مشغوووووووووووووول!! - عيون العرب

**RuUuby** · #1 06-20-2013, 08:13 PM

مشغول ... مشغول ... مشغول
كلمة قلّما يمر عليك يوم من دون أن تسمعها.. فهي تلُف عالمنا العربي والإسلامي طولاً بعرض.. ينطق بها الصغير قبل الكبير.. ويتفنن في قولها البطَّال دون العامل..
ومع ذلك تذهب لإنهاء معاملة لك فتتفاجأ بأن الموظف المسئول غير موجود.. لأنه مشغووووول!!
والطالب مستوى تحصيله العلمي متدني.. فهو مشغول بما هو أهم!!
والأبوان لديهم من الأشغال ما الله به عليم حتى عن تربية أبنائهما!!
وزميلك يخلف موعده معك وقد يؤجله لا لشيء سوى التأجيل.. وقبل أن تسأله يجيبك أنه مشغول!!
فالكل لدينا -ولله الحمد- مشغووووووووووول ..
وبالرغم من ذلك ترانا نتندر في أحاديثنا ومجالسنا عن إنتاجية الموظف العربي.. وعن المواعيد العربية.. وعن الكتب التي يقرؤها العربي.. وعن فراغ الشاب العربي وضياع هويته..
وعن ...... وعن ........
فالإحصائيات تدعو إلى الأسى والخجل!!!!

فأين يذهب كل هذا الشغل؟! وأين تُبدد هذه الطاقات الجبارة إذا كنّا لا نُغير من أوضاعنا ونرتقى بأنفسنا وأمتنا؟!!

وببساطة تثير الشفقة والغيظ في آنٍ واحد.. هي أننا نسير في الإتجاه الخاطيء وإن كان بعضنا يعمل بالشكل الصحيح.. نشغل أنفسنا بغير المهم ونزري بالأهم.. لا نملك أهدافاً واضحة وخطط مستقبلية تلهب من حماستنا وتثير عزائمنا.. وتنير لنا طريق المعالي للوصول إلى ما نصبو إليه..

أن لا أدعوكم إلى أن تكوني فارغين من دون شغل.. فالإنسان الإيجابي الفعَّال هو شخص مشغول بطبيعة الحال.. والفراغ هو الهواية المفضلة للكسالى والتافهين.. وساكني القبور!!

ولكني أهيب بكم أن تحسنوا تنظيم أوقاتكم وترتيب أولوياتكم.. وأن لا تكونوا في تعاملكم معها كحطَّاب.. كان يجتهد في قطع شجرة في الغابة.. ولكن الفأس لم يكن حاداً إذ أنه لم يشحذه من قبل.. فمرَّ عليه شخص ما.. فرآه على تلك الحالة..
فقال له: لما لا تشحذ فأسك؟؟
فقال الحطَّاب وهو منهمك في عمله: "ألا ترى أنني مشغول في عملي"..

ألا ترون أن هذا الحطّاب قد أرهق نفسه.. وأضاع وقته وجهده من غير فائدة.. ولو توقف قليلاً وشحذه فأسه ورتب أوراقه وحدد أهدافه.. لوفَّر على نفسه جهداً ليس بالقليل ولأتم عمله في وقت أقل وبسرعة أكبر وكفاءة عالية.. بل واغتنم من الفرص ما لم تكن تخطر على باله لأنه كان مشغوووووول!!!
فهل نحن نحتاج إلى تنظيم الوقت أم إلى استغلاله؟؟

ولقد حفظ لنا التاريخ صور رائقة لعظماء اهتموا بإدارة أوقاتهم.. وجعلوا ذلك أكبر همومهم.. حتى ظنّها قوم منّا أنها نسج من الخيال.. أو لون من المبالغات التي لا تقبلها العقول!!
فهاهو الإمام النووي -رحمه الله- يموت في 40 من عمره.. ويترك المؤلفات ما قسّموه بعد موته على أيام حياته.. فكان نصيب كل يوم أربع كراريس!!!
فكيف تم له ذلك؟!!
اسمع منه يجيبك.. يقول:
"وبقيت سنتين لم أضع جنبي على الأرض"
ينام على الكتب ونحن ننام على بقية الإرسال!!!

والإمام الطبري -رحمه الله- مكث 40 سنة يكتب كل يوم 40 ورقة!!

وأبو الوفاء الحنبلي البغدادي -رحمه الله- كان يختار سفَّ الكعك وتحسيه بالماء على الخبر.. ليستغل وقت المضغ في المطالعة وتدوين الفوائد!!
فكان له كتاب "فنون الفنون" والذي يقع في 800 مجلد ... أكبر كتاب عُرف في الدنيا...
وغيرها الكثير من الصور والنماذج التي ذهبت وبقي أثرها.. أقوام أدركوا قيمة أوقاتهم فسارعوا إلى استغلالها.. والتعامل بحزم مع مضيعاتها ولصوصها.. تركوا التسويف جانباً وفرضوا الرقابة الفعّالة على خططهم وإنجازاتهم.. فكان لهم ما أرادوا.. طيب الذكر وعلو المنزلة في الدنيا ونسأل الله لهم الجنة في الآخرة..

وإنما الأسى كل الأسى على أقوام يستهينون بأوقاتهم ويُضيِّعونها سدى.. وتناسوا قول رسولهم الكريم -صلى الله عليه وسلم- : " ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها".. فتمر عليهم السنون وتنقضي اعمارهم ويتركون الدنيا.. ولا أثر يذكر ولا تذكرهم صفحات التاريخ بل ولا يذكرهم الأحياء!!!

يقول ابن القيم -رحمه الله- : "إضاعة الوقت أشد من الموت.. لأن إضاعة الوقت يقطعك عن الله والدار الآخرة.. والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها"..

وهاهي رياحين رمضان قد أقبلت.. فاستعدوا له.. وضعوا أهدافكم وما تأملون في تحقيقه.. واسألوا الله أن يبلِّغكم إياه.. وأن يمنّ عليكم بالعمل فيه واستغلال غنائمه.. وأن يرزقكم الإخلاص والقبول في الدنيا والآخرة..

وأخيراً.. ماهي مُضيعات الوقت؟؟
وكيف نتعامل معها؟؟
وهل هناك علاج للتسويف والتاجيل؟؟
اسئلة يُهِمنا معرفة آرائكم حولها..

________________
كتب استفدت منها في كتابة الموضوع:
*- كتاب إدارة الوقت لــ د\ إبراهيم الفقي..
*- كتاب تأملات في العقل والروح لــ د\ عبد الكريم بكار..
*- كم حياة ستعيش لــ أ\ كريم الشاذلي..