"اشحن...حسناً،واحد،اثنان،ثلاثة اشحن" وسرى في جسدها التيار الكهربائي واهتزت بعنف ولكن ذلك الجهاز لا يزال يُصدر ذلك الطنين المزعج باستمرار...كرر الطبيب أمره بتوتر شديد:واحد،اثنان،ثلاثة اشحن

وسرى في جسدها التيار الكهربائي من جديد واهتزت بعنف ولكن الطنين المزعج الذي يعلن توقف القلب.....يعلن ذلك الشيء المخيف.....يعلن فقدان الأحبة أحياناً....يعلن فقدان أعز من على قلبنا....يعلن وقت إعداد العدة للجنازة....يعلن الوقت لتحضير ذلك القماش الأبيض الذي يُلَفُّ حول الجسد.......يعلن الموت.....الموت ولا شيء سوى الموت....يعلن أنَّ الوقت قد حان لدخول ذلك المكان المظلم.....المرعب.....المكان الذي لا أحد فيه معنا......لا شيء سوى الوحدة.....الألم......الظلام.....الرعب.....الانكماش

كل ذلك كان قد دار في ذهن نوا وهو يحدق بجنون عبر النافذة الزجاجية إلى عملية إنعاش صديقته....صديقته الوحيدة

صرخ بلوعة:هيا أرجوكِ...أرجوكِ تحملت انتظارك عشر سنوات ولكن لن أتحمل فقدانك إلى الأبد

سرى التيار الكهربائي في جسدها واهتزت بقسوةٍ لا مثيل لها وبدأ الجهاز يصدر ذلك الصوت المتقطع الذي يعلن الأمل و......الحياة الجديدة و.....صرخ الطبيب:هيا أسرعوا لننقلها إلى غرفة العمليات لاستخراج الرصاصة قبل أن تنحرف وتصل إلى قلبها ....هيا لاسترجاع حياة مريضتنا المتمثلة في بقايا رصاصة

أسرع الأطباء والمممرضين بجرِّ السرير وبسرعة وقد دبت كلمات الطبيب فيهم الحماسة

أما نوا فقد رمى جسده على أقرب مقعد وارتخت جفونه حتى أغلق عينيه ببطء...ببطءٍ شديد....وراح في سباتٍ عميق

((نوا....نوا...أخي استيقظ))

فتح نوا عينيه ببطء وبدت الصورة مشوشة أمامه في البداية حتى اعتدلت الصورة فقال:شيري....أين أنا؟

فقالت شيري:أنتَ في المستشفى فقال:وكم الساعة الآن؟ فقالت:السابعة صباحاً

فهبَّ من مقعده وقال باندهاش:السابعة صباحاً!! العملية انتهت يا إلهي سأذهب لرؤية كريستيانا

أمسكته شيري من كتفه وقالت في حنان:اهدأ يا أخي لقد نجحت العملية وهي في غرفة العناية المركزة ولا يمكنك زيارتها الآن
نظر إليها كالأبله للحظات ثم قال:شيري أنتِ تعامليني وكأنكِ أمي مع أنكِ أختي التي تصغرني بعامين أنتِ في السادسة عشر وأنا في الثامنة عشر فلا تعامليني كأم أو أخت كبرى

فابتسمت وقالت في مرح:وماذا في هذا؟ هذه طبيعة الأنثى على أي حال

فابتسم ثم قال:أما زال أبي في الشركة؟ فأومأت برأسها إيجاباً ثم قالت:بالتأكيد فلديه عملٌ كثير إنه هناك منذ يومين فقال:وماذا عن أمي؟ فقالت:أمي ذهبت هناك البارحة لذلك لم تحضر حفل ميلاد كريستيانا

فأومأ برأسه ثم قال:حسناً..أريد الذهاب للبيت للاستحمام وتبديل ملابسي الغارقة في الدماء وأخذ قسط من الرلحة فلا بدَّ أن النوم على كرسي المستشفى غير مريح أبداً فابتسمت وقالت:هيا بنا إذاً

سار ذلك الشاب الأشقر في بعض ممرات المستشفى حتى توقف أمام غرفة كُتب عليها ((غرفة العناية المركزة)) فتح الباب بهدوء ودلف إليها وأغلق الباب بحذرٍ شديد ثم جلس على كرسي موضوع في زاوية الغرفة صامتاً تماماً وهو ينظر إلى الشابة الجميلة الراقدة على سرير المستشفى الأبيض وقد تبعثر شعرها الذهبي الطويل جداً على الوسادة واتصلت بها عشرات الأنابيب مغمضة العينين تنهد أخيراً وقال:حسناً يا كارل أنتَ لم تنم منذ البارحة فلتنل قسطاً من الراحة لحين استيقاظ كريسي

((كارل....كارل استيقظ)) سمع ذلك الهمس الضعيف ففتح عينيه لينظر حوله لكنه لم يجد أحداً لكنه أدرك حينها أن تلك الشقراء الراقدة على السرير الأبيض عيناها مفتوحتان فقال بانفعال:آآآآآآآه كريسي استيقظتي أخيراً

فقالت بصوتٍ حمل كل نبرات الضعف:أجل....وأريد منك معروفاً فقال:وما هو؟ أي شيء تطلبه أميرتي

فقالت بسرعة:أريدك أن تحضر لي بعض الملابس من المنزل فقال بهدوء:هل تريدين الخروج من المستشفى؟ فأومأت برأسها إيحاباً فقال بهدوءٍ أكثر:ألا ترين أنكِ ضعيفة؟ فقالت:لا بأس أستطيع الخروج فقال بهدوءٍ مستفز:هل تستطيعين التحرك؟ فقالت ببرود:يكفي أسئلة يا كارل لن تنجح لعبتك معي أحضر لي بعض الملابس لم أطلب استجوابي فضحك بخفة ثم قال:آآآه....أريدك ولو مرة أن تتأثري بلعبتي...هيا أرجوكِ مرة واحدة فقط...لا تبخلي علي فقالت ببرود وهي تمط شفتها السفلى:يكفي كلاماً يا كارل أحضر ملابسي هذا كل ما أريده

فقال:حسناً ولكن....فنظرت إليه وهي تقول:ولكن ماذا؟ فقال:أكره برودكِ هذا

فنظرت إليه بطرف عينها وهي تقول في سخرية:أنتَ آخر من يتكلم عن البرود والسخرية

فقال وقد تحولت نبرته إلى الجدية:أنتِ محقة ولكن هذا لا يمنعني من الضحك والانفعال وكل المشاعر الأخرى أنتِ فقط إما تتصرفين ببرود أو تستخدمين سخريتك كم أتمنى لو تذيبي جبل الثلوج الذي تحيطين به نفسك

فقالت وكأنها تتجاهل كل ما قاله:اسمعني أحضر لي الملابس سنبدأ الخطة على الفور

فقال وكأنه نسي ما كانا يتحدثا عنه فقال:ما الخطة؟

فقالت:سنذهب لزيارة العائلة...عائلة بترا وعليكَ أن تحضر نفسك جيداً فأنت تعلم أن لديهم كاميرات مراقبة

فابتسم بخبث وهو يقول:لقد فهمتُ ما ترمين إليه فقالت:جيد لا عجب أنكَ عبقري

فقال في زهو:بالتأكيد فأسرعت بالقول:ولكنني أريد شيئاً آخر من زيارتي

فقال :بالتأكيد تقصدين بأنكِ تريدين شخصاً من داخل المنزل نفسه لكي تستطيعي استخدامه كسلاحٍ فعَّال وكوسيلة لاستطلاع الجديد

حدَّقت به لثوانٍ ثم قالت:أحب هذا العقل الذي تمتلكه...أياً يكن سيكون هذا الشخص هو نوا

نظر إليها لثوانٍ ثم قال:انتظري لحظة تريدين تعريض حياته للخطر

فقالت بسخرية:كلا بالطبع هو سيكون سلاحي وهو لا يدري

فقال كارل بانفعال:لحظة ....لحظة تريدين استخدام صديق طفولتك كدمية لانتقامك

فأومأت برأسها وقالت ببرود:بالطبع فقال باندهاش:لا أصدق كريسي لقد بدأتِ تخيفيني حقاً

فقالت ببرود:وما المانع ؟هو الخيار الوحيد سأتقرب منه وهذا ما يريده وسأعرف ما يجري في منزلهم وهذا ما أريده صفقة ناجحة بكل المقاييس

فكَّر كارل قليلاً ثم قال:ولكن هذا يعني أنكِ تحتاجين للمشاعر حتى ولو كانت زائفة فقالت بسرعة:أجل وهذا ما تريده أنت أليس كذلك؟ فقال:حسناً سأذهب لإحضار ملابسك ولكن يجب أن تعرفي أنَّ ما تفعلينه خطر ولا تعلمين ما ردة فعل نوا إن أدرك الأمر

فقالت:أعلم ولهذا أنا هنا فلا يليق بي إلا الخطر

فقال:حسناً وداعاً وأسرع خارجاً من المكان انتظرت حتى أغلق الباب فتنهدت ثم قالت:آسفة يا نوا...أنا مجبرة على فعل ذلك

دقت الباب عدة مرات منتظرةً إجابة من الداخل حتى سمعت صوت رجولي يقول:ادخلي يا عزيزتي ساندرا

دخلت ساندرا إلى ذلك المكتب الفخم بكل المقاييس وقد كان في طابق ذا رقمٍ مرتفع جداً عن سطح الأرض والنوافذ الزجاجية تعكس المباني في الخارج والمكتب المصنوع من أجود أنواع الخشب والكرسي الجلدي الذي كان يجلس عليه كونر واضعاً إحدى ساقيه فوق الأخرى وهو يرتدي حلةً رسمية وربطة عنق زرقاء قالت ساندرا:أسمعتَ ما حدث؟

فقال كونر بهدوء:أجل ابننا كان في خطر محدِّق فأومأت برأسها وقالت:ولكن هل عرفتَ من أنقذه؟

فأومأ برأسه وقال في ضجر:ابنة أندريه

فقالت ساندرا في اهتمام:لقد عادت البارحة وقد كان عيد ميلادها لا أصدق لا بد أنها تشكل خطراً علينا يجب التخلص منها

فهزَّ كونر رأسه بعنف قائلاً باستخفاف:وكيف لها أن تشكل خطراً علينا؟ إنها مجرد طفلة...قاطعته ساندرا قائلة بجدية:لاتنسى أنَّ تلك الوثائق لم نعثر عليها

فقال بهدوء:ولن تعثر هي عليها ثم إنها مثالية جداً فقالت ساندرا بانفعال:لماذا؟

فقال بهدوء أكثر:إنها مثالية للسيطرة على نوا إذا كسبناها إلى جانبنا كسبنا نوا إلى جانبنا أيضاً

فقالت ساندرا باستنكار:ولكنه ابننا وهو إلى جانبنا بالفعل...فقاطعها قائلاً:لا تنسي أنَّ ابننا شاب طموح ويوماً سيمتلك هذه الشركة وهو بالتأكيد يحتاج إلى شريكة مثالية تمتلك شركة هامة كشركة عائلة سوان وسيشكلان تحالفاً لا يُهزم فهزت رأيها غير مقتنعة بما يقوله وقالت:كما تريد ولكن لا تتوقع مني معاملتها بلطفٍ شديد

فقال كونر بلامبالاة:لا يهم......

حلَّ صباح اليوم التالي وفتحت كريستيانا عيناها بتثاقل ثم تنهدت قائلة:حسناً...لديَّ الكثير لأفعله

ذهبت إلى الحمام لأخذ حمام دافىء ثم خرجت وارتدت بنطال قماشي كحلي اللون ضيق و(بلوزة)رسمية كحلية اللون لها عدة أزرار ذهبية وأكمام إلى المرفق ثم عقدت شعرها عقدة الفرس وتركت بضع خصلات ذهبية منسدلة على وجهها ثم ذهبت إلى المطبخ لتعد كوباً من الكاكاو الساخن حتى سمعت طرقاتٍ متتالية فتوجهت نحو الباب الزجاجي وفتحته قائلة:مرحباً نوا

حدَّق نوا بها لثوانٍ ثم قال:كريستيانا لمَ خرجتي من المستشفى البارحة؟

فقالت:لا شيء فقط لا أحب المستشفيات ثم فتحت الباب أكثر مفسحة له الطريق وقالت:تفضل

دخل ثم جلس على الأريكة البيضاء فقالت:لحظة سأحضِّر لك كوباً من الكاكاو الساخن

فأومأ برأسه إيجاباً فتوجهت نحو المطبخ لتعد كوبين من الكاكاو الساخن حتى عادت مقدمةً له واحداً ثم قالت:كيف حالك يا نوا؟

قال لها بحذر:لمَ مثل هذا السؤال؟

فرفعت حاجبيها بدهشة مصطنعة وقالت:أنا صديقتك أتذكر؟

صمت ولم يرد عليها ثم قال بحذر:جئتُ لأخبركِ أمراً بشأن سمانتا

فابتسمت وقالت بهدوء شديد:أنا أعرف كل شيء...كل شيء

رفع حاجبيه باندهاش فالتي كانت أمامه كانت تتحدث بكل ثقة ولكن كيف عرفت؟.....كيف؟؟