عيون العرب - ملتقى العالم العربي

عيون العرب - ملتقى العالم العربي (https://www.3rbseyes.com/)
-   روايات طويلة (https://www.3rbseyes.com/forum29/)
-   -   فخامة : ضننتك احببت حدادي حين كتبت لي الاسود يليق بك ; لاحلام مستغانمي (https://www.3rbseyes.com/t491893.html)

KAREN 09-22-2015 04:43 PM

فخامة : ضننتك احببت حدادي حين كتبت لي الاسود يليق بك ; لاحلام مستغانمي
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/714834664.png
http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/133741467.png

اهلين رواد الروايات بالمنتدى
اول مره انزل روايه بحياتي
وطبعا الروايه عالمية
وانا كتبتها حصريا لعيون العرب
وهذي مشاركتي بمسابقه سروره الحلوة
اخترتلكم رواية الاسود يليق بك
للكاتبه المشهورة احلام مستغانمي

اترككم مع البقيه


http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/755890762.png
كاتبة وروائية جزائرية، كان والدها محمد الشريف مشاركا في الثورة الجزائرية. عرف السجون الفرنسية بسبب مشاركته في مظاهرات 8 ماي 1945. وبعد أن أطلق سراحه سنة 1947 كان قد فقد عمله بالبلدية، ومع ذلك فإنه يعتبر محظوظاً إذ لم يلق حتفه مع من مات آنذاك (45 ألف شهيد سقطوا خلال تلك المظاهرات) وأصبحت الشرطة الفرنسية تلاحقه بسبب نشاطه السياسي بعد حلّ حزب الشعب الجزائري الذي أدّى إلى ولادة حزب جبهة التحرير الوطني FLN. عملت أحلام في الإذاعة الوطنية مما خلق لها شهرة كشاعرة إذ لاقى برنامجها "همسات" استحسانًا كبيرًا من طرف المستمعين، انتقلت أحلام مستغانمي إلى فرنسا في سبعينيات القرن الماضي، حيث تزوجت من صحفي لبناني، وفي الثمانينيات نالت شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون. تقطن حاليا في بيروت، وهي حائزة على جائزة نجيب محفوظ للعام 1998 عن روايتها ذاكرة الجسد.

http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/729984723.png

الأسود يليق بكِ هي رواية للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي صدرت عام 2012

مليونير لبناني ناهز عمره الخمسين سنة أعجبته مطربة جزائرية باسم هالة الوافي في السابعة والعشرين من عمرها شاهدها السيد طلال هاشم مصادفة في برنامج تلفزيوني فقرر أن تكون له. يبدأ طلال الذي جاهد ليثري محصوله الثقافي في الموسيقى والفن والشعر إلى وضع الخطة تلو الخطة للإيقاع بهذه الحسناء التي ترتدي الأسود حدادا على مقتل والدها وأخيها خلال الاضطرابات التي شهدتها الجزائر في مطلع القرن الحالي


[/ALIGN]
[ALIGN=center][/ALIGN]
[ALIGN=center]

الاعجاب هو التوأم الوسيم للحب
كبيانو أنيق مغلق على موسيقاه،منغلق هو على سره .
لن يعترف حتى لنفسه بأنه خسرها . سيدعي انها من خسرته، وأنه من اراد لهما فرقا قاطعا كضربه سيف ،فهو يفضل على حضورها العابر غيابا طويلا،وعلى المتع الصغيرة الما كبيرا وعلى الانقطاع المتكرر قطيعه حاسمه .
لشدهرغبته بها ،قرر قتلها كي يستعد لنفسه ،وإذ به يموت معها، فسيف العشق كسيف الساموراي ،من قوانينه
اقتسام الضربه القاتلة بين السياف والقتيل .
كما يأكل القط صغاره ،وتاكل الثورة أبناءها ، ويأكل الحب عشاقه ، يلتهمهم وهم جالسون الى مائده العامره . فما أولهم لهم الا ليفترسهم لسنوات ، يظل العشاق حائرين في أسباب الفراق . يتساءلون :من ترى دس لهم السم في تفاحه الحب ،لحظة سعادتهم القصوى ؟لا احد يشبه في الحب او يتوقع نواياه الاجراميه ذلك ان الحب سلطان فوق الشبهات ، لولا انه يغار من عشاقه ، لذا يظل العشاق في خطر ، كلما زايدوا على الحب حبا.

كان عليه اذا ان يحبها اقل لكنه يحلو له ان ينازل الحب ويهزمه اغداقا وهو لايعرف للحب مذهبا خارج التطرف ،رافعا سقف قصته الى حدود الاساطير . وحينها يضحك الحب منه كثيرا ويرديه قتيلا مضربجا بأوهامه
أخذ غليونه من على الطاوله وأشعله بتكاسل الأسى.
إنها إحدى المرات القليله التي تمنى فيها لو استطاع البكاء لكن رجلا باذخ الألم لايبكي .لفرط غيرته على دموعه ،اعتاد الاحتفاظ بها .وهكذا غدا كائنا بحريا، من ملح ومال .
هل يبكي البحر لأن سمكه تمردت عليه ؟
كيفى تسنى لها الهروب وليس خارج البحر من الحياة للأسماك ؟
قالت له يوما لا اثق في رجل لا يبكي .
اكتفى بابتسامه .
لم يبح لها أنه لايثق في احد .سلطه المال كما سلطه الحكم لا تعرف الأمان العاطفي . يحتاج صاحبها إلى ان يفلس ليختبر قلوب من حوله . ان تنقلب عليه الأيام ، ليستقيم حكمهعلى الناس .لذا لن يعرف يوما إن كانت قد أحبته حقا لنفسه .
ذلك أن الأيام لم تنقلب عليه ، بل زادته مذ افترقا ثراء ، كما لتعوضه عن خساراته العاطفيه بمكاسب ماديه
هو يرتاب في كرمها يرى في إغداقها عليه مزيدا من الكيد له .
أوليست الحياة أنثى ، في كل ماتعطيك تسلبك ماهو اغلى؟
يبقى الأصعب ، أن تعرف ماهو الأغلى بانسبه اليك . وان تتوقع أن تغير الأشياء مع العمر ثمنها هبوطا او صعودا
يوم شاهدها الاول مره تتحدث في حوار تلفزيوني ،ماتوقع لتلك الفتاه مكانه في حياته ،فلا هو سمع باسمها يوما ،ولاهي كانت تدري بوجوده ،لكنها عندما اطلت قبل ايام ، كان واثقا انها تتوجه لسواه ،فما كانت ابهتها الالتحديه.
غادرت حياته كما دخلتها من شاشه تلفزيون .لكان كل شيء بينهما حدث حقا .
عزاؤه انها لا تسمع لحزنه صوتا -وحده البحر يسمع انين الحيتان في المحيطات -لذا لن تدري ابدا حجم خساراته بفقدنها هل اكثر فقرا من ثري فاقد الحب ؟
قال لها يوما بنبره مازحه حقيقه أخرى ((تدرين ..لاافقر من آمرأة لا ذكريات لها))..لم تبد قد استوعبت قوله اضاف (كانت النساء ،قبل ان توجد المصارف ،يخبئن مايجمعن على مدى العمر من النقود ومصاغ في الوساده التي ينمن عليها ، تحسبالأيام العوز والشيخوخه . لكن أثرى النساء ليست التي تنام متوسده ممتلكاتها بل من تتوسد ذكريتها )).
كانت اصغر من ان تعي بؤسامراه تواجه ارذل العمر دون ذكريات جميله
كيف لفتاه في السابعه والعشرين من العمر ، ان تتصور زمنا مستقبليا يكون فيه جليسها ماضيها ..
اوصلته عزلته الى هذه الاستنتاجات . غالبا مايعود الى وكره يرتب ذكرياته ، كما لو كان يرتب ملفاته . هو اليوم هناك ليعد خسارته .
لقد افقره بعدها .لكنه ليس نادما على ماوهبها خلال سنتين من دوار اللحضات الشاهقه، وجنون المواعيد المبهره
حلق بها حيث لن تصل قدمها يوما . ترك لها الى اخر ايامها وسادة ريش الذكريات ،ماتوسدتها إلا وطارت احلامها نحوه .فقد وهبها من كنوز الذكريات ،مالم تعشه الأميرات ،ولا ملايين النساء الائي جئن العالم وسيغادرنه من دون ان يختبرن مابقدرة رجل عاشق ان يفعل
هكذا هو مع كل امرأه أحبها ،حيثما حط رحاله ،استحال على رجل ان يطأ مضاربه .فلتحب بعده من شاءت .
مايندم عليه حقا ،ليس ماوهبها ، بل ماباح به لها لم يحدث ان ا6ستباحت اعماقه امرأه .كان غموضه إحدى سماته وصمته جزءا من اسلحته .
لعلها كانت التاسعه مساء حين رآها الاول مره .
كان في مكتبه ، قد انتهى يومها من متابعه نشره الأخبار،منهمكا في جمع أوراقه استعداداللسفر صباحا ،حين تناهى الى سمعه صوتها في برنامج حواري ليس من عادته متابعته .
كانت شظايا جمل تصله من كلمها .ثم راحت لهجتها المختلفه تستوقف انتباهه .لهجه غريبه منحدرهمن ازمه الفلامنكو،توقعك في شراك إيقاعها .
وجد نفسه في نهاية يجلس لمتابعتها .
راح يشاهد بفضول تلك الفتاه ،غير مدرك أنه فيما يتأملها كان يغادر كرسي المشاهده ويقف على خشبه الحب
لفرط انخطافه بها،ماسمع نبضات قلبه الثلاث التي تسبق رفع
الستار عن مسرح الحب ، معلنه دخول تلك الغريبه الى حياته.
الحب لا يعلن نفسه ولكن تشي به موسيقاه ،شيء شبيه بالضربات الأولى في السمفونية الخامسه للموزار
(سانتيانا)الذي قال (خلق الله العالم كي يؤلف بيتهوفن سمفونيته التاسعه))ربما كان يعني ان الله خلق هذا العالم المبهر كي لا نستطيع امام عظمته الا ان نتحول الى كائنات موسيقيه ،تسبح بجلاله في تناغم مع الكون . ماالانبهار الا انخطاف موسيقي
يذكرطلتها تلك ،في جمالها البكر كانت تكمن فتنتها .لم تكن تشبه احد في زمن ماعادت فيه النجوم تتكون في السماء،بل في عيادات التجميل .
لم تكن نجمه .كانت كائنا ضوئيا ليست في حاجه الى التبرج كي تكون انثى يكفي ان تتكلم.
امراة تضعك بين خيار ان تكون بستانيا او سارق ورود لا تدري اترعاه كنبته نادره ام تسطو على جمالها قبل ان يسبقك اليه غيرك ؟
لقد ايقضت فيه شهوه الاختلاس متنكرة في زي بستاني .
تتفتح حينا ،كاوردة مائيه ، وقبل ان تمد يدك لقطاف سرها تخفي بنصف ضحكه ارتباكها وهي ترد على سؤال ،وتعاود الانغلاق فيباشر حينها رجالها نوبه حراستهم ،وتغدو امراة في كل إغرائها .امراه سيعرف لاحقا انها لم تتمرن على النجاح ،ولا تهيأت له. الثأر وحده كان يعنيها.
يسألها مقدم البرنامج:
-لم تظهري يوما إلا بثوبك الاسود .. الى متى سترتدين الحداد؟
تجيب كمن يبعد شبهه:
-الحداد ليس في مانرتديه بل في مانراه . انه يكمن في نظرتنا للأشياء.بإمكان عيون قلبنا ان تكون في حداد.. ولا احد يدري بذلك
يوم اخذت قرار اعتلاء منصه لأول مره ،هل توقعت نجاحا كهذا؟
-هل تعتقد ان المرء امام الموت يفكر في النجاح ؟
كل ماتريده هو النجاح في البقاء على قيد الحياه .ماأردته هو ان تشارك في الحفل الذي نظمه بعض المطربين في الذكرى الاولى لاغتيال أبي بأدائهم لأغنيه .قررت ان اودي الاغنيه الاحب الى قلبه ،كي أنازل القتله بالغناء ليس اكثر .. ان وجهتهم بالدموع يكون وا قد قتلوني انا ايضا .
-أماخفت ان تشقى طريقك الى الغناء بين الجثث؟
-لقد غير تهديد الأقارب سلم مخاوفي .إن امراه لا تخشى القتله،تخاف مجتمعا يتحكم حماه الشرف في رقابه .ثمه إرهاب معنوي يفوق جرائم الا هابيين .
تمتم المذيع مأخوذا بكلامها
-صحيح
-تصورحين وقفت على الخشبه لاول مره كان خوفي من أقاربي يفوق خوفي من الارهابيين انفسهم . انا ابنه مدينه عند اقدم الارواس لا تساهل فيها مع الشرف
-حسن ان تكون كسبت الجوله ينازل فيها طرف اخر .. ليس ان تكون وحدك على حلبه لتلقي ضربات يتنافس الجميع على تسديدها اليك.
ان المراه واقفه على حلبه ملاكمه ، دون ان يحميظهرها رجل ،ودون ان تضع قفازات الملاكم ،او تحمل بجيبها المنديل الذي يلقى لاعلان الاستسلام ،احتمال الخساره غير وارد بانسبه لها لذا تفتح بشجاعتها شهيه ال جال على هزيمتها ،هذا ما خاف والدتي وجعلها تصرف على ان تغادر الجزائر الى الشام بحكم انها سوريه
-اعتقدين ان قصتك الشخصيه ساهمت فيارواج اغانيك؟
-حتما استفدت من تعاطف الجمهور ،لكن العواطف الجميله وحدها لا تصنع نجاح فنان .. الامر يحتاج الى مثابره واصرار .النجاح جبهه اخرى لمعركه
-والحب؟
ردت على إستحياء :
-الحب ليس ضمن أولوياتي .
-برغم ذلك كل اغاني البومك اغان عاطفيه ؟
ردت ضاحكه:
-في انتضار الحبيب ،أغني للحب!
-انت اذا تتحرشين بالحب كي يأتي.
-بل اتجاهله كي يجيء!
-لودعوتك الى الحلقه التي نعدها الشهر القادم بمناسبه عيد العشاق فهل تقبلين دعوتي ؟
-طبعا ،وكيف ارفض للحب دعوه؟
-اذا ،لنا موعد بعد شهر من الآن.
للحظه بعد انتهى البرنامج ظل جالس مذهول
ايه لغه تتكلم هذه الفتاه .كيف تسنى لها الجميع بين الالم والعمق، ان تكون عزلاء وعلى هذا القدر من الكبرياء
بالرغم من مرور سنتين على ذلك اللقاء التلفزيوني،مازال يذكر كل كلمه لفظتها ،واحتفظت ذاكرته بكل تفاصيله .ندم يومها لانه لم يتنبه لتسجيله ،فقد كان يحتاج الى اخذ جرعات اظافيه من صوتها كمن ياخذ قرصا من الاسب ين لمعالجه مرض مزمن .
اكتشفت مرضه للتو وهو يتابعهاكانت تنقصه امراه مثلها كي يتعافى ،ويتخلص من كل الاجهزه الاصطناعيه التي يستعين بها على حياه فقدت مباهجها .
كيف لم ينتبه الى تسجيل ذلك البرنامج ،كي يحتفظ بطلتها في براءتها الاولى ،قبل أن تتغير لاحقا على يده ؟ذلك انه كان واثقا انها ستكون له .
تابع فرحتها ومقدم البرنامج يمدها بباقات الورد التي وصلها ويقرا البطاقات أصحابها .
كانت مبتهجه كفراشه وسط حقةل الزهور ،شهيه بف ح طازج له عطر شجره برتقال ازهرت في جنائن الخوف .تمنى لو انها غنت كي يرى دموعروحها تنداح غناء ،فقد اصبح له قرابه بكبرياء دمعها.وراح يحشو غليونه شباكا لأيقاع بها. يريد الامساك بهذا النجم الهارب.
في الصباح ،حال انتهائه من اجراءات المطارقصد السوق الحره بحثا في جناح الموسيقى عن شريط لها.
راح يبحثدون جدوىعن صورتها فوق عشرات الاشرطه .دهش لهذا الكم من المغنيات الالأتي لم يسمع بهن يوما.
انتهى به الامر ان يشت ي بحكم العاده مجموعه ((شتراوس))في تسجيل لحفل حديث .
في الطائره التي كانت تقله الى باريس ،
رح يتصفح صحف الصباح،وبعض المجلات المتوافره على الدرجه الاولى حيث فوجئ بصورتها في الصحيفه فنيه لاحدى المجلات مرفقه بمقال بمناسبه صدور البومها الجديد
اذا ،اسمها هاله الوافي .تمتم للاسم ليتعرف على موسيقاه ثم ترك عينيه تتأملانه بعض الوقت . شيء ما يؤكد له انه سيكون له مع هذا الاسم قصه ،فهذه المصادفات المتقاربه تلقلها كإشاره من القدر .ثم.. انه يحب الأسوار العصيه لاحرف اسمها .
أضاف الى معلوماته انها تزور بيروت ترويجا لالبومها الاول وانها تقيم في الشام مذ غادرت الجزائر قبل سنه ..
وانها ولدت ذات ديسمبر قبل سبع وعشرين سنه .
تأسف لان عليه ان ينتظر احدا عشر شهرا ليحتفل بعيد ميلادها .
كان واثقا انه سيكون ذلك اليوم معها . ذلك انه يثق تماما في كل الافكار المجنونه التي تعبر خيالاته كرؤى.فلسفته ان كل مايمكننا تخيله قابل للتحقيق يكفي ان نريده حقا وان يثابر على حلمنا .
طلب من سائقه الذي الذي جاء في انتظره في المطار ان يوصله مباشره للمكتب،وان يحتفظ بحقيبته في السياره.
قبل سنوات كان يدخن علبه سجائر في اليوم، ثم أخذ قرارا حاسما عندما بدأ يتجاوز العلبه قال:((لن تمس يدي سجاره بعد اليوم))ولم يعد ابدا للتدخين .شفي من إدمانه كما بسحر .
الارداه هي صفته الاولى .بامكانه ان يأخذ قرارا ضد رغباته وان يلتزم به كما لو كان قانونا صادرا في حقه لا مجال لمخالفته . ذلك انه عنيد وصارم . صفتان دفع ثمنهما باهظا ،لكنهما كانتا خلف الكثير من مكاسبه ، فهو في الاعمال كما في الحياة لا يقبل بالخساره ، ماراد شئا الا وناله ، شرط ان يبلغه كبيرا . يأبى ان يسلك أزقه التحايل والنصيب الضيقه لتحقيق احلامه . لكن ليس من السهل دائما ان تكون نزيها ومستقيما في الاعمال ، أو أن تغفو أثناء منازلتك أسماك القرش. من غير المسموح للذي يسبح مع الحيتان الكبيره ان ينام..والا انتهى في جوفها .لهذا هو يعود الى باريس للمره الثانيه في ظرف اسبوعين ، لمتابعه عقد يعمل عليه منذ مده .
غادرت الاستوديو مبتهجه كالفراشه . على المقعد المجاور لها سله ورد ، وبجوار السائق باقتان اخريان . ظلت طول الطريق الى الفندق ممسكه بالسله ، خوفا على زينتها.
عبثا طمأنها السائق ان لاشي سيحدث للورود . هو لايدري ان لا احد اهدى اليها وردا قبل ان تصبح نجمه ،انها كمن كشف على كبر انها لم تمتلك يوما دميه ، وانهم سرقو منها طفولتها . كلما قدمت لها باقه ورد ، شعرت انها تثأر لزمن قمعت فيه أنوثتها . كما الليله ، تشعر وهي في عربه الورد هذه ،كانها عروس ، زان كانت لا تدري لمن تزف . بلى هي تزف للنجاح . غير ان النجاح زوج مزاجي لا يعول عليه .
حزنت لان لااحد سيرى هذه الباقات بتنسيقها الجميل ثم هي لا تملك اله تصوير .والورود ستذبل .أوصلها التفكير الى العمر الذي مضى بها ،وذلك الشاب الذي كانت ستتزوجه وتخلت قبل سنتين عنه ، فأثارت بذلك غضب اهلها وخشيه ان تذبل في الانتضار خطيب لا يأتي .
لا احد يخير ورده بين الذبول على اغصانها .. او في مزهريه العنوسه قضيه نسبيه بمكان فتاه ان تتزوج وتنجب وتبقى رغم ذلك في اعماقها عانسا ، وردة تتساقط اوراقها في بيت الزوجيه .
((مالذي ينقصه أي عيب وجدت فيه كي تفسخي الخطوبه ؟))
اتعتقدين ان كثيرين يتسابقون الى الزواج من معلمه ابوها مغن؟الطبيبات والمحاميات ماوجدن رجلا وانت فرطت في شاب من عائله كبيره .. تركتيه المسكين كالمجنون لا يعرف لمن يشتكي ))
نجحت عمتها في التأثير حتى على امها لكن مافاجأها كونها لم تجد تفهمها لدى والدها وهي ابنته الوحيده والعزيزه.


كيف لجسده الأبكم محاورة أنوثتها؟
وكيف لها أن تتعرى أمام رجل لم تجرؤ يوما أن تعري أمامه صوتها؟
من تناقض طباعهما،أدركت أن الحب ،قبل أن يكون كيمياء،هو إيقاع كائنين متناغمين،كأزواجالطيور والفراش
التي تطير وتحط معا،دون أن تتبادل إشارة.
الحب هو اثنان يضحكان لﻷشياء نفسها، يحزنان في اللحظة نفسها،يشتعلان وينطفئان معا بعود
كبريت واحد،دون تنسيق أو اتفاق.
معه كان عود الثقاب رطبا لايصلح ﻹشعال فتيلة!

استيقظت على منظر الورد التي ازدادت تفتحا أثناء الليل.
لولا أنها تنقصها قطرات الندى لتبدو أجمل،فهكذا اعتادت رؤيتها في طفولتها في صباحات مروانة الباكرة.
تدري أن ما من أمل في أن يتساقط الندى على ورود المزهريات. أو يحط على مخادع الفتيات الوحيدات!
وحدها الورود التي تنام عارية ملتحفة السماء،مستندة إلى غصنها،تحظى بالندى.لكن حتى متى بإمكان غصن أن يسند وردة ويبقيها متفتحة؟سيغدر بها،وسيسلمها إلى شيخوختها غير آبه بتساقط أوراق عمرها.
ذكرتها الورد بالزوال اﻵثم للجمال،في عز تفتحها تكون الوردة أقرب إلى الذبول،وكذا كل شيء يبلغ ذورته،يزداد قربا من زواله. فما الفرق إذا بين أن تذبل وردة على غصن أوفي مزهرية؟
في الواقع،أيقظها اتصال من إحدى الصديقات في الجزائر، تهنئها على أمس وتبشرها بأن《كل الناس في الجزائر شافوها》.نقلت أيضا إليها سلام زميلة سابقة في المدرسة:
-نصيرة تسلم عليك بزاف..طلبت مني تلفونك واش نعطيهو لها؟بالمناسبة..قالت لي باللي مصطفى تزوج من أستاذة جات جديدة للمدرسة وطلب نقلهم للتدريس في باتنة.
كنقرة على نافذة الذاكرة،جاء ذكره.شيء من اﻷسى عبرها.
حنين صباحي لزمن تدري اﻵن أنه لن يعود.لعلها الذكريات تطوق سريرها،وحين ستستيقظ تماما،ستنسى أن تفكر في ذلك الرجل الذي أصبح إذا لامرأة أخرى!
امرأة تحمل اسمه،ستحبل منه في ساعة من ساعات الليل أو النهار.امرأة لا تعرفها ستسرق منها ولدين أو ثلاثة،لكنها لن تأخذ أكثر. لن يمنحها ضحكته تلك.الزواج سيغتال بهجته وروحه المرحة..
وفي هذا خبث عزائها.
مصطفى هو الوحيد الذي كان من الممكن أن يسعدها.
كانت تحب طلته المميزة،أناقة هيأته،شجاعة موافقة
،طرافة سخريته حين يغازلها بطريقة جزائرية مبتكرة حسب اﻷحداث،كيوم قال لها"أفضل،على إرهاب البنات،اﻹرهابيين..على اﻷقل هم لا يغدرون بك.يشهرون نواياهم،يصيحو"الله أكبر"قبل الانقضاض عليك بسواطيرهم وسكاكينهم. البنات يجهزون عليك دون تنبيهك لما سيحل بك..عندما تصرخ يكون قد تأخر الوقت،الله يرحمك.."أكلك فوكس".لو أصرخ اﻵن مثلا وأقول إنك ذبحتني وأنت


شعرك ، او تنسين زرا مفتوحا اعلى ثوبك ،لن يأتي احد لنجدتي ،فالقتل إغراء لايعتبر عنيفا .. لانه جريمه غير معلنه تحبب للضحيه موتها !
ذات مره في زمن المذابح ، كاد يقتلها ذعرا وهو يستقبلها في الصباح سائلا:
-هل صادفت في طريقك سيارة اسعاف ؟
ردت مرعوبه:
-لا لم الاحظ ذلك.. هل حدث شيء؟
أجاب بجدية :
-اتوقع أن تحدث أشياء ..لابد ان تحلق بك سياره إسعاف لجمع الجرحى من الطرقات وانت تمشين هكذا ..على صباح ربي !
مصطفى تمنته زوجا .الحياة معه لها خفه دمه ،والقلب لا تجاعيد له. ربما كان يمكن ان يحدث ذلك لو انها بقيت في مروانه . لكن الاحداث تسارعت بعد اغتيال والدها واخذت مجرى تجاوز امنياتها
لم يمهلها القدر وقتا كافيا لقصه حب في مدينتها تلك ، الحب ضرب من الاثم ،لايدري المرء اين يهرب ليعيشه ..في سياره ام في قاعه المعلمين ؟ أم على مقعد في حديقه عامه؟
الخيار هو بين تفاوت الشبهات وليس اكثر .آخر مرة حاولا الجلوس على كرسي في الحديقه ،كان مجرد الجلوس معا فضيحه انتشرت بسرعه ((خبر عاجل))
كان يمكن ان تكون كارثه اكبر ، فيحدث ان تقوم قوات الامن بمداهمه الحدائق والتحقيق مع كل اثنين يجلسان متجاورين.
في نوبه من النوبات العفه ،تم إلقاء القبض ذات مره في العاصمه على اربعين شابا وصبيه معظمهم جامعيين ،اودعو في السجن فيما مان الارهابيين يغادرونه بالمئات مستفيدين من قانون العفو
كان زمنا من الاسلم فيه ان تكون قاتلا على ان تكون عاشقا.
في تلك المره الوحيده التي جلسا فيها في حديقه عامه اصيبتبالذعر حين مربهما احد المختلين ،وهو يشاجر مع نفسه ،ويشتم المارين ويهددهم بحجاره في يده . ظاهرة شاعت بسبب فقدان البعض صوابهم ، وتشرد الالالف
عشريه الدم .. سنوات الارهاب العشر - وماحل بالناس من غبن واهوال.
مازالت تضحك لتعليق مصطفى يومها وهو يطمئنها :
-لا تخافي ،نحن هنا في عاصمه المجانين ..اذا دهمتنا الشرطه فسأتظاهر بالجنون وأضربك فينصرفون عنا.. انهم لايتدخلون الا اذا قبلتك!
لانها لم تميز يوما جده من مزاحه ردت محذرة:
-اياك ان تفعل ..أجنتت؟
أجاب مازحا :
-ما ادراك ..ربما ماكنت عاقلا !تدرين أن نسبه الجزائريين الذين يعانون من اظطربات نفسيه أو عقليه ، تتجاوز حسب آخر الاحصاءات 10% نحن نملك بدون منازع أكبر مؤسسه لإنتاج الجنون . من أنجازتنا ان عدد مجانينا بعد الاستقلال تجاوز شهدائنا أثناء الثوره
-معقول؟!


ايه والله .. الرقم من مصادر طبيه .مالذي يخرج المرء عن صوابه غير انه يرى لصوصافوق المحاسبه
ينهبون ولا يشبعون إنه قهر والظلم و(الحقره)ماأوصل الناس للجنون اذا فقد الجزائري كرامته فقد صوابه لانه ليس مبرمج جنيا مع الاهانه ،كيف تريدين ان أتزوج وانجب اولاد في عالم مختل كهذا ؟
كانت تلك المره الوحيده التي جاء بها على ذكر الزواج . صدقت انه لهذا السبب لن يطلب يدها.
غادرت سريرها حتى لا تترك غيوم الماضي تفسد مزاجها
بدأت صباحها بملعقه عسل دافئ .لابد الايكون لها شاغل الا صوتها .لسنوات كان هذا هاجس والدها الذي صان صوته بقدر ماحرس صمتها .
اول مالقنوه حمايه صوتها من نزلات البرد ،ومن التلوث ومن دخان السجاير .
وماذا عن الالم ووعكات القلب حين تغص بها الحنجره ، فيختنق صوتك رافضا النطق؟

يوم تسجيل البومها اعتذرت لمهندس الصوت ، مطالبه بإعادة تسجيل تلك الاغنيه مجددا .بعد المحاوله الثانيه نصحها ان تستسلم لاحسيسها كما لة كانت تغني لنفسها ، والا تقمع ايه مشاعر حتى لو كانت ترغب بالبكاء مستشهدا بقصه ((سيرج غانسبور))في الثمانينات حين قال لزوجته النجمه ((جين بيركين))فاجهشت بالبكاء جين وماكنت تدري وهي تنحب انه كان يسجل بكاءها
يأتون الحياه وهم يغنون صرختهم الاولى بدايه شجن يستمر مدى العمر.
فالحزن في جموحه يتحول في حناجرهم الى مواويل يعطيك انطباعا بلا مباله بهموم الحياه ،في الواقع هو يحول همه الاكبر الى غناء ،مالايغنيه ليس همه انه يهين كل مالايغنيه.

استتادت جأشها وعاودت الغناء ايا ها الاغنيه التي غنتها في اربعين ابيها .ماتوقعت يومها انها تغني قدرها
ماكانت تدري بقصه تلك الاغنيه ،لولا ان المؤرخين وثقوا تفااصيلها.
يحكى انه ذاع صيت جمال احدى الفلاحات حتى تجاوز حدود قريتها ،فتقدم لخطبتها احد الباشغات لكنها رفضته لانها كانت تحب ابن عمها .عندما علم الباشاغا بزواجها ،استشاط غضبا ولم يغفر لها ان فضلت راعي عليه
فدبر مكيده وقتل زوجها وكانت حاملا فانتظرها حتى وضعت وليدها واقضت عدتها وعاد مجددا وتقدم لطلب الزواج منها وكانت قد اطلقت اسم زوجها على مولودها فردت عليه ان كنت قد اخذت عياش الاول فإني نذرت حياتي لعياش الثاني فزداد حقدا وخيرها اما الزواج منه او يقتل طفلها. فاجابته انها مهما فعل لن تكون له
ذات يوم عادت من الحقل فلم تجد رضيعها ،وبعد ان اعيها البحث هرعت للمقبره ،فرات ترابا طريا لقبر صغير فادركت انه قبر ابنها ،وراحت تنوح عند القبر وتعدد بالشاويه بما يشبه الغناء آاااعياش ياممي ..
فاقبل الناس عند سماعها تنادي ياعياش
يابني يسالوني ما الخطب ،وما استطاعو العوده بها ، فلقد لزمت القبر الصغير وظلت تغني حتى لحقت بوليدها وزوجها
...
عاد للبيت بعد الانتهاء من عشاء عمل طويل كان متعب من العمل والسفر والاجتماعايات المتواصله حتى المساء
انتهت اعماله تقريبا لكنه يحتاج الى تمديد اقامته ليرتاح بعض الوقت في باريس .
هنا يطلع الكتب التي لا وقت له لقراءتها . يستمع لفيفالدي يبدا نهاره ب الفصول الاربعه وينهيه ب كليدر مان يحب ان يختم مساءه بمقطوعات من العزف على البيانو .
عندما اطلت في ذلك البرنامج ، مع الضيوف الثلاثه الذين شاركوها الاحتفاء بالحب ، بدت وكأن الحب اختارها ليحتفي بها شيء فيها تغير مذ طلتهاالاخيره قبل شهر
[/ALIGN]
[ALIGN=center]
انها تبدو ابهى، لعله ثوبها الاسود الذي كانت ترتديه مع عقد طويل بفين من الؤلؤ، منحها اطلاله تتجاوز سقف ميزانيتها.

بدا الجو عى البلاتو احتفاليا: قلوب حمراء، وسائد حمراء، ورود حمراء، علب وهدايا بشرائط حمراء. هل احمل من الاسود لونا يعقد عليه الاحمر قرانه في عيد الحب؟

فكرة البرنامج كانت جمع اسماء غنت الحب او كتبته، وهي التي درسته لتلاميذها ضمن المقررات المدرسيه في النصوص الادبيه والشعريه، كان يجب ان تشارك بهذه الصفه لا غير.

هي لم تسمع بعيد الحي الا مذ اصبحت تقيم في الشام. في مروانه، كان الحب يقيم في بلاد اخرى، لهذا اعتادت ان تعايده، او تنتظر هداياه.

كان موجودا في اغاني ابيها لا في بيته. مسموحا به لغرباء.. لا لاهله.

في البيت، كان ثمة محبه اي حرفان زائدان عن الحب.

وبرغم ذلك، هي لا تصدق هذه القلوب الحمراء من الساتان المحشوه قطنا والتي تقول i love you ولا تثق في وفاء الدببه المتعانقه التي تقو بالانكليزيه "اشتاقك" او "انا مجنون بك". جميعها دليل عن الحب غذا كاذبا لفرط ثرثرته، مفقدا لفرص تواجده.
عادت وراجعت نفسها. لكانها لا تغفر للعشاق سعادتهم ولو كذبا. واين امشكل ان هم قالو "احبك" بلغه غير لغتهم. واين الخطر في ان تتوحد لغة العواطف ويسير العشاق خلف الالويه الحمراء للحب.
لا تريد ان يتحول الهدف من وجودها في البرنامج الى ادانة عولمة المشاعر، عيها ان تكف عن ان تكون مدرسه لغة عربيه؟
سالها مقدم البرنامج بفرحة صحافي وقع على سؤال يربك ضيفه:
- هل يمكن لمن ليس في حياته حب ان يغني الحب ؟
جاء جوابها هادئا:
- وحده فاقد الحب جدير بان يغنيه .. الفن العظيم كالحب الكبير، يتغذى من الحرمان.
بدت كما لو كاانت تتكلم بحياء عن الحب. هي تدري ان اهلها وتلاميذها ومصطفى وزوجته وكل مروانه والجزائر يتابعونها في هذه اللحضه، ولولا احساسها بذلك لربما قالت شيئا اخر. لكنها بدت صادقه في ما قالته على استحياء. الحياء نوع من انواع الاناقه المفقودة. شيء من البهاء الغامض الذي ماعاد يرى على وجوه الاناث.
وهي التي تنازل الارهابيين بملء حنجرتها، عندما تتحدث عن الحب تخفت طبقة صوتها حتى درجة البوح، وحينها تصبح شهية، وينكشف الاخرون وهم يستمعون اليها، تلك الحقيقه التي نسوها: بامكان امراه خجوله ان تكون مثيره.
تدخ اشاعر معلقا على قولها:
- لاحب يتغذى من الحرمان وحده، بل يتناوب الوص والبعاد، كما في التنفس. انها حركه شهيق وزفير، يحتاج اليهما الحب لتفرغ وتمتلئ رئتاه. كلوح رخامي يحمله عمودان ان قربتهما كثيرا اخت التوازن، وان بعدتهما كثيرا هوى اللوح.. انه فن المسافه.
هب الملحن اكبير متحججا:
- الحب تعتير .. لا شهيق ولا زفير. جيب مرا بتحبك لنفسك مو لجيبك .. وتنطرك مو تنظر لتبرم ظهرك، ع ايامنا الحب عمليه نصب عاطفي .. مرا بتتجمل لك تتغنج .. تتبرج .. لتوقعك، وبس تجن وتتزوجها ما تعود تعرفها. مافي حب، في صفقه حب .. يا زلمه بشرفك تعرف شي مرا بتقب تتجوز واحد معتر لانا بتحبو؟
بهت الجميع وموسيقار الحب يهاجم الحب بعيده ويتبرا منه.
كان قلبا مجروحا، ورجلا مخدوعا، حضر ليصفي حساباته مع الحب. انه ينتمي الى العناصر غير المنظبطه في خزب العشاق، يطلق النار كيفما اتفق على النساء. اثناء دفاعه عن الحب، لا ينتبه انه افرغ رشاشه فيه .. وارداه.
توجه مقدم البرنامج اليها سائلا:
- هل تعتقدين ان وسائل الاتصال التكنولوجيه الحديثه خدمت الحب؟
- ربما خدمت المحبين، لكنها لم تخدم الحب. كان الحب افضل حالا يوم كان الحمام ساعي بريد يحمل الرسائل العشاق. كم من الاشواق اغتالها الجوال وهو يقرب المسافات، نسى الناس تلك اللهفه التي كان الناس ينتظر بها ساعي البريد، واي حدث جلل ان يخط المرء بيده "احبك". اية سعادة وايه مجازفه ان يحتفظ المرء برسالة حب الى اخر العمر. اليوم "احبك" قابله للمحو بكبسة زر. هي لا تعيش الا دقيقه .. ولا تكلف الا فلسا.
لا رغبة لها ان تحكب كم يمكن لكلمة "احبك" ان تكون مكلفه، عندما تكتب على ورقه.
كذلك التلميذ الذي نقلت الصحافه اجزائرية قبل سنتين قصهته. كان المسكين قد اقترف جرم كتابة "احبك" على ورقه، ووضعها على طاولة زميلته له في الصف. وما ان وقع الاستاذ على الورقه، حتى الغى الدرس واعلن حاله الاستنفار بحثا عن صاحب الرساله. امام انكار الجميع ان يكونو من كتبوها، راح يلعب درو شارلوك هولمز ندققا في اربعين نسخة لكلمة احبك، طلب من التلاميذ كتابتها واحضارها الى مكتبه لمقارنتها.
انتهى التدقيق المجهري بعثوره على الجاني، الذي اصيب بحالة فزع بعد توبيخه وضربه في حضرة اترابه، اما المدير فقد رفع سقف العقاب حد استدعاء اهله لاخبارهم ان ابنهم مطرود من المردسه لسوء اخلاقه.
اثارت الحادثه يومها جدلا لدى زملائها. جلهم وافق الاستاذ في ادارته قضيه "الجرم" الذي ارتكبه تلميذ لم يبلغ سن الرشد العاطفي. ارادوه في الثانيه عشرة من العمر، عبرة لباقي التلاميذ منعا لعدوى الانفلات الاخلاقي.
وحده مصطفى كان من راييها.
قال باسي:
- سيكون صعبا على هذا الفتى او اترابه ان يكتبو بعد اليوم هذه الكلمه .. او ان يقولوها في حياتهم لاحد.
بعد ايام، حين نقلت الصحافه اخبار مذبحة من طلحة التي نحر فيها الارهابيون 500 قروي، علق مصطفى بحزن:
- من صف ذلك الاستاذ سيتخرج فوج القتله القادمون. ان اليد التي تعاقب لانها كتبت كلمة "احبك" انما هي يد اعدت لاطلاق الرصاص.
لاحقا قال لها مصطفى بجديه كاذبه:
- اني افكر بالهجره الى امريكا.
سالته مندهشه:
- امريكا .. لماذا امريكا؟
- لانه، في استطلاع اخير، جاء ان الامريكي هو اكبر مستهلك لكمة "احبك". تصوري انه يلفضها بمعدل ثلاث مرات في اليوم، كانه يتناولها مع وجباته الثلاث. اريد ان اهاجر كي اسمعها ولو مرة واحدة في حياتي. هنا قد يموت المرء ولايسمعها حتى من امه برغم ان كل شيء يشي بحبها له. لكنها عندما تنطق تقول عكس ذلك.
واصل بنبرة مازحه:
- بامكانك ان تجعليني اعدل عن الهجرة، يكفي ان تقولي انكي تحبينني.
ضحكت لابتزازه العاطفي، لكنها طبعا لم تقلها.
لو قالتها لربما كانت الان في معسكرات الاعتقال العاطفي.
وبدل ان ترزق بالبوم، لكانت هناك تخدم امه وتربي اولاده.
هل نحبه حقا؟
هي نفسها لا تدري. معظم الذين يعتقدون انهم يعيشون قصة حب، هم في الواقع يعيشون وهم الحب.
ترك لها مقدم البرنامج قول كلمة الختام، بعد ان شغلتها افكارها عن المشاركة في نقاش احتد بين انصار عيد الحب ومهاجميه. فقال:
- يوم كان العشاق يموتون عشقا، ما كان لحب من عيد. اليوم اوجد التجار عيدا لتسويق الاوهام العاطفيه، غير معنيين بانهم بابتداع عيد للحب يذكرون غير العشاق بخسارتهم، ويقاصصونهم بفرح الاخرين. انه في الواقع اكثر الاعياد تجنيا.
علق مقدم البرنامج بدعايه تستدرجها لاعتراف ما:
- لكانه كلام امراة لن تحتفل اليوم بالعيد.
ردت بالمزاح نفسه:
- الاعياد دواره .. عيد لك وعيد عليك. ان الذين يحتفلون اليوم بالحب، قد ياتي العيد القادم وقد افترقو. والذين يبكون اليوم لوعه وحدتهم، قد يكونون اطفال الحب المدللين في الاعياد القادمة. علينا في الحالتين ان نسعد لللاحتمال الاخر.
انتهى البرنامج، ووقف الضيوف يواصلون نقاشاتهم محملين بما تلقو من باقات ورد. كلام الحب لا ينتهي. لكنها كانت على عجل، تهم بمغادرة الاستديو هربا من اسئلة ايقظت مواجعها، حين امدها مقدم البرنامج بباقة ورد قال مرسلها طلب الا تقدم اليها على الهواء. امسكت بها باندهاش، فلقد استوقفت تلك الباقه نظرها بغرابه تنسيقها، حين راتها في زاويه الهدايا، من الواضح ان صاحبها اراد فريدها فريدة ومبهرة برفض معلن لطفرة اللون الاحمر في عيد الحب. لا تضم سوى ازهار توليب في غرابة لون مشع بامواج ضوئيه تتراوح بين البنفسجي والاسود. مصطفه بحيت تبدو منتصبه كالعساكر، على القدر نفسه من التفتح الخجول الاول، مترجة في ثلاث صفوف يلف خصرها شريط عريض من الساتان الاحمر الفاخر.
فتح بلهفة الفضو الظرف الصغير المرفق بها، لم يكن على البطاقه سوى ثلاث كلمات "الاسود يليق بك". جمدت مكانها مذهوله. كان في الجو شيء شبيه باعلان حب. كاشعار باقتراب زوبعه عشقيه. شيء لا اسم له كصاحب البطاقه، لكنه يحدث فيها دوارا جملا لم تعهده. لا تدري ما الذي يحدث لها. موسيقى شبيهه بفالس تراقص روحها، انطلقت من مكان ما داخلها، وراحت تدور بها وتفقدها القدرة على التفكير المنطقي.
نزلت من السياره وكانها راقصة باليه تنتعل خفين من الساتان، تمشي على رؤوس الاحلام التي اصبحت لها اقدام.
لو ان صحافيا اعاد عليها الان الاسئلة نفسها، قالت شيئا اخر مخالفا لما قالته قبل ساعه. ثلاث كلمات على بطاقة لا تحمل توقيعا اوقعت بقناعتها العاطفيه.
اللحظه، هي تفضل وهم الحب على الللاحب. ولا باس ان تنضم الى كتائب العشاق المغفلين الذين فتك بهم هذا الوهم. تريد تتناول من جرعات هذا الدواء ما يقتلها حقا .. او يحييها.
في الفندق، وضعت باقة الورد على الطاولة المستديره، بحيث تراها اينما تواجدت. حاولت ان تخفف من تسارع احلامها، ورهان قلبها على بطاقة لا تحمل سوى ثلاث كلمات "الاسود يليق بك".
ما تشعر به لا علاقة له بسلة الورد. ايا كانت الكلمات والالوان، كانت جاهزة للتعثر باول حب تضعه الحياة اوم بالذات في طريقها. لكان الامر عدوى لا نجاة منها.
تاملت بامتنان تلك الورد الغريبة اللون. لولاها لاغتالها اللون الاحمر، كما تجني اليوم على الملايين ممن لا حب في حياتهم.


http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/174688020.png
ااروايه حيييل تحفه ورومنسيه
محدا ينكر
اتحفوني بلايكاتكم ترى المشاركه مبنيه على اقبالكم -_-6
ص2ص2

حب4حب4


http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/456320512.png

[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

>> 09-22-2015 05:33 PM

خلاص كدا يعني كدا خلصت صح مدري1مدري1

KAREN 09-29-2015 09:06 PM

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][/ALIGN][ALIGN=center]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/714834664.png
http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/133741467.png

" إليكم الفصل الثاني "



تراك استمتعت الى حكايه الناي وانين اغترابه، انه يشكو الم الفراق، يقول:
" انني مذ قطعت من منبت الغاب لم ينطفي بي هذا النواح، لذا ترى الناس رجالا ونساء يبكون لبكائي. لكل انسان اقام بعيدا عن اصله، يضل يبحث عن زمان وصله، ان صوت الناي نار لا هواء، فلا كان من لم تضطرم في قلبه هذه النار"
مولانا جلال الدين الرومي
كان يحب الجاذبيه الآسره للبدايات، شرارة النظرة الاولى، شهقة الانخطاف الاول.
كان يحب الوقوع في الحب.
ماكان مولعا بصيد النساء، انما برشف رحيق الحياة، وبذلك الفضول الجارف الذي يسبق الحب.
حدث اكثر من مره بعد ذلك ، ان عاود مشاهدة تلك المقابه، التي يحتفظ بها في مكتبه، عله يفك شيفرة تلك الفتاة، او سر تعلقه بها.
ليس جماها ما ياسره، هي ليست جميلة حد فقدان رجل مثله صوابه. ولا هي انيقة اناقة يمكن ان تنازل بها النساء من حوله. لعلها ما كانت لتستوقف نظره لو صادفها. لكن كلماتها صادفت اذنه، واوقعته في فتنة انوثة ما خبر من قبل بهاء عنفوانها.
افرغ غليونه وراح يحشوه بتان، كمان يفعل عادة عندما تاخذه افكاره.
هو لا يفكر اثناء التدخين، بل اثناء اعداد غليونه وحشوه. هكذا يعد لمشاريعه ولصفقاته. وهكذا يدير معركه قبل ان يخوضها، لاعتقاده ان الاستعداد لفوز اولى متع الفائز.
ان تنتظر امراة بالذات، خارج الزمن وخارج الحسابات، ان تنتظرها كما لو ان لا امراه سواها على الارض يا للجهاد .. يا للنصر العظيم حين تفوز بها.
ثلاث اشهر وهو يتقدم نحوها كما على رقعة شطرنج. نصلها باقات وروده في اي مسرح تغني عليه، واي برنامج تطل فيه. كقناص يعرف كل شيء عن طريدته، كان ملما باخبارها، بينما لا تعرف هي شيئا عنه.
يعنيه فضولها، ترقبها، حيرتها. يود ان يدخ حياتها علامة استفهام جميله، تغدو مع الوقت علامة تعجب .. فعلامة اعجاب . هكذا تكتب قصص الحب الكبيرة كل ما تاتي على عجل يمضي سريعا، وكل ما نكتسبه بسرعه تخسره بسهوله. وهو بلغ من الحكمة عمرا، اصبحت فيه متعة الطريق تفوق متعة الوصول، وانتضار الاشياء اكثر شهوة من زهو امتلاكها.
كتب لها على البطاقة الثانيه " املك كل الوقت"
وعلى الثالثة "احتفي بورود الانتضار"
لعلها ادركت ان عليها ان تنتظر اكثر، قبل ان تعرف من يقف وراء تلك الباقة نفسها، بكلمات مختلفة كل مرة. كلمات مواربه البوح تحفظ له مسافة ان يضل المشتهي.
الحب هو ذكاء المسافه. لا تقترب كثيرا فتلغي اللهفه، ولا تبتعد طويلا فتنسى. الا تضع حطبك دفعة واحدة في موقد من تحب. ان تبقيه مشتعلا بتحريك الحطب ليس اكثر، دون ان يلمح الاخر يدك المحركه المشاعره ومسار قدره. اوه .. كم يتقن لعبة نقل النار بين الحطب، وانقاذ الشعله في اللحضة الاخيره قبل ان ينطفئ الجمر بقليل.
ثلاث رسائل كافية لاشعال فتيلها. سيترك لها رقم هاتفه مع الباقة القادمة، لكنه حتما لن يترك اسمه. سيطيل الغموض ما استطاع ليشعل شغفها بما لا تعرف عنه. الغموض مصمم ازياء انتقائي، لا يضع توقيعه الا عى تفاصيل الكبار.
لم يتجاوز كلماته لها الثلاثه في كل بطاقه. كلامه اغلى من ان يملأ بطاقات ترسل في المناسبات، وهي لا تعرف هذا بعد، ولا ان اللغة هي بعض ما اوقعه في شراكها. معها يتوقع جولات لغويه على علو شاهق. هذه المتعة بالذات هي التي يفتقدها مع سواها، يريد شريكا لجولة كرة طاولة، تتطاير فيها الجمل فيهب لالتقاطها والرد عليها. النساء من حوله لا جولات لهن خارج السرير.
غادر البيت مشيا نحو غابة بولونيا. اعتاد ان يمشي طويلا في نهاية اليوم اثناء مواصلته سيره في افكاره، تارة نحو الذكريات .. واخرى صوب المستقبل.
هو دائما على اهبة مشروع، او خارج لتوه من ذكرى. يمارس رياضة المشي السريع في زمن مفتوح بين طفولته العادية في بيروت ونجاحاته الخارقة في كبرى عواصم اعالم.
انجازه الاكبر ماكان في بلوغه تلك المكاسب، بل في الطريق التي سلكها لبلوغها.
كان مولعا بالاقدار الكبيره. تبهره السير الذاتيه اردالات صنعو اقدراهم. وكان صانعا ماهرا للاحلام الخرافيه. يكفي ان يحلم لتصادق الحياة على احلامه. قد يبدو في لحضات نادرة متواضعا لكن احلامه لا تعرف التواضع. يمشي .. واثناء ذلك يحلم. يتامل الاشجار المتعانقه عى طريقه باشكالها المختلفه، والبط متزلجا باناقة على الضفاف الهادئة لبحيرة بولونيا.
كثيرا ما تمنى لو كان شاعرا او كاتبا ليصف انبهاره بهذا المكان الذي يتردد عليه منذ اكثر من عشر سنين. لا يدري ان كانت تنقصه الموهبه او الشجاعه ليصبح كاتبا، فهو ليس خريج الجامعات بل خريج الحياه. لذا لم ياخذ الشهادات يوما ماخذ الجد.
ماعاد الامر ليزعجه. حلت عقدته مذ تفوق بحكمته وذكائه على طاقم المستشارين والمساعدين العاملين في شركاته. حدث اكثر من مرة ان انقذ اعماله من الافلاس بمهاراته لا بشهاداتهم.
ما يحسد البعض عليه حقا هو الثقافة. لذا، كان ينهل منها بشغف وفضول معرفي، ذاهبا مع العمر نحو ارقاها واعمقها، بعدما لم يعد يعنيه ابهار احد .. بل امتاع نفسه.
انقضت ثلاث اسابيع قبل ان تاتي اول مناسبه. حفل علم انها ستشارك فيه مع مجموعه من المطربين في سورية. هذه المره سيلقي لموقدها بما سيشعلها من حطب لايام، لكنه لم=ن يستعمل سوى عمود ثقاب واحد.
كتب على بطاقة ارقام هاتفه فحسب، ووضعها في الظرف الصغير المرفق بالباقه نفسها التي اعتاد ان يرسلها اليها. طلب ارسال الباقه مع سائق الى الشام. كان عليه ان يقصد بنفسه بائع الورود، وان يتابع كل التفاصيل. لو كان في باريس لكلف سكرتيرته الفرنسيه بذلك، في بيروت لا يمكن ان ياتمن احدا على سر. هذه مدينة كل واحد فيها يدير وكالة انباء.
ثلاث ساعات وتصلها البطاقه، تماما بتوقيت ختام الحفل. انها الساعات الاكثر توترا وجمالا في اية قصة حب. تلك التي تسبق الاعلان ببدء حالة الجنون العشقي. هذه المرة رفع سقف فضولها العاطفي بثمانية ارقام ليست مرفقة باسم. كان لا يتوقف عن استراق النظر الى ساعته. ابتداءا من الساعه العاشرة، يمكن للهاتف في اية لحضة ان يدق .. وتكون هي على الخط. ففي كل امرأة قطة يقتلها الفضول.
اطال البقاء في المكتب، حتى لا يفاجئه الهاتف وهو مع زوجته.
ثم عند منتصف الليل قرر العودة الى البيت، لكنه وضع هاتفه على الصامت كي ياخذ علما باتصالها. تفقد هاتفه قبل الخلود الى النوم، دون جدوى. توقع ان يشهق قلبها حين ترى رقمه، فتسارع الى طلبه. لكنها لم تفعل ولم يجد عذرا لعدم اتصالها، فقد تاكد من وصول السائق.
شعر انها هزمته حتى قبل بدء الجولة. كان نومه مضطربا، نام عاريا من صوتها.
* * *
انها الحياة تتحين فرصة ادهاشك.
لكان هذا الرجل قرينها، ايكون جنا كي يعرف عنوان كل مكان تظهر فيه .. اولعله مجنون؟ لكن لغة ارقى كم ان تشي بذلك.
احاسيس جارفة ومتناقضة انتابتها ، وهي ترى رقمه المكتوب، دون اية كمة مرفقة به.
ترددت في طلبه مساءا. لا يليق بفتاة ان تتصل ليلا برجل غريب. لكنها كانت على عجل ان ياتي الصباح. قلبها يرى في ارقام هاتفه اشارة مشفرة للحب يستعجل فكها. قلبها يخفق، قلبها احمق يقول "قومي اطلبيه" وعقلها احمق اخر يردد " عيب .. انتظري غدا ".
قاومت الارق، ثم صباحا، قاومت لهفتها وفضولها، في انتضار الساعه التاسعة. الوقت الذي بدا لها مناسبا للاتصال.
كان رقمها من لبنان، ولا فرق في التوقيت اذا. طلبته دون ان تدري كم بامكان رقم هاتفي ان يعبث باقدارنا.
ارتجف صوتها كما يوم جربته لاول مرة قبل ان تغني:
- الو ..
رد صوت رجل على الطرف الاخر:
- اهلا.
ساد بينهما للحضات صمت البدايات. قال فاتحا باب الكلام:
- سعيد بالتحدث اليك ..
وجد نفسه يواصل:
- كنت استعجل هذه الحضه.
ردت بنبرة لا تخلو من الدعابة في اشارة اى بطاقات سابقة:
- ظننتك تملك كل الوقت.
- ان املك الوقت لا يعني اني املك الصبر..
علقت بالدعابه نفسها:
- اما انا فطوعتني الحياة .. لا اكثر صبرا من الاسود.
اسقط بيده. ما اعتقد ان الجولة معها ستبدا من هذا العلو الشاهق. اما هي فما ظنت انها ستخفي ارتباكها بالمزاح. ليس هذا ما تمنت ان تقوله.
قالت مستدركة
- شكرا عى الورد .. استعدتني التفاتتك كثيرا.
اجاب:
- مذ اول برنامج شاهدتك فيه وانا اود ان ابدي لك اعجابي.
سالته:
- اي برنامج تعني ؟ تبد متابعا جيدا للبرامج التلفزيونية.
في ظروف اخرى كان سيكون له رد فعل اخر، كنه وجد لها عذرا. هي لا تعرف من يكون، تم لقد وصلتها منه ورود في اكثر من ظهور تلفزيوني، وربما اعتقدت ان لا شغل له سوى الجلوس امام التلفزيون.
رد:
- كنت اقصد المقابلة التي اجريتها في نهاية ديسمبر .. احببت حديثك.
علقت ممازحة:
- ظننتك احببت حدادي حين كتبت لي "الاسود يليق بك".
- ربما كان علي ان اقول انك تليقين به .. الاسود يا سيدتي يختار سادته.
لم تجد ما ترد به. هكذا هم المشارقة، لا يمكن لاحد ان يجاريهم في انتقاء كلماتهم عند الحديث مع امرأة. ماكان من الاسق ان تساله عن جنسيته. طرحت سؤالها بصيغة اخرى:
- هل تقيم في بيروت؟
- نعم.
- انت محظوظ .. احب بيروت كثيرا.
رد:
- وبيروت تحبك .. لقد خصص لك اعلامها استقبالا جميلا.
- صحيح .. انا مدينة لها بانطلاقتي.
علق:
- لعلك يوما تكونين مدينة لها بلقائي.
تركت كلماته بينهما شيئا من الصمت. شعر ان عليه الا يطيل المكالمة الاولى. قال منهيا الاتصال:
- رقمي معك .. يسعدني سماعك.
باغتها، لم يترك لها فرصة ان تضيف شيئا. غادرها في عز فضولها.
اغلق الجولة على جملة " يسعدني سماعك".
احتفظ لنفسه بما تمنى لو قاله لها " اتعبتني قبل ان اسمع بك.. وساتعب لانني لا اريد ان اسمع سواك".
بقي على جوع اليها. لكنه ابقاها ضمأى. في هذه المرحلة يحتاج الحب الى ان يقتات من تعطشها لمعرفة المزيد عنه، والا انطفأ زهج اشعله بينهما، هذا اقصى حد عرفه للصبر النسائي .. الا اذا زايدت عليه مكابرة، وصدق قولها الا اطول صبرا من الاسود.
بعد انقضاء ثلاثة ايام دون ان ياتيه اتصال منها، بدأ يشك في نظرياته. في جميع الحالات، هو لن يطلبها، خاصة انها اتصلت به من رقم ارضي قد لا يكون رقمها الخاص.
على الرغم من انشغاله الدائم، ماكان يفارقه هاجس انتضار مكالمتها. في اليوم الخامس، بدأ يساوره الخوف ان تتوقف قصته معها هنا. انها فتاة عنيدة وعصبية، قد لا ترى مبررا لمعاودة الاتصال به، وعندها، لم يكون من الائق ان يواصل ارسال الورود ايها. يخشى ان تكون اعتبرته مجرد معجب لا يستحق اكثر من مكاملة واحدة.
بدأ يخطط لمواجهة الموقف الجديد عندما فاجاه هاتفها في صباح اليوم السادس.
- اهلا، صباح الخير.
بمكر رجولة طاعنه في ترويض النساء، لم يبد لها سعادته العارمة بسماعها، ولا سألها لماذا تاخرت الى اذا اليوم. من المفروض انه "يملك كل الوقت". هذه المره استعمل معها اللامبالاة، انه سلاح يفتك دايما بغرور المراة، محولا نحوها اسئلة الشك. تبادل معها كلمات مجاملة، سألها عن اخبارها، لكنه لم يمنحها الوقت لتسأله عن اسمه. اعطاها الاحساس انه في اجتماع. ثم ودعها قائلا "اسعدني سماعك". تعبير ملتبس يقال عن الحب .. كما عن محبه.
استعاد عافيته وزهوه وهو يضع السماعة.
لقد خطا حطوة الى الوراء في هذه المكالمة، كما ليقاصصها دون ان تدري لماذا، واثقا انها الخطوة التي ستقفز بقصتهما خطوات الى الامام .. انه يراقصها التانغو.
طالما آمن بان الانوثة ايقاع.
هذه المرأة تراقص روحه. كلامها مزيج من الاغراء والعنف والانفة. انها سيدة التانغو. حتى الاسود الذي ترتديه خلق لهذه الرقصة: رقصة الثأر.
ماكان لهذه التفاصيل ان تفوت رجلا اغترب نصف قرن في امريكا الللاتينية، وما زال في سرة يطلق على كل امرأة اسم رقصة او مقطوعة موسيقية.
* * *
كل الفرسان من حولها يمتطون جياد خشبية. هذا ما اكتشفته متأخرة. لكن قلبها يقول ان هذا الرجل لا يشبههم. ربما لم يكن افضل منهم، هي لا تدري بعد. ما تدريه انه يختلف عنهم. انه لا يشبه احد.
يختار ورودا غريبة اللون، لا تشبه وردا رأتها من قبل، مرفقة بكلمات ما قالها احد قبله.
غموضه، ايجازه، طريقته المبتكره في مطاردتها، في مقاربتها ما عفدتها في رجل.
برغم ذلك هي تحافظ على مسافة الامان. على لهفتها اليه تبطئ السير نحوه، فما اسرعت الخطى نحو رجل الا وخانها رهانها.
حدث وحاولت ان تطبق في الحياة احدى الطرق الحديثة في التعليم، التي تنصح بها مدارس علم النفس المعاصر، فتمنح التلاميذ مند بدء العام الدراسي نقاطا عالية، كي تحفزهم على الحفاظ على تلك العلامات، بد ان تعطيهم العلامة التي يستحقونها، فتفقد حماستهم للتحسن.
اي حماقة ان تضعي اعلى علامة لرجل قبل امتحانه، مراهنة انك بتجميل عيوبه، ستكسبين رهان تحويله الى فارس زمانه.
لن تقع في هذا الخطأ مجددا. على هذا الرجل ان يشقى لينال علاماته.
كانت تفكر بمنطق المعلمة، وكان القدر يقع على قفاه من الضحك، وهو يسترق السمع اليها. هي لا تدري بعد، ان هذا الرجل جاء ليعيدها الى مقاعد الدراسة.
بعد مكالمتين، فازت بمعرفة اسمه الصغير، لكنها اعتبرت فوزها كبيرا.
قبله، كان هاتفها جهازا، بمجيئه اصبح رجلا، وكان رقما فغدا اسما. اسم هاتفها "طلال". اسم سري، وحدها تعرف به.
طلال اسم رجل يقيم في سماعتها، لكن كلماته تنتشر في حياتها مع الهواء.
رجل لا تعرفه الا قليل .. ويعرفها كثيرا. ادخلها في حالة دوار عشقي يصعب الخروج منها. اسكنها في مساحة وسطية بين باقتين وهاتفين، على حافة حرائق الانتضار.
مكالمة بعد اخرى، كان يراخا تزداد تعلقا بما ترك لها من اضاءات وسط اسرار عتمة، وها هي ذي تترقب صوته، تلومه على انقطاعه، تحتفي بعودته، تلاحق هواتفه مدا وجزرا.
اصبح لها عليه حق الحب، وه واجب العاشق في الاطمئنان عليها، والاطلاع على برنامجها اليومي، من دون ان يبادر احدهما بقول كلمة حب للاخر .
استسلم لعادة سماعها يوميا. كان يهاتفها بين المطارات والاجتماعات، او بين المكتب والبيت، اثناء وجوده في السيارة.
كانت تتفتح كزئبقة مائية ظهرت فجأة في بركة المياه الانسه لحياته. وحين عرضت عليه ان ان يلتقيا، قرر ان يضعها امام امتحان شيطاني قبل ان يسلمها قلبه.
ذلك انه كان دائم الشك في كل من يدخل حياته المهنية او العاطفيه. حذر بحكم ثرائه، لاعتقاده ان اصحاب جيبه، يفوقون عدد اصدقائه، وان السحر اساطع للمال، كثيرا ما غطى عى سحره الشخصي.
لعلها فرصة ان يختبر في امرأة لا تعرفه، حضوره العاري من ابهة الجاه، فبريق الثراء حوله الى بؤرة اشعاع يجذب ضوؤها الناس اليه، فيبدو حيت حل جميلا بما يملك .. لا بما هو.
حين اخبرته انها ستقيم حفلا في باريس، عرض عليها ان يلتقيا هناك، متذرعا بكونها مشهورة في بيروت، ولن يكون سهلا ان يلتقيا في مدينة عربية. مدعيا ان سفرها يوافق تواجده في اوربا.
وجدت في عرضه حرصا منه على صيتها، واكبرت فيه ذلك. بدأت تحلم بلحضة لقائها بها، فهي لم تزر باريس لا مرة واحدة مع والدها واخيها قبل سنوات، يوم كان احد اعمامها يقيم هناك. ربما اشفق الله عليها من عودتها الى باريس لتواجه وحدها وجع ذكراهما، فواساها بان بعث لها بهذا الحب.
لم تلتق من قبل مع رجل في مدينة تتنفس الحرية، ولا كانت يوما حره. لعلها فرصتها لكسر قيودها، واكتشاف العالم. عادت وصححت نفسها: اكتشاف العالم لا الانكشاف به، فكل ما تتمناه هو جلسة جميلة مع هذا الرجل، الذي لون حياتها بالورود، والكلمات التي لا تدري من اين يقطفها لها، كل مرة.
قضت يومها كله تجوب المحلات مع نجلاء، بحثا عن ثياب انيقة، تليق باقامتها بباريس وبذلك اللقاء. قالت نجلاء متذمرة في اخر المطاف:
- الناس يقصدون باريس للتسوق وانت تتسوقين قبل الذهاب الى هناك .. هلكتيني يا اختي مافي شي عاجبك.
اجابتها مازحة:
- ما ادراك .. ربما لن يترك لي الحب في باريس من الوقت
لا تريد اخبارها انها ستتقاضى مباغت رمزيا، نظرا الى كون الجالية الجزائرية هي التي تنظم الحفل. في الواقع، دون ان تعي ذلك، تابى ان تنفق على شراء ثوب، مبلغا يتجاوز ماكانت تتقاضاه في شهر يوم كانت مدرسة. مازال مبلغ 170 دولار يشكل بالنسبه اليها حاجزا نفسيا عليها ان تتخطاه.
ماكان لها من شاغل سوى توضيب حقائب الحلم، وحين غدت احلامها جاهزة للاقلاع، وجاء وقت التفاصيل الصغيرة، هاتفها سائلا:
- اية ساعة تصل طائرتك؟
قالت:
- الساعة السادسة يتوقيت باريس.
- على اي مطار؟
- مطار شارل ديغول.
- حسنا .. ثمة رحلات من لندن كل ساعة تقريبا. ساغادر لندن بحيث اصل قبلك وانتظرك هناك عند مخرج الركاب القادمين.
ردت:
- في جميع الحالات لن نضيع بعضنا البعض فأنت تعرفني اليس كذالك؟
واصلت ممازحة:
- او احمل باقة الورد تلك كي استدل اليك
رد بنبرة جادة:
- ان لم يدلك قلبك علي فلن تريني ابدا .. وهذه القصة لا تستحق ان تعاش.
فاجأها بمنطق التحدي العاطفي الظالم لامرأة لم تره من قبل، ولا تعرف في نهاية شيئا عنه.
ما توقعت الى اي حد كان جادا. قررت ان ترفع التحدي
قالت وهي تنهي المكالمة ضاحكة:
- فليكن .. موعدنا في مطار شارل ديغول
لم تكن تدري اي فخ نصب لها فقد اوهمها انه يكلمها من لندن. كيف لها ان تتوقع وهو يطلبها من رقم فرنسي، انه في الواقع لم يغادر وانه يحدثها من .. بيروت.
هو يعرف الان عن تفاصيل رحلتها ما يكفي ليأخذ الطائرة نفسها، ويسافر معها في مقصورة الدرجة الالى. فهي التي اخبرته سابقا انها ستسافر من بيروت، لعدم وجود رحلات في ذلك التاريخ من الشام، وانه لولا سفرها على الدرجة الاولى لما وجدت مكانا في تلك الطائرة، معلقة:
- معقول؟ ثلاث طائرات يوميا الى باريس ولا تضمن وجود مكان فيها
رد
- طبعا. انه موسم الاعياد.
* * *
اقسلى الذكريات واطرفها، تلك التي عاشها يومها وهو جالس لمدة اربع ساعات على بعد خطوات من انشغالها عنه .. بالرجل الذي كانت تتهيأ للقائه.
كانت على قرب مقعدين منه، لكن ابعد من يوم شاهدها على التلفزيون. انها ابهى من الشاشه، لكنها ليست طويلة كما كانت تبدو، وهذه اول مرة يراها داخل معطف اسود. معطف انيق دون برهجة، بحزان مربوط على جنب، يزينه شعرها المنسدل على كتفيها. ناولت المضيفة معطفها، فبدا له جسدها لاول مرة عن قرب. هو الان على مرمى يده، وملء نظره. كان يمكن ان يقف ويسلم عليها، ان يرفع خصلة الشعر من على جبينها ويقول "مرحبا هالة .. هذا انا". غير انه احب دور الرجل الذي لا تراه .. ولا يرى سواها.
تاملها وهي تطالع الصحف، وهي لا تاكل الا قليلا مما قدر لها من مأكولات. كأنها ولدت اميرة. لا اشهى من امرأة تجلس في الدرجة الاولى، وتترفع عن الانهماك في الاكل. الناس يفعلون ذلك عادة لقتل الوقت، ولابعاد التفكير وهم في الجو في احتمال الموت، لذلك تتنافس شركات الطيران لفتح شهيتنا على كل المباهج، كي ننسى اننا مجرد ريشة في الهواء الا اذا كانت المباهج التي تنتظرنا عند الوصول اشهى مما يعرض علينا، عندها فقط نزهد في كل شيء بانتظار لحظة الهبوط. تمام كما يحدث لها الان.
انه استخفاف المكان بالزمان. هي تيتعجل الوصل بعد اربع ساعات الى رجل يجلس بمحاذاتها ولا تراه.
اضحكه فشلها في معرفة طريقة استعمال سماعات الموسيقى او طريقة تغيير الشاشة المقابلة لها، والتي كانت مثبتة على بث مسار الطائرة والوقت المتبقي للوصول. من الواضح انها لم تسافر كثيرا.
كان بامكانه، تماديا في عبثية الموقف، ان يتطوع لمساعدتها. لكنه قرر الا يفعل حتى لا يفسد للمكان خديعته.
قبل الوصول بقليل، وقفت "النجمة" واخذت من حقيبتها محفظة صغيرة وقصدت احمام. حتما ذهبت لتتفقد زينتها، فقد عادت باشراقة واضحة، جددت حمرتها وسرحت شعرها على جنب.
القت وميض ابتسامتها على الركاب، كتلك التي تركي بها "النجوم" على العامة من باب المجاملة. لم يلتقط الابتسامة، تركها تسقط ارضا. مات فرحه وهو يراها تستعجل النرول للقاء رجل سواه.
عندما حطت الطائرة، نركها تسبقه الى مغادرتها. وجد نفسه خلفها ببضعة ركاب لكنه انهى اجراءاته قبلها لحيازته جواز سفر اجنبيا وسفره دون امتعة عدا حقيبة يد، ما اتاح له الخروج وانتظارها مع جموع المستقبلين.
زحام وازدحام .. واحلام تتهشم بين الاقدام. امواج من البشر القادمين والمغادرين، وهو المغادر من قبل ان يصل، لكنأنه جاء ليغادر.
راح يتابع حيرتها امام وجوه الرجال وهيئاتهم. تأملها من بعيد وقد استوقف نظرها رجل تمنت لو كان هو. بادلها الرجل النظرات عندما رأها تحدق فيه. لكن قبل ان تتوجه نحوه، قادها حدسها اى خيار خاطئ اخر .. بالمعايير الجمالية ذاتها.
اذا هكذا تمنته ان يكون، او هكذا توقعته .. عربي اربعيني .. وسيم يسحب حقيبة جلدية سوداء خفيفة. او مثل الاخر يسافر بدون امتعة، سوى بذلة يحملها بيده في غلاف جلدي .. وبيده الاخرى يجر حقيبة رجل اعمال.
على نصف خطوة منه كانت .. دون ان تبلغه.
لم يحاول ان يقف في حيز نظرها، عساه يساعدها على اجتياز الامتحان في الحظة الاخيرة.
لعبة خطيرة تلك التي اختارها لامتحانها. هي هنا امامه، هل الاهم الامساك بها .. ام التمسك بقراره؟
حدسه كان يقينه، هي لن تتعرف اليه. ماكان لها اصلا من عيون الا لغيره من الرجال. قرر ان ينسحب امام اول خطأ، فهو لا يتقبل الهزيمة، ولا يرضى ان يذل ولو امام نفسه.
في الواقع كان بامكانه ان ينصرف حال نزوله من الطائرة، فالامور قد حسمت قبل الوصول. لكن ما اراد ان يعرفه، هو كيف تمنته ان يكون. اراد ان يرى المسافة الحقيقيه بينه وبين احلامها. بينه وبين ما يعريه منه المال .. عندما تساويه الفرص بباقي الرجال.
ماكاد بهو المطار يفرغ في انتضار وصول الرحلة القادمة، حتى رأها تغادر المطار خائبة. عند الحد الفاصل بين فرصة وضياعها .. ضاع منها.
طلب سائقه على الهاتف لمحها من زجاج سيارته تنتظر دورها امام حطة التاكسي. نركها للمطر. ابتسم بمكر. قرر لحظتها ان يثأر لذلك الخذلان العاطفي بموعد لن ترى فيه سواه.
في الصباح لما اسيقظ ، لم ينس ان يهاتف معهد العالم العربي، منحلا شخصية صحفي، سائلا عن عنوان اقامتها.
سيواصل مفاجأتها. لكن باشعارها بعد الآن انها خسرته.
ما توقعت كمينا محكما كهذا. كيف لها ان تتعرف اليه في مطار؟
الم يجد مكانا اقلا ازدحاما ؟
انها لعبة غير مزيهة، مادام وحده احد الطرفين يعرف الاخر. ثم .. اما كان يمكن ان يكسر قواعد اللعبة في اللحضة الاخيرة معلنا انه هزمها؟ اي انتصار هذا الذي يخسر فيه موعذا انتظره طويلا.
عليها الان بعد الترقب المبهج، ان تتاقلم مع الغياب الموجع.
كانت تحتاج اليه من اجل كل الافراح التي منت بها نفسها، والمباهج التي خالت القدر سيهديها اليها اخيرا. وايضا لمواجهة انكسارات الروح، في مدينة زارتها قبل خمس سنوات سعيدة، وتعود اليها وحيدة. حمدت الله ان يكون عمها الذي استقبلهم هي ووالدها وعلاء في بيته قد ترك باريس وعاد بعد تقاعده للعيش في الجزائر.
لو كان بباريس، لكان افسد حفلها بوعيده، كما في الجزائر متهما اياها بتدنيس شرف العائلة، لكونها "لم تجد رجلا يتحكم فيها". كأنما الموت غنيمة حرية، سعدت بالفوز بها حين فقدت اغلى الناس اليها.
لو كان اكثر حنوا وتفهما ، لربما بقيت في الجزائر .. لكن، كثيرا عليها ان تخوض معارك حتى ضد اهلها.
في الثمانينات، قصد والدها حلب دراسة الموسقى، فعاد منها بعد سنتين وكأنه تخرج من مدرسة الحياة. بينما كان عمها قد سافر في السبعينات للعمل في فرنسا، وعندما عاد الى الجزائر ليتقاعد، بدا وكأن تلك السنين في اوربا لم تترك اثرا في عقليته.
فجأة طالت لحيته، وتغيرت لغته، واعتمد لياسا زي الافغان، واصبح لا يتردد على بيتهم. ودون ان يعلن ذلك، كان واضحا انه رأى في احتراف اخيه للغناء ارتكابا لفعل مستهجن يقارب الحرام.
اخر زيارة لهم لم يمكث للعشاء، كان قد حضر ليأخذ من ابيها تسجيلات ينشد فيها والده ابتهالات دينية في احدى المناسبات، ومضى.
كان المطربون على ايام جدها منشدين، وابناء طرق وزوايا دينيه. وكانو ثوارا ايضا ومجاهدين، نجا بعضهم وسقط اخرون، كاحد ابناء مشيخة الزاوية المختارية، الذي اكتشف امره. كان عازف كمنجة ويهرب وثائق اثورة بالصاقها في جوف الكمنجة. سمعت القصة من جدها، الرجل الذي اهدى لها طفولة سعيدة، دون ان يسعى حقا لذلك، فقط منحها حظ التردد عليه في بيته على ربوة عند اقدام الاوراس.
كان جدها بسيطا، منسوب حكمته اعلى من منسوب حصاره، زاهدا في بهارج الحياة وقشورها. يحيا في تعايش سلمي مع الطبيعة، يخضر الاعراس، يسمع بالولائم، ينشد مع المنشدين، ويغني مع المغنيين ما يحفظ من الثرات البربري الشاوي. لكنه لا يقبل ملا من احد، ولا حتى من ابناءه. يبيع عند الحاجة رأسا او رأسين من ماشيته. كل ما يحتاج ايه يوجد في مزرعته. وما كان يحتاج للكثير. عاش متصوفا على طريقته، لم يستهلك يوما بذلات ولا ربطات عنق ولا احذية جديدة، ولا حتى ادوية.
عبر الحياة ناصع البياض، من برنسه الابيض الى كفنه الابيض. سمعه يقول يوما لوالدها في جلسة احتد فيها النقاش ""لما تموت وعندك مليون من البانك وحدك على بالك بيه .. لكن كي تكون بلا كرامة الناس الكل على بالهم بيك .. صيتك اللي يعيش مبعدك مش جيبك".
ماكان لجدها من جيب، هو لا يحتفظ بشيء لنفسه فما حاجته اليه؟ في بيته لا ينام الا الضيوف، يستبقيهم ثلاث ايام حسب اصو الضيافة، وفي اليوم الثالث يقسم ال يغادرو بيته الا محملين بالسمن والفريك والكسكسي. ذات مرة، احتجت زوجته لانه اعطى الضيوف جل مؤونتهم. رد عليها "يامرا .. الكرم يغطي العيوب .. يمكن شافو منا شي ما شفناهاش .. خلينا نستر حالنا بالجلود".
كان من "ولاد سلطان" الذين يقال عند ذكرهم "سلاطين وما ملكوا". لسخائهم، لم يتوجو، تنازلو عن جاه الحكم ليسودوا بجاه الكرم، هم سلاطين بما وهبوا لا بما كسبو. على حاجاتهم يغدقون حتى ليبدو لمن يزورهم انهم اثرى منه. لذا، عندما سقطت قسنطينة، لجأ احمد باي اليهم، فقد كان بايا في ضيافة بايات، وفارسا في حماية ارض هي حصن طبيعي، تابى ان تسلم من يلوذ بها. فلتلك الارض اخلاق عربي، انصهرت في وجدان الشاوية، وجعلت منهم اشرس المدافعين عن قيم العروبة.
ما نسيت دموع جدها وهو يبكي مآثرهم. لعل ما ابكاه، ال جوده ما ترك ليده ما تجود به. حتى في الموت كاو الاكرم، مقبلين على الشهادة بسخاء، فمن الاوراس انطلقت شرارة التحرير. ماكان يمكن للثورة ان تولد الا في تلك الجبال "الشاهقات الشامخات". جغرافيتهم هي التي انجبت التريخ. على مدى تسعة اشهر، حمل رجال الاوراس الثورة وحدهم، احتضنوها شعلة فحريقا، اودى بقراهم ومزارعهم واهاليهم ودشراتهم وماشيتهم. عزلا واجهو جيوشا لا عهد لهم بعتاد، وحروبا ما عهدوا اهوالها. فقد اعتقدت فرنسا انها ان سحقتهم، سحقت الثورة الى الابد. حينها هب قادة الثورة ليكفو الحصار عن الاوراس بنقل العصيان الى مناطق اخرى، بعد ان رأو انه من غير العدل ان تستفرد الجيوش الفرنسية بأبناء الاوراس دون غيرهم.
قبل عيد ميلادها السابع عشر بايام رحل جدها احمد. بلغت سن الرشد باكرا. موته كان اول علاقة لها بفاجعة الفقدان. كان كالاوراس المكلل ابرا بالثلوج، يبدو بقامته الفارغة وبعمامته البيضاء قريبا من السماء، فلم تكتشف انه تحت العمامة كان شيخا ويهرم، فحتى شارباه المظفوران الى اعلا لم يطاولهما الشيب.
في طفولتها، كثيرا ماكانت تقاسمه نزهته، تتسلق معه الجبل ممسكة بيده او بتلابيب برنسه، الى ان بلغا اعلى نقطة يمكن ان تصلها قدماه اللتان تربتا على تسلق الجبال، حينها يجس تحت شجرة من اشجار الصنوبر، وعندما يرتاح، ياخذ نايه المعلق اى ظهر برنسه، ويشرع في الغناء، غناء كأنه نواح، يفضي به الى التجلي نشوة كلما عبر صوته الوديان الى الجبال الاخرى. لا يسعد الا عندما يعود له رجع الصدى، وكانه احدا يرد عليه من الجبل الاخر.
لومن طويل اعتقدت انه ينادي على احد، وان ذلك الشخص يرد عليه من بعيد لاستجالة مجيئه بسبب الوادي الذي يباعدهما. فكل غناء كان يبدأ بنداء يطول .. يطول كانه نحيب "يااااااا ياااااااي"..
لعل شجن مروانة جاءها من "القصبة" التي لم تعرف آلة سواها. في النهاية، لكل قوم مزاج ألتهم الموسيقية. قل لي ماذا تعزل اقل لك من انت، وارو لك تاريخك واقرأ لك طالع قومك. للغجر عنفوان قيتارتهم، وللافارقة حمى طبولهم، وللفرنسيين مباهج الاكورديون، وللنماويين شاعرية كمنجاتهم، ولللاوروبيين ارستقراطية البيانو وللاندلوسيين سلطنة العود..
لاحقا ادركت ان غناء رجال مروانة كان امتداجا لانين الناي، ف"القصبة" آلة بوح لا تكف عن النواح، كطفل تاه عن امه، ويروي قصته لكل من يسمتع اليه فيبكيه، لذا الناي صديق كل اهل الفراق، لانه فارق منبته، واقتلع من تربته، بعد ان كان يعيش بمحاذاة نهر، عودا اخضر على قصبة مورقة. ترك ليجف فاصبحت سحنته شاحبة، وانتهى خشبا جامدا. عندها تم تعريضه للنار ليقسو قلبه، واحدثو فيه ثقوبا ليعبر منها الهواء كي يتمكنو من النفخ فيه بمواجعهم.. واذا به يفوق عازفه انينا.
من ترى جدها قد فارق، ليصاحب الناي؟
كان يصعد اى قمة الجبل ليقيم حوارا مع نفسه، عن وجع وحده يعرفه. اولعله يعود كلما استطاع كي يختصر صوته، فهو يقيس بحنجرته ما بقى امامه من عمر، ففي عرفه، ان رجلا فقد صوته فقد رجولته.
روى لها انه اثناء حرب التحرير، كان يصعد الى ابعد مرتفع في الجبل، للقيام بنوبة حراسة للقرية، وعندما يرى من بعيد قوافل "البلاندي" والدرعات الفرنسية مقبلة، ينادي منبها ابناء الدشرة لقدوم الفرنسيين، فيتلفت صداه "تراس" في الجبل الاخر، ثم آخر، ويتناقل الرجال النداء عبر الجبال متناوبين على ايصال الخبر الى كافة الاهالي.
كانت الجبال منابرهم، وهواتفهم، ومنصات غنائهم، وحائط مبكاهم، وسقفهم، لذا اعلنت فرنسا الحرب على الجبال، والقت قنابل البابالم على الاشجار .. كي تحرق اي احتما لبقائها واقفة.
لا تذكر انها سمعت جدها يوما يغني اغنية فرحة. برغم ذلك، ما راته يوما حزينا حقا. حين كبرت، ادركت ان رجال مروانه يتجملون بالحزن، يتنافسون على من يحتفي بالشجن اكثر، فالشجن حزن متنكر في الطرب. ذلك ان الطبيعة جعلتهم قساة وعاطفيين، والتقاليد الصارمة اهدت اليهم اكثر قصص الحب استحالة. فكيف لا يكونون سادة الاساطير والغناء؟
في ذلك الزمن الجميل، لم يحدث ان افتى احد بتحريم صوت امرأة، كيف ومروانة اسم انثوي كدندنة تخاله اغنية، هي صغيرة وغير مرئية، كنوتة موسيقية، لا توجد على خرائط المدن الجزائرية، بل على خرائط السولفيج.
كل صباح يصعد رعاتها السلم الموسيقي، اثناء تسلقهم مع اغانيهم جبالهم. يطلقون حناجرهم بالغناء، فيحمل الصدى مواويلهم عابرا الوديان الى الجبال الاخرى. لذا مند الازل يباهي رجالها بحناجرهم لا بما يملكون. ففي مروانة فقط، يرفع الرجال الى السماء ذلك الدعاء العجيب الذي لم يرفعه يوما بشر الى الله " يا ربي نقص لي في القوت .. وزد لي في الصوت"". لزهد الطلب، استجاب لهم الله.
مروانة .. يا لغرورها، فهي بلدة تعتبر حالها بلدا، فهي تعتقد ان مضاربها تصل حيث صوتها.
لفرط ما رافقت جدها على مدى سنوات الى ذلك الجبل، اعتادت ان ترى العالم بساطا تحتها. لم تكن نظرة متعاليه على العالم، لكن تعلمت وهي على منصة للطبيعة، الا تقبل ان يطل عليها احد من فوق.
هكذا تحكم جبل الاوراس في قدرها.
* * *
نامت متعبة. تمنت لو استقبلتها باريس بالاحضان. لكنها استقبلتها بالامطار وبباقة ورد تقول "تمنيت الا تخسري الرهان".
كيف عرف هذه المرة ايضا مكان اقامتها، ومن يكون هذا الذي يتحكم في نشرتها العاطفية مذا وجزرا؟ باقة بعد اخرى بدأت تكره هذه الورود المتعالية الغريبة اللون. هي ابنة المروج، نبتت بمحاداة الازهار البرية، لها قرابة بأزهار اللوتس، وبزهرة السيكلامان الجلبية، لفماذا يطاردها بهذه الورود الغريبة اللون ؟ لو انها ما تحذثت اليه على الهاتف، لخالته احد المرضى النفسانيين. لكنه يبدو رصينا وصارما في قراراته، بقدر مكر مناوراته. رجل في كل غموضه الآسر، غموضه المرعب. ما توقعت وهي تقبل بقواعد لعبته، انها كانت عند اول خطأ معرضة لصاعقة فقدان. ابعقل ان تكون فقدته حقا لمجرد كونها لم تتعرف اليه؟
انتابها اسى خسارة شيء لم تتملكه اصلا. لكن كان امتلاكه حلما.
طلبت امها تطمئنها والا فلن تنام هي الاخرى،وستالف في ليلة كل سيناريوهات المصائب. هكذا هي، ماعادت تتوقع خيرا من الحياة. احيانا ينتابها الاحساس انها غدت والدة امها. لقد هد الالم تلك المرأة، التي كانت في السابق قوية اى درجة اتخاذ القرار بمغادرة حلب قبل ثلاثين سنة، والاقامة مع زوجها في بلاد لا تعرف عنها شيءا، والتاقلم مع ظروف ماكانت تشبه حياتها في سورية.
ردت نجلاء على الهاتف مبتهجة:
- كيفك حبيبتي .. ان شاء الله وصلت بخير؟
- الحمد الله .. وانتو كيفكم ؟
- تمام
- وهيدا الاخوت تبع الورد .. كيف طالع؟ ان شاء الله حلو؟
ردت باقتضاب:
- ايه حلو ..
ولو قالت انها لم تره، لكان عليها ان تحكي نصف ساعة لتشرح ما حدث. وهي تتحدث على هاتف الفندق وسعر المكالمة مضاعف. لاحقا ستحكي لها التفاصيل.
- فيكي تعطيني ماما ؟
- خالة عم بتصلي ..
- طيب طمنيها اني وصلت بخير. بكره بحكيها .. باي حبيبتي.
امها كانت تريد ان تزوج علاء بنجلاء. تقول انهما خلقا لبعض حتى في تقارب اسميهما وانهما ماشاء الله الاثنين "حلوين". اليست ابنة خالته؟ ثم تحاول اغراء نجلاء باخلاقه "يقبرني شو طيب وشو عاقل هالولد". غير ان لعنة علاء كانت بالذات في وسامته وحسن اخلاقه.
في الواقع، كانت امها تخطط لجعله يغادر الجزائر، وينجو من برد بدأ يهيمن عليها الجنون، ويحكمها الخوف والحذر.
ما ارتاحت ابدا لقراره الاقامة في قسنطينة لمتابعة دراسته في اطب.
كان عذره انها الجامعه الاكبر في الشرق الجزائري، وكان مأخذها انه ذاهب الى بؤرة الاصولية، محملا بعقيدة الحياة.
صدق حدس امومتها. كانت جامعة قسنطينة ممرا اجباريا لكل افتن، وختبرا مفتوحا على كل التطرفات. وبرغم ذلك، حاول علاء على مدى اربع سنوات ان يضع مسافة حذر بينه وبين زملائه. لكن ليس بينه وبين الزميلات، الللائي كن ياجأن اليه لما يوحي به من طمئنينة، وما يشع به من تميز في هيأته كما في تصرفاته. كان ذلك مصدر متاعب اضافية، فأصحاب اللحي لم يغفرو له حظوته لدة بنات الجامعة، برغم قدر الاحترام الذي كان يحكم علاقته بهن، ولا غفرو له المجاهرة بآرائه تجاههم.
ما حدث على ايام الرئيس بوضياف، ان قامت السلطات بمداهمة الجامعات، والقاء القبض على عشرات الاسلاميين، وارسالهم الى معتقلات الصحراء بعد ان ضاقت المدن بمساجينها . عندها قرر علاء ان يترك الجامعة حال تقديمه لامتحانات اخر السنه، استجابة لالحاح امه، على ان يسافر لاحقا الى العاصمة لمواصلة دراسته هناك.
كان يفصله عن الامتحانات شهران، لكن القدر كان اسرع منه، مامر اسبوع حتى حضر الى الجامعة رجال امن، وقتادوه مع اثنين اخرين.
من يومها اخذت حياته مجرى ماساة اغريقية، تتناوب فيها الآلهة على مصارعة انسان اقترف ذنب حب الحياة، وحب فتاة ماكان يدري ان احد الملتحين يشاركه حبها. ولانه لم يحظ بها، وشى به زورا حتى لا يخلو لهما الجو اثناء اعتقاله.
كانت معتقلات الصحراء تضم عشرات الالاف من المشتبه بهم، يقبع بينهم الكثير من الابرياء، فلا وقت للدولة للتدقيق في قضاياهم، او محاكتهم، لانشغالها بمن احتلو الغابات والجبال، واعلنو الجهاد على العباد والبلاد.
وجد علاء نفسه متعاطفا مع الاسرى، بعدما رأه من مظالم وتعذيب، وما عاشه من قهر وهو يحاول عبثا اثبات براءته. بعد خمس اشهر اطلق سراحه، لم يقم بين اهله اكثر من بضعة اسابيع، كان ثمة في كل حي شبكات تجنيد، كما شبكات اختطاف الاطباء والتقنيين وكل ما يحتاج الارهابيون الى مهاراتهم. اقنعوه بان يلتحق بالجبال، ليضع خبرته في اسعاف "الاخوة" هناك ومعالجة جرحاهم.
لم يستشر احدا، ولا اخبر احدا بقراره. تحاشى تضرعات امه ودموعها، والغضب العارم لابيه الذي ماكان ليقبل بانحيازه ل"حزب القتلة". هاتف مقتضب منه اه=خبرهم بذلك. قال انه هناك ليعالج الناس ليس اكثر.
كان فيه شيء من غيفارا، ذلك الذي استعمل رحمة البيب لمداواة الشعوب من جراح الوحوش البشرية ايا كان اسمها، دون ان يفرق بي الظالم الحقيقي، والظالم المدجج بسيف العدالة.
علاء يصلح بطلا لرواية يعيش فيها البطل حياة لم يردها، حدث له فيها نفيض ما تمناه تماما.
كان يكره اصحاب البزات واصحاب اللحي بالتساوي، وقضى عمره مختلطا بينهما بالتناوب. وجد نفسه خطأ في كل تصفية حساب، يحتاج الى لحيته حينا ليثبت لهؤلاء تقواه، ويحتاج الى ان يحلقها ليثبت للاخرين براءته، حاجة الضحية الى دمها ليصدقها القتلة.
انتهى به الامر ان اصبح ضدهما معا. ادرك متاخرا ان اللعبة اكبر مما تبدو. كان المتحكمون يضخمون بعبع الملتحين، يغتالون صغارهم، ويحمون كبارهم الاكثر تطرفا. يحتاجونهم رداءا احمر، يلوحون به للشعب حين ينزل غاضبا كتور هائج في ساحة كوريدا، فيهجم على الرداء وينسى ان عدوا قد يخفي عدوا اخر. فهو يرى الرداء ولا يرى الماتادور الممسك بالرداء، وفي يده اليمنى السهام التي سيطعن بها الثور، وفي اليسرى الغنائم التي سطا عليها.
الخيار اذا بين قتلة يزايدون عليك في الدين، وبذريعته يجردونك من حريتك .. وآخرون مزايدين عليك في الوطنية، يهبون لنجدتك، فيحمونك مقابل نهب خزينتك.
حاولت ان تخرج اخاها من تفكيرها كي تستطيع النوم، فأمامها في الغد مشاغل كثيرة. لكن علاء يطل عليها من كل شيء، فاجعتها به تفوق فاجعتها بابيها. مند سنتين ما استطاعت يوما واحدا ان تتقبل فكرة غيابه، فكيف تنساه في باريس التي زارتها معه.
اغمضت عينيها على منظر باقة التوليب.
شيء ما يقول لها ان ذلك الرجل سيطلبها، والا لما قام بجهد البحث عن عنوانها. كانت تلك الفكرة الوحيدة التي يمكن ان تدخل السعادة الى قلبها.
* * *
هو طاعن في المكر العاطفي، ويعرف كيف يسقط انثى كتفاحة نيوتن في حجره. لكنه يريدها ان تنضج على غصن الانتضار. سيغدق عليها المفاجآت، حيثما تكون ستدركها وروده، لكن صوته لن يصلها بعد اليوم.
كان يمكن للطريق اليها ان يكون سهلا، لكن طريقه اليها يمر بكبريائه، وهي اخطأت في تقدير الخسارات، لحضة قبولها بقانون اللعبة.
لقد اهانت ماكان كبيرا فيه، وشوهت ماكان جميلا، وشوشت علاقته برجولته. اما من بذلة تكسود غير ثروته؟ وحين يخلع ثراءه، بامكان عابر سبيل ان يفوز عليه بقلب امرأة، لانه اكثر وسامة او شبابا منه. ما نفع عمر اذا، قضاه في صنع اسطورة تميزه، والعمل على رفعة ذوقه، وسطوة اسمه؟ اتكون كل النساء الالئي يطاردنه يكذبن عليه؟ يغازلن جيبه لا قلبه، ويحلمن وهن معه برجل سواه.
حتى هذه الفتاة التي ليست اجمل ما عرف من النساء، لم تكترث بوجوده على مدى اربع ساعات قضتها بمحاذاته، ولا لفت شيء فيه نظرها وهو منتصب امامها في المطار، برغم ان ثمة من تغزلن بعيينيه، واخريات باناقته، او كارزما طلته. لعلها لا تدرك بعد ما يغري فيه.
قصد مكتبه. قضى يومه منهمكا في العمل ليتهمك في نسيانها. برغم ذلك راح يفكر: ايرسل لها وردا بعد غد الى حفلتها .. املا ؟
قرر الا يغير عادته. بلى سيرسل لها الباقة اياها لكن بدون اية بطاقة، لمزيد من العبث باعصابها. ستتوقع وجوده في القاعة، وستواصل البحث عنه بين الجمهور .. هي تدري ان مثله لا يختلط بجمهور .. انه الجمهور في حد ذاته.
امد سكرتيرته الفرنسية بتاريخ الحفل وعنوان القاعة، وقال على غير عادته لما ليبرر تعليماته:
- اني مدعو اى حفل يتعذر علي حضوره. ارسلي مساءا باقة ورد الى هذا العنوان، وكلفي احدى الشركات بتصوير الحفل.
هاقد اصبح يتصرف كصائد، يجمع كل التفاصيل عن ضحيته. وماذا لو كان هو الضحية في حب كامل الدسم .. مكتمل الالم؟
ما يعنيه هو اللحضة التي تتلقى فيها باقته، وتروح تبحث عنه بنظراتها بين الحضور، متوقعة انها هزمته، وارغمته على خرق اصول اللعبة.
يسليه تأمل النساء، في تذبذب مواقفهن، وغباء تصرفهن امام الاشارات المزورة للحب.
* * *
انتابها خوف لذيذ وهي في طريقها الى الحفل، غير ذلك الخوف الرهيب الذي عرفته يوما.
هذه اول مرة تغني في باريس. ينتظرها جمهور جزائري وفرنسيون من المتعاطفين مع الجزائر، فقد غطى الاعلام حدث حفلها ضمن المتابعة اليومية لما درج على تسميته "المذابح الجزائرية".
تلقفت الصحافة قصتها، وهاقد غدت رمزا للنضال النسائي ضد "الاسلاميين" و"العصفورة التي كسرت بصوتها قضبان التقاليد العربية متخدية من قصو جناحيتها".
كان يكفي ان تؤنث المأساه، وتضاف اليها توابل الاسلام والارهاب، والتقايه العربية، لتكون قد خطت خطوتها الاولى نحو اشهرة.
هاتفها ابن عمها جمال يعرض عليها الحضور الى الفندق لمرافقتها الى الحفل. هو يختلف تماما عن والده. شاب عصري، انيق، متفتح، فيه شيء من علاء.
بدا جمال في علاقته معها حائرا بين ابنة عممه التي كان يعرفها ايام زيارتها لهم، والنجمة التي تجلس بجواره في السيارة بكعب عال وشعر مبعثر على كتفها، وفستان اسود طويل.
لتطمئنه انها لم تفقد روحها الجزائرية الساخرة، قالت مازحة:
- لو كنت رايحة انعني في حفل بالجزائر ما خليتكش تجي معاي .. واش نعمل بيك وانت جايني لابس costume وحاط الجل على شعرك .. يلزمني واحد بحزام اسود للمصارعة .. او بالاحرى اربعين مصارعا لمرافقتي.
ام يفهم ما تعنيه. توقع انها تستخف بهيأته. امام صمته اضافت موضحة:
- الم تعلم انه بسبب تهديدات جماعة من الاصوليين اضطر القائمون على حفلات قاعة الاطلس في العاصمة الى استقدام اربعين مصارعا من الحاصلين على حزان اسود لضمان حياة أيت منغلات والجمهور الذي حضر حفله، خشية ان يتم الاعتداء عليهم من قبل من حاصرو القاعة في الخارج؟ تصور في كل بلدان العالم يقصد المطربون الحفل مع فريق من المصورين والمزينين. اما عندنا، فيدخل المغني القاعة بفرقة من المصارعين. وبرغم هذا، انت لا تضمن حياتك .. لو ارادو رأسك لجاؤو به حتى لو حضرت برفقة "بروس لي" بطل فنون القتالية شخصيا.
علقجمال مازحا:
- انا مانيش انتاع هاذ اشي .. خاطيني الكاراتي .. في البلاد شوفي واحد اخر يروح معاك.
- تعرف .. والله اغار من الذين يعزفون في الميترو في باريس. كل يغني على مزاجه. قد يمر احدهم ويضع له قبعة يورو، وقد لا يضع شيئا. لكن على الاقل لا يضع له رصاصا في رأسه.
واصلت ضاحكة:
- الحمد لله نظل احسن حالا من الاوركسترا الوطنية العراقية .. اطلقت عليها الصحافة اسم "اشجع اوركسترا في العالم". تقيم حفلات سرية لا يرغب المنظمون في الاعلان عنها، بل يفضلون ان يعلم بأمرها اقل عدد ممكن. تصور .. دمرت الصواريخ الامريكية قاعة حفلاتها، وخطف البعض من أفرادها، وقتل اخرون لاسباب طائفية، وفر نصف اعضائها للخارج .. ومازل من بقو على قيد الحياة يقطعون حواجز الخطف والموت، ويصلون الى المسرح ببزاتهم السوداء، حاملين
آلاتهم في أيديهم ليعزفوا وسط دوي المتفجرات مقطوعات سمفونية لباخ وفيفالدي..كما لو كان كل شيء طبيعيا.مشهد سريالي،الفرقة والجمهور مرعوبون لكنهم يستعينون على خوفهم بالموسيقى. والله هم ينسيك هم!
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER]

كانت بحاجة أن تستعرض بطولات اﻵخرين لتستقوي بهم على خوفها.الحقيقة أنها كانت تغني ﻷول مرة في فرنسا،وتقف تحت أضواء إعلامية أكبر من عمر صوتها،فهي لم تكن مهيأة لقدر كهذا.
كل هذه الضجة التي رافقتها تربكها، لفرط ماطالبوها برفع سقف التحدي،كل حسب انتماءاته.
البعض قال لها:"مذ غنى عيسى الجرموني في الخمسينيات في قاعة"اﻷولمبيا"الشهرة،هذه أول مرة يستعيد الشاوية مجدهم في باريس". ردت بأنها خارج الجزائر جزائرية فحسب.
كانت تمازح جمال لتروض توترها المتزايد. غير أنها وجدت طريقة للسيطرة على انفعالاتها بإلقاء كلمة صغيرة تمنحها فرصة استيعاب الموقف والسيطرة على الجمهور منذ اللحظة اﻷولى. ذلك أنها في النهاية مدرسة،والتوجه إلى اﻵخرين من منصة هو نقطة قوتها.
أما الوقوف على المسرح والمباشرة بالغناء،فهو أمر ما زال يربكها.
ما كادت تطل على الجمهور،حتى ارتفعت موجة من التصفيق والهتافات الوطنية. وراح البعض يلوح بأعلام الجزائر. كان الجو مشتعلان بما فيه الكفاية. شعرت بأن الذين حضروا لم يأتو للطرب،بل ليعلنوا رفضهم الﻹرهاب. إنها هنا أمام أنصارها.
ارتجلت كلاما كانت قد أعدت بعض أفكاره في ذهنها. جاء كلامها مذهلا في تلقائيته،مؤثرا في نبرة قوته. خيم صمت كبير على القاعة. لقد كانت تتكلم وهي تطل عليهم من جلبها ذاك.
قالت:
-ذات يوم.. ساق اﻹسرائيليون سهى بشارة بطلة المقاومة اللبنانية إلى ساحة اﻹعدام.. أوهموها أنهم سيعدمونها، قيدوا يديها ورجليها وصوبوا فوهة المسدس إلى رأسها وسألوها عن أمنيتها اﻷخيرة في الحياة. ردت"أريد أن أغني" وراح صوتها يترنم بموال من العتابا الجبلية:
"هيهات يا بو الزلف عيني يامولي
محلا الهوى والهنا والعيشة بحرية"
أشبعوها ضربا وعادوا إلى الزنزانة. وواصلت سهى بشارة الغناء.
على مدى أعوام،اعتاد أسرى سجن الخيام سماغ غنائها.صوتها البعيد الواهن،القادوم من خلف قضبان زنزانتها،أبقاهمأشداء. فمن يغني قد هزم خوفه.. إنه إنسان حر!
بلى،بإمكان من لا يملك إلا حباله الصوتية أن يلف الحبل حول عنق قاتله،يكفي أن يغني،فلا قوة تستطيع شيئا ضد من قرر أن يواجه الموت بالغناء.
عندما قام اﻹرهابيون باغتيال الشاب حسني،وقطف زهرة صوته،ما توقعوا أن يصعد شقيقه إلى المنصة،ليثأر لدم أخيه بمواصلة أداء أغانيه أمام جثمانه،أربكهم أن يواجههم أعزل إلا من حنجرته.
بلى،بإمكاننا أن نثأر لموتانا بالغناء.فالذين قتلوهم أرادوا اغتيال البهجة. أوليست "البهجة"هي الاسم الثاني
للجزائر ؟ليعلموا انهم لن يخيفونا ،ولن يسكتونا ..نحنهنالنغني من اجل الجزائر ،فوحدهم السعداء بإمكانهم إعمار وطن ،انطلق النشيد الوطني ووقفت القاعه تنشد:
قسمنا بالنازلات الماحقات والجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة او ممات وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر فاشهدوا
ماكاد ينتهي النشيد حتى ارتفعت الزغاريد والهتافات ،وصعدت سيدة الى المنصه لتقبلها وتضع علم الجزائر على كتفيها،حيث تحل يقلدها الموت وسامه . هي ابنه القتيل واخت القتيل .لها قرابه بمثنى الف جزائري .
كان ذلك الحفل اجمل ماعاشته منذ مأساتها . ادت فيه اكثر مما كان مقرر من اغان . ثم عادت ببعض باقات الورد لتبكي ليلا وحدها .
اليس الغناء في النهايه هو دموع الروح .
في الفندق تأملت باقات الورد المتواضعه التي قدمت لها انها الابسط لكنها الاصدق ،من مغتربين بسيطين يقولون الاشياء دون تنميق اوبهرجه .احداها كتب عليها بالفرنسيه احب الجزائر
بكت هل حقا الجزائر تحبها ؟
كم كانت بحاجه الى هاتين الكلمتين ! لكن لفرط ما اسدى لها الوطن من ضربات ماعادت اذاه بل حبه هو الذي يبكيها ثم ماوجدى نجاحنا تعيشه وحدها ،مادامت الجزائر التي تحبها ماتركت لها رجلا تتقسم معه فرحتها .
كان ولاؤها اولا للحقيقه وهي لا تملكها كامله وتدري ان كل شيء كان ممكنا في وطن من فوق قبوره تبرم صفقات الكبار
وتحت نعال المحتكمين بمصيره يموت السذج وصغار .لكن في حياة قضتها واقفه ، لم تكتسب يوما مهارات الجلوس على المبادء لذا لن تفوز
بشهره لا تفتح بابها في الغرب الا لمن يتقن دور الضحيه مضحيا بقيمه .لذلك الضوءالساطع ثمن ماكانت جانزه لدفعه
في الجزائر ادركت على حسابها لن في الحروب لا توجد حقيقه واحده ولا ارهاب واحد
بدت مشاكلها حين راحت تصرح للصحافه الحره بان ثمه جزائر القلوب واخرى للجيوب وارهابا سافرا واخر ملثما وان كبار اللصوص هم من انجبوا للوطن القتله .
كانو يريدونها حطب المحرقه، لكن جان دارك التفتت ساعه المعركه فما رأت رجلا وجدت نفسها وحيده مثل حامل الفانوس في ليل الذئاب في مواجهه وحوش جاهزه للانقضاض على اي مكان
دفاعا عن غنتيمتها الكل ادرك فحوى الرساله ((كن صامتا ..او ميتا )).
كل حكم يصنع وحوشه ، ويربي كلابه السمينه التي تطارد الفريسه نيابه عنه.. وتحرس الحقيقه باغتيال الحق .
ذات صباح طلبها مدير ليخبرها انها مفصوله عن العمل الذريعه ان الاهالي لايريدون ان تدرس مطربه ابناءهم . ذريعه تشك كثيرا في صديقتها فماكانتمطربه حفلات ولا اعراس هي لم تكن
قدغنت سوىمرتين
مره لذكرى وفاه ولدها ومره في برنامج تلفزيوني ثم انها كانت محبوبه بدى الاهالي فقد كانت تزورهم في بيوتهم .
او تهاتفهم لتطمئن الى التلاميذ ان تغيبوا ففي تلك الايام كان المهم ان تحفظ راسك لا ان تحفظ دروسك مدرسا كان او تلميذا
رات امها في قرار طردها انذارا اول ، سيليه ما لا تحمد عقباه
ولانها لم تشأ ان تترك قبرا ثالثا في الجزائر اخذت ابنتها وغادرت الى سوريه . [/ALIGN]
[ALIGN=CENTER]

http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/174688020.png
منتظرة ردودكم الجميلة
حب4حب4


http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/456320512.png

[/ALIGN][/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

Florisa 09-30-2015 12:39 AM

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فعلاًً إنه لفخر كبير ان تنيري المسابقة بمشاركتك
وليسست أي مشاركة
فقد بان الأمر متعوبٌ عليه
بأنها نُقلت إلينا من كتاب
ومهما تم البحث عنها في أنحاء مراكز البحث في Google
فلن يجيدوها إلى في منتدانا عيون العرب حصريـــــاً

بدايةً أنا افتخر ويملأ قلبي البهجة لوجود رواية لم تُنشر من قبل
تمنيت وودت يوماً قرأتها ولكن الكسل وما يفعل ....
وانا سعيدة بأنها الأن في قسمي ق2ق2

حسب علمي بأن الرواية طويلة جداً
فـ روايات أحلام تتلخص بأحداث كثيرة ومشاعر متلاطمة على صفحات الرواية

أود ان أشكركِ حقاً
واتمنى ان تنيري القسم دائماً برواية على ذوقك
وأي مساعدة تحتاجينها فأنا جاهزة وأرحب بكِ في كل وقت

سيتم ختم الرواية بـ " فخامة " :55:
وبإذن الله رح خصص ختم جميل لروايات منقولة من كُتب

اعذريني عالرد البسيط وإن شاء الله مع كل فصل ردي بيطول أكتر وأكتر
وما انسى التقييم إن أمكن
حاكم بتعرفي مشكلة السمعات اللي ما بعرف لها حل -_-"

لا تنسيني من باقي الفصول
دمتي بود و4ق2
تحياتي
Florisa ق1
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

KAREN 09-30-2015 05:36 PM

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/714834664.png
http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/133741467.png

" إليكم الفصل الثالث

حيثما ساموت، ساموت وانا غني."
فلاديمير ماياكوفسكي
اشعل غليونه وراح يتابع تسجيل الحفل.
عجب، وهو يراها ترتجل تلك الكلمة، ان يكون الارهابيون قد منعوها من الغناء. كان عليهم إصدار فتوى تحرم عليها الكلام، انها اخطر وهي تتكلم.
هو يفضل كلامها. لو انها كانت تغني يوم رآها لاول مرة على التلفزيون لربما غير القناة، ما اسره هو هذا العنفوان، لعله سر شغف الناس بها اينما حلت، لكأنها ابنة البراكين، تتدفق حممها حال وفوفها على المنصة.
كم يود قطف هذه الزهرة النارية دون ان تحترق يده. ان تكون له وحده، هذه المجدلية التي ما كادت تنتهي من الغناء، حتى زحف الجمهور نحوها ليتبارك بها.
خاب امله في رؤيتها حين امدوها بباقته، فقد اوقف المصور لقطاته حين طوقها الجمهور وعم القاعة شيء من الفوضى.
اطفأ جهاز التسجيل وراح بفكر في ما اكتشفه فيها . فانكشفت به جراح روحه.
هذه امرأة تكمن "ادواتها النسائية" في صفاتها الرجالية.
هي شجاعة ومكابرة، ونملك حسا وطنيا فقد وهجه، لفرط غربته ومتاهته على مدى ربع قرن في البرازيل. هناك، في ارض الكرنفالات والاقنعة الافريقية، أضاع ملامح وجهه الاصلية. كل من أقام في البرازيل سكنته كائنات الغابات الآمازونية، وارواح نساء ما زلن يرقصن السامبا، في انتضار الصيادين العائدين بشباك تتراقص فيها الاسماك، ونبتت له اجنحة ملونة، كالفراش المداري العملاق في حقول الساركاو، فغدا كائنا خفيفا لا يمشي بل يحلق .. ففي رأسه لا يتوقف البرازيلي عن الرقص.
حسدها لانها تملك قضية، وماعادت له قضايا مند زمن.
في لبنان، ما من قضية الا وتصب في جيب احد. فليعمل المرء اذا لجيبه .. بدل ان يموت ليضع ثراء لصوص القضايا، واثرياء النضال، المقيمين في القصور والمتنقلين بطائراتهم الخاصة. شرفاء الزمن الجميل، ذهبت بهم الحرب، كما ذهبت بأبيه، وقذف البحر بما اعتاد ان يرمي به للشواطئ، عندما تضع الحروب اوزارها.
في ما مضى، في سبعينات القرن الماضي، ايام الحرب الاهلية، كان جاهزا للموت حتى من اجل ملصق على جدار يحمل صورة قائد حزبه او زعيم طائفته. الآن وقد تجاوز مراهقته السياسية، ادرك سذاجة رفيقه الذي مات في "معركة الصور" دفاعا عن كرامة صورة لمشروع لص، اراد سادج اخر ان يقتلعها ليضع مكانها صورة زعيم اخر لميليشيا. فمات الاثنان وعاش بعدها اللصان.
هل ثمة ميتة اغبى؟
بلى ثمة حماقة اكبر، كأن تموت بالرصاص الطائش ابتهاجا بعودة هذا او اعادة انتخاب ذاك، من دون ان يبدي هذا ولا ذاك حزنه او اسفه لموتك، لانك وجدت خطأ لحضة احتفال "الاربهين حرامي" بجلوس "علي بابا" على الكرسي.
وثمة عبثية الشهيد الاخير في المعركة الاخيرة، عندما يتعانق الطرفان فوق جثته .. ويسافرون معا ليقبضا من بلاد اخرى ثمن المصالحة .. الى حين.
حين وقع على هذه الحقائق، نزل من ذلك القطار المجنون، واستقل الطائرة هربا الى البرازيل، انشق عن حزب "النضال" وانخرط في حزب الحياة. ماعاد له من ولاء الا لها.
تلك البلاد التي وصلها مفلسا، ماعاش فيها يوما فقيرا. فهناك يعمل الناس كما لو كانو عبيدا، ويعودون من اعمالهم ليعيشو بقية نهارهم أمراء. مباهجهم لا علاقة لها بجيوبهم، هي توجد في اذهانهم. من يملك دولارا يحتفي به كما لو كان مليارا. فالدولار عندهم لا يغدو ثروة الا اذا حولوه الى حياة. بينمت يكتنز غيرهم الحياة، بتحويلها الى اوراق مصرفية يعمل صاحبها بدوام كامل حارسا لها.
منهم تعلم ان يعيش الحياة كاحتفالية كبيرة. كما لو كان في كل موعد معها ينفق آخر دولار في جيبه، كي لا يتفوق عليه سعادة من ليس في جيبه الا دولارا.
وحتى تلك افتاة، تعنيه لانه يدري ما تخفيه تحت حدادها من شهوة الحياة.
من مكر الاسود قدرته على ارتداء عكس ما يضمر.
ما استطاعت ان ترفض دعوة بيت عمها. تركت ذلك للاخر حتى لا تعكر مزاجها مند اول يوم.
اخذت لهم مافي غرفتها من ورود، كي تمنح الحب حياة اطول. فقد عز عليها ان تلقى تلك الورود وهي متفتحة في سلة المهملات.
عبثا هربت من ذلك البيت، لا تريد ان ترى أطياف علاء ووالدها .. في الصالون وحول مائدة الطهام. وخاصة، لا تريد الرد على تلك الاسئلة التي توقظ المواجع. لكن أسئلة أبناء عمها جاءت مع فنجان الشاي.
- لماذا لا تقيمين في فرنسا الى ان تهدأ الاوضاع؟
- انا سعيدة في الشام.
- استفيدي .. اطلبي بطاقة الاقامة مادامت الظروف مواتية، ربما تحتاجينها لاحقا. سيمنحوك حق اللجوء.. نصف الجزائر انتقلت الى باريس، معظمهم بملفات ملفقة .. منهم من يدعي ان السلطة تهدده وأخر ان الارهاب يطارده. انت يطاردك كلامها..
كانت سترد بان وحدها الذاكرة تطاردها .. كما في هذا البيت وبرغم ذلك ، جاء السؤال الذي لا مفر منه.
- سامحيني يا بنتي .. كيفاش مات علاء الله يرحمو حد ماقال لنا واش صار؟
ام جمال تريد اجوبة موجعة، تليق بفاجعة شاب في عمر ابنها استنفد احلامه باكرا. تريد التفاصيل التي يحتاج اليها الاقارب الذين لم يرو جثة فقيدهم، ويحتاجون الى دليل وتفاصيل ليتقبلو فكرة موته.
ابتعلت دموعها لا تريد ان تحتسيهم في حضرة احد.
هي هكذا كلما تتكلم عن علاء، تتحدث كما لو انه مازال هنا. ثم لاحقا، في اللحظة التي تتوقعها، لسبب لا علاقة له في الظاهر به، تنهار باكية. الان هي تروي، بنبرة عادية، قصة حدث قبل سنتين، لشاب جميل، كما اولئك الذين يشتهيهم الموت .. كان اخاها الوحيد.
- عندما عاد من معتقلات الصحراء، سعدنا لانهم، بعد خمس أشهر لم نعرف عنه شيئا، اقتنعو ببراءته وأطلقو سراحه اخيرا. لكن ماكاد يمر شهران على اقامته ببيتنا، حتى جاء من يقنعه بأن كل ماحدث له من مصائب هو بسبب ابتعاده عن الاسلام، فلا صلاته ولا صيامه سيشفعان له عند الله ان لم ينصر مجاهديه، لكونه قضى سنتين في العسكرية لخدمة الوطن، ولم يعط من عمره شهرا لخدمة الاسلام. اغروه بالالتحاق بالجبل لللافاء بدينه ومعالجة الجرحى من الاسلاميين ولو بضعة اسابيع. ذهب علاء دون ان يخبرنا بقراره. ماكان يدري ان الخروج من الجحيم ليس بسهولة دخوله.
صاح جمال مندهشا:
- مضى بملاء إرادته الى الارهابيين؟
- استفادو من حالة إحباطه ومما شاهد من مظالم في المعتقلات، ليلعبو بعاطفته. ان لهم القدرة على اقناعك بما شاءو.
- وبعدها؟
- بعدها .. قضى اكثر من عامين متنقلا بين المخابئ في الجبال، يعالج الجرحى ويولد النساء المغتصبات اللائي "سباهن" الاهابيين بذريعة انهن بنات وزوجات موظفين او عاملين في "دولة الطاغوت"، لكن ذلك لم يشفع له. حين طلب السماح له بالعودة، غذى شكوكهم، فقد كانو يشتبهون في ان الجيش من ارسله ليتجسس عليهم، بسبب جهله في امور الدين. تفتقت حينها قريحة احدهم عن اختبار شيطاني، ان يثبت لهم اعتناق الجهاد بعودته لقتل والده، ويكون حينها امنا على نفسه، بتصفيته من جعل من صوته "مزامير للشيطان".
توقفت عن الكلام لتستعيد جأشها .
سأل الجميع في الوقت نفسه:
- وماذا حدث؟
- امام هول الاختبار ، غدا مطلبه ان بساومهم على حياة ابيه ببقائه معهم. قال لهم انه ماجاء ليقتل بل ليعالج، وانه سيبقى في خدمتهم ما شاؤو مقابل ان لا يؤذو والده. ماكان يدري ان لا صفقة تبرم مع القتلة، ولا توقع ان اثناء تواجده معهم ارسلو في قتل ابي. علم بذلك بعد اشهر عندما نزل من الجبل مع من نزل من التائبين في اطار العفو والمصالحة الوطنية. اخرجته الصدمة من صوابه، وكان قد وصلنا نصف مجنون لهول ما رأى. فقد غدا غريبا عن نفسه وغريبا عنا، وارهابيا في عين اصدقائه السابقين، ومشبوها في عين الاهابيين الذين لم يغادرو بعد جحورهم في الجبال، ويعتقدون انه الحلقة الاضعف، وانه من سيشي بمخابئهم للجيش. وهكذا، ارسلو احدا لتصفيته بعد شهرين من اقامته ببيتنا.
صمتت فجأة. فهي لم تدري اي كلمة تختار لتصف حدث موته: "تصفية" .. "اغتيال" .. "الاجهاز عله" ؟ .. لفرط مامات علاء مذ استباحو نبله، واغتالو شهيته للحياة، واعدمو بهجة حواسه، كل كلمات الموت مجتمعه لا تكفي لوصف عبثية رحيله الابدي.
ها قد اشبعتهم تفاصيل .. فليبكو اذا .
انتهى الكلام لا الرواية فقد احتفظت لنفسها بالتفاصيل.
نزل علاء من الجبل، مع ألاف "التائبين" الذين سلمو انفسهم الى السلطات بعد الضمانات التي قدمت لهم . لم يتب عن القتل، لما اغتال سوى اوهامه. كان يحلم بالعودة الى بيته، كما يحلم البعض ببلاد بعيدة موعودين بها. وعندما عاد الى اهله، اكتشف انه لم يعد الى نفسه. اهت سلامه الداخلي، لفرط ما راكم في سنتين من السنوات، ماعاد له من عمر.. ولا من اسم. ضل لايام يفاجأ عندما يناديه احد باسمه. ياخذ بعض الوقت قبل ان يرد، ريثما يصدق انه المعني .. وانه ماعاد "ابو اسحاق" بل علاء.
كانت اول صدمة هي اكتشافه اغتيال ابيه في غيبته. سأل: "كيف قتلوه" وعندما علم انهم فقط أطلقو رصاصتين على رأسه، كان عزائه انه لم يتعذب. فمن حيث جاء، شهد من صنوف التعذيب اهوالا واجتهادات لا يمكن لنفس بشرية ان تتصورها .. ارحمها، جعل سجين يحفر قبره بنفسه، واجباره على التمدد فيه، ثم تغطيته بالتراب ومشاهدته وهو يعطس ويبصق. وخلال لحظة يسود الصمت، فيطؤون التراب فوقه بأقدامهم ثم يرحلون.
بعض من وقع في الاسر، لتهمة لا يدري ماهي، اختار الاسراع بالانتحار حتى لا يتعرض للتعذيب. شاهد احدهم يخنق نفسه عبر اكل الرمل الممزوج بالارض الممتدة حول الشجرة التي كان مربوطا اليها، فعلى مرأى منه كان يسلخ اسير من جلده، ويترك لايام يحتضر الى ان يفرغ من دمه، برغم كونه وشى حتى بأخته .. المتزوجة من شرطي.
كم مرة تماسك كي لا ينهار ويغمى عليه خشية الا يستيقظ ابذا. فلا مكان بين القتلة لضعيف. لكنه الان وقد نجا، انهارت قواه تماما، يعيش مع اخته وامه مشلول الارادة والتفكير، متشردا بين القيم المتناقضة. لا تكف امه عن ضمه والبكاء. لقد بكت مذ مضى، وتبكي الان لانه عاد. وهو كلما خلى الى نفسه بكى. قاوم دمعه عامين، لكنه الان استعاد حقه بالبكاء، فهو لا يغفر لنفسه ما سبب للجميع من اذى، ولا يدري ماذا عليه ان يفعل لايعاد امه. هل يواصل الدراسة؟ هل يعمل ؟ هل يتزوج؟ هل يغادر ام يبقى؟ وان غادر فكيف يتركهما ويمضي ؟ وان انتقلو جميعا للعيش في الشام كما تريد امه، فمن اين لهم المال ؟
لو كان اميرا من امراء الموت، لربما فتحت له ابواب الرزق، وقدمت له مساعدات على قدر مقام سيفه، ولكوفئ على انقلابه عن فتاويه الاولى باصدار فتاوى جديدة تحرم على من لا زالو في الجبال مواصلة الجهاد. لكنه ليس اميرا، ولا يتحكم في سرايا الموت، ولا في كتائب القتال. هو مازال غير مصدق انه استعاد حياته. ثم ان "اخوته" الامراء ليسو معنيين بأمره، هم مشغولون الان بتجارتهم، بعد ان تاجرو به وبغيره.
عمار التحق بالجبال بعده، ونزل منها قبله. كان اميرا هناك ووجده اميرا هنا. يستمتع بحقه في الحياة بعد ان انتزع من الاخرين هذا الحق. يملك الان تجارة مزدهرة، الى حد مثير للعجب. ان سألته كيف اكتسبتها، اجابك بما تفهم منه انه جدير بالربح، وانه لا يليق بك الا الخسارة، لان الله ليس معك. هو معه. له العناية الالهية، لذا تجارته مباركة ومكاسبه حلال، وعليك ان تستنتج انك ملعون، ومستثنى من رحمة الله، برغم كونك مؤمنا، وحسنا، وتخاف الله، وما قتلت نفسا بغير حق.
سيقول لك كل هذا باللغة الفصحى، التي لا يتخاطب "أصحاب البركات" الا بها، لانها لغة اهل الجنة. ولا تدري كيف ترد عليه وانت في جحيمك، تركت جحيم الموت، لتجد جحيم الحياة في انتضارك.
بانسبة الى علاء لقد طرد من الجنة الارضية يوم فقد الحب. لعلها الغيرة، وذلك اعشق المتطرف رغبة في استحواذه بالحبيب، حد فقدانه في نهاية المطاف.
كانت هدى قد انهت دراستها قبله، بحكم تخصصها في الصحافة. لم يتقبل فكرة انتقالها للعيش في الجزائر. وماكانت هي جاهزة للتنازل عن فرصة قد لا تتكرر، في العمل مقدمة أخبار في التلفزيون. ما ان غادرت الى العاصمة، حتى غادر هو الى الجبال. ربما اراد ان يقاصصها فقاصص نفسه بها، وهو يلقي بنفسه في التهلكة هربا من عذاب فراقها.
حيت كان انقطعت اخبارها عنه. وهو الان يود ان يعرف من بعيد، ما حل لها منذ سنتين الى اليوم، لا يريد ان تراه على ما هو عليه من بؤس المظهر. يحتاج الى بعض الوقت كي يستعيد ما فقد من وسامة وصحة.
اتصل بأخيها، فهو صديقه وزميل سابق له في الجامعة. سعد عندما سمع صوت ندير يرد على الهاتف. مذ عاد وهو غير مصدق، ان يرد احدهم على رقم هاتفي في حوزته. وما ادراه بما حل بالناس في غيبته.
اتفقا ان يلتقيا. تجمل له ما استطاع، كما لو كان يتجمل لهدى، فهو يتوقع ان ينقل لها اخباره. لكنه وجد نفسه اكثر اناقة منه.
كان ندير في السابق سيد التانق والبهجة. كأنه قطع عهدا على نفسه الا يحزن. وكان هذا اول ما شده اليه. فقد كانا منخرطين معا في حزب الحياة. ندير يحفظ أخر اغان اجنبية، ويدري بأخر التقنيات. يحرم نفسه من كماليات، ليشتري اخر جهاز تكنولوجي .. واول جهاز كمبيوتر يدخل البلاد. هو دايما امام شاشة بحكم دراسته في مجال المعلوماتيه، انه خريج الحياة الافتراضية.
حاولا ان يستعيدا روح دعابتهما السابقة.
قال ندير:
- واش .. مازلت حي ؟
رد علاء بالسخرية نفسها:
- وانت مازلت في "la planéte " نتاعنا ؟ حسبتك بدلت المجرة
- انا في المجاري ياخو .. انت على الاقل كنت في الجبل، عندكم الاكسجين فوق .. هنا نشفولنا حتى الهوا. يمكن يكونو يبيعو فيه ب "الوفيز" .. كل شي يتباع بالعملة الصعبة غير احنا اللي رخصنا
- واش راك تدير هاذ اليامات؟
ضحك ندير، لا احد سأله مذا يفعل هذه الايام، فأن تبقى على قيد الحياة في حد ذاته فعل. الناس تسأل ان كان فلان مازال حيا، لا ماذا يفعل.
رد بتهكم:
- ما ندير والو. راني اندور .. مثل رواية مالك حداد "الاصفار تدور حول نفسها" راني هاك ذلك اندور. وانت واش مطلعك للجبل والاه بلت يا راجل؟
رد علاء كما ليبرر حماقته:
- ما عللا باليش واش صارلي كنت كاره حياتي
- يا خويا اذا كاره حياتك اقطع البحر ماشي تطلع للجبل .. عندك على الاقل احتمال توصل للجنه .. وتعيش في فرنسا والا في اسبانيا تاكل كل يوم "لابايلا".
رد علاء بسخرية سوداء:
- والله ياكلك الحوت قبل ما تاكل "لابايلا"
- ياكلني الحوت ولا ياكلني الدود ..
الندير يتكلم بقهر، شاب تخرج ولم يجد وظيفة منذ سنتين. حتما هو يقول كلاما غير مقتنع به تماما. انه يعاني من حالة خذلان. ذهبت به من التطرف في البهجة الى التطرف في الخيبة.
راح علاء يقترب من الموضوع الذي يعنيه، سأله:
- انا قلت تكون تزوجت في غيابي ..
رد ندير ساخرا:
- نتزوج ؟ وعلاش هبلت يا ربي نسلك راسي .. وين رايحين يهربو لبنات .. راهم اكثر من ثلاثة ملايين بايرة في الجزائر.
كانت هذه اول مرة يسمعه يتكلم بهذه الطريقة. لعل احداهن ضحكت عليه، او تخلت عنه. ماذا عساها تفعل مع شاب لا مستقبل له؟
طرح اخيرا سؤاله الاهم :
-هدىواش راهي؟
-هدى تقول حد دعى عليها شر! يرحم باباك،كاين واحد يروح يعمل في التلفزيون والارهابيين كل اسبوع يقتلو صحافي
يا خويا تحب الاضواء بزاف .خليها تموت تحت الاضواء ؟
كان يريد ان يسأله هل تزوجت او هل في حياتها احد لكنه استنتج انها لم تتزوج بعد ،اما لسؤال الثاني فلا احد يجيب عليه سوها كم يشتهي ان يعرف هل مازالت تحبه هل تتذكره هل تشتاقه اكتفى بسؤاله عن مشاريعه .
- واش ناوي ادير؟
-ناوي ع الهربه .. مايسلكني غير البحر .كاين بزاف راحوا وراهم لسبانيا لا باس عليهم.
منذ عودته خسر كل اصدقائه السابقه احيانا يعذرهم بانسبه لهم ارهابي اما بنسبه للارهابيين فهو ليس جديرا بهذا الجاه
ان لم يقتلوه فلا نهم كانو بحاجه اليه ليس جديرا بهذا
حدث ان خطفو طبيبا وجاؤؤا به الى مخابئهم لمعالجه جرحاهم ، لكنهم اعدموه بعد ذلك ،اثناء محاولته الفرار مازال مصدق ان من ظلو هناك سمحو اله بانزول مه فوج مختبئين الاخرين
لحظه توقع ان يطلق احدهم النار عليه فربما دل الامن على مخابئ هم ان رجلا لم يقتل يوما احد لابد ان يقتل
الان وقد خبر كل شيء يحتاج الى اعاده اعمار روحه مما حل بها من خراب
حتى الكلمات تتطلب منه اعادة النظر الوطن الشهيد القتيل ...الخ
انتعبته اللغه اثقيله يريد هواء نظيفا فيه . لا فصحى ولا فصاحه ولا نزايدات
كلمات عاديه لا تنتهي بفتحه او ضمه او كسرن بل سكون يريد الصمت .
عبثا كانت هاله وامه تحاولان استدراجه للبوح بما عاشه خلال سنتي غيابه . كان دائما التهرب من كلام لا يوجد الا بتوقيت الاخبار المسائيه .
كلتاهما تعرفان انه ينتظر ان تطل هدى ليس اكثر فعندما لا تكون هي من يقدم الاخباريغادر عائد الى غرفته
يتأملها يتفحصها يقرا اخبارها اثناء قراءتها للاخبار .
يصل في كل مره الى نتائج مغايره مره انها سعيده وبتالي في حياتها رجل . ومره تبدوا له يائسه ومحطمه ولا يفهم لماذا تصر على البقاء امام الكاميرا لتعلن كل يوم اعتيال صحافي تجاوز عدد الصحافيين المثقفين التي تم اغتيالهم السبعين وهي مازالت تنعى كل يوم واحد منهم .
كانت هذه الفكره ترعبه كثيرا مايخشاه ان يحدث لها شيء ولا يرها ابدا ، هل يعقل ان يغيبها الموت ان يغطي التراب عينها الجميلتين وجسدها الذي لم يلمسه يوماوشفتيها اللينتين .
يقرر كل مره ان يطلبها في الغد
ثم تكون الكلمه الاخيره لعزه نفسه .فهي لا تدري انه عاد وبمكانها ان تطلبه ان شاءت لكنها منذ شهرين لم تفعل .
كانت كوابيس موتها تلاحقه .لا يتوقف عن تصور كل الاحتمالات التي يمكنه اغتيالها بها وهي مبتهجه الى التلفزيون او عائده منه مساء .
يحلم تنه جاثم يلثم جسدها باكيا ومتضرعا لله كي لا ياخذها منه فلا شي ،لا شي سواها يريده في هذه الدنيا.
ذات مساءوهو يشاهد على شاشه خطر في ذهنه ان يهاتفها على المحطه .
حال انتهاء الاخبار .يريد ان يفاجئها
كان المشكل وجود هاتف البيت في الصالون وهو لايريد ان يتحدث اليها على مسمع هاله وامه قرر ان ينزل ليطلبها من مقصوره هاتفيه غير بعيده عن البيت تذرع بالنزول لشراء علبه سجائر
في المقصوره اخرج من جيبه رقم الهاتف التيلفون الذي احضره منذ مده مذ بدأت فكره الاتصال بها تراوده ظل رقم البداله يدق لدقايق دون رفعه احد ثم اخيرا جاء رد صوت رجالي وجد نفسه يقول في ارتباك
اود الحديث للانسه هدى . هل يمكن لو سمحت ان تخبرها ان علاء على الخط
بداء الرجل على طرف الاخر من الخط على حذر ..رد بعصبيه :
اطلبها غدا ان شئت .
راح يلح:
-أود ان اتحدث اليها الان في امر هام .. ليتك فقط تخبرها باسمي .
رد الرجل:
ولكنها مازالت على البلاتو ، عليك ان تنتظر بضع دقائق وربما اكثر
رد مستجديا:
-سأنتظر .. ولكن وراسك لا تنساني ياخويا
قال الرجل:
-ذكرني بسمك
-علا علا الوافي .. اني احدثك من الشارع بالله لا تدعني انتظر طويلا .
مرت اكثر من عشر دقايق . عاد الرجل ليخبره ان هدى انتهت اثناء ذلك بثها وغادرت على عجل وانه ماستطاع الاحاق بها
لكن .. كان الخط مفتوحا زلا احد يرد سوى صوت طلقات رصاص اخترق دويها سماعه المقصوره
في الغد في انتضار الطائره العائده الي بيروت كان لها متسع من الوقت لتستعيد تلك التفاصيل كامله
وتحزن مجددا لان في سنه 2001 كاكانت الهواتف الجوال في متناول الناس في الجزائر والا لما نزل علاء ليلا الى تلك المقصوره لطلب هدى . كيف له ان يدرك انه يتصل بالرقم الهاتفي للموت ؟
نزلت دموعها . تلك التي احتفضت بها في سريره البارحه لعل غيومها كانت تبحث عن ذريعه كي تهطل . لعله النجاح المفضي الى الكابه او لعله الفقدان كل رجالها بمن فيهم ذلك الذي منحها بهجه كاذبه واختفى في هذا المطار نفسه الذي وعدها فيه يوم وصولهاقبل اسبوع
ظلت حتى اخر لحظه تتوقع اتصالا منه الان فقط بدأت تصدق قلبها للذي يوشوشها انها لن تراه ابدا وان قدرها الا تكون يوما سعيده
سعادتها كانت دائما سريعه العطب ، كأجنحه الفراشات .كلما حاولت الامساك بالونها انتهت بهجتها غبارا بين اصابعها .


[/ALIGN][ALIGN=CENTER]

http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/174688020.png
منتظرة ردودكم الجميلة
حب4حب4


http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/456320512.png

[/ALIGN][/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

Mystery Empress 10-01-2015 02:47 PM




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته و2
ق0



مرحباا يا آنستي العزيزة ؟!.. كيف عساي اصف سعادتي بوجود هذه الجوهرة المتأنقة في وسط خاتم ترتديه سيدتنا
التي اختارت الاسود حليفها مذ خطت ع عتبة عالم الروايات !!.. ق0 و1
لطالما اردت قرائتها فعلا .. لكن كما قالت فلوريدا لم تكن متواجدة في اي موقع لأقراها !
اما الان ها هي ذي امامي وقد جعلتيها تبدوا بحلة رائعة تماما كالمعطف الاسود الذي التف حول البطلة ق2 :44:

اعتقد اني فهمت جزءا من المديح والاراء التي كانت تجول حول احلام
فاسلوبها فريد يجعلك تشعر كأنك فتحت باباً كان يقبع خلفه امواج من المشاعر التي تفيض وتغرقك في بحر وعالم صنعته تلك الحروف باحترافية ودقة !! ق0
كلماتها التي لامست شغاف القلب تارة وحاكت الواقع تارة اخرى نسجت لنا عالماً موازِ نسبح فيه تحت تأثير سحرها كوب1

في البداية عانيت قليلا في الفصل الاول حيث كان حجم الخط صغيرا ومتعب
الا ان الفصليين التاليين كانا افضل :55: حب4
اتمنى ان تستمري بهذا النمط فهو مريح جدا و2 ق0

اما بالنسبة للتنسيق فقد كان كالرذاذ اللّماع الذي ينثر في النهاية
لمينح ذلك البريق الانيق .. ابدعتي فيه فعلا =)

.
.
.

استمري :55:
كوب1




في امان الله و2
ق0



KAREN 10-05-2015 10:10 PM

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/714834664.png

http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/133741467.png

الفصل الرابع


كانت قد مرت بضعه اسابيع على عودتها من باريس حين وصلتها دعوه لاقامه حفل في القاهره
راحت وكأنها تفاوضها على قضيه الشرق الاوسط
ففي القاهره ليس اهل كما في باريس ومادادري والدتها في اي وسط تكون ؟
في الواقع هي لاتريدها ان تغني تخشى عليها من كل شيلوا استطاعت ابقائها في البيت
تراها غزالا يتحينون نحره ليفوزوا بمسكه
اما هي فتعتقد ان غزالا في البيت ليس غزالا بل دجاجه لقد خلقت الغزلان لتركض في البراري
منذ اشهر وهي تدرس الموسيقى والان تشعر ان بمكانها مواجهه اصعب جمهور الجمهور المصري
ايه مغامره ان تقبل بتقديم الحفل في القاهره!
عرضت على والدتها ان ترافقها قصد طمأنتها وتغير مزجهاقليلا
لم يكن يفصلها عن الحفل سوى ساعات حين بلغها ان احدهم اشترى قبل ايام كل البطاقات
صحييح انه حفل خيري كان بمكانه ان يشتري كم من التذاكر والتبرع بالبقيه المبلغ
سوء اعتقاده انه يساوي الحضور جميعا لانه يملك اكثر ممايكون وباي حق يحرم الناس الحضور فقط يظري
ماذايفعل بماله وبحث عن وسيله تؤمن له اعلانا في الجرائد كفاعل خير
رودتها فكره رفض الغناء كي تلقن هذا الرجل درسا في التواضع
غير ان متعهد الحفل ابلغها بعد نقاش منطقي ان عليها في هذه الحاله ان تدفع ماتكبده من خسائر
لاول مره شعرت ان مافي جيبها لا يغطي منسوب كرامتها
_من هذا الرجل ؟
لقد حضر احدهم ودفع المبلغ باسم احدى الشركات ربما كان احد رجاله ماترك مجال للسؤال
قالت بتهكم":
لعله يكون شيخ قبيله ويحتاج الى قاعه باكملها
ان كان اميرا لا يحضر لا هو ولا قبيلته
عاشت ساعتين الحفل بتوتر عال وفي انتضار ان يرفع الستار عن الجواب من هذا الرجل
كانت تزاد عصبيه كلما اقترب الحفل من دون ان يكون في القاعه اي وجود لتلك الحركه التي تسبق
الحفلات عاده
مااذا لو لم يحضر
بدأمزاجها يسوء قررت تفاديا للمفاجات ان تخبر اعضاء الفرقه انهم بنتضار شخص واحد
سال احد العازفين :
_ولو حضرتو ماقاشي نعمل ايه؟
_مالنا بيه يقي او مايقيش احنا شغالين
-ومالو دي ام كلثوم تغني للكراسي ثلاث ساعات
راح العازف يحكي تفاصيل القصه وكئنو عايشها
ساله الثاني غير مصدق
عرفت القصه منين؟؟
_كتيتها الست في مذكراتها دي بنتنكت وهي بتحكيها
بيقول : انبسطت قوي يومها .أصل دي كانت اول مره تغني بيها في الريف من غير معازيم يكسرو الكراسي على بعض
كانت الساعه التاسعه تماما عندما جاء من يخبرها ان بمكانها ان تبدا الحفل وجدت في احترام الوقت المعلن
مايواسي كرامتها لقد حضر السيد على الوقت وهذا جميل وتادر في القاهره
بدأت الفرقه العزف تمهيدا لظهورها في المسرح
ثم طلت بثوب اسود كبجعه سوداء داخل ثوب اسود من الموسلين لكنها ماريا كلاس
في ثوب اوبرالي لايزينه الا جيدها العاري وشعر الاسود مرفوع الى اعلى
انها الفتنه في بساطتها العصيه .
اختارت هذه الطله لتبهر بها القاهره ,لكنها تجمدت على المنصه وهي تتأمل المشهد الغريب
بالتزامن مع ظهورها كان رجل انيق يدخل القاعه من البوابه الرئيسيهفي ابهه واضحه
محاطا بمرافقيه وتوقعت ان ياخذو مكانهم جواره
ولكنها استنتجت بعد ذالك وهو يعطي احدهم معطفه ويناوله ورقه نقديه
انهم موظفون المسرح حضروا لاستقباله ليس اكثر
اخذ الرجل مكانه يمين المسرح في منتصف الرابع حياها بحركه راسه وبدا جاهز لسماعها.
لم تعلم انها كان يجب ان تحييه قبل ان تشرع في الغناء وهل تتوجه
بكلامها الى الجمهور او الي السيد
الذي غطى بكرمه كل المقاعد الشاغره
اتشكره على سخائه ؟ام تقول مايؤلمه ويجعله يغادر القاعه,فيكون هو من اخل بالعقد
حضرها قول قرائه يوما باموالك بمكانك ان تشتري ملايين لامتار من الاراضي لكنك في النهايهلن تستقر
بجسدك الادخل متر ونصف من القشهر كل هذه الامتار
تمنيت لو قالت له انه اشترى بماله كل هذه المقاعد لكنه لا يستطيع ان يجلس الا على مقعد واحد
حاولت ان تضبط مشاعرها وان تظل على هدوئها وان تغني للكراسي الشاغره كما لو كانت في نهايه كل اغنيه
كان تصفيق اليدين الواحدتين يطيح اوهامها
التصفيق كما التصويت لايكون الا عن شخص واحد
لا يمكن ان تدلي باكثر من صوت ولا تصفق باكثر اليدين مهما حاولت
كيوم ذهب والدها الى العاصمه لحضور حفل للسيد مكاوي ولسو التنظيم
لم يسمع بالحفل سوى قله من الناس
فراح حياء يصفق كثيرا بعد كل اغنيه ليقنع الضرير بأن الحضور اكثر مما هو
في القاعه لكن الاعمى لا يرى باذنيه ولايحتاج عينيه الا للبكاءلذا
لم يلحظ احدا حزنه خلف النظارات السودا
فليكن ستغني لهذا الغريب الذي يجلس بين ثقه وارتباكها بين عتمته وضوئها
فلقد اشترى لمده زمنيه صوتها لا حبلها الصوتيه اثناء الغناء
لم تتوقف عن مدى حديث مع نفسها ,فالموقف غريب ولا تذكر انها سمعت بمطربه غنت لقاعه مودحمه الا من الكراسي
ما دام والدها ولا احد غيره من قرر ذلك .قصد صاحب الفرح ليعيد اليه الخمسين قرشا التي رفضها .لكن الرجل رفض استعادتها شفقه
عليهم (( ياسيدي ماعليش اعتبرها زكاه )) قالها ونصرف .
عاده مايحتاج المغني او الخطيب من موقع اطلالته على قاعه
الى ان يتوجه الى وجه واحد , ولا يعرفه بالضروره لكنه يرتاح اليه وجه.
يختصر كل الحضور يقرا على الصفحات اثر مايؤديه .لكن كيف التعامل
مع وجه رجل يلغي القاعه ولا يترك بحضوره الرصين الصامت الخالي
ماذا لو كان مهووسا او قاتلا ؟ هي دائما تفكر في الاحتمالات الاسوا قرائت مره ان احدهم في اسبانيا قام من مقعده اثناء الحفل غنائي واطلق النار على المغني وهو يؤدي الاغنيه
افكار كثيره عبرتها على مدى ساعتين . كانت تغني فيها تاره
لعاشقها وطورا لقاتلها ومره لرجل تحتقره واخرى لرجل لم تستطع ان تمنع نفسها من الاعجاب به
بتلك المسافه التي وضعتها بينه وبينها
ليوهمها بكثرته وليمنح صوتها مسافه الشدو وطليقا ولانها لم تستطع
أن تتبين ملامحه تماما،كانت تستعجل نهاية الحفل يحضر ليعرفها بنفسه. تركت أغنيتها ا?جمل للختام،بعدما تحسن مزاجها أغنية بعد أخرى،وبدأت هي نفسها تتواطأ مع جمالية الموقف وشاعرية الغناء مصحوبة بفرقة كاملة،في قاعة فارغة.إلا من رجل واحد! انحت انحناءة كاملة،ردا على وقوفه عند انتهاء الحفل،ووقفت الفرقة خلفها تحيية. كان مشهدا غريبا وآسرا، في أحاسيسه المجنونة والفريدة.كاد قلبها أن يتوقف أكثر من مرة، في انتظار الدقيقة التي سيتقدم فيها منها. ماذا تراه سيقول لها؟وبماذا سترد عليه؟أتشكره؟وعم تشكره؟أم تسأله لماذا؟ومن يكون؟لا بل ستشكره فقط. وغدا ستعرف من الجرائد من يكون.لتدعه يعتقد أن اسمه لا يثير فضولها.سيقتله ا?مر قهرا.أن تتحاش سؤاله عن اسمه،كأن تترفع عن معرفة حدود سطوته،هل ثمة إهانه أكبر! أثناء ذلك،جاء أحد موظفي المسرح،وقدم لها باقة التوليب إياها.لم تشغلها المفاجأة.منذ أشهر وهي تتلقى الورود نفسها فى كل حفل تقدمه. لم يكن يشغلها غير هذا الرجل الواقف على بعد خطوات منها. لكن قلبها خفق عندما حضرت فتاة إلى المنصة، لتقدم لها باقة ورود حمراء.استنتجت من تنسيقها وضخامتها أنها منه. عبرها شعور لذيذ..أمدت قائد الفرقة الذي كان واقفا خلفها بباقة التوليب،وحضنت بذراعها اليسرى الورود الحمراء امتنانا منها لصاحبها.
اتضخمي ا?شياء،أنت ياعزيزتي مفرطة في عزة النفس. -هذا أفضل من أن أفرط بنفسي.ألا ترين في تصرق هذا الرجل غطرسة واضحة؟حتى الورود التي بعث لي بها ليست مرفقة ببطاقة كما نقتضي اللياقة. -أكنت تريدينه أن يجثو عند قدميك؟إن الورود الحمراء لا تحتاج إلى بطاقة.من الواضح أنه متيم،يكفى مادفع ليستمع وحده إليك،هذا تكريم لم تحظ به على علمي مكربة عربية. -تسمين هذا تكريما؟! كانتا تهمان بالمغادرة عندما صادفتا قائد الفرقة.قال وهو يمسك بباقة التواليب: -مستنى حضرتك عشان أعطيك باقة الورود اللي سبتيها معايا. بالمناسبة،إيه رأيك في الحفل؟ قالت وهي تأخذ منه الباقة:
حال وصولها إلى جناحها غيرت ثيابها،وجلست مسندة إلى ظهر السرير. كانت على عجل أن تجلس إلى نفسها قليلا تستعيد ما عاشته من هزات نفسية في سهرة واحدة،عساها تفهم ماحل بها. لو كانت وحدها لبكت ا?ن،لكن نجلاء،في اجتيهاحها لها،تفسد عليها آخر ما تبقى لها من سعادة:حزنها. طلبت نجلاء من خدمة الغرف إحضار مزهرية ثم سألتها: -هل أطلب لك شيئا للعشاء؟ ردت: -وجبة ا?هانة كانت دسمة حد إفقادي الشهية. -يا الله كم أنت عنيدة ومكابرة،تدرين ما تحتاجينه ا?كثر: إعادة تأهل نفسي كي تتأقلمي مع هذا العالم،?ن العالم يا عزيزتي لن يقوم بجهد التأقلم معك!سأطلب لي شيئا،إني جائعة..بإمكانك أن تقدمي لي عشاء فاخرا الليلة أليس كذلك؟..مادمت أنت المشهورة والثرية بيننا! -أنا دائما ثرية.أطلبي ماشئت! -بالمناسبة،هل عرفت كم دفع هذا الرجل ثمن الحفل؟ -لا أريد أن أعرف! كانت نجلاء تهمى بوضع الورود في المزهرية عندما عثرت على بطاقة صغيرة ملصقة بالباقة،قرأتها ثم صاحت: -حسنا فعلت ألا تتعشي الليلة، فأنت مدعوة للعشاء غدا في مطعم على ظهر مركب عائم في النيل. انتفضت جالسة.أخذت منها البطاقة. "هل تقبلين دعوتي غدا للعشاء؟
علقت نج?ء بتهكم هي تشرع في ا?كل : -ياسيدة الضوء الداخلي أبشري، ستشقين بضوئك.ما أدرانى،ربما كان هذا قدرك ما داموا قد سموك هالة.. ثم أنا جائعة،أتودين الانضمام إلى أم ستاكلين البطاقة؟! ضحكت وانضمت إليها: -لن آكل البطاقة،لكن أتمنى لو استطعت التهام الوقت..بي فضول جارف لمعرفة من يكون هذا الرجل .. أم لعله يمتحنني هذه المرة أيضا وقد يتركني في المطعم؟ -لا أدري أين تعثرين على مجانينك! -عندما تقرئين البطاقات التي يرسلها مع الورود تجزمين أنه شاعر. -وربما كان صاحب محل الورود ويعمل شاعرا في أوقات فراغه. -كفي عن المزاح. إن مايحيرني حقا هو كيف يدري بتواريخ حفلاتي ومواعيد ظهوري على التلفزون،وكيف يتمكن من أن يرسل لي ورودا حيثما أكون.. -أيتها ا?مية،لا يحتاج ا?مر إلى قارئة فنجان. بإمكانك با?نترنت أن تعرفي كل شيء عن المشاهير:حفلاتهم،تنقلاتهم.. أما الورود فثمة شركات عالمية تتكفل بإرسال باقتك في اليوم نفسه إلى أي مكان في العالم،يكفي أن تصفي لهم أي نوع من الورد تريدين. وهذه الباقة ربما يكون بعثها لك من أي مكان في العالم. -أنت على حق. لو كان اليوم في القاهرة لدعاني الليلة إلى العشاء. لماذا ينتظر إلى غد؟ -من مؤكد أنه رجل ثري ليرسل لك ورودا أينما كنت في العالم!
لكن الرجل اكتفى بالرد عليها ملوحا بيده،تحية شكر ووداع في آن،وتركها مذهولة،وهي تراه يغادر القاعة،مطوقا بالموظفين الطامعين في إكرامية. أي رجل هذا،ومن يخال نفسه؟! كيف استطاع أن يجعلها تغني له على مدى ساعتين،ثم يوليها ظهره ويغادر القاعة؟لم يصافحها.لم يلمس يدها.لم يلمس حتى سمعها بكلمة شكر. رفع يده يحييها من بعيد ومضى. لم يمنحها فرصة أن لا تقول. أن تطرح سؤالا أو لا تطرح. إنه إمعان في ا?هانة.حتى وروده الحمراء،كانت خرساء وكتومة مثله،لا ترافقها أية بطاقة شكر.أهو أكبر من أن يضع اسمه على بطاقة ؟أم يراها أصغر من أن تكون أهلا لبضع كلمات بخط يده. غادرت المسرح إلى مقصورتها مدمرة. خلعت فستان السهرة على عجل. لم يكن هناك أحد ليهنئها أو ليشكرها. كل إدارة المسرح وموظفيه كانوا في وداع"السيد الكريم" وحدها نجلاء شعرت بحزنها. قالت وهى تساعدها على جمع أشيائها : -كنت رائعة.. وعندما لم تسمع جوابا واصلت: -أفهم أن ا?مر ما كان سهلا،ولكنها تجربة جميلة ومثيرة.. الغناء لشخص واحد! ردت: -ماكان شخصا.. إن من يحجز قاعة بأكملها ليستمع وحده إلى حفل،يخال نفسه إلها.لذا كان ضربا من الكفر أن أقبل الغناء له.
وقد لايكون ثريا والرومنسيه لا علاقه لها بالامكانيات الماديه
ربما كان الغى بعض مصارفه الخاصه ليبعث لي باقات ورد او ليدعوني غدا للعشاء في مطعم كبير .
ياللحماقه لا افهم اصرارك على انه رجل غير ثري
لان الاثريا على عجله من امرهم هم لايملكون طول النفس
سترين غدا سيصنع اهم خبر في الصحافه المصريه.
وضعت من كل شي اقله وذهبت اليه بسيطه كالفراشه
السوقى وكفراشه تاخرت ماتوقعت ان يكون اجتياز شوارع القاهره في تلك الساعه
من المساء اطول من عمر انتظارها فيه كان اطول .وحين بلغته فقط تنبهت ان هذا الرجل يتقن لعبه الغموض
نجح كعادته في استدرادها الى عمته
كمن ياخذذ قطارا دون ان يسأل عن وجهته وتاخر الوقت على الاسئله
مذ دلفت باب المطعم اصبحت داخل القاطره
القت نظره خجوله على المكان ولا يخجل من اشهار فخامته
اعادت النظر في الطاولات الموزعه بطريقه تحفظ حميميه الزبائن ورقي المكان
قررت قلب قوانين اللعبه وتجلس الى طاوله شاغره وليحضر هو اليها مادام يعرفها
فمن غير المعقول لامراه في شهرتها ان تبقى واقفه هكذا في بهو المطعم
قصدت طاوله توقعت انه سيختارها في زاويه جميله تضيئها انوار خارجيه تتلالا على سطح النيل
ان المكان طرف ثالث في اول موعد وعليها ان لا تخطاء في اختيار الطاوله
هذا اذا لم يكن قد حجز طاوله لا علم له بها
اغلق جهاز الهاتف النقال الذي كان يتحدث به ووقف يسلم عليها ولم تفهم ان كان ينتظرها ام ففوجئ
بوجودها مد يدها نحوه فانحتى يضع فبله عليها لم تصدق عينيها
قال مرحبا
سعاده كبيره ان احضى برؤيتك اليوم ايضا
قبل ان ترد او تسترد انفاسها كان النادل يسحب لها الكرسي
جلست وهي تفكر في الرجل الاخر ماذا لو جاء او لو كان الان
على طاوله اخرى يرها تجلس مع غيره
ظلت تسترق النظر بين حين والاخر
قال
ماتوقعت ان يجمعنا يوما هذا المكان
زاد شكها انه قد يكون وجد هناك مصادفه احاسيس متناقضه غدا ذعرها في ان يحضر الاخر ولا تدري حينها من تجلس
هلق وقد لاحظ ارتباكها وتلفتها بين الحين والاخر
-هل ازعجك شئ ما؟
-لا لا ابدا
كان هذا اول ما لفظته
امامها الان كل الوقت لتتامله عن قرب
رجل خمسيني بابتسامه على مشارف الصيف وبكابه راقيه لم ترا لها سببا
ولم يقربه الشيب بفضل الصبغه لاحقا ستعرف ان رجلا يصبغ شعره
يخفي حتما امرا ما . رجل مهذب النظرات نهذب النوايا يقبل يدها بارستقراطيه عاطفيه
كمن يضع مسافه بينه وبين غيره من عامه الرجال
مثله ارقى من غباء قبله على الخد او نفاق مصافحه يد
بدئت تندم على الثوب الذي جاءت به وكان يمكن ان ترتدي اغلى منه ,وعلى شعرها الذي لم تغير تسريحته
لكن لا يهم ان تكون الساحره قد خذلتها في موعدها الاول , فهي لا تريد الليله ان تكون سندريلا كان لها
اشعاع الكائن المشتهي وهذا يكفيها
قال:
-اشكرك على سهره البارحه سعدت بان انفرد بصوتك
ردت بمكر :
توقعت ان يسعدك اكثر المل الخيري الذي قمت به
احاب:
لاباس ان يكون الخير ذريعه لاسعاد انفسنا ايضا
كانت تسال ان كان يرعي الاعمال الخيريه ام ان الاعمال الخيريه تراعي مكاسبه
لكن السؤال ماكان مناسبا للعشاء اول
-هل احببت الاغاني التي دمتها؟
-احببت ان تغني لي وحدي.

راح قلبها يخفق من وقع المفاجاه .ضلت للحضات صامته تعيد ترتيب اولويتها
وتستعيد مكالماتها في لك الزمن الاول تتامل هذا الرجل الذي على مدى اشهر اسعدها والمها واخبرها وتخلى عنها
دللها واهانها جاءها وجاء بها كلما شاء هاهو ذا اذا عبثا وضعت لصوته وجها وللغه مهنه ولجيبه سقفا
دوما زور لها الاشارات لعله حان وقت طرح الاسئله
_هل لي ان اسال ماذا تعمل في الحياه؟
رد ساخرا
_لوكان لي الخيار باااان اختار لما كنت غير بائع الازهار فان فاتني الربح لايفوتني العطر
_امنيه جميله
انها امنيه اشترك فيها مع عمر بن الخطاب هو من قالها
-تبدو قارئا جيد
_ليس تماما, لكنني احفظ كل ما احب عندما يتعلق الامر بثافه الحياه اعني مباهجها.
_تدري قلت البارحه لابنه خالتي انني اكاد اجزم ان هذا الرجل
يملك محلا للورد , فردت مازحه ويعمل شاعرا في اوقات فراغه.
_صححيها انا شاعر بدوام كامل واعمل بين حين والاخر رجل اعمال.
هل تكتب الشعر حقا؟
اكتبه ؟لا تلك هوايه المفلسين انا اعيشه بامكنك ان تصنعي من كل يوم تعيشينه قصيده
اضاف بعد شيءمن الصمت
لي مثلا معك دواووين شعر ساطلعك عليها يوما .
قالت مندهشه :
_معي؟
اجاب كمن يطمئنها :
_المشاريع الجميله قصائد ايضا .. كهذا العشاء مثلا سبعه اشهر من المثابره والحلم والتخطيط له من اجل بلوغ لحظه كهذه
اليس وجودها هنا نصا شعريا؟!
اخذ جرعه من النبيذ كما لو كان يحتسي لتلك اللحظه
علقت:
_جنون كان يمكن للامور ان تكو اسهل
_ الاسهل ليس الاجمل اذا كان الطريق سهلا فاخترع الحواجز
_اما انا فلم اجد غير الحواجر وكان علي اختراع الطريق
_كل المتفوقين في الحياه اخترعوا طريقهم تدرين الفوز في المعارك ذات الشأن الكبير يجعلنا اجمل
الناجحون جميلون دائما . اما لاحظت هذا حتى صوتك ماكان يمكن ان يكون جميلا الى هذا الحد
لو لم ينجح في امتحان التحدي.
ظلت صامته .
حتما هو استقى مايعرفه عنها من مقابلات تلفزيونيه .لكن العجيب انه يتكلم افضل منها عن نفسها
ويوفر عليها الاسئله بل :
السؤال الاهم لماذا هي؟؟
لماذا التوليب بالذات وذلك اللون البنفسجي؟
_ربما كنتٍ تفضلينها حمرا كتلك الباقه التي تحتضنينها البارحه ببهجه , وسلمت الاخرى لقائد الغرفه.
كانت في برهه تهكم ذكي لايخلو من المراره .علت وجنتيها حمره الارتباك وقالت المعذره
فعلت ذالك اركرما لك ضننتها منك
رد بتهكم :
تعنين ظننتها من السيد الذي حجز قاعه كامله ليجلس امامك والاخرى من ذالك الذي يطاردك بباقات التوليب
منذ اشهراسقط بيدها ردت وقد حشرها في ركن الحقيقه
في تلك اللحظه كان يعني الرجل الجالس امامي فهو سيد الحفل
_انت تعرفين اذا بانك انحزت لسطوه المال واهنت المشاعر
قالت بعد لحظه صمت شردت فيها بافكارها
_ اتكون من بعث لي الباقه الحرا لتختبرني ؟
رد متهمكا:
لا لست انا تلك سله لا تشبهني
فتح محفظته الجلديه فاخره سودا يحتفظ فيها بلوزم غليونه
وراح يحشي الغليون بتبغ
ترك بينهما شياء من الصمت وموسيقى على البيانو تعزفها السيده الشقراء حضر النادل
قال ممازحا وملطفا للاجواء
_حتى الحلويات لاتخلعين الحداد؟
ردت ضاحكه :
_ بامكاني ان اقاوم كل شي الا الشكولا هزمت الارهابيين وهزمتني الشكولاته

- ربما يعنيك اذا خبر منتجع جديد لمدمني الشوكولا، كل خدماته قائمة على الشوكولا. المشروبات والوجبات الرئيسية. الحلويات. وحتى جسات التدليك ومغطس الحمام من الشوكولا السائله.
- هل زرته ؟
- لا .. حدثتني عنه صديقة أمضت فيه عدة ايام. انها مجنونة شوكولا أيضا.
شيء ما فاجأها .. أو أزعجها، فقالت:
- حتما يكون انتهى بها الامر لكراهية الشوكولا
- هذا المقصود. ان تشفى من شيء عبر الافراط منه.
- وانت الا تحب الشوكولا ؟
- طبها، لكن انا سيد شهواتي.
ما الذي جعله لحضتها الذ من قطعة الشوكولا التي تذوب في فمها ؟ هو "سيد الشهوات" و "اله الوائد" و "سلطان النشوة" و "الملك" على قاعة بأكملها لا مستمتع فيها سواه. أأسرها بقوة شخصيته؟ ام بكل ما فعله لبلوغ تلك اللحضة ؟ ام ايضا بسبب طيف المرأة "الصديقة" الذي تعمد ان يتركه يعبر كما دون قصد بينهما ؟ ما توقعت ان رجلا مهووسا بها الى ذلك الحد يمكن ان تكون في حياته امرأة سواها.
هي لا تدري انه ضمن أطباق العشاء ترك لها الغيرة .. للتحلية.
شعرت انها بدأت التزلج على الحب. كم من المشاعر الشاهقة والانحدارات المباغتة عاشتها معه خلال ساعتين. أذهلها بتلك الكاريزما التي تعطي كلماته وزنا خفيفا ورصينا في أن ، لانه يبدو قد قام بجهد للبحث عنها. انه لا يقول الا نفسه. هذا ما اوقعها في اسره أيام كان يحدثها على الهتف . حتى انه اقنعها بمنطق اختبار علاقتهما في مطار، وقبلت قانون اللعبة، فخسرت الرهان.
عندما اخرج بطاقته المصرفية ليدفع الحساب، أخرج معها بطاقة اخرى عيها اسمه الكامل فقط. كتب على ظهرها رقم هاتفه ومدها قائلا: " كلميني متى شئتي". كان رقما فرنسيا لا تعرفه.
"الآلهة " لا تحتاج الى إضافة اي تعريف اى اسمها. لا تذكر لك مهنتها ومناصبها اسابقة أو الحالية، ولا أسماء شركاتها وعناوينها. ذلك من عادة البسطاء وحديثي النعمة من البشر.
هذا ما ستدركه لاحقا.
كمن فاز في اليانصيب، شعرت أنها تملك الرقم اسحري، والاسم الذي حيرها هدة أشهر.
امد الموظف بورقة نقدية. طلب منه ان يطلب سيارته، ويدفع للسائق أجرته مسبقا. انتظر معها وصول السيارة، وعندما انطلقت بها فقط ركب خلف سائقه وانطلق.
كان واضحا ان الرجل الذي شغل مقعدا واحدا في القاعة، قد قرر الا يبقي على مقعد واحد شاغر في قلبها.
ذلك الموعد القدري معه كان محتوما.
كان حبهما ابنا شرعيا لقدر ثمل بتهكم الاضداد. " لا تذهبي بقلبك كله" قال لها عقلها. لكنها ذهبت بقلبها كله .. وعادت بلا هقل.
سألتها نجلاء بلهفة الفضول وقد انتظرت عودتها لتنام:
- هل كان وسيما ؟
- بل كان الوقت وسيما به.
لم تفهم نجلاء شيئا من هذه اللغة التي تكلمها بها هالة. عاودت طرح سؤالها:
- طيب، عدا هذا، هل هو جميل ؟
- كان كاريزماتيا جدا ويعلم جيدا بذلك. وهذا ما يمنحه جاذبية آسره.
- يعني كان وسيما.
- وما حاجة الاثرياء للوسامة .. انهم يبدون دائما أجمل مما هم . انهم جميلون بقدر ما يملكون.
في الواقع ماكانت معنية بثرائه، بل بافتقارها الى الصبر معه. مذ عادت من القاهرة وهي على لهفة لتراه. في حالة دوار عشقي، كأنما إعصار حب يأخذها ريشة في مهب هذا الرجل، من قبل حتى ان يترك لها وقتا لسبر حقيقته.
هو ايضا يحتاج الى رؤيتها مجددا. غير انه ليس على عجل من أمره. الان فقط بدأت متعته. اللهفة غدت شأنها. هو لم يقل لها شيئا بعد. وقد يعود ولن يقول لها سوى نصف الاشياء. عن دهاء، بل عن كبرياء سيحتفظ بنصف الحقيقة لنفسه.
الكبرياء ان تقول الاشياء في نصف كلمة، الا تكرر. الا تصر. ان لا يراك الاخر عاريا ابدا. ان تحمي غموضك كما تحمي سرك.
هو لن يقول لها مثلا، انه يوم رآها في المطار تحدق في وجوه كل الرجال عداه، قرر ان يثأر لذلك الخذلان العاطفي بموعد لن ترى فيه سواه. يومها، ولدت في ذهنه فكرة ان يحجز قاعة بأكملها، تغني له فيها وحده. الا يأتيها وسط الحشود، بل يكون هو الحشد.
وهي لن تدري أبدا انه من اقترح على المستشفى هذا الحفل الخيري، ثم اشترى المقاعد كلها باسم إحدى شركاته دون ان تعرض التذاكر للبيع. في الواقع، لا جمهور لها في مصر، ولا كانت جهة ستدعوها لحفل خيري.
حين هاتفته بعد ايام، كان هو أيضا قد غادر القاهرة، ولن يكون من السهل هذه المرة العثور على عنوان لموعدهما.
ليس من طبعه المجازفة بسمعته. لم تعرف له اية علاقة نسائية في بيروت، برغم ما عرف من نساء، لاعتقاده ان عليه ان يحمي صورته كرجل "كامل". المغامرات الصغيرة .. لصغار القوم لذا اعتاد ان يغير عناوين أسراره من مدينة الى أخرى. ان الاسرار هي ما يساعد على العيش. كم يخسر من لا سر له.
على عكسه، لم يكن في حياتها سر لتحميه، او مكسب لتخاف عليه. ما تخاف هو ان يخلط بعد الان بينها وبين اناث اخرين وصائدات الثروة. ان يكون أساء الظن بها مذ رآها على المسرح تحتضن تلك الباقة الحمراء وتتنازل عن باقته.
اتصلت به بعد هزمها الشوق:
- سآتي الى بيروت الاسبوع القادم بدعوة من شركة الانتاج لاطلاق ألبومي الجديد.
قالتها كما دون قصد. القت اليه بطعم ظنته سيلتقطه فورا.
لكنه ماكان سمكة. كان يمتلك صبر صياد .. وحنكته. قال على الطرف الاخر للهاتف:
- جميل يسعدني نجاحك .. وكيف والدتك ؟
- جيدة شكرا.
ثم أضافت وقد فاجأها السؤال:
- وكيف عرفت بها ؟
ضحك:
- أعرف كل ما يهمني.
- صدقا، كيف عرفت؟
- سمعتك تتحدثين عنها في أحد البرامج. قلت انك غادرت الجزائر برفقتها، بعد الاحداث الاليمة التي عرفتها عائلتكم.
- انت تملك ذاكرة قوية.
- بل ذاكرة انتقائية. أذكر حتى الثياب التي كنت ترتدينها في مطار شارل ديغول .. وماركة النظارات التي كنت تضعينها .. ولون الحقيبة التي كنت تجرينها.
ارتبكت، فكرت انه لن يغفر لها أبدا تلك الحاجثة. وفكر هو ان ما يذكره حقا هو ملامح الرجال الذين قصدتهم. اما ما لا يغفره لها فهو كونها لم تتذكر ملامحه برغم جلوسه اربع ساعات بماحاداثها في الطائرة، وبدت حين دعاها للعشاء وكأنها تراه لاول مرة . أمثة رجل عادي الى هذا الحد.
لكنه لن يقول لها هذا. من أخلاق الجنتلمان الا يحشر امرأة في زاوية تفقد فيها جمالية انوثتها. لانه حينها سيتشبع وهو يضعها في موقف غير لائق، ويكف حينها على ان يكون رجلا.
- هاتفيني من بيروت .. ربما استطعت ان ادبر لنا موعدا.
" ربما "؟ ابثلاثة احرف للشك يختصر شوقه لها ؟ وكيف لهذه الرصانة ان تلي كل ما اقدم عليه من جنون .. تارة ليراها في مطار، ومرة لينفرد بسماعها في حفل، واخرى ليحظى بعشاء معها.
كانت حياتها ساكنة حتى جاء والقى حجرا في بركة ايامها الراكذة، مخلفا كل دوائر الاسئلة. لا تستطيع ان تنكر انها، مذ ذلك العشاء لا تنتظر الا هاتفه.
هي لم تكن يوما من سلاسة نساء الانتضار، لكنها من دون ان تدري، في كل ما تفعله الان تنتظر. هي لا تحتاج الا مواعيد عم لتزور بيروت. كان يمكن ان تحضر قبل ذلك الموعد لو رأت منه حماسة ما، فالمسافة بين الشام وبيروت لا تستغرق سوى ثلاث ساعات. وبامكانها اقناع والدتها بما تشاء، الذرائع لا تنقصها .. ونجلاء "الملاك الحارس" ستدعم مشاريعها، وتمنحها شهادة البراءة. لكنها ستصمد وتسافر في الوقت المحدد، كما لو ان لقاءه ليس امنيتها.
حمدت الله ان امها الغت في اللحظة الاخيرة فكرة مرافقتها. برد كانون جعلها تفضل البقاء في الشام.
- طريق الشام بيروت خطرة بها الايام، ساعات تقطعها الثلوج تأكدي حبيبتي من النشرة الجوية قبل ما تسافري.
نجلاء أيضا لن تاتي. هي مشغولة بخطيبها العائد من دبي لقضاء الاعياد. لا أحد يرافقها اذا عدا أحلامها .. او اوهامها. فهي تذهب الى الحب دون بوصلة تأمين على قلبها.
انتظرت ان تحل ضيفة على البرنامج التلفزيوني، عساه يعرف لوجودها في بيروت. لا تريد ان تعطيه انطباعا أنها على عجل لملاقاته. لكن لا هاتفه جاء، ولا جاءت وروده. ربما ماعاد من وقت لباقة حب اضافية.
دهمها حزن من فقد شيء ما كان يدري بوجوده، او على الاصح بقيمته. ربما اراد ان يقاصصها على باقة ورده التي رآها تسلمها لقائد الفرقة وتحتضن غيرها. لا تظنه سيبعث لها ورودا بعد الان.
اجتاحها الاسى. كحزن بيانو مركون ومغلق على موسيقى لن يعزفها احد. انتهت ليلتها وحيدة في غرفة في ذلك الفندق الفاخر، تفكر في تلك الفواتير، التي يدفعها المرء عن غباء، غير مدرك قيمة الاشياء حين تقبل عليه الحياة في كل ابهتها.
عذاب الانتضار ؟ وماذا عن عذاب الا تنتظر شيئا ؟
كان يحتاج الى ان يكون له موعد مع الحب كي يحيا، كي يبقى قيد اشتهائه للحياة. قيد الشباب. الوقت بين موعين اهم من الموعد. والحب اهم من الحبيب نفسه. وهو لكل هذه الاسباب جاهز لحبها .. او على الاصح جاهز لها.
صباح اليوم الثالث لوجودها في بيروت، هاتفها . اخفت عنه ترقبها لصوته. كنها ما استطاعت ان تخفي فرحتها.
- كنت اخشى ان اغادر بيروت دون سماعك.
- ماكان يمكن الا اهاتفك .. انشغلت هذه الايام ليس اكثر.
اوصل لها اشعارا بأن ثمة ماهو اهم منها في حياته، وايا كان هذا الشيء ستحزن. ففي سلم الاولويات، الحب هو الاول في حياة المرأة .. ويلي أشياء اهم في حياة الرجل.
- هل كان البرنامج الذي استضافك ناجحا ؟
اشعار اخر انه لم يتابع البرنامج، هو الذي اعتاد ان يرسل اليها الورود اياها في كل ظهور تلفزيوني. الحقيقة انه برمج المسجل في مكتبه لتسجيل تلك الحلقة حتى لا يشاهدها مساءا في حضرة زوجته، فتعجب لاهتماماته الجديدة.
وفي الغد شاهدها في مكتبه وهو يدخن غليونه، فكر ان عليه ان يغير طريقة لبسها.
مسكينة كم اجهدت نفسها لتبدو في شكل جميل، وهي حزينة الان لانه قال انه لم يراها.
تجيب كما لو انها تزف له بشرى:
- كان ناجحا جدا. لقد لقي صدى طيبا في الاعلام.
- انا سعيد من اجلك ..
يقصد سعيد من اجله. فقد نجح في ارباكها وافساد فرحتها. وستحتاج اليه في انكسارها. هي الشهية كحروف النفي. التي اعتادت ان تقول له "لا" و"لن" عى مدى اشهر. كأنه يسمعها الان تسال " هل اراك ؟".
لكنها تقول شيئا اخر:
- اتحب ان ارسل اليك البومي الجديد ؟
يفاجئها جوابه:
- احب مالا تجراين عن قوله.
حاولت استعادة بعض اسلحتها الدفاعية:
- لا اضنك تضاهيني شجاعة
- الجرأة غير الشجاعة
- وماذا تودني ان اقول ؟
- تماما ما تودين ان تقولي.
لم يحدث وان حشرها رجل في هذه الزاوية الضيقة للحقيقة.
واصل:
- الجرأة ليست في ان تواجهي الارهابيين، بل في ان تحاربي نزعتك لقمع نفسك، واخراس جسدك، وتفخيخ كل الاشياء الجميلة بحروف النهي والرفض. الحياة أجمل من ان تعلني الحرب عليها .. حاربي اعداءها.
استدرجها حيث شاء. قالت ما تمنت ان تقول حقا:
- متى اراك ؟
- اليوم طبعا ما دمتي ستسافرين غدا
- اين ؟
- سأزورك في افندق.
- الفندق ؟
- لا لشئ سوى لانه المكان الاكثر تسترا في مدينة لا سر فيها. ما رقم غرفتك ؟
- 423
لفظت الرقم غير مصدقة تسارع الاحداث، كأن الامور افلتت من يدها، وان امراة غيرها تلفظ الارقام الثلاثة التي ستتحول، حال امنتهاء المكالمة،. اغلقت الهاتف وهي تتساءل كيف اقدمت على امر كهذا.
في الخارج شتاء ومطر جن جنونه. لكنها اكثر جنونا من الطبيعة. لاول مرة تجرؤ على استقبال رجل في غرفتها.
اي رجل هذا ؟ سيد مطلق ياتي عندما لا ننتظره، يقول مالا تتوقعه، يهجرها حين يشاء، يقتحم حياتها متى يناسبه ، يشتري صوتها حين يريد، يضرب لها موعدا حين يحلو له.
راح نصفها الشرس يحاكم نصفها الوديع، ورجولتها تحاسب انوثتها المطيعة. الم يقل لها احدهم متغزلا " أجمل ما في امرأة شديدة الانوثة .. هو نفحة من الذكورة "" ؟ مصيبتها كونها اكتسبت اخلاقا رجالية، واكثيرا ما قست على نفسها كما لو كانت أحدا غيرها. والان، ماعادت تعرف كيف تعود من جديد انثى، ولا كيف تستعد لهذه المداهمة العاطفية.
تأملت الغرفة، على جمالها هي اصغر من ان تليق برجل يحجز قاعة بأكملها، ليجلس على مقعد واحد.
لا تملك لاستقباله سوى اريكتين، وطاولة في زاوية من الغرفة، على شكل صالون. شعرت ان الطاولة فارغة وان سلة الفواكه تحتاج لاعادة ترتيب، وضعت مكانها على الطالوة مزهرية، كي تبدو الغرفة اجمل.
والان ؟ ماذا ترتدي ؟ يا الله ماذا ترتدي لاستقباله ؟ خلعت ولبست ثوبين او ثلاثة على عجل، كما لو كانت في سباق .. ومسابقة في ان.
ثم اسرعت الى الحمام تجدد هيأتها، حين تذكرت انه قد يدخل الحمام، ويقع نظره على لوازم زينتها. أصابع الحمرة ذات الماركة العادية، علبة البودرة التي اشرفت على نهايتها، ومازالت تحتفظ بها. كريمات واقلام كحل سيفضح بها تواضع جيبها، وعادات اكتسبتها ايام الحاجة. جمعت كل شيء واخفته داخل الخزانة الموجوده تحت المغسلة وتنفست الصعداء.
لعنته وهي تراقب الساعة. ثم لامت نفسها لفرط توترها ، ولانها قبلت ان تستقبله في غرفتها. وما توقعت ان تقدم يوما على شيء كهذا. لعلها جنت. من يكون ليفعل بها كل هذا ؟ وكيف سمحت له بارباك حياتها الى هذا الحد ؟
دق هاتفها فجأة وقال صوته:
- افتحي انا هنا.
راحت دقات قلبها تتسارع وهي تتجه نحو الباب. القت في طريقها نظرة سريعة على المرآة. وذهبت تفتح الباب للحب. اي حدث مشهدي ان يجيء ذلك الرجل. ان يدخل غرفتها
لكنه لا يقبلها ولا يصافحها. لا ينحني كأول مرة ليقبل يدها ولا ينظر حتى لعينيها. اجتاز باب الغرفة وهو يدقق في هاتفه، ليمحو الرقم الذي طلبه للتو .. رقم هاتفها.
كم من الاحلام كانت ستتهشم داخلها لو هي انتبهت انه كان يتبرأ منها، وهو يقصدها، خوفا من ان يقع احد على رقمها مسجلا على هاتفه.
اعاد الى جيبه الهاتف ممحوا من رقمها. حينها فقط قال: " اهلا" ، مسترقا نظرة اليها. اتجه صوب الاريكة، كما لو كان جاء ليرتاح قليل. مد رجليه دون ان يفقد لياقته .. ونظر اخيرا اليها.
كان يحتاج الى ان يجن من الحين والاخر، ولو كذبا، ليمارس على الحياة سطوة ذكائه الرجالي كسارق لم يمسك يوما بالجرم المشهود. شيء يشبه باللعبة يمارسها مع انثاه الحقيقية : الحياة.
يحتاج الى ان يجازف اكراما لتلك اللحضات الباهرة في بذخها. الباهرة لا ابلاهظة. فلا علاقة تستحق ان يخسر من أجللها مكاسبه الاجتماعية. وهذه احدى المرات النادرة التي سيتلتقي فيها بامرأة ببيروت. للجنون عادة عناوين مدن اخرى. وهو احتاط لكل الاحتمالات، مستفيدا من وجود ضيف له، حضر من باريس، فدعاه الى العشاء في الفندق نفسه رفقة مدير اعماله.
كان يحتاج الى غطاء لدخول الفندق، والجلوس في صالة رجال الاعمال الموجودة في اخر طابق. بعدها سيسهل عليه الاعتذار والتغيب بعض الوقت متذرعا باتصال طارئ.
سألها بذلك الاشتهاء الملتبس:
- كيف انت ؟
كانت شفافة المزاج كبيت مسيج بالزجاج، ماكان لباطنها من سر. لذلك كان يسهل عليه مطالعتها، او مطالعة الاجوبة التي تحتفظ بها لنفسها.
ردت وهي مازالت واقفة:
- انا جيدة .. شكرا.
تأملته كان جالسا وهي واقفة. اكتشفته من زاوية جديدة للرؤية.
لم يكن يشبه رجلا كانت تتصور انها ستحبه. لكنها تحبه. بأناقته الفائقة. بتفاصيله المنتقاة بعناية ككلماته. بابتسامته الغامضة. بتعليقاته الماكرة. كما حين يرد على ذعرها من استقباله:
- الحب سطو مشروع .. لا علاقة شرعية .. عليك ان تعيشيه هكذا – مواصلا بعد شيء من الصمت- اجلسي .. لماذا انتي واقفة ؟ نحن في فندق راق لن يفتح الباب احد .. او ضعي على الباب "الرجاء عد الازعاج " ان كان هذا يريحك.
ذهبت تطبق نصيحته من دون ان ترتاح تماما. ماذا لو كان الخطر الان في الداخل، لا من خارج الغرفة.
ما ادراها ما يجول في رأس هذا الرجل ؟
عادت لتجلس مقابلة له على الاريكة الثانية. قال وهو يزيح قليلا المزهرية التي تحجب الرؤية بينهما:
- ساقي الورد ليس من سيقطفها، ولا قاطفها من ستنتهي في مزهريته في بيته.
لم تحاول ان تفهم ما اراد قوله. استفادت من تداعيات الكلام .. قالت:
- لقد وصلتني هذه الباقة هدية.
تعمدت الا تقول ممن عساها تثير غيرته او فضوله. لكنه علق :
- ان من يهدي وردا يقدم انطباعا عن نفسه.
أدركت انه يستخف بذوق من اختار تلك الورود .. قالت:
- لكل ذوقه ...شخصيا، لم افهم لماذا تحب زهرة التوليب بالذات، وذلك اللون البنفسجي الغريب.
- لانها زهرة لم يمتلك سرها أحد. لونها مستعص على التفسير، يقارب الاسود في معاكسته للالوان الضوئية. انها مثلك وردة لم تخلع عنها البراءة الحياء، ثمة ورود سيئة السمعة تتحرش بقاطفها .. تشهر لونها وعطرها، هذه ستجد دائما عابر سبيل يشتريها .. كتلك التي قدمت لك في الحفل.
قالت كأنها تتبرأ من الباقة:
- بالمناسبة، علمت انها كانت التفاتة من ادارة المسرح، لوضع لمسة بهجة في ختام الحفل، لا يمكن للجميع مقاسمتك ذوقك .. لكل وردته، لعلك اعتدت ان تهدي هذه الوردات بالذات، اعني ربما كانت وردتك ..
قاطعها:
- بل هي وردتك. لم اهدها قبل اليوم لاحد. لمحتها مرة في محل للورود وعجبت لغرابة لونها. عادة اهدي نوعا اخر.
أكان عليها ان تسعد لانه لم يهدي وردتها من قبل لاحد ؟ أم تحزن لانه اهدى وردا لغيرها ؟ الكل امرأة في حياته وردتها الخاصة ؟
هذا البستاني الذي يقسم النساء الى فصائل وأجناس من النباتان، تحتاج هي المعلمة الى ان تتعلم ابجدية الزهزر، لتفهم ماذا اراد ان يقول لها طول هذه الاشهر.
قالت ممازحة :
- ربما علي ان اتعلم لغة الورود قبل ان اتحاور معك.
رد مصححا:
- ليست قضية لغة، بل قضية اناقة، لا أكثر اناقة من وردة لا تثرثر كثيرا . نحن لا نهدي ورودا لتتكلم عنا .. بل لتحمي التباس ما نود قوله.
- وماذا اردت ان تقول في النهاية ؟
- في النهاية ؟ لكننا لم نبدأ بعد .. عندما نبلغ النهاية، لن يبقى ثمة ما نقول.
هو يعني لن يبقى ثمة ما نهديه. هذا ما فهمته.
اي رجل هذا ؟ لم يكن جميلا، بل أكثر. كان يملك ثقافة الجمال. أو ربما كان جميلا كما هم العشاق، كما هم الاساتذة بالنسبة لتلاميذهم. وهي الان تكتشف ممكن ضوئه. كأنها تجلس مكان تلاميذها لتستمع اليه يلقي درسا في مادة لم يعلمها اياها احد:
مادة الحياة.
نهضت تخفي ارتباكها بسؤال:
- اتورد ان تشرب شيئا ؟
لكنه نهض بدوره وقال متعذرا:
- ثمة من ينتظرني على العشاء. لقد سرقت بعض الوقت لاسلم عليك ليس أكثر.
وقفت مدهوشة وهي تراه يتجه صوب الباب. مشت خلفه بتأن كما لتستبقيه وقتا أطول غير مصدقة ان أجل فرحتها انتهى. فقدت صوتها. لا تدري أيهما كان اكثر زلزلة لقلبها: مجيئه او مغادرته. وقفت خلف الباب المغلق تودعه صمتا. كزهرة توليب خذلتها الريح، انحتى رأسها قيللا. كان يراقب انكسارات روحها. تذكر ان في اليثودولوجيا، لم تكن الزهزر سوى صبايا قتلتهن العاطفة، فتحولن الى زهور. هذه امرأة من سلاسة الزئبق، تحتاج ان يسندها بشيء مميز.
كان محمولا باحسيس وحشية بعد أشهر من الاشتهاء. راح يشعل حطب الانتضار كله. انقضت سنة كاملة، بعدا وصدا، مدا وجزرا، لبلوغ حريق كهذا. ان قطاف هذه الزهرة النارية.
لم يضف كلمة. فتح الباب ودلف الى الخارج، بعد ان اودع جناحيها لنار.
في مرآت المصعد تفقد هيأته، وحين اطمان لمظهره، ابتسم. هو يدري ان تلك المحروقة ستولد فراشة تحتاج اليه بعد الان كي تطير.
سيد القدوم الاسر والانصراف الباكر .. مضى، وضلت هي واقفة، مستندة الى جدار النشوة، لا تدري ما االذي ح بها.


[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/456320512.png

KAREN 10-07-2015 10:57 PM

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/714834664.png


الفصل الخامس



كان له قوه ونضج رجل صنع ثراءه بذكاء .لكنه ما كان يبدو
رجل اعمال .في الواقع هو يحترف الحياة . لا عمل له سوى ممارستها
بإمكانه ان يدعو اسماك القرش الى طاولته من دون ان يشاركهم شهيه الدم.
هو نفسه لا يدري لماذا فعل ذلك بكل امراه احبها او توهم حبها
كان يعاني من عجز عاطفي يحول دون تسليم قلبه حقا لامراه
ربما لم يشف من خيانه المراه الاولى في حياته
تلك التي تخلت عنه وتزوجت غيره طوال عمره سيشك في صدق النساء
مايعنيه الان اكثر هو الارض التي اشترها قبل اشهر
سيسافر غدا بصحبه المهندس لدراسه مشروع تحويلها الى مطعم عائم فاخر
لايمكن ان يدخل الخليج الا بمشروع لم يسبقه اليه احد
المشاريع عنده تولد احلاما بألونها وتفاصيلها وكل ماتحتاج
اليه مهندس .
كل ماحققه في حياته السابقه ان عاشه كرؤيه يوم سافر الى البرازيل كان يدري انه سيعود لبنان اكثر ثراء
في ذلك المطعم ولد حلمه بمتلاك مطعم للوجبات اللبنانيه
السريعه يكون مشروع سلسه مطاعم عصريه على الطريقه الامريكيه
تتمركز حول الاحياء الجامعيه
كان يدري بعد اول موعد جمعهما انها رغم الاسم العائلي
الكبير الذي تحمله ستكون له وتحمل اسمه .
اجتاز بوابه الاحلام كما لو كان يمشي في نومه
ماعاد يحتاج الى ان يطلع حظه في الفنجان قهوه
لقد غدت القهوه حظه وباب ثروته مذ شاء حسن طالعه ان يهتم بتجاره البن
وتجاره البن والعقارات التي يستثمرفيها امواله حين قرر ان يدخل سوق الترفيه
طلبته مرتين على جواله واطال الهاتف الرنين ولم يرد
قررت الا تعاود الاتصال به.
لكنها ظلت في انقطاعها عنه تقيس حجم الاهانه كما لو كانت تحمل داخلها عدادا
منذ قررت ان تقاطع هواتفه استعادت عافيتها او على الاصح خف المها
منذ اللحظه التي طلبها ولم تتحرك يدها للرد عليه
بدا العداد يعمل لصالحها وما عاد عليها ان تعد الايام والساعات وتفكر
ماذا عساه يشغله عنها . تركت له وجع الاسئله
قرات يوما ان راحه القلب في العمل
وان السعاده هي ان تكون مشغولا الى حد لا تنتبه معه انك تعيس فهجمت على العمل طمعا في نسيانه
قررت ان تسجل نفسها في الكونسيرفاتةرا
كي تتعلم اصول الغناء وكانت لها امنيه سريه اخرى ان تتعلم العزف على العود
كانت ترى في ذلك العود اثمن ماترك والدها
الذي لم يمتلك يوما ثروه. ككل العشاق الحيته
كان قديرا وككل بائعي البهجه ,ماترك مالا قضي عمره يغني ونسى ان يغتني
قصه ابيها الذي مات ذات مساء وهو عائد من حفل زفاف كان قد غنى فيه
احدى فرق الموت وضعت نهايه لصوته اخر موسيقى سمعها موسيقى الرصاص
كان برفقه احد العازفين في طريقهما الى السياره سقط كلاهما متكا على الاله العوف
عندما عادو بجثمانه مع العود حمدت الله انهم لم ينسو عوده او يسطو عليه
وتدفق الناس الى بيتهم في حال سماعهم الخبر
كان العود قد اقتسم الرصاصه نع سيده كما يقتسم الحصان النيران مع صاحبه في المعركه
وكما يعود الحصان جريح حاملا جثه صاحبه
عاد العود للبيت معلنا موت من ظل رفيقه على مدى ثلاثين سنه
من الارجح ان يكون ابوها قد احتمى بالعود او ان العود حاول ان يفديه ويرد عنه الرصاص
فما استطاع بصدره الخشبي ان يتلقى عنه سوى رصاصه واحده وذهبت اثنتان نحو راس والدها
فسقط متكئا عليه
ماكان لبيها عداوات لم يهدد احد ولا يجادل احد
لكن الموت يثرثر حوله
ذهبت شكوك امها نحو جارهم شاب في اوخر الثلاثين عاطل عن العمل
او لعله يعمل لحسابه الخاص رجل حر بدوام كامل
هكذا كانت ذكريات العود الذي بقى ذكرى من والدها
***
كان اكثر انشغالا من ان ينتبه لقطيعتها الهاتفيه . حاول الاتصال بها مرتين ولم ترد ظن هاتفها على الصامت
توقع ان تعاود مهاتفته . لكنها لم تفعل وعندما امتد صمتها الى ان قارب الشهر بدا يساوره الشك ان تكون
تتعمد ان تطيل انتضاره ايعقل ان تجرؤ على امر كهذا ؟ هو الذي تتهاتف الاتصالات عليه
حاول ان يستعيد تفاصيل موعدهما الاخير لعله يعثر على سبب لعتبها
ان يكون ندما متاخرا ؟؟
راوده احتمالات كثيره
رفع السماعه وطلب رقمها . لم يصدق السرعه التي ردت بها لكن بعد كلمتين وجد نفسه امام صوت اخر
وغير مهيأ لمفاجأه كهذه ممكن احكي مع هاله من فضلك
هاله مسافره مين بقلها؟
السؤال انساه مفاجئه خبر غيابها لكنه دوما وجد الحيله المناسبه في مواقف كهذا
انا صحفي من cbs كنت اود الاتصال بها بخصوص لقاء تلفزيوني
اعطها اسم قتاه اجنبيه تفاديا الاسئله ماتوقع ان يخدمه هذا الخيار
هي في فرنسا ممذ ثلاثه ايام يمكنك المعاوده في اقرب وقت
اتعلمين متى تعود
ليس قبل عشره ايام لقد رافقت خالتها لاجراء العمليه في باريس
رد متعجبا
باريس ؟
اجابت :
لا احد كان يستطيع مرافقه خالتها وحدها تملك تاشيره سفر
الى فرنسا
هل ثمه طريقه للاتصال بها؟
لا املك الا رقك هاتف فندقها.
لا باس امديني به من فضلك سأهاتفها كسبا للوقت
اغلق السماعه وضحك في سره لا اكثرمن سذاجه النساء غبيه قبل ان تجلسها على كرسي كهرباء للاعتراف"
تتطوع بعطائك المعلومات اكثر مما تتوقع تلك الصغيره الغريبه قادره على الهجران
ولا تنبه لقدرته على الوقوع في شرك المسافه التي تفصله عنها
المسافه ؟ سيحطمها غدا
راح يحشو غليونه ويبتسم ويحلو له منازله هذه الفتاه
فليكن سيواصل معها لعبه التحدي
مساء غد دق الهاتف في غرفتها بالفندق
كانت منهكه وجائعه غادرت الطاوله الصغيره
التي كانت تتناول عليها ما احضرته
في طريقها من طعام الى العشاء
ورفعت السماعه وهي تواصل قضم مافي يدها
لقد غادرت خالتها للتو المستشفى وهي في حال حسن
كما توقفت في الطريق تكلم امها كما تفعل كل يوم
حتما لم تتوقع ان تاتيها ذلك الصوت في تلك الساعه
على هاتف الفندق
كيف انتِ؟
كادت لهول المفاجأه ان تختنق بما تأكل فقدت صوتها للحضات وجلست من الصدمه على حافه السرير غير مصدقه
رنه صوته العائد بعد شهر من الانقطاع
هل تقضين اقامه طيبه دوني؟
لم يحضرها اي جواب ردت بما بقى فيها من نزوع وتحدي
حتما
اتمنى ذلك
اما انا ,فلا اصدق امنياتك . لقد سبق ان بعثت لي بهذه الامنيه
ذاتها مع باقه توليب يوم زيارتي الاولى لباريس قصد تعكير اقامتي
رد بتهكم:
تعنين يوم اخلفت موعدك الاول معي
ان شئت لكن اخبرني اولا كيف حصلت على هاتفي
دوما حصلت على ما اريد
فعلا لا ينقصك الغرور
بل يحدث ان تتواضع
تعني التواضع كأعلى درجات الغرور
ضحك:
ان تكونين قاطعتني بسبب تواضعي؟
ولأسباب اخرى ايضا
اتمنى ان اعرفها حين نلتقي
نلتقي؟ انت تمزح حتما .. نحن لا نبحث عن الشيء نفسه
ومن ادراك ؟
انت رجل باذخ المهام دائم الانشغال لا وقت لك للحب
تهاتفني في مساء الضجر
وتريدني ان انتضرك مابقى من عمر
هذه المره لن تنتظريني اكثر من يوم .. ساحضر غدا الى باريس
واصطحبك للعشاء في مطعم جميل.
اصابتها فكره مجيئه بالذعر فهي غير مهياه اطلاقا لذالك
ما احضرت من ملابس لا تليق بلقائه
ولا تريد ان يرى الفندق المتواضع الذي تقيم فيه
ثم يوما واحد لا يكفيها للاستعداد لحدث كهذا
التي لبستها لمده اسبوع وتذهب لشراء مايليق بها
قالت له
لا ارى قدومك مناسبا هذه الايام
رد مازحا:
امراه الليل لها كيف يكون لها نهارا
اذا فليكن لك الليل انت في باريس ياعزيزتي
انا في السرير ولست في باريس من تعبي لا رغبه لي الا في النوم
كانني جئت اغير الاسره المدن
كانت تواصل الحديث اليه عندما دق باب غرفتها . ماكنت تريد ان ينثطع عليها احد سعادتها
خافت ان ينهي المكالمه ويضيع.
منها كعادته الاسابيع الاخرى لم تجد بدا من العتذار منه لتسبيقته على الهاتف قالت ممازحه:
لم اطلب شيئا من خدمه الغرف اتكون بعثت لي وردا مثلا
رد ضاحكا:
لا ليس هذه المره
لا تقطع اعطني دقيقه لفتح الباب
رد لا تهتمي انتظر
لم يقطع الخط لكنه قطع انفاسها كاد ان يغمى عليها وهي تراه امامها اعلق الهاتف الجوال واعادع في جيبه
ثم القى نظره الى ساعه وقال هو يطالعها على الوقت
رجل تبا له من رجل الذي جاء به الى الفندق حتى غرفتها
يالله انه الان ينظر الى كل شيء بائس وبشع خلفها
وتأمل فوضاها وبقايا العشاء المتواضع على طاولتها
سالها الى متى ستبقين في باريس
تاشيرتي تنتهي بعد ثلاثه ايام من حسن حظي ان خالتي تعافت
ثم لتبرر ما ارها عليه اضافت
اني اقيم في ذلك الفندق حتى اكون قريبه من المستشفى الذي اجريت فيه العمليه
قال لها :
بالمناسبه لقد حجزت لك غرفه في هذا الفندق
انتفضت مدافعه عن كرامتها
من قال لك انني ساقبل ذلك؟
اقامتك هنا ستكون اجمل اخترت مايليق بمقامك
فكرت انه اختيار عنوانا يليق بمقامه الذي يسمح له بحب فتاه تقيم بذلك العنوان
قالت وقد استعادت شراستها :
لكنني ماطلبت منك شيئا
الحب يعطي قبل ان يطلب منه .
قالت بعناد :
لن اقيم في غير فندقي ..انه اقرب الى المستشفى
اجاب بما يعرف انه سيهزمها
لكنك هنا اقرب الي
وضع في جملته مايكفي من البوح المواراب للاطاحه صمودها
بمكانك ان تاخذي تاكسي لزياره خالتك
بدا منطقه يجردها من شراستها هل تعاتبه لانه يريدها
قريبه منه ؟
قال :
سأرافقك الى فندقك لتجمعي حاجاتك . ثم اطلبي سياره اجره للعوده الى هنا
أطمانت الى نواياه وعجبت لها
واين تقيم انت؟
لي بيت في باريس
قالت ممازحه :
نسيت انك تعمل صحافي هنا في قناه cbs.
ضحك ادرك انها اكتشفت حيلته
اضافت :
بالمناسبه ماذا كنت تسالني في مقابلتك تلك؟
اجاب وهو يمشي بجوارها نحو السياره:
اولا هل انت وفيه؟
ثم ؟
لكنك لم تجيبي على السؤال الاول
افضل الاطلاع على الاسئله قبل الاجابه هكذا علموني
فليكن ثانيا هل ستكونين لي؟
ثم ؟
كانا قد وصلا الى السياره وقال
اكتفي بهذين الؤالين البقيه ساطرحها عليك في وقت لا تتوقعينه
اطلاقَ
هل يحبها حقا؟؟
هو نفسه لا يدري هي شجره ,ولا يريد ان ينبهها الى ثمارها فيقطفها سواه.
استسلمت وشعرت انها ثملة، بكل الوعود اتي منحها . معه كل شيء كان عادي، على مرأر من السماء، من نهر السين، ومن برج ايفل، اصبحت امرأة عمرها سبع وعشرين سنة من الانتضار.
كانت باريس سخية. تتلالا باضواء نهاية السنة، ورذاذ مطر يحمي عاشقين من محضر ضبط عاطفي. غادرته باحاسيس ملتبسة كما لو انها فقدت براءتها.
كان يود ان يرافقها بعد العشاء الى فندقها ذاك، لو باح لها بانه يرثي لرجال جاؤؤ العالم وسيغادرونه، من دون ان يكونو قد خبرو باحساس كذلذ. لكنه ما اعتاد ان يفضح احاسيسه لاحد، او يبوح بضعفه لامرأة. هو دائم الاحتراز من الحب، لعلمه ان الذي يحب الاقل هو الاقوى. لا يذكر انه قال "احبك" سوى لزوجته قبل خمس وعشرين سنة، لكن النساء تعلقن به رغم ذلك، لانه يقول تلك الكلمة في كل ما يفعله، بينما لا يفعل الاخرون غير قولها.
هل يحبها حقا ؟
هو نفسه لا يدري. هي شجرة سيظل بها، ولا يريد ان ينبهها الى ثمارها فيقطفها سواه.
يريد له وحده مرحها وصباها. ذكاء انوثتها، برائتها، اندهاشها البكر بكل ما تراه معه لاول مرة.
يحب جرئتها في الدفاع عن قناعتها، وهزيمتها حين يجردها من قراراتها. يحب نقاءها، ويشتهي مند الان افسادها. هو فقط ياجل الامور. في امور النساء ماكان يوما على عجل . هو ليس من حديثي النعمة، مائدته عمرت دائما بما يشتهي. لذا لم يكن يفترس الحياة، كان يتذوقها ويترك منها شيئا على طاولة الموعد القادم.
في الصباح، هاتفها الى فندقها الجديد، كانت قد غادرت الغرفة. لم يترك لها رسالة صوتيه على جهاز التسجيل. حتما ماكان ليفعل. كان يعنيه فقط ان يتاكد انها نقلت إقامتها الى الفندق.
حين طلبته ظهرا من مقصورة هاتفية، وعدها ان يمر عليها مساءا ليصطحبها الى العشاء.
- هل اعجبتك الغرفة ؟
ردت ممازحة:
- تعني الجناح .. وماذا افعل بجناح واحد ؟
ضحك لدعوتها المواربة لرؤيته.
قال:
- اذا انا من يطير اليك. كوني جاهزة عند اساعة الثامنة في البهو سأمر لاصطحابك الى العشاء.
وقبل ان يضيف شيئا، دق هاتف اخر في مكتبه فودعها على عجل
- اراك مساءا.
كلمتان كانتا كافيتين لاحداث تلك الارتجاجات بجدران قلبها. معه هي دائما وسط حزان الزلزال.
اعتذرت لعمتها بذريعة انشغالها بالتسوق قبل عودتها. النصف الاخر للحقيقة، كان انها تحتاج الى ان تتسوق لموعدها معه هذا المساء. لها رغبة في ابهاره.
قررت ان تكون سخية مع نفسها، اي ضنينة مع الاخرين. ما ستنفقه على كمالياتها هو ما ستنقصه من المبلغ الذي كانت ستشتري به هذايا لللاهل في سوريا. وهذا يؤلمها. لكن لا مفر، لابد ان تذهب الى الحلاق، وتشتري ثوبا جديدا، وبالاخص معطفا أنيقا.
كم شعرت بالخجل البارحة، وذلك الناذل الشبيه بجيسكار ديستان ياخذ منها معطفها قبل الجلوس، ويضعه بجوار المعاطف الفاخرة المعلقة. كانت تفضل لو احتفظت به على الكرسي المجاور. ولكن كان الامر فضيحة اكبر .. فضيحة الجهل بالاتيكيت..
ما يعنيها حقا هو ان تنسيه الحالة التي رآها عليها البارحة.
قبل الثامنة بدقائق، نزلت الى بهو الفندق. لم تكن الساعة في معصمها بل في قلبها. مذ هاتفها والدقائق تركض بها . تفقدت زينتها أكثر من مرة. صففت شعرها ثم غيرت تسريحته مرارا. في اخر لحضة، قررت ان تجمعه وتسدله على جانب واحد.
كانت تبدو جميلة، كما يليق بسندريلا ان تكون. نكذا قالت عيون الرجل الذي اخذ معها المصعد، وعيون من صادفت في بهو الفندق. جلست تنتظر قدومه، في ذلك الصالون الارستقراطي السقف والثريات، حيت لا أحد يعرفها، ولا تتعرف هي نفسها الى نفسها.
تامت السيدات وهن يعبرن في كامل اناقتلهن، والرجال الوحيدين، والاخرين المصحوبين بنساء. شغلت نفسها بالاستماع للموسيقى التي كانت تعزفها فتاة على البيانو. قصدت االحمام، هربا من نظرات رجالية، بدأت تطيل النظر االيها. صعدت الى الغرفة قليل عساه يطلبها هناك، تم عادت ونزلت عساه يكون جاء.
انقضت نصف ساعة على وجودها في مهب الانظار والنتظار حين مر احد الموظفين بلوحة مكتوب عليها اسمها. كانت مطلوبة على الهاتف.
- عذرا .. نسيت اننا نستقبل ضيوفا على العشاء في البيت. تعشي حيت تعشينا البارحة .. او اطلبي عشاء في الغرفة . ساتصل بك غذا. تصبحين على خير.
كان واضحا انها مكالمة مسروقة . ماترك لها حتى ومضة، لوضع سؤال او علامة تعجب.
كلمات وانطفأت الفرحة في عينيها وذبل توهجها.
عادت سندريلا الى الغرفة تخلع بهجتها، وتغسل مساحيق اوهامها.
دوما يعاكس الحب توقعات العشاق، هو يحب مباغتتهم، مفاجأتهم حينا، وحينا مفاجعتهم. لا شيئ يحلو له كالعبث بمفكراتهم، ولخبطة كل ما يخطونه عليها من مواعيد. ما الجدوى من حمل مفكرة اذا .. ان كان هو من يملك الممحاة .. والقلم.
البارحة كما اليوم، ضحك عليها الحب. بالامس جاءها حينما كانت في هيأة لا تليق باستقباله، فأربكها، واليوم جاء بها وتخلى عنها وهي في كل زينتها، بعدما قضت يوما كاملا في الاستعداد له.
الحب؟ لا، هي تعني ذلك الرجل. اما الحب فهو يحاول الان ان يعتذر لاستعماله الممحاة، بان يدللها كي تنسى اذى الحبيب، الذي يتحدث لاول مرة بصيغة الجمع بمنطق الزوج الذي له حياة اخرى، وبيت اخر، يستقبل فيه مع امرأة اخرى ضيوفا اخرين.
اما هي، فهي ليست ضيفة الحبيب هذا المساء، بل عاشقة مهجورة في ضيافة الحب، الذي يقدم لها العشاء في صحون البورسلين المغطاة باغطية فضية فاخرة، كما ليخفي عنها وجبة الحزن.
الحب يسقيها الصبر في كؤوس الكريستال، يواسيها بوضع وردة على مائدة الغياب . وينسى المناديل الورقية للبكاء.
انه حب باذخ، لا يضع البكاء في حسابه. كل مناذيله من القماش الفاخر.
الحب يضع تلك الرغوة المعطرة في مغطس حمامها، يغير شراشف نومها، يضع قطعة شوكولاه على وسادتها، مصحوبة بامنيات الفندق بليلة جميلة.
يسالها وهي جالسة على اريكة الاسى:
- ماذا استطيع من اجلك يا سيدتي ؟
- لا شيئ طاب مساءك ايها الحب.
تطفئ الاضواء لكنها لا تنام. تخلد الى اللوم طويلا. لا تغفر لنفسها ان تكون منحته فرصة الاستخفاف بها. كيف استدرجها ذلك الرجل الى هذه الاهانة الباذخة ؟
صباحا .. استيقظت على صوته. قال انه في طريقه الى المكتب، وأنه أحب ان يبدأ نهاره بسماعها.
سألته ان كان له مكتب في كل بلد. وعندما رد بضحكة، سألته ان كان له في كل مرفأ امرأة تنتظر دعوته الى العشاء. قال انه لا يشترك مع البحار سوى في حب البحر، وانه لا يتقن السباحة. فقالت،
- أما انا فلا اتقن الانتضار، ولا انوي الارتباط ببحار .. لذا سأغادر الفندق هذا الصباح.
رد مازحا:
- لا تكوني جزائرية .. أكلكم عصبيون هكذا ؟
أجابت:
- ستعثر على نساء جاهزات لانتضارك في بهو فندق. انا ما انتظرت قبلك الا التقلة. في محطة الحافلة، وفي بهو المدرسة، وفي مدخل البيت، وحتى في الصف. كنت انتظر الموت لكن بكبرياء. البارحة فقدت تلك الانفة وانا انتظرك ساعة كاملة امام اناس فائقي الترف، لا يدرون اي طريق قطعت، للوصول الى هذا المكان. كنت في انتضارك مجرد انثى .. وقد كنت في انتظار الموت رجلا.
ضل صامتا. ما اعتاد نبرة كهذه ولا توقع كلاما كهذا. كان مؤخوذا بغضبها، بهذه الانثى التي نامت قطة واستيقظت لبؤة. انها فصيلة من النساء لم يعهدها.
أجابها بأول ما خطر بذهنه. لاول مرة تكلم دون اختيار كماته. لاول مرة ناداها باسمها:
- هالة .. ما اجملك غاضبة. أحب كبريائك، ولانك كبيرة ستغفرين لي. لا تغادري الفندق ارجوك، سأحضر باكرا اليوم، واصطحبك في فسحة جميلة في غابة بولونيا. انا أمارس رياضة المشي هناك. ارتدي ثيابا مريحة وحذاءا رياضيا سنمشي كثيرا، وسأجلعل كل الاشجار تعتذر لك. هل تقبلين اعتذار الاشجار ؟
مادامت الاشجار أنثى .. لكنني لا أغفر لرجل ان يخطئ في حقي.
أغلق الهاتف وتركها أمام مشروع جديد ومصاريف جديدة. عليها الان ان تخرج للبحث عن ثياب رياضية وحذاء للمشي من ماركة كبيرة طبعا.
يا الله .. كم هو مكلف ان تكوني عاشقة.
على الساعة السادسة بالضبط حضر سيد الحضور العاصف، وانطلقت بهما السيارة نحو غابة بولونيا.
برغم البرد، كان كل شيء يبدو جميلا، كقصيدة شتوية. كما لو كانت كل الكائنات تتودد للعشاق. ان تتودد له هو بالذات. ايكون اشترى ودها ؟ الاشجار التي يعرف اسماءها ونسبها، ومواسم اخضرارها، ومن أي من بلاد الله الواسعة جيء بها.
هو الذي ما كان يجود عليها سوى بدقائق على الهاتف، يبدو انه منح الاشجار متسعا من الوقت، كي يتسنى له قراءة كل لوحة (حديدية) سمرت على شجرة.
كان، وهو يمشي معها على ضفاف البحيرة التي تتزلج عليها بعض البطات، يسمي لها الاشجار واحدة واحدة، كما لو كان يعرفها بأناث سبقنها الى قلبه.
قالت ممازحة:
- لن تكون المنافسة صعبة ان كانت هذه الاشجار نساءك.
رد عليها بالدعابة نفسها:
- برغم ذلك لا تطمئني تماما رج يهرب من البشر الى الشجر.
- كنت اعني ان الرجال يستعرضون عادة عى امرأة تدخل حياتهم، أسماء النساء اللاتي سبقنها، وأجد طريفا ان يكون في ماضيك حريم من الشجر.
- ليس من الرجولة الخوض في حضرة امرأة في موضوعين: الما و"الفتوحات الرجالية". وحدهم الاثرياء الجدد يتبجحون بثرائهم .. والمحرومون من صحبة النساء يباهون بعلاقاتهم.
- لعلك اذا شبعت نساءا ؟
رد ضاحكا :
- وربما شبعت أشجارا.
- حقا ؟
- طبعا .. على الاقل بحكم عملي في صناعة الورق.
- وما الذي أوصلك الى هذه التجارة ؟
- يكفي اني أقمت في البرازيل حيث رئتا العالم. اشسع الغابات توجد هناك، وأيضا مصانع الخشب والورق.
- أي انك تدلل الاشجار هنا، وتغتالها في مكان آخر.
- لست من يغتالها. انا اقدم الورق لكي يقرأ الناس الاوديسة، وملحمة غلغامش، وفولتير، والمتنبي، وجبران. المجرمون هم الذين يحتاجون الى مسح غابة من على وجه الارض لنشر كتب لن يقرأها احد .. ولطبع جرائد بأوراق فاخرة نصفها محجوز للتهاني والتعازي ولبزنس الافراح والموت .. ومجلات فخمة لا يمكنك حملها مختصة بنشر أخبار "أمراء الصور" .. الذين يدعون، برغم ذلك، دفاعهم عن البيئة.
قالت ممازحة:
- انت تأتي هنا اذا لتعتذر للغابات.
جاء جوابه قاطعا:
- لم يحدث ان اعتذرت.
كانت نبرته جازمة. لولا وقعها الحاد لخالته يمزح.
لاحقا فقط، ستختبر كم كان صادقا في قوله هذا. الان هي لا تتعمق كثيرا في ما يقول. سعادتها به تشل تفكيرها. لم يحدث ان كان أكثر تلقائية وصدقا مما هو اليوم، ولا كانت أقرب اليه مما هي هنا.
لكأن الطبيعة ساوت بينهما، خارج الفنادق والمطاعم الفاخرة. هو الان مثلها في ثيابه الرياضية، يتقاسم معها بالتساوي الهواء النقي، في غابة ساحرة، هي حسب القانون الفرنسي ملك كل من يتنزه فيها.
قالت متحسرة:
- تدري مذ اختار الارهابيون في الجزائر الغابات مخبأ لهم، غدت كلمة غابة بالنسبة لي مرادفها للرعب. لو لم اكن سأسافر لترددت على هذه الغابة كل يوم. يا لجمالها الاخاذ. هذه أول مرة منذ عدة سنوات، أمشي بين الاشجار بطمأنينة وسعادة. كم كنت احتاج الى هذا.
رد :
- إني في مفاوضات لشراء شقة غير بعيدة من هنا. بامكانك في المستقبل ان شئت، الاقامة فيها عندما تزورين باريس.
ردت بسعادة:
- انه حي جميل حقا .. فكرة جيدة ان تنتقل للاقامة فيه.
- الحي الذي أسكنه هو جميل كذلك. هذه ستكون شقة لضيوف الشركة حين يزورون باريس.
- أتوقع ان يكون بيتك فائق الجمال، ما دمت تفضله على بيت في هذه المنطقة.
أجاب وقد التقط نبرة حزنها:
- البيت يصنع جماله من يقاسموننا الاقامة فيه.
استنتجت انه غير سعيد مع المرأة التي تقاسمه اياه، وراحت تصنع من تعاسته المفترضة خبث سعادتها. فقالت :
- كم اتمنى التردد على باريس .. لولا المشاغل التي تنتظرني في الشام.
- مثل ماذا ؟
- لي حفلان في الشهر القادم، لا بد ان استعد لهما حال عودتي. بعض الاغاني جديدة وتستدعي عدة بروفات. خاصة انني سأغني لاول مرة في الخليج ..
- وهل زرت فيينا ؟
- فيينا ؟ لا.
- سأصطحبك اليها ذات مرة. خذي الموسيقى من منبعها. لا من هذا الزعيق الذي يسمونه اليوم غناء. كيف لاناس لا يعرفون سولفاج الكون ان يغنو. وكيف لمن لم يتدرب على الصمت ان يصدح.
- اتغني ؟
- لا . انا اصغي. لذا أعتبر نفسي أفضل من كثير من المطربين. ان مستمعا جيدا أفضل من مطرب سيئ.
- صدقت.
- تعلمي الغناء من الاصغاء الى حفيف الكائنات، كما الان .. أصغي الى صمتك وانت تمشين في هذه لاغابة .. بالصمت نعرف متى يكون الوقت صحيحا او خطأ في الموسيقى .. كما في الحياة.
- كيف تعرف هذا ؟
ضحك.
- أعرف ماذا ؟ متى يكون الوقت صحيحا ؟
- اعني كيف تعلمت هذا ؟
- بعضه من الكتب، وبعضه من التأمل، لا يمكن ان تمضي بعيدا في الحياة، ان لم تضبطي ايقاعك. الايقاع يمنعك من ان تنشزي او تلهثي، او تمضي في كل صوب. الناس الذين ترينهم تائهين في الحياة، لم يأخذو الوقت الكافي لضبط ايقاعهم قبل ان ينطلقو. اي انهم لم يخلدو قليلا الى صمتهم العميق، ليدوزنو خطاهم قبل الانطلاق الكبير.
- أقرأت هذا ؟
- بل خبرته .. ما قرأته هو أنهم كانو يعتقدون ان الموسيقى في الصوت. حتى جاء بيتهوفن واستلهم موسيقى الصمت. تدرين ان الموسيقى الغربية لا وجود للصمت فيها.
قالت كمن عثر على اكتشاف:
- ربما يكون في ترتيل القرآن الفضل في تعليم العرب ضرورة الصمت في الانشاد. ان وقع الصمت بين الايات له على نفس وقع الاية نفسها. وهو يطول ويقصر حسب ما يريد ان يحمله المقرئ من معاني. لذا لا يمكن اعتباره صمتا ب ترتيلا أيضا.
واصلت:
- لا ادري، انا اقول خذا اجتهاد، أفكر في ذلك الصمت الطويل الذي تتركه ام كلثوم مثلا بين جملة غنائية وأخرى. ان مطربي جيلها مثل مطربي جيل أبي، كانو منشدين ومقرئين أيضا، لذا جعلو من الصمت بين وصلتين أعلى درجات التجلي الروحي.
توقف فجأة عن المشي وقال:
- لم يحدث ان سامتعت بحديث كما معك الان، تدرين أحتاج الى ذكائك لاشتهيك.
رحظت انه لم يقل لاحبك.
ردت بخجل:
- لا اضنني ذكية الى درجة الاشتهاء، أنا أجاريك بالتفكير ليس أكثر. قلما وجدت احدا أتحذث معه بعمق. الذكاء في النهاية تمرين، وانا قضيت عمري في التمرين على قمع دذكائي، حتى لا يزيدني شقاءا
توقف عن المشي وقال وهو يمرر يده على شعرها :
- لن تشقي بعد اليوم .. سنتلقي كلما استطعت، انا ايضا أحتاج ان اتحذث اليك.
تمنت لو قال "احتاجك". حاولت استدراجه الى تلك الكلمة . فقالت:
- احب ان تحتاجني .. احب احتياج.
صححها :
- بل الحب اجتياح.
لم تقل شيئا فهو دائما يسرق صوتها بمفاجأته. ولا هو كسر بينهما نشوة لا نبلغها الا حين توغلنا في الاخر صمتا.
أوصلها الى الفندق وإحساس واحد يسكنه. كم كان يلزمه ليلثم في امرأة واحدة كل انوثة الكون.
أجمل لحضة في الحب هي ما قبل الاعتراف به. كيف تجعل ذلك الارتباك الاول يطول. تلك الحالة من الدوران التي يتغير فيها نبضك وعمرك أكثر من مرة في لحضة واحدة .. وأنت على مشارف كلمة واحدة.
مرات كثيرة كادت تلفضها، لكنها مثله لم تقلها. هو قال "بصمت نعرف متى يكون الوقت طأ او صحيحا في الموسيقى" وخارج الموسيقى كيف نستدل على الوقت المناسب تماما، لقول كلمة واحدة، لا تعود بعدها الكلمات ما كانته من قبل. يقول فيكتور هيقو "بعد الاعتراف الاول، لا تهود كلمة احبك تعني شيئا". لذا دافع كبار العشاق، عن شرف الكلمات " البكر" التي خلقت لتلفظ مرة واحدة. فبالنسبة لهؤلاء كلمة "احبك" حدث لغوي جلل.
يا للمسؤولية. لهولها سعدت انها لم تقلها له، ولا هو قالها. لكن قلبها سمع ما سكت عنه. كتذمره المستتر من الحياة الزوجية.
دهمها شعور بالاثم، لا تريد ان تأخذ رجلا من امرأة اخرى، ولا ان تتقاسمه معها. لا تدري في هذا الحب في أي درجة من سلم القيم تقف. تؤرقها الاسئلة، وتفسد عليها نومها. على سعادتها، هي ليست راضية عن تصرفاتها، تشعر ان شيئا فيها بدأ يتشوه.
برغم ذلك، حين عودتها الى الشام صاحت نجلاء مبتهجة وهي تراها مجددا:
- ماذا فعلت لتشعيب هاءا هكذا ؟
تضحك .. تقسم .. تأكد.
- والله لا شيء
- عدا عملك ممرضة ماذا فعلت خلال عشرة أيام ؟
- تعنين خلال ثلاثة أيام .. الحب يأتي متأخرا دائما.
انها بحاجة الى ان تروي لاحد ماح لبها.
لكننا لا نعرف كيف نروي الحلم عندما نستيقظ منه. لا شيء فيه يشبه ما نعيشه عادة. مذ عادت من باريس، وهي تعيش في منطقة حدودية متحركة، ذهابا وايابا بين الاحلام الواقع. بين ما عاشته معه وما تعيشه بعده. تكاد تشك ان ذلك حدث. لولا أنها أحضرت معها من ذلك الفندق الفاخر، تلك التفاصيل الصغيرة التي توضع في حمامات الفنادق، من صابون معطر لماركات كبيرة ولوازم الاستحمام وخف ابيض انيق. ليست قيمتها المادية التي تعنيها، لكن القبض على الحلم. كما في قصة سندريلا بقي لها من الفندق ذلك الخف لا تريد ان تنتعله، تخاف عليه ان يهتري. مادام في كيسه الورقي اللامع بامكانها النتعاله في احلامها متى شاءت.
كانت تتورط في هواية موجعة. هي لا تدري بعد كم ستجمع بعد ذلك من خف لفنادق فاخرة ستزورها معه، وانها ذات يوم ستغادر أحلامها ب"خفي حنين".
صاحت نجلاء :
- لا. أكان هو اذا ذلك الرجل الذي هاتفني ؟ كم جميل ان ينتحل عاشق صفة ليفاجئ حبيبته.
- لم تكن مفاجأة بل مفاجعة. غشي علي وانا اراه عند باب غرفتي، في ذلك الفندق البائس، ليتك اخبرتني بهاتفه.
- وما أدراني به .. ثم هو يعلم انك لست ثرية.
- وأصبح يدري الان كم هو قوي، انها سطوة المال. عندما يخرجك احدخم من فندق بنجمتين ويسكنك غصبا عنك فندقا فوق النجوم.
- اهذا ما اخذك عليه ؟ اتريدين عاشقا بائسا كأولئك الذين تركتهم في الجزائر. بؤسهم كان ينعكس على ملامح وجهك .. انظري الان كم انت جميلة. ليس السخاء المادي بل السخاء العاطفي، حب هذا الرجل يجملك.
- لم التق به في باريس سوى ثلاث مرات، كيف له ان يجملني.
- طبعا .. هناك حب يجعلنا أجمل وأخر يجعلنا نذبل. ثمة رجال يبثون ذبذبات سلبية غصبا عنهم، ياتونك بكآبتهم وهمومهم وعقدهم وعليك ان تنتشليهم بالحب من وحل أنفسهم. هؤلاء لا أمل منهم، تمدين لهم يد النجدة على امل ان تكسبي رجلا، فاذا بالرجل يتشبت بتلابيبك حد اغراقك معه في بركة مياهه الاسنة.
لكأن نجلاء تعرف عن هذا الرجل، الذي لم تحدثه سوى جملتين على الهاتف، أكثر مما تعرف هي. انه لا يشبه أحدا ممن التقت بهم من الرجال. هذا الرجل شلال حياة، نهر يجرفك يدفعك الى مجاراته في مسابقة نفسك لبلوغ مالم تتقعي بلوغه. انت معه في تحد دائم لتلحقي به .. او لتطاليه.
قالت وهي تتأمل نجلاء :
- ربما كنت على حق.
- انا حتما على حق. الفشل معد تماما كالنجاح، والسعادة معدية تماما كالكآبة، وحتى الجمال معد. ان رجلا جميلا وأنيقا ينقل لك عدواه ويجبرك على ان تضاهيه أناقة حتى لا تخسرينه، والا تهملي مظهرك حتى لا تبدين غير أهل له. لذا عليك قبل ان تقبلي على حب رجب، ان تدركي العيوب التي ستنتقل اليك بعد الان بحكم العدوى.
صاحت:
- يا الله لا تذكريني بالاناقة. اية فضيحة كانت عندما دعاني الى العشاء ومان في حوزتي ما يليق بالمناسبة.
- كيف تسافرين من دون ان تحسبي حسابا لمناسبة كهذه ؟
- تدرين في اية ظروف سافرت. ما أدراني انه سيأتي .. كأنني بخرت له، لا ادري من اين يطلع لي هذا الرجل كالجن اينما كنت.
- عليك اذا ان تكوني في قمة اناقتك بعد الان وكأنك ستلتقين به اينما حللت، وان تكون لك ثياب تليق بمرافقة رجل من مقامه.
- تدرين .. قرأت يوما امرا يعلني احسم امري في موضوع الثياب.
- ها .. هات لنسمع.
- "لا تحاول ان تجعل ملابسك اغلى شيء فيك حتى لا تجد نفسك يوما ارخص مما ترتديه ".
- جميل .. حتما قرأته يوم كنت مدرسة. لكلك الان يا عزيزتي نجمة، وان لم تتبرجي وتنفقي كما تنفق النجمات على ازيائهن، فستجدين نفسك، على غلاك، ارخص منهم، وارخص من صونك. هكذا يقول منطق السوق، ثم بربك، اما ان لك ان تخلعي هذا الاسود ؟
- اتدرين كم من المشاهير ارتدو الاسود طول حياتهم وما زارهم الا تميزا ؟ "باكورابان"، "اديث بياف"، "جولييت غريكو" ..
قاطعتها :
- ولكنك لست هؤلاء، ولا انت في فرنسا .. انت في الزمان والمكان الخطأ. العصر الان للبهجة.
قالت كما لتنهي الحوار :
- لا تحاولي معي عزيزتي فأنا لن اخلعه.
حتما لا تنوي خلعه. هو نفسه حين رأها في زي رياضي سماوي اللون اشترته لتلك النزهة في الغابة قال لها كما ليبدي عدم إعجابه بلونها الجديد.
- كلما اشتقت الي ارتدي الاسود.
ردت كمن يتعذر لرجل يعشق الاشجار:
- انا شجرة توت لا رداء لي اصلا الا الاسود.
منذ ذلك الحين، وفي انتضار ان تراه مجددا، ما عادت شجرة واحدة، بل غابة من النساء. هي شجرة الكرز المزهرة، هي شجرة الصبار والصفصاف الباكي، وشجرة اللوز، وشجرة الارز، والسنوبر والسنونو.
بعده لم تعد تصادق الا الغابات لتكون لها قرابة بشجرة عائلته. ولكي تتجسس على نسائه.
تعلمت منه ان تتحاور مع الكون عبر السلم الموسيقي للصمت. هي التي نبتت كزهرة برية بين شقوق الصخور. الان فقط تعلمت ان تصغي الى ما ظنته بلا صوت: حفيف الكائنات، في ذلك العالم السري الذي نعيش بمحاذاته.
وعندما تنتهي من نزهتها تلك، تعود لتمشي في ادغال الحياة. فراشة بين وحوشه الكاسرة. سنتان مرتا على وجودها في الشرق ولم تصادق أحدا من الوسط الفني، عذا فراس.
ازرع شجرة ترد لك الجميل، تطعمك من ثمارها، وتمدك بسبعة لترات أكسجين يوميا، او على الاقل تضللك وتجمل حياتك بخضرها، وتدعو أغصانها الوارقة العصافير، ايزقزقو في حديقتك. تأتي بانسان وتزرعه في تربتك .. فيقتلعك اول ما يقوى عوده، يتمدد ويفربش يسرق ماءك كي ينمو اسرع منك، تستيقظ ذات صباح واذ به اخذ مكانك، واولم لاعداءك من سلاس فاكهتك، ودعى الذئاب لتنهشك وتغتابك. كيف لا ينخرط المرء في حزب الشجر ؟
عندما شكت الى نجلاء تلك المغنية التي كانت تخالها صديقة، وراحت بسعادة تسمعها الاغنية التي قدمها لها احد المحنين لتكون "ضربة الموسم" واذ بالمغنية تتصل بالملحن وتعرض عليه أضعاف ما قدمته هي، فما كان من الملحن الا ان باعها اياها من دون حتى ان يعتذر او يخبرها بذك.
قالت نجلاء:
- هذا زمن اصداقات العابرة. لا يمكن ان تقيمي علاقة طويلة الامد او تراهني على احد.
صرخت :
- لكن هذا عيب .. كيف لم تستح مني ..
- وهل استحى الملحن ؟ انه وسط بلا حياء ولا انتماء سوى لجيبه. انت كنت جاهزة لتقتلي لتؤدي في مأتم ابيك اغنية، وهم قد يمشون على جثة احد للفوز باغنية. عليك ان تتقبلي الامر او تغيري مهنتك.
تغير مهنتها ظ في الماضي كانت تخبئ صوتها في محفضتها المدرسية، لا تخرجه الا في الصف. ثم حين يدق الجرس تعيده مجددا الى محفظتها. اما الان فما عاد بامكانها ان تفعل ذلك. كيف لبركان استيقظ، ان يبتلع حممه.
تذكرت انها لم تتصل بفراس مند مدة. عندما تكون محبطة فقط تتذكره، وتعاودها الرغبة في تعلم العزف. غير ان قلبها يعزف هذه الايام لحنا آخر. وكل ما تريده، هو استعادة العود.
قال لها وهو يعيده اليها:
- صادف ان زارني البارحة صديق عازف، فتعلق به حين رويت لخ قصته. عزف عليه بعض الوقت، ثم نبهني انك ان اكتفيت بالاحتفاظ به فوق خزانة، فلن يكون هذا العود سوى قطعة خشبية في بيتك. فالعود بتأثر بالحرارة والرطوبة ويفقد صوته كما البشر. عليك ان تواظبي على صيانته، وان تسلمينه لاحد بين الحين والاخر كي يعيد دوزنته، وشد حباله، ويعزف عليه ليمد في حياته، والا خسرته. في الواقع لديه أمنية، ان يستعيره ذات مرة ليعزف عليه في احدى الحفلات. انه واحد من خيرة موسيقيينا بإمكانك ان تثقيب ه.
أقنعها بصواب رأيه، برغم احساسها انه في كل هذا يريد ان يضمن ترددها عليه.
انتهى بها الامر ان تركت العود لديه. لاسواه أهل لامانة كهذه. بإمكانها استعادته لاحقا متى شاءت. لا وقت لها لتصون صوتها وقلبها وأمها، فكيف تزيد على ذلك صيانة العود والاطمئنان الى صحته.
قالت لتبرر قرارها :
- يعنيني العود لقيمته العاطفية، في الواقع انا ابنة الناي. انه الاقرب لوجداني. لكن احساسي بالموسيقى تغير، بدأت أميل الى الكمنجة والبيانو.
أجاب :
- ان تربيت على الناي، يضل يناديك اينما كنت، فتلحقين به، كما لحقت في تلك الاسطورة الطيور والحيوانات جميعها باورفيوس، وهو يعزف على نايه.
سألته متعجبة:
- هل تفهم في الناي أيضا؟
رد مباهيا :
- انا حلبي .. لقد جاءنا الناي مكرما قبل قرون، يوم اقام جلال الدين الرومي في حلب، فهو الالة الموسيقية الاولى لدى الصوفية. انه يرافق الدراويش في دورانهم حول انفسهم. أما في "المولوية" الطريقة التي تنتهي لها عائلتي، فوجدها الدفوف ترافق الراقصين.
علقت باعجاب :
- يا الله .. كيف تعرف كل هذا ؟
رد مزهوا :
- ما من حلبي الا وله قرابة باحدى الطرق الصوفية.
غمرتها سعادة من وقع على سر جميل. لعل ما جاء بأبيها الى حلب. شعرت بانجذاب روحي الى هذا الشاب، الذي لا يوحي مظهره العصري، بأن وجدانه يحلق عاليا في سماء المتصوفة.
سألته كيف بامكانها ان تصطحب امها لحضور احدى هذه الحلقات، فهذا يسعدها حتما.
قال :
- بامكانك حضور الحفلات التي تقدمها الفرق الصوفية في شهر رمضان في القاعات، وأحيانا في القصور والبيوت العتيقة. امنحيني سعادة ان ادعوكما في اول مناسبة. سترين ان لا شيء يضاهي سهرة في ضيافة الدراويش.

http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/456320512.png[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

KAREN 10-07-2015 11:00 PM

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/714834664.png


الفصل السادس



وجدت في قدوم عمتها من الجزائر لزيارتهم نعمة نزلت من السماء. عساها تشغل أمها قليلا عن هواجسها. في الواقع، مند الامير عبد القادر، لم تفرغ سوريا يوما من الجزائريين ، دوما أشرعت لهم قلبها ودخولها من دون تاشيرة. وهكذا أصبح على امها ان تشرع بدورها بيتها لاستقبال الوافدين من أقارب وأصدقاء.
جاءت العمة محملة بما طلبت منها امها احضاره، حاجات تعز عليها، وما استطاعت حملها يوم غادرو. أشياء ها قيمة عاطفية، أما ما عداها فما عاد يعنيها. لقد تركت البيت على حاله لاخي زوجها. ثمة خسارات كبيرة الى حد لا خسارة بعدها تستحق الحزن.
قالت امها وهي تأخذ قرارها "البيت برجاله وليس بجدرانه"، ومن كانو يصنعون بهجة البيت غادرو، فما نفعه بعدهم. كان عمها منصفا، ابى الا ان يدفع ثمن البيت، بما ادخر من مال اثناء عمله في فرنسا. هكذا تمكنو من شراء شقة في الشام.
لقد عاشت امها الفاجعة نفسها في سنة 1982 يوم غادرت وهي صبية مع والدتها حماه، لتقيم لدى اخوالها في حلب، ما استطاعو العيش في بيت ذبح فيه والدهم، وهم مختبئون تحت الاسرة. سمعو صوته وهو يستجدي قتله، ثم شهقة موته وصوت ارتطام جسده بالارض، عندما غادرو مخابئهم بعد وقت، كان ارضا وسط بركة دم، رأسه شبه مفصول عن جسده، ولحيته مخضبة بدمه. كانت لحيته هي شبهته، فقد دخل الجيش الى حماه لينضفها من الاسلاميين، فمحاها من الوجود.
الاكثر الما، ان رجلا في مقامه دفن سرا، كما يدفن قطاع الطريق على عجل، رقم بين الارقام. لا احد مشى في جنازته، ولا احد عزى فيه. كانت حماه الورعة التقية، تدفن تلاتين الف قتيل من بضعة أيام، بعضهم دفن الوديعة في جنح الظلام. كان ثمة زحمة موت، لذا لم يحظ الراحلون بدمع كثير وحدهم الموتى كانو يمشون في جنازات بعضهم.
هي لم تنس شيئا. لقد عقدت هدنة مع الذاكرة، ليس أكثر. لكن بين مد وجزر، كانت الذكريات تعود كما الامواج. انها الامواج العاتية للحياة، تقذف بها مرة اخرى الى الشاطئ نفسه، الذي غادرته قبل ثلاثين سنة، عندما تزوجت ذلك الجزائري هربا الى ابعد مكان عن رائحة الموت، لكن الموت عاد بها، هاربة مرة أخرى من حيث جاءت، فهل كانت تحمله في حقائبها، ليكون لها قدرا غريب كهذا ؟
كان الموت اياه ينتظرها في سيناريو أخر. هذه المرة ليس الجيش الذي يقتل الابرياء بشبهة اسلامية. بل الارهابيون يقتلون الناس بذريعة انهم أقل اسلاما مما يجب.
كمن يعيش عملية بتر عضو من أعضائه دون تحذير، كان عليها ان تعيش فجائعها وهي في كل وعيها. ان يشرعو الباب كل مرة، ليدخلو عليها تارة بجثة زوجها، واخرى بجثة ابنها، وان تواص الحياة برغم ذلك مع قتلتهم. ليس الالم الاعظم ان تدفن اباك بل ان تدفن ابنك.
كانت العمة تحمل اخبارا سارة.
- الحمد الله رانا في رحمة ربي .. ارجع النا الامان يا هند يا اختي .. يا ريتك صبرتي شوية.
- ماقدرتش نعيش مع اللي قتلو ولدي وراجلي .. لو قعدت هناك كنت مت والا قتلت حد.
- الناس كلهم صابرين .. واللي ما عندوش وين يروح واش يدير .. نوكلو ربي "ياقاتل الروح وين تروح".
تدخلت تلطف الجو .، قالت موجهة الحديث لعمتها:
- امي حابة تعمل مثل الحاجة الزهرة في قسنطينة .. جاؤو ارهابيين في عمر ابنا أخذو ابنا في الليل وقتلو قداما وهي تبكي وتحاول فيهم. ولما عرفتهم راحت جابت رشاش تدربت عليه وقتلتهم .. وصارت ما عندا شغلة غير ملاحقة الارهابيين. رفضت تعترف بقانون الرحمة ، قالت "ناخذ حقي بايدي .. اللي ما رحمنيش ما نرحموش ..".
قال الام متعجبة :
- ما سمعت هالقصة .. امتى صارت ؟
ردت :
- لما كنا بالجزائر .. سمتها الصحافة "جميلة بوحيرد الثانية". شي ما بيتصدق .. مرا عمرا ستين سنة قتلت خمسين ارهابي.
واصلت ممازحة وهي ترى أمها مأخوذة بالقصة :
- خفت وقتا بحكيلك عنها تروحي تجيبي رشاش وانصير نص العايلة مقتوله ونص قتلة.
ضحكت. لا بد من ممازحة الموت احيانا والا قتلك قبل اوانك. علقت العمة من تحت حجابها :
- احنا مؤمنين يا بنتي .. والانتقام صفة من صفات الله وحدو هو المنتقم اللي يجيب لك حقك. لو بقينا كل واحد ياخذ تارو بايدو عمرها ما تخلص، الي ماتو مش رايحين يرجعو، لكن البلاد تروح. الحق .. في هذه بوتفليقة يعطيه الصحة .. يرحم والديه عمل شي ما حد غيرو قدر عليه. ماكاش حاجة في الدنيا اغلى من الامان .. قليل واش فات علينا في عشر سنين.
لكن امها ليست جاهزة للغفران، هي لم تغفر حتى الان لمن قتلو اباها قبل ثلاثين سنة في خماه، فكيف تغفر لمن اخذوا منها ابنها وزوجها قبل عامين. رفضت قبول الدية التي قدمتها الدولة لاهالي الارهابيين. كيف تحدث، ويسقط عن مرتكبيها حق الملاحقة، مهما كانت فضاعتها.
كل وجعها جاء من هنا.
لان امن الوطن لا يتحقق الا على حساب العذل، عم السلم المدني، وانفقد السلام الذاتي. فالضحايا ليست لهم صفة الضحية، مادام المجرم لا يحمل صفة ممجرم.
كل ما حذث اذا على مدى عشر سنوات لم يكن. ليس عليك ان تسأل كيف مات المئتا الف قتيل، وعلى يد من ؟ لعلهم ماتو في كارثة طبيعية.
وعلى الاف المغتصبات ان يتحملن وحدهن ما انجبن من لقطاء. وليبحث لاحقا كل لقيط عن اب، فقد عفا القانون عن المغتصب.
وعلى اهالي المفقودين ان يكفو عن ازعاج الناس بالتظاهر، وليغفرو لوطن فقد هو ايضا صوابه.
وعلى ابن الرئيس محمد بوضياف ان يتوقف عن مطاردة الحقيقة، ومساءلة الدولة عمن اغتال اباه، فجرائم الدلوة ايضا يشملها قانون العفو.
اكثر من جنون الاجرام، يطالب الوطن الان بجنون الغفران. وبعد واجب التذكرة، أصبح المطلوب ان ننسى، لان القاتل هذه المرة جزائري، وليس فرنسيا. لقد عاد من نوبة جنونه اتقى وأكثر وطنية منك . والارهابيون الذين كانو يحرقون الاعلام الوطنية اول ما يصلو الى قرية، ينزلون الان من الجبال وهم يرفعونها والذين طال عنفهم، حد نشب عضام شهداء الثورة واحراقها، لانهم ساهمو بجهادهم في ولادة دولة علمانية، هم الان يتنافسون على اثبات ولائهم للدولة كي يفوزو بكرمها.
أيقظت زيارة عمتها كثيرا من مواجعها، فهي لم تثيت الى اليوم على رأي، هل الاهم انقاذ الوطن ان تططبيق العدالة؟ وهل عليها ان تفكر كمواطنة ان كانسانة ؟
ما يعنيها الان ان امها تبدو سعيدة، تتسامر مع عمتها، وترافقها نهارا للاسواق، مما يتيح لها السفر دون شعور بالذنب. فهي لا تحب ان تترك امها بمفردها، وعليها ان تلبي عدة دعوات لتقديم حفلات في أكثر من بلد. لكأن الجميع اكتشفها في الوقت نفسه.



http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/456320512.png
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

KAREN 10-09-2015 10:06 PM

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/714834664.png


الفصل السابع


في البدء كانت نجاحاتها تسعده. يضعها في ميزان زهوه ووجاهته. فما كان يرضى بها لو كانت امرأة فاشلة او عادية. ثم بدأت التفاصيل المنقولة في الصحافة عن طاهرة هالة الوافي واجتياحها لقلوب الناس اينما حلت، تزعجه بعض الشي.
لعله بدأ يتنفس اوكسيد كربون الغيرة، لكنه يرفض ان يعترف لنفسه انه يغار. لا يدري ان كان يخاف عليها من شهرة ستفسد براءتها ام من ضوء سيجذب الرجال اليها. وهل يريد لها نجاحا يباهي به، ان يفضل لو ابطأت بلوغ نجاحها كي تبقى له.
هاتفها ليطمئن الى استحواذه عليها. قال :
- اشتريت تلك الشقة في باريس وانتهيت من تأثيثها، بإمكانك الحضور متى شئتي ان كنت مازلتي تحبين الغابات.
ردت مبتهجة لتستدرجه الى اعتراف ما :
- أفعلت هذا من أجلي ؟
قال مازحا :
- لا .. من أجل الاشجار طبعا .
وكان يعني : من أجل ثمار حان قطافها.
ردت ضاحكة :
- لن تنجح في جعلي أغار من الاشجار.
ليست الاشجار بل الاصفار هي اليت كانت ضرتها، وهذت يفسد فرحتها.
كحين راحت تبحث في حقيبة يدها ، عن بطاقة هاتفية قد يكون بقى فيها ما يكفي من الوحدات، لتزف له خبر حصولها على تأشيرة لفرنسا. فعلقت نجلاء مازحة وهي تراها تجرب ما في حوزتها من بطاقات، من تلك التي تمكنك من الحديث الى الخارج بسعر منخفض.
- ان في حقيبتة يدك من البطاقات الهاتفية، بقدر ما في جيبه من بطاقات مصرفية. هو يقيس الحب بالعملات وانت بالوحدات .. عليك ان تتقبلي منطق الاصفار التي تباعد بينكما والا فستشقين.
كانت أكثر فرحة من ان تفكر يومها في الشقاء. كل ما تريده من نجلاء ان ترافقها لشراء ثياب جديدة. هذه المرة هي تملك امكانات ابهاره.
لكنها أخفت عن نجلاء حقيقة أخرى. وهذا دليل عى انها مقدمة على فعل تستحي ان يعرف له أحد. كيف قبلت عرضه بان تقيم في بيته ؟
اي قدرة يمكلك هذا الرجل لجعلها تقبل بكل ما قضت عمرها في رفضه. احتارت في حل معضلتها : لو حجزت في فندق بسيط فسيعلم بالامر. لو حجزت في فندق على قياس جيبه، فسيفرغ جيبها، وتفسد تكاليف الفندق فرحتها. ولو اقامت عنده لخالها فتاة سهلة.
امام ترددها في قبول عرضه، اقنعها بان البيت تحت تصرفها وحدها، وان ثمة نسخة واحدة من المفاتيح ستكون معها ، و .. انه اشترى البيت لاسعادها، ويعز عليه الا تكون اول من يقيم فيه. هذه الجملة بالذات هزمتها. لعله يخطط معها لعلاقة شرعية.
قبل السفر هاتفته سائلة :
- ماذا احضر لك معي ؟
اجابها محتفضا لنفسه بابتسامة :
- فقط تعالي لدي هنا كل شيء
ردت مازحة :
اوهمني ان ثمة ما تحتاج ان احضره لك. لا اطمئن لمن لديه كل شيء.
لم تقل له انها تحتاج لمن يحتاج اليها. لانه ضل على رايه، اخذت له معها عرجون التمر التي احضرته عمتها من الجزائر، وكتابا فخما بالفرنسية عن اغرب الاشجار في العالم وما حيك حولها من اساطير. في جميع الحالات، ما كان يمكن ان تدخل بيته فاضية اليدين.
سافرت باحاسيس متناقضة لم تعرفها من قبل. لم يحدث ان وضبت حقيبة للهفة، ولا اخذت تذكرة للسعادة. لاول مرة أصبح للحب مطار وعنوان .. وبيت ينتظرها فيه رجلر.
بدل ان تسعد اصيبن بذعر السعادة.
في المطار، املت على سائق التاكسي عنوان قدرها. تذكرت امها، تراها عرفت احاسيس مجنونة كهذه، لتغادر حلب وتحلق برجل غريب الى بلدة جزائرية نائية.
عند باب البناية الفخمة ذات الطراز المعماري القديم، دقت شيفرة الباب التي امدها بها. اربعة ارقام وانفتح الباب الزجاجي.
ماكادت تدلف البهو الكبير، حتى جاء البواب لنجدتها. لعله رآها على شاشة تائهة في صالون البهو. سألها:
- انستي .. هل يمكنني مساعدتك ؟
اجابت مرتبكة كانه سيتعرف اليها :
- اريد شقة السيد طلال هاشم.
دبت فيه الحماس وحمل عنها الحقيبة حتى باب المصعد. طلب المصعد وقال :
- الطابق التاسع على اليمين.
كان باب الشقة مفتوحا. وجدته ينتظرها على العتبة. قبلها على وجنتيها مرحبا وسحب الحقيبة الى الداخل.
لم يعلق على حقيبتها الثقيلة اكثر من الازم، والمدحمة كقلبها باشياء ليست كلها ضرورية. كان يجد في علامات تخلفها هذه ما يطمئنه.
ذهب بالحقيبة الى غرفة داخلية وعاد الى الصالون مبتهجا ، كان شعاعا دخل بيته في تلك الظهيرة الباريسية. سألها كيف كانت رحلتها من بيروت الى باريس. لم يسالها عن رحلتها الاصعب تلك التي قطعها قلبها من المطار الى بيته.
ها هو اذا. اخيرا هو. سعيد ودودا كما لم تره يوما. لكنه على احتفائه بها بدا هو نفسه غير مصدق لوجودها في بيته. نسي ان يضمها، راح يتاملها، بينما راحت تتأمل الشقة، في اناقة اثاثها القليل والمنتقى بذوق عصري راق. كل شيء شفاف من الزجاج السميك الفاخر، الطاولات كما الرفوف تقف على أعمدة زجاجية بقواعد ذهبية. حتى الكراسي بلون عاجي غير مثقلة بالزخرفات. انه فن المساحة. لا شيء يثقل فضاء الرؤية، والسجاد يبدو لوحة حريرية بألوان ناعمة مدت على الارض.
لا شيء يشبه البيت الذي تركته خلفها في الشام، ولا الاخر الذي عاشت فيه في الجزائر، بصالونه الذهبي واطار لوحاته اذهبية وطاولاته الذهبية . الثراء الحقيقي لا يحتاج الى اشهار الذهب. لا يعنيه ابهار احد. ذا وحدهم الاثرياء يغرفون بنظرة، قيمة اشياء لا بريق لها.
- تعالي اريك المنظر.
لحقت به الى االشرفة. كان المنذر يطل على جادة تعبرها بعض السيارات، وعلى طرفها الاخر تمتد غابة تتوسطها بحيرة.
- تدرين .. كنت محظوظا، قل ما تعرض شقة كهذه للبيع. من هذا العلو احظى بمنظر خلاب. الذين يقطنون هذه الاحياء الراقية قليلا ما يعرضون ممتلكاتهم للبيع. انهم يتوارثون. شطارتك في ان تغريهم بعرض يفوق القيمة العاطفية لارثهم.
لم تساله عن الثمن الذي دفعه لاقتنائها، ولا عن قصة أصحابها، وحدها قصتها تعنيها، في بيت تمنته جدران حياتها وسقف احلامها.
تمتمت بالفرنسية وهي ترى المنظر في الخارج :
- Mon dieu comme c’est beau
علق :
- يسعدني ان يعجبك. انت او من يزوره . حتى زوجتي لا علم لها بوجوده.
فاجأها اعترافه. شعرت بانها ثمة بنشوة تعيشها كحم كأنه يقول لها انها اهم عنده من زوجته.
واصل وهو يدلها على جهة اخرى:
- لشقة مدخل خاص بالخدم.
كل شيء كان يوهمها انها غدت ربة هذا البيت، الذي راح كمرشد سياحي يرافقها في زيارته.
واصل :
- في ابيت اربع غرف نوم مرفقة بحمامانها.
غير انه لم يرها منها الا الغرفة الاولى حيث وضع حقيبتها. ادركت انها غرفتها.
اكبرت فيه وقوفه عند عتبة ذلك الباب فلم تجتز بدورها العتبة.
عاد ادراجه مجتازا الممر. سالها وهو يدلها على المطبخ ويفتح البراد :
- لعلك جائعة. او تودين شرب شيء ؟ لدي اشياء خفيفة.
كان البراد ببابين كل شيء فيه مرتبا وشهيا كما في اعلان تلفزيوني.
لكنها لم تكن قد استوعبت بعد كل ما يحدث لها، ولا فكرة وجودها في بيته وفي مطبخه، واقفة على مقربة منه.
ما تريده حقا هو التهام تلك المسافة اللعينة التي تفصلها عنه منذ اشهر.
ردت :
- شكرا ليس الان .. لست جائعة الا اذا كنت تنتظرني لتتغذى.
اجاب وهو يغلق البراد :
- بل انتظرك لاحيا ..
حل بينهما صمت مباغت. شلتها الرغبة في انجرافها المحموم، تسمر كل منهما مكانه. كانا على بعد متر احدهما من الاخر.
قال لها وهي في الصالون :
- عندي مواعيد في المكتب. ارتاحي قليلا من السفر، ساعود مساءا لاصطحبك الى العشاء. واصل وهو يتجه نحو الباب : بالمناسبة انا طاه بارع. ذات مساء ساعد لك غشاءا في البيت.
اسعدتها الفكرة. لكنها احزنتها لاحقا. حين قال لها مساءا وهما في المطعم "عندما احب امرأة اطهو لها بنفسي".
فقدت شهيتها وربما صوتها ايضا. لم تساله " هل حدث هذا مرارا؟".
كما لم تجرؤ على سؤاله، وهو يرافقها بعد العشاء حتى الشفة ليطمئن الى كل شيء ويغادر الى بيته الاخر: من تراها تكون بالنسبة اليه بالتحديد ؟
كان يتقن لعبة الغموض. في الواقع توقف الامر عى ان يكون لعبة، مذ امتلك الحكمة والنزق في التعامل مع الحياة. الانضباط سر نجاحه. مذ قرر ان يعطي كل شيء وقته . وكل واحد حقه. لم يحدث ان جمع بين املاأتين في مدينة واحدة. يحتاج الى ان تغادر زوجته باريس ليكون لامرأة غيرها. ليس خوفا منها بل خوفا ان تخونه رجولته معها، او تخونه شهامته حين بين امرأتين يخلو بنفسه. ماعاد قادرا في كل لقاء على منح نفسه كليا، وعلى استعادتها كليا وهو يرتدي ثيابه ويصفق الباب. انتهى ذلك الزمن المجنون، الذي كان بامكانه العيش فيه حيوات عدة في ان واحد، وأكثر من نهار في يوم واحد، وداراة ومراعاة كل امرأة على حده.
سعادته الان في التوفيق بين حياتين متوازيتين، عليهما الا تلتقيا، ويحتاج اليهما معا ليحيا. وفي انتقاء المتع الراقية، كزجاجة نبيذ فاخر لسنة استثنائية. هكذا يراها، تلك الصبية التي تركها منذ أشهر تتعتق.
كل اكل النساء حوله جاهزات للعطاء، او بالاحرى لاخذ ما يدعين عطاءه. وماكان يريد غير امرأة واحدة تكون من يعطيها. ثمة شقاء مخيف، يكبر كلما ازداد وعينا بان ما من احد يستحق سخاءنا العاطفي، ولا احد اهل لان نهدي له جنوننا.
كان دائم البحث عن امرأة تفقده صوابه. يقوم من أجلها بأعمال خارقة. يمارس أمامها خدعه السحرية، يضعها في صندوق زجاجي، يشرطها وصلا وهجرا الى نصفين، ثم يعيد جمع ما بعثر منها. ككبار السحرة، يخفي بحركة ساعة معصمها، ويخطفها لقضاء نهاية اسبوع في فيينا او البندقية. يلغي من أجلها مواعيده، ويخترع للقاء بها مصادفات. يخرج لها من قبعته السحرية سربا من حمام المفاجآت، وحبلا من تامناديل الملونة، تتمسك بطرفه وترتفع اليه، ففي كل ما يقدم عليه مع امرأة، ماكان يقبل بغير الحالات الشاهقة والصواعق العشقية.
استيقظ صباح الغد بنية اذهاش الحب. لعله شعوره بالذنب وهو يتخلى عنها البارحة في ذلك البيت لتقضي اول ليلة بمفردها. قرر ان يخرج من قبعته احدى المقالب السحرية. كما في استعراض سحري، الدقة الفائقة في ضبط الوقت، هي الشرط الاول لضمان الابهار.
حسب تعليماته من اساعة العاشرة تماما، دق جرس البيت. لم تدر ان كان عليها ان تفتح. نظرت من عين الباب. لمحت البواب برفقة شخص يحمل سلة ورد. سارعت الى ارتداء روب البيت، ثم فتحت الباب.
قال البواب وهو يحييها، ان واجبه مرافقة اي غريب يوصل شيئا الى ساكني البناية. شكرته وتسلمت منه باقة الورد. تنبهت بعد ذهابهما انها لم تعطي حامل الورد شيئا يليق بهيأته الانيقة، المشابهة للموظفين الواقفين عند أبواب الفنادق الفاخرة، ببذلاتهم ذات الازرار الذهبية وقبعاتهم المميزة.
منذ متى لم تصلها منه باقة التوليب تلك ؟ ربما منذ حفل القاهرة، قبل عدة أشهر.
توقعت منه مكالمة هذا الصباح. لكن، ربما ما كتبه على البطاقة أجمل.
وضعت الورد على الطاولة وراحت تبحث عن البطاقة. لم تقع الا على علبة ضغيرة بشرائط جميلة. لعلها ساعة. ما حاجتها الى ساعة. ايريد ان يعتذر لها عن الساعات التي ستقضيها في انتضاره ؟ ام ليمتلكها بها ؟ بدأت تتذمر حتى قبل ان تفتح العلبة. لا أسهل على الاثرياء من ارسال هذية ثمينة.
كانت منهمكة في فك الشرائط، حين انطلقت موسيقى من قلب العلبة. انتفضت. ثم وقد تجاوزت وقع المفاجأة، راحت تمزق ورقة الهدية بسرعة. أخرجت جهاز هاتف من العلبة، وضغطت اول زر صادفها.
وضعت الهاتف على اذنها جاء صوته:
- اشتقت اليك ..
ترك لها الوقت لاستيعاب المفاجأة.
ثم اضاف :
- احتاج ان اسمعك اينما تكونين. (كان عليها ان تفهم : اريد ان اعرف دائما اين تكونين) وضعت لك في هذا اهاتف خطا فرنسيا. بامكانك استهدامه اينما كنت في العالم. اذا احتجتي الى شيء يكفي دقة واحدة او رسالة. ساطلبك اول ما استطيع.
لانه لم يسمع لها جوابا، سألها :
- هل اشتقتي الي ؟
ردت بصوت افقدته المفاجأة نبرته :
- عليك اللعنة .. كنت ستقتلني .
رد ضاحكا :
- ليس اليوم .. هل احببت الدانوب الازرق ؟
لم تدر بما تجيبه. أيكون في العلبة شيء لم تره بعد ؟
واصل :
- انها المعزوفة التي أحبها اكثر .. أريد ان اراقص روحك كلما يدق الهاتف.
ودعها وعاد سعيدا الى مشاغله. سعيدا من أجله اولا. في كل ما يفعله، هو اول شخص يود ادهاشه. انه الساحر والمندهش الاول لادواره السحرية .
العاديون من الناس يرسلون مع الورد بطاقة. أما هو، فارسل لها مع الورد صوته.
هل حدث لامرأة قبلها ان خرج لها صوت من تحب من سلة ورد ؟
يشك في ان يكون غيره فكر في وضع هاتف مفتوح داخل علبة مغلقة. وحدهم العاديون يرون قيمة مضافة في تقديم هذايا مغلقة ومختومة، كما خرجت من المصنع.
لا أفقر ممن يفتقر الى الخيال.
ثم هو يريد هاتفا لم يعبره صوت رجل قبله. هاتف لا سوابق له يصر على عذرية الاشياء التي يقاربها.
ضلت ممسكة بالهاتف، غير مصدقة ما حدث لها. ليست هديته التي اسعدتها، بل تلك اللحضة التي انطلقت فيها الموسيقى من سلة الورد. وصوته القادم في الدقيقة التي كانت تفتح فيها العلبة. كيف استطاع برمجة كل شيء لادهاشها.
وكيف لا .. اوليس سيد ضبط الوقت، وضبط الاقاع. هو هو جوهرجي الدقائق وواهب الساعات الماس عقاربها.
راحت تبحث في العلبة عى شيء اخر قد يكون خبأه لها. بدا لها ساحرا يمكن ان يخرج من قبعته أكثر من مفاجأة، لكنها لم تعثر سوى على عقد صيانة الجهاز، وأخر عليه رقم هاتف شريحتها الجديدة. أخذت الورقة وراحت تطلب رقمها من هاتف البيت.
انطلقت موسيقى الدانوب الازرق. تركت الهاتف يدق وراحت تدور مع الفالس. فتحت النافذة. شعرت ان الموسيقى تطير بها فراشة في غابة بولونيا، وكأن البط والطيور والغيوم والمسافرة، ترقص معها على المرح الشاسع للكون، وان الاشجار تحسدها، وتتهامس "أيكون قد استبدلنا بهذه المجنونة ؟".
حين حضر المساء سألته :
- اتكون هذه هي السعادة ؟
اجابها:
- انها مجرد تمرين عليها.
- وهل ثمة ماهو اكبر ؟
- سترين ..
برغم ذلك لم تنس ان تبدي له رفضها القاطع السماح له بدفع فواتير هاتفها قالت :
- يسعدني ان يكون ي اخيرا رقم يربطني بالعالم اينما كنت. ساحتفظ بالجهاز وبالخط ، لكن لن يدفع احد فواتيري. البعض ينفق ماله في المطاعم، البعض الاخر في الثياب، واخرون في شراء السيارات، اما انا، فقلبي اولى بالانفاق، انفق على عواطفي. نصف دخلي اشتري به كلمات. تدري انني احتفظ بكل البطاقات الهاتفية التي حدثتك عليها.
رد :
- احتفظي بها ان شئت، لكنني احتفظ بحقي في دفع فواتير قلبك مادام قلبك معي.
واصل منهيا النقاش :
- هذا المساء سنبقى بالبيت. ماذا تودين ان اعد لك ؟
ماكان من مجال لمناقشته في شيء. انتهى الامر. هو لن يعود الى موضوع الفواتير. لكن الامر يزعجها حقا. ان الهاتف "رجل حياتها" كما تقول نجلاء. ون تقبل ان ينفق احد على نصفها الاخر.
كانت لوازم اعداد العشاء موجودة في المطبخ حسب قائمة المشتريات التي احضرها السائق. منتقاة بمقياييس جودة معينة، حتى لتبدو وكأنها للزينة لا للاكل. فهي ايضا موقعة من ارقى محال الخضر في باريس . سالها ان كانت تحسن الطبخ، اجابته :
- الجوع امهر الطباخين .. يكفي ان تدخل المطبخ وانت جائع.
صححها :
- بل الحب هو الامهر .. يكفي ان ندخل المطبخ لاعداد عشاء نتقاسمه مع من نحب.
تأملته وهو يختار القدر المناسب لكل طبخة. سكاكين مختلفة حسب كل استعمال، ياخذ الوقت اللازم لتطرية البصل. يعرف الدقائقالكافية لشي شرائح السمك .. التوقيت الذي يقوي او يخفف فيه النار تحت الطبخة. متى يضع الغطاء على الرز وهو يغلي .. ويخفف النار تحته الى أقل درجة. كيف يقلب الخضر دون ان يلحق اذى بشكلها. علقت متعجبة :
- ما ضننتك ملما لهذا الحد باسرار الطبخ.
أجاب :
- انا ذواق وليس طباخ .. تمنيت لو استطعت ان ادعوك الى حد مطاعمي لتتذوقي المطبخ الراقي الرفيع. مع الاسف يصعب علينا التواجد هناك معا، لكن جميل ان يرتاد الاخرون مطاعمي اثناء انهماكي في اعداد العشاء لمن احب.
لاو مرة سمعت منه هذه االكلمة، في اعتراف غير مباشر. فهو لم يناديها يوما "خبيبتي" ولا قال لها يوما "احلك". خبأها بعيدا في قلبها، ستحتاج الى سماعها لاحقا في وحدتها.
دعاها الى الصالون في انتضار ان يجهز العشاء.
أطفأ جهاز التلفزيون حال سماعه لعناوين أخبار الثامنة. قال :
- اهانة للحب ان اتابع الاخبار معك.
ذهب يختار من مكتبته الموسيقية معزوفة تليق بتلك اللحظة.
قال وهو يضع مقطوعة ل "كليدرمان" :
- تحلي بالصبر سيكون العشاء شهيا .
كانت واثقة من ذلك. وقد هبرت معه على مدى أشهر، النضج الطويل على نار الصبر. الم يقل لها وهو يخفف النار تحت الطبخة "الطهي على عجل يفقد الطعام نكهته .. ككل متع الحياة".
هذا رجل ليس في مطبخه "طنجرة ضغط". معه تستوي الحياة على نار خافتة
توقعاته سيغادر بعد العشاء. لكن، عندما طالت بهما السهرة، بدأت تتاكد بان زوجته قد سافرت، وهو حر الليلة.
أسعدتها الفكرة واربكتها في آن.
بدت له كأنه لم يعرف عنها شيء. كتاب مغلق على سره، لم تفصل اوراقه عن بعضها البعض بسكين. كتاب من تلك الكتب القديمة، التي ما عاد المرء يتوقع مصادفتها.
اليوم تأتيك الكتب مفتوحة الاوراق، جاهزة للمطالعة الفورية. ولذا اختفت من المكتبات تلك اسكين الخاصة بفص اوراق الكتب .
عندما أبدت له في المطبخ عجبها من امتلاكه ذلك الكم من السكاكين المختلفة الاحجام، أجابها "يعرف اطباخ الجيد من حسن اختياره لسكاكينه".
يبدو جوابه الان دعابة، يبتسم لها وحدها. الطباخ الجيد لا يقطع اصبعه ابدا . لقد اكتسب خبرة الامساك بما يفرمه. لاشيء ينزلق من يده.
ما جدوى ان تكون طباخا جيدا اذا كنت عاجزا عن احكام قبضتك عى فناة .
لا يحب خذش حياء اكلمات، ولا كان يريد اكثر من ضمها حد الانصهار في صباها، واحتواء انوثتها .
كان له، في آن الحضور الحاني .. والبطش العاطفي. يتقدم يوما بعد آخر في اجتياح مدروس لامتلاكها
هذه المهرة الجامحة، مجرد تطويقها بحبل سخائه فوز في حد ذاته. لكن المهرة ماكانت ترى بعد من الحبل سوى طوق الحمامة. مأخوذة بخقه وأمانته. دوما توقف حيث أرادت له ان يقف.
انى تمر يداه تزهر انوثتها، لكنها ترفض ان يقطفها. ما يعطى بسهولة يفقد بسهولة.
واظب على دراسة خريطة الطريق الى قلاعها. كما امام رقعة شطرنج. كان صبورا ومتأنيا. القلاع الانوثية لا تؤخذ عنوة ولا عند اول امكانية ولا في جنح الظلام. ذلك فعل قطاع الطرق لا الفرسان.
قال لها وهو يقبلها مغادرا البيت صباحا الى مكتبه :
- سأحضر في الساعة الثانية لاصطحبك الى الغذاء .. وبعدها نذهب للتسوق.
ردت:
- لكنني احضرت معي ثيابا كثيرة.
- انس ما احضرت معك . لا يجوز ان ترتدي ماهو في متناول العامة.
ماكان الصبح وقتا مناسبا للشجار، خاصة انه، في انتضار ان تستيقظ، كان قد اعد لها فطورا الصباح، ولم يحتس سوى قهوته في انتضارها.
ستستفيد من الوقت لتوضيب حقيبتها استعدادا للسفر غذا.
على الغداء قالت له بشيء من الاسى:
- يحزنني ان أسافر من دونك. لي أمنية .. ان نأخذ يوما الطائرة معا.
ابتسم بسخرية لا تخلو من المكر. قال:
- تحققت أمنيتك
سألته مبتهجة :
- حقا . . هل ستسافر معي ؟
- كنت اعني حدث ان سافرنا معا ..
ردت بنبرة واثقة :
- لم يحدث هذا أبدا.
أجابها :
- بدليل انك لم تعرفي يومها كيف تغيرين برنامج الشاشة او تشغلي أزرار المقعد.
أجابت مندهشة :
- متى حدث هذا ؟
رد بابتسامة :
- هذه أسراري الصغيرة.
أسراره الصغيرة وجرحه الكبير.
حتى في أقصى لحضات سعادته معها، لا يفارقه احساسه بالشك في عواطفها تجاهه. ليس هو من تحب، بل حبه لها . تحب السحر لا الساحر. لكنها تشتهي اولئك الرجال الذين قصدتهم أثناء بحثها عنه.
لم يحدث لامرأة قبلها ان أعطته ذلك الاحساس بالظآلة. ان الغت وجوده وهو ملء عينيها في المطار، وعلى بعد مقعد منها على مدى اربع ساعات في الطائرة.
قال معتذرا وهما على طاولة الغذاء :
- تمنيت و اصطحبتك الى أماكن كثيرة .. لكني معروف في باريس. سأسعى لنلتقي في مدن أخرى.
أجابت :
- لا تعنيني السياحة .. اتفهم تماما وضعك. شكرا عى ما خصصت لي من وقتك.
أجاب :
- بل شكرا عى ما اعطيتني.
أضاف بعد شيء من الصمت :
- وشكرا عى ما لم تعطني. ادري في بلاد أخرىتذبح الورود لتسقى بشرف دمها المراق أرضا ماصان رجال القبيلة شرفها كل ما اتمناه ان تكوني سعيدة.
كيف لامرأة ان تنسى رجلا آسرا ومدمرا الى هذا الحد، برقته وشراسته ، غموضه وشفافيته، لطفه وعنفه، حقيقته وتعدد أقنعته ؟
كل امرأة تملك منه نسخة فريدة من كتاب الحب. هي القارئة والبطلة قفيه، ولا أحد سيصدق يوما ما سترويه لا احد.
عادت الى الشام في نزول اضطراري، من تلك الغيمة القطنية البيضاء، التي أقامت فوقها لهمسة أيام.
غادرت احلامها دون مظلة تقيها الارتطام بالارض.
عليها الا تنفضح بسعادتها، ولا بجوعها الدائم اليه. الشبع بداية الجوع، وهي تحتاج اليه حاجة انثى اكتشفت جسدها لتوها.
ارتأت ان تتواجد أكثر في بيروت لتكون أقرب اليه. احساسخا يقول انه سيتسنى له زيارتها هناك، لانه سيتعذر عليها ايجاد ذرائع للتردد على باريس. ذا اختارت ان تقيم في شقة في افخم أحياء بيروت.
أبراج فاخرة في الرملة البيضاء تطل على البحر. سكانها غبراء واغنى من ان يتواجدوا دائما في بيوتهم، او يملكو وقتا للفضول.
صاحت نجلاء :
- جننت. ستدفعين في الايجار ما يعاد ثمن شقة في الشام.
- ربما زارني .. لا اريد ان ابدو امامه مقيمة في حي متواضع .. انت لم تري بيت هذا الرجل ولا عالمه.
- يكفي ان اراك لافهم انك فقدت صوابك .. ثم شقة كهذه يلزمها اثاث كثير.
- بل القليل من الاثاث .. الفخامة لا تحتاج الى زحمة الاشياء.
- عهدتك بخيلة على نفسك. هل اكتسبت منه عادة الهدر ؟
- انا لا انفق على نفسي. انفق على كرامتي. اريد ان يرى انني اضاهيه ذوقا. لا اتقبل منه اية نظرة فوقية.
- من اين لك المال ؟
- من الحفلات . أمامي عروض كثيرة . الصيف على الابواب .. انها مواسم المخرجانات.
- أخفت عنه موضوع الشقة تريد ان تفاجأ هبها.
- أخفت الامر عن أمها ايضا، حتى لا يكون عليها تقديم تبريرات غير مقنعة.
- زفت له اخبار حفلاتها القادمة. فاجابها رد فعله في تلقي الخبر.
سألها بلغة رجل الصفقات :
- كم ستجنين من كل هذا ؟
وعندما سمع الجواب قال :
- لا تغني في هذه المهرجانات. انت أكير من هذا الحدث ومن هذا الجمهور.
لم تجرأ ان تقول له انها تحتاج الى هذا المبلغ وهذه الشهرة.
قالت :
- لكن مطربات شهيرات ستغنين فيه.
- الشهرة يست دليلا على عظمة اصحابها .. هل ستغني فيه فيروز مثلا ؟
ردت بارتباك :
- ولكني لست فيروز.
- نحن نساوي من نقيس انفسنا بهم. لا تقيسي نفسك الا بالكبار ان شئت ان تكوني كبيرة.
شعرت بانه يريدها نسخة انثوية عنه، وانها ستخسره ان هي صغرت او فشلت. عليها ان تختار : اتريد ابرام صفقة هبز مع الفن ام ابرام صفقة مجد مع الحب ؟ لكنها وقعت التزاما باقامة حفلين، والغاء العقدين يوجب عليها جزاءا ليس في متناولها. اضافة الى عجز في دفع ايجار الشقة. في الواقع، ما كانت تملك الخيار.
قبل أيام من حفلتها هاتفته طمعا في تفهمه، تخبره بالتزاماتها تجاه متعفد الحفل. استمع اليها ولم ينبس بكلمة. وعندما انتهت المكالمة ما كانت تدري ان صمته سيدوم شهرين.
كانقطاع مفاجئ للكهرباء، اختفى صوته فجأة بعد تلك الاضاءت المعمية للبصر. انقطعت لهفة هواتفه. اتصلت به مرتين، لكنه كلما ظهر رقمها عى شاشته كان يتعمد عدم الرد ليتركها تائهة في خضم الاسئلة، يساورها الندم على خطأ اقترفته ولا تدري ماهو.
هو لا يشرح ولا يعاتب. مثله يعاقب، وعيها الاستعانة بفقهاء الشأن العاطفي ليفسرو لها لماذا نز عليها غضب الالهة.
تقول نجلاء انها مناورات عاطفية. كلما شعر انه مهدد بفقدانها تخلى عنها، فانشغلت عن عملها بالعمل على استعادته. حيلة سضمن بها استعادتها من خلال منعها من العمل .. اذ يتملكه احساس بان شهرتها تسرقها منه. هي محاولة للاستيلاء على روح تتمرد عليه لانها حرة.
لا تفهم من كل ما تقوله نجلاء الا كونه يحبها .. ويريدها له وحده.
تهزمها فكرة غيرته عليها وحرصه على الاستحواذ بها. تشعر انها ظلمته، تود لو اعتذرت له برغم ما الحق بها من اذى، وبرغم الحفل الذي ذهبت اليه باكية، والذي كان يمكن ان يكون انجح لو قال لها فقط كلمة.
ينهار صمودها. تهاتفه. لا يرد. تبكي ويضحك الحب.
سيظل يخطئ في حقها ثم يمن عليها بالغفران، عن ذنب لن تعرف ابدا ما هو، لكنها تطلب ان يسامحها عليه.
هكذا هن النساء ان عشقن.
امها التي وجدت في هم العراق ما ينسيها همها، صارت تقضي جل وقتها امام الفضائيات الاخبارية لمتابعة مسلس الغزو الامريكي وسقوط بغداد.
ذات يوم نادتها على عجل، لتشاهد شيئا على التلفزيون. توقعت ان يكون خبرا ما. لكن الخبر كان .. ان هدى من تقدم نشرة الاخبار على قناة الجزيرة.
كانت تتحدث عن سجن ابو غريب، وفضيحة تعذيب الجيش الامريكي للاسرى العراقيين. لم تلتقط الا جملها الاولى. اخذتها المفاجأة بعيدا. فلا يمكن لوجدانها ان يفصل بين هدى وعلاء. لقد جاء الى العالم ليحب هذه الفتاة ويمضي.
في كل ما طارد من امنيات، في كل ما اقترف من حماقات، في كل ما تبنى من عقائد، كانت عي عقيدته الوحيدة. ولذا مات موت المجاهدين، في حادث حب، ممسكا بيده سماعة الهاتف، سلاح العشاق .. الذي قد تكون فيه حياتهم او حتفهم.
يوم حضرت هدى تقدم لهم اعزاء، كانت منهارى، شاحبة، ذابلة، باكية، كانت كائنا من دموع. هشة الى حد ماكان الارهابيون يحتاجون معه الا قتلها. كان من الواضح انها ستموت قهرا.
لعل الرجل كان صادقا، حين اخبر علاء ذلك المساء انها غادرت الاستديو، ولا يستطيع اللحاق بها، لذا لا يمكنه الحديث اليها.
لكن ثمة احتمال ان تكون رفضت الحديث الى علاء لانه في رأيها قد اختار صف القتلة، وماعاد من امكانية لحب بينهما. وحدها تدري حقيقة ما حدث. كان بكاؤها يومها، يشي باحساس كبير بالذنب.
ها هي ذي اليوم، متفتحة كزهرة مائية، نضرة، مشعة، انيقة، متبرجة بحياء، لكنها لا تستحي من الرجل الذي احبها حد الموت، فهو ما عاد هنا ليشاهدها.
حتما، ثمة حكمة في الاسراع باغماض اعين الموتى، حال توقف قلبهم عن النبض، فلا بد الا يرو ماذا يحدث بعد موتهم، فيموتون أكثر من مرة.
لكن امها كانت ترى بعيون علاء. فكيف لقلبها المفجوع الا يعاود البكاء.
- يا حبيبي يا ابني .. يا ضيعان شبابك ما اجت الا فيك.
عكس امها ، هي ليست عاتبة عيها. لقد دفعت هدى ثمنا باهضا قبل بلوغها هذا المكان، وحين وصلته، وجدت من بعثو بأبناء الجزائريين الى الموت تحت الوية "الجهاد" ماعادو لاوين على شيء. لقد انقذو اولادهم، يعيشون ضيوفا مكرمين في البلد نفسه، مع كل من توافدو من البلدان العربية الاخرى ويحملون العقيدة ذاتها.
من حقها اذا ان تنجو بنفسها، ان تقفز خارج المركب، ان تجذف حتى اضفة الاخرى، فيقذفها البحر كما أفواج الصحافيين الى الخليج او اوربا. لا أحد يرمي بنفسه الى البحر، دون وجهة واضحة، ان لم يكن القهر قد القى به اليه.
ليس هناك خطر في ان تكون الباخرة في الماء، المهم الا تترك الماء يخرقها فتغرق. لكن الماء تسرب الى الباخرة، زاد الماء وانصب الهواء والذي لن يموت مختنقا سيموت غراق.
ليس كل من ابحر نجا، هول مصابهم نسي الناس النزاعات الاجرامية للبحر، وصدقو انه رفيق درب، سياخذ بايديهم الى اضفة الاخرى، فالقو بانفسهم اليه. لكن، ليس لبحر يد ليمدها لمن جاؤوو على قوارب الموت، وم يعرف عنه يوما مصادقة المفلسين.
تلك المواكب الورقية المثقلة بحمولتها البشرية، يتسلى بها البحر ، يبتلعها وهو يقهقه، ثم يتقيأ ركابها. يعيد جثثهم الى اشواطئ التي جاؤو منها. او يرمي بهم اشباه احياء الى الضفة الاخرى.
آخر مرة التقت بهدى قبل سنتين. لم يكن قد مر على اغتيال علاء الا خمسة اشهر، عندما نزل خبر موت الندير نزول اساعقة، فقد كان كثيرا ما يتردد على بيتهم ايام علاء. ذاع الخبر بين الناس بسبب شهرة اخته "مسكينة .. هاذيك الزينة اللي تقدم الاخبار .. خوها مات مع الحراقة هاج عليهم البحر مساكن .. ما نجاو منهم غير زوج .."
لترف الموت، غذا له صراعاته، وموضته، وتشكيلته الجديدة كل موسم. وهكذا، قبل "الموت حرقا"، وصلت موضة "الموت غرقا" الى الجزائر، بعد ان تفشت في كل بلاد المغرب العربي. راح اليأس يفصل لاتباعه اكفانا عصرية، من قماش الاوهام الجميلة. ماذا انتضار العالم الاخر لدخول الجنة التي يعدها بهم الارهابيون، ان كان بامكانهم بلوغها في بضع ساعات على ظهر مركب ؟
تشكلت طوائف انتحارية من احفاذ طارق بن زياد، الذي احرق خفه المراكب ، حتى لا يترك لجنوده الا احتمال الوصول منتصرين او الموت. مثلهم، ما اخذو معهم صداري للنجاة، ولا علقو زوارق مطاطية على جانبي مركبهم. نسو ان الغدر غريزة اولى لدى البحر.
ليكونو اخلا بتسميتهم حراقة الغو اي احتمال للرجوع، باحراقهم جوازات سفرهم واوراقهم الثبوتية. حتى لا يتركو لحراس الشواطئ على الضفة الاخرى امكانية طردهم من الجنة، ان هم وصلوها احياء. فسيكون صعبا عى بوليس الخجرة فك فوازير اصولهم، ومعرفة من اين جاؤو، والى اين يجب ترحيل هؤلاء القادمين من بوابة البحر الواسعة.
اما اذا غرقو فلن يدقق البحر في هويتهم، ستختار الامواج عنوانا لقبورهم.
اولئك الذين ماكانو يملكون شيئا يعز عليهم فراقه، عدا اهلهم، كيف لا تحمل الامواج احد رسائلهم، وهم يصارعون عزلا اخر موجة ستسحبهم حيث لا عودة. الرسائل غدت اغاني "راني في الموج نتقلب يا يما لحنينة .. ما بقالي رجوع .. اداني لبحر .. محال انولي".
الندير ايضا "اداه البحر". اخذخ حيث "محال يولي". حتى جثمانه محال يرجع، يحتاج الى تدقيق واجراءات واستجواب من ما زال حيا من رفاق رحلته للتعرف اليه، وهذا اذا عثرو على جثة تطفو من عشرات الجثث ، ولم تنته وليمة للحيتان، عندها تبدأ الاجراءات والمصاريف الباهظة لاستعادة الجثمان. اما الذين يعودون احياء فسيواصلون كابوسهم في السجن. فالدوة التي تدلل الارهابي لانه عاد بعد ضلالة، تجرم من هو جاهز للانتحار، لانها وحدها تملك حق قتله بالتقسيط.
زاد من مأساة اهله انه مات في شهر رمضان. فالحراقة يفضلون الابحار في رمضان، حتى ينطلقو عندما يكون حراس الشواطئ منشغلين بالافطار، فلا ينتبهون لمراكبهم حين تبحر ساعة رفع اذان المغرب.
اخر مرة اجتمع باهله كانت حول طاولة السحور، خافت الاضاءة كان صوته، كفنار بحري في ليل ماطر. ما انتبهو انه كان يودعهم. في الغد ادعى انه مدعو الى الافطار. قبلهم وطلب الا ينتظروه. لحق بوالدته الى غرفتها، كانت تستعد لصلاة العصر، احتضنها وقال "اما ادعيلي دعوة الخير ". قالت "دايما ندعيلك يا وليدي .. كاين حاجة مقلقتك ؟" اجاب مبعدا شكوك تمومتها "رايح انشوف ناس اليوم ان شاء الله نلقى شغل". قالت " روح يا وليدي الله يفتح لك كل باب وينصرك على عديانك".
وفتح اله له ابواب البحر .. كن لم ينصره على امواجه.
لعه ابحر صائما واخر وجبة طيبة كانت سحوره، فليس على المركب من مكان لحمل زاد الاكل. سماسرة الموت لا يريدون اثقال مركبهم بالمؤونة، يفضلون بدل حمولة الطعام .. كسب 2000 يورو من راكب اضافي.
ككل الذين ابحرو متعلقين باقدام الموت، طمعا في الحياة، ترك الندير رسالة اعتذار ومحبة لاهله، في حال لم يصل. باع قبل سفره جهاز الكمبيوتر مدعيا انه باعه ليشتري اخر جديد.
في جميع الحالات، ماكان بامكانه ان ياخذ حاسوبخ معخ .. لا حقائب للحراقة الا اجسادهم. حتى جيوبهم لا يحملون شيئا، فليس للكفن جيوب.
النذير الذي عاش لسنوات يتلصص، من خلف شاشته، على الذين يعيشون على الضفة الاخرى، ابحر نحو مدن لا توجد الا في رؤوس الحالمين. كان الموت فيها هو الواقع الحقيقي الوحيد.
كان عليه ان يتناولها بجرعات محددة، لكنه اكثر منها، فنحن من نصنع عبوديتنا ونضفي السحر على من نشاء.
كيف وقع تحت فتنة هذه الانثى ؟ هل لانها اهدته لاجولته ؟ ام لانه يطمع ان تهديه انسانيته ؟ برغم ان براءتها تلك تزعجه، وعنادها يتعبه. ثمة اغراء في ان تكون امرأة ماكرة ومتطلبة. يطمئنه ان تستغله، كيف يرتاح لامرأة لا تحتاج اليه ؟
اخر خلاف بينهما كان قبل شهر بباريس. كانا يسيران قرب محلات فاخرة للمجوهرات، حين خرج مدير احد المحلات يسلم عليه بحرارة بعد ان لمحه يعبر الرصيف. ارتأى ان يستغل المناسبة ليقدم لها هدية.
قال:
- كنت انوي ان اهديك ساعة .. انها فرصة. تعالي واختاريها بنفسك.
سبقها مدير المحل الى الداخل، ووقف الحارس بقبعته وبدلته المميزة ممسكا بالباب، لكنها اجابته بعصبية فاجأته :
- لن اغير الساعة التي بمعصمي.
- لكنني لا احبها.
- اشتري اذا معصما اخر لساعتك.
كاد ان يخرج عن طوره والرج يقف منتظرا دخولهما .. بينما مضت وتركته واقفا عند الباب لا يدري كيف يتصرف.
قال لها بعد ذلك غاضبا :
- كيف تهينينني هكذا امام ارجل ؟
- بل انت من اهنتني .. هذا محل مررت به مع نساء قبلي. ماكان ليحتفي بك هكذا لو لم تكن من زبائنه.
وجد حاه يدافع عن نفسه :
- اعتدت شراء ساعاتي وهدايا لزوجتي من هذا المحل.
- ما كنت لتصطحبني اليه لو ان زوجتك من زبائنه.
اسقط بيده. قال متذمرا :
- اخطأت حين فكرت في اهدائك شيئا.
ما كان كلامه ليعينها. كانت مشغولة بالتساؤل : أحدث ان اشتوى ساعة مرصعة بالكثير من الماس الوقت من اج لحضات قليلة ؟ هل اقتنى وقتا باهضا ظنه ثمن العواطف الابدية .. فاذا به وقتا عابرا لامرأة اهدى لها ساعة عندما تعذر عليه اهدائها وقته ؟
لا تدري .. ادفاعا عن كرامتها ام بسبب غيرتها كانت عنيفة وصارمة الى حد فاجأة. لكنها عادت وسامحته. شفع له في قلبها سلة الورد التي أرسلها لها قبل يومين وبداخلها جهاز هاتف، كيف له ان يفهم منطقها في الكسب والخسارة.
في المساء، على طاولة العشاء، قالت له :
- اعذرني .. لا اريد ان اكون تكرارا لما عرفت قبلي من نساء. اتمنى الا تفعل معي ما سبق ان فعلته مع غيري.
اشعل غليونه وقال بعد شيء من الصمت :
- ثمة شيء ما فعلته معك، لا تساليني ماهو . لن تعرفيه مني ابدا.
اكان تصريحا في منتهى الصدق ام في منتهى الخبث ؟
كمن يطلب منك ان تعثري على اللؤلؤة الطبيعية الوحيدة وسط عقد من الالي الاصطناعية. اية لعبة هذه مع جوهرجي بارع. لا يغشك تماما، لكن مع كل ما يفعله يعطيك وهم احتمال امتلاك اللؤلؤة النادرة الوحيدة.
بامكانك طبعا عن كبرياء ان ترفضي عقد الؤلؤ، الذي سبق ان اهدي حباته لغيرها، كما رفضت عرض اساعة التي كان سيشتريها لك، من محل ارتاده قبلك مع سواك، وستمتلئين زهوا لانك قلبت اللعبة .. وحجمت ثراءه حد شعوره انك انت الؤلؤة النادرة.
وعندها تقو نجلاء، وقد اهنت ماه، "وقرفتيه حيتو"، ستاتي امرأة اكثر شطارة واقل صدقا، لن تسال .. لن تدقق .. لن تفكر .. لن تحزن .. ستتلقف كل ما زهدت فيه، غير معنية بالفرق بين اللالء الاصطناعية تلك اللؤلؤة الطبيعية. وحده الحب مصدر للاسئلة الموجعة. احبيه اقل .. احبيه بعقل يا ختي.
- تاخر الوقت .. لن اقبل منه سوى الجنون هدية.

http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/456320512.png[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]


الساعة الآن 05:32 AM.

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011