تفائلنا خير بعد قيام الثورات العربية في أن تنقذنا من ظلم الماضي الذي عشناه وتنقلنا نحو آفاق جديدة حلمنا بها كثيراً ولم نتوقع أن يأتي الفرج من كل حدب وصوب , فبدأت بتونس ثم مصر وليبيا واليمن وننتظر سوريا ...

لكن ما حدث خلاف ما حلمنا , فلقد أزحنا أنظمة فقط ولكن الأساس والهدف الرئيسي من أي ثورة هو التغيير الشامل ,فلن أفرح بخروج رئيس وحلول آخر مكانه , ولن أفرح بخروج وزراء ودخول وزراء آخرين , لا نريد تغييراً في الوجوه فقط وتبقى نفس السياسات قابعة على صدورنا , وفي ذات الوقت لن نتعجل التغيير في يوم وليلة وسنصبر حتى نرى أهداف الثورات الحقيقية على أرض الواقع ..

المخيف في الموضوع أن نرى هذا الانقسام الرهيب بين أطياف الشعب فهذا سلفي وذاك اخوانجي والآخر مسيحي , وهناك اليساري والعلماني والليبرالي والكل يتصارع لنيل قطعة من التورتة , وخرج شباب الثورة الحقيقي من المولد يا مولاي كما خلقتني !! وضاع الوطن بين أنيابهم

على الرغم من أن هذا التعدد مقبول بعد الثورة فهذه هي الحرية التي سعينا لها , لكن سياسة التخوين التي نراها ونعيشها بعد الثورة لهو أمر جلل ومفهوم خاطئ لمعنى الحرية ..

فلو أبديت رأيك في الإخوان المسلمين فأنت من الفلول وضد الاسلام ولا ترغب في تطبيق شريعة الله وتدافع عن مصلحتك التي فقدت مع النظام السابق !! تهم متنوعة ومعدة سلفاً لكل من يختلف في الرأي معهم هم وأنصارهم , وكأننا لسنا مسلمين وموحدين بالله وغاية أمانينا أن نرى الاسلام يعود إلى مكانته الطبيعية , وكأنهم احتكروا الاسلام والحديث باسمه !

وإذا ما انتقدت الليبرالية أو مفهوم الدولة المدنية فأنت رجعي ومتخلف وستصادر الحريات ولن نجاري العالم في تقدمه ومفاهيمه الحديثة !!

قالها جورج بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من لم يكن معي فهو ضدي , هذا ما نطبقه نحن الآن وبأسوء صوره ! فأنت لست ضدي فقط بل صرت عدوي وصارت حرباً ضروس لا هوادة فيها وتحتمل كل أنواع الأسلحة المشروع منها وغير المشروع ..

حتى التاريخ لم يسلم من هذا فأصبحنا نراه وفقاً لميولنا ورؤيتنا الضيقة ,ففعلنا مثلما كان يفعل الفراعنة حينما يأتي فرعون يطمس كل انجازات سلفه ويسطر تاريهاً جديداً على هواه ..

ففجأة أصبح عبدالناصر عميل أمريكاني وصهيوني ومحارباً للإسلام !! ولم نتذكر له مواقفه الشجاعة ضد أمريكا واسرائيل ومناداته الدائمة حتى رحيله للقومية العربية , وهو الوحيد الذي رفعت صوره وبثت كلماته في ميدان التحرير , فلم أر صور حسن البنا أو سيد قطب أو حتى مينا موحد القطرين
وأعتقد أنه ستتغير مادة التاريخ قريباً لنرى فيها العجب العجاب .. فهو له ما له وعليه ما عليه , هذا هو التاريخ الحق والمحايد والذي يجب أن نعلمه لصغارنا أن نذكر السيئات والحسنات حتى لو كانت متفاوتة ,فالقرآن لم يضرب لنا مثلاً بالأمم السالفة إلا لنأخذ منها العبرة والموعظة كي تنفعنا في حاضرنا ..

السادات بطل الحرب والسلام له أخطاء كثيرة وله أيجابيات , لكن أن تصل لأن نصفه الخائن والعميل فهذا ليس بانصاف ولا بها رائحة الموضوعية , ومن الجائز ألا نرى اسمه في كتب التاريخ المدرسية مرة أخرى طالما أن التاريخ يكتب بالمزاج والتوجهات الشخصية والحزبية ..

مبارك نفسه له أخطاء كثيرة أيضاً ولكن له ايجابيات حتى ولو كانت قليلة و لكن يجب ذكر هذا وذاك

فمن صنع الفراعنة وصنع مبارك سيصنع آخرين غيرهم ولن نتعلم من الدرس أبداً , ولننظر إلى التغييرات التي تمت في المؤسسات الصحفية مؤخراً , فنفس الجريمة التي خدثت في عهد مبارك تحدث الآن ! وهي جعل مجلس الشورى - والذي لا فائدة منه - يتحكم في المؤسسات الصحفية ويعين من يراه مستعداً لخدمة النظام الجديد , فما الفارق بين الأمس واليوم إذاً ؟
فها هو مذيع بالفضائية المصرية يصف شعور الرئيس ومدي حزنه على أولاده الشهداء أثناء جنازة رفح , المضحك أن الرئيس نفسه لم يحصر الجنازة !!

ثم مصادرة صحف وغلق قنوات حتى لو كنا ضدها , لكن هناك قانون يطبق على الجميع لا على من يعارضني في الرأي فقط ,فإن كان معي فهو حبيبي وروح قلبي من جوه واعلام هادف وبناء و, وإن كان معارضاً لي فهو اعلام مضلل وكذاب وابن ...

يكفي تخوين لبعضنا البعض ويجب أن تنظر الأغلبية الآن بعقلية منفتحة لمعارضيها فليس كل معارض خائن وعميل وفلول , والشعب المصري والشعوب العربية قد تنخدع مرة لكنها لن تنخدع طويلاً ..





ا