةّ فيّ حين لاّ زالت تذّرف دموعاّ
ـ أخبرنيّ نايتّ ، إن سألتك بالرفقّ على قلبيّ فهلا فعلتّ ؟
استغّرب كلّماتهاّ و رمقّها بنظرّة تّوحي بّمدى عدمّ فهمه جملتهاّ هذه فهلّ صدّمتهاّ فّعدم قدّرتها لسيّر جّعلتها تتفوهّ بكّلمات لاّ معنى لهاّ ؟
غيرّ أنهاّ اقتربتّ منه مجدداّ ثمّ لفّت ذّراعيهاّ حول رّقبته و وضعتّ دقّات قّلبها المسرعةّ بجاّنب أذّنه تماماّ ، ثمّ همستّ بّكل صدقّ
ـ إرفقّ عليه نايتّ ،
حينّ فتحّ بابّ الجـّناح لّيدخلّ كّل منّ كايلّ و إليّزابيثّ بّرفقتهماّ فرانسواّ الذيّ يبدّوا معاّرضاّ لتواجدّهما فيّ هذه اللحـّظة لكنهّ تّركهماّ
يدّخلانّ بّغيرّ رضي ، فّإتجّه الثّلاثة إلّى حيّثماّ كان نايتّ و ماريّ جالسّان لتّتحدثّ إليزابيثّ بّنبرة غّامضة
ـ ماّ الأمرّ ؟ لقدّ سمّعنا صّراخ ماريّ منّ آخر الطاّبق و آتيناّ لتفقدّ الأمرّ ، ماذاّ بهاّ ؟ هلّ علمتّ أنهاّ فقدتّ قّدرتها على السيّر بعدّ ؟
زفرّ كايلّ بكلّ حدةّ و نـظّر إليهاّ بّغضبّ منّ نبرتهاّ المستهزئة و الملّيئة بّشتى أنواعّ الاستمتاعّ كأنّ لذّتها الوحيدةّ تكمنّ فيّ تعاّسة
غيّرهاّ فّتقدّم هو ناحيّة ماريّ التيّ قدّ تركتّ نايتّ لتوهاّ ، ابتسمتّ بّهدوء إلىّ كايلّ الذيّ يّبدوا خاّئفّا من ردّة فعلهاّ
و أجاّبت إليّزابيثّ بّضحكة
ـ أجلّ ، أعلمّ إنهّ ليسّ مخيفاّ حقاّ عدمّ السيرّ فّسوف يتسنى ليّ الجلوسّ فيّ كرسيّ متحرك طّوال الوقتّ و التكاسلّ ،
تنهدّ كايلّ بّراحة ، كاّن خاّئفاّ من نّدمها علىّ إنقاذّه و منّ دّفعها ثّمن سّيرهاّ لّحياتهّ لكنهاّ بدتّ متقبلةّ الأمرّ بّصدر رحبّ كأنّ ذلك الوحشّ
الذيّ استيقظ فيّ المستشفى لمّ يوجدّ قطّ ، أمّ هيّ ربماّ تكبحّ رغّبتها فيّ الصّراخ ؟ لمّ يستطعّ فّهمّها فّوجه حديثّه ذّو صوتّ الباّرد ناحيّة نايتّ
ـ هلّ زوجتكّ بّخيرّ ؟
عندّما لمّ يجدّ ردّا من نايتّ ظنّ كعّادته أنهّ يتجاهلهّ فّوضعّ يدّه على كتفّ نايتّ ليجعله يواجّهه لماّ لمحّ شّحوب ملامحّه مصّدوما غيرّ قّادر
على الرّد ، عيّنين بّاهتتينّ قدّ حّجب رؤيتهماّ شعره الّأسود الكثيفّ الذيّ غزى جبّهته فّحملّ ماريّ بّكل هدوء و جّعلها تستلقي على السّريرّ
ليّقومّ بوضع الغطاّء الدافئ فّوقها ، نـظرّ إليهاّ لمدّة ثمّ قّال بّكل برودّ
ـ تّوقفيّ عنّ هذه التصّرفات المجنونةّ ماريّ ، فـرانسواّ دّلهم علىّ المخرجّ أيضاّ قمّ بإرسالّ سوزي للإشّراف على حاّلتها ،
ثمّ رفعّ معطفّه لّيرتديه مسّرعاّ و بخـطّوات خافتّة تّضاهي ريّاح فيّ سكونهاّ غاّدر ، بينماّ بقيّ كايلّ واقفّا مكانهّ يحدقّ به بكلّ دّهشة فّقد
تّرك زوجته التيّ أدركتّ تواّ أنهاّ فقدّت أهم شيءّ بحّياتها لوحدّها و التيّ استيقظت توهاّ من الغّيبوبة لوحدّها لاّ بلّ لم يكتفيّ بّذلك بّل حتىّ
قام بّتأنيبهاّ ، لماذاّ بّمرور الأيّام يّدرك أكثرّ فأكثرّ أنّ وجودّ ماريّ بجاّنب نايتّ ليس سوى محضّ تّنويه عنّ مخططّاته بينماّ المسكينة الآخيرة
تّجاريه ، فّأمسك بذّراع إليزابيثّ و سحّبها خاّرجا قبلّ أنّ يقوم فرانسوا بّطردّهما
هذاّ هو نوعّ الرجالّ الذيّ تحبّه إليزابيثّ ؟ كيفّ أمكنهاّ أن تتّركه من أجلّ رجلّ إنّ صح القّول فّربماّ آلة مثّله ، لاّ يتألم لا يحزنّ و لا يباليّ
بالناسّ الذينّ يّبذّلون جهدّهم من حوله لمجاّراته فقطّ ، فّعقدّ حاجبّيه بّحقد و قدّ زادّ تّصميمه علىّ تحطيم نايتّ أكثرّ ، شخصّ مثّله لا يستحقّ الحيّاة

/

فيّ المسّاء بّقّصر لبيرّ مصّدر الرئيسيّ لّشائعاتّ المجّنونةّ التيّ تّعم الدّولة بأسّرهاّ و الآنّ بّعد أنّ تمّ نشّر فيّ الصّفحة الأولى كالعّادة خبرّ آخرّ
و هـذّه المّرة كانّ كاّسحاّ و مّدمرا ، سندّريلا البريئةّ تخدّع رجّل الأعمالّ الشهيرّ نايت لبيرّ من أجلّ الحّصول على 500 مّّليون دّولار و ذّلك
بّخلقّ ديونّ زائّفة ، ارتجفتّ أناملّ فّرانسوا بّكل رهبةّ و قدّ أعلّن ديميتري هجومهّ الثانيّ فبخطّوات سّريعة إتجّه إلىّ مكتبّ نايتّ لّيّدخله بّدون
استئذان صائحاّ بّقلق
ـ سيديّ هناكّ أخبار سيئةّ علىّ الصفحاتّ الأولى بجريدة تايمز
لكّنه تّوقف بّصدمة عندّما أمعنّ بالّغرفة ، مكتبّ نايتّ قلبّ رأسّا علىّ عقبّ بينما تناثّرت ملّفات العملّ فيّ كل زاويةّ أمّا نايتّ فكانّ يجلسّ علىّ
الأريكةّ ممسكاّ بّفنجانّ قهوةّ يرتشفّ القليلّ منه بكلّ برودّ ، شّفتيه مليّئة بالدماءّ لحـظةّ دخول فرانسواّ نـظرّ نايتّ بعينينّ حـّادتين باّردتين ناّحيته
، أجـآبه بتململ
ـ أعّلم
تّلعثم فرانسوا محاولا إيجادّ كلمة مّناسبة لّيصفّ مدى هول هذاّ الأمرّ فلم يّسبقّ لنايت أبداّ أنّ فقدّ أعّصابه ، فكيفّ له أنّ يدمرّ مكتبه بأكمله
و يّجلسّ بكل هدوء مرتشفاّ القّهوة حتىّ بعد علمه بهجوم ديميتري الثاّني ، تحدثّ فرانسوا بّتردد
ـ سيديّ ، ما الذيّ حدثّ ؟
عندّما خـّرج ويّليام منّ الحمامّ يّمسحّ قّبضته بّالمنشفة ذّو ملامحّ جامدّة علتّه ، جّلس علىّ الأريكة هو الآخرّ واضّعا قدّما علىّ الأخرى بينماّ
يدّه على ظهرّ الأريكة من الخلفّ ، عينيه حادّتين و شديدّتا الغّضب ، فابتسمّ فرانسوا بّسخرية إذّن فقدّ ثارت أعّصاب الحمل الوديع ذّو
الابتسامةّ الدائمةّ ، ليتحدثّ ويليامّ بلهجةّ مهددةّ
ـ يستحسنّ بكّ أنّ تّخبرنيّ الآن و دونّ تّلاعبّ بالألفاظّ من فّضلك ،
صمت نايتّ للحظاتّ مّمررا أنامله علىّ شفتيه لّيقوم بّمسحّ الدماءّ ، دوماّ ماّ يفقدّ الآخرين أعّصابهم فيّ وجهه و لنّ يشفى غليلهم إلاّ بّتسديدّ
لكمة مباشّرة لفمه فباتّ يتساءل بسخريةّ ياّ ترى هل السببّ يّعودّ لأن كّلماتّه مواسية آكثرّ من اللازمّ و المطّلوب ؟ أجابه نايت بحدة
ـ آلا تّرى أنكّ تّخطيت حـّدودكّ ويّليام ؟ لقدّ سمحتّ لكّ بّفعل ما تّشاء بالغّرفة فقطّ لأنكّ صديقيّ و جـّعلتك تّلكمني دونّ مبالاة لكنّ أنّ تّضع أنفكّ
وسطّ شؤوني فّهذا ماّ لاّ أقبله أبداّ ،
أخفضّ ويّليام رأسه للأرضّ متمالكاّ نفسّه فّرؤية وجّه نايت هذه الأيامّ أصبحتّ مشقةّ بّالغة الصّعوبة عليه ، كأنه لمّ يعدّ نايت الذيّ يّعرفه
لقدّ ظن أن بمقّابلته لماريّ سيتغيرّ و يصّبح إنساّنا مجددا يستطيعّ أن يثقّ بالغيرّ و أنّ يحب لكنه إزدادّ فيّ طّغيانه ، غيرّ مهتمّ بتلك الفتاة التيّ
تقتل نفسهاّ كل يومّ فيّ محاولة عقيمة لّكسب قّلبه ، فتحدثّ ويليامّ بكره
ـ لقدّ طلبّت من مديرّ أعماليّ التحدثّ إلى رئيس مجلة تايمز لأجلّ عدم تّسريب الحدثّ و ذّلك لمّ يكن مجاناّ طّبعا لكنّه سيمنحكّ فّرصة
لأخذّ حذرك ، أجبني من هذا الذي يحاول بّشدة تحطيمك ؟ بالرغم من أنني أعلم أن الكلّ يريد قّتلك لكن أتستطيع تحديد الرجل الذي
اكتسب الجرأة لفعل هذا ؟
زفرّ نايت بّكل حدةّ رامقاّ ويليامّ بنظراتّ نارّية حاّرقة يّحذره فيهاّ من فّعله لكنه سّرعان ماّ تنهدّ بقّلة حيّلة و هو يّعلم أنّ صديّقه لنّ يقف
مكتوفّ اليدّين ملاحظاّ تّورطّه بّأحداثّ خطيّرة كهذّه ، محّاولة تخريبّ سمعة ماريّ و أيضاّ انفجاّر مكبّرات الصّوت فيّ حفلة فّلادميرّ ،
جعل ماريّ تفقد قّدرة السيرّ ليست سوى البداّية لانتقامه فتحدثّ بنبرة مبحّوحة مرتشّفا القّليل من القّهوة
ـ إنه ديميتري
شهقّ ويليام بّصدمة شديدّة و شحبّ وجّهه ، وقفّ مسّرعا ثمّ عادّ للجلّوس .. نـظرّ حوله غيرّ قّادر على تحكمّ بانفعاله ثمّ عـّاد يقفّ مجدداّ
كانّ وطأ الصّدمة شديدّا على قّلبه فّحدق بّنايت ذوّ ردة الفّعل البّاردة و قالّ بّدهشة
ـ ما الذي تقصده بّعاد ؟ ثمّ كيفّ يملكّ ديميتري معّلومات عنّ الـ 500 مليونّ دولار لاّ و حتىّ أنها مرّفقة بّوثائق رسميةّ مشابّهة للتيّ تملكهاّ ماري ؟
ابتسمّ نايتّ باستهزاء و هلّ يصعب على ديميتريّ الحصول على مثّل هذه الوثائق ؟ إنه يريدّ تدميره بّأيّ وسيلة كانتّ ، فتحدثّ نايت بنبرةّ
هادئة ذّو رنةّ غـّريبة مبحوحةّ
ـ لوّ كانّ تدميري ثمنه بّيع روحه لشيطاّن لّسارع بّبيعهاّ، هذه المرّة ياّ ويليام .. أناّ و هوّ لسناّ نلعبّ شطرنجّ بّقطعّ عـّادية وإنماّ كلّ قطـّعة تّمثل
شّخصا ماّ ،
قطبّ ويليّام حاّجبيه مستنكراّ طرّيقة تفكيرّ ديميتريّ ، لكنّه دوماّ ما كانّ هكذاّ .. ديميتريّ شابّ مغاّمر يّخاطرّ بكل شيءّ للفوزّ بكل شيءّ
أوّ يتنحى جانباّ ، هـذاّ يّفسرّ أيضّا لماّ ماريّ مستهدفة من قبله ، إنه يحاول تدمير نايت عن طريقّها بّظنه أن نايت يّحبهاّ لكنه مخطأ فّهو
بالكاد يّبالي بوجودّها .. تحدث بّهدوء
ـ أعتقدّ أنه السببّ خلف حادثة فلادمير و أيضّا حادثة السيارة ، إذن ما الذي تخطط لفعله فّهو لم يستسلم قّبل القّضاء عليك ،
هزّ نايت كتفيه بّلا مبّالاة و استلقى على الأريكة واضعاّ ذراعه على عينيه مانعّا الضوءّ من التسربّ إليهما ، كانّ بقاءّ نايت مكتوف اليديّن
غريباّ بالنسبة له فّأجاّبه نايت
ـ يجدرّ بيّ أن أقوم بّإبعاد ماريّ عن أنظاره لذّلك أخططّ لإرسّالها إلىّ فرنساّ برفقة فّرانسواّ هكذاّ سأضمن بقاءهاّ سّالمة ، سّأحرصّ على
تعيينّ أفضلّ الأطباءّ لفحصها و أجّعلها تستعيدّ قّدرتها على السيرّ مجدداّ
وجّه ويليام أنظاّره ناّحية نايتّ و قدّ كانّ تعبيرّ الأسى ظاهراّ علىّ ملامحّه فّيستطيعّ أيّ أحدّ أن يّقرأه و لمّ يكن هذاّ صّعباّ علىّ نايتّ ،
ملاحظةّ حـّب ويليامّ المخفيّ لماريّ ليتنهدّ مجدداّ معّرباّ عن سئمه ، قّال ويّليام بّنبرة حزينةّ
ـ أناّ واثقّ أنه ما داّم أنتّ من يطلبّ منها فّسوف تنفذّ أمركّ فيّ الحالّ، لكنّ هل أنتّ متأكدّ من أنّ إرسّال ماريّ إلىّ فرنساّ فكرة جيدّة ؟
فكرّ نايتّ بكلّ هدوء ، إنهّ ليسّ متأكدّا فّحتىّ لو أرسّلها إلىّ فرنساّ فهو لن يضمن ابتعاد ديميتريّ عنها لكنه يكتفيّ بالمحاولة فقطّ ،
شـّرد فيّ أفكارهّ حينماّ همسّ بّصوت مبحوحّ خافتّ
ـ لستّ واثقاّ من أيّ شيء هذه المرةّ ويليام ، ربماّ قدّ ألقى حتفيّ

/

فيّ غّرفة المّعيشة الصّغيرة تلكّ و على الطّاولة الخّشبية جلّست كلا من السيدّة فرانسيسّ ذاتّ الملامح المّتهجمة و فّلور التعيسةّ ،
منذّ زمن ليسّ ببعيد كانت فلور غاّضبة لأن ويليامّ لاّ يلتفت نحوهاّ لكن الآن تبّدوا لها هذه المشكلة ليسّت سوى نكتةّ فيّ ظرفّ حادثة
أختهاّ ، ماريّ التي ضحتّ بحياتها من أجلهاّ تّقابلها بمشاّعر الغيرّة و الحقدّ
تنهدتّ فلور بّحزن أشدّ حينماّ فتّح بّاب الشّقة ليّظهر منه آرثرّ و بجاّنبه كانتّ كليرّ ، تقدّم منهما بّخطّوات متّرددة ثمّ قـّال بّنبرة متّوترة
ـ فّلور أناّ شديدّ الأسفّ لماّ حدثّ لماريّ ،
نـظرتّ إليهّ بّعينينّ مّغرقتين بّالدموعّ رفضتّ إخراجّها ، فيّ ظل معّاناة أختهاّ كانتّ هي تشعرّ بالغيرة منهاّ ، دوماّ ما كاّنت ماريّ
تتصلّ بهاّ لكنهاّ تّغلق السماعةّ غيرّ آبهة ، شهقتّ بّألمّ و بدّأت بالبكاءّ بصمتّ محاولة تّخفيف الضغطّ على قّلبها
رحيلّ والدّهما و ظّهور سيلياّ المرأة الأنانية التيّ سّرعان ماّ اختفت بعدّ تخريبّ زفافّ ماريّ ، الّوحيدة التيّ بقت بّجانبهاّ هي ماريّ ،
إنهاّ لا تستحقّ مصّير كهذاّ .. و لاّ شخصاّ كنايت لتحبه ، أنهاّ أفّضل منهمّ جّميعاّ
بينماّ نزلتّ دّمعة شّقت طّريقهاّ عبرّ خدّ كليّر ، وضّعت أناملها على وجنتيهاّ بّدهشة ثمّ أخذتّ تنظرّ إلىّ فلور ، لاّ تعلمّ لماّ لكنهاّ شّعرت بشّيء
مـّا يضغطّ علىّ قّلبها بكلّ قوةّ ، أهـذاّ لأنهاّ علمتّ أنّ تلكّ الفتاة التيّ لا طاّلماّ تنمرت عليهاّ صّارت مقعدةّ ؟ لن تستطيعّ السيرّ أوّ الركضّ ؟
تلكّ الفتاةّ التيّ كانتّ تنـّاضل بّشدة منّ أجلّ عّائلتهاّ ، وضعتّ ثمناّ لكرامتهاّ منّ أجلّ إنقاذّ أختهاّ و تخليصّ والدّها منّ ديونه ؟ ، لاّ بلّ كلاهماّ
كلاّ من ماريّ و فلورّ تحاّولان حّماية بعضهماّ البعضّ غيرّ آبهتينّ بماّ يحدّث لهّما ، هـذّا الرابطّ من الأخوةّ و هذاّ النوعّ منّ الحماّية هيّ ماّ
تبحثّ عنه دوماّ فيّ عّائلتهاّ و تّريده بّشدة ، الآن و بّعد أنّ توقفتّ ماريّ الفتاةّ التيّ استمرتّ بالنـّضال عنّ السيرّ إلىّ ماذاّ تتطلعّ هي ؟
فإستدارتّ بّهدوءّ غيرّ رآغبة بّرؤيةّ سقوّط عـّائلةّ روبرتّ أكثرّ من هذاّ ثمّ سّارت بّخـطّوات هـّادئةّ خاّرجاّ بينماّ تحدثّت فرانسيسّ بكلّ حنانّ
ـ فّلور يّكفيّ دموعاّ فّماري بخيرّ و هذاّ أهم شيءّ ،
اقتربّ آرثرّ و وضع ذّراعه على كتفّ فلور بّشفقة ، كانتّ فلور دوما تّلك الفتاة الناّرية صّاحبة الأعصابّ الحادةّ نادراّ ما تّظهر دموعها
و أنّ تبكيّ الآن لابدّ أنهاّ قدّ نالت ماّ يكفيّ ، ردتّ فلور بنبرةّ باكيةّ
ـ سّوف آخذّ ماريّ و أرحلّ بّعيداّ عن أجواءّ لندن
نـظرتّ إليهاّ فرانسيسّ بّهدوء ثمّ أمسكتّ بّيدهاّ ، فلور الآن لاّ تفكر بّواقعية أبداّ تريدّ أن تبعدّ ماري عن زوجهاّ ؟ الذيّ تحبه ؟
هذاّ غير معّقول فقّالت بحدة
ـ ما الذيّ تقولينه فلورا ؟ هل فقدتّ عقلك أم ماذاّ ؟ بالّرغم منّ أنكّ أختّها لكن لا يحقّ لك تّقرير حياّتها عنهاّ ثمّ إن ماريّ تحبّ نايت
و لن تستطيعّ الابتعادّ عنه ، فكريّ بها قّليلا
صّاحت بها فّلور بّنبرة غـاضّبة و حـّادة غيّر مبّالية بّمن يّقف أمامهاّ ،
ـ تّكمن مّصلحة ماريّ في الابتعاد عنّ ذلكّ السّافلّ ، إنهاّ تضيع حّياتهاّ فقطّ بالبقاء إلىّ جانبه ثمّ ماريّ لم تّعد تفكرّ جيداّ لذلّك أناّ أريدّها
أن تبتعد عنه لّعل عّقلها يعودّ للعملّ مجدداّ
رمقّتها فرانسيسّ بّحدةّ ، جذبّت فلور من ذّراعها و قادّتها إلىّ الغـّرفة المقّابلة ثمّ أغلقتّ البابّ خلّفهما ، قّالت بّغضب
ـ ما الذيّ تريدينه من إمرأة عاّشقة ؟ بالتأكيدّ سوف تبقى إلىّ جاّنبه ، أيضّا هل نسيت نفسك ؟ أنتّ تحبين ويّليام و لاّ تقدّرين على نسيانه ،
صمتتّ فلور لّوهلة من الزمنّ بعدّ أن هدأتّ فّجلست على الأريكة و وضعتّ رأسهاّ بين ذّراعيها ، صّحيح حتىّ لو أخّذت ماريّ بالقوة
هيّ لن تّبقى معها ، ستعودّ زاحفة إن اضطرت لّتبقى بجاّنب نايت ، و ماذا عنها هي ؟ أتستطيعّ نسيان ويليام فعلا ؟ ما الحلّ ؟ كمّ تّريد
أنّ تأخذّ سكيناّ و تّغرزه فّي قلبهاّ لعلّ شعورهاّ بالألمّ يّختفيّ لكنها تقاومّ بّشدة ،

/

مسـّاء يومّ الأربّعاء تماماّ و قدّ مـّر أسبوعينّ علىّ حادّثة فلاديمرّ ، فيّ تـّلك الغّرفة الواسـّعة تحديداّ على السّريرّ حيثّ كانّ
جسدّها النحيلّ قّابعاّ طّوال هذه الأيّام العديدّة تـّجّول بعينيهاّ بقّنوات التلفاّز و كادّت أنّ تحفظّ عن ظهرّ قلبّ جميعّ البرامجّ ، حركتّ
ذّراعهاّ بتململّ و جذّبت كأسّ العصيرّ لفّمها كيّ ترويّ عطّشها عندّما شعرتّ بالخدرّ و سّقطّ الكأس على فستانهاّ مبللاّ إيّاه ، قدّ كان
أبيضّ اللونّ يصلّ إلىّ ما أسفلّ ركبتيهاّ بقليلّ عاريّ الكتفين فّزمتّ شفتيهاّ بأسى محدثة نفّسها
ـ يا إلهي ،
سحبت كرسيهاّ المتحركّ بجانبهاّ ثمّ بّكل خفة لتنتقلّ إليه بينما كلتاّ يديها تستندان على السريرّ ، حركتّ العجّلات و إتجّهت إلىّ الغـّرفة
المقابلة ، فتحتّ البابّ على وسعه لتستمرّ بالسيرّ ثمّ رأتّ المغّسلة فّعلت شفتيهاّ ابتسامة انتصاّر كونهاّ لم تّحتج لمساعدة أحدّ فيّ مهمتهاّ
الصّعبة و دفّعت العـجّلات للأمامّ حينمّا رأتّ الميّاه على الأرضّ كان قدّ فات الآوان علىّ توقيف كرّسيها ، فأرتطم حوضّ الاستحمام
و سقطتّ بدّاخله ،
حاّولت أن تستندّ بجّزء العلويّ نظراّ لعجز قدميهاّّ لكن تواجدّ الميّاه حال عّن ذلّك، أخذتّ تّتحرك بّعشوائية و قدّ عجّزت عن التنفسّ..
حينماّ التفتّ ذّراع حولّ خصّرها و قامتّ بّرفعهاّ ، وضع جسدّها على الأرضّ و أخذّ بالضّغط علىّ صدّرها لتقومّ بإخراجّ الميّاه التيّ
قدّ دّخلت لرئتهاّ ، كحتّ بّقوة ثمّ فتحتّ عينيهاّ لتنـظرّ إلىّ منقذّها عندّما رأتّ نايتّ شاّحب الوجّه كلتاّ ذّراعيه علىّ الأرضّ بجاّنب رأسهاّ ،
تحدثّ بنبرة مرّهقة
ـ أكادّ أقسمّ أنكّ آلة جـّاذبة للكّوارث، أتحّاولين الانتحار أم ماذا ؟
ابتسمتّ ماريّ ثمّ أخذتّ تّضحك بّقوة ممسكّة بّمعدتهاّ، فبقدّر ما كان الأمرّ مخيّفا و موحشاّ إلّا أنه كانّ سخيفّا، ماذاّ سيقالّ عنها ؟
فيّ محاولة لّغسلّ بقعة العصيرّ من فستانهاّ انتهى الأمرّ بّموتها و فيّ حوضّ استحمامهاّ أيضّا ، قـّالتّ بّضحكة
ـ توقيتكّ ممتّاز كالعادةّ ،
قطب حاجبّيه بّعصبيةّ ثمّ قـّام بّحملهاّ ليضعهاّ علىّ الأريكة ، جذبّ بّطانية و لفّها حول جسّدها أرداتّ أن تمسكهاّ لكن نايتّ ثبتها بّشدةّ
و هو يّتحدث بنبرةّ غاّضبة
ـ أناّ لم أقمّ بّجعلّ عشرين حارساّ حولك تماثيلاّ قوميّ باستخدامهم
نظرتّ إليه بّدهشة لتّومئ بالإيجابّ ، منذّ أنّ استيقظت منّ غّيبوبتهاّ و نايتّ يتصرفّ بحدةّ أكثرّ من المعتاّد فلمّ يّعدّ يكلمهاّ أوّ يهتمّ بهاّ
إلاّ اليّوم ، رمقّته بّشكّ ثمّ وضعتّ يدها علىّ جبهته لتلاحظّ حمته المرّتفعة ، لقدّ كانّ مريضّا و قد أخبرهاّ ويليام أنه و عندّ مرضّه ينفذّ
طلباته تفادّيا إرهاقّ ذهنه بتحّمل كلامه الفّارغ فّرسمتّ ماريّ ابتسامة عريضّة على شفتيهاّ لتبدأّ بّالحديثّ
ـ نايتّ ، ماّ الأمرّ ؟ يّبدوا أنه لديّك حمى ، هلّ استشرت الطّبيب ؟ ماذا قالّ لك ؟ يجدرّ بك الإهتمامّ بّصحتكّ فّأنتّ تصبّح شّاحباّ
أكثرّ فأكثرّ بمرور الأيامّ
كشرّ بّغيضّ عندّما داّهمه الصّداع، أمسكّ رأسهّ ضّاغطا علّيه بّقوة فّوضعتّ ماريّ يدّها علىّ جبينه مجّددا كانتّ داّفئة
و ذاّت لمسّة حاّنية رّقيقة نـّابعة منّ قّلبهاّ ، حينهاّ همسّ نايت لهاّ بنبرة حادةّ محذّرة
ـ ألاّ يمكنكّ التزام الّصمت ؟
تنهدتّ بأسىّ فّهو لنّ يتغيرّ أبداّ ، نايتّ يحبّ إليزابيثّ بشدةّ لدّرجة قّرر الـّزواجّ من فتاة لا يّعرفهاّ بلّ و حتى أنه قام بدفع ديونهاّ دون
مبالاة فّقط لّتستمرّ بهذه التمثيلية ، لذّلك القّتال من أجلّه عقيم و بلاّ فاّئدة لكن قّلبها يستمرّ بالمحاّولة ، و لوّ أنها تّعلم جيداّ أنه لن
يحبّها لكنّ تّريد منه أن يتخلصّ من سّم إليزابيثّ المنشرّ فيّ أرجاّء جسدّه، تّريده أن يّقع فيّ حبّ إمرأة صّادقة حتىّ لو لم تكن هيّ ،
فجأةّ وضعّ نايتّ رأسه علىّ حضّنها مستلقياّ علىّ الأريكةّ ثمّ أمسكّ بّيديهاّ لّيضعهماّ علىّ عينيه الّزرقاوتين و الداّكنتين ، فتلعثمت
و قدّ غـّادرتها الحّروف عندّما أصدرّ نايت آهة متعّبة متألمةّ و حـّزينة ،
نـظرتّ إليه ماريّ بّألم هيّ الآخرى مدّركة مدىّ حزنه يّرفضّ البوحّ به ، رّفع يّده ذّات الأناملّ الطّويلة و بّاردة ليّضم يدّها ، ثمّ حدقّ
فيهاّ بّعينين بّاهتين إختفى لمعانهما ، تحدثّ بنبرةّ حاّكت نغّمة النـّاي ،
ـ لقدّ سألتك ذاتّ مرة ما نوع الحبّ الذيّ تملكينه و أخبّرتني أنه ذلك النوعّ الذيّ لا يتواجدّ فيّ قاموسيّ، إنّ طلبتّ منكّ
أن تّريه ليّ فهل تستطيعين ؟
رمشتّ عدةّ مراتّ غيرّ مصدّقة كلامه و لمّ تّستطعّ أنّ تفهمه أيضّا ، كاّن نايتّ مخّتلفا عن العّادة أيعقلّ أن الحمىّ قدّ أخفضت
جّدرانه الفولاذية التيّ حوله ؟ لكنهاّ شعرتّ بالقّليل من السّعادة فّهو يتذّكر ماّ قالته له ، .. تّحدثتّ بّحماسّ
ـ بكلّ تأكيدّ
فتحّ عينيه الداّكنتين و ابتسمّ بّكل حـّزن و ألمّ ، الآن فقط يستطيعّ رؤية الصدّق بّمشاعرهاّ ، إنهّا تحبّه بكلّ جّنون يّظهر ذلّك فيّ
كلامهاّ ابتسامتهاّ أو عينيهاّ الصّادقتين ، كمّ مرّت من أعوامّ لمّ يّلتقي بشخص مّثلها ؟ صادقاّ و أحمقاّ فيّ نفس الوقت ؟
ضحكّ ببّحة ثمّ أجاّبها
ـ مثيرّ ، هلّ أعتّبره وعداّ ؟
شّعرت بّالصدمة كونهّ قدّ ابتسمّ و فيّ حضّورهاّ لاّ بل حتىّ أنه ضحكّ لفترة قّصيرة بّدون سّخرية أوّ تهكم، أهوّ بالفّعل بّخير ؟
اكتسى القّلق معالمّ وجههاّ و اقتربتّ منه لّتضع يدّها على جّبهته الحاّرة فاستقام فيّ جلّسته ليسندّ رأسه علىّ ركبّته فيّ حين
غطتّ خصّلات شعرهّ الأسودّ ملامحّه ، كانّ شّاحباّ كعادتّه عندّما تحدثّ بنبرة مبحوحةّ
ـ ماريّ أريدّ منكّ مغادّرة لندن
نـظرتّ إليه غيرّ مصدّقة متلعثمة محاّولة إيجادّ الكلمةّ المناّسبة لتصّف بهاّ صدّمتها ، بدأتّ نبضّات قّلبها بالخّفقان مسّرعة كأنهاّ
ركضّت لأميّال فقطّ لأن فّكرة تركّ نايت قدّ داّهمت ذّهنهاّ لتحطمّ جميعّ الأحلامّ التيّ بنتهاّ و هيّ بّرفقته لتكسبّ حبّه ، لماذاّ يبّعدها دوماّ عنه ؟
ألمّ يكن الأمرّ أفضلّ لو أنه فقطّ تّركها تّغرق سّابقا ؟ فّتجمعتّ الدموع بينّ وجّنتيها لتّصيح بّنبرة باكيةّ
ـ لماذاّ ؟ أناّ أريدّ البقّاء هناّ معك ، إنّ كنتّ غاّضباّ لأننيّ لمّ أقمّ باستدعاء الخدمّ فأناّ أسّفة سوفّ لن أزعجكّ ، أرجوكّ
شّهقت بأسى ليحدقّ نايت بّها طّريقة نفّيهاّ أوّ حتىّ كلّماتهاّ كلّها تجّعله يصدقّها ، أنهاّ الوحيدّة التيّ إلى ّجانب ويّليام تّهتم لأمرّه وضّع
ذّراعه حول كّتفيهاّ ثمّ كادّ أنّ يتحدثّ عندّما داّهمه صدّاع ، ضّغط علىّ رأسه بّأنامله للحظاتّ عندّما عّاد يّنظر ناحيّتها أجاّبها بّكل هدوء و جدّية
ـ حاّليا أناّ لست قّادرا على حّمايتكّ ماريّ لنّ أكونّ متواجدّا دوماّ ، لذّلك أريدّك أنّ تغادريّ إنجلتراّ و تذّهبي إلىّ فرنساّ ،
هناكّ ستجديّن العلاجّ أيضّا سأقومّ بإرسّال فرانسوا حّرصا على حيّاتك ،
أخفضتّ رأسهاّ باستسلام هيّ لن تستطّيع حماية نفسهاّ بحاّلتها هذّه و أجلّ نايتّ دوماّ ما يكون محقّا لكنّ فكرة رحّيلها تّجعلها
تظن أنهاّ لن تراه للأبدّ ، فّتحدثتّ بّقليل من الرجاءّ
ـ لطاّلما نفذّت طلبّاتك ، لطاّلما قّلتّ أجلّ لكن هذه المرة فقطّ .. ألاّ يمكننيّ قول لاّ ؟ ألاّ يمكنني البقاء ؟
تنهدّ ثمّ رمقهاّ بكلّ ّضجرّ ، أمسكّ بوجّنتيها و سحّبهما فيّ اتجّاهين معّاكسين لتّصرخ بألم و هيّ بالكادّ تستطيّع الحديثّ فّحاولت
نزعّ يدّيه لكنه استمرّ بّجذّبهماّ قّال بنبرة بّاردة و على فّمه ابتسامةّ صغيرة لاّ تكادّ تكونّ ظاهرة
ـ أتظنينّ أن هذّه لعبة ؟ الأمرّ لاّ يعتمدّ علىّ الإيجابّ أو النفيّ ، أناّ فقطّ أنفذّ ما أراه مناّسبا لكّ و الأنسبّ هو سّفرك ،
هكذاّ لن يستطيعّ أحدّ الوصول إليكّ
بقيتّ صّفات الحزن تكسوها ، كانّت تتألمّ بّشدة لكّونها سّتغادرّ لندن و ستتركه هناّ بينّ لمسّات إليزابيثّ العابثة و حقدّ كايلّ المعميّ ،
أيضّاّ تواجدّ ذلك الشخصّ ديميتري كلّ هذاّ يمنحهاّ سبباّ أقوى للبقاءّ لكنه لاّ يفهم ذلّك بلّ يظن أنهاّ ضعيفة و لهذاّ سيستهدفّها خصومه
من طّرفها ، أجلّ هي تعلم هذا جيداّ لكن .. رمقّته بّكل يأس و بمحاولة أخيرّة قّالت
ـ لماّ يتوجب عليكّ حمايتي ؟ ربماّ أستطيعّ أن أقومّ أنّا بحمايتنا نحنّ الاثنينّ ما رأيكّ ؟
شحبّ وجّهه محاولاّ استيعاّب جّملتها للحّظاتّ ثمّ قّام مسّرعاّ مبتعداّ عنهاّ لّيّحرك شّعره الحّريريّ بكلّ خفة ، فّوقفّ بهدوء و رمقّها
ببرودّ ثمّ تنهدّ بّقلة حيّلة كأنه بذّل جّهدا عّضلياّ كبيّرا و تحدثّ
ـ لاّ أعلم لماّ أتّعب نفسيّ بالحديثّ معك
اكتّفت بالابتسّام فّقط علىّ كلّماته فّتنهدّ مجدداّ بإرهاق و كـّاد أنّ يغّادر لولاّ أنهاّ نادّته بّنبرة صّوتها الهادّئة المخّملية، فّاستداّر
ناحيّتها منتـّظراّ منهاّ إكمالّ حديثّها لّتظهرّ صّفات الترددّ و التوتّر علىّ وجّهها، تلعّثمت قّليلاّ قبلّ أنّ تّنفيّ برأسهاّ و هيّ تقول بترددّ ذّو نغمة خافتةّ
ـ حسناّ لا بأسّ ، ربماّ قدّ حان وقت رحيليّ فعلا

/
__________________
  #43  
قديم 12-28-2015, 11:39 AM
oud
 
فيّ مديّنة لندّن و شّوارعهاّ بينّ جدّران مناّزلهاّ كانّ فيّ غّرفة المعيشةّ تلكّ يجلسّ ديميتريّ و حولهّ العديدّ منّ الأوراقّ تبدواّ
قّديمة منّ مظهرهاّ المهزئ لكنهاّ ذاّت فائدّة بلا شكّ ، أدّخل يدّه بّعشوائيةّ في صندوق خشبيّ بّنفس عّمر الملفّات ثمّ سحبّها
ليحملّ صّورة ماّ ، تّنهدّ بغيضّ محدثّا نفسّه
ـ ألا زالتّ موجودّة ؟
و كادّ أنّ يرميهاّ لولاّ أنه قّرر إلقّاء نظرّة أخيرة عليهاّ، صّورة قـّديمة لّوالده الجالسّ بكل كبّرياء علىّ كرسيه الذهبيّ المخمليّ علىّ
ركّبتيه كانّ ديميتريّ يّجلس و يبتسمّ بفخرّ للكاميراّ بّجانبه يّقف رجلّ ذوّ ملامحّ حادّة عّينيه زرقاوتينّ متقدّتين بّذكاءّ خيّاليّ فيّ
العشرينياتّ من عمرّه ، تنهدّ ديميتريّ بّألم لوهلة من الزمنّ ناظراّ إلى أخيه فلم يستطعّ أن يتخلص منهاّ لذلكّ رفع الصورة و أعادّها
إلى مكانهاّ بكلّ هدوء مكمّلا بحثه
وضعّ بين يديّه ملفّا أحمرّ اللون فّفتحه لتظهرّ معلوماتّ قيمة عنّ نايتّ لا أحدّ يعرفها غيّره ، الصّفحة الأولى لنايتّ عندماّ كان فيّ سنّ
الخامسةّ عابسّ الوجّه يّربت علىّ رأسه إمرأة بّالغة الجمالّ ذات شّعر بنيّ لامعّ طّويل و عينينّ مرحتّين نوعاّ ما إذّ يبدوا أنهاّ والدّته ،
كشّر عنّ ملامحّه بّكل حقدّ ثمّ تخطّى تلكّ الصفحاتّ ليصّل إليه و هو بعمرّ الثامنة عّشر و عنّ انجّازاتهّ التيّ حققّها بهذاّ السنّ أبرزهاّ
تخرجه منّ الجامعة بامتياز ، تحّقيقه لأربّاح تّفوق الأربعين بالماّئة لّشركة لبيّر ثمّ أهمهاّ ، تّدميرّ شّركاتّ الروسيةّ ذاتّ القوة الاقتصادّية ،
تدميرّ أفرادّها و جّعلهم فيّ الحضّيض بّعد أنّ تربعوا عرشّ القيصرية ،
زفرّ ديميتري بكلّ كره ثمّ قّام بّتخطيّ الصّفحات مجدداّ لّيصل إلىّ حالته اليومّ ، تزوجّ منّ ماريّ روبرتّ فتاة متوسطّة الطّبقة تميّل للفقرّ
لقدّ هاجمهاّ و لن يستطيّع المحاولة لفترةّ من الزمنّ ، اتجّهت أنظاّره لّصورةّ التقطّتها الكاميرّا تحتضنّ ويّليام و فلوراّ أثناءّ حفلّ الزفافّ ،
هّؤلاء الثّلاثة يمّثلون الأشخاصّ الذّي قدّ يثقّ بهم نايتّ وربماّ يكونونّ بمثّابة عاّئلة له ، فّابتسمّ بكلّ برودّ
ـ لقدّ بدأتّ تحركاتّي بالفّعل و الآن دوركّ أنتّ ، يستحسنّ أنّ تملكّ أناسّ يضّحون بحياتهمّ من أجلكّ إنّ أردتّ البقّاء فيّ هذاّ العالمّ ،
فّوقفّ و دفّع بذّلك الملفّ جانباّ لّيدوس عليهّ ثمّ رفعّ مفاتيحّ سّيارته لّيتجّه إلىّ الخارجّ تّاركّا من خلفّه فوضّى عاّرمة ، لقدّ بدأ إنتقامه
و لنّ يّوقفه أحدّ فّهو ليسّ جونسونّ ليّنهار بعدّ خطّوات فاّشلة قاّم بهاّ و هوّ ليسّ كايلّ يّعيقه حبه الخياليّ لمرآة تّريدّ الفوزّ بّإبن عمتهّ لهاّ
، إنهّ ديميتريّ ، قيصرّ عادّ للانتقام و لنّ يتوقفّ

/

صّباح الّيوم الموالّي بينّ ضواحيّ لندّن تماماّ فيّ تلكّ الغـّرفة الصّغيرة كاّنت فلور ذاّت الشّعر الأصّهب الطّويل نائمّة علىّ سريرّ
أختهاّ سّابقاّ بينماّ هناكّ العديدّ من الأوراقّ بجاّنبهاّ ، تمسكّ بّقلم فيّ يدّها و قدّ ارتكز بّحثهاّ كلّه علىّ إعلاناتّ الجّرائدّ عنّ شّقق صّغيرة
ربماّ تملك ماّلا يّخولها استئجّارها ، حيثّ أنهاّ تجاّهلت تماماّ ما حذّرتها سيدّة فرانسيس منه التيّ كانتّ تّمسك بّالجريدة بين يدّيها و ملامحّها
تدّل على الإنزعاجّ بالرغمّ من أنهاّ نصحتّ فلورا كثّيرا بأن تتخلى عن فكرة الرّحيل لكنهاّ عنيدة جداّ
تنهدتّ بكل أسى و جذبتّ الغطاّء من الدّولاب لّتقوم بّوضع فّوق فلورّا محاولة أنّ تجّعلها تشعرّ بالقليل من الدفّء ثمّ غـّادرت بّكل خفة متّجهة
إلىّ شقتها عندّما لاحظتّ آرثر الذيّ كان بّدوره مغاّدرا منزله ، نـظرّ إليها ثمّ ألقى تحية الّصباح بكلّ برود لماّ رأى إعلان الجريدة التي تمسكه
السيدة فرانسيس قال بّتساؤل
ـ سيدتيّ ، هلّ فّلور تّبحث عن منزل ؟
أومأت بالإيجاب و قدّ استغربت كونه قّد علمّ أن فلور من تبحثّ عن المنزل لكنّ بعد أن أدّركت أنها هي من تملك المبنى و من المستحيلّ
لها أن تّغادره أنكرّت استغرابهاّ ليكملّ آرثر كلامه بّكل مرح
ـ ماذاّ عن منزلّ سيدّ روبرت ؟ لمّ يتم بّيعه أليس كذلك ؟
عّادت فرانسيس تومئ بالإيجاّب و هيّ تّخطو بخطواتّ خفيفة و بطّّيئة بإتجاه شّقتها لتحضير الفطور لزوجهاّ بول لمّا أوقّفها آرثر للمرة الثّالثة بجدّية
ـ سيدتيّ ، أناّ أريد أنّ أشتري منزلاّ بجانب أسرتي أتعتقدين أنهاّ إذ لازالت لا تّرغب فيّ العيش به أنهاّ ستقوم بّبيعه لي ؟ هذاّ سيكسبهاّ
مالّا أكثرّ لشراء منزل ، أيمكنك أن تسأليها لأجليّ ؟
رمقّته سيدّة فرانسيس بّكل هدوء ، عندّما قّابلت آرثرّ للمرة الأولى كانتّ واثّقة من أنه شّاب مستهترّ لاّ غاية لّه سوى مصاحبة الفّتيات
و اللهو فيّ النواديّ الليلية لكنّ خلالّ هذه الأشّهر الماّضية تّغيرّ كّثيراّ ، لمّ يعدّ نفسه و ربماّ كان هذاّ بسببّ ابتعاده عنّ أسرته ابتسمتّ له
بّكل رقة و لطفّ ، ثمّ قّالت بّنبرة حنونةّ
ـ أناّ سعيدةّ لأنكّ بدأتّ في التفكير بّمستقبلك
ابتسمّ لهاّ هو الآخرّ بّهدوء ثمّ أخفضّ رأسهّ محركاّ شعره البنيّ بّكل إحراجّ ليّغادر المبنى بعدّها بينماّ كان كل هذاّ تحتّ أنـظاّر ويّليام ،
كانّ يقف هو الآخرّ أمامّ بابّ شقته مرتديّا قميصهّ الأزرقّ بّكل فوضوية أماّ شعره الذّهبي فّكان كذلكّ مبعثّرا فيّ كل اتجاه ، نـظرّ بّكسلّ
إلىّ آرثر المبتسم و أخذّ يحكّ بطّنه بكلّ ضجرّ ثمّ التفت إلىّ سيدة فرانسيس التيّ تودعّ آرثر بإبتسامة و تحدثّ
ـ سيدّة فرانسيسّ ، ما الذيّ يحدثّ ؟ هلّ فلورا مغاّدرة ؟
وجهتّ فرانسيسّ عينيهاّ إلىّ ويليامّ لتتنهدّ بكل أسى ، إتجهت إليه و قّامت بّجذّبه منّ ذراعه أخذّة إياه إلىّ شقتها و هي تقّول بكلّ يأسّ
ـ لدّي الكثيرّ لأحدثّك عنه ، دّعنا نشّرب القّهوة أثّناء ذلك لعلكّ تستطيعّ أنّ تّعيدّ تلكّ المجنونةّ وعّيها
/
__________________
  #44  
قديم 12-28-2015, 11:41 AM
oud
 
الشـّابتـّر الـ 26 -

ابتسامة موناليزا


تلكّ الكلماّت التي نتوقّ إلى سماّعها لمّ يّقدر اللسّان أبدّا علىّ نطّقهاّ هذّا ما كّانت ماريّ تّفكر به و عينيهاّ الواسّعتين
تّراقّبان حبّات الثّلج المتسّاقطة بكثّرة على شّرفتهاّ، أمسكتّ بمعطّفها الأحمرّ لترتديه بكلّ هدوء ثمّ ألقت نـظرّة على سوزيّ
التي تحضرّ حقّائبها مستعدةّ لرحيّل بينماّ فرانسوا يّقف بجاّنبها يتحدثّ بّنبرة خاّفتة معهاّ ، فّتنهدتّ بأسى و قد صّارت تشتاقّ
بشدةّ لإجراءّ حديّث مع أحدّهم دونّ أن ينتهيّ بّحربّ كلامية كماّ يحدثّ كلماّ حاولتّ الكلام معّ نايت ، لماذاّ دوماّ ماّ يفهم كلّماتها
بكلّ سوء نية ؟ كأنهاّ تّتعمد إثّارة أعصّابه ؟ بالرّغم من أنهاّ تحاول بّشدة أنّ تفوز بّقلبه ،
أدارتّ عجلات كرّسيها بكلّ خفة كيّ لا تلفت انتباه فرانسوا الذيّ صّار كّظلها ماّ إن التفتت تجّده خلفهاّ فأخذتّ تّسير بّكل بطءّ
عندّما اقتربت منّ البّاب و فتحتّه بخفّة محاّولة عدّم إصدارّ الضجّة ، أغلقته خّلفها لتتنهدّ بكل راحّة ، ثمّ ابتسمتّ بّرحابة صّدر
قّالت بحماسّ
ـ و الآن هاهي أجراسّ الحرّية ترنّ ،
أسرعتّ بإدّارة العجلاّت مغّادرة الـردّهة بينماّ و فيّ تلكّ الغـّرفة كانتّ سوزي تضحكّ بكلّ قوة علّى محاولة ماّري فّإقترب فرانسواّ
من السّرير ليجلسّ عليه بكلّ ضجرّ و عينيهّ تّراقّبان شّاشة هاّتفه حيثّ كلّ كاميراّت القصرّ موصولة به يتتبعّ حركاتّ ماريّ ،
فعلتّ تقطيبه حاّجبي سوزيّ قّائلة
ـ ماّ هذاّ ؟ دّعها تتجّول بّراحةّ ثمّ ألا تّظن نفسكّ تبالغّ بّمراقبتكّ لهاّ ؟ إنكّ تخنقهاّ و أناّ لا أظنّ أن مّكروها سيصيّبها فيّ القـصرّ ،
أومأّ فرانسوا بكلّ ضجرّ موافقاّ إياهاّ فقطّ لكيّ تصمتّ و لاّ تحدثّه أكثرّ لكنّ من يّستطيع أنّ يسكتّ النساءّ ؟ فهاهي تجلسّ بجّانبه
تنـظرّ بكلّ فّضول إلىّ تلكّ الشّاشات العديدّة عندّما جذبّ إنتباههاّ إليزابيثّ و هي فيّ غـرفة المعيشة الرئيسية تتحدثّ عبرّ الهاتفّ
بمّلامحّ عصبية قّلقة نوعاّ ماّ ، فّقالت بكره مشّمئزة من جلبّ سيرة إليزابيثّ على شفتيهاّ
ـ أعتقدّ أن تلكّ الحربّاء هيّ السببّ الرئيسيّ فيّ إندّلاع الحريقّ و إلاّ فكيفّ تفسرّ إصّابات الكلّ عداها هيّ ؟ أعنيّ السيد كايلّ قدّ
أحرقت كلّ أصّابعه و السيد نايتّ جرّح من ذّراعه و صدّره أيضّا الآنسة ماريّ فقدتّ قّدرتها على السيرّ ، أماّ هي فّأصيبّت بالإغماءّ فقط
ركزّ فرانسوا أنـظاّره على إليزابيثّ و حركّاتها فقدّ كانتّ مليئة بالتـّوتر و العّصبية كّأنها تعاني من مّشكلة ماّ لذّلك بدّا لهّ كلام
سوزي مقّنعا جداّ لأنه حتىّ هو يجدّ إليزابيثّ إمرأةّ متّقلبة كالحرّباء تماماّ بالّرغم من أنهّ لا يكّرههاّ لأنه لاّ يفضلّ خلطّ المشّاعر بالعملّ
لكنه لا يقدّر على تجاّهل هذّا الحقدّ الغريبّ إتجاهها فأجاّبها
ـ لاّ أظن ذلّك سوزيّ فهيّ كانتّ فيّ حلبة الرقصّ بّرفقة السيدّ نايت لذلّك الأمرّ غيرّ مرجّح غيرّ أنهاّ تبدّوا كّنوع ماّ من النسّاء
بالنسبة ليّ لاّ أريدّ ذّكره
هـزّت كتّفيهاّ بعدم مبّالاةّ ، يّقصد سّافلة لكنه يتكلم بّلهجةّ محترمةّ ثمّ عـّادت لّتقومّ بّترتيبّ ملابس ماريّ باهتمام شديدّ ، حينّ أغلقّ
فرانسواّ هاتفه و تحدثّ بنبرة مهتمة
ـ ألمّ تخبريني أنّ السيدّ ويليام أمرّك بّالتحريّ عن عاّئلة غلوري؟ ماّ الذيّ وجدتّه ؟
وضّعت يدّها فيّ جيبّ مريلتها البيضّاء و أخرجتّ هي الأخرى هاتفهاّ من التقّنية المتطّورة الحديّثة ، لحّظات حتىّ قدّمت لهّ صّورا
عـديدّة لكّل من كليرّ و آرثر يبدوا كلاهماّ عاّديين جداّ ، ثمّ تحدثّت بكلّ هدوء
ـ لقدّ قمتّ باستقصاء الوضعّ جيداّ و لاّ أرى أنهماّ يشكلّان تهديدا على الآنسة ماري بعد الآن ، إذ أن آرثر قد عـاد إلى رشده
و لقد قدمتّ تقريري إلى السيدّ ويليام لكن يبدوا أنّ الشكّ لم يّغادّره بعدّ
وضعّ فرانسوا يدّه على خدّه بضجرّ مفّكرا بكلّ تأكيدّ لن يّغادره الشكّ بعد تّحريات بسّيطة فّآرثر حاول عدّة مّرات تهديد ماّري عبرّ
وثائقّ رسميةّ تّخص عّقودها بنايتّ لكنّ الأمرّ الذيّ يثيرّ حيرته كيفّ لوثائق بمثّل هذه السرية أنّ تصّل إلى ديميتري ؟ ألا يعني
أنّ آرثرّ قدّمها له ؟ لكن هذاّ غيرّ مرجح علىّ الإطلاّق و لاّ يبدواّ منطقّيا له ، إنّ آرثرّ يعتبرّ صديقّ عاّئلة روبرت و حتىّ لو أنه
حاّول تّهديد ماري إلاّ أنه سّرعان ماّ تراجّع فيّ قّراره حالماّ رأى إصّابتها الشديدّة ، تنهدّ و وقفّ قّائلاّ ببرود
ـ سّأقوّم بجّولة تفقدّية ،
فيّ الجـّهة الأخرى كّانت ماريّ قدّ وصلتّ أخيراّ إلىّ وجهتهاّ ، الحـديّقة الأمامّية و الثلجّ يحيطّ بها من كلّ جّهة معيقاّ إياهاّ فّمدتّ
يدّيها بّكل حماسّ و رمتّ نفسها عليه حيثّ كان سمكّه عميقاّ ثمّ نـظرتّ إلى السماّء غيرّ مبّالية بّهبوب الـرياحّ و لا البّرودة ،
رفـعتّ قّبعتها الحـّمراء للأعلىّ لتقهقه بكلّ مرح بّعد لحظاتّ سكنتّ حركتهاّ جميعاّ و أغّلقت عينيهاّ العسليتين بّهدوء واضعةّ يدّها
علىّ قلبها تستمعّ إلىّ دقاّته ، كانّ ينبضّ و ينبضّ دون توقفّ فهمستّ محدثّة نفسهاّ
ـ لوّ أنكّ تّحاول فقطّ لوجدتّ أنّ العـّالم بأكمله يّحتاج إلىّ دقّات قّلبه للعيشّ فلماذاّ نثقله بّالهموم ؟
فجأةّ إنتقلّ إلى مسّامعها صّوت سيّارة لتزمّ شّفتيها بكلّ إنزعاجّ فلمّ تمضيّ إلاّ القّليل ليكتشفهاّ أحدّ سكان القصّر ، أدارتّ أنّ تجلسّ
لوحدّها لكن يبدواّ أن هـذاّ أمرّ مستحيلّ ، خـطّواتّ كسّولة بطّيئة بّعد أن ركّن سيّارته بكّل خفّة ثمّ خرجّ مرتديّا معطّفه الأسودّ و
وشاحّه الرماّدي كانّ يسيرّ بخطّوات بطيئة و ذّلك لّعرقلة الثّلج لحركتهّ ، عندّما أصدرّت ماريّ آهة متألمة و هي تمسكّ بّيدّها ثمّ
نـظرتّ إلى نايت ذّو الملامحّ البّاردة قـّال بكلّ حدة
ـ ما الذيّ تفعلينه هناّ ؟
فكـّرت لوهلةّ كمّ أنّ هذاّ الجـّو البّارد و عّينيه الفّارغتين مّتشابهين لّدرجة كبيرّة جداّ لماّ قاّم نايتّ بّضربهاّ مجدداّ علىّ وجههاّ
بّواسطّة كرة ثّلجية و الغضبّ باديّ عليه ، فّضحكتّ بتوتر محدثّة إيّاه
ـ مرحبّـا بّعودتك عـزيزي ، كيفّ كان يومكّ ؟
عبّس بمللّ و وضعّ يدّيه حولّ خصّرها ليّقوم بّرفعها فّأحاطتّ رّقبته بذّراعيها بّإبتسامة حماّسية سّعيدة ، إذّ أنّ طرّيقة حمله
لهاّ تّشبه طّريقة حملّ الأميرّات و قدّ كانتّ أفكارهاّ واضحـّة علىّ ملامحّ وجههاّ فّقطبّ نايت حاّجبيه متنهداّ بأسىّ ، قـّال بّإرهاق
ـ أكادّ أصّاب بنوبة قّلبية منكّ ،
رفـعّ كرّسيها عندّ وصّوله إلىّ البّوابة وضّعها على الكرسيّ بينماّ ماريّ مبتسمةّ غيرّ آبهة بّنظراته الحادةّ النـّارية التيّ تحتلّ
تعبيره الغاّضب ، دفّعها بّقوة فّتمسكتّ بّيدّ الكرسيّ كاّتمة ضحكاّتها حينماّ فتحّ الخدم البّوابة لّيدخل كلاهماّ ، سّارع نايتّ في خـطّواته
كيّ يّتجه إلىّ مكـّتبه لّيحضرّ ملفّات ماّ تاّركا ماّري خلّفه لحـظةّ ماّ لمح إليـزابيث و قد كاّنت تقفّ فيّ أعلى الّسلالم مرتدّية سرواّل
جينز قّصيرّ يصل إلىّ ما فوقّ ركبتيها بّقليلّ معّ قميصّ قطنيّ أصفّـر اللون مّائل تنـظرّ إليهّ بّعينينّ حـّزينتين ، فّزفر بكلّ كره
و نـظرّ إلىّ ماريّ قـّائلا بّبرود
ـ اذهبي إلى المصّعد
و صّعد الّسلالم مدّركا أنّ المشّاكل آتية لاّ محالة لذّلك حـّاول تفاديّ المرور بجـّانب إليزابيثّ متجـّاهلا وجودّها أو منـّاديتها المسّتمرة
لهّ بينماّ كانتّ ماريّ فيّ الأسفلّ تّراقبّ الموقفّ و نيّران الغّيرة تّأكلّ قلبهاّ الّصغيرّ ، فّأمسكتّ إليزابيثّ بذّراع نايت مقّتربةّ منه كفّاية
لكيّ لاّ يفصلّ بينهماّ شيئاّ ثمّ همست له بّنغّمة صوتهاّ الـّرقيقّ ذّو تّعبيرّ حّزين و شديدّ الأسىّ
ـ نّايت لماّ تتجّاهلنيّ ؟ هلّ هـذاّ بسببّ اعترافي ؟ إنّ كان حبيّ يّزعجكّ فسوفّ أغـّادر القصرّ على الفّور
ابتـسمّ بّسخرية لاذّعة و لف ناّحيتها لّيرمقهاّ بنـظرّات باّردة إذّ أنّ محاولاتهاّ لإغرائه قدّ باءت بالفّشل الذريع فّسحبّ ذّراعه
و دفّعها بّهدوء إلىّ الخلفّ لكنهاّ كانتّ مصممّة علىّ الكلامّ معه لذّلك عـّادت لتّقف أمامهّ مانعة إيّاه منّ إكّمال سيّره حينهاّ تحدثّ
نايت بنّبرة تـّهكمية استهزائية
ـ حّقا ؟ أكان هذاّ بّعد أنّ علمتّ أن نسبةّ التصّويت لأكونّ وريثّا لشّركة تفوق كايّل بّأربعين بالمّائة أمّ قّبل ؟ لأننيّ يّا إليزابيثّ
أجدّ نوع الحبّ الذّي تكنينه فيّ قلبكّ يتعلقّ فقطّ بّالشخصّ الذيّ يّصعد على عرشّ لبيّر
تنهدّت و اقتربتّ منهّ أكثرّ لتّلامسّ أناملهاّ خّصلات شعرهّ الحريريّ الأسودّ بكلّ تّلاعبّ، قّبلته بّرقّة على خـدّه بينماّ لمّ يظهر
عليهّ أيّ تعبيرّ ، لفّت بذّراعيها حولّه ثمّ ابتسمت لتهمسّ بنبرتهاّ المثّيرة الّرقيقة
ـ أناّ أريدّك أنتّ، أنتّ فقطّ و لاّ أحدّ غّيرك
نـظرّ إليهاّ لوهلة دّون أنّ يظهر أيّ ردّة فعلّ ، كـّانت إليزابيثّ شديدّة الجمالّ بّخصّلات شعرهاّ الأسودّ الطّويل و قـّامتها الممشوقّة
أماّ جسدّها فّكان منحوتاّ بكلّ إتقانّ إذّ أنهاّ عـّارضة أزياءّ ، راّقبت ملامحّ وجّهه البّاردة فشّعرت بالأسىّ لأنه لاّ يبدواّ مبالياّ بهاّ
حتىّ بّعد كّلماتهاّ الغـّرامية هذّه و التيّ لوّ أنهاّ ألقتها علىّ شّباب لّوقع جميعّهم رأسّا على عقب فيّ حبهاّ ، لكنّ لماذاّ يبدوا لا
مباليّا هكذاّ ؟ حينّ رفّع يدّه و نـّزع أناملها التيّ تعبثّ بّشعره بّكل حـّرية و عـّنفوان ثمّ رمّقها بّنظرّة مشّمئزة منّ أعلى رأسهاّ إلىّ
أخمصّ قدّميها لّيبتسمّ بعدّها بكلّ مكرّ و خـّبث إقتربّ منهاّ فّهمس فيّ أذنهاّ بنبرةّ مبحـّوحة ذاّت نـّغمة حاقدّة
ـ آسفّ فالسافلاتّ لسن نوعّي المفضلّ،
سقطتّ ذّراعيهاّ بجّانبها و علتّ الصدّمة مّلامحهاّ غيرّ مصدّقة لماّ تفوه نايتّ به الآن ، أحقّا وصّفها بالّسافلة ؟ ذلّك الـشابّ
الذيّ كان واقّعا بّغرامهاّ قدّ فتحّ قلبهاّ له يبتسمّ لها فقطّ ، ذلّك الشابّ تغيرّ ليصبّح قاسيّ حاقدّا لاّ يسعى لشّيء سوى الانتقام ،
فّاستدارتّ و ركضّت للأسفلّ عندّما كّادت أن تّعبرّ منّ أمامّ ماريّ وضّعت الأخيرّة يدّها كّحاجزّ يّمنعها من المرورّ ، حدقت بهاّ
إليزابيثّ بّدهشة لّتتحدثّ ماريّ من بينّ أسّنانها و الغضبّ بّادي على ملامحّ وجههاّ
ـ حـاّوليّ مجدداّ تّقبيلّ زوجيّ و أقسّم لكّ أنّ آخر ماّ تّرينه قبّل أنّ تفقديّ وعيك هوّ قدميّ المحشوّ بّفمكّ هـذاّ ،
ثمّ هـزتّ ماريّ رأسهاّ بكلّ قهر لتتـجهّ إلىّ المصـعدّ فيّ حين التزمتّ إليزابيثّ مكانهاّ بّعدم إدّراك ، هلّ حاولتّ الآن فتاة مّقعدة
أنّ تهددّها ؟ لاّ بلّ و حتىّ أنه تمّ رفّضها من قبّل نايت ؟ لمّ تعدّ ركبتيها تستطيّع حملهاّ بعدّ الآن فّسقطتّ أرضّا ، حبّـها رفّضه ؟
هيّ ؟ لاّ يعقلّ
بّعد خـّروجهاّ من الـمصّعد أحكمتّ القبضّ علىّ أناملهاّ و أطرّقت رأسهاّ للأسفلّ بّقلة حّيلة بّعد مغّادرتها لندن ستتسنى الفـّرصة
لإليـزابيثّ كيّ تحـّوم حولّ نايتّ و تثبّت له أنّ حبّها لهّ حقيقيّ حينهاّ ربماّ سينسىّ نايتّ فكرّة أنّ ماريّ فيّ يومّ ماّ كانتّ زوجـّته ،
سينساّها للأبدّ و لنّ يتذّكر وجودهاّ كأنهاّ لم تكنّ هناّ قطّ هذاّ يعذّبها أكثّر هيّ تحبه و تّريده لهاّ لوحدّها ، أصدرتّ آهة متألمة
عندّما تذّكرت اقتراب نايت من إليزابيثّ و إبتسامته السـّاحرة نحوهاّ بينماّ هو يّهمس بأذنهاّ ، ما الذيّ قـاله لهاّ ؟
لقدّ تأملت و لوهلةّ لو أنهّ دفّعها جاّنباّ و أشـّار عليها قّائلاّ أنهاّ زوجته هيّ من يحبّ ، استـداّرت لتعودّ أدراجّها عندّما لمحتّ
كايلّ يقفّ مستنداّ على الجـّدار ملامحّه السّاخرة الداّئمة اختفتّ كأنهاّ لمّ توجدّ قط بينماّ هناكّ هالاتّ سوداءّ تحتّ عينيه الخضّراوتين ،
بشّرته شّاحبة و بالكاّد يستطيعّ الوقوفّ علىّ قدّميه فأدرّكت حينهاّ ماريّ أنهاّ ليستّ الوحيدةّ التيّ تعانيّ من هذاّ الحبّ الغيرّ متبادلّ
و أرادتّ أنّ تخفف ألامّ كايلّ لكنهاّ لم تجدّ الكلّمات المناسّبة فّكيفّ لهاّ أنّ تهدئه و زوجتّه التيّ يعشقهاّ بكلّ جنون تّخونه أمامّ نـّظريه
غيرّ آبهة بّمشاعره أو حتىّ بمكانتهاّ ، تحدثّ فجأةّ بكلّ هدوء
ـ ماريّ أخبرينيّ ما الذيّ يتوجبّ عليّ فعله و أناّ أراهاّ تّغازل إبن عمتيّ ؟ أخبرينيّ فأنتّ الوحيدّة التيّ أثقّ بهاّ الآن ،
نـظرتّ إليه بّدهشة، أقّال أنهاّ الوحيدة التيّ يثق بهاّ ؟ إنهاّ المرة الأولى التيّ يضعّ أحدّ ما ثقّته بهاّ و أنّ يكون عـّاجزة عنّ
مسّاعدةّ شيءّ يّثقل كاّهلها أكثّر و أكثّر لوهلةّ من الزمنّ التزمتّ الصمتّ ثمّ تحدثّت بّأسى
ـ أودّ لوّ كاّن بإمكانيّ إخباركّ لكنّ أناّ مثلكّ تماماّ أحاّول إيجادّ الحلّ الذيّ ينقذّني
أومأ بالإيجابّ دّلالة على فّهمه مقّصدهاّ فزفرّ بكلّ أسى و انحنىّ واضّعا رأسه بينّ يدّيه ، كانّ الأمرّ بالنسبةّ له مّؤلماّ ، موجعاّ كسّم
ينسابّ بينّ عروقه يّقتل فيّ كل لحظةّ نبضّة منّ نبضّاته ، بالرغّم من وصّفه باللعوبّ أوّ رجلّ النساءّ إلاّ أنها كانتّ الوحيدة التيّ أحبهاّ
و التيّ رغب بهاّ و التيّ تزوجّها ليّوقف بّعدها جميعّ ألاعيبه ، حدقتّ ماريّ به ثمّ وضعتّ يدّها على كتفه قـّالت بنبرة حانيةّ
ـ لاّ تفقدّ الأملّ أبداّ كايلّ، تماماّ مثلّما أحبتكّ يوماّ سّتعودّ لتحبكّ مجدداّ
نـظرّ إليهاّ بّكلّ بّرود لاّ يستطيعّ أن يصّدق كلماتها مهماّ بدتّ صّادقة له فّأمسكّ بذّقنها بينّ أنامله و اقتربّ منهاّ بّسرعة خيّالية لكيّ لا يفصلّ
بينهماّ إلاّ القليلّ ، حدقتّ فيه بّنـظراتّ مندّهشة و مصّدومة عندّما سّحب نفسه إلىّ الخلفّ بهدوء ، أشّار على قّلبه و تّحدث بنبرة مّؤلمة
ـ إنه يّؤلم ، يّحرقنيّ يّقتلني و يّعذبنيّ ماريّ أناّ لاّ أقوى على العيشّ بعد الآن انتقامّ من نايتّ يسريّ كسريان الدمّ بّعروقيّ و أريدّ أنّ أجّعله
يّتذوق نفسّ مرارة الألمّ
مدتّ يدّها بّترددّ ثمّ ربتت علىّ ظهره ، أجلّ هوّ عدّوها الذيّ يّرغب بالانتقامّ من زوجهاّ و أجلّ هوّ من حاّول قّتلها فيّ يومّ من الأيّام لكنّها
لا تستطيّع إلاّ أن تشّفق عليهّ ، نـظّراته البّائسةّ و هالاتّ السوداّء التيّ تحتّ عينيهّ تخبرهاّ بّمدى ألمهّ ، ألمّ الحبّ الغيّر متبادلّ فّسحبتّه
ناّحيتهاّ و وضّعت ذّراعها على كتّفه لتّقول بّنبرة حاّنية
ـ أناّ أيضّا كاّيل ، أناّ أيضّا لكنّ باّلرغم منّ هذاّ الألمّ الغيرّ محتملّ حاّول جاهداّ أنّ تفوزّ بّحبكّ ، ما نـّاضلت بّشدة لأجلهّ لن يختفيّ فيّ لمحة
تنهدّ كايلّ ليرسمّ ابتسّامة هادّئة على شفتيهّ ، وقفّ و نـظرّ إلىّ ماريّ الجّالسة على الكرسيّ المتحركّ تؤازره فيّ محنته فّتدّريجّيا
تّسلل الأملّ إلىّ قلبه ، لاّ يعلم لماّ لكنهّ أرادّ أن يحدثّها بّشدة و الآنّ بّعدّ أنّ تكلمتّ معه شّعرّ بّقليل من الراحّة لماذاّ ذلكّ ؟ و بّيدّه
خربّ تّسريحةّ شعرهاّ البنيّ المتموجّ قاّئلاّ بكلّ مرح
ـ تّبدين كخبيّرة فيّ الحبّ ، أيّعقل أنكّ تملكينّ خبّرة ؟
شّهقت بصدّمة و قدّ إحمرتّ وجنتيهاّ بإحراجّ شديدّ ، أومأتّ نفيّا متّلعثمة فيّ كلماتّها ثمّ أخفضتّ رأسهاّ محاّولة العّثور على جملّة
مفيدّة لتّصرخ بّخجلّ
ـ ما الذيّ تقوله ؟
ضحكّ على ملامحّها الخجلّة لّيقومّ بّسحب كرّسيهاّ إلىّ الأمامّ مكملينّ حديّثهما و هماّ يعبران الّرواق ، كـّانت ماريّ تّبدوا هيّ بدورهاّ
مختلفة بّفستانهاّ الأزرقّ الأنيقّ إلىّ ركبتيهاّ بّلا أكمامّ و شّعرهاّ البنيّ الذيّ صّار يّصل إلىّ ماّ فوقّ منتصفّ ظهرهاّ بّقليلّ بينماّ شفتيهاّ
التيّ دوماّ ما كانتّا مبتسمتينّ بّحماسّ ذّبل كلّ شيءّ بّهماّ فّصّارتّا تجاّملان الغيرّ بّبسمة قصيرةّ المدىّ ، عّينيهاّ الواسعتينّ كالمـرآة
تّعكسانّ صدقّ مشاعرهاّ صّارتاّ مثّقلتينّ بّهمومّ و الأحزانّ ، باّلرغم منّ ذلكّ هيّ لاّ زالتّ تكافحّ منّ أجلّ حبهاّ حتىّ لو لمّ يعدّ لديهاّ الأملّ ،
عّندّ وصولهماّ إلىّ بّابّ غّرفتهاّ ، ودّعها كايلّ بابتسامةّ مرحة مغّادرا لّيقومّ الحراسّ بّفتح البابّ لهاّ بكلّ إحترامّ لتّدير عجلاتهاّ
إلىّ الأمامّ حينماّ وجدتّ نايتّ يقفّ وسطّ الغـّرفة و بجّانبه فّرانسواّ يتحدّثان بكلّ جديّة بينماّ نبّرة نايتّ تّعلو تّارة بّحدةّ و تنخفضّ تاّرة ،
لحـّظة دّخولهاّ توقفّ الإثنينّ عنّ الكلامّ ، انحنى فرنسواّ بّكل هدوء و غـّادر مسّرعاّ لّيزفرّ نايتّ بكل حدةّ بينماّ أناملهّ تلامسّ خصّلات
شعرهّ الأسودّ ، رنّ هاتفهّ فّأمسكّه لتحتدّ عينيهّ بحقدّ حالماّ رأىّ شّاشة قّام بّرميه جاّنباّ ثمّ جلس علىّ طرفّ السريرّ ،
نـظرتّ إليه بكلّ أسىّ غيرّ قّادرة علىّ تّقدم خطّوة واحدةّ إلىّ الأمامّ ، أجلّ هيّ تّريد أنّ تّضع يدّيها حولّه تّهمسّ فيّ أذنه بكلماتّ
حنونةّ أنّ كل شيءّ سيكونّ بّخيرّ و بأنهّ لاّ داعيّ للقلقّ فحتىّ لو تّخلى عنهّ الكلّ هي ستبقى دوماّ بجاّنبه ، لكنهاّ لاّ تستطيعّ ليسّ
و هو يّبعدهاّ مسافاتّ للخلفّ ، فّكادتّ أن تعودّ أدراجّها عندّما نادىّ اسمها بنبرة مّبحوحة خافّتة
ـ مـّاري، أيمكنكّ القدومّ للحّظة
استدارتّ نـّاحيته و ضغّطت علىّ عجـّلاتهاّ لتتقدّم نحوهّ مسّرعةّ ثمّ تّوقفتّ أمامّه بينماّ ملامحّ نايتّ غيرّ ظاّهرة لهاّ عنـدماّ رفعّ
رأسه و بّادرهاّ بنـظراتّ فـّارغةّ منّ أيّة مشّاعرّ قدّ كانّ البرودّ دوماّ غطاّءا لهّ ، تحدثّ بنبرةّ هادئة
ـ لقدّ حجزت لكّ الليلةّ تذّكرة لذّهاب إلىّ فرنساّ و أمرتّ سوزيّ بتحضيرّ أشيائكّ البّاقية سّريعاّ سيغاّدر فرانسواّ برفقتكّ لذلكّ لاّ داعيّ للقلقّ ،
أحكمتّ القبضّ علىّ يدّهاّ لماذاّ يّقرر من تلقّاء نفسه بّشأن بّقائها من عدّمه ؟ ألاّ تملكّ الحقّ لّرفضّ حتىّ ؟ فّوقفّ نايتّ و بخـطّوات
هادئّة إتجّه إلىّ الأريكةّ لّيقومّ بحملّ حاّسوبه مسّتعداّ للمغـّادرة ، فّنـظرتّ إليه ماريّ بّعينينّ تّنطقّان مدىّ ألمهاّ إنهّ لاّ يأبه بهاّ بتاّتاّ
و هاهوّ يسرعّ ناحيةّ المـّخرج غيرّ مهتمّ بهاّ ، حينماّ وضعّ يده علىّ المقبضّ صّاحتّ هيّ بكلّ ألمّ
ـ أتّريد منّي أنّ أصدقّ أنكّ تّريدّ أن ترسلنيّ لفّرنساّ منّ أجلّ معـّالجتّي ؟ هـذاّ أسّخف عذرّ بنظريّ ، كلناّ نعلمّ نايت كلناّ لكنناّ نتظاهرّ
بّالغباءّ فقط لّكي لاّ تجرح مشّاعرناّ للأسفّ حتىّ لو تّظاهرت بّالغباءّ لاّزلت أتألم ،
تّوقفتّ أنامله عنّ الضغطّ علىّ مقبضّ البّاب ، بقيّ للحظات على حاله تلكّ معطياّ إياها ظهره الشيءّ المثيرّ لسّخرية فيّ هذاّ القصّر
أنهّ حتى الماّل ، حتىّ تلكّ الشّركة التيّ يتنافسّ الكلّ لأجلّها لنّ تّجعلهما سّعيدين و بالّرغم من أنهمّا يّعلمان هذاّ جيدّا إلاّ أنهماّ يّدفّعان
بكلّ شيء جاّنبا للفّوز بهاّ ، سّابقا لمّ يكن يهتم ما ثمن الذيّ يتوجب عليه دفعه لّلحصول على شركاتّ لبيرّ بأكملها لاّ زال لاّ يهتم لكن الآن ..
استدار ناحيتهاّ و نـظرّ إليهاّ بعينينّ خاّليتين باّردتين كعّادته ثمّ ابتسمّ بّكل سخريةّ فّارتجفتّ شّفتي ماريّ بّرغبة عّارمة فيّ البكاءّ
حينماّ اقترب منهاّ بخـطّوات هادئّة كسّولة ، تحدثّ بنبرةّ مبحـّوحةّ بّاردة
ـ ماّ الذيّ تعلمينه ماّري ؟ مجردّ أنكّ تّعرفين اسميّ فّهذاّ لا يعني أنكّ تعلمين كلّ شيء عنيّ،
إنهاّ لاّ تصدقّّ نفسهاّ أبداّ كيفّ استطاعتّ أنّ تقّع فيّ حبه بينماّ هو لمّ يظهرّ لهاّ غيرّ الألمّ و الحزنّ ، لماّذا اختارهّ قلبها من بين الجميّع ؟
حتىّ لوّ أنهاّ نادّمة لكّن لقدّ فاتّ الأوان علىّ ذلكّ إنهاّ واقعّة فيّ غرامه منّ أعلىّ رأسهاّ إلىّ أخمصّ قدميهاّ و لنّ يتركهاّ هذاّ الحبّ
إلاّ بّموتهاّ ، تحدثّت بنبرةّ واهنةّ ضّعيفة
ـ كيفّ ليّ أن أعلمّ و أنتّ تّبعدني عنكّ آلالاف المسافاتّ إلى الخلفّ ؟
زفرّ بّغيضّ شديدّ لّتتخلل أنامله خصّلات شعرهّ الأسودّ مبعدةّ إياه عنّ مرمى نظرّه بحركّة عّصبية ، كّان يحاّول الحفّاظ علىّ أعّصابه
لكنّ ماريّ تستمرّ بّالحديثّ فّرد بحدةّ
ـ بحقّ الله لماذا تّستمرين بّالتصرف هكذاّ ؟ بأيّ حق تّردين أن تّعلمي أيّ شيء عني ؟ ألاّ تدركين أن كل هذاّ مجرد تّمثيلية ؟
أحكمتّ القبضّ علىّ فستانهاّ و قدّ احمرتّ وجنتيهاّ ليسّ خجلاّ و لاّ إحراجاّ و إنماّ ألماّ و حنقاّ من تجّاهله المستمّر لهاّ فّأجاّبته
بكلّ يأس هيّ الأخرى
ـ لأننيّ أحبكّ أليسّ هذاّ بالسببّ الكافيّ ؟
زفرّ بّكره منّ مزاجهاّ الثائرّ و حاّول المغاّدرة لكنهاّ أمسكتّ بّقميصه منّ الخلفّ و حـّاولت أنّ تجذبّه ناحيتهاّ لكنهاّ نستّ عدمّ قدرتها
على السيرّ ليختلّ توازنّ كرسيهاّ و تّسقطّ أرضاّ ، نظرّ إليهاّ نايتّ بّصدمة ثمّ أرادّ أنّ يساعدهاّ لولاّ أنهاّ دفعتّ بيده جاّنباّ بينماّ هيّ تكتمّ
دموعهاّ أجاّبته بّنبرةّ متحشرجة
ـ أناّ أسفة لقدّ كنتّ كريماّ جداّ بمساعدتيّ و تسديدّ ديون والديّ بينماّ .. أناّ أسفةّ لاّ يحقّ ليّ قول هذاّ لكننيّ فعلاّ أحـبك .. صدريّ يّؤلمنيّ
بّشدة كلماّ رأيتّك برفقةّ إليزابيثّ و أشتاقّ إليكّ حتىّ لو كنتّ أماميّ ، أشتاقّ لسماعّ صوتكّ و أحبّ كيفّ تّفعل المستحيلّ لتحقيقّ أحلامكّ ،
أنـّا أحبكّ نايت و هذاّ مؤلم .. مؤلمّ
عمّ السكونّ تّخللهّ شهقات ماريّ المكتومةّ فيّ حين كانّ نايت يقفّ أمامهاّ ، مدّ يدّيه ليضّعهما حولّ خصرهاّ ثمّ رفعهاّ بكلّ خفة و جعلهاّ
تجلسّ على السريرّ لّيستند هوّ على ركبتهّ بينماّ كانتّ ماريّ تحاول جاّهدة إخفاءّ وجههاّ ، تحدثّ بنبرةّ مبحوحةّ غـّامضة استطاّعت
أنّ تسمعّ اليّأس بهاّ
ـ كيّف أمكنكّ أنّ تحبيّ رجّلا مثّلي ؟ أنـّا لستّ من تخالينني أكونّ ماريّ بلّ على العكسّ تماماّ فّلا يمكنناّ أن نلتقيّ و لاّ يمكننيّ أنّ
أبادّلك هـذاّ الحبّ أبداّ ، إنّ ما تـّبحثينّ عنه لاّ أستطيّع تّقديمه لكّ حتىّ لو أردتّ لذّلك تّخلي عن هـذّه المشّاعرّ
ارتجف جسدّها بأكملهّ أحقاّ قالّ الآن أنه لنّ يحبهاّ أبداّ ؟ حتىّ لو حاولت جاهدةّ هوّ لن يحبهاّ ؟ كلّ شيء فّعلته منذ البّداية كانّ حماقّة منهاّ ،
كيفّ تخلتّ عنّ مبّادئها من أجلهّ و كيفّ كافحتّ لّنيلّ اهتمامه ، كلّ هذاّ مجردّ تفاهة أجلّ فّنظرتّ إليه للمرّة الأخيرةّ بّصمتّ لكنّ عينيهاّ تنطقاّن
بمدىّ غورّ جرحهاّ لذلّك استجمعتّ شّجاعتهاّ و أجاّبته بّنبرةّ صـّادقة
ـ إننيّ أحبكّ و قدّ فّات الآوان علىّ تحذيريّ نايتّ فّحتى لو أردتّ لاّ أستطيّع أنّ أمحوكّ من باليّ ، إنكّ الآن تمثّل كلّ حيّاتيّ بكّ يّنبضّ قلبيّ
لمّ يتحدثّ بلّ إكتفى بّصمت مطبّق ثمّ صدرتّ آهة عميّقة منه ناّبعة منّ أعماقّ صدّره كأنهّ و بّتلكّ الآهة يستطيّع إخراجّ كلّ همومهّ معهاّ
بينماّ أخذتّ ماريّ تنظرّ إليهّ بّصمت هيّ الآخرى ، لوّ أنه فقطّ يلتفت نحوهاّ لّعلها تستطيعّ جعله يّرى العالمّ من نظرتهاّ هي ، بّسمائه صّافية
و ربيـّعه الدافّئ ليتها فقطّ تجعله يّرى أنّ الدنياّ ليست ظّلاماّ فقطّ ، حينماّ ردّ بنبرةّ هادّئة
ـ ارتدي معطفاّ فالجوّ بّارد هناكّ أيضّا،
ثمّ غّادر بخطّوات خافّتة غيرّ مسموعةّ بينماّ اندّفعتّ الدموعّ منّ عينيهاّ مشّكلة خطّوطاّ علىّ وجنتيهاّ الحمّراوتين ، لقدّ حاولتّ و للمرّة
الأخيرّة قّبل أنّ ترحلّ جّعله يدّرك مشّاعرها لكنه تجاّهلها كعّادته لتّدرك هيّ الآخرى أيضّا شيئّا حاولتّ بشدّة نكرانه ، نايت لن يكونّ لهاّ أبداّ
كماّ قّال تماماّ هماّ فيّ طّريقين مّختلفين ، هيّ ترّى النورّ حتىّ لو كانّت الغّرفة مظلمةّ و هوّ يرى كلّ شيءّ مغطىّ بالسّواد حتىّ لو كاّن
النورّ ظاهراّ ، إنه الظّلام و هي عكسه




فيّ تلكّ الغّرفة الصّغيرة كاّنت فّلور مسّتلقيةّ تمسكّ بالوثائّق الرّسمية لّمنزل والدّها بينماّ يبدواّ الترددّ واضحاّ علىّ معالمهاّ ،
بالّرغم منّ أنهاّ بحاّجة ماّسة للماّل لكنّ أنّ تّقوم ببيعّ منزل والدّها يبدواّ أمراّ خاطئّا فّهزتّ رأسهاّ بشدةّ نافيّة هذّه الفكرةّ من
باّلها و محاولّة أنّ تركز علىّ كسبّ المالّ ،
لقدّ قامّ آرثرّ بّترك رّسالة صّوتية علىّ هاتفها الخاصّ يطلبّ منهاّ شراءّ المنزلّ بالتقسيطّ و ذّلك لعدمّ امتلاكه المالّ هوّ الآخرّ
لكنهّ سيدّفع مبّلغاّ لا بأسّ به فيّ البدّاية أيضّا تّواجدّ آرثرّ بمنزلهم يمنحهاّ القّليل من الّثقة فربماّ قدّ تستطيعّ أن تشتريه مجدداّ
فيّ المستقبلّ
أمسكتّ رأسهاّ بّقلة حّيلة عندّما داّهمتّها الكثيرّ من الأفكارّ من كلّ جّهة و كادتّ أنّ تستلقي على السّريرّ لولاّ أنهاّ فيّ حافتهّ
فّسقطتّ على رأسهاّ لتتنهدّ بّضجرّ حينماّ فتحّ البّاب على وسّعه و ظهرّ منه ويّليامّ مرتدياّ قميصّا أبيضّ اللونّ و رّبطة عنقّ معّ
سّروالّ جينز عاّدي بينماّ شعرهّ الأشقرّ مرفوعّ للأعلىّ كعادتّه ، نـظرّ إليها بّعينيه الزرقاوتين ثمّ قّال بّحدةّ
ـ أصحيحّ ما سمعته ؟
زفرّت فلورّ بّكل كره عندّما اضطربت دّقات قّلبها حالّما وقّعت عينيها عليهّ فّاعتدّلت فيّ جلستهّا و نـظرتّ إليهّ ، إنهاّ واثقةّ أنّ
السيدّة فرانسيسّ أخبرّته شيئّا و إلاّ لماّ أتىّ بهذّا الشّكل الثّائرّ لكن ما الذيّ قّالته تلكّ العجوز ؟ فّهزتّ فلور كتّفيها دون إهتمامّ قّائلة
ـ هذاّ يّعتمد علىّ الأمرّ الذيّ سمعّته أيضّا هلاّ قّرعت البابّ قّبل دّخولك ؟
صمتّ علىّ مضضّ ليقتربّ منهاّ ، نـظرّ إلىّ كميةّ الأوراقّ الكثّيرة التيّ احتلتّ الغّرفة ثمّ إلىّ إعلانات الجّرائدّ الملّصقة فيّ كل
زاويةّ ليتأكدّ حينهاّ أنّ فلور ليستّ تّفكر فيّ الرحيلّ و إنماّ هي مغّادرة فّعلاّ فّرفعّ وثيقةّ منزلهاّ و قّال بّإنزعاج
ـ لاّ تقوليّ أنكّ تردين الرحيلّ فقطّ لأجلّ إبعاّد ماريّ عنّ نايت ؟
سّحبت الّوثائق بعصبيةّ من بينّ يدّيه ثمّ وضّعتها فيّ الملفّ الذيّ أمامهاّ ، سحبتّ سترتهاّ و ارتدتها على عجّل عندّما أغلقّ ويّليام
البّاب بّقوة يرمقّها بّكلّ غيضّ،فصاحتّ فلورّ بّكل غضب
ـ و ماّ شأنكّ أنتّ ؟ هلّ أنتّ حّزين لأننيّ سآخذّ ماريّ و لنّ تستطيعّ رؤيتها بّعد الآن ؟ حسناّ أناّ لاّ أهتمّ
زفرّ ويّليامّ بّعصبية هوّ الآخرّ فّكلما حاولّ أن يتحدثّ معهاّ ينتهيّ الأمرّ بينهماّ بإفتعالّ شجارّ كبيرّ هيّ عنيدّة جداّ و غبيّة أيضّا مندّفعة ،
هذاّ ما يجّعلها تخطأ فيّ كل شيءّ تحاول فّعله لذّلك تماسكّ بّكل هدوء للحفّاظ على أعّصابه و ردّ عليهاّ بنبرة هادئةّ
ـ فلّور إنّ ماريّ متزوجةّ الآن لاّ يمكنكّ اختطافها هكذا أيضّا حتىّ لو أرادتّ ماريّ الذّهاب معكّ هل تستطّيعين دفّع تكاليفّ عّلاجّها ؟
علىّ الأقّل و هيّ بّالقصرّ نايت يحرصّ على صحتهاّ و يريدّ مصّلحتهاّ ، بالّرغم من أنه أنانيّ متعجرفّ بّارد غيرّ أنه إذّ تّعلق الأمرّ
بّصديقّ له فّهو سيفعل المستحيلّ لأجلّه ، و نايت يّضع ماريّ فيّ خانة الأصّدقاء أظن ربماّ لاّ أعلم
رمقّته بحدةّ جّعلته يّغلقّ فمه بكلّ توتر ، أقّال أن نايتّ يّعتبرّ ماريّ صدّيقة ؟ هوّ بالكادّ يّعتبرهاّ شخصاّ فّحملتّ وثائقّها بّكل عصبيةّ و
كـّادت أنّ تغّادر عندّما تنهد ويّليام بأسى و هو يمسكهاّ من ذّراعهاّ
ـ لحـظةّ سأخبركّ بشيء،
تّوقفتّ فقطب ويليام حاجبيه بّقليل منّ الترددّ يقوم بمسحّ عرقّ زائفّ من جبّهته لوّ علمّ نايتّ بماّ سيفعله لّسوف يّقتله دون شّفقة
لكنّ لا بأسّ هي أختهاّ فيّ النهاية و هيّ بحاجّة لأن تكونّ إلىّ جانب أختهاّ ، تحدثّ بتوتر
ـ فيّ الحقّيقة فلورّ ، إنّ نايت يخططّ لإرسّال ماريّ برفقة فرانسواّ إلى فرنسّا و ذلّك لّكي يعالجّها ، أيضّا يريدّها أنّ ترحلّ الليّلة
و هي موافقةّ
شّهقت فلوّر بصدمة أيّعقل أنّ نايت يخططّ لإرسّال ماريّ بّعيداّ عنهاّ ؟ لكن لماذاّ لم يّخبرهاّ ؟ و لماّ لم تخبرهاّ ماريّ ؟ يّا ألهي لابدّ أنهاّ
غاضبةّ لأنهاّ لم تزرهاّ أبداّ منذّ أن فتحتّ ماريّ عينيهاّ من الغّيبوبة لكنّها ستتفهمّ إنّ علمتّ أنهاّ كانتّ تبحثّ عن المالّ ليغاّدرا لندن
لكن أيّن المالّ الآن ؟ أمسكتّ برأسهاّ لماّ داّهمها صدّاع و سّارعت بالمغّادرة ّ، إتجّهت إلىّ منزل آرثرّ و قـّامتّ بّطرق البابّ بكلّ قوة
تملكهاّ لكيّ يّفتح آرثرّ و ملامحّ الّرعب ظاّهرة على وجههّ ، فّدّفعتّ فلور الوثائقّ إليه و قاّلت بحدةّ
ـ سّأقوم ببيعكّ المنزل أحتاجّ إلىّ دفّعة مسّبقة أيضاّ ،
أومأّ آرثرّ بّصدمة و سّار بخطّوات مسّرعة ناّحية غّرفته ثمّ قّام بإحّضار وثائقّ آخرى و قّدمها إلىّ فلور التيّ تبعته ، قّال بّدهشة
ـ يجبّ عليكّ توقيعّ هذّه الأوراقّ لتّ
قـاّطعته وسّحبت فلّور القلّم منّ جيبّ سترته و وقعتّ دونّ مباّلاة بينماّ وقعّ آرثرّ بدّوره و عّلاماتّ الحيّرة بّادية على وجههّ فيّ حين كانّ
ويّليام يّقف خّلفهماّ لاّ يصدقّ أنهاّ قامتّ ببيعّ المنزل هكذاّ دونّ أيّ ترددّ و بلّ دون أنّ تباليّ لماّ توقعه ، ثمّ قدمّ آرثرّ لهاّ شيكاّ بسيطاّ
فأخذتّه فلورّ و سـّارعت بالركضّ خاّرجاّ غيرّ مهتمة لّويّليام المناديّ بإسمهاّ و لاّ لّطلبه المترجيّ لهاّ بالتوقفّ ،
أسّرع ويّليامّ خلفهاّ بينماّ بقي آرثرّ يّراقبّ المنظرّ أمامهّ بّنظرّات حاّئرة غيرّ مصدّقة ، حينماّ أمسكّها منّ ذّراعها و جّعلها تستديرّ نحوهّ ، قـّال بّحدة
ـ لاّ يمكنكّ فعلّ هذاّ فلورّ ، لاّ يمكنكّ أنّ تّجبريها على البقّاء لقدّ فات الآوان فّهي مغّادرة
رمقّته بّنـظراتّ غاّضبة حاّنقة و متألمةّ أيضّا ، كيفّ لأختهاّ الفّرد الوحيدّ المتبقيّ من عّائلتها أنّ تغّادر و تتركّها هكّذا ؟ صمتّت لوهلةّ
ثمّ حاّولت أن تسحبّ ذّراعها لكنّ قوتها ضّعفت فجأةّ فّقالتّ بّنبرةّ متحشرجة
ـ كيفّ لكم أن تخفواّ هذاّ عنيّ ؟
أخفضّ رأسهّ بقليلّ من الإحراجّ و الندّم الشديدّ يّعلم تماماّ مدىّ خوف فّلور علىّ أختهاّ لكنّ و لّشخصيتهاّ المندّفعة أرادّ أنّ يبعدهاّ عنّها ،
فّتحدثّ بنبرةّ متوترةّ
ـ فلوّر بالّرغم من أنّ نايتّ متعجرفّ لكنه يّفعل المستحيلّ لمعالجّة ماريّ و حتىّ لو لمّ يرد الاعتراف إلاّ أنهّ حاّليّا هوّ الذيّ يحتاجّ ماريّ
إلىّ جانبهّ أكثرّ مناّ جميعّا ، أرجوكّ أعطه فّرصة
زمتّ شّفتيهاّ بّكل عصّبية فهيّ تكرّه نايتّ كرهاّ لاّ يقدرّ أحدّ على وصّفه و بالّرغم من أنهّ بالنسبةّ لهاّ لاّ يعتبرّ إنسّانا كيفّ ذلكّ و قدّ
تجردّ من كلّ معالمّ الإنسّانية ، قدّ وصّفته الصّحافة بمدمر الإقتصادّ ؟ إنهاّ تّعلم أشّياء عديدّة عنه ، كثّيرة و مخيفةّ لكنهاّ لم تتجرأ علىّ قولهاّ
لماريّ ، أختهاّ التيّ تعشّقه بجّنون فّاستسلمتّ هذّه المرّة لأنهاّ تعلم حتىّ لو أنهاّ عملتّ لآخرّ رمقّ بّحياتهاّ لما استطاعتّ دّفع تّكاليفّ علاجّ ماريّ
فقالت بّنبرة حادةّ
ـ حسناّ أناّ أفعل هذاّ فقطّ لماريّ لكن و لماّ تعودّ سوفّ أحرصّ علىّ جّعلها تعيشّ معيّ أتفهم ذلكّ ؟ أناّ فلور روبرت لا أرضخّ لأحدّ
و ليكنّ نايت واثقّا من هذاّ ،
أومأّ بالإيجابّ موافقاّ ثمّ أمسكّها منّ ذّراعها سّاحبا إياهاّ نحوّ سيّارته بينماّ وقعّ كل هذاّ تحتّ أنظار آرثرّ المتعجبّة و الحاّئرة ، فـّلور تكرهّ نايتّ
و ماريّ مغّادرة إلىّ فرنساّ للعّلاجّ ؟ سيكونّ الأمرّ جيداّ إنّ شفيت فّهز كتفيه بّعدم إهتمام و اتجّه إلىّ شّقته
الآن بّعدما حصّل علّى منزلّ جوناثّان سوفّ يّضمن مسّامحةّ والده رويّ له فّهو يمتلكّ خطةّ تكادّ تكونّ ناجحةّ يحتاجّ فقطّ إلى وجودّ كلا من
فلورّ و ماريّ إلىّ جاّنبه ثمّ تنتهيّ مشكلتهّ العويصّة هذّه ،

/

عندّ بّلوغ السّاعة الـحاديّة عشّر و نصفّ ليلاّ كـّانت تجلسّ على كرّسيها المتحركّ بّقلة حيّلة و يبدواّ العـجزّ واضحاّ عليهّا بجانبهاّ كانّ نايتّ
جـّالسا يّرتديّ وشّاحاّ أسودّ و قّفازاتّ يّخفيّ ملامحـّه مرّاقباّ الأوضّاع بّعينينّ حاّدتينّ لاّ تكادّ تّفوتان أيّ شيءّ ، خلّفهما كـّان فّرانسوا يقفّ
ممسكاّ بجـّواز سّفر ماريّ الذيّ تمّ وضعّ هويةّ جديدّة لهاّ و ذلّك لحماّيتها من تّعقبّ ديميتري ،
ألقتّ ماريّ نـظرّة على نايتّ الذيّ يبدواّ مركزاّ بشدّة ثمّ تنهدّت بأسىّ اعترافهاّ حبّها و كلّماتهاّ الصـّادقة لمّ تّؤثرّ به ، دّق قّلبهاّ بّقوة فّوضـعتّ
يدّها مكانه بّقلق و قدّ شحبّ وجههاّ تماماّ فيّ حين أخذتّ أناملهاّ ترتجفّ كذلّك شّفتيها حدثّ هـذاّ لماّ تمّ الإعـّلان الأخيرّ عنّ رحلّتها فّتقدم
فّرانسوا منهاّ و قـّال بّنبرة هادّئة
ـ سيدتيّ لاّ نستطيعّ البّقاء أكثرّ يجدرّ بناّ الـذّهاب الآنّ
أومأتّ نفياّ غـّير مسّتعدةّ لكنّ فرانسواّ تقـدمّ على آيّ حالّ داّفعا كرّسيهاّ للأمامّ عنـدّما تّشبثت ماريّ بّمعطفّ نايت بكلّ قوتهاّ ، احتـّضنته
و بدأتّ دموعهاّ بأخذّ وجنتيهاّ مأوى لهما ككّل مّرة قـّالت بنبرة بّاكية
ـ لاّ أريدّ رحيلّ ، أرجوكّ نايتّ .. أنـّا لا أستطيّع ، هناكّ خطّب ماّ أنّا أعلم . أرجوكّ لّن أزعجكّ بعدّ الآن فقطّ دعنيّ أبقّى ، أنـّا أسفة نايتّ لا تتركنيّ
إرتبكّ كلاّ الرجلّين و كمّ تمنىّ فرانسواّ لو أنهّ أحضرّ سوزيّ لعلهاّ كانت لتهدأ منّ روعها فيّ حينّ لمّ يعلمّ نايت ما الذيّ قدّ يفعله لّيخفف
من سّوء الـوضعّ حينّ تقدمتّ منهمّ سيدةّ كبيرّة فيّ العـمرّ ثمّ أخذتّ تنـظرّ إلىّ ماريّ التيّ ترفضّ تركّ نايت بالّرغم من محـّاولاتّ العـديدّ من
الأشخاصّ الذّين حـّاولوا الـتدّخل فقّالت السيدّة بتسّاؤل
ـ هـّل أنتّ صديقهاّ ؟
أومأّ نايت بكلّ ارتباك لّتّهز السيدّة رأسهاّ دلاّلة على أنهاّ فهمتّ كل شيءّ ، ثمّ أشّارت له بيدّيها علىّ أنّ يضمهاّ فشحبّ وجهّه بأكمله غيرّ قـّادر
على استيعابّ إشـاراتهاّ أنّ يقدمّ هو علىّ ضمّ ماريّ شيءّ غيرّ معـّقول ؟ هوّ لن يستطيّع حتىّ لو حاولّ ذلّك ، لمّ يّفعل ذلّك قّبلاّ فّرفعت السيدّة
ذّراعيه و لفتهماّ حول ماريّ إرتبكّ نايت فيّ الـبدّاية لكنهّ اعتاد على الأمرّ إذّ أن ماريّ دوما ماّ كانتّ تّضمه برغبته أوّ بدونها لذّلك انحنى و
وضع يدّيه على وجنتيهاّ ينـظرّ إلىّ عينيهاّ بهدوء ، ثمّ تحدثّ بنبرة باردة
ـ مـاريّ إنهاّ ليست نهايةّ الـكونّ، أنتّ ذاّهبة للعـلاجّ لاّ للمشاركة فيّ حـربّ ماّ لذّلك تماسكّي قّليلاّ
نـظرتّ إليه السيدّة بسّخرية أهذاّ أفّضل ماّ يتستطيع فعله لكنّ الذيّ آثار دّهشتها هوّ أنّ ماريّ توقفت فّعلا عنّ البكاءّ و أخذتّ تّمسحّ دموعهاّ
لكيّ تومئ لهّ بالإيجّاب ، فّسحبّ فرانسواّ الكرسيّ للأمامّ مغـّادرين بّرفقتهماّ تلكّ السيدّة التيّ صّارت تتحدث بّلؤم عنّ تّصرف نايت البّارد عندّما
أوقفتهماّ ماريّ مجدداّ ثمّ أداّرت عجلاّت كرسيهاّ مستديّرة بّسرعة ، لاّ لا تستـطيعّ أنّ تـرحلّ هـكذاّ ليسّ بهـذّه الطـّريقة ، لمّ تردّ أنّ يكون وداّعها
الأخيـّر هـكـذاّ .
كـّاد فرانسواّ أنّ يمسكّها لولاّ أن تلكّ السيدّة أوقفته و هي تؤنبه كيّ يتركّها تودّع حبيّبها ، عنـدّما اقتربت منه كّفاية نـظرّ نايت إليهاّ بّإستغّراب
أشـّارت لهّ أن ينحنيّ لّيفعل ذّلك ظّنا منه أنهّا سّتهمسّ بّشيءّ ّ غيرّ أنهاّ وضعتّ ذّراعيها حـّول رّقبته و قـّبلته بّهدوء على شفتيه ثمّ سّارعت
بالابتعاد عنه قد شحبّ وجـهه بأكمله غـيرّ قّادر علىّ التحـركّ بينماّ حدقتّ ماريّ به و إلىّ ردةّ فّعله المصدّومة إذ أنه سرعان ما وقف فّأشارت
على خـده الأيسر و قـالت بّتصميمّ محاولة إخفاءّ ضحكتها
ـ تعـال لقدّ أخطأت الهدفّ أريد أن أمحيّ أثـار إليزابيث ،
رمقّها نايت بحدةّ واضحـةّ فقدّ جذبّت إنتباه المارين بينماّ تظاهر فرانسوا بالتحدثّ في الهاتف كاتماّ ضحكتّه على وجه سيدّه المصدّوم بشدةّ ،
ما الذيّ تتوقعه ماري من شخصّ اعتاد إخفاء مشاعره حتى في صغره ؟ فّقام نايت بمسح خـدهّ بّعصبية بّالغة و قـال ببحة
ـ هلّ هذاّ كافي ؟
عـّاد الإعـلان عنّ رحلّتهم فّأومأت ماريّ نفياّ إذّ أنها عازمةّ على تّنفيذ ماّ برأسهاّ و لن تغاّدر إلاّ و هيّ قد نفذّته ، حينهاّ تنهد نايت بتعبّ شديد
و فّضل لوّ أنهاّ تبكيّ على أن تتصّرف بّمثل هـذاّ الحزم كأنهاّ طّفلة لذّلك إنحنى مجددا ناحيّتها فقبلته علىّ خده لتبتسم بّعدها بّرضا قّائلة
ـ أجلّ هـكذاّ ، لاّ تدّعها تّقترب منك خذّ حذركّ فّهي ماكرّة أيضّا كايلّ حاولّ أنّ تتفهمه خلالّ هـذه الفترة إنهّ يتألم بّشدة لذّلك مهما قّال لكّ لاّ تأخذّ كلامه
على محملّ الجـدّ و إن إقتربت منك إليزابيثّ فّسوف أعود أتفهم ؟ فأناّ أيضّا أملكّ جواسيسّ فيّ القصرّ ، أنـّا أراقبكّ
استمرت بالكلامّ بينماّ فرانسواّ يّدفع كرسيهاّ للأمامّ ، من يصدقّ أن هذه الفتاة كانتّ تبكيّ منذّ قليل ؟ تنهـدّ بّقلة حـّيلة مراقّبا إيّاها و هي تبتعـدّ
خـطّواتّ عنه زمّ شفتيه بّعبوس متذّكرا بّكائها الشديدّ و تّوسلاتهاّ المستمرةّ كانت على وشكّ الدّخول و المّضيفة تّرحب بهماّ عندما استدارت ناحيته
، ابتسمتّ بّرحابة صّدر ثمّ رّفعت يدّها مـّودعة إيّاه فّلا إراديا رفّع يدّه هو الآخر مودّعا لماّ صـرختّ ماري بّقوة
ـ أنـا أحبكّ ، أحـبكمّ جميـعّا .. أخبـرّ فلور أننيّ أحبّها و لاّ داعيّ للقلق ، نايت أحـبك
سحبّ فرانسواّ الكرسيّ إلىّ الأمامّ و هو يّؤنبهاّ علىّ صّوتها العـّالي إذ أنهم يّحاولون جاهـدّين إخفاّء رحيّلها بينماّ هيّ تكشفّ كل شيءّ فيّ
ظرفّ ثانية بالّرغم من أن فرانسوا فيّ البدّاية كانّ يّحاول معّاملتها بّرسمية إلاّ أنهاّ تّثيرّ أعصّابه كأنهاّ طفّلة صّغيرة ، فيّ حين إزدادّ وجه
نايت شّحوباّ إذّ أن الجميّع قدّ إلتفت إليه ضاحكاّ على حبيبته المجّنونة كماّ يّعتقدون غيرّ أنهّ يعلم تمامّا أنّ ماري تسعى لّجعلّ وداعهماّ هـذاّ
ينتهي بإبتسامةّ حتىّ لو كانتّ الدموعّ تنهمرّ من عينيهاّ بدونّ توقفّ لحظّة ماّ غاب هو عن أنـظاّرها إلاّ أنهاّ استمرّت بالإبتسام لأجله ، بّعـدّ
أنّ غـّابت ماريّ عن أنـظاّره سّار بّخـطّوات هـّادئة بطّيئة إلىّ المـخرجّ فجأةّ إرتطّم بّه شخصّ ما ليّكمل نايت طّريقه غيرّ آبه لماّ أمسكّه منّ
ذّراعه ، نـظرّ نايت إلىّ فلورا التيّ تّحاول جاّهدة إخفاءّ دّموعها لتسأله بّحدة
ـ أينّ ماري ؟
عندّما لمّ تجدّ جّواباّ منه عّلمت تماماّ أنّ ماريّ قدّ غـّادرت لندّن بدّون أنّ تودّعها حتىّ فّأخفضتّ فلور رأسهاّ فتـّرة منّ الزمنّ لماّ آتى ويّليام
مسّرعا بّعد أنّ ركن سيّارته ، نـظرّ إليهماّ بّقليل من الحـّسرة إذّ يبدوا أنّ ماريّ غّادرت و لمّ يتسنى لهمّ الوقت بّتوديعهاّ حتى ، تحـدث ويليام
بّندم لكنّه أسّرع بتغيير نبّرته لّنغمة أشدّ حنانّ لماّ لاحظّ ارتجاف جسدّ فلور كأنهاّ تقاوم بّشدة رّغبتها فيّ البكاءّ
ـ لقدّ أخبرتكّ أنهاّ ستكون فيّ المطّار لكنكّ أصررتّ على الذّهاب للقصرّ ، أرأيتّ ؟... آ فـّلورا لاّ بأسّ أعنيّ يمكنناّ دوما أنّ نـحدّثها على الهاتفّ
رفّعت فلورا رأسهاّ لّيرى الاثنين مدىّ حدّة ملامحّها فّكادتّ أن تسددّ لكمة قّوية لّنايت لولاّ أنّ ويلياّم أمسكّها من خصّرها مبعـداّ إياها عنهّ ،
كاّن ويّليام بّدّوره مرتبكاّ و هوّ يرى النـظرّة الحـّادة النـّارية و الخـطيرةّ التي اعتلت ملامحّ نايت كذلّك شتائمّ الـعديدةّ التي أخذتّ فلورا تتفّوه
بهاّ كماّ لو كأنّ فمهاّ هذاّ قد خلقّ لّشتم فقطّ ، قـّال ويّليام بنبرة مّتوترة
ـ هياّ كلاكماّ إنّه ليس بالوقت المناسّب لّشجارّ و ما الذيّ قدّ يفيدّ الكلام الآن ؟ فلورّا اهدئي قليلا ، نايتّ أنتّ كذلكّ تّمالك أعصاّبك ،
تّوقفت فلوراّ فعلا عنّ المقاومة و رتبتّ ملابّسها الفّوضويةّ بّعصبية واّضحة ثمّ أومأتّ بالإيجابّ و هي تقومّ بّسحبّ نايت منّ ذّراعه
بالّرغم من أنهّ لمّ يتحركّ قيدّ أنملة إلاّ أنها استمرت بّسحبه غيرّ مستوعبّة لماّ يحدثّ حولهاّ و هيّ تتكلمّ بنبرةّ مصـدّومة تّخللهاّ الرجاءّ
ـ نعمّ أنتّ محقّ ، ياّ رجلّ لنذّهب لإيقافّ الطاّئرة أنتّ مشهور أليسّ كذلّك ؟ أعنيّ أنتّ تملكّ شّركات لبيرّ بأكملها ّقريباّ ؟ أليسّ كذلكّ ؟
هياّ أطلّب منهم إيقاف الطاّئرة و لنجلبّ ماري ، أناّ أعلمّ أن ماريّ لاّ تريد الذهابّ هيّ تتألمّ أرجوكّ أعدّها إليّ ، عـزيزتيّ ماريّ أعدّها إليّ
إلتزمّ نايت الصّمت فّعادّ ويليام لّيسحبها ناّحيته ، وضعّ يدّيه على كتفيهاّ و قّرب وجّهه منهاّ لكيّ ينظرّ إلى عينيهاّ العسليتينّ الغّاضبتين
بّنـظرّات هـّادئة رقيّقة و حـّنونة ، لفّ ذّراعيه حـّولها ثمّ همسّ بّنبرة صّادقة
ـ أرجوكّ لا تكونيّ هـكذا فّلورا ، كونيّ كما عهدتكّ دوماّ قّوية منّ ماريّ و منّ أجلّي أرجوكّ منّ أجلناّ جميعا
حينّها بكتّ فلورّ فيّ حضّنه كأنهاّ طـّفلة صّغيرة تسّعى للأمانّ ، بكتّ و بكتّ كماّ لمّ يسبقّ لها أنّ فعلت ، لقدّ بذّلت كلّ جهدّها لحماية آختهاّ
لكنّها بـاءت بالفّشل ، لماذاّ هي فّاشلة هـكذاّ ؟ لماّذا لمّ تستطعّ حماّية الشخصّ الوحيدّ الذيّ تأبه لأمرّه ؟ بينماّ كان ويّليام يّواسيهاّ بكّلماتّ
هـّادئة حنونةّ كعـّادته غيرّ أنّ قلبه تجّرع ألمّ بّسكون و بطّء لرحيلّ ماريّ و لألم فلوراّ ، فيّ حينّ غـّادر نايتّ المكانّ بصـمتّ مطبقّ ،
اتجـه إلى سيّارته و صّعد على متنهاّ ، وضـعّ رأسه علىّ المقودّ ثمّ ضّربه بّأقصى قوته هوّ كذلّك لمّ يستطعّ حمّاية الفتاة الوحـيدةّ التيّ
وقفتّ إلى جاّنبه أحبـته بّصدق ، كيفّ له أنّ يكون بمثّل هـذاّ الضّعف ؟ أليسّ هو نايتّ لبيرّ الذيّ يخـّاف الكلّ من تعامل معه ؟ أليسّ هوّ منّ
يسـعىّ للإنتقـّام فّكيفّ له أنّ يفشلّ فيّ منتصفّ الطـّريق ؟ لماّ رفعّ خصّلات شعرّه الأسودّ كيّ تـّظهر عينيه الدّاكنتين بشدّة تّنبـآن بّمدى شدّة
خـطّورتهماّ ، حيّنها ابتسـمّ بّكل سخريّة قـّائّلا بنبّرة حـّاقدة حـّادة
ـ لقدّ أغضبتّ شخصاّ أتىّ فيّ غنى عنّ غضـبهّ ديميتري

آنتهـّى
__________________
  #45  
قديم 12-28-2015, 11:43 AM
oud
 
الـشّابتر الـسابع و العـّشرون

ـ فقطّ إذّا كنتّ ملكاّ ليّ ـ


تلكّ الأنوار المتلألئةّ بتأنقّ تّلمعّ فيّ الأفقّ منيّرة بـاريس عـّاصمة فرنساّ بأكملها قدّ جالتّ ماريّ بعينينّ واسـعتينّ
منّ شّرفتهاّ كلّ ماّ التقطتّه و كلّ ماّ جذبّ إنتباههاّ ، حينّ تّساقطتّ حبّات ثّلج على حضّنها لتّرفع يدّها للأعلى نـّاحية السماءّ
الشيءّ الوحيدّ الذيّ يذّكرها بلندنّ هوّ هـذّا الجـّو البّارد كّقلب نايت تماماّ أماّ الأمرّ الوحيدّ الذيّ يّقلصّ من وحدّتهاّ هوّ أنهماّ
تحتّ نفسّ السمـّاء لكنّ المنـّاظر تّختلفّ فقطّ ،
تقّدم فرانسواّ منهاّ بخـطّوات هـّادئة و وضـعّ غطاّءا على كتفيها لّيقيها منّ الإصّابة بالّرشح بينماّ لمّ تظهرّ أيّ ردّة فعلّ
بلّ إكتفتّ بّالنـظرّ صّامتةّ نـّاحية الأفّق ، ليتنهدّ فرانسواّ بّقلة حيلةّ إذّ أنهّ قدّ مر أسّبوع على وصّولهماّ لباريسّ و هماّ الآن
يقّطنانّ بهـذاّ المـّستشفى فيّ الجـّناح الخاصّ حيثّ يّعتبر فرانسوا مّرافقاّ لهاّ ، تّحدث بنبّرة عـّملية بّها قّليل من الحـّنان
ـ سيدتيّ يجدرّ بك الـدّخول للغـّرفة هـذاّ أفضّل لصّحتك
لمّ تتحركّ قيدّ أنملةّ فّعـّاد فرانسواّ لّيتنهد بّيأسّ أينّ تلكّ الفتاة التيّ كانتّ تودع نايتّ بإبتسامةّ و ضحكاّتها تّملأ المطّار ؟
لكنّه سّرعان ماّ تفهمّ حزنهاّ و قدّ إنهالتّ إلىّ مسامعه كلمّات البّروفيسورّ المعـّالج لماريّ ، لقدّ قّال بّوضوحّ تامّ أنّ أملهاّ فيّ
استعادة قّدرتها على السيّر ضئيل جدا أيضّا لقدّ أخبرتهاّ طّبيبة النفّسانيةّ أنّ صدّمة التيّ تلقتها إثرّ الحريقّ هوّ العـّامل الأسّاسيّ
فيّ جّعلها تفقدّ السيرّ لذلّك يجبّ عليها أن تبذلّ جهدّها لّتتخلى عنّ حزنهاّ هـذاّ ، حكّ جبينه بقّلة حيّلة إذّ أن الأمرّ يسترعي الكثيٍّر
من العـملّ الجـّاد و الكثيرّ من الوقت أيضّا لكنّ كلاهماّ لا يمتلكّان الاثنين معـّا فّفرانسوا بالـرغم منّ أن مهمته الأسّاسية هي
حرّاسة ماريّ لكنه قّلق علىّ نايتّ و ماريّ بالّرغم منّ أنّ الأمرّ كله لأجّلها لكنهاّ لا تستطيّع أنّ تعيشّ بدّونهمّ ، إنهّم المصدرّ
الذيّ تستمدّ منهّ قّوتهاّ ،
فتحتّ الممـّرضة بّاب غـّرفتها بكلّ هدوء ثمّ تّقدمت منهاّ بّخطّواتّ رشيّقة ، وضـعتّ حبّة الدواءّ أمامّ ماريّ و طـّلبت بّلهجةّ شديدةّ
التهـذيبّ فيّ غـّاية الحـذرّ أنّ تشّربها لكنّ ماريّ تجاّهلتها و هيّ تراقبّ الضّوضاء بّلا مبّالاة ، حينهاّ أخذّها فرانسواّ و شكرّها
ليّضع الدّواء أمامّ ماريّ قـّائلاّ بّتأنيبّ
ـ سيدّتي لقدّ احترمتّ الممرضةّ حزنكّ و لمّ تطلبّ منكّ العودةّ للغـّرفة لكنّ أنّ لا تأخذيّ الدواءّ هذّا أمرّ مبّالغّ فيه، أرجّوك كافحيّ
كّي نعـّود بّسرعة إلىّ لندن
تنهـدتّ ماريّ بأسىّ هذاّ ليسّ منصّفا بحقّ فرانسواّ أيضّا إذّ حتىّ هوّ لمّ يرغبّ فيّ أنّ يأتيّ إلىّ فرنساّ ، لذّلك أمسكتّ بكأسّ الماءّ
بكلّ غـّيض رافّضة أنّ يتمّ معّاملتها كالعـّاجزة و وضعتّ حبةّ الدواءّ بّفمها لترتشفّه فيّ ظرفّ ثّانية فجأةّ رنّ هاتفّ فرانسواّ كاسّرا
ذلكّ الصمتّ الموحشّ لتستديرّ ماريّ ناحيّته بّسرعةّ و قدّ ظهرت علىّ ملامحّها الحزينةّ ابتسّامة مشّرقة مليّئة بالشّوق و الحماسّ
بينماّ ترددّ فرانسواّ فيّ الردّ حالماّ رأىّ ردّة فعلهاّ المبالّغ بهاّ لذلّكّ مد الهاتفّ ناحيّتها قّائلاّ بّتردد
ـ سيدتيّ يمكنكّ الردّ إنّ أردتّ
اتسعتّ ابتسامتهاّ إشّراقاّ لماّ لمحتّ إسمّ نايتّ يّعلوا شّاشته فاستنشقتّ أكبرّ كميّة من الهّواء تستطيعّ رئتيها أخذّها و وضعتّ يدّها
علىّ قلبهاّ بّمحاولة فّاشّلة فيّ تخفيفّ دقّاته المسّرعة قدّ حدثّ كلّ هـذاّ أمامّ أنـظارّ فرانسواّ الذيّ كتمّ ضحـّكاته بينماّ أجّابت الأخيرّة بسّعادة
ـ نـّايت ، لقدّ اشتقتّ إليكّ ..
ثمّ صمتتّ بإحراجّ عندّما تذّكرت ماّ فّعلته آخر مّرة فيّ المطاّر و لمّ تستطعّ أنّ تتفوهّ بأكثرّ من هـذّه الكلّمات ، بينماّ وضـعّ نايت نّظاراته
جاّنباّ فّلعلمه بّشخصية ماريّ منّ المستحيلّ أنّ تصمتّ الآنّ لذّلك تّوقف عنّ التركيزّ فيّ أوراّقه الموجودّة أمامهّ بمكتّبه و أجـّابهاّ بنبرةّ هـّادئة
ـ حسناّ ، أعـلمّ .. ماّ الذيّ قـّاله الأخصّائيّ عنّ حالتكّ ؟
لدىّ سماّعها لّصوته الهـّادئ المخّمليّ شّعـّرت بّقطّرات حاّرة تّنهمر علىّ وجّنتيهاّ لقّد مرّ هذاّ الأسبوعّ عليهاّ كّدهر بدّونه ، مجردّ فكرّة
تّركه بّعد إنهائهاّ لدورهاّ تحطمّ قلبهاّ لأشلاءّ فّحبّها نـّحوه لاّ يستطيعّ أحدّ تّقديره لاّ حملّه بالّرغم منّ دموعهاّ إلاّ أنّ ابتسّامة رقيّقة علتّ
شفتيهاّ فقدّ سّألهاّ نايتّ و لأولّ مرةّ منذّ رحلّتهما معاّ عنّ حالّتها ألاّ يستحقّ الأمرّ الثّناء ؟ صّمتت لوهلةّ ثمّ أجـّابته بنبرةّ مرحةّ
ـ لقدّ أخبرنيّ أنّ سببّ عدمّ قدرتي على السيرّ لاّ يعود لّخلل بجسديّ بلّ لصّدمة أثرّ الحرقّ لذلّك سّوف لذّلك يجبّ علي الحصّول على استشارة
نفسيّة أو شيءّ من هذاّ القبيلّ ، يمكننيّ العودةّ إلى لندنّ
قطبّ نايت حاّجبيه غيرّ قّادر على استيعابّ كلامهاّ فأيّ علاجّ هذاّ يدوم لغاّية أسبوعّ و ماذاّ عن تلكّ الحّروق الخطيرّة التيّ أصيبت بّها ؟
فقدّ سقطّ الفولاذّ على قدّميها ، بينماّ ضحكّ فرانسوا بخفّوت فقدّ حرفتّ ماريّ جميعّ أقواّل الأخصائيّ قبلّ أن تحاولّ بثّ الأملّ فيّ نايت
يجدرّ بهاّ أن تبثّ الأمل فيّ قلبها فيّ حين تحدثّ نايت بّإستنكارّ
ـ ما هذاّ الذيّ تقولينه ؟ أعطيّ السّماعة لفرانسوا
زمتّ ماريّ شفتيهاّ بّإنزعاجّ منّ ردّه المفحمّ بّشتى أنواعّ البّرود كأنهاّ لّم تغّادر جاّنبه قطّ ، كأنّ هذاّ الأسبوعّ لمّ يّمضي عليه أبداّ
لذلّك علاّ ملامحّها عبوسّ و يأسّ منّ شخصّيته السّاكنة فتّرددتّ كثيراّ قبلّ أنّ تتحدثّ لكنهاّ قّاومت ضّعفها قـّائلة بنّبرة خجلة
ـ نـّايت أريدّ فقطّ أنّ أخبـّرك .. أنـّا أحـ
قّاطعهاّ نايتّ و هو يّعيدّ جّملته بكلّ برودّ طالبّا منهاّ إعطاءّ السّماعة لفرانسواّ فمدتّ الهاتفّ ناحيّة فرانسواّ بّهدوء حينّ سمعّ صّوت
ناّيت كادّ أنّ يسقطّ الهاتف من بينّ يدّيه لولاّ أنهّ تداّرك نفسهّ ، تحدثّ بنبرةّ مرتبكةّ
ـ أهـلاّ سيديّ ، .. أجـّل أناّ أسمـعكّ .. حسناّ
ثمّ سّار بخـطّوات سريعـةّ مغـّادراّ الغـّرفة بينماّ اتجّهت ماريّ إلىّ سريرّها و بـّعد محاّولات عـّديدةّ استطاعتّ أخيـراّ أنّ تضّع جسّدها عليهّ ،
أسندتّ رأسها على وسّادتها و أغّلقت عينيهاّ بّشدة رافّضة أنّ تسبحّ فيّ بحرّ دموعهاّ مجـدداّ ، بالّرغم منّ أنّ نايتّ لمّ يقلّ شيئاّ جّعلها تّبكيّ
لكنّ فقطّ الضّغط الذيّ تتعرضّ إليهّ يّضعها فيّ حزنّ دائّم ، إنهاّ تّرغبّ أنّ يّخبرهاّ نايتّ كلمةّ لطيّفة رقيقّة لعلهاّ تستعيدّ ثّقتها بنفسهاّ حتىّ فلورّا
أختهاّ لم تقمّ بمراسلتهاّ أو الاتصال بهاّ للاطمئنان عنهاّ ، ويّليامّ كذلّك و أيضّا السيدّة فرانسيسّ .. الوحيدّ الذيّ اتصلّ هو نايتّ بّعد مرور أسّبوع
علىّ وصولهاّ لفرنسّا ليسّ للاطمئنان على حالّتها و إنماّ مجردّ أعمالّ ، هـذاّ يجّعلها تعتقدّ أنهاّ لاّ تعنيّ شيئاّ لهمّ ،

/

بينّ ثّناياّ فسّتانهاّ الأسودّ المخمليّ قدّ انسّدل بّانسجامّ متناغّما معّ تفاصيلّ جسدّها النحيلّ المثّاليّ تنـظرّ بعينيهاّ الواسعتينّ الّساحرتين
نـّاحية ذلّك الإسمّ الذيّ له مكانةّ مميزةّ بداّخل قّلبها الصّغيرّ فرّسمت علىّ شفتيهاّ المثيرتينّ ابتسـّامة رقيقةّ لطيّفة لتضغطّ علىّ زرّ الإرسّال
كأنهاّ مراّهقة فيّ السّادسة عشرّ من العمرّ ، إنهاّ تلكّ المرأةّ الذيّ عشقهاّ يجريّ كسّريان الدماءّ فيّ عـّروقه ، المرأةّ نفسهاّ التيّ أخذتّ روحه
و كيّانه معهاّ ، عنـدّما لمحّ ضحكاّتها الخافتةّ رسمّ على شفتيهّ دونّ إدراكّ ابتسّامة وله و حبّ شديدّ متناسياّ خيانتهاّ العظيمةّ لهّ ، فجـأةّ تداركّ
نفسهّ فّسارع بّإخفاءّ مشاعرهّ الواضحةّ بقناعّ منّ الجمودّ و منّ أحسنّ تمثيلاّ للبرودّ أكثرّ منّ عـّائلة لبيّر ؟
نـّزع أنـّظاره عنهاّ مرغماّ علىّ تجاّهلهاّ و رفعّ ملفّا أحمرّ اللونّ كانّ قدّ وجدّه بداّخل مكتّبه اليومّ صّباحاّ ، كمّ هـذاّ غريبّ فّقد أخبرهّ سكرتيرهّ
أنّ هـذاّ الملفّ عندّ قدومه كانّ موجوداّ و لمّ يرى أحداّ يدّخله كماّ أنّ الكاميراّ لمّ تلتقطّ شيئاّ ، فتحـّه بكلّ فضولّ لتتسّع عينيهّ بصّدمة
لاّ مثيلّ لهاّ كيفّ لاّ و قدّ أحتل الملفّ مقاّلات عديدّة عنّ نايتّ ، رفّع الورقةّ الأولىّ ليجدّ صورةّ لنايتّ بّعمرّ الثّامنة عشرّ قدّ كانّ محتوى
المقّالة بّلغةّ غيرّ الإنجليزيةّ و ليستّ حتماّ فرنسيةّ لكنّ ما هـذاّ الذيّ يّراه أمامه ؟
كيفّ استطاع أحدّ أنّ يجلبّ معّلومات فيّ غاّية السّرية عنّ نايتّ ؟ و الأهمّ منّ أيّ بلدّ هذّه المقّالاّت ؟ ركزّ كايلّ نـظرّه و قدّ علتّ ملامحـّه
الجديّة و التصميمّ عندّما سقطتّ قطعّة ورقّ صّغيرة حمّراء اللونّ ألتقطها بّإستغرابّ ليّجدّ ملاحظة كتبّ عليهاّ بلونّ أسودّ [ إنّ كنتّ تّري
د خلعّ نايتّ منّ سلطّة لبيّر بّأكملها فّأناّ أملكّ المزيدّ ، معّ تحياتيّ صديقكّ ] شعـّر كايلّ بالصّدمة أشدّ عمقاّ ، ما هذاّ ؟ يبدواّ أنهاّ وثائقّ تّمنعّ
نايتّ من أخذّ منصبّ رئيسّ شركـاتّ لبيرّ لكنّ من هذاّ الرجلّ الذيّ يملكّ شيئاّ كهذاّ ؟ و لماذاّ يّساعدّه هوّ ؟ أيعقلّ أنّ لنايتّ أعداءّ غيرّه ؟
زفرّ كايلّ بّعدم استيعاّب هـذّه الوثائقّ الموجودّة بينّ يدّيه و باّلرغم من أنهّ الآن غيّر قّادر على قّراءة محتواهاّ إلاّ أنهاّ النقطّة الفاّصلة بينه
و بينّ نايتّ بّهذا الملفّ يستطيعّ أنّ يبعد نايتّ عنّ طريّقه دونّ أيّ عناءّ ، يّمكنه القّول رسمياّ أنهّ قدّ ضمنّ منصبّ شركّة لبيرّ ، يمكنهّ القولّ
دونّ أيّ خوفّ أنّه سوفّ يصبحّ مديراّ بعدّ جدّه ، هـذاّ .. هـذاّ لاّ يصدقّ، رفـعّ الملفّ بّسرعة و بخـطّوات متوترةّ قطعّ مسّافة جناحّه خلالّ دقيّقة،
اتجـهّ إلىّ مكتبّ جدّه مسّرعا ثمّ فتحّ البابّ بأقصى قّوته ، دّخلّ ليجدّ بيترّ يّحتل مكتبهّ بهدوء و بينّ يدّيه ملفاتّ عدةّ يستعدّ لتوقيعهاّ لماّ رأىّ
تـّصرف كايلّ الغريبّ توقفّ عنّ ما كانّ يّفعله لينـظرّ إلىّ حفيدّه و علاماتّ الاستغرابّ تعّـلوا وجههّ فمنذّ حادثةّ فلادميرّ لمّ يّأتيّ أحدّهما لهّ
، كادّ أنّ يسأله لولاّ أنّ كايّل دفّع بكومةّ المقاّلاتّ تلكّ إلىّ جـدّه واضعاّ إيّاها أمامّه قـّال بّنبرة حـّادة
ـ ما هـذاّ جديّ ؟
رفعّ الجدّ حاجبه بّإستنكارّ ثمّ أمسكّ بّمقالة ماّ بينّ يديّه لكيّ يشحبّ وجههّ تماماّ فّيصبحّ كأنهّ خاليّ منّ أيّ دماءّ ، أمسكّ بّقلبه الضّعيفّ غيرّ
قادرّ على احتمال الأمرّ و أخـذّ يّستنشقّ كميةّ معتبرةّ من الهواءّ كيّ يّهدأ نفسهّ عنـدّما عـّاد كايلّ يتحدثّ بكلّ غضبّ
ـ لقدّ سألتكّ عنّ محتوى هـذّه الأوراقّ ؟ ما هذه اللغة ؟ جديّ يستحسن بكّ أن تخبرني بالحقيّقة
نـظرّ الجـدّ بّصّدمة واضحـّة إلىّ تلكّ المقّالة التيّ احتوتّ على صّورة لنايتّ و هو بالّثامنة عشرّ من العمرّ ، شّعر أسودّ حريريّ و بشّرة
بيضّاء صّافية مـعّ عينينّ حـّادتينّ ذاّت فّطنة و ذّكاءّ تعّلوا شّفتيه ابتسّامة سّاخرة ، حينهاّ كادّ أنّ يغمى علىّ بيترّ فّكيف وصّلت أخبارّ مثلّ
هذه إلىّ كايلّ ؟ لمحّ تلكّ الرسّالة الحمراءّ الصّغيرة ليّقرأهاّ بعدم استيعاب ، ما هـذاّ ؟ هلّ هناكّ شخصّ يستهدفّ نايت ؟ فكـّاد كايلّ أنّ
يصيّح مجدداّ معرباّ عنّ انزعاجه عنـدّما قّال الجدّ بعصبية باّلغةّ
ـ منّ أعطاكّ هذاّ الملفّ كايّل؟ أخبرنيّ فوراّ ،
زفّر كايلّ بكلّ غيضّ ثمّ هز كتفّيه دّلالة علىّ عدمّ المعّرفة ليمسكّ الجدّ رأسه بّقلة حيّلة و آثارّ الدّهشة لاّ تزالّ على محيّاه ، إنّه الوحيدّ
الذيّ بجاّنب نايتّ يّعلم مدىّ خطورة هـذّه المقاّلاتّ فلو انتشرت هناّ بإنجلترا لرّبما قدّ تنتهيّ سيّرته المهنيةّ فيّ ظرفّ ثّانية ، هلّ يعلمّ نايتّ
بهذاّ ؟ حاولّ أن يتمالكّ أعصّابه فالتزم الصمتّ لعدةّ دقّائق ، ثمّ تـحدثّ بنبرةّ هـّادئة خافّتة
ـ كـّايلّ عدنيّ أنهّ و مهماّ تطلّب الأمرّ فإنكّ لن تستخدمّ أبداّ هذّه الوثائقّ ، أنـّا أعلمّ أنكّ لست علىّ وفاق معّ نايتّ لكنّ أرجوكّ مهماّ حدثّ
فّلاّ تستخدّمها لأنكّ لو فّعلتّ .. أرجوكّ
اتسعتّ عينايّ كايلّ بّعدم تصديقّ فجدّه بّوقاره بّكرامته العّالية و بّفّطنته السّريعةّ يترجاه هوّ فقطّ لأجلّ نايتّ ؟ هـذاّ يجّعله يّسعى لمعّرفة ما تّخبأه
هذّه الوثائّق أكثرّ و أكثرّ فإصّراره الشديدّ علىّ إخفاءّ الأمرّ أيقضّ شيئاّ كانّ كايلّ دوماّ ما يتّجاهله لطّبيعته اللامبّالية ، مـاضيّ الذيّ يّقبع خلفّ
نايتّ أسّراره كلّها لاّ يعلمهاّ غيرّ أنهّ ابن سكارليتّ عمته أيضّا أنّ والدّه قدّ توفيّ فّلا شيءّ آخرّ ، لذلّك جذبّ كايلّ كرسياّ إلىّ الأمامّ و جلسّ عليه
واضّعا قدّما على الآخرى لتعلواّ الجديّة مّحياه ، أسندّ ذّراعيه علىّ ركبتيه و قـّال بّنبرة بّاردة
ـ جديّ إنّ لم تقّنعني فّسوف أكونّ أناّ من ينشرّ هذه المقّالات على الانترنيتّ فوراّ ،
عـّاد الصّمت يّعم المكانّ إذّ أنّ تّردد الجد بدى واضحاّ فّتنهدّ بّقلة حـيّلة مجدداّ إذّ أنه لا يملك خياراّ آخراّ ، ليناديّ بّصوته على سوزي فإقتربتّ
الآخيرة و أغلقتّ بابّ المكتب خلفهماّ لتقفّ أمامهّ فيّ الرواقّ مراّقبة بعينينّ فّطنتين الخـدّم ، حكّ الجدّ جبهته ثمّ قّال بّأسى
ـ فقطّ عدنيّ كايلّ أنكّ ستكونّ إلىّ جانبّه إنّ وافتنيّ المنيةّ، أرجوكّ سوفّ يحتاجّ إلىّ الكثيرّ من الأشخاصّ لجانبهّ إنّ أرادّ أنّ يمضي بّمستقبلّه ..
تّردد كايلّ فيّ إبداّء موافقتّه لكنّ تلكّ النـظرّة اليّائسة و الحـّزينة التيّ علتّ ملامحّ وجّه جدّه أجبّرته علىّ الموافقّة ، فّتنهدّ بيترّ بّآهةّ مليئّة بشّتى
أنواعّ الألمّ ثمّ ألقىّ بّعينيهّ علىّ نـّافذته الواسّعة التيّ احتلت الجدارّ بأكمله ، لمّ يكنّ ليتخيلّ أبداّ أنهّ و فيّ هـذاّ العمرّ سّوف يجبرّ علىّ محـّاربة
مجدداّ .. لمّ تعدّ يدّيه تقوى علىّ حملّ أيّ شيءّ فكيفّ له أنّ يحميّ حفـّيده العّزيزّ ؟
بينماّ و خلفّ ذلّك الباّب كانتّ سوزي تّقف بّكل صّرامة فيّ حينّ أنهاّ تراقبّ الرّواق بّعينينّ حادتّين عندّما لمحتّ إليزابيثّ بطّلتها السّاحرة
كعاّدتها تّقدمتّ نحوهاّ فكشرتّ سوزيّ معربةّ عنّ عدمّ رضاهاّ لتّتحدثّ إليزابيثّ بنبرةّ متكبرةّ كونهاّ الآنّ تتكلمّ معّ شخصّ أقلّ مستوى عنهاّ
ـ ابتعدي دعيني أمرّ ..
نظرتّ إليهاّ سوزي مّن أسفلّ قدميهاّ إلىّ أعلى رأسهاّ بنظراتّ مستفزةّ مثيرّة للأعصابّ ثمّ ابتسمتّ بكلّ سخريةّ لتثبتّ قدميهاّ أكثرّ على الأرضّ
كأنهاّ لمّ تسمعّ كلماتّ إليزابيثّ منذّ قليلّ مماّ جعلّ الأخيرّة تشعرّ بالإهانةّ العّميقة فكشرتّ عنّ أسنانهاّ لتـظهرّ شخصيّتها الحادةّ قّائلة بّكل عصبيةّ
ـ أيتهاّ السّافلة لقدّ أمرتّك بالإبتعادّ لذاّ غادريّ قبلّ أنّ أطرّدك
تجاّهلتهاّ سوزيّ فّرفعت إليزابيثّ يدّها لتصّفعها عنـدّما أمسكتّها سوزيّ بكلّ خفةّ ثمّ أداّرتها لخلفّ ظهرهاّ بّعدها ثّبتتها علىّ الجـداّر فّصّرخت
إليزابيثّ بّألم و هي تشعرّ بذّراعها تطّحن تحتّ آثرّ ضغطّ سوزيّ التيّ اقتربتّ منهاّ أكثرّ لتهمسّ فيّ أذنهاّ بّنبرةّ بّاردة
ـ أنـّا أيتهاّ السّافلة لاّ أخضعّ لأوامرّ غيرّ تلكّ التيّ يطلّبها سيدّ نايتّ أوّ السيدّ لبيرّ لذّلك لاّ تحاوليّ تهديديّ فّأناّ و كماّ ترينّ
الآن أناّ أفقدّ أعصابيّ بسّهولة .
دّفعتهاّ جاّنبا و عـّادت تقفّ أمامّ الباّب كماّ لو كأنّ شيئا لمّ يكنّ مما جّعل إليزابيثّ تندهش لذّلك ابتعدتّ قّليلاّ إلىّ الخلفّ و عـّادت أدّراجّها بالفّعل
فّسوزي لاّ تخضّع لأوامرّها و كذلّك فرانسواّ لكنّ أن تّقدم علىّ تّصرف مثّل هـذاّ يجعلها تتسّاءل إن كانتّ سوزي بالفعلّ مجردّ خادمة أمّ أكثرّ من هذاّ ؟
توقفّت فجأةّ مترددةّ إذّ أنهاّ إنّ لم تدخل الآن إلىّ مكتب الجدّ فربماّ لن تّعلم ماّ الأسّرارّ التيّ تخبأهاّ تلكّ المقّالات لكن تواجدّ سوزيّ هناكّ يمنعهاّ
، زفرتّ بّعصبيةّ و غـّادرت مسّرعة لا بأسّ سوفّ تلحّ على كايلّ ليخبرهاّ عنّ تلكّ الأسّرار ماّ إن يّعود .. ابتسمتّ بكلّ غرورّ بالطّبع فّهو لنّ
يرفّض لهاّ أيّ طلبّ، إنهاّ ملكـّته
بّعد رّحيلها زمتّ سوزيّ شّفتيها بّكل غيضّ كم تمنتّ أنّ تكسرّ ذّراعها فيّ تلكّ اللحـّظة منّ الجيدّ فعلاّ أنهاّ تمالكتّ أعصّابها ، حكتّ جبّهتهاّ بّتوترّ إذّ
ماّ علم فرانسواّ فسوفّ يّصرخ و يصّرخ حتىّ تّصابّ بالصممّ إذّ أنهما الحـّرس لاّ يسمح لهمّ بّممارسةّ أيّ حركةّ عنيفّة ضدّ أيّ شخصّ إلاّ لغّاية
الضّرورة أوّ لحمايةّ سيدّهم ، هزتّ كتفيهاّ بلا مبّالاة فلاّ بأسّ لنّ يعلم لأنهّ ليسّ هناّ ..

/

كـّانت فلورا روبرتّ تجلسّ بكلّ هدوء علىّ الكرسيّ بينّ يدّيها يوجدّ كتـّاب ماّ باللغـّة الفّرنسيةّ يتحدثّ عنّ الشـعرّ و أنواّعه إذّ كـّان
ملكاّ لّماريّ أختهاّ أمـّامها سيدةّ فرانسيسّ التيّ تحضرّ القـّهوة بّنوع من الهدوءّ حينماّ رنّ جرسّ شّقتهاّ لكيّ تتقدّم الآخيرةّ ببطّء شديدّ نحـّوه ،
وضّعت يدّها على المقبضّ و أداّرته لتجدّ كليرّ تّقف بأنـّاقتها و شّعرهاّ الأشقرّ الطّويل مموجّ مرّفوع علىّ شكلّ ذيلّ حصّان فّأثّار الأمرّ استغرابّ
فلورّ إذّ أنّ كليرّ دوماّ ما تفادت مواجّهتها لكنّ هاهي الآن تقفّ أمامهاّ دونّ مبالاّة لذّلك اعتقدتّ أنّها هناّ للبحثّ عنّ أخيهاّ فقـّالت بّنبرة جـّافة
ـ أنـّا لاّ أعلمّ مكانّ آرثرّ فّلا فائّدة من سّؤاليّ ،
ثمّ تركتهاّ بّكل بّرود لتعـّود كيّ تجلسّ علىّ الأريكـّة حينّ دّخلت كليرّ منّ بّحلتها البّهية و حـّضورها الطاّغي المشٍّرق تّضع نـّظارتين و سـّاعة
رولكسّ غـّالية الثّمن فّزمتّ فلورا شّفتيها بّتعاسّة مفكرّة لوّ أن كليرّ تّعطيّ القليل من المالّ لأخيهاّ لكان هـذاّ أفضلّ لهم جميعاّ و لّعله كان قدّ
استطاعّ أنّ يّبدأ مشروعه ، لماّ رمقتها كليرّ ببرودّ لولاّ أنها توقفت لوهلة حيثّ بدى عليهاّ الترددّ الشديدّ ، بّعد فترةّ تحدثتّ بنبرةّ متوترةّ مرتبكّة
ـ هـذاّ ليسّ من عـّادتيّ و أناّ لاّ أهتمّ فيّ الكثيرّ من الأحيّان لكنّ فجأةّ وجدتّ نفسيّ قّلقة لذاّ أرجواّ..
أخـذتّ نفسّا عميقاّ حيثّ قدّ إحمرتّ وجنتيهاّ من الخـجلّ لتشعرّ فلورّ بّقليل من الدّهشة فّإعتدلتّ فيّ جلستهاّ محاولةّ الإنتباهّ لحديثّ كليرّ
و أشـّارت لهاّ أنّ تجلسّ مقّابلة لهاّ بينماّ كانتّ فرانسيسّ تّراقبهماّ بكلّ حذرّ بطرفّ عينهاّ ، تحـدّثت كليرّ بّإحراجّ
ـ أنـّا أعلمّ أنهّ لا يحقّ ليّ أنّ أسّأل لكّن.. هلّ ماريّ بخيرّ ؟ فهيّ لمّ تعدّ تأتيّ للمحاضّرات و الكثيرّ من الأساتذّة يّتساءلون عنّ حالتهّا بعدّ
حفّلة فلادميرّ ،
نـظرتّ إليهاّ فلورّ بّحدةّ حالماّ ذّكرت إسمّ ماريّ على لسانهاّ لكنّ سّرعان ماّ ارتسمتّ صّفات الحزنّ و الألمّ عليهاّ إذّ تذّكرت أنهّ لم يتسنى لهاّ
وداعّ أختهاّ تمنتّ لوّ رأتّها لّثانية فقطّ لكنّ يبدواّ أنهاّ دوماّ متأخرّة خـطّوات للخلفّ ، لماّ لاحظتّ أنهاّ تأخرتّ فيّ الـردّ سّارعت
بالإجاّبة بّنبرة هـّادئة مبحوحةّ
ـ ليسّ تماماّ، إنهاّ مقعدةّ لا تستطيعّ السيرّ فكيفّ لها أنّ تكون بخيرّ ؟ و أعتقدّ أنهاّ سّوف تّدرس عنّ بـعدّ بطّريقة المرّاسلة أوّ شيءّ من
هذاّ القـّبيلّ لكنّ لماذاّ تسألين ؟
أومـأّت كليرّ بالإيجـاّب دّلالة على أنهاّ تتفهمّ سببّ عدمّ رغبة ماريّ فيّ الـعودةّ لمقـّاعد الدّراسة ، هيّ مقعدةّ فيّ النهـّاية و أنّ ترى نفسهاّ
عـّاجزة أمامّ جميـعّ زملاّئهم شيءّ مثيّر لشّفقة فّهزت كتفيهاّ و قـّالت
ـ هـكذاّ فقطّ ، لقدّ سمعتّ أنكّ قمتّ ببيعّ منزلكمّ لأخيّ ؟ هلّ هـذاّ صحيحّ ؟
زفـّرت فلّور بّحدةّ إذّ أنهاّ تكرّه أنّ يتدّخل أحدّ فّشؤونهاّ و بهـذّه الفّترة يوجدّ العديدّ من الأشخاصّ الذّين يحشّرون أنوفهمّ فيّ حيّاتهاّ كّويليام
مثّـلاّ و آرثرّ أيضاّ إلىّ جـّانب أخـّته كليرّ ، لكّن بالّرغم منّ ذلكّ أومأتّ بالإيجـّاب علىّ سّؤالهاّ و حـّملت آلة التحكمّ عنّ بعدّ بين أناّملها لتديرّ
القنواتّ بكلّ مللّ فّتّقدمت كليرّ أكثرّ و جـّلست بجّانبهاّ ، تنحنتّ لوهلةّ من الزمنّ غيرّ قاّدرة على التخلّص منّ خجلّها ثمّ قـاّلت بّتردد
ـ فلورّ ، أنـّا لاّ أعلمّ كيفّ أخبركّ بهذّا لكـنّ ..
نـظرتّ إليهّا فّلورا بّنظرّاتها النـّارية المشّهورة التيّ تنبّأ بّإقترابها الشديدّ من فقّدانها لأعصّابها فّحـّاولت جاّهدةّ أنّ تّحافظّ على هدوئهاّ و
هي تستمعّ لحديثّ كليرّ التيّ تجرأتّ بالّرغم من العدّاوة التيّ بينهماّ إلىّ طلبّ المسّاعدةّ بلّ حتىّ أنّ تظهرّ أمامهاّ ، هلّ نستّ من تكون
فلوراّ روبرت ؟ هزتّ فلور رأسهاّ نفياّ لتطرّد هذه الأفكارّ السوداءّ و حـّاولت التركيزّ لتقولّ كليرّ بّنبرة مرتبكةّ
ـ أنتّ تذّكرين أنكّ قلتّ بأنكّ سوفّ تساعدّين آخي على العودةّ للمنزلّ من أجلّ معرفّة مكان والدّتك ؟ و بماّ أنّك قدّ نـفذتّ وعدّك و قدّ صّار
آرثرّ جاّهزا للعـّودة إلىّ المنـزلّ أريدّ أنّا أيضاّ أنّ أفيّ بوعديّ ..
وضـعّت فرانسيس صّينية الشّاي علىّ المـّائدة و قدّمت واحدّا لكليرّ إذّ أنهاّ شعرتّ بمدى توترّ الجوّ حالما ذّكرت كليرّ على لسانهاّ والدّة
فلوراّ فّجلست بجانبهاّ مسّتعدة لسماعّ الاسوءّ عنـدماّ قـّالت كليرّ بّتردد أكبرّ
ـ فلورّا ربـماّ سوفّ تكذّبين مّا أتفوه بهّ لكنّني أقسمّ أننيّ أقولّ الحـّقيقة و لاّ شيءّ غيرّ الصدّق ، فـّلورا والدّتك سيليا يبدوا أنهاّ كانتّ تعيشّ
طّوال فّترة تركهّا لكماّ هنا لكنّ و بـعدّ أنّ إنتهى زفافّ ماريّ غـّادرت إنجلترا نهاّئياّ و بّصّراحة نحنّ لا نعلمّ أين هيّ
رفـعتّ فلور حاجبّها بسخريةّ فلاّ أحدّ يفوقّ والدّتهما أنانّية بلّ غباء كيفّ لها أنّ تتركهماّ بّهذه المحنةّ ؟ بالتفكيرّ في الأمرّ فحتىّ بّعد أنّ
احتلّ خبرّ عدّم قدرةّ ماري على سيرّ و الحروقّ التيّ أصابتّ قدّميها الجّرائدّ إلاّ أنهاّ لمّ تّقم بالإتصال لذاّ هي تّوقفت عنّ البحثّ عنها منذّ مدةّ
ليسّ لأنهاّ استسلمتّ بلّ تيقنتّ إذّ كانتّ والدّتهما تحبّهما فّعلا فلنّ تتركّ جانبّ والدّهما منذّ البدّاية فّهزت فلورا كّتفيهاّ دلالة على عدمّ الإهتمامّ
و هي تتحدثّ بكلّ تهكم و نبرةّ جـّافة
ـ منّ يهتمّ ؟ و إنّ كانتّ وجّهتهاّ هي الجحيمّ نفسهّ فلن أهتمّ ، حسناّ شكراّ على إخباريّ لكن كماّ تريّن لقدّ توقفتّ منذّ زمنّ عنّ محاولةّ البحثّ عنهاّ ،
هيّ لا تستحقّ قطّرة من تعبيّ
نـظرتّ إليهاّ كليرّ بدّهشة لكنهاّ تمالكتّ نفسهاّ ثمّ وقفتّ لتّشكر سيدّة فرانسيسّ على الشايّ و لإستقبالهاّ أيضاّ بّعد ذلّك غـّادرت بّخـطّوات هـّادئة
مـطّمئنة الآنّ نفذتّ دّين فلوراّ نحوهمّ و الآن فقط تستطيعّ أن تطّمئن على مسّتقبلّ عـّائلتها فّآرثر سوفّ يعودّ بالّرغم منّ أنها تشعرّ بالقليلّ من
الشّفقة نحوّ عـّائلة روبرتّ التيّ و طـّوال فترةّ عّيشها لمّ تعرفّ السّعادةّ فمنّ تّرك سيلياّ لهمّ إلىّ غـّاية إصّابة جوناثانّ بسرطاّن الدمّ و محاولتهّ
اليائّسة فيّ تأمين مسّتقبلّ ابنتيه ثمّ و أخيراّ عجزّ ماريّ و فقدّانهم لمنزلهمّ الذيّ لطالماّ احتواهم ،
فيّ حينّ زفّرت فلورّ بكلّ غيضّ لتّغـّادر هيّ الأخرى المبنى و قدّ وضعتّ سماعاتّ على أذّنيهاّ مشّغلة الموسيقىّ دونّ أن تـأبهّ لكميةّ المّعلومات
التيّ قدّمتها كليرّ لهاّ عنّ والدّتهاّ سيليا ، أخذتّ تسيرّ في الطـّرقاتّ دونّ مبّالاة و يديّها فيّ جيّبها مفكرّة .. لاّ تصدقّ أنهاّ قامتّ ببيع منزلّ والدّهم إلى
آرثرّ الـرجلّ الذيّ تـكرّهه ، لكنّها تّحاول مّواساة نفسهاّ و ذلكّ بّجعلها تّظن أنّ آرثرّ قدّ عـّاد لّشخصيته القّديمة ، ذلكّ الـرجّل اللطيفّ المحبّ
لعـّائلته الذيّ كانّ صديقاّ لها فيّما مضى لكنّ و بالّرغم منّ أنهاّ تصدقّ تغيّره إلا أنّ هناكّ شيءّ يثيرّ قّلقهاّ ، أيّعقلّ أن كلّ هـذاّ الألمّ و القلقّ الذيّ
تشعرّ به فقطّ لأنه لم يتسنى لهاّ وداعّ ماري ؟
شّتمتّ بنـّبرة حـّادة محدّثة نفّسها فكيفّ لها أن تكونّ بهاّ الضـّعف ؟ أيّن اختفت فلوراّ المرأةّ الصّلبة التيّ تدافعّ عنّ عـّائلتها دون كلّل أو مللّ ؟
فجأةّ لمحتّ سيّارة ويّليامّ قـّادمة فوقفتّ أمامّه ملّوحة لهّ ليّضغط على الفّرامل بّكل قّوة ، وضـعّ ويّليام يدّه على قّلبه بكلّ ذّعر بينماّ تمسكّ أوسكارّ
الذيّ كان يجلسّ بجانبه بالكرسيّ و ملامحـّه كّانت لا تّقدر بثمنّ ، حينّ تقدّمت فّلورا منهماّ فتحتّ البّاب بلا مبّالاة و حّيته قـائلة
ـ ويلّ لقدّ أتيتّ فيّ الوقت المناسبّ ، أريدّ منكّ أن توصّلني إلىّ مقّر عـمليّ
لفترة من الزمن بّقي ويليام على حاله ممسكا بّقلبه و وجـهه شّاحب جداّ حتىّ استدارّ ناحيّتها راسمّا على شّفتيه ابتسـّامة مرتبـكّة
لكنهاّ جـذّابة فيّ نفسّ الوقتّ ، أشـّار على المقعدّ الخلفيّ بّإصبعّ مرتجف و قالّ
ـ بالطـّبع تفضلّي
بينماّ وضـعتّ فلورا ذّراعها علىّ سقف السّيارة بحركةّ صبياّنية لا مبّالية و هي ترمقّ أوسكارّ المندّهش بّنـظرّات حـاّدة نارّية ، أيـعقلّ أن يتعرفّ
ويليام على أشخاصّ مثلهاّ ؟ إنهاّ مجنونة بالكاّمل فقدّ رمتّ نفسهاّ أمامّ سيّارة ؟ لكنّ و من النـظرّ إليهاّ فّهيّ لا تّبدوا عـّاقلة تماماّ ، أيضاّ كيفّ
لوليامّ أن يتعاملّ معها بهـذّه الطرّيقة ؟ كماّ لو كأنّ شيئا لمّ يكن ؟ فتحدثّت فلور بحدةّ
ـ يّا رجلّ ماذاّ بك تتصرفّ مثلّ الفتيات ؟
قطبّ أوسكارّ حاجبّيه بغيرّ رضا و كادّ أنّ يردّ عليهاّ لولاّ أنّ ويّليام أمسكّ بمّعصمهاّ لّيقودّها ناّحية المقعدّ الخلفيّ مثلّما أشّار سابقاّ فدّفعهاّ
و أغلقّ البابّ خلفهاّ ليّعودّ إلىّ مكانه ، أدارّ السّيارة متجهاّ إلىّ مقرّ عملهاّ عندّما توسطتّ فلورّ المقاعّد و جذبّت أوسكارّ منّ حلقّه الموجودّ فيّ
أذنه فصّرخ متّألماّ و إلتفت ناحيّتها صّارخاّ بّقهر
ـ ماذا تّريدين ؟
أخذّ ويليامّ يقودّ بكل تّوتر فّتصرفاتّ فلورّ غـّريبة منذّ أنّ غاّدرت ماريّ و هي على هـذّه الحـّال ، حينماّ اقتربتّ فلورّ من وجـهّ أوسكارّ أكثرّ
و رسمتّ على شفتيهاّ ابتسامة حـّاقدة
ـ ذلّك مكاني الذيّ تجلسّ عليه، إنه ملكي
استنكرّ أوسكارّ ردّة فعلها و نـظرّ إلىّ ويليامّ الذيّ يشيرّ له بأنّ لاّ يأخذّ كلامها على محملّ الجـدّ فّيبدوا واضحاّ له أنّ فلور تّبحثّ عنّ الشجـّار
لاّ غـيرّ ، إنهاّ تّريد الحـّصول علىّ شيءّ تفرغّ فيهّ حزنها و ألمهاّ حيثّ و خـّلال هـذاّ الأسبوعّ صّارتّ فلور تّعود متأخرةّ للمبنى تّدخل إلىّ شقته
بلاّ مبالاةّ ، بلّ حتىّ أنهاّ قامتّ بلكمّ موصلّ البريدّ لإزعاجّها فيّ الصباحّ الباكرّ و لو لمّ تكن فرانسيسّ هناكّ لّصار الحيّ حلبّة مصّارعة ،
بعّد مرورّ نصفّ سّاعة تّوقفّ ويّليام أمامّ مقّر عملّ فّلورا فّنزلتّ الأخيرّة منّ السيّارة بملامحّ بّاردة ، نـظرتّ إلىّ أوسكارّ الذيّ لاّ يزالّ
يّرمقهاّ بّكل حدةّ فّرفعّت حاجبهاّ دلاّلة علىّ رغّبتها الشديدةّ فّلكمه لّيديرّ أوسكارّ رأسهّ متأفّفا ، اقتربت فلوراّ من ويّليام و ربتتّ على كتفه
بكلّ سخرية قّائلة
ـ اعتني بّحبيبتكّ جيداّ قّبل أنّ تنقضّ عليناّ حسناّ ،
ثمّ استـدارتّ راحـّلة غيرّ مبّالية بينماّ تنهدّ ويليّام بأسىّ ، متىّ سوفّ تعودّ إلىّ رشدّها؟ متىّ ستكفّ عنّ إثاّرة الصخبّ فيّ كل مكان تذّهب إليه ؟
نـظرّ إليهاّ لوهلةّ من الزمنّ و هي تعبرّ الطريقّ بّبرودّ فجأةّ استدارت ناحيّته لتّرمقـّه بنظراتّ غّامضة لمّ يستطعّ أنّ يجدّ لهاّ تفسيراّ ثمّ
رفعـتّ يدّها ملوحـّة له بّالوداعّ ،
بينماّ شـعرّ ويليامّ بّيأسّ شديدّ تنهدّ ويليامّ بأسى حالماّ إختفتّ فلوراّ من مرمى عينيهّ ليّضع رأسه علىّ المقودّ بّقلة حيّلة ، فتاتيّ روبرتّ تثيرّان
جنونهّ فـّأحدّهما ضّعيفة لدرجّة الهشـّاشة يّخافّ عليهاّ منّ ملمسّ القطّن الناّعم بينماّ الآخرى مجنونةّ تّفقدّه عقّله مندّفعة بكلّ ما أوتيتّ من قوةّ
لاّ تأبه منّ عدوهاّ حتىّ لو كانّ رئيسا و بالّرغم منّ قوتهاّ المثيرّة للإعجابّ إلاّ أنه يجدّ نفسّه قّلقاّ عليهاّ ، ماّ الأمرّ معّ عـّائلة روبرتّ ،
ما الذيّ يتوجبّ عليه فعله ؟ لإنقاّذهما ؟





برديس likes this.

ــــــــ

/

بّعد مرورّ أسبوعّ آخرّ كانّ ذلكّ الرجلّ ذّو الملامحّ الحـّادة و الابتسّامة السّاخرة ممسكاّ بين يديّه بّجريدّة اليومّ قدّ عـّلاهاّ عـّنوان واضحّ
واحدّ حازّ على إهتمامّ جميعّ رجالّ الأعمالّ فيّ كل أنحاءّ العّالم ، اليـّوم تماماّ سيّقوم مجلسّ الإداّرة باستدعاء جميعّ مدراءّ فّروع لبيرّ بّخارجّ
لندنّ لإجّراء لمحةّ مستقبليةّ عنّ رئيسّ القاّدم الذيّ سيّقود فـّروع لبيرّ بأكملهاّ ، ضحكّ بكلّ قوةّ عندّما دّخل أوسكـارّ إلى الغـّرفة نـظرّ إليهّ بّقلة
حيّلة ثمّ هزّ رأسه نفياّ على حالّة ديميتري الذيّ قدّ أصيبّ بالجنونّ و تـّركه وحـدّه كيّ يّغادرّ فوراّ ، عنـدماّ تحدثّ ديميتري بّضحكة
ـ أوسكارّ ، متّى ستقاّم حفلتكّ الخاصّة و أينّ ؟
تنهـدّ أوسكارّ و عـّاد أدّراجه ليجلسّ بكلّ هدوء أمـّام ديميتريّ الذيّ لاّ يزالّ مبتسماّ بّسعادةّ ، للمرةّ الأولى يحدثّ شيءّ جيدّ لهّ كمّ يتمنىّ أنّ يرى
ملامحّ نايتّ الآنّ ، سوفّ ينتـظرّ دّقائق آخرى ثمّ سيضغطّ على زرّ الإرسّال و حينهاّ سيدمرّ نايتّ بكلّ تأكيدّ ، قّال أوسكارّ بهدوء
ـ فيّ لوس أنجلوس على ماّ أظن و بّعد يومينّ من الآنّ لكنّ ديميتريّ ألاّ تظنّ أنك تتسّرع فيّ قّراراتكّ ؟ دعّ نايتّ و شـأنهّ لهذه الفترةّ
رمـّقه ديميتريّ بّحدةّ دّلالة على أنّ كلامه لمّ ينلّ إعجـّابه فّكيفّ له أنّ يتركّ نايت الآن بّعد أنّ أصبحّ فيّ قبضته ، كلّ ماّ عـّليه فعـّله هوّ إخراجّ
أوراقه إلىّ العـّلن و حينهاّ ستنتهيّ حـّياة نايتّ حرفّيا و بكلّ ما تحملّه منّ معنىّ خصوصاّ أنّ كايلّ ّ يّريد أنّ يّأخذّ منصّب مديرّ لبيرّ بجّانبه ،
زوجـّته مقـعدةّ لا ّتقدر على الحـرّكة و حتىّ صدّيقه ويليّام لنّ يّقدر على فّعل شيءّ ليمنعه منّ تدميرّ نايتّ هـذّه هيّ اللحـظةّ المناسّبة الذيّ
أنتظرهاّ منذّ أمدّ بعيدّ ، بينمـّا حدقّ أوسكاّر بّه دونّ رغـّبة فيّ الاستمرار بالحـديثّ معه إذّ أنّ ديميتريّ عـنيدّ و لاّ يصّغي لهّ لكنّه بالّرغم منّ
ذلكّ تكلمّ بنبرةّ جـّافة ،
ـ حسناّ قدّ تكونّ محقّا ، قدّ تدمرّ نايتّ بّضغطكّ على هـذاّ زرّ لكنّ هلّ فعلا ستدمرهّ ؟ كأنكّ لاّ تعلمّ من هوّ لذّلك دّعني أنعشّ ذاّكرتكّ قّليلاّ ، نايتّ
لاّ يباليّ بّعائلته فّعلا و لاّ يهتمّ للأشخاصّ الذّين حولهّ إنهّ فقطّ يريدّ الوصول إلىّ هدفه مهماّ بّلغ الأمرّ من تّضحياتّ هلّ نسيتّ أنهّ الوحيدّ الذيّ
استطاعّ اختلاس أموالّ ماكاروفّ ، تدميرّ سّمعتهاّ و قّـتلّ ..
قـاّطعه ديميتريّ بّنبرة عـّاليةّ هـزتّ أركانّ الـمنزلّ بأكمله ، كيفّ لاّ و هو يهينه بّهذه الطرّيقة السّخيفة ؟ هلّ يظنّ أن نايتّ يّقارنه ؟ هـذاّ مستحيلّ ، ..
ـ قّلها و صدّقني أوسكارّ سّوف أضّع نصّب عينايّ
رّمقه أوسكار بنظرات بّاردة غيرّ مبالّية لّعصبيته المفّرطة كلماّ تمّ ذّكر إسمّ نايتّ و أفعاله علّى لسانه هوّ لكّنه تجاّهل غّضبه الغيرّ مبرّر بالنسبّة
لهّ لأنهّ لمّ يقلّ شيئاّ يستحقّ كل هذّه العصبيّة فيّ نظره ثمّ وضعّ ذرّاعه علىّ ركبّتيه بّهدوءّ ليتحدّث مجدداّ
ـ أستمع إليّ ديميتري أناّ لا أقصدّ الإسّاءة إليكّ إذّ أنكّ تعلمّ جيداّ أننيّ بجانبكّ لكنّ ألاّ ترى أن نايتّ غريبّ نوعاّ ما ؟ فّهو بالّرغم منّ أنكّ حاولتّ
قّتل ماريّ عدةّ مراتّ و جّعلتها مقعدةّ بلّ هاجمته عبرّ شركةّ جونسونّ لكنه يبدواّ غيرّ مبالياّ و حتىّ الآنّ لمّ يّبادر بّهجومه المضّاد ، أليسّ هذاّ غريباّ ؟
قطبّ ديميتريّ حاجبّيه بعبوسّ مخيفّ بعدّ تمعنّ فيّ كلامّ أوسكارّ يبدواّ محقاّ إذّ أن نايتّ لمّ يبدأ التحركّ حتىّ الآنّ و هـذاّ على غيرّ عـّادته فّهوّ
دوماّ ما كانّ يردّ الصّاع صّاعين ما دامّ الحديدّ حامياّ لكنهّ صّامتّ و ساكنّ لا حـّركة لهّ ، أهـذا ّفعلا نايتّ ؟ ربماّ صّار ضّعيفاّ .
تنهدّ و نـظرّ إلىّ النـّافذة ثمّ رمىّ بّهاتفه النّقال علىّ مكتبه ، حسناّ سوفّ يؤجلّ خطّوته القّادمة فقطّ ليرى ما الذيّ سيفعله نايتّ ليتصّدى لهّ لذلّك
و حاليّا فقطّ سيكتفيّ بتهديدّه ، عـّاد يّتنهدّ بكلّ كرهّ إذّ أنه يحتاجّ إلىّ محفزّ قّوي يثيرّ أعصابّ نايتّ و يّجعله يّنقادّ إلىّ لعبته هو ، لذّلك همسّ
ديميتري مجدداّ بّهدوء
ـ أقلتّ أنّ رحلتكّ بـّعد أسّبوعين ؟ جيدّ
لينهيّ كلامهّ بإبتسامةّ خبيثّة ماكرةّ ، خـّلال هـّذين الأسبوعينّ سيكشفّ أوراقّه الضّروريةّ علىّ الطـّاولة و لسوفّ دونّ رغبته سيتحركّ
ذلكّ الشابّ الجليديّ ، سيكسرّ فّولاذّ أعصّابه الباّردة . فقطّ لينتظرّ و يرّى كيفّ سوفّ تقلبّ حيّاته رأسّا على عقبّ ،

آنتـهىّ ـ

__________________
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:54 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011