عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree16Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 10-01-2015, 02:47 PM
 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




مرحباا يا آنستي العزيزة ؟!.. كيف عساي اصف سعادتي بوجود هذه الجوهرة المتأنقة في وسط خاتم ترتديه سيدتنا
التي اختارت الاسود حليفها مذ خطت ع عتبة عالم الروايات !!..
لطالما اردت قرائتها فعلا .. لكن كما قالت فلوريدا لم تكن متواجدة في اي موقع لأقراها !
اما الان ها هي ذي امامي وقد جعلتيها تبدوا بحلة رائعة تماما كالمعطف الاسود الذي التف حول البطلة

اعتقد اني فهمت جزءا من المديح والاراء التي كانت تجول حول احلام
فاسلوبها فريد يجعلك تشعر كأنك فتحت باباً كان يقبع خلفه امواج من المشاعر التي تفيض وتغرقك في بحر وعالم صنعته تلك الحروف باحترافية ودقة !!
كلماتها التي لامست شغاف القلب تارة وحاكت الواقع تارة اخرى نسجت لنا عالماً موازِ نسبح فيه تحت تأثير سحرها

في البداية عانيت قليلا في الفصل الاول حيث كان حجم الخط صغيرا ومتعب
الا ان الفصليين التاليين كانا افضل حب4
اتمنى ان تستمري بهذا النمط فهو مريح جدا

اما بالنسبة للتنسيق فقد كان كالرذاذ اللّماع الذي ينثر في النهاية
لمينح ذلك البريق الانيق .. ابدعتي فيه فعلا =)

.
.
.

استمري





في امان الله



__________________


Just Waiting For the right Time





Just part of me ..!!




رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10-05-2015, 10:10 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



الفصل الرابع


كانت قد مرت بضعه اسابيع على عودتها من باريس حين وصلتها دعوه لاقامه حفل في القاهره
راحت وكأنها تفاوضها على قضيه الشرق الاوسط
ففي القاهره ليس اهل كما في باريس ومادادري والدتها في اي وسط تكون ؟
في الواقع هي لاتريدها ان تغني تخشى عليها من كل شيلوا استطاعت ابقائها في البيت
تراها غزالا يتحينون نحره ليفوزوا بمسكه
اما هي فتعتقد ان غزالا في البيت ليس غزالا بل دجاجه لقد خلقت الغزلان لتركض في البراري
منذ اشهر وهي تدرس الموسيقى والان تشعر ان بمكانها مواجهه اصعب جمهور الجمهور المصري
ايه مغامره ان تقبل بتقديم الحفل في القاهره!
عرضت على والدتها ان ترافقها قصد طمأنتها وتغير مزجهاقليلا
لم يكن يفصلها عن الحفل سوى ساعات حين بلغها ان احدهم اشترى قبل ايام كل البطاقات
صحييح انه حفل خيري كان بمكانه ان يشتري كم من التذاكر والتبرع بالبقيه المبلغ
سوء اعتقاده انه يساوي الحضور جميعا لانه يملك اكثر ممايكون وباي حق يحرم الناس الحضور فقط يظري
ماذايفعل بماله وبحث عن وسيله تؤمن له اعلانا في الجرائد كفاعل خير
رودتها فكره رفض الغناء كي تلقن هذا الرجل درسا في التواضع
غير ان متعهد الحفل ابلغها بعد نقاش منطقي ان عليها في هذه الحاله ان تدفع ماتكبده من خسائر
لاول مره شعرت ان مافي جيبها لا يغطي منسوب كرامتها
_من هذا الرجل ؟
لقد حضر احدهم ودفع المبلغ باسم احدى الشركات ربما كان احد رجاله ماترك مجال للسؤال
قالت بتهكم":
لعله يكون شيخ قبيله ويحتاج الى قاعه باكملها
ان كان اميرا لا يحضر لا هو ولا قبيلته
عاشت ساعتين الحفل بتوتر عال وفي انتضار ان يرفع الستار عن الجواب من هذا الرجل
كانت تزاد عصبيه كلما اقترب الحفل من دون ان يكون في القاعه اي وجود لتلك الحركه التي تسبق
الحفلات عاده
مااذا لو لم يحضر
بدأمزاجها يسوء قررت تفاديا للمفاجات ان تخبر اعضاء الفرقه انهم بنتضار شخص واحد
سال احد العازفين :
_ولو حضرتو ماقاشي نعمل ايه؟
_مالنا بيه يقي او مايقيش احنا شغالين
-ومالو دي ام كلثوم تغني للكراسي ثلاث ساعات
راح العازف يحكي تفاصيل القصه وكئنو عايشها
ساله الثاني غير مصدق
عرفت القصه منين؟؟
_كتيتها الست في مذكراتها دي بنتنكت وهي بتحكيها
بيقول : انبسطت قوي يومها .أصل دي كانت اول مره تغني بيها في الريف من غير معازيم يكسرو الكراسي على بعض
كانت الساعه التاسعه تماما عندما جاء من يخبرها ان بمكانها ان تبدا الحفل وجدت في احترام الوقت المعلن
مايواسي كرامتها لقد حضر السيد على الوقت وهذا جميل وتادر في القاهره
بدأت الفرقه العزف تمهيدا لظهورها في المسرح
ثم طلت بثوب اسود كبجعه سوداء داخل ثوب اسود من الموسلين لكنها ماريا كلاس
في ثوب اوبرالي لايزينه الا جيدها العاري وشعر الاسود مرفوع الى اعلى
انها الفتنه في بساطتها العصيه .
اختارت هذه الطله لتبهر بها القاهره ,لكنها تجمدت على المنصه وهي تتأمل المشهد الغريب
بالتزامن مع ظهورها كان رجل انيق يدخل القاعه من البوابه الرئيسيهفي ابهه واضحه
محاطا بمرافقيه وتوقعت ان ياخذو مكانهم جواره
ولكنها استنتجت بعد ذالك وهو يعطي احدهم معطفه ويناوله ورقه نقديه
انهم موظفون المسرح حضروا لاستقباله ليس اكثر
اخذ الرجل مكانه يمين المسرح في منتصف الرابع حياها بحركه راسه وبدا جاهز لسماعها.
لم تعلم انها كان يجب ان تحييه قبل ان تشرع في الغناء وهل تتوجه
بكلامها الى الجمهور او الي السيد
الذي غطى بكرمه كل المقاعد الشاغره
اتشكره على سخائه ؟ام تقول مايؤلمه ويجعله يغادر القاعه,فيكون هو من اخل بالعقد
حضرها قول قرائه يوما باموالك بمكانك ان تشتري ملايين لامتار من الاراضي لكنك في النهايهلن تستقر
بجسدك الادخل متر ونصف من القشهر كل هذه الامتار
تمنيت لو قالت له انه اشترى بماله كل هذه المقاعد لكنه لا يستطيع ان يجلس الا على مقعد واحد
حاولت ان تضبط مشاعرها وان تظل على هدوئها وان تغني للكراسي الشاغره كما لو كانت في نهايه كل اغنيه
كان تصفيق اليدين الواحدتين يطيح اوهامها
التصفيق كما التصويت لايكون الا عن شخص واحد
لا يمكن ان تدلي باكثر من صوت ولا تصفق باكثر اليدين مهما حاولت
كيوم ذهب والدها الى العاصمه لحضور حفل للسيد مكاوي ولسو التنظيم
لم يسمع بالحفل سوى قله من الناس
فراح حياء يصفق كثيرا بعد كل اغنيه ليقنع الضرير بأن الحضور اكثر مما هو
في القاعه لكن الاعمى لا يرى باذنيه ولايحتاج عينيه الا للبكاءلذا
لم يلحظ احدا حزنه خلف النظارات السودا
فليكن ستغني لهذا الغريب الذي يجلس بين ثقه وارتباكها بين عتمته وضوئها
فلقد اشترى لمده زمنيه صوتها لا حبلها الصوتيه اثناء الغناء
لم تتوقف عن مدى حديث مع نفسها ,فالموقف غريب ولا تذكر انها سمعت بمطربه غنت لقاعه مودحمه الا من الكراسي
ما دام والدها ولا احد غيره من قرر ذلك .قصد صاحب الفرح ليعيد اليه الخمسين قرشا التي رفضها .لكن الرجل رفض استعادتها شفقه
عليهم (( ياسيدي ماعليش اعتبرها زكاه )) قالها ونصرف .
عاده مايحتاج المغني او الخطيب من موقع اطلالته على قاعه
الى ان يتوجه الى وجه واحد , ولا يعرفه بالضروره لكنه يرتاح اليه وجه.
يختصر كل الحضور يقرا على الصفحات اثر مايؤديه .لكن كيف التعامل
مع وجه رجل يلغي القاعه ولا يترك بحضوره الرصين الصامت الخالي
ماذا لو كان مهووسا او قاتلا ؟ هي دائما تفكر في الاحتمالات الاسوا قرائت مره ان احدهم في اسبانيا قام من مقعده اثناء الحفل غنائي واطلق النار على المغني وهو يؤدي الاغنيه
افكار كثيره عبرتها على مدى ساعتين . كانت تغني فيها تاره
لعاشقها وطورا لقاتلها ومره لرجل تحتقره واخرى لرجل لم تستطع ان تمنع نفسها من الاعجاب به
بتلك المسافه التي وضعتها بينه وبينها
ليوهمها بكثرته وليمنح صوتها مسافه الشدو وطليقا ولانها لم تستطع
أن تتبين ملامحه تماما،كانت تستعجل نهاية الحفل يحضر ليعرفها بنفسه. تركت أغنيتها ا?جمل للختام،بعدما تحسن مزاجها أغنية بعد أخرى،وبدأت هي نفسها تتواطأ مع جمالية الموقف وشاعرية الغناء مصحوبة بفرقة كاملة،في قاعة فارغة.إلا من رجل واحد! انحت انحناءة كاملة،ردا على وقوفه عند انتهاء الحفل،ووقفت الفرقة خلفها تحيية. كان مشهدا غريبا وآسرا، في أحاسيسه المجنونة والفريدة.كاد قلبها أن يتوقف أكثر من مرة، في انتظار الدقيقة التي سيتقدم فيها منها. ماذا تراه سيقول لها؟وبماذا سترد عليه؟أتشكره؟وعم تشكره؟أم تسأله لماذا؟ومن يكون؟لا بل ستشكره فقط. وغدا ستعرف من الجرائد من يكون.لتدعه يعتقد أن اسمه لا يثير فضولها.سيقتله ا?مر قهرا.أن تتحاش سؤاله عن اسمه،كأن تترفع عن معرفة حدود سطوته،هل ثمة إهانه أكبر! أثناء ذلك،جاء أحد موظفي المسرح،وقدم لها باقة التوليب إياها.لم تشغلها المفاجأة.منذ أشهر وهي تتلقى الورود نفسها فى كل حفل تقدمه. لم يكن يشغلها غير هذا الرجل الواقف على بعد خطوات منها. لكن قلبها خفق عندما حضرت فتاة إلى المنصة، لتقدم لها باقة ورود حمراء.استنتجت من تنسيقها وضخامتها أنها منه. عبرها شعور لذيذ..أمدت قائد الفرقة الذي كان واقفا خلفها بباقة التوليب،وحضنت بذراعها اليسرى الورود الحمراء امتنانا منها لصاحبها.
اتضخمي ا?شياء،أنت ياعزيزتي مفرطة في عزة النفس. -هذا أفضل من أن أفرط بنفسي.ألا ترين في تصرق هذا الرجل غطرسة واضحة؟حتى الورود التي بعث لي بها ليست مرفقة ببطاقة كما نقتضي اللياقة. -أكنت تريدينه أن يجثو عند قدميك؟إن الورود الحمراء لا تحتاج إلى بطاقة.من الواضح أنه متيم،يكفى مادفع ليستمع وحده إليك،هذا تكريم لم تحظ به على علمي مكربة عربية. -تسمين هذا تكريما؟! كانتا تهمان بالمغادرة عندما صادفتا قائد الفرقة.قال وهو يمسك بباقة التواليب: -مستنى حضرتك عشان أعطيك باقة الورود اللي سبتيها معايا. بالمناسبة،إيه رأيك في الحفل؟ قالت وهي تأخذ منه الباقة:
حال وصولها إلى جناحها غيرت ثيابها،وجلست مسندة إلى ظهر السرير. كانت على عجل أن تجلس إلى نفسها قليلا تستعيد ما عاشته من هزات نفسية في سهرة واحدة،عساها تفهم ماحل بها. لو كانت وحدها لبكت ا?ن،لكن نجلاء،في اجتيهاحها لها،تفسد عليها آخر ما تبقى لها من سعادة:حزنها. طلبت نجلاء من خدمة الغرف إحضار مزهرية ثم سألتها: -هل أطلب لك شيئا للعشاء؟ ردت: -وجبة ا?هانة كانت دسمة حد إفقادي الشهية. -يا الله كم أنت عنيدة ومكابرة،تدرين ما تحتاجينه ا?كثر: إعادة تأهل نفسي كي تتأقلمي مع هذا العالم،?ن العالم يا عزيزتي لن يقوم بجهد التأقلم معك!سأطلب لي شيئا،إني جائعة..بإمكانك أن تقدمي لي عشاء فاخرا الليلة أليس كذلك؟..مادمت أنت المشهورة والثرية بيننا! -أنا دائما ثرية.أطلبي ماشئت! -بالمناسبة،هل عرفت كم دفع هذا الرجل ثمن الحفل؟ -لا أريد أن أعرف! كانت نجلاء تهمى بوضع الورود في المزهرية عندما عثرت على بطاقة صغيرة ملصقة بالباقة،قرأتها ثم صاحت: -حسنا فعلت ألا تتعشي الليلة، فأنت مدعوة للعشاء غدا في مطعم على ظهر مركب عائم في النيل. انتفضت جالسة.أخذت منها البطاقة. "هل تقبلين دعوتي غدا للعشاء؟
علقت نج?ء بتهكم هي تشرع في ا?كل : -ياسيدة الضوء الداخلي أبشري، ستشقين بضوئك.ما أدرانى،ربما كان هذا قدرك ما داموا قد سموك هالة.. ثم أنا جائعة،أتودين الانضمام إلى أم ستاكلين البطاقة؟! ضحكت وانضمت إليها: -لن آكل البطاقة،لكن أتمنى لو استطعت التهام الوقت..بي فضول جارف لمعرفة من يكون هذا الرجل .. أم لعله يمتحنني هذه المرة أيضا وقد يتركني في المطعم؟ -لا أدري أين تعثرين على مجانينك! -عندما تقرئين البطاقات التي يرسلها مع الورود تجزمين أنه شاعر. -وربما كان صاحب محل الورود ويعمل شاعرا في أوقات فراغه. -كفي عن المزاح. إن مايحيرني حقا هو كيف يدري بتواريخ حفلاتي ومواعيد ظهوري على التلفزون،وكيف يتمكن من أن يرسل لي ورودا حيثما أكون.. -أيتها ا?مية،لا يحتاج ا?مر إلى قارئة فنجان. بإمكانك با?نترنت أن تعرفي كل شيء عن المشاهير:حفلاتهم،تنقلاتهم.. أما الورود فثمة شركات عالمية تتكفل بإرسال باقتك في اليوم نفسه إلى أي مكان في العالم،يكفي أن تصفي لهم أي نوع من الورد تريدين. وهذه الباقة ربما يكون بعثها لك من أي مكان في العالم. -أنت على حق. لو كان اليوم في القاهرة لدعاني الليلة إلى العشاء. لماذا ينتظر إلى غد؟ -من مؤكد أنه رجل ثري ليرسل لك ورودا أينما كنت في العالم!
لكن الرجل اكتفى بالرد عليها ملوحا بيده،تحية شكر ووداع في آن،وتركها مذهولة،وهي تراه يغادر القاعة،مطوقا بالموظفين الطامعين في إكرامية. أي رجل هذا،ومن يخال نفسه؟! كيف استطاع أن يجعلها تغني له على مدى ساعتين،ثم يوليها ظهره ويغادر القاعة؟لم يصافحها.لم يلمس يدها.لم يلمس حتى سمعها بكلمة شكر. رفع يده يحييها من بعيد ومضى. لم يمنحها فرصة أن لا تقول. أن تطرح سؤالا أو لا تطرح. إنه إمعان في ا?هانة.حتى وروده الحمراء،كانت خرساء وكتومة مثله،لا ترافقها أية بطاقة شكر.أهو أكبر من أن يضع اسمه على بطاقة ؟أم يراها أصغر من أن تكون أهلا لبضع كلمات بخط يده. غادرت المسرح إلى مقصورتها مدمرة. خلعت فستان السهرة على عجل. لم يكن هناك أحد ليهنئها أو ليشكرها. كل إدارة المسرح وموظفيه كانوا في وداع"السيد الكريم" وحدها نجلاء شعرت بحزنها. قالت وهى تساعدها على جمع أشيائها : -كنت رائعة.. وعندما لم تسمع جوابا واصلت: -أفهم أن ا?مر ما كان سهلا،ولكنها تجربة جميلة ومثيرة.. الغناء لشخص واحد! ردت: -ماكان شخصا.. إن من يحجز قاعة بأكملها ليستمع وحده إلى حفل،يخال نفسه إلها.لذا كان ضربا من الكفر أن أقبل الغناء له.
وقد لايكون ثريا والرومنسيه لا علاقه لها بالامكانيات الماديه
ربما كان الغى بعض مصارفه الخاصه ليبعث لي باقات ورد او ليدعوني غدا للعشاء في مطعم كبير .
ياللحماقه لا افهم اصرارك على انه رجل غير ثري
لان الاثريا على عجله من امرهم هم لايملكون طول النفس
سترين غدا سيصنع اهم خبر في الصحافه المصريه.
وضعت من كل شي اقله وذهبت اليه بسيطه كالفراشه
السوقى وكفراشه تاخرت ماتوقعت ان يكون اجتياز شوارع القاهره في تلك الساعه
من المساء اطول من عمر انتظارها فيه كان اطول .وحين بلغته فقط تنبهت ان هذا الرجل يتقن لعبه الغموض
نجح كعادته في استدرادها الى عمته
كمن ياخذذ قطارا دون ان يسأل عن وجهته وتاخر الوقت على الاسئله
مذ دلفت باب المطعم اصبحت داخل القاطره
القت نظره خجوله على المكان ولا يخجل من اشهار فخامته
اعادت النظر في الطاولات الموزعه بطريقه تحفظ حميميه الزبائن ورقي المكان
قررت قلب قوانين اللعبه وتجلس الى طاوله شاغره وليحضر هو اليها مادام يعرفها
فمن غير المعقول لامراه في شهرتها ان تبقى واقفه هكذا في بهو المطعم
قصدت طاوله توقعت انه سيختارها في زاويه جميله تضيئها انوار خارجيه تتلالا على سطح النيل
ان المكان طرف ثالث في اول موعد وعليها ان لا تخطاء في اختيار الطاوله
هذا اذا لم يكن قد حجز طاوله لا علم له بها
اغلق جهاز الهاتف النقال الذي كان يتحدث به ووقف يسلم عليها ولم تفهم ان كان ينتظرها ام ففوجئ
بوجودها مد يدها نحوه فانحتى يضع فبله عليها لم تصدق عينيها
قال مرحبا
سعاده كبيره ان احضى برؤيتك اليوم ايضا
قبل ان ترد او تسترد انفاسها كان النادل يسحب لها الكرسي
جلست وهي تفكر في الرجل الاخر ماذا لو جاء او لو كان الان
على طاوله اخرى يرها تجلس مع غيره
ظلت تسترق النظر بين حين والاخر
قال
ماتوقعت ان يجمعنا يوما هذا المكان
زاد شكها انه قد يكون وجد هناك مصادفه احاسيس متناقضه غدا ذعرها في ان يحضر الاخر ولا تدري حينها من تجلس
هلق وقد لاحظ ارتباكها وتلفتها بين الحين والاخر
-هل ازعجك شئ ما؟
-لا لا ابدا
كان هذا اول ما لفظته
امامها الان كل الوقت لتتامله عن قرب
رجل خمسيني بابتسامه على مشارف الصيف وبكابه راقيه لم ترا لها سببا
ولم يقربه الشيب بفضل الصبغه لاحقا ستعرف ان رجلا يصبغ شعره
يخفي حتما امرا ما . رجل مهذب النظرات نهذب النوايا يقبل يدها بارستقراطيه عاطفيه
كمن يضع مسافه بينه وبين غيره من عامه الرجال
مثله ارقى من غباء قبله على الخد او نفاق مصافحه يد
بدئت تندم على الثوب الذي جاءت به وكان يمكن ان ترتدي اغلى منه ,وعلى شعرها الذي لم تغير تسريحته
لكن لا يهم ان تكون الساحره قد خذلتها في موعدها الاول , فهي لا تريد الليله ان تكون سندريلا كان لها
اشعاع الكائن المشتهي وهذا يكفيها
قال:
-اشكرك على سهره البارحه سعدت بان انفرد بصوتك
ردت بمكر :
توقعت ان يسعدك اكثر المل الخيري الذي قمت به
احاب:
لاباس ان يكون الخير ذريعه لاسعاد انفسنا ايضا
كانت تسال ان كان يرعي الاعمال الخيريه ام ان الاعمال الخيريه تراعي مكاسبه
لكن السؤال ماكان مناسبا للعشاء اول
-هل احببت الاغاني التي دمتها؟
-احببت ان تغني لي وحدي.

راح قلبها يخفق من وقع المفاجاه .ضلت للحضات صامته تعيد ترتيب اولويتها
وتستعيد مكالماتها في لك الزمن الاول تتامل هذا الرجل الذي على مدى اشهر اسعدها والمها واخبرها وتخلى عنها
دللها واهانها جاءها وجاء بها كلما شاء هاهو ذا اذا عبثا وضعت لصوته وجها وللغه مهنه ولجيبه سقفا
دوما زور لها الاشارات لعله حان وقت طرح الاسئله
_هل لي ان اسال ماذا تعمل في الحياه؟
رد ساخرا
_لوكان لي الخيار باااان اختار لما كنت غير بائع الازهار فان فاتني الربح لايفوتني العطر
_امنيه جميله
انها امنيه اشترك فيها مع عمر بن الخطاب هو من قالها
-تبدو قارئا جيد
_ليس تماما, لكنني احفظ كل ما احب عندما يتعلق الامر بثافه الحياه اعني مباهجها.
_تدري قلت البارحه لابنه خالتي انني اكاد اجزم ان هذا الرجل
يملك محلا للورد , فردت مازحه ويعمل شاعرا في اوقات فراغه.
_صححيها انا شاعر بدوام كامل واعمل بين حين والاخر رجل اعمال.
هل تكتب الشعر حقا؟
اكتبه ؟لا تلك هوايه المفلسين انا اعيشه بامكنك ان تصنعي من كل يوم تعيشينه قصيده
اضاف بعد شيءمن الصمت
لي مثلا معك دواووين شعر ساطلعك عليها يوما .
قالت مندهشه :
_معي؟
اجاب كمن يطمئنها :
_المشاريع الجميله قصائد ايضا .. كهذا العشاء مثلا سبعه اشهر من المثابره والحلم والتخطيط له من اجل بلوغ لحظه كهذه
اليس وجودها هنا نصا شعريا؟!
اخذ جرعه من النبيذ كما لو كان يحتسي لتلك اللحظه
علقت:
_جنون كان يمكن للامور ان تكو اسهل
_ الاسهل ليس الاجمل اذا كان الطريق سهلا فاخترع الحواجز
_اما انا فلم اجد غير الحواجر وكان علي اختراع الطريق
_كل المتفوقين في الحياه اخترعوا طريقهم تدرين الفوز في المعارك ذات الشأن الكبير يجعلنا اجمل
الناجحون جميلون دائما . اما لاحظت هذا حتى صوتك ماكان يمكن ان يكون جميلا الى هذا الحد
لو لم ينجح في امتحان التحدي.
ظلت صامته .
حتما هو استقى مايعرفه عنها من مقابلات تلفزيونيه .لكن العجيب انه يتكلم افضل منها عن نفسها
ويوفر عليها الاسئله بل :
السؤال الاهم لماذا هي؟؟
لماذا التوليب بالذات وذلك اللون البنفسجي؟
_ربما كنتٍ تفضلينها حمرا كتلك الباقه التي تحتضنينها البارحه ببهجه , وسلمت الاخرى لقائد الغرفه.
كانت في برهه تهكم ذكي لايخلو من المراره .علت وجنتيها حمره الارتباك وقالت المعذره
فعلت ذالك اركرما لك ضننتها منك
رد بتهكم :
تعنين ظننتها من السيد الذي حجز قاعه كامله ليجلس امامك والاخرى من ذالك الذي يطاردك بباقات التوليب
منذ اشهراسقط بيدها ردت وقد حشرها في ركن الحقيقه
في تلك اللحظه كان يعني الرجل الجالس امامي فهو سيد الحفل
_انت تعرفين اذا بانك انحزت لسطوه المال واهنت المشاعر
قالت بعد لحظه صمت شردت فيها بافكارها
_ اتكون من بعث لي الباقه الحرا لتختبرني ؟
رد متهمكا:
لا لست انا تلك سله لا تشبهني
فتح محفظته الجلديه فاخره سودا يحتفظ فيها بلوزم غليونه
وراح يحشي الغليون بتبغ
ترك بينهما شياء من الصمت وموسيقى على البيانو تعزفها السيده الشقراء حضر النادل
قال ممازحا وملطفا للاجواء
_حتى الحلويات لاتخلعين الحداد؟
ردت ضاحكه :
_ بامكاني ان اقاوم كل شي الا الشكولا هزمت الارهابيين وهزمتني الشكولاته

- ربما يعنيك اذا خبر منتجع جديد لمدمني الشوكولا، كل خدماته قائمة على الشوكولا. المشروبات والوجبات الرئيسية. الحلويات. وحتى جسات التدليك ومغطس الحمام من الشوكولا السائله.
- هل زرته ؟
- لا .. حدثتني عنه صديقة أمضت فيه عدة ايام. انها مجنونة شوكولا أيضا.
شيء ما فاجأها .. أو أزعجها، فقالت:
- حتما يكون انتهى بها الامر لكراهية الشوكولا
- هذا المقصود. ان تشفى من شيء عبر الافراط منه.
- وانت الا تحب الشوكولا ؟
- طبها، لكن انا سيد شهواتي.
ما الذي جعله لحضتها الذ من قطعة الشوكولا التي تذوب في فمها ؟ هو "سيد الشهوات" و "اله الوائد" و "سلطان النشوة" و "الملك" على قاعة بأكملها لا مستمتع فيها سواه. أأسرها بقوة شخصيته؟ ام بكل ما فعله لبلوغ تلك اللحضة ؟ ام ايضا بسبب طيف المرأة "الصديقة" الذي تعمد ان يتركه يعبر كما دون قصد بينهما ؟ ما توقعت ان رجلا مهووسا بها الى ذلك الحد يمكن ان تكون في حياته امرأة سواها.
هي لا تدري انه ضمن أطباق العشاء ترك لها الغيرة .. للتحلية.
شعرت انها بدأت التزلج على الحب. كم من المشاعر الشاهقة والانحدارات المباغتة عاشتها معه خلال ساعتين. أذهلها بتلك الكاريزما التي تعطي كلماته وزنا خفيفا ورصينا في أن ، لانه يبدو قد قام بجهد للبحث عنها. انه لا يقول الا نفسه. هذا ما اوقعها في اسره أيام كان يحدثها على الهتف . حتى انه اقنعها بمنطق اختبار علاقتهما في مطار، وقبلت قانون اللعبة، فخسرت الرهان.
عندما اخرج بطاقته المصرفية ليدفع الحساب، أخرج معها بطاقة اخرى عيها اسمه الكامل فقط. كتب على ظهرها رقم هاتفه ومدها قائلا: " كلميني متى شئتي". كان رقما فرنسيا لا تعرفه.
"الآلهة " لا تحتاج الى إضافة اي تعريف اى اسمها. لا تذكر لك مهنتها ومناصبها اسابقة أو الحالية، ولا أسماء شركاتها وعناوينها. ذلك من عادة البسطاء وحديثي النعمة من البشر.
هذا ما ستدركه لاحقا.
كمن فاز في اليانصيب، شعرت أنها تملك الرقم اسحري، والاسم الذي حيرها هدة أشهر.
امد الموظف بورقة نقدية. طلب منه ان يطلب سيارته، ويدفع للسائق أجرته مسبقا. انتظر معها وصول السيارة، وعندما انطلقت بها فقط ركب خلف سائقه وانطلق.
كان واضحا ان الرجل الذي شغل مقعدا واحدا في القاعة، قد قرر الا يبقي على مقعد واحد شاغر في قلبها.
ذلك الموعد القدري معه كان محتوما.
كان حبهما ابنا شرعيا لقدر ثمل بتهكم الاضداد. " لا تذهبي بقلبك كله" قال لها عقلها. لكنها ذهبت بقلبها كله .. وعادت بلا هقل.
سألتها نجلاء بلهفة الفضول وقد انتظرت عودتها لتنام:
- هل كان وسيما ؟
- بل كان الوقت وسيما به.
لم تفهم نجلاء شيئا من هذه اللغة التي تكلمها بها هالة. عاودت طرح سؤالها:
- طيب، عدا هذا، هل هو جميل ؟
- كان كاريزماتيا جدا ويعلم جيدا بذلك. وهذا ما يمنحه جاذبية آسره.
- يعني كان وسيما.
- وما حاجة الاثرياء للوسامة .. انهم يبدون دائما أجمل مما هم . انهم جميلون بقدر ما يملكون.
في الواقع ماكانت معنية بثرائه، بل بافتقارها الى الصبر معه. مذ عادت من القاهرة وهي على لهفة لتراه. في حالة دوار عشقي، كأنما إعصار حب يأخذها ريشة في مهب هذا الرجل، من قبل حتى ان يترك لها وقتا لسبر حقيقته.
هو ايضا يحتاج الى رؤيتها مجددا. غير انه ليس على عجل من أمره. الان فقط بدأت متعته. اللهفة غدت شأنها. هو لم يقل لها شيئا بعد. وقد يعود ولن يقول لها سوى نصف الاشياء. عن دهاء، بل عن كبرياء سيحتفظ بنصف الحقيقة لنفسه.
الكبرياء ان تقول الاشياء في نصف كلمة، الا تكرر. الا تصر. ان لا يراك الاخر عاريا ابدا. ان تحمي غموضك كما تحمي سرك.
هو لن يقول لها مثلا، انه يوم رآها في المطار تحدق في وجوه كل الرجال عداه، قرر ان يثأر لذلك الخذلان العاطفي بموعد لن ترى فيه سواه. يومها، ولدت في ذهنه فكرة ان يحجز قاعة بأكملها، تغني له فيها وحده. الا يأتيها وسط الحشود، بل يكون هو الحشد.
وهي لن تدري أبدا انه من اقترح على المستشفى هذا الحفل الخيري، ثم اشترى المقاعد كلها باسم إحدى شركاته دون ان تعرض التذاكر للبيع. في الواقع، لا جمهور لها في مصر، ولا كانت جهة ستدعوها لحفل خيري.
حين هاتفته بعد ايام، كان هو أيضا قد غادر القاهرة، ولن يكون من السهل هذه المرة العثور على عنوان لموعدهما.
ليس من طبعه المجازفة بسمعته. لم تعرف له اية علاقة نسائية في بيروت، برغم ما عرف من نساء، لاعتقاده ان عليه ان يحمي صورته كرجل "كامل". المغامرات الصغيرة .. لصغار القوم لذا اعتاد ان يغير عناوين أسراره من مدينة الى أخرى. ان الاسرار هي ما يساعد على العيش. كم يخسر من لا سر له.
على عكسه، لم يكن في حياتها سر لتحميه، او مكسب لتخاف عليه. ما تخاف هو ان يخلط بعد الان بينها وبين اناث اخرين وصائدات الثروة. ان يكون أساء الظن بها مذ رآها على المسرح تحتضن تلك الباقة الحمراء وتتنازل عن باقته.
اتصلت به بعد هزمها الشوق:
- سآتي الى بيروت الاسبوع القادم بدعوة من شركة الانتاج لاطلاق ألبومي الجديد.
قالتها كما دون قصد. القت اليه بطعم ظنته سيلتقطه فورا.
لكنه ماكان سمكة. كان يمتلك صبر صياد .. وحنكته. قال على الطرف الاخر للهاتف:
- جميل يسعدني نجاحك .. وكيف والدتك ؟
- جيدة شكرا.
ثم أضافت وقد فاجأها السؤال:
- وكيف عرفت بها ؟
ضحك:
- أعرف كل ما يهمني.
- صدقا، كيف عرفت؟
- سمعتك تتحدثين عنها في أحد البرامج. قلت انك غادرت الجزائر برفقتها، بعد الاحداث الاليمة التي عرفتها عائلتكم.
- انت تملك ذاكرة قوية.
- بل ذاكرة انتقائية. أذكر حتى الثياب التي كنت ترتدينها في مطار شارل ديغول .. وماركة النظارات التي كنت تضعينها .. ولون الحقيبة التي كنت تجرينها.
ارتبكت، فكرت انه لن يغفر لها أبدا تلك الحاجثة. وفكر هو ان ما يذكره حقا هو ملامح الرجال الذين قصدتهم. اما ما لا يغفره لها فهو كونها لم تتذكر ملامحه برغم جلوسه اربع ساعات بماحاداثها في الطائرة، وبدت حين دعاها للعشاء وكأنها تراه لاول مرة . أمثة رجل عادي الى هذا الحد.
لكنه لن يقول لها هذا. من أخلاق الجنتلمان الا يحشر امرأة في زاوية تفقد فيها جمالية انوثتها. لانه حينها سيتشبع وهو يضعها في موقف غير لائق، ويكف حينها على ان يكون رجلا.
- هاتفيني من بيروت .. ربما استطعت ان ادبر لنا موعدا.
" ربما "؟ ابثلاثة احرف للشك يختصر شوقه لها ؟ وكيف لهذه الرصانة ان تلي كل ما اقدم عليه من جنون .. تارة ليراها في مطار، ومرة لينفرد بسماعها في حفل، واخرى ليحظى بعشاء معها.
كانت حياتها ساكنة حتى جاء والقى حجرا في بركة ايامها الراكذة، مخلفا كل دوائر الاسئلة. لا تستطيع ان تنكر انها، مذ ذلك العشاء لا تنتظر الا هاتفه.
هي لم تكن يوما من سلاسة نساء الانتضار، لكنها من دون ان تدري، في كل ما تفعله الان تنتظر. هي لا تحتاج الا مواعيد عم لتزور بيروت. كان يمكن ان تحضر قبل ذلك الموعد لو رأت منه حماسة ما، فالمسافة بين الشام وبيروت لا تستغرق سوى ثلاث ساعات. وبامكانها اقناع والدتها بما تشاء، الذرائع لا تنقصها .. ونجلاء "الملاك الحارس" ستدعم مشاريعها، وتمنحها شهادة البراءة. لكنها ستصمد وتسافر في الوقت المحدد، كما لو ان لقاءه ليس امنيتها.
حمدت الله ان امها الغت في اللحظة الاخيرة فكرة مرافقتها. برد كانون جعلها تفضل البقاء في الشام.
- طريق الشام بيروت خطرة بها الايام، ساعات تقطعها الثلوج تأكدي حبيبتي من النشرة الجوية قبل ما تسافري.
نجلاء أيضا لن تاتي. هي مشغولة بخطيبها العائد من دبي لقضاء الاعياد. لا أحد يرافقها اذا عدا أحلامها .. او اوهامها. فهي تذهب الى الحب دون بوصلة تأمين على قلبها.
انتظرت ان تحل ضيفة على البرنامج التلفزيوني، عساه يعرف لوجودها في بيروت. لا تريد ان تعطيه انطباعا أنها على عجل لملاقاته. لكن لا هاتفه جاء، ولا جاءت وروده. ربما ماعاد من وقت لباقة حب اضافية.
دهمها حزن من فقد شيء ما كان يدري بوجوده، او على الاصح بقيمته. ربما اراد ان يقاصصها على باقة ورده التي رآها تسلمها لقائد الفرقة وتحتضن غيرها. لا تظنه سيبعث لها ورودا بعد الان.
اجتاحها الاسى. كحزن بيانو مركون ومغلق على موسيقى لن يعزفها احد. انتهت ليلتها وحيدة في غرفة في ذلك الفندق الفاخر، تفكر في تلك الفواتير، التي يدفعها المرء عن غباء، غير مدرك قيمة الاشياء حين تقبل عليه الحياة في كل ابهتها.
عذاب الانتضار ؟ وماذا عن عذاب الا تنتظر شيئا ؟
كان يحتاج الى ان يكون له موعد مع الحب كي يحيا، كي يبقى قيد اشتهائه للحياة. قيد الشباب. الوقت بين موعين اهم من الموعد. والحب اهم من الحبيب نفسه. وهو لكل هذه الاسباب جاهز لحبها .. او على الاصح جاهز لها.
صباح اليوم الثالث لوجودها في بيروت، هاتفها . اخفت عنه ترقبها لصوته. كنها ما استطاعت ان تخفي فرحتها.
- كنت اخشى ان اغادر بيروت دون سماعك.
- ماكان يمكن الا اهاتفك .. انشغلت هذه الايام ليس اكثر.
اوصل لها اشعارا بأن ثمة ماهو اهم منها في حياته، وايا كان هذا الشيء ستحزن. ففي سلم الاولويات، الحب هو الاول في حياة المرأة .. ويلي أشياء اهم في حياة الرجل.
- هل كان البرنامج الذي استضافك ناجحا ؟
اشعار اخر انه لم يتابع البرنامج، هو الذي اعتاد ان يرسل اليها الورود اياها في كل ظهور تلفزيوني. الحقيقة انه برمج المسجل في مكتبه لتسجيل تلك الحلقة حتى لا يشاهدها مساءا في حضرة زوجته، فتعجب لاهتماماته الجديدة.
وفي الغد شاهدها في مكتبه وهو يدخن غليونه، فكر ان عليه ان يغير طريقة لبسها.
مسكينة كم اجهدت نفسها لتبدو في شكل جميل، وهي حزينة الان لانه قال انه لم يراها.
تجيب كما لو انها تزف له بشرى:
- كان ناجحا جدا. لقد لقي صدى طيبا في الاعلام.
- انا سعيد من اجلك ..
يقصد سعيد من اجله. فقد نجح في ارباكها وافساد فرحتها. وستحتاج اليه في انكسارها. هي الشهية كحروف النفي. التي اعتادت ان تقول له "لا" و"لن" عى مدى اشهر. كأنه يسمعها الان تسال " هل اراك ؟".
لكنها تقول شيئا اخر:
- اتحب ان ارسل اليك البومي الجديد ؟
يفاجئها جوابه:
- احب مالا تجراين عن قوله.
حاولت استعادة بعض اسلحتها الدفاعية:
- لا اضنك تضاهيني شجاعة
- الجرأة غير الشجاعة
- وماذا تودني ان اقول ؟
- تماما ما تودين ان تقولي.
لم يحدث وان حشرها رجل في هذه الزاوية الضيقة للحقيقة.
واصل:
- الجرأة ليست في ان تواجهي الارهابيين، بل في ان تحاربي نزعتك لقمع نفسك، واخراس جسدك، وتفخيخ كل الاشياء الجميلة بحروف النهي والرفض. الحياة أجمل من ان تعلني الحرب عليها .. حاربي اعداءها.
استدرجها حيث شاء. قالت ما تمنت ان تقول حقا:
- متى اراك ؟
- اليوم طبعا ما دمتي ستسافرين غدا
- اين ؟
- سأزورك في افندق.
- الفندق ؟
- لا لشئ سوى لانه المكان الاكثر تسترا في مدينة لا سر فيها. ما رقم غرفتك ؟
- 423
لفظت الرقم غير مصدقة تسارع الاحداث، كأن الامور افلتت من يدها، وان امراة غيرها تلفظ الارقام الثلاثة التي ستتحول، حال امنتهاء المكالمة،. اغلقت الهاتف وهي تتساءل كيف اقدمت على امر كهذا.
في الخارج شتاء ومطر جن جنونه. لكنها اكثر جنونا من الطبيعة. لاول مرة تجرؤ على استقبال رجل في غرفتها.
اي رجل هذا ؟ سيد مطلق ياتي عندما لا ننتظره، يقول مالا تتوقعه، يهجرها حين يشاء، يقتحم حياتها متى يناسبه ، يشتري صوتها حين يريد، يضرب لها موعدا حين يحلو له.
راح نصفها الشرس يحاكم نصفها الوديع، ورجولتها تحاسب انوثتها المطيعة. الم يقل لها احدهم متغزلا " أجمل ما في امرأة شديدة الانوثة .. هو نفحة من الذكورة "" ؟ مصيبتها كونها اكتسبت اخلاقا رجالية، واكثيرا ما قست على نفسها كما لو كانت أحدا غيرها. والان، ماعادت تعرف كيف تعود من جديد انثى، ولا كيف تستعد لهذه المداهمة العاطفية.
تأملت الغرفة، على جمالها هي اصغر من ان تليق برجل يحجز قاعة بأكملها، ليجلس على مقعد واحد.
لا تملك لاستقباله سوى اريكتين، وطاولة في زاوية من الغرفة، على شكل صالون. شعرت ان الطاولة فارغة وان سلة الفواكه تحتاج لاعادة ترتيب، وضعت مكانها على الطالوة مزهرية، كي تبدو الغرفة اجمل.
والان ؟ ماذا ترتدي ؟ يا الله ماذا ترتدي لاستقباله ؟ خلعت ولبست ثوبين او ثلاثة على عجل، كما لو كانت في سباق .. ومسابقة في ان.
ثم اسرعت الى الحمام تجدد هيأتها، حين تذكرت انه قد يدخل الحمام، ويقع نظره على لوازم زينتها. أصابع الحمرة ذات الماركة العادية، علبة البودرة التي اشرفت على نهايتها، ومازالت تحتفظ بها. كريمات واقلام كحل سيفضح بها تواضع جيبها، وعادات اكتسبتها ايام الحاجة. جمعت كل شيء واخفته داخل الخزانة الموجوده تحت المغسلة وتنفست الصعداء.
لعنته وهي تراقب الساعة. ثم لامت نفسها لفرط توترها ، ولانها قبلت ان تستقبله في غرفتها. وما توقعت ان تقدم يوما على شيء كهذا. لعلها جنت. من يكون ليفعل بها كل هذا ؟ وكيف سمحت له بارباك حياتها الى هذا الحد ؟
دق هاتفها فجأة وقال صوته:
- افتحي انا هنا.
راحت دقات قلبها تتسارع وهي تتجه نحو الباب. القت في طريقها نظرة سريعة على المرآة. وذهبت تفتح الباب للحب. اي حدث مشهدي ان يجيء ذلك الرجل. ان يدخل غرفتها
لكنه لا يقبلها ولا يصافحها. لا ينحني كأول مرة ليقبل يدها ولا ينظر حتى لعينيها. اجتاز باب الغرفة وهو يدقق في هاتفه، ليمحو الرقم الذي طلبه للتو .. رقم هاتفها.
كم من الاحلام كانت ستتهشم داخلها لو هي انتبهت انه كان يتبرأ منها، وهو يقصدها، خوفا من ان يقع احد على رقمها مسجلا على هاتفه.
اعاد الى جيبه الهاتف ممحوا من رقمها. حينها فقط قال: " اهلا" ، مسترقا نظرة اليها. اتجه صوب الاريكة، كما لو كان جاء ليرتاح قليل. مد رجليه دون ان يفقد لياقته .. ونظر اخيرا اليها.
كان يحتاج الى ان يجن من الحين والاخر، ولو كذبا، ليمارس على الحياة سطوة ذكائه الرجالي كسارق لم يمسك يوما بالجرم المشهود. شيء يشبه باللعبة يمارسها مع انثاه الحقيقية : الحياة.
يحتاج الى ان يجازف اكراما لتلك اللحضات الباهرة في بذخها. الباهرة لا ابلاهظة. فلا علاقة تستحق ان يخسر من أجللها مكاسبه الاجتماعية. وهذه احدى المرات النادرة التي سيتلتقي فيها بامرأة ببيروت. للجنون عادة عناوين مدن اخرى. وهو احتاط لكل الاحتمالات، مستفيدا من وجود ضيف له، حضر من باريس، فدعاه الى العشاء في الفندق نفسه رفقة مدير اعماله.
كان يحتاج الى غطاء لدخول الفندق، والجلوس في صالة رجال الاعمال الموجودة في اخر طابق. بعدها سيسهل عليه الاعتذار والتغيب بعض الوقت متذرعا باتصال طارئ.
سألها بذلك الاشتهاء الملتبس:
- كيف انت ؟
كانت شفافة المزاج كبيت مسيج بالزجاج، ماكان لباطنها من سر. لذلك كان يسهل عليه مطالعتها، او مطالعة الاجوبة التي تحتفظ بها لنفسها.
ردت وهي مازالت واقفة:
- انا جيدة .. شكرا.
تأملته كان جالسا وهي واقفة. اكتشفته من زاوية جديدة للرؤية.
لم يكن يشبه رجلا كانت تتصور انها ستحبه. لكنها تحبه. بأناقته الفائقة. بتفاصيله المنتقاة بعناية ككلماته. بابتسامته الغامضة. بتعليقاته الماكرة. كما حين يرد على ذعرها من استقباله:
- الحب سطو مشروع .. لا علاقة شرعية .. عليك ان تعيشيه هكذا – مواصلا بعد شيء من الصمت- اجلسي .. لماذا انتي واقفة ؟ نحن في فندق راق لن يفتح الباب احد .. او ضعي على الباب "الرجاء عد الازعاج " ان كان هذا يريحك.
ذهبت تطبق نصيحته من دون ان ترتاح تماما. ماذا لو كان الخطر الان في الداخل، لا من خارج الغرفة.
ما ادراها ما يجول في رأس هذا الرجل ؟
عادت لتجلس مقابلة له على الاريكة الثانية. قال وهو يزيح قليلا المزهرية التي تحجب الرؤية بينهما:
- ساقي الورد ليس من سيقطفها، ولا قاطفها من ستنتهي في مزهريته في بيته.
لم تحاول ان تفهم ما اراد قوله. استفادت من تداعيات الكلام .. قالت:
- لقد وصلتني هذه الباقة هدية.
تعمدت الا تقول ممن عساها تثير غيرته او فضوله. لكنه علق :
- ان من يهدي وردا يقدم انطباعا عن نفسه.
أدركت انه يستخف بذوق من اختار تلك الورود .. قالت:
- لكل ذوقه ...شخصيا، لم افهم لماذا تحب زهرة التوليب بالذات، وذلك اللون البنفسجي الغريب.
- لانها زهرة لم يمتلك سرها أحد. لونها مستعص على التفسير، يقارب الاسود في معاكسته للالوان الضوئية. انها مثلك وردة لم تخلع عنها البراءة الحياء، ثمة ورود سيئة السمعة تتحرش بقاطفها .. تشهر لونها وعطرها، هذه ستجد دائما عابر سبيل يشتريها .. كتلك التي قدمت لك في الحفل.
قالت كأنها تتبرأ من الباقة:
- بالمناسبة، علمت انها كانت التفاتة من ادارة المسرح، لوضع لمسة بهجة في ختام الحفل، لا يمكن للجميع مقاسمتك ذوقك .. لكل وردته، لعلك اعتدت ان تهدي هذه الوردات بالذات، اعني ربما كانت وردتك ..
قاطعها:
- بل هي وردتك. لم اهدها قبل اليوم لاحد. لمحتها مرة في محل للورود وعجبت لغرابة لونها. عادة اهدي نوعا اخر.
أكان عليها ان تسعد لانه لم يهدي وردتها من قبل لاحد ؟ أم تحزن لانه اهدى وردا لغيرها ؟ الكل امرأة في حياته وردتها الخاصة ؟
هذا البستاني الذي يقسم النساء الى فصائل وأجناس من النباتان، تحتاج هي المعلمة الى ان تتعلم ابجدية الزهزر، لتفهم ماذا اراد ان يقول لها طول هذه الاشهر.
قالت ممازحة :
- ربما علي ان اتعلم لغة الورود قبل ان اتحاور معك.
رد مصححا:
- ليست قضية لغة، بل قضية اناقة، لا أكثر اناقة من وردة لا تثرثر كثيرا . نحن لا نهدي ورودا لتتكلم عنا .. بل لتحمي التباس ما نود قوله.
- وماذا اردت ان تقول في النهاية ؟
- في النهاية ؟ لكننا لم نبدأ بعد .. عندما نبلغ النهاية، لن يبقى ثمة ما نقول.
هو يعني لن يبقى ثمة ما نهديه. هذا ما فهمته.
اي رجل هذا ؟ لم يكن جميلا، بل أكثر. كان يملك ثقافة الجمال. أو ربما كان جميلا كما هم العشاق، كما هم الاساتذة بالنسبة لتلاميذهم. وهي الان تكتشف ممكن ضوئه. كأنها تجلس مكان تلاميذها لتستمع اليه يلقي درسا في مادة لم يعلمها اياها احد:
مادة الحياة.
نهضت تخفي ارتباكها بسؤال:
- اتورد ان تشرب شيئا ؟
لكنه نهض بدوره وقال متعذرا:
- ثمة من ينتظرني على العشاء. لقد سرقت بعض الوقت لاسلم عليك ليس أكثر.
وقفت مدهوشة وهي تراه يتجه صوب الباب. مشت خلفه بتأن كما لتستبقيه وقتا أطول غير مصدقة ان أجل فرحتها انتهى. فقدت صوتها. لا تدري أيهما كان اكثر زلزلة لقلبها: مجيئه او مغادرته. وقفت خلف الباب المغلق تودعه صمتا. كزهرة توليب خذلتها الريح، انحتى رأسها قيللا. كان يراقب انكسارات روحها. تذكر ان في اليثودولوجيا، لم تكن الزهزر سوى صبايا قتلتهن العاطفة، فتحولن الى زهور. هذه امرأة من سلاسة الزئبق، تحتاج ان يسندها بشيء مميز.
كان محمولا باحسيس وحشية بعد أشهر من الاشتهاء. راح يشعل حطب الانتضار كله. انقضت سنة كاملة، بعدا وصدا، مدا وجزرا، لبلوغ حريق كهذا. ان قطاف هذه الزهرة النارية.
لم يضف كلمة. فتح الباب ودلف الى الخارج، بعد ان اودع جناحيها لنار.
في مرآت المصعد تفقد هيأته، وحين اطمان لمظهره، ابتسم. هو يدري ان تلك المحروقة ستولد فراشة تحتاج اليه بعد الان كي تطير.
سيد القدوم الاسر والانصراف الباكر .. مضى، وضلت هي واقفة، مستندة الى جدار النشوة، لا تدري ما االذي ح بها.


[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10-07-2015, 10:57 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


الفصل الخامس



كان له قوه ونضج رجل صنع ثراءه بذكاء .لكنه ما كان يبدو
رجل اعمال .في الواقع هو يحترف الحياة . لا عمل له سوى ممارستها
بإمكانه ان يدعو اسماك القرش الى طاولته من دون ان يشاركهم شهيه الدم.
هو نفسه لا يدري لماذا فعل ذلك بكل امراه احبها او توهم حبها
كان يعاني من عجز عاطفي يحول دون تسليم قلبه حقا لامراه
ربما لم يشف من خيانه المراه الاولى في حياته
تلك التي تخلت عنه وتزوجت غيره طوال عمره سيشك في صدق النساء
مايعنيه الان اكثر هو الارض التي اشترها قبل اشهر
سيسافر غدا بصحبه المهندس لدراسه مشروع تحويلها الى مطعم عائم فاخر
لايمكن ان يدخل الخليج الا بمشروع لم يسبقه اليه احد
المشاريع عنده تولد احلاما بألونها وتفاصيلها وكل ماتحتاج
اليه مهندس .
كل ماحققه في حياته السابقه ان عاشه كرؤيه يوم سافر الى البرازيل كان يدري انه سيعود لبنان اكثر ثراء
في ذلك المطعم ولد حلمه بمتلاك مطعم للوجبات اللبنانيه
السريعه يكون مشروع سلسه مطاعم عصريه على الطريقه الامريكيه
تتمركز حول الاحياء الجامعيه
كان يدري بعد اول موعد جمعهما انها رغم الاسم العائلي
الكبير الذي تحمله ستكون له وتحمل اسمه .
اجتاز بوابه الاحلام كما لو كان يمشي في نومه
ماعاد يحتاج الى ان يطلع حظه في الفنجان قهوه
لقد غدت القهوه حظه وباب ثروته مذ شاء حسن طالعه ان يهتم بتجاره البن
وتجاره البن والعقارات التي يستثمرفيها امواله حين قرر ان يدخل سوق الترفيه
طلبته مرتين على جواله واطال الهاتف الرنين ولم يرد
قررت الا تعاود الاتصال به.
لكنها ظلت في انقطاعها عنه تقيس حجم الاهانه كما لو كانت تحمل داخلها عدادا
منذ قررت ان تقاطع هواتفه استعادت عافيتها او على الاصح خف المها
منذ اللحظه التي طلبها ولم تتحرك يدها للرد عليه
بدا العداد يعمل لصالحها وما عاد عليها ان تعد الايام والساعات وتفكر
ماذا عساه يشغله عنها . تركت له وجع الاسئله
قرات يوما ان راحه القلب في العمل
وان السعاده هي ان تكون مشغولا الى حد لا تنتبه معه انك تعيس فهجمت على العمل طمعا في نسيانه
قررت ان تسجل نفسها في الكونسيرفاتةرا
كي تتعلم اصول الغناء وكانت لها امنيه سريه اخرى ان تتعلم العزف على العود
كانت ترى في ذلك العود اثمن ماترك والدها
الذي لم يمتلك يوما ثروه. ككل العشاق الحيته
كان قديرا وككل بائعي البهجه ,ماترك مالا قضي عمره يغني ونسى ان يغتني
قصه ابيها الذي مات ذات مساء وهو عائد من حفل زفاف كان قد غنى فيه
احدى فرق الموت وضعت نهايه لصوته اخر موسيقى سمعها موسيقى الرصاص
كان برفقه احد العازفين في طريقهما الى السياره سقط كلاهما متكا على الاله العوف
عندما عادو بجثمانه مع العود حمدت الله انهم لم ينسو عوده او يسطو عليه
وتدفق الناس الى بيتهم في حال سماعهم الخبر
كان العود قد اقتسم الرصاصه نع سيده كما يقتسم الحصان النيران مع صاحبه في المعركه
وكما يعود الحصان جريح حاملا جثه صاحبه
عاد العود للبيت معلنا موت من ظل رفيقه على مدى ثلاثين سنه
من الارجح ان يكون ابوها قد احتمى بالعود او ان العود حاول ان يفديه ويرد عنه الرصاص
فما استطاع بصدره الخشبي ان يتلقى عنه سوى رصاصه واحده وذهبت اثنتان نحو راس والدها
فسقط متكئا عليه
ماكان لبيها عداوات لم يهدد احد ولا يجادل احد
لكن الموت يثرثر حوله
ذهبت شكوك امها نحو جارهم شاب في اوخر الثلاثين عاطل عن العمل
او لعله يعمل لحسابه الخاص رجل حر بدوام كامل
هكذا كانت ذكريات العود الذي بقى ذكرى من والدها
***
كان اكثر انشغالا من ان ينتبه لقطيعتها الهاتفيه . حاول الاتصال بها مرتين ولم ترد ظن هاتفها على الصامت
توقع ان تعاود مهاتفته . لكنها لم تفعل وعندما امتد صمتها الى ان قارب الشهر بدا يساوره الشك ان تكون
تتعمد ان تطيل انتضاره ايعقل ان تجرؤ على امر كهذا ؟ هو الذي تتهاتف الاتصالات عليه
حاول ان يستعيد تفاصيل موعدهما الاخير لعله يعثر على سبب لعتبها
ان يكون ندما متاخرا ؟؟
راوده احتمالات كثيره
رفع السماعه وطلب رقمها . لم يصدق السرعه التي ردت بها لكن بعد كلمتين وجد نفسه امام صوت اخر
وغير مهيأ لمفاجأه كهذه ممكن احكي مع هاله من فضلك
هاله مسافره مين بقلها؟
السؤال انساه مفاجئه خبر غيابها لكنه دوما وجد الحيله المناسبه في مواقف كهذا
انا صحفي من cbs كنت اود الاتصال بها بخصوص لقاء تلفزيوني
اعطها اسم قتاه اجنبيه تفاديا الاسئله ماتوقع ان يخدمه هذا الخيار
هي في فرنسا ممذ ثلاثه ايام يمكنك المعاوده في اقرب وقت
اتعلمين متى تعود
ليس قبل عشره ايام لقد رافقت خالتها لاجراء العمليه في باريس
رد متعجبا
باريس ؟
اجابت :
لا احد كان يستطيع مرافقه خالتها وحدها تملك تاشيره سفر
الى فرنسا
هل ثمه طريقه للاتصال بها؟
لا املك الا رقك هاتف فندقها.
لا باس امديني به من فضلك سأهاتفها كسبا للوقت
اغلق السماعه وضحك في سره لا اكثرمن سذاجه النساء غبيه قبل ان تجلسها على كرسي كهرباء للاعتراف"
تتطوع بعطائك المعلومات اكثر مما تتوقع تلك الصغيره الغريبه قادره على الهجران
ولا تنبه لقدرته على الوقوع في شرك المسافه التي تفصله عنها
المسافه ؟ سيحطمها غدا
راح يحشو غليونه ويبتسم ويحلو له منازله هذه الفتاه
فليكن سيواصل معها لعبه التحدي
مساء غد دق الهاتف في غرفتها بالفندق
كانت منهكه وجائعه غادرت الطاوله الصغيره
التي كانت تتناول عليها ما احضرته
في طريقها من طعام الى العشاء
ورفعت السماعه وهي تواصل قضم مافي يدها
لقد غادرت خالتها للتو المستشفى وهي في حال حسن
كما توقفت في الطريق تكلم امها كما تفعل كل يوم
حتما لم تتوقع ان تاتيها ذلك الصوت في تلك الساعه
على هاتف الفندق
كيف انتِ؟
كادت لهول المفاجأه ان تختنق بما تأكل فقدت صوتها للحضات وجلست من الصدمه على حافه السرير غير مصدقه
رنه صوته العائد بعد شهر من الانقطاع
هل تقضين اقامه طيبه دوني؟
لم يحضرها اي جواب ردت بما بقى فيها من نزوع وتحدي
حتما
اتمنى ذلك
اما انا ,فلا اصدق امنياتك . لقد سبق ان بعثت لي بهذه الامنيه
ذاتها مع باقه توليب يوم زيارتي الاولى لباريس قصد تعكير اقامتي
رد بتهكم:
تعنين يوم اخلفت موعدك الاول معي
ان شئت لكن اخبرني اولا كيف حصلت على هاتفي
دوما حصلت على ما اريد
فعلا لا ينقصك الغرور
بل يحدث ان تتواضع
تعني التواضع كأعلى درجات الغرور
ضحك:
ان تكونين قاطعتني بسبب تواضعي؟
ولأسباب اخرى ايضا
اتمنى ان اعرفها حين نلتقي
نلتقي؟ انت تمزح حتما .. نحن لا نبحث عن الشيء نفسه
ومن ادراك ؟
انت رجل باذخ المهام دائم الانشغال لا وقت لك للحب
تهاتفني في مساء الضجر
وتريدني ان انتضرك مابقى من عمر
هذه المره لن تنتظريني اكثر من يوم .. ساحضر غدا الى باريس
واصطحبك للعشاء في مطعم جميل.
اصابتها فكره مجيئه بالذعر فهي غير مهياه اطلاقا لذالك
ما احضرت من ملابس لا تليق بلقائه
ولا تريد ان يرى الفندق المتواضع الذي تقيم فيه
ثم يوما واحد لا يكفيها للاستعداد لحدث كهذا
التي لبستها لمده اسبوع وتذهب لشراء مايليق بها
قالت له
لا ارى قدومك مناسبا هذه الايام
رد مازحا:
امراه الليل لها كيف يكون لها نهارا
اذا فليكن لك الليل انت في باريس ياعزيزتي
انا في السرير ولست في باريس من تعبي لا رغبه لي الا في النوم
كانني جئت اغير الاسره المدن
كانت تواصل الحديث اليه عندما دق باب غرفتها . ماكنت تريد ان ينثطع عليها احد سعادتها
خافت ان ينهي المكالمه ويضيع.
منها كعادته الاسابيع الاخرى لم تجد بدا من العتذار منه لتسبيقته على الهاتف قالت ممازحه:
لم اطلب شيئا من خدمه الغرف اتكون بعثت لي وردا مثلا
رد ضاحكا:
لا ليس هذه المره
لا تقطع اعطني دقيقه لفتح الباب
رد لا تهتمي انتظر
لم يقطع الخط لكنه قطع انفاسها كاد ان يغمى عليها وهي تراه امامها اعلق الهاتف الجوال واعادع في جيبه
ثم القى نظره الى ساعه وقال هو يطالعها على الوقت
رجل تبا له من رجل الذي جاء به الى الفندق حتى غرفتها
يالله انه الان ينظر الى كل شيء بائس وبشع خلفها
وتأمل فوضاها وبقايا العشاء المتواضع على طاولتها
سالها الى متى ستبقين في باريس
تاشيرتي تنتهي بعد ثلاثه ايام من حسن حظي ان خالتي تعافت
ثم لتبرر ما ارها عليه اضافت
اني اقيم في ذلك الفندق حتى اكون قريبه من المستشفى الذي اجريت فيه العمليه
قال لها :
بالمناسبه لقد حجزت لك غرفه في هذا الفندق
انتفضت مدافعه عن كرامتها
من قال لك انني ساقبل ذلك؟
اقامتك هنا ستكون اجمل اخترت مايليق بمقامك
فكرت انه اختيار عنوانا يليق بمقامه الذي يسمح له بحب فتاه تقيم بذلك العنوان
قالت وقد استعادت شراستها :
لكنني ماطلبت منك شيئا
الحب يعطي قبل ان يطلب منه .
قالت بعناد :
لن اقيم في غير فندقي ..انه اقرب الى المستشفى
اجاب بما يعرف انه سيهزمها
لكنك هنا اقرب الي
وضع في جملته مايكفي من البوح المواراب للاطاحه صمودها
بمكانك ان تاخذي تاكسي لزياره خالتك
بدا منطقه يجردها من شراستها هل تعاتبه لانه يريدها
قريبه منه ؟
قال :
سأرافقك الى فندقك لتجمعي حاجاتك . ثم اطلبي سياره اجره للعوده الى هنا
أطمانت الى نواياه وعجبت لها
واين تقيم انت؟
لي بيت في باريس
قالت ممازحه :
نسيت انك تعمل صحافي هنا في قناه cbs.
ضحك ادرك انها اكتشفت حيلته
اضافت :
بالمناسبه ماذا كنت تسالني في مقابلتك تلك؟
اجاب وهو يمشي بجوارها نحو السياره:
اولا هل انت وفيه؟
ثم ؟
لكنك لم تجيبي على السؤال الاول
افضل الاطلاع على الاسئله قبل الاجابه هكذا علموني
فليكن ثانيا هل ستكونين لي؟
ثم ؟
كانا قد وصلا الى السياره وقال
اكتفي بهذين الؤالين البقيه ساطرحها عليك في وقت لا تتوقعينه
اطلاقَ
هل يحبها حقا؟؟
هو نفسه لا يدري هي شجره ,ولا يريد ان ينبهها الى ثمارها فيقطفها سواه.
استسلمت وشعرت انها ثملة، بكل الوعود اتي منحها . معه كل شيء كان عادي، على مرأر من السماء، من نهر السين، ومن برج ايفل، اصبحت امرأة عمرها سبع وعشرين سنة من الانتضار.
كانت باريس سخية. تتلالا باضواء نهاية السنة، ورذاذ مطر يحمي عاشقين من محضر ضبط عاطفي. غادرته باحاسيس ملتبسة كما لو انها فقدت براءتها.
كان يود ان يرافقها بعد العشاء الى فندقها ذاك، لو باح لها بانه يرثي لرجال جاؤؤ العالم وسيغادرونه، من دون ان يكونو قد خبرو باحساس كذلذ. لكنه ما اعتاد ان يفضح احاسيسه لاحد، او يبوح بضعفه لامرأة. هو دائم الاحتراز من الحب، لعلمه ان الذي يحب الاقل هو الاقوى. لا يذكر انه قال "احبك" سوى لزوجته قبل خمس وعشرين سنة، لكن النساء تعلقن به رغم ذلك، لانه يقول تلك الكلمة في كل ما يفعله، بينما لا يفعل الاخرون غير قولها.
هل يحبها حقا ؟
هو نفسه لا يدري. هي شجرة سيظل بها، ولا يريد ان ينبهها الى ثمارها فيقطفها سواه.
يريد له وحده مرحها وصباها. ذكاء انوثتها، برائتها، اندهاشها البكر بكل ما تراه معه لاول مرة.
يحب جرئتها في الدفاع عن قناعتها، وهزيمتها حين يجردها من قراراتها. يحب نقاءها، ويشتهي مند الان افسادها. هو فقط ياجل الامور. في امور النساء ماكان يوما على عجل . هو ليس من حديثي النعمة، مائدته عمرت دائما بما يشتهي. لذا لم يكن يفترس الحياة، كان يتذوقها ويترك منها شيئا على طاولة الموعد القادم.
في الصباح، هاتفها الى فندقها الجديد، كانت قد غادرت الغرفة. لم يترك لها رسالة صوتيه على جهاز التسجيل. حتما ماكان ليفعل. كان يعنيه فقط ان يتاكد انها نقلت إقامتها الى الفندق.
حين طلبته ظهرا من مقصورة هاتفية، وعدها ان يمر عليها مساءا ليصطحبها الى العشاء.
- هل اعجبتك الغرفة ؟
ردت ممازحة:
- تعني الجناح .. وماذا افعل بجناح واحد ؟
ضحك لدعوتها المواربة لرؤيته.
قال:
- اذا انا من يطير اليك. كوني جاهزة عند اساعة الثامنة في البهو سأمر لاصطحابك الى العشاء.
وقبل ان يضيف شيئا، دق هاتف اخر في مكتبه فودعها على عجل
- اراك مساءا.
كلمتان كانتا كافيتين لاحداث تلك الارتجاجات بجدران قلبها. معه هي دائما وسط حزان الزلزال.
اعتذرت لعمتها بذريعة انشغالها بالتسوق قبل عودتها. النصف الاخر للحقيقة، كان انها تحتاج الى ان تتسوق لموعدها معه هذا المساء. لها رغبة في ابهاره.
قررت ان تكون سخية مع نفسها، اي ضنينة مع الاخرين. ما ستنفقه على كمالياتها هو ما ستنقصه من المبلغ الذي كانت ستشتري به هذايا لللاهل في سوريا. وهذا يؤلمها. لكن لا مفر، لابد ان تذهب الى الحلاق، وتشتري ثوبا جديدا، وبالاخص معطفا أنيقا.
كم شعرت بالخجل البارحة، وذلك الناذل الشبيه بجيسكار ديستان ياخذ منها معطفها قبل الجلوس، ويضعه بجوار المعاطف الفاخرة المعلقة. كانت تفضل لو احتفظت به على الكرسي المجاور. ولكن كان الامر فضيحة اكبر .. فضيحة الجهل بالاتيكيت..
ما يعنيها حقا هو ان تنسيه الحالة التي رآها عليها البارحة.
قبل الثامنة بدقائق، نزلت الى بهو الفندق. لم تكن الساعة في معصمها بل في قلبها. مذ هاتفها والدقائق تركض بها . تفقدت زينتها أكثر من مرة. صففت شعرها ثم غيرت تسريحته مرارا. في اخر لحضة، قررت ان تجمعه وتسدله على جانب واحد.
كانت تبدو جميلة، كما يليق بسندريلا ان تكون. نكذا قالت عيون الرجل الذي اخذ معها المصعد، وعيون من صادفت في بهو الفندق. جلست تنتظر قدومه، في ذلك الصالون الارستقراطي السقف والثريات، حيت لا أحد يعرفها، ولا تتعرف هي نفسها الى نفسها.
تامت السيدات وهن يعبرن في كامل اناقتلهن، والرجال الوحيدين، والاخرين المصحوبين بنساء. شغلت نفسها بالاستماع للموسيقى التي كانت تعزفها فتاة على البيانو. قصدت االحمام، هربا من نظرات رجالية، بدأت تطيل النظر االيها. صعدت الى الغرفة قليل عساه يطلبها هناك، تم عادت ونزلت عساه يكون جاء.
انقضت نصف ساعة على وجودها في مهب الانظار والنتظار حين مر احد الموظفين بلوحة مكتوب عليها اسمها. كانت مطلوبة على الهاتف.
- عذرا .. نسيت اننا نستقبل ضيوفا على العشاء في البيت. تعشي حيت تعشينا البارحة .. او اطلبي عشاء في الغرفة . ساتصل بك غذا. تصبحين على خير.
كان واضحا انها مكالمة مسروقة . ماترك لها حتى ومضة، لوضع سؤال او علامة تعجب.
كلمات وانطفأت الفرحة في عينيها وذبل توهجها.
عادت سندريلا الى الغرفة تخلع بهجتها، وتغسل مساحيق اوهامها.
دوما يعاكس الحب توقعات العشاق، هو يحب مباغتتهم، مفاجأتهم حينا، وحينا مفاجعتهم. لا شيئ يحلو له كالعبث بمفكراتهم، ولخبطة كل ما يخطونه عليها من مواعيد. ما الجدوى من حمل مفكرة اذا .. ان كان هو من يملك الممحاة .. والقلم.
البارحة كما اليوم، ضحك عليها الحب. بالامس جاءها حينما كانت في هيأة لا تليق باستقباله، فأربكها، واليوم جاء بها وتخلى عنها وهي في كل زينتها، بعدما قضت يوما كاملا في الاستعداد له.
الحب؟ لا، هي تعني ذلك الرجل. اما الحب فهو يحاول الان ان يعتذر لاستعماله الممحاة، بان يدللها كي تنسى اذى الحبيب، الذي يتحدث لاول مرة بصيغة الجمع بمنطق الزوج الذي له حياة اخرى، وبيت اخر، يستقبل فيه مع امرأة اخرى ضيوفا اخرين.
اما هي، فهي ليست ضيفة الحبيب هذا المساء، بل عاشقة مهجورة في ضيافة الحب، الذي يقدم لها العشاء في صحون البورسلين المغطاة باغطية فضية فاخرة، كما ليخفي عنها وجبة الحزن.
الحب يسقيها الصبر في كؤوس الكريستال، يواسيها بوضع وردة على مائدة الغياب . وينسى المناديل الورقية للبكاء.
انه حب باذخ، لا يضع البكاء في حسابه. كل مناذيله من القماش الفاخر.
الحب يضع تلك الرغوة المعطرة في مغطس حمامها، يغير شراشف نومها، يضع قطعة شوكولاه على وسادتها، مصحوبة بامنيات الفندق بليلة جميلة.
يسالها وهي جالسة على اريكة الاسى:
- ماذا استطيع من اجلك يا سيدتي ؟
- لا شيئ طاب مساءك ايها الحب.
تطفئ الاضواء لكنها لا تنام. تخلد الى اللوم طويلا. لا تغفر لنفسها ان تكون منحته فرصة الاستخفاف بها. كيف استدرجها ذلك الرجل الى هذه الاهانة الباذخة ؟
صباحا .. استيقظت على صوته. قال انه في طريقه الى المكتب، وأنه أحب ان يبدأ نهاره بسماعها.
سألته ان كان له مكتب في كل بلد. وعندما رد بضحكة، سألته ان كان له في كل مرفأ امرأة تنتظر دعوته الى العشاء. قال انه لا يشترك مع البحار سوى في حب البحر، وانه لا يتقن السباحة. فقالت،
- أما انا فلا اتقن الانتضار، ولا انوي الارتباط ببحار .. لذا سأغادر الفندق هذا الصباح.
رد مازحا:
- لا تكوني جزائرية .. أكلكم عصبيون هكذا ؟
أجابت:
- ستعثر على نساء جاهزات لانتضارك في بهو فندق. انا ما انتظرت قبلك الا التقلة. في محطة الحافلة، وفي بهو المدرسة، وفي مدخل البيت، وحتى في الصف. كنت انتظر الموت لكن بكبرياء. البارحة فقدت تلك الانفة وانا انتظرك ساعة كاملة امام اناس فائقي الترف، لا يدرون اي طريق قطعت، للوصول الى هذا المكان. كنت في انتضارك مجرد انثى .. وقد كنت في انتظار الموت رجلا.
ضل صامتا. ما اعتاد نبرة كهذه ولا توقع كلاما كهذا. كان مؤخوذا بغضبها، بهذه الانثى التي نامت قطة واستيقظت لبؤة. انها فصيلة من النساء لم يعهدها.
أجابها بأول ما خطر بذهنه. لاول مرة تكلم دون اختيار كماته. لاول مرة ناداها باسمها:
- هالة .. ما اجملك غاضبة. أحب كبريائك، ولانك كبيرة ستغفرين لي. لا تغادري الفندق ارجوك، سأحضر باكرا اليوم، واصطحبك في فسحة جميلة في غابة بولونيا. انا أمارس رياضة المشي هناك. ارتدي ثيابا مريحة وحذاءا رياضيا سنمشي كثيرا، وسأجلعل كل الاشجار تعتذر لك. هل تقبلين اعتذار الاشجار ؟
مادامت الاشجار أنثى .. لكنني لا أغفر لرجل ان يخطئ في حقي.
أغلق الهاتف وتركها أمام مشروع جديد ومصاريف جديدة. عليها الان ان تخرج للبحث عن ثياب رياضية وحذاء للمشي من ماركة كبيرة طبعا.
يا الله .. كم هو مكلف ان تكوني عاشقة.
على الساعة السادسة بالضبط حضر سيد الحضور العاصف، وانطلقت بهما السيارة نحو غابة بولونيا.
برغم البرد، كان كل شيء يبدو جميلا، كقصيدة شتوية. كما لو كانت كل الكائنات تتودد للعشاق. ان تتودد له هو بالذات. ايكون اشترى ودها ؟ الاشجار التي يعرف اسماءها ونسبها، ومواسم اخضرارها، ومن أي من بلاد الله الواسعة جيء بها.
هو الذي ما كان يجود عليها سوى بدقائق على الهاتف، يبدو انه منح الاشجار متسعا من الوقت، كي يتسنى له قراءة كل لوحة (حديدية) سمرت على شجرة.
كان، وهو يمشي معها على ضفاف البحيرة التي تتزلج عليها بعض البطات، يسمي لها الاشجار واحدة واحدة، كما لو كان يعرفها بأناث سبقنها الى قلبه.
قالت ممازحة:
- لن تكون المنافسة صعبة ان كانت هذه الاشجار نساءك.
رد عليها بالدعابة نفسها:
- برغم ذلك لا تطمئني تماما رج يهرب من البشر الى الشجر.
- كنت اعني ان الرجال يستعرضون عادة عى امرأة تدخل حياتهم، أسماء النساء اللاتي سبقنها، وأجد طريفا ان يكون في ماضيك حريم من الشجر.
- ليس من الرجولة الخوض في حضرة امرأة في موضوعين: الما و"الفتوحات الرجالية". وحدهم الاثرياء الجدد يتبجحون بثرائهم .. والمحرومون من صحبة النساء يباهون بعلاقاتهم.
- لعلك اذا شبعت نساءا ؟
رد ضاحكا :
- وربما شبعت أشجارا.
- حقا ؟
- طبعا .. على الاقل بحكم عملي في صناعة الورق.
- وما الذي أوصلك الى هذه التجارة ؟
- يكفي اني أقمت في البرازيل حيث رئتا العالم. اشسع الغابات توجد هناك، وأيضا مصانع الخشب والورق.
- أي انك تدلل الاشجار هنا، وتغتالها في مكان آخر.
- لست من يغتالها. انا اقدم الورق لكي يقرأ الناس الاوديسة، وملحمة غلغامش، وفولتير، والمتنبي، وجبران. المجرمون هم الذين يحتاجون الى مسح غابة من على وجه الارض لنشر كتب لن يقرأها احد .. ولطبع جرائد بأوراق فاخرة نصفها محجوز للتهاني والتعازي ولبزنس الافراح والموت .. ومجلات فخمة لا يمكنك حملها مختصة بنشر أخبار "أمراء الصور" .. الذين يدعون، برغم ذلك، دفاعهم عن البيئة.
قالت ممازحة:
- انت تأتي هنا اذا لتعتذر للغابات.
جاء جوابه قاطعا:
- لم يحدث ان اعتذرت.
كانت نبرته جازمة. لولا وقعها الحاد لخالته يمزح.
لاحقا فقط، ستختبر كم كان صادقا في قوله هذا. الان هي لا تتعمق كثيرا في ما يقول. سعادتها به تشل تفكيرها. لم يحدث ان كان أكثر تلقائية وصدقا مما هو اليوم، ولا كانت أقرب اليه مما هي هنا.
لكأن الطبيعة ساوت بينهما، خارج الفنادق والمطاعم الفاخرة. هو الان مثلها في ثيابه الرياضية، يتقاسم معها بالتساوي الهواء النقي، في غابة ساحرة، هي حسب القانون الفرنسي ملك كل من يتنزه فيها.
قالت متحسرة:
- تدري مذ اختار الارهابيون في الجزائر الغابات مخبأ لهم، غدت كلمة غابة بالنسبة لي مرادفها للرعب. لو لم اكن سأسافر لترددت على هذه الغابة كل يوم. يا لجمالها الاخاذ. هذه أول مرة منذ عدة سنوات، أمشي بين الاشجار بطمأنينة وسعادة. كم كنت احتاج الى هذا.
رد :
- إني في مفاوضات لشراء شقة غير بعيدة من هنا. بامكانك في المستقبل ان شئت، الاقامة فيها عندما تزورين باريس.
ردت بسعادة:
- انه حي جميل حقا .. فكرة جيدة ان تنتقل للاقامة فيه.
- الحي الذي أسكنه هو جميل كذلك. هذه ستكون شقة لضيوف الشركة حين يزورون باريس.
- أتوقع ان يكون بيتك فائق الجمال، ما دمت تفضله على بيت في هذه المنطقة.
أجاب وقد التقط نبرة حزنها:
- البيت يصنع جماله من يقاسموننا الاقامة فيه.
استنتجت انه غير سعيد مع المرأة التي تقاسمه اياه، وراحت تصنع من تعاسته المفترضة خبث سعادتها. فقالت :
- كم اتمنى التردد على باريس .. لولا المشاغل التي تنتظرني في الشام.
- مثل ماذا ؟
- لي حفلان في الشهر القادم، لا بد ان استعد لهما حال عودتي. بعض الاغاني جديدة وتستدعي عدة بروفات. خاصة انني سأغني لاول مرة في الخليج ..
- وهل زرت فيينا ؟
- فيينا ؟ لا.
- سأصطحبك اليها ذات مرة. خذي الموسيقى من منبعها. لا من هذا الزعيق الذي يسمونه اليوم غناء. كيف لاناس لا يعرفون سولفاج الكون ان يغنو. وكيف لمن لم يتدرب على الصمت ان يصدح.
- اتغني ؟
- لا . انا اصغي. لذا أعتبر نفسي أفضل من كثير من المطربين. ان مستمعا جيدا أفضل من مطرب سيئ.
- صدقت.
- تعلمي الغناء من الاصغاء الى حفيف الكائنات، كما الان .. أصغي الى صمتك وانت تمشين في هذه لاغابة .. بالصمت نعرف متى يكون الوقت صحيحا او خطأ في الموسيقى .. كما في الحياة.
- كيف تعرف هذا ؟
ضحك.
- أعرف ماذا ؟ متى يكون الوقت صحيحا ؟
- اعني كيف تعلمت هذا ؟
- بعضه من الكتب، وبعضه من التأمل، لا يمكن ان تمضي بعيدا في الحياة، ان لم تضبطي ايقاعك. الايقاع يمنعك من ان تنشزي او تلهثي، او تمضي في كل صوب. الناس الذين ترينهم تائهين في الحياة، لم يأخذو الوقت الكافي لضبط ايقاعهم قبل ان ينطلقو. اي انهم لم يخلدو قليلا الى صمتهم العميق، ليدوزنو خطاهم قبل الانطلاق الكبير.
- أقرأت هذا ؟
- بل خبرته .. ما قرأته هو أنهم كانو يعتقدون ان الموسيقى في الصوت. حتى جاء بيتهوفن واستلهم موسيقى الصمت. تدرين ان الموسيقى الغربية لا وجود للصمت فيها.
قالت كمن عثر على اكتشاف:
- ربما يكون في ترتيل القرآن الفضل في تعليم العرب ضرورة الصمت في الانشاد. ان وقع الصمت بين الايات له على نفس وقع الاية نفسها. وهو يطول ويقصر حسب ما يريد ان يحمله المقرئ من معاني. لذا لا يمكن اعتباره صمتا ب ترتيلا أيضا.
واصلت:
- لا ادري، انا اقول خذا اجتهاد، أفكر في ذلك الصمت الطويل الذي تتركه ام كلثوم مثلا بين جملة غنائية وأخرى. ان مطربي جيلها مثل مطربي جيل أبي، كانو منشدين ومقرئين أيضا، لذا جعلو من الصمت بين وصلتين أعلى درجات التجلي الروحي.
توقف فجأة عن المشي وقال:
- لم يحدث ان سامتعت بحديث كما معك الان، تدرين أحتاج الى ذكائك لاشتهيك.
رحظت انه لم يقل لاحبك.
ردت بخجل:
- لا اضنني ذكية الى درجة الاشتهاء، أنا أجاريك بالتفكير ليس أكثر. قلما وجدت احدا أتحذث معه بعمق. الذكاء في النهاية تمرين، وانا قضيت عمري في التمرين على قمع دذكائي، حتى لا يزيدني شقاءا
توقف عن المشي وقال وهو يمرر يده على شعرها :
- لن تشقي بعد اليوم .. سنتلقي كلما استطعت، انا ايضا أحتاج ان اتحذث اليك.
تمنت لو قال "احتاجك". حاولت استدراجه الى تلك الكلمة . فقالت:
- احب ان تحتاجني .. احب احتياج.
صححها :
- بل الحب اجتياح.
لم تقل شيئا فهو دائما يسرق صوتها بمفاجأته. ولا هو كسر بينهما نشوة لا نبلغها الا حين توغلنا في الاخر صمتا.
أوصلها الى الفندق وإحساس واحد يسكنه. كم كان يلزمه ليلثم في امرأة واحدة كل انوثة الكون.
أجمل لحضة في الحب هي ما قبل الاعتراف به. كيف تجعل ذلك الارتباك الاول يطول. تلك الحالة من الدوران التي يتغير فيها نبضك وعمرك أكثر من مرة في لحضة واحدة .. وأنت على مشارف كلمة واحدة.
مرات كثيرة كادت تلفضها، لكنها مثله لم تقلها. هو قال "بصمت نعرف متى يكون الوقت طأ او صحيحا في الموسيقى" وخارج الموسيقى كيف نستدل على الوقت المناسب تماما، لقول كلمة واحدة، لا تعود بعدها الكلمات ما كانته من قبل. يقول فيكتور هيقو "بعد الاعتراف الاول، لا تهود كلمة احبك تعني شيئا". لذا دافع كبار العشاق، عن شرف الكلمات " البكر" التي خلقت لتلفظ مرة واحدة. فبالنسبة لهؤلاء كلمة "احبك" حدث لغوي جلل.
يا للمسؤولية. لهولها سعدت انها لم تقلها له، ولا هو قالها. لكن قلبها سمع ما سكت عنه. كتذمره المستتر من الحياة الزوجية.
دهمها شعور بالاثم، لا تريد ان تأخذ رجلا من امرأة اخرى، ولا ان تتقاسمه معها. لا تدري في هذا الحب في أي درجة من سلم القيم تقف. تؤرقها الاسئلة، وتفسد عليها نومها. على سعادتها، هي ليست راضية عن تصرفاتها، تشعر ان شيئا فيها بدأ يتشوه.
برغم ذلك، حين عودتها الى الشام صاحت نجلاء مبتهجة وهي تراها مجددا:
- ماذا فعلت لتشعيب هاءا هكذا ؟
تضحك .. تقسم .. تأكد.
- والله لا شيء
- عدا عملك ممرضة ماذا فعلت خلال عشرة أيام ؟
- تعنين خلال ثلاثة أيام .. الحب يأتي متأخرا دائما.
انها بحاجة الى ان تروي لاحد ماح لبها.
لكننا لا نعرف كيف نروي الحلم عندما نستيقظ منه. لا شيء فيه يشبه ما نعيشه عادة. مذ عادت من باريس، وهي تعيش في منطقة حدودية متحركة، ذهابا وايابا بين الاحلام الواقع. بين ما عاشته معه وما تعيشه بعده. تكاد تشك ان ذلك حدث. لولا أنها أحضرت معها من ذلك الفندق الفاخر، تلك التفاصيل الصغيرة التي توضع في حمامات الفنادق، من صابون معطر لماركات كبيرة ولوازم الاستحمام وخف ابيض انيق. ليست قيمتها المادية التي تعنيها، لكن القبض على الحلم. كما في قصة سندريلا بقي لها من الفندق ذلك الخف لا تريد ان تنتعله، تخاف عليه ان يهتري. مادام في كيسه الورقي اللامع بامكانها النتعاله في احلامها متى شاءت.
كانت تتورط في هواية موجعة. هي لا تدري بعد كم ستجمع بعد ذلك من خف لفنادق فاخرة ستزورها معه، وانها ذات يوم ستغادر أحلامها ب"خفي حنين".
صاحت نجلاء :
- لا. أكان هو اذا ذلك الرجل الذي هاتفني ؟ كم جميل ان ينتحل عاشق صفة ليفاجئ حبيبته.
- لم تكن مفاجأة بل مفاجعة. غشي علي وانا اراه عند باب غرفتي، في ذلك الفندق البائس، ليتك اخبرتني بهاتفه.
- وما أدراني به .. ثم هو يعلم انك لست ثرية.
- وأصبح يدري الان كم هو قوي، انها سطوة المال. عندما يخرجك احدخم من فندق بنجمتين ويسكنك غصبا عنك فندقا فوق النجوم.
- اهذا ما اخذك عليه ؟ اتريدين عاشقا بائسا كأولئك الذين تركتهم في الجزائر. بؤسهم كان ينعكس على ملامح وجهك .. انظري الان كم انت جميلة. ليس السخاء المادي بل السخاء العاطفي، حب هذا الرجل يجملك.
- لم التق به في باريس سوى ثلاث مرات، كيف له ان يجملني.
- طبعا .. هناك حب يجعلنا أجمل وأخر يجعلنا نذبل. ثمة رجال يبثون ذبذبات سلبية غصبا عنهم، ياتونك بكآبتهم وهمومهم وعقدهم وعليك ان تنتشليهم بالحب من وحل أنفسهم. هؤلاء لا أمل منهم، تمدين لهم يد النجدة على امل ان تكسبي رجلا، فاذا بالرجل يتشبت بتلابيبك حد اغراقك معه في بركة مياهه الاسنة.
لكأن نجلاء تعرف عن هذا الرجل، الذي لم تحدثه سوى جملتين على الهاتف، أكثر مما تعرف هي. انه لا يشبه أحدا ممن التقت بهم من الرجال. هذا الرجل شلال حياة، نهر يجرفك يدفعك الى مجاراته في مسابقة نفسك لبلوغ مالم تتقعي بلوغه. انت معه في تحد دائم لتلحقي به .. او لتطاليه.
قالت وهي تتأمل نجلاء :
- ربما كنت على حق.
- انا حتما على حق. الفشل معد تماما كالنجاح، والسعادة معدية تماما كالكآبة، وحتى الجمال معد. ان رجلا جميلا وأنيقا ينقل لك عدواه ويجبرك على ان تضاهيه أناقة حتى لا تخسرينه، والا تهملي مظهرك حتى لا تبدين غير أهل له. لذا عليك قبل ان تقبلي على حب رجب، ان تدركي العيوب التي ستنتقل اليك بعد الان بحكم العدوى.
صاحت:
- يا الله لا تذكريني بالاناقة. اية فضيحة كانت عندما دعاني الى العشاء ومان في حوزتي ما يليق بالمناسبة.
- كيف تسافرين من دون ان تحسبي حسابا لمناسبة كهذه ؟
- تدرين في اية ظروف سافرت. ما أدراني انه سيأتي .. كأنني بخرت له، لا ادري من اين يطلع لي هذا الرجل كالجن اينما كنت.
- عليك اذا ان تكوني في قمة اناقتك بعد الان وكأنك ستلتقين به اينما حللت، وان تكون لك ثياب تليق بمرافقة رجل من مقامه.
- تدرين .. قرأت يوما امرا يعلني احسم امري في موضوع الثياب.
- ها .. هات لنسمع.
- "لا تحاول ان تجعل ملابسك اغلى شيء فيك حتى لا تجد نفسك يوما ارخص مما ترتديه ".
- جميل .. حتما قرأته يوم كنت مدرسة. لكلك الان يا عزيزتي نجمة، وان لم تتبرجي وتنفقي كما تنفق النجمات على ازيائهن، فستجدين نفسك، على غلاك، ارخص منهم، وارخص من صونك. هكذا يقول منطق السوق، ثم بربك، اما ان لك ان تخلعي هذا الاسود ؟
- اتدرين كم من المشاهير ارتدو الاسود طول حياتهم وما زارهم الا تميزا ؟ "باكورابان"، "اديث بياف"، "جولييت غريكو" ..
قاطعتها :
- ولكنك لست هؤلاء، ولا انت في فرنسا .. انت في الزمان والمكان الخطأ. العصر الان للبهجة.
قالت كما لتنهي الحوار :
- لا تحاولي معي عزيزتي فأنا لن اخلعه.
حتما لا تنوي خلعه. هو نفسه حين رأها في زي رياضي سماوي اللون اشترته لتلك النزهة في الغابة قال لها كما ليبدي عدم إعجابه بلونها الجديد.
- كلما اشتقت الي ارتدي الاسود.
ردت كمن يتعذر لرجل يعشق الاشجار:
- انا شجرة توت لا رداء لي اصلا الا الاسود.
منذ ذلك الحين، وفي انتضار ان تراه مجددا، ما عادت شجرة واحدة، بل غابة من النساء. هي شجرة الكرز المزهرة، هي شجرة الصبار والصفصاف الباكي، وشجرة اللوز، وشجرة الارز، والسنوبر والسنونو.
بعده لم تعد تصادق الا الغابات لتكون لها قرابة بشجرة عائلته. ولكي تتجسس على نسائه.
تعلمت منه ان تتحاور مع الكون عبر السلم الموسيقي للصمت. هي التي نبتت كزهرة برية بين شقوق الصخور. الان فقط تعلمت ان تصغي الى ما ظنته بلا صوت: حفيف الكائنات، في ذلك العالم السري الذي نعيش بمحاذاته.
وعندما تنتهي من نزهتها تلك، تعود لتمشي في ادغال الحياة. فراشة بين وحوشه الكاسرة. سنتان مرتا على وجودها في الشرق ولم تصادق أحدا من الوسط الفني، عذا فراس.
ازرع شجرة ترد لك الجميل، تطعمك من ثمارها، وتمدك بسبعة لترات أكسجين يوميا، او على الاقل تضللك وتجمل حياتك بخضرها، وتدعو أغصانها الوارقة العصافير، ايزقزقو في حديقتك. تأتي بانسان وتزرعه في تربتك .. فيقتلعك اول ما يقوى عوده، يتمدد ويفربش يسرق ماءك كي ينمو اسرع منك، تستيقظ ذات صباح واذ به اخذ مكانك، واولم لاعداءك من سلاس فاكهتك، ودعى الذئاب لتنهشك وتغتابك. كيف لا ينخرط المرء في حزب الشجر ؟
عندما شكت الى نجلاء تلك المغنية التي كانت تخالها صديقة، وراحت بسعادة تسمعها الاغنية التي قدمها لها احد المحنين لتكون "ضربة الموسم" واذ بالمغنية تتصل بالملحن وتعرض عليه أضعاف ما قدمته هي، فما كان من الملحن الا ان باعها اياها من دون حتى ان يعتذر او يخبرها بذك.
قالت نجلاء:
- هذا زمن اصداقات العابرة. لا يمكن ان تقيمي علاقة طويلة الامد او تراهني على احد.
صرخت :
- لكن هذا عيب .. كيف لم تستح مني ..
- وهل استحى الملحن ؟ انه وسط بلا حياء ولا انتماء سوى لجيبه. انت كنت جاهزة لتقتلي لتؤدي في مأتم ابيك اغنية، وهم قد يمشون على جثة احد للفوز باغنية. عليك ان تتقبلي الامر او تغيري مهنتك.
تغير مهنتها ظ في الماضي كانت تخبئ صوتها في محفضتها المدرسية، لا تخرجه الا في الصف. ثم حين يدق الجرس تعيده مجددا الى محفظتها. اما الان فما عاد بامكانها ان تفعل ذلك. كيف لبركان استيقظ، ان يبتلع حممه.
تذكرت انها لم تتصل بفراس مند مدة. عندما تكون محبطة فقط تتذكره، وتعاودها الرغبة في تعلم العزف. غير ان قلبها يعزف هذه الايام لحنا آخر. وكل ما تريده، هو استعادة العود.
قال لها وهو يعيده اليها:
- صادف ان زارني البارحة صديق عازف، فتعلق به حين رويت لخ قصته. عزف عليه بعض الوقت، ثم نبهني انك ان اكتفيت بالاحتفاظ به فوق خزانة، فلن يكون هذا العود سوى قطعة خشبية في بيتك. فالعود بتأثر بالحرارة والرطوبة ويفقد صوته كما البشر. عليك ان تواظبي على صيانته، وان تسلمينه لاحد بين الحين والاخر كي يعيد دوزنته، وشد حباله، ويعزف عليه ليمد في حياته، والا خسرته. في الواقع لديه أمنية، ان يستعيره ذات مرة ليعزف عليه في احدى الحفلات. انه واحد من خيرة موسيقيينا بإمكانك ان تثقيب ه.
أقنعها بصواب رأيه، برغم احساسها انه في كل هذا يريد ان يضمن ترددها عليه.
انتهى بها الامر ان تركت العود لديه. لاسواه أهل لامانة كهذه. بإمكانها استعادته لاحقا متى شاءت. لا وقت لها لتصون صوتها وقلبها وأمها، فكيف تزيد على ذلك صيانة العود والاطمئنان الى صحته.
قالت لتبرر قرارها :
- يعنيني العود لقيمته العاطفية، في الواقع انا ابنة الناي. انه الاقرب لوجداني. لكن احساسي بالموسيقى تغير، بدأت أميل الى الكمنجة والبيانو.
أجاب :
- ان تربيت على الناي، يضل يناديك اينما كنت، فتلحقين به، كما لحقت في تلك الاسطورة الطيور والحيوانات جميعها باورفيوس، وهو يعزف على نايه.
سألته متعجبة:
- هل تفهم في الناي أيضا؟
رد مباهيا :
- انا حلبي .. لقد جاءنا الناي مكرما قبل قرون، يوم اقام جلال الدين الرومي في حلب، فهو الالة الموسيقية الاولى لدى الصوفية. انه يرافق الدراويش في دورانهم حول انفسهم. أما في "المولوية" الطريقة التي تنتهي لها عائلتي، فوجدها الدفوف ترافق الراقصين.
علقت باعجاب :
- يا الله .. كيف تعرف كل هذا ؟
رد مزهوا :
- ما من حلبي الا وله قرابة باحدى الطرق الصوفية.
غمرتها سعادة من وقع على سر جميل. لعل ما جاء بأبيها الى حلب. شعرت بانجذاب روحي الى هذا الشاب، الذي لا يوحي مظهره العصري، بأن وجدانه يحلق عاليا في سماء المتصوفة.
سألته كيف بامكانها ان تصطحب امها لحضور احدى هذه الحلقات، فهذا يسعدها حتما.
قال :
- بامكانك حضور الحفلات التي تقدمها الفرق الصوفية في شهر رمضان في القاعات، وأحيانا في القصور والبيوت العتيقة. امنحيني سعادة ان ادعوكما في اول مناسبة. سترين ان لا شيء يضاهي سهرة في ضيافة الدراويش.

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10-07-2015, 11:00 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


الفصل السادس



وجدت في قدوم عمتها من الجزائر لزيارتهم نعمة نزلت من السماء. عساها تشغل أمها قليلا عن هواجسها. في الواقع، مند الامير عبد القادر، لم تفرغ سوريا يوما من الجزائريين ، دوما أشرعت لهم قلبها ودخولها من دون تاشيرة. وهكذا أصبح على امها ان تشرع بدورها بيتها لاستقبال الوافدين من أقارب وأصدقاء.
جاءت العمة محملة بما طلبت منها امها احضاره، حاجات تعز عليها، وما استطاعت حملها يوم غادرو. أشياء ها قيمة عاطفية، أما ما عداها فما عاد يعنيها. لقد تركت البيت على حاله لاخي زوجها. ثمة خسارات كبيرة الى حد لا خسارة بعدها تستحق الحزن.
قالت امها وهي تأخذ قرارها "البيت برجاله وليس بجدرانه"، ومن كانو يصنعون بهجة البيت غادرو، فما نفعه بعدهم. كان عمها منصفا، ابى الا ان يدفع ثمن البيت، بما ادخر من مال اثناء عمله في فرنسا. هكذا تمكنو من شراء شقة في الشام.
لقد عاشت امها الفاجعة نفسها في سنة 1982 يوم غادرت وهي صبية مع والدتها حماه، لتقيم لدى اخوالها في حلب، ما استطاعو العيش في بيت ذبح فيه والدهم، وهم مختبئون تحت الاسرة. سمعو صوته وهو يستجدي قتله، ثم شهقة موته وصوت ارتطام جسده بالارض، عندما غادرو مخابئهم بعد وقت، كان ارضا وسط بركة دم، رأسه شبه مفصول عن جسده، ولحيته مخضبة بدمه. كانت لحيته هي شبهته، فقد دخل الجيش الى حماه لينضفها من الاسلاميين، فمحاها من الوجود.
الاكثر الما، ان رجلا في مقامه دفن سرا، كما يدفن قطاع الطريق على عجل، رقم بين الارقام. لا احد مشى في جنازته، ولا احد عزى فيه. كانت حماه الورعة التقية، تدفن تلاتين الف قتيل من بضعة أيام، بعضهم دفن الوديعة في جنح الظلام. كان ثمة زحمة موت، لذا لم يحظ الراحلون بدمع كثير وحدهم الموتى كانو يمشون في جنازات بعضهم.
هي لم تنس شيئا. لقد عقدت هدنة مع الذاكرة، ليس أكثر. لكن بين مد وجزر، كانت الذكريات تعود كما الامواج. انها الامواج العاتية للحياة، تقذف بها مرة اخرى الى الشاطئ نفسه، الذي غادرته قبل ثلاثين سنة، عندما تزوجت ذلك الجزائري هربا الى ابعد مكان عن رائحة الموت، لكن الموت عاد بها، هاربة مرة أخرى من حيث جاءت، فهل كانت تحمله في حقائبها، ليكون لها قدرا غريب كهذا ؟
كان الموت اياه ينتظرها في سيناريو أخر. هذه المرة ليس الجيش الذي يقتل الابرياء بشبهة اسلامية. بل الارهابيون يقتلون الناس بذريعة انهم أقل اسلاما مما يجب.
كمن يعيش عملية بتر عضو من أعضائه دون تحذير، كان عليها ان تعيش فجائعها وهي في كل وعيها. ان يشرعو الباب كل مرة، ليدخلو عليها تارة بجثة زوجها، واخرى بجثة ابنها، وان تواص الحياة برغم ذلك مع قتلتهم. ليس الالم الاعظم ان تدفن اباك بل ان تدفن ابنك.
كانت العمة تحمل اخبارا سارة.
- الحمد الله رانا في رحمة ربي .. ارجع النا الامان يا هند يا اختي .. يا ريتك صبرتي شوية.
- ماقدرتش نعيش مع اللي قتلو ولدي وراجلي .. لو قعدت هناك كنت مت والا قتلت حد.
- الناس كلهم صابرين .. واللي ما عندوش وين يروح واش يدير .. نوكلو ربي "ياقاتل الروح وين تروح".
تدخلت تلطف الجو .، قالت موجهة الحديث لعمتها:
- امي حابة تعمل مثل الحاجة الزهرة في قسنطينة .. جاؤو ارهابيين في عمر ابنا أخذو ابنا في الليل وقتلو قداما وهي تبكي وتحاول فيهم. ولما عرفتهم راحت جابت رشاش تدربت عليه وقتلتهم .. وصارت ما عندا شغلة غير ملاحقة الارهابيين. رفضت تعترف بقانون الرحمة ، قالت "ناخذ حقي بايدي .. اللي ما رحمنيش ما نرحموش ..".
قال الام متعجبة :
- ما سمعت هالقصة .. امتى صارت ؟
ردت :
- لما كنا بالجزائر .. سمتها الصحافة "جميلة بوحيرد الثانية". شي ما بيتصدق .. مرا عمرا ستين سنة قتلت خمسين ارهابي.
واصلت ممازحة وهي ترى أمها مأخوذة بالقصة :
- خفت وقتا بحكيلك عنها تروحي تجيبي رشاش وانصير نص العايلة مقتوله ونص قتلة.
ضحكت. لا بد من ممازحة الموت احيانا والا قتلك قبل اوانك. علقت العمة من تحت حجابها :
- احنا مؤمنين يا بنتي .. والانتقام صفة من صفات الله وحدو هو المنتقم اللي يجيب لك حقك. لو بقينا كل واحد ياخذ تارو بايدو عمرها ما تخلص، الي ماتو مش رايحين يرجعو، لكن البلاد تروح. الحق .. في هذه بوتفليقة يعطيه الصحة .. يرحم والديه عمل شي ما حد غيرو قدر عليه. ماكاش حاجة في الدنيا اغلى من الامان .. قليل واش فات علينا في عشر سنين.
لكن امها ليست جاهزة للغفران، هي لم تغفر حتى الان لمن قتلو اباها قبل ثلاثين سنة في خماه، فكيف تغفر لمن اخذوا منها ابنها وزوجها قبل عامين. رفضت قبول الدية التي قدمتها الدولة لاهالي الارهابيين. كيف تحدث، ويسقط عن مرتكبيها حق الملاحقة، مهما كانت فضاعتها.
كل وجعها جاء من هنا.
لان امن الوطن لا يتحقق الا على حساب العذل، عم السلم المدني، وانفقد السلام الذاتي. فالضحايا ليست لهم صفة الضحية، مادام المجرم لا يحمل صفة ممجرم.
كل ما حذث اذا على مدى عشر سنوات لم يكن. ليس عليك ان تسأل كيف مات المئتا الف قتيل، وعلى يد من ؟ لعلهم ماتو في كارثة طبيعية.
وعلى الاف المغتصبات ان يتحملن وحدهن ما انجبن من لقطاء. وليبحث لاحقا كل لقيط عن اب، فقد عفا القانون عن المغتصب.
وعلى اهالي المفقودين ان يكفو عن ازعاج الناس بالتظاهر، وليغفرو لوطن فقد هو ايضا صوابه.
وعلى ابن الرئيس محمد بوضياف ان يتوقف عن مطاردة الحقيقة، ومساءلة الدولة عمن اغتال اباه، فجرائم الدلوة ايضا يشملها قانون العفو.
اكثر من جنون الاجرام، يطالب الوطن الان بجنون الغفران. وبعد واجب التذكرة، أصبح المطلوب ان ننسى، لان القاتل هذه المرة جزائري، وليس فرنسيا. لقد عاد من نوبة جنونه اتقى وأكثر وطنية منك . والارهابيون الذين كانو يحرقون الاعلام الوطنية اول ما يصلو الى قرية، ينزلون الان من الجبال وهم يرفعونها والذين طال عنفهم، حد نشب عضام شهداء الثورة واحراقها، لانهم ساهمو بجهادهم في ولادة دولة علمانية، هم الان يتنافسون على اثبات ولائهم للدولة كي يفوزو بكرمها.
أيقظت زيارة عمتها كثيرا من مواجعها، فهي لم تثيت الى اليوم على رأي، هل الاهم انقاذ الوطن ان تططبيق العدالة؟ وهل عليها ان تفكر كمواطنة ان كانسانة ؟
ما يعنيها الان ان امها تبدو سعيدة، تتسامر مع عمتها، وترافقها نهارا للاسواق، مما يتيح لها السفر دون شعور بالذنب. فهي لا تحب ان تترك امها بمفردها، وعليها ان تلبي عدة دعوات لتقديم حفلات في أكثر من بلد. لكأن الجميع اكتشفها في الوقت نفسه.




[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10-09-2015, 10:06 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


الفصل السابع


في البدء كانت نجاحاتها تسعده. يضعها في ميزان زهوه ووجاهته. فما كان يرضى بها لو كانت امرأة فاشلة او عادية. ثم بدأت التفاصيل المنقولة في الصحافة عن طاهرة هالة الوافي واجتياحها لقلوب الناس اينما حلت، تزعجه بعض الشي.
لعله بدأ يتنفس اوكسيد كربون الغيرة، لكنه يرفض ان يعترف لنفسه انه يغار. لا يدري ان كان يخاف عليها من شهرة ستفسد براءتها ام من ضوء سيجذب الرجال اليها. وهل يريد لها نجاحا يباهي به، ان يفضل لو ابطأت بلوغ نجاحها كي تبقى له.
هاتفها ليطمئن الى استحواذه عليها. قال :
- اشتريت تلك الشقة في باريس وانتهيت من تأثيثها، بإمكانك الحضور متى شئتي ان كنت مازلتي تحبين الغابات.
ردت مبتهجة لتستدرجه الى اعتراف ما :
- أفعلت هذا من أجلي ؟
قال مازحا :
- لا .. من أجل الاشجار طبعا .
وكان يعني : من أجل ثمار حان قطافها.
ردت ضاحكة :
- لن تنجح في جعلي أغار من الاشجار.
ليست الاشجار بل الاصفار هي اليت كانت ضرتها، وهذت يفسد فرحتها.
كحين راحت تبحث في حقيبة يدها ، عن بطاقة هاتفية قد يكون بقى فيها ما يكفي من الوحدات، لتزف له خبر حصولها على تأشيرة لفرنسا. فعلقت نجلاء مازحة وهي تراها تجرب ما في حوزتها من بطاقات، من تلك التي تمكنك من الحديث الى الخارج بسعر منخفض.
- ان في حقيبتة يدك من البطاقات الهاتفية، بقدر ما في جيبه من بطاقات مصرفية. هو يقيس الحب بالعملات وانت بالوحدات .. عليك ان تتقبلي منطق الاصفار التي تباعد بينكما والا فستشقين.
كانت أكثر فرحة من ان تفكر يومها في الشقاء. كل ما تريده من نجلاء ان ترافقها لشراء ثياب جديدة. هذه المرة هي تملك امكانات ابهاره.
لكنها أخفت عن نجلاء حقيقة أخرى. وهذا دليل عى انها مقدمة على فعل تستحي ان يعرف له أحد. كيف قبلت عرضه بان تقيم في بيته ؟
اي قدرة يمكلك هذا الرجل لجعلها تقبل بكل ما قضت عمرها في رفضه. احتارت في حل معضلتها : لو حجزت في فندق بسيط فسيعلم بالامر. لو حجزت في فندق على قياس جيبه، فسيفرغ جيبها، وتفسد تكاليف الفندق فرحتها. ولو اقامت عنده لخالها فتاة سهلة.
امام ترددها في قبول عرضه، اقنعها بان البيت تحت تصرفها وحدها، وان ثمة نسخة واحدة من المفاتيح ستكون معها ، و .. انه اشترى البيت لاسعادها، ويعز عليه الا تكون اول من يقيم فيه. هذه الجملة بالذات هزمتها. لعله يخطط معها لعلاقة شرعية.
قبل السفر هاتفته سائلة :
- ماذا احضر لك معي ؟
اجابها محتفضا لنفسه بابتسامة :
- فقط تعالي لدي هنا كل شيء
ردت مازحة :
اوهمني ان ثمة ما تحتاج ان احضره لك. لا اطمئن لمن لديه كل شيء.
لم تقل له انها تحتاج لمن يحتاج اليها. لانه ضل على رايه، اخذت له معها عرجون التمر التي احضرته عمتها من الجزائر، وكتابا فخما بالفرنسية عن اغرب الاشجار في العالم وما حيك حولها من اساطير. في جميع الحالات، ما كان يمكن ان تدخل بيته فاضية اليدين.
سافرت باحاسيس متناقضة لم تعرفها من قبل. لم يحدث ان وضبت حقيبة للهفة، ولا اخذت تذكرة للسعادة. لاول مرة أصبح للحب مطار وعنوان .. وبيت ينتظرها فيه رجلر.
بدل ان تسعد اصيبن بذعر السعادة.
في المطار، املت على سائق التاكسي عنوان قدرها. تذكرت امها، تراها عرفت احاسيس مجنونة كهذه، لتغادر حلب وتحلق برجل غريب الى بلدة جزائرية نائية.
عند باب البناية الفخمة ذات الطراز المعماري القديم، دقت شيفرة الباب التي امدها بها. اربعة ارقام وانفتح الباب الزجاجي.
ماكادت تدلف البهو الكبير، حتى جاء البواب لنجدتها. لعله رآها على شاشة تائهة في صالون البهو. سألها:
- انستي .. هل يمكنني مساعدتك ؟
اجابت مرتبكة كانه سيتعرف اليها :
- اريد شقة السيد طلال هاشم.
دبت فيه الحماس وحمل عنها الحقيبة حتى باب المصعد. طلب المصعد وقال :
- الطابق التاسع على اليمين.
كان باب الشقة مفتوحا. وجدته ينتظرها على العتبة. قبلها على وجنتيها مرحبا وسحب الحقيبة الى الداخل.
لم يعلق على حقيبتها الثقيلة اكثر من الازم، والمدحمة كقلبها باشياء ليست كلها ضرورية. كان يجد في علامات تخلفها هذه ما يطمئنه.
ذهب بالحقيبة الى غرفة داخلية وعاد الى الصالون مبتهجا ، كان شعاعا دخل بيته في تلك الظهيرة الباريسية. سألها كيف كانت رحلتها من بيروت الى باريس. لم يسالها عن رحلتها الاصعب تلك التي قطعها قلبها من المطار الى بيته.
ها هو اذا. اخيرا هو. سعيد ودودا كما لم تره يوما. لكنه على احتفائه بها بدا هو نفسه غير مصدق لوجودها في بيته. نسي ان يضمها، راح يتاملها، بينما راحت تتأمل الشقة، في اناقة اثاثها القليل والمنتقى بذوق عصري راق. كل شيء شفاف من الزجاج السميك الفاخر، الطاولات كما الرفوف تقف على أعمدة زجاجية بقواعد ذهبية. حتى الكراسي بلون عاجي غير مثقلة بالزخرفات. انه فن المساحة. لا شيء يثقل فضاء الرؤية، والسجاد يبدو لوحة حريرية بألوان ناعمة مدت على الارض.
لا شيء يشبه البيت الذي تركته خلفها في الشام، ولا الاخر الذي عاشت فيه في الجزائر، بصالونه الذهبي واطار لوحاته اذهبية وطاولاته الذهبية . الثراء الحقيقي لا يحتاج الى اشهار الذهب. لا يعنيه ابهار احد. ذا وحدهم الاثرياء يغرفون بنظرة، قيمة اشياء لا بريق لها.
- تعالي اريك المنظر.
لحقت به الى االشرفة. كان المنذر يطل على جادة تعبرها بعض السيارات، وعلى طرفها الاخر تمتد غابة تتوسطها بحيرة.
- تدرين .. كنت محظوظا، قل ما تعرض شقة كهذه للبيع. من هذا العلو احظى بمنظر خلاب. الذين يقطنون هذه الاحياء الراقية قليلا ما يعرضون ممتلكاتهم للبيع. انهم يتوارثون. شطارتك في ان تغريهم بعرض يفوق القيمة العاطفية لارثهم.
لم تساله عن الثمن الذي دفعه لاقتنائها، ولا عن قصة أصحابها، وحدها قصتها تعنيها، في بيت تمنته جدران حياتها وسقف احلامها.
تمتمت بالفرنسية وهي ترى المنظر في الخارج :
- Mon dieu comme c’est beau
علق :
- يسعدني ان يعجبك. انت او من يزوره . حتى زوجتي لا علم لها بوجوده.
فاجأها اعترافه. شعرت بانها ثمة بنشوة تعيشها كحم كأنه يقول لها انها اهم عنده من زوجته.
واصل وهو يدلها على جهة اخرى:
- لشقة مدخل خاص بالخدم.
كل شيء كان يوهمها انها غدت ربة هذا البيت، الذي راح كمرشد سياحي يرافقها في زيارته.
واصل :
- في ابيت اربع غرف نوم مرفقة بحمامانها.
غير انه لم يرها منها الا الغرفة الاولى حيث وضع حقيبتها. ادركت انها غرفتها.
اكبرت فيه وقوفه عند عتبة ذلك الباب فلم تجتز بدورها العتبة.
عاد ادراجه مجتازا الممر. سالها وهو يدلها على المطبخ ويفتح البراد :
- لعلك جائعة. او تودين شرب شيء ؟ لدي اشياء خفيفة.
كان البراد ببابين كل شيء فيه مرتبا وشهيا كما في اعلان تلفزيوني.
لكنها لم تكن قد استوعبت بعد كل ما يحدث لها، ولا فكرة وجودها في بيته وفي مطبخه، واقفة على مقربة منه.
ما تريده حقا هو التهام تلك المسافة اللعينة التي تفصلها عنه منذ اشهر.
ردت :
- شكرا ليس الان .. لست جائعة الا اذا كنت تنتظرني لتتغذى.
اجاب وهو يغلق البراد :
- بل انتظرك لاحيا ..
حل بينهما صمت مباغت. شلتها الرغبة في انجرافها المحموم، تسمر كل منهما مكانه. كانا على بعد متر احدهما من الاخر.
قال لها وهي في الصالون :
- عندي مواعيد في المكتب. ارتاحي قليلا من السفر، ساعود مساءا لاصطحبك الى العشاء. واصل وهو يتجه نحو الباب : بالمناسبة انا طاه بارع. ذات مساء ساعد لك غشاءا في البيت.
اسعدتها الفكرة. لكنها احزنتها لاحقا. حين قال لها مساءا وهما في المطعم "عندما احب امرأة اطهو لها بنفسي".
فقدت شهيتها وربما صوتها ايضا. لم تساله " هل حدث هذا مرارا؟".
كما لم تجرؤ على سؤاله، وهو يرافقها بعد العشاء حتى الشفة ليطمئن الى كل شيء ويغادر الى بيته الاخر: من تراها تكون بالنسبة اليه بالتحديد ؟
كان يتقن لعبة الغموض. في الواقع توقف الامر عى ان يكون لعبة، مذ امتلك الحكمة والنزق في التعامل مع الحياة. الانضباط سر نجاحه. مذ قرر ان يعطي كل شيء وقته . وكل واحد حقه. لم يحدث ان جمع بين املاأتين في مدينة واحدة. يحتاج الى ان تغادر زوجته باريس ليكون لامرأة غيرها. ليس خوفا منها بل خوفا ان تخونه رجولته معها، او تخونه شهامته حين بين امرأتين يخلو بنفسه. ماعاد قادرا في كل لقاء على منح نفسه كليا، وعلى استعادتها كليا وهو يرتدي ثيابه ويصفق الباب. انتهى ذلك الزمن المجنون، الذي كان بامكانه العيش فيه حيوات عدة في ان واحد، وأكثر من نهار في يوم واحد، وداراة ومراعاة كل امرأة على حده.
سعادته الان في التوفيق بين حياتين متوازيتين، عليهما الا تلتقيا، ويحتاج اليهما معا ليحيا. وفي انتقاء المتع الراقية، كزجاجة نبيذ فاخر لسنة استثنائية. هكذا يراها، تلك الصبية التي تركها منذ أشهر تتعتق.
كل اكل النساء حوله جاهزات للعطاء، او بالاحرى لاخذ ما يدعين عطاءه. وماكان يريد غير امرأة واحدة تكون من يعطيها. ثمة شقاء مخيف، يكبر كلما ازداد وعينا بان ما من احد يستحق سخاءنا العاطفي، ولا احد اهل لان نهدي له جنوننا.
كان دائم البحث عن امرأة تفقده صوابه. يقوم من أجلها بأعمال خارقة. يمارس أمامها خدعه السحرية، يضعها في صندوق زجاجي، يشرطها وصلا وهجرا الى نصفين، ثم يعيد جمع ما بعثر منها. ككبار السحرة، يخفي بحركة ساعة معصمها، ويخطفها لقضاء نهاية اسبوع في فيينا او البندقية. يلغي من أجلها مواعيده، ويخترع للقاء بها مصادفات. يخرج لها من قبعته السحرية سربا من حمام المفاجآت، وحبلا من تامناديل الملونة، تتمسك بطرفه وترتفع اليه، ففي كل ما يقدم عليه مع امرأة، ماكان يقبل بغير الحالات الشاهقة والصواعق العشقية.
استيقظ صباح الغد بنية اذهاش الحب. لعله شعوره بالذنب وهو يتخلى عنها البارحة في ذلك البيت لتقضي اول ليلة بمفردها. قرر ان يخرج من قبعته احدى المقالب السحرية. كما في استعراض سحري، الدقة الفائقة في ضبط الوقت، هي الشرط الاول لضمان الابهار.
حسب تعليماته من اساعة العاشرة تماما، دق جرس البيت. لم تدر ان كان عليها ان تفتح. نظرت من عين الباب. لمحت البواب برفقة شخص يحمل سلة ورد. سارعت الى ارتداء روب البيت، ثم فتحت الباب.
قال البواب وهو يحييها، ان واجبه مرافقة اي غريب يوصل شيئا الى ساكني البناية. شكرته وتسلمت منه باقة الورد. تنبهت بعد ذهابهما انها لم تعطي حامل الورد شيئا يليق بهيأته الانيقة، المشابهة للموظفين الواقفين عند أبواب الفنادق الفاخرة، ببذلاتهم ذات الازرار الذهبية وقبعاتهم المميزة.
منذ متى لم تصلها منه باقة التوليب تلك ؟ ربما منذ حفل القاهرة، قبل عدة أشهر.
توقعت منه مكالمة هذا الصباح. لكن، ربما ما كتبه على البطاقة أجمل.
وضعت الورد على الطاولة وراحت تبحث عن البطاقة. لم تقع الا على علبة ضغيرة بشرائط جميلة. لعلها ساعة. ما حاجتها الى ساعة. ايريد ان يعتذر لها عن الساعات التي ستقضيها في انتضاره ؟ ام ليمتلكها بها ؟ بدأت تتذمر حتى قبل ان تفتح العلبة. لا أسهل على الاثرياء من ارسال هذية ثمينة.
كانت منهمكة في فك الشرائط، حين انطلقت موسيقى من قلب العلبة. انتفضت. ثم وقد تجاوزت وقع المفاجأة، راحت تمزق ورقة الهدية بسرعة. أخرجت جهاز هاتف من العلبة، وضغطت اول زر صادفها.
وضعت الهاتف على اذنها جاء صوته:
- اشتقت اليك ..
ترك لها الوقت لاستيعاب المفاجأة.
ثم اضاف :
- احتاج ان اسمعك اينما تكونين. (كان عليها ان تفهم : اريد ان اعرف دائما اين تكونين) وضعت لك في هذا اهاتف خطا فرنسيا. بامكانك استهدامه اينما كنت في العالم. اذا احتجتي الى شيء يكفي دقة واحدة او رسالة. ساطلبك اول ما استطيع.
لانه لم يسمع لها جوابا، سألها :
- هل اشتقتي الي ؟
ردت بصوت افقدته المفاجأة نبرته :
- عليك اللعنة .. كنت ستقتلني .
رد ضاحكا :
- ليس اليوم .. هل احببت الدانوب الازرق ؟
لم تدر بما تجيبه. أيكون في العلبة شيء لم تره بعد ؟
واصل :
- انها المعزوفة التي أحبها اكثر .. أريد ان اراقص روحك كلما يدق الهاتف.
ودعها وعاد سعيدا الى مشاغله. سعيدا من أجله اولا. في كل ما يفعله، هو اول شخص يود ادهاشه. انه الساحر والمندهش الاول لادواره السحرية .
العاديون من الناس يرسلون مع الورد بطاقة. أما هو، فارسل لها مع الورد صوته.
هل حدث لامرأة قبلها ان خرج لها صوت من تحب من سلة ورد ؟
يشك في ان يكون غيره فكر في وضع هاتف مفتوح داخل علبة مغلقة. وحدهم العاديون يرون قيمة مضافة في تقديم هذايا مغلقة ومختومة، كما خرجت من المصنع.
لا أفقر ممن يفتقر الى الخيال.
ثم هو يريد هاتفا لم يعبره صوت رجل قبله. هاتف لا سوابق له يصر على عذرية الاشياء التي يقاربها.
ضلت ممسكة بالهاتف، غير مصدقة ما حدث لها. ليست هديته التي اسعدتها، بل تلك اللحضة التي انطلقت فيها الموسيقى من سلة الورد. وصوته القادم في الدقيقة التي كانت تفتح فيها العلبة. كيف استطاع برمجة كل شيء لادهاشها.
وكيف لا .. اوليس سيد ضبط الوقت، وضبط الاقاع. هو هو جوهرجي الدقائق وواهب الساعات الماس عقاربها.
راحت تبحث في العلبة عى شيء اخر قد يكون خبأه لها. بدا لها ساحرا يمكن ان يخرج من قبعته أكثر من مفاجأة، لكنها لم تعثر سوى على عقد صيانة الجهاز، وأخر عليه رقم هاتف شريحتها الجديدة. أخذت الورقة وراحت تطلب رقمها من هاتف البيت.
انطلقت موسيقى الدانوب الازرق. تركت الهاتف يدق وراحت تدور مع الفالس. فتحت النافذة. شعرت ان الموسيقى تطير بها فراشة في غابة بولونيا، وكأن البط والطيور والغيوم والمسافرة، ترقص معها على المرح الشاسع للكون، وان الاشجار تحسدها، وتتهامس "أيكون قد استبدلنا بهذه المجنونة ؟".
حين حضر المساء سألته :
- اتكون هذه هي السعادة ؟
اجابها:
- انها مجرد تمرين عليها.
- وهل ثمة ماهو اكبر ؟
- سترين ..
برغم ذلك لم تنس ان تبدي له رفضها القاطع السماح له بدفع فواتير هاتفها قالت :
- يسعدني ان يكون ي اخيرا رقم يربطني بالعالم اينما كنت. ساحتفظ بالجهاز وبالخط ، لكن لن يدفع احد فواتيري. البعض ينفق ماله في المطاعم، البعض الاخر في الثياب، واخرون في شراء السيارات، اما انا، فقلبي اولى بالانفاق، انفق على عواطفي. نصف دخلي اشتري به كلمات. تدري انني احتفظ بكل البطاقات الهاتفية التي حدثتك عليها.
رد :
- احتفظي بها ان شئت، لكنني احتفظ بحقي في دفع فواتير قلبك مادام قلبك معي.
واصل منهيا النقاش :
- هذا المساء سنبقى بالبيت. ماذا تودين ان اعد لك ؟
ماكان من مجال لمناقشته في شيء. انتهى الامر. هو لن يعود الى موضوع الفواتير. لكن الامر يزعجها حقا. ان الهاتف "رجل حياتها" كما تقول نجلاء. ون تقبل ان ينفق احد على نصفها الاخر.
كانت لوازم اعداد العشاء موجودة في المطبخ حسب قائمة المشتريات التي احضرها السائق. منتقاة بمقياييس جودة معينة، حتى لتبدو وكأنها للزينة لا للاكل. فهي ايضا موقعة من ارقى محال الخضر في باريس . سالها ان كانت تحسن الطبخ، اجابته :
- الجوع امهر الطباخين .. يكفي ان تدخل المطبخ وانت جائع.
صححها :
- بل الحب هو الامهر .. يكفي ان ندخل المطبخ لاعداد عشاء نتقاسمه مع من نحب.
تأملته وهو يختار القدر المناسب لكل طبخة. سكاكين مختلفة حسب كل استعمال، ياخذ الوقت اللازم لتطرية البصل. يعرف الدقائقالكافية لشي شرائح السمك .. التوقيت الذي يقوي او يخفف فيه النار تحت الطبخة. متى يضع الغطاء على الرز وهو يغلي .. ويخفف النار تحته الى أقل درجة. كيف يقلب الخضر دون ان يلحق اذى بشكلها. علقت متعجبة :
- ما ضننتك ملما لهذا الحد باسرار الطبخ.
أجاب :
- انا ذواق وليس طباخ .. تمنيت لو استطعت ان ادعوك الى حد مطاعمي لتتذوقي المطبخ الراقي الرفيع. مع الاسف يصعب علينا التواجد هناك معا، لكن جميل ان يرتاد الاخرون مطاعمي اثناء انهماكي في اعداد العشاء لمن احب.
لاو مرة سمعت منه هذه االكلمة، في اعتراف غير مباشر. فهو لم يناديها يوما "خبيبتي" ولا قال لها يوما "احلك". خبأها بعيدا في قلبها، ستحتاج الى سماعها لاحقا في وحدتها.
دعاها الى الصالون في انتضار ان يجهز العشاء.
أطفأ جهاز التلفزيون حال سماعه لعناوين أخبار الثامنة. قال :
- اهانة للحب ان اتابع الاخبار معك.
ذهب يختار من مكتبته الموسيقية معزوفة تليق بتلك اللحظة.
قال وهو يضع مقطوعة ل "كليدرمان" :
- تحلي بالصبر سيكون العشاء شهيا .
كانت واثقة من ذلك. وقد هبرت معه على مدى أشهر، النضج الطويل على نار الصبر. الم يقل لها وهو يخفف النار تحت الطبخة "الطهي على عجل يفقد الطعام نكهته .. ككل متع الحياة".
هذا رجل ليس في مطبخه "طنجرة ضغط". معه تستوي الحياة على نار خافتة
توقعاته سيغادر بعد العشاء. لكن، عندما طالت بهما السهرة، بدأت تتاكد بان زوجته قد سافرت، وهو حر الليلة.
أسعدتها الفكرة واربكتها في آن.
بدت له كأنه لم يعرف عنها شيء. كتاب مغلق على سره، لم تفصل اوراقه عن بعضها البعض بسكين. كتاب من تلك الكتب القديمة، التي ما عاد المرء يتوقع مصادفتها.
اليوم تأتيك الكتب مفتوحة الاوراق، جاهزة للمطالعة الفورية. ولذا اختفت من المكتبات تلك اسكين الخاصة بفص اوراق الكتب .
عندما أبدت له في المطبخ عجبها من امتلاكه ذلك الكم من السكاكين المختلفة الاحجام، أجابها "يعرف اطباخ الجيد من حسن اختياره لسكاكينه".
يبدو جوابه الان دعابة، يبتسم لها وحدها. الطباخ الجيد لا يقطع اصبعه ابدا . لقد اكتسب خبرة الامساك بما يفرمه. لاشيء ينزلق من يده.
ما جدوى ان تكون طباخا جيدا اذا كنت عاجزا عن احكام قبضتك عى فناة .
لا يحب خذش حياء اكلمات، ولا كان يريد اكثر من ضمها حد الانصهار في صباها، واحتواء انوثتها .
كان له، في آن الحضور الحاني .. والبطش العاطفي. يتقدم يوما بعد آخر في اجتياح مدروس لامتلاكها
هذه المهرة الجامحة، مجرد تطويقها بحبل سخائه فوز في حد ذاته. لكن المهرة ماكانت ترى بعد من الحبل سوى طوق الحمامة. مأخوذة بخقه وأمانته. دوما توقف حيث أرادت له ان يقف.
انى تمر يداه تزهر انوثتها، لكنها ترفض ان يقطفها. ما يعطى بسهولة يفقد بسهولة.
واظب على دراسة خريطة الطريق الى قلاعها. كما امام رقعة شطرنج. كان صبورا ومتأنيا. القلاع الانوثية لا تؤخذ عنوة ولا عند اول امكانية ولا في جنح الظلام. ذلك فعل قطاع الطرق لا الفرسان.
قال لها وهو يقبلها مغادرا البيت صباحا الى مكتبه :
- سأحضر في الساعة الثانية لاصطحبك الى الغذاء .. وبعدها نذهب للتسوق.
ردت:
- لكنني احضرت معي ثيابا كثيرة.
- انس ما احضرت معك . لا يجوز ان ترتدي ماهو في متناول العامة.
ماكان الصبح وقتا مناسبا للشجار، خاصة انه، في انتضار ان تستيقظ، كان قد اعد لها فطورا الصباح، ولم يحتس سوى قهوته في انتضارها.
ستستفيد من الوقت لتوضيب حقيبتها استعدادا للسفر غذا.
على الغداء قالت له بشيء من الاسى:
- يحزنني ان أسافر من دونك. لي أمنية .. ان نأخذ يوما الطائرة معا.
ابتسم بسخرية لا تخلو من المكر. قال:
- تحققت أمنيتك
سألته مبتهجة :
- حقا . . هل ستسافر معي ؟
- كنت اعني حدث ان سافرنا معا ..
ردت بنبرة واثقة :
- لم يحدث هذا أبدا.
أجابها :
- بدليل انك لم تعرفي يومها كيف تغيرين برنامج الشاشة او تشغلي أزرار المقعد.
أجابت مندهشة :
- متى حدث هذا ؟
رد بابتسامة :
- هذه أسراري الصغيرة.
أسراره الصغيرة وجرحه الكبير.
حتى في أقصى لحضات سعادته معها، لا يفارقه احساسه بالشك في عواطفها تجاهه. ليس هو من تحب، بل حبه لها . تحب السحر لا الساحر. لكنها تشتهي اولئك الرجال الذين قصدتهم أثناء بحثها عنه.
لم يحدث لامرأة قبلها ان أعطته ذلك الاحساس بالظآلة. ان الغت وجوده وهو ملء عينيها في المطار، وعلى بعد مقعد منها على مدى اربع ساعات في الطائرة.
قال معتذرا وهما على طاولة الغذاء :
- تمنيت و اصطحبتك الى أماكن كثيرة .. لكني معروف في باريس. سأسعى لنلتقي في مدن أخرى.
أجابت :
- لا تعنيني السياحة .. اتفهم تماما وضعك. شكرا عى ما خصصت لي من وقتك.
أجاب :
- بل شكرا عى ما اعطيتني.
أضاف بعد شيء من الصمت :
- وشكرا عى ما لم تعطني. ادري في بلاد أخرىتذبح الورود لتسقى بشرف دمها المراق أرضا ماصان رجال القبيلة شرفها كل ما اتمناه ان تكوني سعيدة.
كيف لامرأة ان تنسى رجلا آسرا ومدمرا الى هذا الحد، برقته وشراسته ، غموضه وشفافيته، لطفه وعنفه، حقيقته وتعدد أقنعته ؟
كل امرأة تملك منه نسخة فريدة من كتاب الحب. هي القارئة والبطلة قفيه، ولا أحد سيصدق يوما ما سترويه لا احد.
عادت الى الشام في نزول اضطراري، من تلك الغيمة القطنية البيضاء، التي أقامت فوقها لهمسة أيام.
غادرت احلامها دون مظلة تقيها الارتطام بالارض.
عليها الا تنفضح بسعادتها، ولا بجوعها الدائم اليه. الشبع بداية الجوع، وهي تحتاج اليه حاجة انثى اكتشفت جسدها لتوها.
ارتأت ان تتواجد أكثر في بيروت لتكون أقرب اليه. احساسخا يقول انه سيتسنى له زيارتها هناك، لانه سيتعذر عليها ايجاد ذرائع للتردد على باريس. ذا اختارت ان تقيم في شقة في افخم أحياء بيروت.
أبراج فاخرة في الرملة البيضاء تطل على البحر. سكانها غبراء واغنى من ان يتواجدوا دائما في بيوتهم، او يملكو وقتا للفضول.
صاحت نجلاء :
- جننت. ستدفعين في الايجار ما يعاد ثمن شقة في الشام.
- ربما زارني .. لا اريد ان ابدو امامه مقيمة في حي متواضع .. انت لم تري بيت هذا الرجل ولا عالمه.
- يكفي ان اراك لافهم انك فقدت صوابك .. ثم شقة كهذه يلزمها اثاث كثير.
- بل القليل من الاثاث .. الفخامة لا تحتاج الى زحمة الاشياء.
- عهدتك بخيلة على نفسك. هل اكتسبت منه عادة الهدر ؟
- انا لا انفق على نفسي. انفق على كرامتي. اريد ان يرى انني اضاهيه ذوقا. لا اتقبل منه اية نظرة فوقية.
- من اين لك المال ؟
- من الحفلات . أمامي عروض كثيرة . الصيف على الابواب .. انها مواسم المخرجانات.
- أخفت عنه موضوع الشقة تريد ان تفاجأ هبها.
- أخفت الامر عن أمها ايضا، حتى لا يكون عليها تقديم تبريرات غير مقنعة.
- زفت له اخبار حفلاتها القادمة. فاجابها رد فعله في تلقي الخبر.
سألها بلغة رجل الصفقات :
- كم ستجنين من كل هذا ؟
وعندما سمع الجواب قال :
- لا تغني في هذه المهرجانات. انت أكير من هذا الحدث ومن هذا الجمهور.
لم تجرأ ان تقول له انها تحتاج الى هذا المبلغ وهذه الشهرة.
قالت :
- لكن مطربات شهيرات ستغنين فيه.
- الشهرة يست دليلا على عظمة اصحابها .. هل ستغني فيه فيروز مثلا ؟
ردت بارتباك :
- ولكني لست فيروز.
- نحن نساوي من نقيس انفسنا بهم. لا تقيسي نفسك الا بالكبار ان شئت ان تكوني كبيرة.
شعرت بانه يريدها نسخة انثوية عنه، وانها ستخسره ان هي صغرت او فشلت. عليها ان تختار : اتريد ابرام صفقة هبز مع الفن ام ابرام صفقة مجد مع الحب ؟ لكنها وقعت التزاما باقامة حفلين، والغاء العقدين يوجب عليها جزاءا ليس في متناولها. اضافة الى عجز في دفع ايجار الشقة. في الواقع، ما كانت تملك الخيار.
قبل أيام من حفلتها هاتفته طمعا في تفهمه، تخبره بالتزاماتها تجاه متعفد الحفل. استمع اليها ولم ينبس بكلمة. وعندما انتهت المكالمة ما كانت تدري ان صمته سيدوم شهرين.
كانقطاع مفاجئ للكهرباء، اختفى صوته فجأة بعد تلك الاضاءت المعمية للبصر. انقطعت لهفة هواتفه. اتصلت به مرتين، لكنه كلما ظهر رقمها عى شاشته كان يتعمد عدم الرد ليتركها تائهة في خضم الاسئلة، يساورها الندم على خطأ اقترفته ولا تدري ماهو.
هو لا يشرح ولا يعاتب. مثله يعاقب، وعيها الاستعانة بفقهاء الشأن العاطفي ليفسرو لها لماذا نز عليها غضب الالهة.
تقول نجلاء انها مناورات عاطفية. كلما شعر انه مهدد بفقدانها تخلى عنها، فانشغلت عن عملها بالعمل على استعادته. حيلة سضمن بها استعادتها من خلال منعها من العمل .. اذ يتملكه احساس بان شهرتها تسرقها منه. هي محاولة للاستيلاء على روح تتمرد عليه لانها حرة.
لا تفهم من كل ما تقوله نجلاء الا كونه يحبها .. ويريدها له وحده.
تهزمها فكرة غيرته عليها وحرصه على الاستحواذ بها. تشعر انها ظلمته، تود لو اعتذرت له برغم ما الحق بها من اذى، وبرغم الحفل الذي ذهبت اليه باكية، والذي كان يمكن ان يكون انجح لو قال لها فقط كلمة.
ينهار صمودها. تهاتفه. لا يرد. تبكي ويضحك الحب.
سيظل يخطئ في حقها ثم يمن عليها بالغفران، عن ذنب لن تعرف ابدا ما هو، لكنها تطلب ان يسامحها عليه.
هكذا هن النساء ان عشقن.
امها التي وجدت في هم العراق ما ينسيها همها، صارت تقضي جل وقتها امام الفضائيات الاخبارية لمتابعة مسلس الغزو الامريكي وسقوط بغداد.
ذات يوم نادتها على عجل، لتشاهد شيئا على التلفزيون. توقعت ان يكون خبرا ما. لكن الخبر كان .. ان هدى من تقدم نشرة الاخبار على قناة الجزيرة.
كانت تتحدث عن سجن ابو غريب، وفضيحة تعذيب الجيش الامريكي للاسرى العراقيين. لم تلتقط الا جملها الاولى. اخذتها المفاجأة بعيدا. فلا يمكن لوجدانها ان يفصل بين هدى وعلاء. لقد جاء الى العالم ليحب هذه الفتاة ويمضي.
في كل ما طارد من امنيات، في كل ما اقترف من حماقات، في كل ما تبنى من عقائد، كانت عي عقيدته الوحيدة. ولذا مات موت المجاهدين، في حادث حب، ممسكا بيده سماعة الهاتف، سلاح العشاق .. الذي قد تكون فيه حياتهم او حتفهم.
يوم حضرت هدى تقدم لهم اعزاء، كانت منهارى، شاحبة، ذابلة، باكية، كانت كائنا من دموع. هشة الى حد ماكان الارهابيون يحتاجون معه الا قتلها. كان من الواضح انها ستموت قهرا.
لعل الرجل كان صادقا، حين اخبر علاء ذلك المساء انها غادرت الاستديو، ولا يستطيع اللحاق بها، لذا لا يمكنه الحديث اليها.
لكن ثمة احتمال ان تكون رفضت الحديث الى علاء لانه في رأيها قد اختار صف القتلة، وماعاد من امكانية لحب بينهما. وحدها تدري حقيقة ما حدث. كان بكاؤها يومها، يشي باحساس كبير بالذنب.
ها هي ذي اليوم، متفتحة كزهرة مائية، نضرة، مشعة، انيقة، متبرجة بحياء، لكنها لا تستحي من الرجل الذي احبها حد الموت، فهو ما عاد هنا ليشاهدها.
حتما، ثمة حكمة في الاسراع باغماض اعين الموتى، حال توقف قلبهم عن النبض، فلا بد الا يرو ماذا يحدث بعد موتهم، فيموتون أكثر من مرة.
لكن امها كانت ترى بعيون علاء. فكيف لقلبها المفجوع الا يعاود البكاء.
- يا حبيبي يا ابني .. يا ضيعان شبابك ما اجت الا فيك.
عكس امها ، هي ليست عاتبة عيها. لقد دفعت هدى ثمنا باهضا قبل بلوغها هذا المكان، وحين وصلته، وجدت من بعثو بأبناء الجزائريين الى الموت تحت الوية "الجهاد" ماعادو لاوين على شيء. لقد انقذو اولادهم، يعيشون ضيوفا مكرمين في البلد نفسه، مع كل من توافدو من البلدان العربية الاخرى ويحملون العقيدة ذاتها.
من حقها اذا ان تنجو بنفسها، ان تقفز خارج المركب، ان تجذف حتى اضفة الاخرى، فيقذفها البحر كما أفواج الصحافيين الى الخليج او اوربا. لا أحد يرمي بنفسه الى البحر، دون وجهة واضحة، ان لم يكن القهر قد القى به اليه.
ليس هناك خطر في ان تكون الباخرة في الماء، المهم الا تترك الماء يخرقها فتغرق. لكن الماء تسرب الى الباخرة، زاد الماء وانصب الهواء والذي لن يموت مختنقا سيموت غراق.
ليس كل من ابحر نجا، هول مصابهم نسي الناس النزاعات الاجرامية للبحر، وصدقو انه رفيق درب، سياخذ بايديهم الى اضفة الاخرى، فالقو بانفسهم اليه. لكن، ليس لبحر يد ليمدها لمن جاؤوو على قوارب الموت، وم يعرف عنه يوما مصادقة المفلسين.
تلك المواكب الورقية المثقلة بحمولتها البشرية، يتسلى بها البحر ، يبتلعها وهو يقهقه، ثم يتقيأ ركابها. يعيد جثثهم الى اشواطئ التي جاؤو منها. او يرمي بهم اشباه احياء الى الضفة الاخرى.
آخر مرة التقت بهدى قبل سنتين. لم يكن قد مر على اغتيال علاء الا خمسة اشهر، عندما نزل خبر موت الندير نزول اساعقة، فقد كان كثيرا ما يتردد على بيتهم ايام علاء. ذاع الخبر بين الناس بسبب شهرة اخته "مسكينة .. هاذيك الزينة اللي تقدم الاخبار .. خوها مات مع الحراقة هاج عليهم البحر مساكن .. ما نجاو منهم غير زوج .."
لترف الموت، غذا له صراعاته، وموضته، وتشكيلته الجديدة كل موسم. وهكذا، قبل "الموت حرقا"، وصلت موضة "الموت غرقا" الى الجزائر، بعد ان تفشت في كل بلاد المغرب العربي. راح اليأس يفصل لاتباعه اكفانا عصرية، من قماش الاوهام الجميلة. ماذا انتضار العالم الاخر لدخول الجنة التي يعدها بهم الارهابيون، ان كان بامكانهم بلوغها في بضع ساعات على ظهر مركب ؟
تشكلت طوائف انتحارية من احفاذ طارق بن زياد، الذي احرق خفه المراكب ، حتى لا يترك لجنوده الا احتمال الوصول منتصرين او الموت. مثلهم، ما اخذو معهم صداري للنجاة، ولا علقو زوارق مطاطية على جانبي مركبهم. نسو ان الغدر غريزة اولى لدى البحر.
ليكونو اخلا بتسميتهم حراقة الغو اي احتمال للرجوع، باحراقهم جوازات سفرهم واوراقهم الثبوتية. حتى لا يتركو لحراس الشواطئ على الضفة الاخرى امكانية طردهم من الجنة، ان هم وصلوها احياء. فسيكون صعبا عى بوليس الخجرة فك فوازير اصولهم، ومعرفة من اين جاؤو، والى اين يجب ترحيل هؤلاء القادمين من بوابة البحر الواسعة.
اما اذا غرقو فلن يدقق البحر في هويتهم، ستختار الامواج عنوانا لقبورهم.
اولئك الذين ماكانو يملكون شيئا يعز عليهم فراقه، عدا اهلهم، كيف لا تحمل الامواج احد رسائلهم، وهم يصارعون عزلا اخر موجة ستسحبهم حيث لا عودة. الرسائل غدت اغاني "راني في الموج نتقلب يا يما لحنينة .. ما بقالي رجوع .. اداني لبحر .. محال انولي".
الندير ايضا "اداه البحر". اخذخ حيث "محال يولي". حتى جثمانه محال يرجع، يحتاج الى تدقيق واجراءات واستجواب من ما زال حيا من رفاق رحلته للتعرف اليه، وهذا اذا عثرو على جثة تطفو من عشرات الجثث ، ولم تنته وليمة للحيتان، عندها تبدأ الاجراءات والمصاريف الباهظة لاستعادة الجثمان. اما الذين يعودون احياء فسيواصلون كابوسهم في السجن. فالدوة التي تدلل الارهابي لانه عاد بعد ضلالة، تجرم من هو جاهز للانتحار، لانها وحدها تملك حق قتله بالتقسيط.
زاد من مأساة اهله انه مات في شهر رمضان. فالحراقة يفضلون الابحار في رمضان، حتى ينطلقو عندما يكون حراس الشواطئ منشغلين بالافطار، فلا ينتبهون لمراكبهم حين تبحر ساعة رفع اذان المغرب.
اخر مرة اجتمع باهله كانت حول طاولة السحور، خافت الاضاءة كان صوته، كفنار بحري في ليل ماطر. ما انتبهو انه كان يودعهم. في الغد ادعى انه مدعو الى الافطار. قبلهم وطلب الا ينتظروه. لحق بوالدته الى غرفتها، كانت تستعد لصلاة العصر، احتضنها وقال "اما ادعيلي دعوة الخير ". قالت "دايما ندعيلك يا وليدي .. كاين حاجة مقلقتك ؟" اجاب مبعدا شكوك تمومتها "رايح انشوف ناس اليوم ان شاء الله نلقى شغل". قالت " روح يا وليدي الله يفتح لك كل باب وينصرك على عديانك".
وفتح اله له ابواب البحر .. كن لم ينصره على امواجه.
لعه ابحر صائما واخر وجبة طيبة كانت سحوره، فليس على المركب من مكان لحمل زاد الاكل. سماسرة الموت لا يريدون اثقال مركبهم بالمؤونة، يفضلون بدل حمولة الطعام .. كسب 2000 يورو من راكب اضافي.
ككل الذين ابحرو متعلقين باقدام الموت، طمعا في الحياة، ترك الندير رسالة اعتذار ومحبة لاهله، في حال لم يصل. باع قبل سفره جهاز الكمبيوتر مدعيا انه باعه ليشتري اخر جديد.
في جميع الحالات، ماكان بامكانه ان ياخذ حاسوبخ معخ .. لا حقائب للحراقة الا اجسادهم. حتى جيوبهم لا يحملون شيئا، فليس للكفن جيوب.
النذير الذي عاش لسنوات يتلصص، من خلف شاشته، على الذين يعيشون على الضفة الاخرى، ابحر نحو مدن لا توجد الا في رؤوس الحالمين. كان الموت فيها هو الواقع الحقيقي الوحيد.
كان عليه ان يتناولها بجرعات محددة، لكنه اكثر منها، فنحن من نصنع عبوديتنا ونضفي السحر على من نشاء.
كيف وقع تحت فتنة هذه الانثى ؟ هل لانها اهدته لاجولته ؟ ام لانه يطمع ان تهديه انسانيته ؟ برغم ان براءتها تلك تزعجه، وعنادها يتعبه. ثمة اغراء في ان تكون امرأة ماكرة ومتطلبة. يطمئنه ان تستغله، كيف يرتاح لامرأة لا تحتاج اليه ؟
اخر خلاف بينهما كان قبل شهر بباريس. كانا يسيران قرب محلات فاخرة للمجوهرات، حين خرج مدير احد المحلات يسلم عليه بحرارة بعد ان لمحه يعبر الرصيف. ارتأى ان يستغل المناسبة ليقدم لها هدية.
قال:
- كنت انوي ان اهديك ساعة .. انها فرصة. تعالي واختاريها بنفسك.
سبقها مدير المحل الى الداخل، ووقف الحارس بقبعته وبدلته المميزة ممسكا بالباب، لكنها اجابته بعصبية فاجأته :
- لن اغير الساعة التي بمعصمي.
- لكنني لا احبها.
- اشتري اذا معصما اخر لساعتك.
كاد ان يخرج عن طوره والرج يقف منتظرا دخولهما .. بينما مضت وتركته واقفا عند الباب لا يدري كيف يتصرف.
قال لها بعد ذلك غاضبا :
- كيف تهينينني هكذا امام ارجل ؟
- بل انت من اهنتني .. هذا محل مررت به مع نساء قبلي. ماكان ليحتفي بك هكذا لو لم تكن من زبائنه.
وجد حاه يدافع عن نفسه :
- اعتدت شراء ساعاتي وهدايا لزوجتي من هذا المحل.
- ما كنت لتصطحبني اليه لو ان زوجتك من زبائنه.
اسقط بيده. قال متذمرا :
- اخطأت حين فكرت في اهدائك شيئا.
ما كان كلامه ليعينها. كانت مشغولة بالتساؤل : أحدث ان اشتوى ساعة مرصعة بالكثير من الماس الوقت من اج لحضات قليلة ؟ هل اقتنى وقتا باهضا ظنه ثمن العواطف الابدية .. فاذا به وقتا عابرا لامرأة اهدى لها ساعة عندما تعذر عليه اهدائها وقته ؟
لا تدري .. ادفاعا عن كرامتها ام بسبب غيرتها كانت عنيفة وصارمة الى حد فاجأة. لكنها عادت وسامحته. شفع له في قلبها سلة الورد التي أرسلها لها قبل يومين وبداخلها جهاز هاتف، كيف له ان يفهم منطقها في الكسب والخسارة.
في المساء، على طاولة العشاء، قالت له :
- اعذرني .. لا اريد ان اكون تكرارا لما عرفت قبلي من نساء. اتمنى الا تفعل معي ما سبق ان فعلته مع غيري.
اشعل غليونه وقال بعد شيء من الصمت :
- ثمة شيء ما فعلته معك، لا تساليني ماهو . لن تعرفيه مني ابدا.
اكان تصريحا في منتهى الصدق ام في منتهى الخبث ؟
كمن يطلب منك ان تعثري على اللؤلؤة الطبيعية الوحيدة وسط عقد من الالي الاصطناعية. اية لعبة هذه مع جوهرجي بارع. لا يغشك تماما، لكن مع كل ما يفعله يعطيك وهم احتمال امتلاك اللؤلؤة النادرة الوحيدة.
بامكانك طبعا عن كبرياء ان ترفضي عقد الؤلؤ، الذي سبق ان اهدي حباته لغيرها، كما رفضت عرض اساعة التي كان سيشتريها لك، من محل ارتاده قبلك مع سواك، وستمتلئين زهوا لانك قلبت اللعبة .. وحجمت ثراءه حد شعوره انك انت الؤلؤة النادرة.
وعندها تقو نجلاء، وقد اهنت ماه، "وقرفتيه حيتو"، ستاتي امرأة اكثر شطارة واقل صدقا، لن تسال .. لن تدقق .. لن تفكر .. لن تحزن .. ستتلقف كل ما زهدت فيه، غير معنية بالفرق بين اللالء الاصطناعية تلك اللؤلؤة الطبيعية. وحده الحب مصدر للاسئلة الموجعة. احبيه اقل .. احبيه بعقل يا ختي.
- تاخر الوقت .. لن اقبل منه سوى الجنون هدية.

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية الأسود يليق بك لأحلام مستغانمي تطبيقات مالية متكاملة أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 11-19-2012 09:46 AM
رواية نسيان كوم لاحلام مستغانمي soumia124 أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 05-19-2012 01:46 PM
كتاب نسيان لاحلام مستغانمي ... روووووووعة جزائرية بافتخار أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 03-03-2011 01:59 AM
من رواية عابر سرير لاحلام مستغانمي - مقتطفات - ЯǒǑǒйĝ3ħ أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 11-28-2009 11:02 AM


الساعة الآن 11:20 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011