عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 12-29-2015, 11:22 AM
oud
 

بعدما مدة طويلة من الصدمة حين أنهيت الاتصال معه بكلمة

الموافقة وجلوسي مكاني مصدومة كالدمية لوقت طويل قلت

بهمس " هل وافقت وحقا قلت موافقة !! "

اتصلت على الفور بسوسن فأجابت قائلة " نعم يا أرجوان .... أعطها

له بسرعة أو ضربتك , لا بارك الله في اليوم الذي عرفت فيه والدكم "

ضحكت رغما عني وقلت " لو سمعك زوجك لقطع لك لسانك "

قالت بضيق " ما أكثر ما يسمعها مني وما يزيد غضبي أنه

يحب سماعها ويضحك علي أيضا "

ثم قالت مباشرة " ماذا حدث معك لن تتصلي هذا الوقت إلا لشيء "

تنهدت وقلت " وافقت يا سوسن جننت ووافقت "

ضحكت كثيرا ثم قالت " يبدوا أعجبك كلامي عن ما سيحدث "

قلت بضيق " هل جننتي , ما هذا الذي تقولينه "

قالت من فورها " وما السبب إذا وأنتي التي ازددتِ رفضا "

قلت بغيض " تصوري أخبر الأطفال أني سأذهب للعيش معهم

للأبد إن أنا وافقت , لا واتصل لهم بي ليعرفوا رأيي "

عادت للضحك مجددا فقلت بحدة " سوسن توقفي عن الضحك "

قالت بين ضحكاتها " ولما لم يفعلها منذ البداية ويريح رأسه "

قلت من بين أسناني " هل أصبحت أنا الآن وجعا للرأس يا سوسن "

قالت بعد ضحكة " لم أقصد ولكن بالفعل لما لم يفعلها إلا الآن "

قلت بضيق " لأنه كان يأمرني أمرا طبعا أما الآن وبما أنه وضع

الموافقة في يدي قام بإشهار هذه الورقة الرابحة "

قالت بهدوء " ولما لم تفكري في هذه النقطة ؟ كيف فآتتك "

قلت ببرود " خشيت حقا أن يخبرهم أنه طلب مني العيش معهم ولكني

رفضت ولم يخطر في بالي أن يتعامل معي بهذا الخبث ظننته نزيها "

اكتفت بالضحك فقلت بغيض " ولكنه جنا على نفسه سيرى

إن لم أصبه ووالدته بالجنون "

قالت بهدوء " أرجوان لا تنسي أنه بينكما اتفاق

على أن يخرج من مشاكلكم "

قلت ببرود " لم أنسى "

قالت من فورها " ولا تفكري في نقطة أنك ستمنعينه من

نفسك لأنك ستكونين الخاسرة وبالضعف "

قلت بذات برودي " أعلم "

قالت " ما الذي تخططين له إذا "

قلت مباشرة " أصل هناك ولكل حادث حديث لكن أن يضن أني

لقمة سائغة ويستضعفاني كلاهما ويلعبان بي لن يحلما بها

ولن يعجز دماغ الأنثى عن فعل ما تريد "

تنهدت وقالت " أتمنى أن توفقي حقا يا أرجوان ففكري أن

تكسبيه لا أن تهزميه وكوني حكيمة كما عرفتك دائما "

تنهدت بأسى وقلت " لا تنسيني من دعائك يا سوسن إن

خرجت جثة من هناك بسببهم "

ضحكت وقالت " ولا تنسي أنتي أنني صديقتك واستقبليني في قصركم "

قلت بتذمر " أنا أسبح في وادي وأنتي في وادي آخر "

قالت بهدوء " ماذا خططتما للأمر "

قلت بشبه همس " لا شيء حتى الآن "

تنهدت وقالت " أتمنى لك الخير والسعادة يا صديقتي وأنصحك

أن لا تكرري أخطاء زوجته الأولى ومؤكد فهمتي

من كلامه ما كانت أخطائها "

قلت بحسرة " لما أتزوج بهذه الطريق الغريبة , أنا لا أصدق

أنني سأتزوج وبمن ! وكيف ؟ أشياء كالخيال "

ضحكت وقالت " هذا لأنك لا تفكرين في الزواج فلو كنتي تبحثين

عنه لما وجدته , هذا حامد قد عاد وداعا الآن ووافني بكل جديد "

قلت بهمس " وداعا "

*
*
بعد عودتي فتحت باب غرفتهم ودخلت فقد تركتهم صباحا ينتظرون

جوابها حتى أخذتهم لوالدة نزار وعدنا , نظروا لي في صمت وانتظار

ويبدوا أنهم ينتظرون رؤيتي ليعلموا , قالت بيسان " ماذا قالت "

ضحكت على أشكالهم وقلت " ماذا لو رفضت "

قالت ترف بصدمة " هل رفضت أن تعيش معنا "

قلت " بل وافقت "

صرخوا ثلاثتهم بفرح وأشرت بيدي للمربية لتلحق بي وخرجت

من الغرفة ونزلت لغرفة المكتب وهي تتبعني , دخلت وجلست

على كرسي المكتب ووقفت هي أمامي فقلت

" تعلمين الآن أن وضيفتك انتهت "

نظرت للأرض وقالت " نعم يمكنني المغادرة متى أردت "

قلت من فوري " ستغادرين متى أتت والدتهم الآن لا , وشيء

آخر أنتي تعلمي أنك الوحيدة التي أبقيتها من ثلاثتكم لأن سلوكك

مع الأطفال أعجبني لهذا لدي صديق ضابط مخابرات لديه ابن

ضرير وصغير يعيشان وحدهما ووالدته أي جدة الصغير

يحتاجون لمربية جيدة وأنا رشحتك لذلك فإن كنتي موافقة

باشرتِ العمل لديهم فور مغادرتك من هنا "

قالت بعد صمت " حقيقتاً أنا أحببت أبناءك ولم أعمل مربية لأمثالهم

من قبل وبت أخاف من تجربة أخرى تكون أسوء منهم ولا أنجح فيها "

قلت وأنا أغادر الكرسي " من هذه الناحية اطمئني فأنا أعرف صديقي

ووالدته جيدا ولك الخيار وأبلغيني بقرارك غدا "

ثم خرجت من المكتب وتوجهت لجناح والدتي طرقت الباب ودخلت

على لحظة خروجها من غرفتها فقلت " يبدوا تنوين الخروج "

وضعت حقيبة يدها على الأريكة وقالت وهي تجلس

" ليس مشوارا ضروريا يمكنك الدخول "

دخلت وجلست أمامها وقلت

" أرجوان ستكون هنا خلال أيام وكان عليا إعلامك بالأمر "

قالت ببرود " ولما تعلمني إن كنت لا تأخذ برأيي "

قلت بجدية " أمي أضننا تحدثنا في هذا مطولا وأمور

الزواج لن يتدخل فيها أحد "

قالت بضيق " يعجبك زواج معتصم الشبيه باللعب وزواجك

القريب الجالب للمشاكل والله أعلم ما ستقرر زهور "

قلت بهدوء " معتصم يريد بتول واختارها بمحض إرادته وتعرفين

عناده جيدا إن رفضتِ ثم ما السيئ في بتول هي ربت أخوتها ويد

واحده مع والدتها وطوال سنين دراستها لم نعلم عنها شيئا سيئا فلما

نكرر خطأ زهور في رفضك لمن كانوا أنسب لها ممن تزوجت "

قالت بجدية " أنا لم أقل أن شيئا يعيب بتول لكنها طفلة وهوا

طائش وصعلوك حتى دراسته لم يبدأها إلا الآن ثم تخفون عن

الفتاة أمر مهم كهذا أي لعب تلعبونه وبالنسبة لزهور لم يكن

اختياري لها سيئا هي من تتكتم عن السبب الذي وصل بهما

لذاك أن هرب بعدما ضربها حد الموت وطلقها ولم

يمضي على زواجهما أكثر من شهر "

تنفست بقوة وقلت " رضا طلب زهور وأنا تكلمت معها في

الأمر وأي أحد يخطبها أعلميها وهي ستختار وانتهى هذا

يا أمي , اجعلي لي شئنا ولو مرة واحدة في حياتك "

أشاحت بوجهها وقالت ببرود " لو لم أجعل لك شئنا ما سكت

عن هذا كله لأنك من قرره لكن أفهِم تلك الفتاة جيدا أن

الاستهتار لا تحلم به هنا "

قلت بهدوء ممزوج بالضيق " أفهمتها شيء واحد سأُفهمه لك

أيضا وهوا أني لن أكون عنصرا في مشاكلكم ولن يتكرر خطأ

حياتي مع حسناء في الماضي , مصلحة أولادي أولا وسأكون

مع الرأي الصواب ولن أتدخل في باقي الأمور التافهة الهامشية "

قالت بحدة " هل بات كلامي ورأيي تافه وهامشي "

قلت بضيق " بعض الأمور أصغر من أن تتحول لمشاكل

كبيرة يا أمي , تفاهمي معها وجدا لنفسيكما حلا "

قالت بقسوة " ولما تتزوجها إذا وأنت موقن من أنه

ستكون بيننا مشاكل لها أول وليس لها آخر "

قلت ببرود " تعلمين أسبابي جيدا ولن يفيد تكرار ما قلناه "

قالت بجمود " أنت لا تتعلم من أخطائك أبدا وستكرر ذات الخطأ

الأول حين تركتها تهرب مع رجل غريب بأبنائك وسببت لنا فضيحة "

تنفست بقوة مهدأ نفسي وقلت " حسناء هربت مع زوج والدتها وليس

رجلا غريبا وإلا ما كنت تزوجت بابنته فهي خالتهم ولا أريد

مشاكل في المستقبل أنا في غنا عنها حين تعلم أنهم أبناء شقيقتها

والسبب الآخر والأهم في زواجي بها تعليم الأولاد "

لاذت بالصمت فوقفت وقلت " لا أريدك أن تغضبي مني يا أمي

لكنه قراري النهائي من أجل مصلحة الأولاد فلم أفكر حتى في نفسي

وبات واضحا لك ولها حدودي فيما يخص تناقضكما في الرأي "

ثم خرجت مغادرا من جناحها , أعلم أنه ولا واحدة منهما

مقتنعة بما أقول وستفعل ما في رأسها لكن المهم عندي أن

يرفعا من دماغيهما إدخالي في أي شيء سيحدث بينها

*
*
مر يومان لم يتصل بي عريس الغفلة ولم أره خلالهما , يبدوا غيّر

رأيه أخيرا , آه كم أشتاق للأطفال وأحتاج لهم وأبدوا كما قال أناقد

نفسي , سوسن المضحكة أرسلت لي البارحة أسماء لمراكز عناية

بالبشرة ومحلات متخصصة بملابس العرائس كمن كذب كذبة وصدقها

وتضن أنه بالفعل سيمارس حياته معي كزوجين طبيعيان , هي تهدي

بالتأكيد هذا الرجل لا يريد زوجة هوا يريد مربية ومعلمة ووجدهما

لدي وهذا ما أنا أكيده منه وسعيدة به أيضا , سمعت قرعا لجرس الباب

فلبست حجابي ونزلت , ليس هوا بالتأكيد فهوا كالأشباح يدخل دون

إذن , فتحت الباب فكان أمامي فتاة تبدوا من دولة غير هذه البلاد

وخلفها يقف رجلان , قالت بابتسامة " صباح الخير سيدتي "

نظرت لها بتوجم ... سيدتها !! منذ متى كنت سيدة أحد ؟ قالت عندما

طال صمتي " السيد جابر أرسلني والسائق والحارس لأخذك للسوق "

نظرت لها مطولا بصدمة ثم قلت " قلتي لماذا !! "

قالت بذات ابتسامتها " للتسوق سيدتي , هوا لم يخبرنا بشيء سوا

أنه علينا أخذك لشراء كل ما تريدينه وإيصاله للقصر "

ثم التفتت للخلف وأخذت من الذي خلفها شيئا مربعا ثم نظرت

لي وقالت " هذه إحدى بطاقات السيد سندفع ثمن كل ما تختارينه "

قلت والصدمة لم تفارقني بعد " ما تعني بكل ما سأختاره "

قالت بهدوء " ظننتك والسيد متفاهمان على الأمر , أعني

الملابس الأحذية الحلي وكل شيء تختارينه أنتي "

ما يعني ! هل أنا متشردة وعليه تغيير مظهري ولما لم يخبرني

بهذا, كل شيء يأتي لقوله وليأمرني به وهذا لا , قلت ببرود

" عودوا من حيث أتيتم "

نظرت لي بصدمة وقالت " ولكن سيـ.... "

قلت بضيق " لن أذهب معكم فارحلوا في حال سبيلكم "

قال المخيف الواقف خلفها " لا نستطيع مخالفة الأوامر سيدتي "

قلت بجدية " الأوامر لك أنت وليست لي "

أخرج هاتفه قائلا " انتظري قليلا "

أجرى اتصالا وقال " سيدي الآنسة ترفض الذهاب معنا "

خرج حينها الصوت المزمجر من سماعة الصوت من علوه وقال

هذا المغلوب على أمره " أخبرناها سيدي ولكنها ..... "

قاطعه بصراخه مجددا فقال " حاضر سيدي "

أنهى المكالمة وقال " لا تسببي لنا المشاكل يا آنسة

لأنه عليك الذهاب معنا "

دخلت للمنزل وصعدت لغرفتي وأخذت هاتفي واتصلت به لكنه

فلم يجب هذا المتعجرف المتحجر , وصلت بعدها رسالة ففتحتها

فكانت منه وفيها ( لن ينزل حق من حقوقك كزوجة أليس هذا ما

تريديه فمن ضمن المكانة التي اشترطتها أن تتجهزي كغيرك )

تأففت ورميت بالهاتف بعيدا عني ثم عدت له مصعوقة وقرأت

الرسالة مجددا, ما يعني بلن يسقط حق من حقوقي ! لبست حجابي

وعباءتي ونزلت لهم محاولة تجاهل كل هذه الأفكار , خرجت

وركبت السيارة الفاخرة التي توصل الأطفال للمدرسة وحكوا لي عنها

أخذوني لمركز كبير ومشهور لم أحلم يوما أن أدخله حتى من باب

الفضول وبدأت بالتنقل في المحال وهما خلفي وكأني أعيش فلما

أمريكيا وأمثل دور أحد الأثرياء فيه , مررت بجانب محل لقمصان

النوم ولا شيء غيرها فيه فابتسمت بسخرية وتخطيته متجاهلة له

فلن أحتاجه ولن أدخله لأني سأكون مسخرة له حين يأخذون الثياب

للقصر ويرى من ضمنها هذه التفاهات وطبعا سيضحك علي وفي

وجهي أيضا فلن يفوت كهذه الفرصة, دخلت أحد المحال النسائية

الخاصة بفساتين السهرات وانطلقت إحدى البائعات نحونا

كالصاروخ قائلة " تفضلي سيدتي ما الذي تحتاجينه "

قلت وأنا انظر للمعروضات حولي " أريد ذاك الفستان الأسود وذاك

الأخضر فاختاري لي ما يكون مناسبا لجسدي من ناحية المقاسات "

أخرجتهم لي من فورها مع مجموعة أخرى طبعا تصر عليا

أن أجربها وأنها على الموضة فأخذتهم منها فليس ورائي شيء

الوقت مفتوح أمامي ولا شيء ورائي أفعله والمال ليس من جيبي

قست كل المجموعة آخذ رأيها والفتاة التي أرسلها وأعجبني ثلاث

فساتين اشتريتهم وخرجت أحسب ثمنهم بأصابعي , يا إلهي ثمنهم

يساوي رواتبي لثلاث أشهر , تجولنا كثيرا واشتريت كل ما أعجبني

وليس ما يلزمني فقط , هذا ثمن بسيط لتضحيتي بالعيش في

ذاك الجحيم ومع أولائك الوحوش

وصلنا حينها للطابق المخصص بمحلات الذهب والمجوهرات

فتوجها بي لمحل معين لم أختره أنا , دخلت خلفهم فرحب بنا

صاحب المحل وأخرج علبة كبيرة سلمها للحارس فأخذها منه من

فوره وخرج بها ينتظرني في الخارج فخرجت كالبلهاء لا أفهم شيئا

وقال حينها " إن أنهيت كل شيء سنأخذه للقصر ونعيدك لمنزلك "

قلت ونظري على العلبة " ولما كل شيء باختياري إلا هذا ولم أره حتى "

قال من فوره " هذا على دوق السيد وطلبه "

قلت من فوري " هل لي أن أراه "

قال " معذرة سيدتي لا أستطيع "

تنهدت بضيق وغادرت وهما يتبعاني , دخلت لمحطتي الأخيرة

وهي محل خاص بالأطفال لأشتري هدايا لأبنائي ومن ماله أيضا

يالك من مضحكة يا أرجوان أعجبك هذا الدور في مركز التسوق

ونسيتِ ما ينتظرك ثمنا لكل هذا , اشتريت هدايا لسوسن وأبنائها

أيضا ثم خرجنا وقلت " هذه سآخذها معي للمنزل "

قال الحارس " الأوامر أن نأخذ ما تطلبين أخذه فقط "

قلت بعد تفكير " حسنا سآخذ بعض الأغراض ممن اشتريته "

أوصلوني للمنزل أنزلت الهدايا وأحد الأثواب مع ملحقاته لألبسه

عند ذهابي هناك فقد يكون لديهم أحد فأنا لا أعلم عن ترتيبه للأمر

هناك رغم أنه لم يتحدث عن حفل ولا يفكر فيه وهذا أفضل فأنا لا

أريد أن تحرجني والدته أمام طبقتهم المترفعة

دخلت المنزل وكل مفاصلي تؤلمني من اللف والتنقل بين المحلات

من يرى مبنى المركز من الخارج لا يتخيل انه هكذا من الداخل

رميت بحقيبتي على الأريكة وتوجهت للمطبخ لأعد شيئا خفيفا آكله

فلم آكل في المطعم الموجود هناك طبعا لأنهما لابد وسينقلان له

كل ما فعلت وسيعتقد أني أهذر ماله عمدا , ههههه غبية وما سيقول

عن كل تلك الأشياء التي اشتريتها , لا وهدية لصديقتك وطفليها

ولكن الذنب عليه لما يجعل حسابه مفتوحا لي

تناولت طعامي ونظفت المطبخ ثم خرجت وتوجهت لحقيبتي

أخرجت هاتفي ووجدت رسالة منه , لابد سيشتمني على إهداري

لماله , فتحت الرسالة فكان فيها ( غدا صباحا سآتي لأخذك للمحكمة )

نظرت للحروف بصدمة أقرأها مجددا , كيف علم أنه لا ولي لي

وزواجي لا يتم إلا عن طريق المحكمة !!! يبدوا يعلم عني أكثر من

نفسي, صرخت بعدها وقلت " ماذا !! في الغد "

*
*
فتحت الكتاب ومررت صفحاته حتى وصلت لآخر شيء وقفت عنده

( القصاصة السادسة ــ حلم من الماضي البعيد )

قلبت الورقة وقرأت (( ورقة مطوية قلم حبر طرفه مكسور وجريدة

أخرى , فنجان قهوة وأغنية بموسيقى حزينة وطفلة صغيرة بفستانها

الحريري الطويل ترقص بالمقربة من تلك الطاولة على أنغام تلك

الموسيقى , حافية القدمين شقراء الشعر وزرقاء العينين وثلجية

البشرة , في أحد أصابعها خاتم ماسي تلف حول نفسها مبتسمة

رغم الحزن في كلمات تلك الأغنية ورغم سواد قهوة الفنجان

تلف وتضحك وتتطاير تلك الخصلات الذهبية وتنظر بحدقتيها

الزرقاء للواقف هناك عند الجدار , صاحب الابتسامة الميتة

والنظرة الحزينة والقلب المشتاق , ينظر بشغف لطيف الراقصة

أمامه يتمنى لو فقط يسير نحوها ويحملها من خصرها بذراعيه

ويلف بها وهوا رافعا لها للأعلى تماما كما كانا في ذاك الزمن

البعيد, لازالت تلف بجسدها وتركز نظراتها على عينيه وكأنها تخبره

أنها المستحيل أنها الغربة في الليل الطويل المظلم , لو فقط يصل

ولو لتلك الورقة وذاك القلم ليكتب فيها قصيدة أو أغنية أو حتى

رثاء يرثي به حاله , لو يستطيع أن يصل حتى لفنجان القهوة

ليسكبه على فستانها الأبيض الحريري لتبكي وتركض إليه وتخبره

أن ثمة من سيعاقبها على اتساخ فستانها وتطلب منه أن يخبأها

فلا يجد مكانا سوى حضنه يخفيها فيه , تماما كما كان في ذاك

الزمان البعيد , ولكنه لا لن يستطيع لأن كل شيء هناك من بعثرات

خياله وذكريات ماضيه ولا شيء حقيقي هنا سوى تلك الجريدة

التي لا يريد أن يقترب منها لأنها ستخبره أن حبيبته لم تعد كما

كانت , لم تعد الطفلة الشقراء ذات الفستان الحريري الطويل

ولم يعد هوا في نظرها فارسها الوحيد , لذلك هوا لن يفعل

شيء سوى أن يُميل رأسه جانبا ونظره لازال على عينيها

ويبتسم لها الابتسامة الوحيدة اليتيمة لعلها تصل إلى قلبها يوما

وتخبرها أنها هي عشقه الوحيد كانت ولازالت وستضل للأبد ))

أغلقت الكتاب ومرت أطياف تلك الذكرى السوداء أمامي

وذاك الرجل يصرخ بي ويزمجر بغضب وهوا يدوسني بقدميه

" لن تخدعوني يا ابنة الحسب والنسب لن تضحكوا عليا لأخفي

عاركم وأتستر عليك , لن أخاف شقيقك ومركزه وستدفعين ثمن

خداعكم لي وثمن عبثك من وراء عائلتك أو بعلمهم لا يعنيني ذلك "

رميت بالكتاب بعيدا عني ولا أعلم لما أقرأه وهوا سبب رجوع

تلك الذكريات السوداء لرأسي دائما , لماذا أكاذيبك يا رضا وحدها

من تعود بي لذكرياتي المُرة التي لم أنساها مع ذاك الرجل

ضممت ساقاي بذراعاي جالسة على السرير وخبأت وجهي فيهما

وعادت بي الذكرى من جديد ولكن لشخص آخر وزمن بعيد

(( رفعت رأسي ونظرت له وقلت بابتسامة طفولية

" هيا نخرج يا رضا "

نزل عندي وفتح لي مشابك شعري كعادته ومشطه بأصابعه

موزعا له على أكتافي ليبيح لي أول الممنوعات عني وهي ترك

شعري مفتوحا في غير وقت النوم وسار بي على أطراف الحديقة

حتى أخرجني من القصر لألعب مع الأطفال وهوا يقف بعيدا

يراقبني كي لا يضربني أحد أو يطردني من لعبتهم وأنا ألوح له

بيدي كل حين فيبتسم لي ويرفع لي كفه دون تلويح ))

رفعت رأسي ووقفت مغادرة السرير أريد أن أنسى كل شيء

ولا شيء يساعدني على النسيان لا شيء أبدا

خرجت لجناحي وسمعت طرقات خفيفة ومتقطعة على

باب الجناح فتوجهت نحوه وفتحته فنظرتْ لي الواقفة

خارجه بابتسامة وقالت " هل أدخل معك "

ابتسمت وقلت " تعالي ادخلي يا بيسان "

دخلتْ وأغلقتُ الباب خلفها قائلة " لما أتيتِ إلي "

توجهت من فورها لحوض الأسماك في غرفتي وبدأت

تراقبهم بسعادة وقالت " ما أجملها هل هي حقيقية "

اقتربت منها وقلت " نعم هي حقيقية وحية "

نظرت لي وقالت " هل نستطيع إمساكها "

ابتسمت وقلت " لا فإن أخرجناها من الماء فستموت "

قالت بحزن ونظرها على الأسماك

" مسكينة كم ستشرب من الماء ستنفجر معدتها "

غلبتني ضحكتي التي لم اسمعها منذ وقت طويل حتى أني نسيت

كيف تكون , اقتربت منها ومسحت بيدي على شعرها وقلت

" لم تجيبيني يا بيسان لما أتيتِ إلي "

نظرت لي للأعلى وقالت بابتسامة " هربت من المربية لأزورك "

نزلت لعندها وقلت " ولما تهربين منها "

قالت بعبوس " جدتي لا تريد أن نخرج من ممر

غرفنا , وغرفتك بعيدة عني "

ابتسمت لها وتوجهت لغرفتي وأنا أقول " تعالي اتبعيني يا بيسان "

دخلت الغرفة وهي تسير خلفي ثم أجلستها على السرير وفتحت

خزانتي وأخرجت صورة وجلست بجانبها وأريتها لها فأمسكتها

وقالت بدهشة " صورتي !! "

قلت بابتسامة " بل صورتي أنا حين كنت في عمرك الآن "

نظرت لي بصدمة وقالت " هذه أنتي !! "

هززت رأسي لها بنعم فقالت بابتسامة " مثلي أنا أليس كذلك "

قلت وأنا ألعب بجديلتها بين أصابعي " نعم أنتي مثلي "

ضحكت وقالت " كما قال ذاك صديق بابا الذي اسمه رضا "

ماتت ابتسامتي خلف صدمتي وقلت " ماذا قال لك ؟؟ "

قالت " قال تشبهينها في كل شيء وحين سألته من تكون

قال حبيبتي وكلمات لا أفهمها "

ابتسمت بحزن وأبعدت نظري عنها فقالت

" ماما ستأتي للعيش معنا وجئت لأخبرك "

نظرت لها باستغراب وقلت " من ماما هذه فوالدتكم ميتة "

قالت بابتسامة " التي كانت شقيقتنا ثم وجدنا

بابا وظهرت أنها ليست شقيقتنا "

قلت بحيرة " ولما ستأتي هنا "

رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم بابا يقول سيتزوجها

المهم أنها ستبقى معنا للأبد "

كما قال جابر إذا أخرج أمي من مواضيع الزواج في العائلة

قلت بابتسامة " هل تحبينها كثيرا "

فتحت ذراعيها على وسعهما وقالت " أجل هكذا "

ابتسمت وقلت " وهل تحبينني أنا "

هزت رأسها بنعم ثم قالت " هل حقا حين أكبر سأكون

كونتيسة جميلة مثلك "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " كونتيسة !! "

هزت رأسها وقالت " نعم مثل بابا إمبراطور وماما إمبراطورا "

ثم عدت بأصابعها وقالت " ودوق أمجد ولورد معتصم والأميرة ترف "

ثم أشارت لنفسها وقالت " والأميرة بيسان "

فتحت لها مشابك شعرها وأحضرت المشط ومشطت لها شعرها

ثم توجهت للخزانة أخرجت الصندوق الكبير في داخلها فتحته

وأخرجت منه أحد فساتيني حين كنت في سنها وألبسته لها فلفت

به حول نفسها وقالت بفرح " كم هوا جميل مثل فستانك تماما "

أمسكتها من يدها وحملت الحقيبة التي في أعلى الخزانة وقلت

" تعالي معي يا بيسان سنفعل شيئا ستحبينه "

أطاعتني من فورها وخرجت بها من الغرفة , وها هي هذه الطفلة

تخرجني من غرفتي وعزلتي للمرة الثانية , نزلت بها للطابق

الأول وتوجهت للغرفة التي لم أزرها منذ سنين , فتحت الباب

ودخلت وهي معي يدها في يدي , ما تزال الغرفة كما هي لم

تتغير أبدا , وضعت الحقيبة على الطاولة ثم فتحت السحّاب

وأخرجت منها آلة التصوير وتبثها على الطاولة ثم توجهت للبيانو

الذي لم المسه من وقت طويل , فتحت الغطاء وجلست أمامه

ونظرت لها وقلت " اقتربي يا بيسان وافعلي ما سأقول لك "

*
*
عند الصباح استيقظت على صوت رنين الهاتف فأخرجت يدي

من تحت اللحاف وأدخلت الهاتف معي تحته ونظرت لأسم المتصل

بعين واحدة مفتوحة ثم أجبت قائلة " سوسن ما بك مزعجة هكذا

قلت لك سأستيقظ بنفسي , مادمتِ متحمسة جدا تزوجيه أنتي إذا "

وصلني صوت رجولي ثقيل قائلا بضيق

" نعم وزعيني على صديقاتك أيضا "

جلست مفزوعة ونظرت للرقم بتركيز ثم أعدت الهاتف

لأذني وقلت " من أين تحصلت على هاتف صديقتي "

قال بسخرية " افتحي عينيك جيدا يا آنسة وانظري للاسم "

نظرت له فكان سوسن لكن الرقم ليس لها هذا رقم مميز فهوا

رقمه بكل تأكيد من أين لتلك المعدومة بهذا الرقم , لقد فعلتها

بي تلك المخادعة إذا حين زرتها البارحة وأخذت الهدايا لها

الوقحة سترى ما سأفعل لها, أعدت الهاتف لأذني وقلت " نعم "

قال ببرود " أنا في الأسفل بسرعة لا تعطليني ورائي

مشاغل كثيرة "

شددت على أسناني بغيض أكتم كلماتي كي لا أنفجر فيه

هذا المتعجرف المغرور لكن علاجك عندي يا عدو النساء

غادرت السرير ودخلت الحمام سريعا وخرجت , غيرت ملابسي

ولبست عباءتي وحجابي ونزلت له , سيد المنزل والآمر الناهي

فيه وجدته جالس على الأريكة لا ويشرب القهوة , وبكل وقاحة

يعد القهوة في منزلي أيضا , لم أقابل في حياتي أوقح منه

وقفت عنده وقلت ببرود " صباح الخير "

قال ونظره على الفنجال في يده " الآن صباح الخير "

تنهدت وقلت " جابر اترك عني وعنك لعب الأطفال "

نظر لي بابتسامة جانبية فقد فهم مقصدي جيدا , وضع

الفنجال على الطاولة أمامه ثم وقف قائلا " لا تعامليني بمبدأ

ما قُلتَه لي سابقا أعيده لك الآن لأن اللعبة لن تعجبك "

قلت وأنا أسير خلفه خارجا من الباب " قد تعجبنا ونتسلى بها "

قال وهوا يفتح الباب " إذا لا تنسي أوراقك جميعها كي لا

نعود مجددا لأخذها يا .... آنسة أرجوان "

وقد ضغط على الكلمتين الأخيرتين ليذكرني أني منذ قليل

قلت له جابر فقط ولأتذكر ما قلته سابقا حين ناداني باسمي دون

رسميات , من صدمتي لم استطع الرد عليه , من أين جاء لي

حظي التعيس بهذا الداهية ؟ سيأتيك اليوم يا أرجوان الذي

ستقولين فيه وبحرقة جملة سوسن الشهيرة

( لا بارك الله في اليوم الذي عرفت فيه والدكم )

ويبدوا قريبا جدا , خرجت خلفه وصعدت السيارة وانطلقنا في

صمت حتى قال ونظره على الطريق " سنتم كل شيء

وآخذك للقصر أم لك رأي آخر "

نعم فكل الرأي لي ولا تتحرك دون أخذ رأيي , قلت بهدوء

" أريد العودة لمنزلي أولا لدي بعض الأغراض

أريد تجهيزها لآخذها معي "

قال ونظره لم يفارق الطريق " إذا سأتصل لك بالسائق لتعودي

معه أنا مشغول اليوم سأترك لك السائق يأخذك للقصر متى تريدين "

لم اعلق بشيء ولن أقول أنت ستكون زوجي وأنت من عليه

أخذي لأني في هذا الزواج اعلم أنه لا يعتبرني زوجة وأنا

أكثر منه لا أعتبره زوجا ومستغنية عن خدماته, وصلنا

المحكمة وأتممنا الزواج وأنا انظر للعقد بحسرة حين كنت

أوقع عليه والقاضي يسألني إن كنت موافقة , آخر ما تخيلته

أن أتزوج , وبمن !! بوالد أشقائي , كم في الحياة من عجائب

وهذا الصخرة أعجوبة لوحده

خرجنا بعدها من مبنى المحكمة وكان السائق في الخارج فتح لي

باب السيارة وتوجهت من فوري لها وركبتها دون أن أتحدث معه

أو أسمع منه كلمة , ركب السائق وعاد بي جهة منزلي وأنا متكئة

على النافذة أنظر للسيارات بشرود طوال الطريق , صحيح أني لم

أكن أفكر في الزواج من اجل الأطفال ولكني كأي فتاة كنت أتمنى

إن تزوجت أتزوج رجلا حنونا عطوفا يحبني ليس كهذا الصخرة

وليس يوم كهذا اليوم , حتى بعد أن صرت زوجته لا كلمة جميلة

منه لا همس لا أمسك يدي وأخرجني معه ولا حتى كلمة مبارك

لنا أيتها التعيسة أرجوان , تنهدت بأسى ورفعت رأسي

وقلت موجهة حديثي للسائق " أوقف هذه الأغنية "

امتثل لأمري فورا فلم يزدني بؤسا سوى سماعي لهذا

اللحن وهذه الكلمات الرومانسية الحالمة

أوصلني للمنزل وقال بأنه سيبقى في الخارج حتى يغادر بي

ولو بقي النهار بطوله لأن الأوامر هكذا , طلبت منه أن يترك

لي رقم هاتفه ويغادر لكنه رفض فدخلت للمنزل وتركته , هوا

اختار هذا فليتحمل إذا , غطيت أثاث المنزل دون أن أحرك شيء

منه من مكانه فمن يعلم قد أعود له قريبا , صعدت بعدها لغرفتي

استحممت ولبست الفستان الذي تركته هنا ولم أضع شيئا على

وجهي وتركته على طبيعته ومر الوقت من تنظيف وتغطية

أثاث وتجهيز لنفسي حتى بعد الظهيرة وذاك السائق لازال في

الخارج , رحمت حاله وأعددت وجبة سريعة لي وله وأخرجت

له الطعام للسيارة فقبله من فوره , عدت للمنزل نظفت الأواني

التي أكلت فيها ثم أغلقت جميع الغرف والمطبخ والحمامين

وأخرجت هدايا الأولاد ووضعتها في السيارة وقلت للسائق

" سأسلم على جاراتي القريبات مني وآتي إليك "

قال من فوره " كما تريدين سيدتي ويمكنني أخذك بالسيارة "

قلت بابتسامة " شكرا منازلهم هنا قريبة , لي صديقة

تبعد عن هنا بشارعين ستأخذني لها قليلا "

هز رأسه بحسنا فشكرته وأغلقت باب السيارة وسلمت على

جاراتي المقربات وكل واحدة منهن صُدمت لخبر زواجي وحين

سألنني عن العريس وعرفنه من يكون قالوا أنه فُتحت أبواب

السماء لدعواتي ويالهم من واهمين , كل واحدة منهن كان

في ملامحها معرفتهم بأمر تردده على منزلي والجميع

خائف من السؤال لأنهم بالطبع سيخافون منه , عدت

للسيارة ركبتها وأخذني لمنزل سوسن , نزلت وقرعت

الجرس ففتحت هي الباب لي فنظرت لها بضيق وقلت

" لم أكن أريد زيارتك على الموقف السيئ الذي وضعتني

فيه صباحا لكني أفضل منك وجئت لأودعك مؤقتا "

ضحكت وقالت " ولما مؤقتا وليس أبدا "

قلت ببرود " لأني أجزم بأنني عائدة لك عما قريب "

ضحكت وقالت " هيا أدخلي "

قلت من فوري " عليا أن أرحم المسكين ينتظرني منذ الصباح "

نظرت لي بصدمة فقلت بضيق " سوسن السائق أعني فلا

تعكري لي مزاجي فوق تعكيره "

حضنتني وقالت بدموع " سأشتاق لك يا أرجوان "

قلت بحزن " سأزورك دائما فأنا لن أسافر يا غبية "

ضحكنا معا ثم غادرت من عندها ووصلنا القصر بعد نصف

ساعة من السير بالسيارة , دخلت للداخل واستقبلتني خادمتان

وصعدتا بي للأعلى فقلت ونحن نصعد السلالم " خذاني لغرفة الأطفال "

أخذاني لممر غرفهم فورا , طرقت باب غرفة ترف و بيسان وفتحته

ودخلت فكانت المربية معهم وما أن رأتاني حتى قفزتا ركضا ناحيتي

ونزلت لهما واحتضنتهما بشدة , هذا أجمل ما في الأمر كله هؤلاء

الأطفال الذين أصبحت زوجة والدهم الآن ولم أعد فتاة غريبة عنهم

قالت ترف وهي تحضنني بقوة " أحبك ماما وأخيرا ستبقي معنا "

قلت بحنان ماسحة على شعرها " نعم صغيرتي ولن أترككم أبدا "

وقفت المربية وقالت " أنا سأغادر الآن فوظيفتي انتهت هنا

أتمنى لك السعادة سيدتي , أبناءك من ألطف وأفضل من

قابلت ونعم التربية حقا , وسررت بمعرفتك "

وقفت وصافحتها وقلت " شكرا لك يا آنسة أنتي مؤدبة

جدا أتمنى لك التوفيق "

اكتفت بالابتسام لي وغادرت الغرفة من فورها

نظرت بعدها من حولي وقلت " أين أمجد "

قالت بيسان " أخذه عمي معتصم معه "

قلت " أين السجادة لم أصلي العصر والمغرب يقترب شيئا فشيئا "

ركضت ترف وأحضرتها لي على الفور فأخذتها منها وقبلت

خدها وقلت " هل تصلون كما أوصيتكم "

قالت بيسان " نعم ماما نحن والمربية وأحيانا بابا "

ابتسمت وقلت " هذا جيد حبيبتاي "

قالت ترف "سأصلي معك "


قلت مستغربة " ألم تصلوا بعد ! "

قالت من فورها " بلى لكني أريد أن أصلي معك "

ضحكت وقلت وأنا ألعب بغرتها بين أصابعي

" لا يجوز حبيبتي الصلاة مرة واحدة فقط سيغضب الله منك "

قالت بحزن " حقا سيغضب مني "

قالت بهدوء " نعم حبيبتي وسنصلي المغرب معا لا تقلقي "

ابتسمت بسعادة فوقفت وطرحت السجادة وصليت ثم نزعت

عباءتي , كنت أرتدي فستانا من الفساتين التي اشتريتها كان

طويلا باللون الأحمر الغامق له أكمام قصيرة جدا وفتحة عند

الصدر مربعة الشكل , لو كنت اعلم انه لن يستقبلني غير

الخادمات ما كنت لبسته , قالت بيسان " ماما فستانك جميل "

قلت بابتسامة " وفستانك أيضا "

قالت وهي تلف به " عمتي زهور ألبستني إياه البارحة

ولم أترك المربية تنزعه مني ونمت به "

قلت بحيرة " عمتك زهور ألبسته لك !! "

هزت رأسها بنعم وقالت " هي جميلة ولطيفة ولديها

حوض أسماك في غرفتها "

نظرت لها ترف وقالت وهي تمرر يدها على عنقها

" لو رأتك جدتي تذهبين هناك لذبحتك "

قلت بصدمة " ولما لا تذهب هناك ! "

قالت ترف " جدتي تقول لا تغادروا ممر غرفكم

وتركضوا في ممرات القصر "

يا إلهي ما كل هذا الجبروت والجنون , هذه ليست سوى

المعلومة الأولى ولكني لن أسمح بهذا أبدا , جمعت شعري ولففته

وأمسكته بمشبك أخرجته من حقيبة يدي وأمضيت بعض الوقت معهما

حتى أذن المغرب وصلينا , لا أعرف أين أخذوا ثيابي لأغير هذا

الفستان ولا أستطيع سؤال احد لأني لا أعلم حتى كيف أتحرك هنا

بعد ساعتين طرق أحدهم باب الغرفة ودخل فكان امجد الذي ركض

مسرعا نحوي واحتضنني وقال " ماما لما لم تقولي أنك ستأتي اليوم "

جميل ولم يخبرهم أني سآتي , يقول فقط مع يهمه ويخدم مصلحته

قلت بابتسامة " حدث الأمر سريعا بني "

ثم أبعدته عن حضني وقلت " أين كنت رائحتك هكذا !! "

قال بابتسامة " أخذني عمي معتصم للخيول إنها كثيرة

وجميلة وأركبني إحداها أيضا "

قالت ترف ويدها وسطها " ولما لم يأخذني أنا "

نظر لها وقال ببرود " أنتي فتاة لا يأخذك "

مدت شفتيها وقالت " أريد الذهاب "

قلت " هيا بني عليك أن تستحم بسرعة "

قال من فوره " حاااضر "

وغادر الغرفة متوجها لغرفته استحم وعاد لينظم إلينا

بعد وقت طرق أحدهم الباب ودخلت خادمتان بالطعام

وكانتا غير اللتان أوصلتاني إلى هنا , وضعاه على الطاولة

وقالت إحداهما " السيد اتصل وأمر بإحضاره لكم هنا الليلة "

قلت بابتسامة " شكرا لكما "

ثم قلت مباشرة " أين ملابسي وغرفتي هنا "

نظرتا لبعضهما باستغراب فيبدوا سألت سؤالا سخيفا أو لا يعلمان

أني تزوجت بجابر وسأعيش هنا , هل سأقيم مع الفتاتين هنا في

غرفتهما ؟ حسنا ملابسي على الأقل , قلت بهدوء

" يمكنكما المغادرة "

غادرتا في الفور , تناولنا العشاء سويا وعادتا بعد نصف ساعة

وأخذتا الأطباق وقالت إحداهما مشيرة للهاتف في الغرفة

" إن احتجت أي شيء سيدتي الهاتف موصول بالمطبخ وغرفة

الخدم والسائق أيضا , في الأزرار الثلاث الأولى "

قلت بابتسامة " شكرا لك "

وغادرتا مجددا صلينا العشاء وجلست على الأرض أدرس بيسان

قليلا وترف تنام على ظهري ولم أنهاها كما في السابق فانا اشتقت

حتى لمشاكستها لي وأنا أدرس أخويها , وامجد كان يمسك كتابه

ينتظر أن ننتهي لأرى دروسه , فتح حينها أحدهم الباب ونظرنا له

جميعنا فكان جابر , سويت جلستي وأبعدت ترف عني وأجلستها

في حجري فقال بهدوء ممزوج بالجدية " مساء الخير "

قلت بشبه همس " مساء النور "

ركضت ترف ناحيته فرفعها من ذراعيها وقبل خدها

وهمس لها شيئا فقالت " حاضر بابا "

ثم انزلها فقالت مشيرة بإصبعها لي " ماما جاءت وأنت غير موجود "

كتمت ابتسامتي بأصابع يدي ولا أعلم من أين له هذا التحكم في

نفسه ولم يضحك مما قالت , نظر جهة امجد وقال

" لغرفتك يا أمجد ألا ترى أنها العاشرة "

وقف امجد وقال " كنت انتظر أن تدرسني بعد بيسان "

قال من فوره " تدرسك غدا الوقت أمامكم بطوله , هذا وقت

النوم هيا بسرعة كلن في سريره "

توجه أمجد نحوي وقبّل خدي وقال " تصبحين على خير ماما "

ثم خرج مارا بوالده وقال له نفس الشيء وغادر الغرفة لغرفته

وتوجهت الفتاتان من فورهما لأسرتهم وبقيت المربية أرجوان

جالسة على الأرض , نظر لهما ثم أطفأ النور وقال مغادرا

" اتبعيني لجناحنا يا أرجوان "

نهاية الفصل
__________________
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 12-29-2015, 11:24 AM
oud
 
الفصل الثاني عشر

استيقظت باكرا استحممت ولبست ثيابي وحجابي وأخذت مذكراتي

والمعطف الطبي من أجل المعمل وخرجت من غرفتي , منذ سافرت

فرح والمكان أصبح هادئا وكئيبا بدون ضجيجها وضحكاتها التي

تسمعها أينما كنت في الشقة وفتحها للأبواب بعنف وكأنها ستذهب

لمقابلة تلفزيونية وليس الجامعة أو السوق , توجهت لغرفة الطعام

وكانت زوجة والدي هناك تنتظرني , دخلت وقلت " صباح الخير "

قالت بابتسامة " صباح الخير بنيتي تناولي إفطارك

جيدا ليس كاليومين الماضيين "

ابتسمت وجلست وقلت " لا تقلقي بشأني سآكل في الجامعة "

تنهدت وقالت " لو فرح هنا ما تركت أحد ينهض إلا

وهوا أكل حصته وزيادة "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " ذلك من كثرة ثرثرتها تجعلك

تأكلين دون شعور وأنتي منسجمة مع ما تقول "

قالت بابتسامة " وفقهما الله , اليوم ستداوم في الجامعة هناك "

قلت بهدوء " البارحة تحدثت معي وتبكي طبعا وقالت لم تحب

المكان ولا البلاد , وهي وصلتها منذ أيام فقط "

ضحكت وقالت " أعان الله جواد عليها ستجعله يكره السفر والدراسة "

قلت وأنا أشرب الشاي " ستحتاج لوقت لتتعود لقد اتصلت به وتحدثنا

في الأمر وقال بأنه يعلم أن كل من يسافر يمر بهذا بادئ الأمر

فقط النساء يعبرون بدموعهن والرجال لا "

تنهدت وقالت " أعانني الله على فراقكما , لو تبقي لي أنتي على الأقل "

قلت بابتسامة حزينة " هذا ما كنت أتمناه أن نبقى أنا وأنتي كما

كنا ولكن من يستمع لنا ولرغباتنا فالمرأة تبقى تابعة

للرجل حتى القبر وهوا يأخذها له بنفسه "

ضحكت وقالت " من أين تأتين بهذه الحِكم "

وقفت وقلت بضحكة صغيرة " الحياة كفيلة بذلك "

غادرت بعدها المنزل وركبت السيارة التي تنتظرني في الخارج

كم مرة قلت أني سأركب سيارات الأجرى ولكن من يفهم ما أقول

المهم عندي أنه لن يصرف علي من جيبه ولن أدرس على حسابه

وإن كنت سأعيش في منزلهم , أنزلني السائق عند بوابة الجامعة

وتوجهت للداخل وقابلتني ملاك عند الباب قائلة " بسرعة لما تأخرتِ "

قلت وأنا أسير معها مسرعتين " قابلت شابا في الطريق وجلسنا نتسامر "

ضحكت وقالت " أخبريه في المرة القادمة يقابلك

وقت مغادرتك وليس قدومك "

ضحكنا سويا ثم قالت " أحضرت لك جميع المحاضرات

التي فآتتك وكشكولي أيضا "

قلت بهدوء " جيد عليا مراجعتها بسرعة "

قالت بضيق مصطنع " في المرة القادمة حين ترفعين راية

الغطرسة والخروج عن قوانينه أعلميني مسبقا لأتحد معك "

عدنا للضحك مجددا ولكن ضحكي مختلف عنها كثيرا

ضحك ملئه حسرة وألم , دخل علينا صوت المار بجوارنا

مسرعا وهوا يقول " بسرعة يا كسولات الدكتور قريب

منكما ستخسران المحاضرة "

وما أن سمعنا كلماته حتى ركضنا كلانا ركضا وهوا يضحك

علينا فقالت ملاك بصوت مرتفع وهي تتوجه لقاعة المحاضرات

" حسابك معي يا طلال وسترى "

ضحك ودخل خلفنا قائلا " أحضرت مواد رسالة التخرج علينا

دراستها معا يا كسولتان , نريد أن نخرج من

هذه السنة بأسرع ما يمكن "

اجتزنا المدرج للأعلى وأنا أقول " سنتحدث لاحقا في المعمل "

جلسنا ودخل دكتور المادة قبل أن يدخل قبلنا والحمد لله , قام

بتقسيم اللوح لثلاث كعادته وملأه أولا ثم أظلم القاعة وشغل العارض

الضوئي وكأن من يركض ورائه كل شيء مع بعضه , وعند هنا

هدأ الجميع لأنه مع الظلام لا هواتف محمولة تفتح ولا حواسيب

لوحيه ولا مذكرات ولا شيء يُرى غير شاشته الكئيبة , بدأ في

شرحه الطويل الممل وسافرت أنا بنظري للفراغ, عليا إنهاء

جمع أغراضي لانتقل لمنزل خالتي .... آه استغفر الله لما أنا

لا مأوى لي , لما المرأة عليها أن يكون لها شقيق أو والد أو

زوج كي لا تعيش عالة على أحد , لما رجعت من سفرك

يا نواس ولما أنت من بين خلق الله ابن خالتي ولماذا رحل

كل أهلي بعيدا عنك إلا أنا , اتكأت على الطاولة أمامي

وخبأت وجهي فيها حين شعرت بيد تمسح على ظهري

وصوت هامس اقترب مني قائلا " وسن هل أنتي بخير "

كم صرت أكره هذه الكلمة , أنا بخير نعم بخير لو ابتعدت عنه

لو أكون في عالم لا وجود له فيه وبقلب لا يعشقه وعقل لا يفكر

به فمتى سأكون بخير بنظركم متى !! رفعت رأسي وجلست

مستوية في صمت وعدت أشغل عيناي وتفكري بالمحاضرة

*
*
اقترب مني ووضع يده على كتفي وقال " هل يمكننا الاقتراب منك الآن "

أنزلت رأسي للأسفل وأنا أتكئ بذراعي على حافة النافذة

الواسعة في مكتبي في المزرعة وقلت بهدوء

" وهل تراني بارودا لا يمكنك الاقتراب منه "

وصلني صوته المبتسم قائلا " هل نست ما فعلته عند

وصولك للمزرعة ليلة زواج جواد "

رفعت رأسي ونظرت للبعيد وقلت بابتسامة ساخرة

" لا أذكر سوى أني لم أقتل نفسي تلك الليلة "

تنهد وقال " وليد يبدوا مستاء منك حتى الآن لقد أفرغت

غضبك به وكل ذنبه أنه ذكرك بالواقع "

أنزلت رأسي مجددا وهززته يمنه ويسره وقلت بمرارة

" ابتعد عني يا معاذ لا أريد أن اخطأ بحقك أنت أيضا "

قال بهدوء " مابك يا نواس لم أعرفك هكذا سنين معرفتي بك

كلها, منذ عامان وأنت مزاجك في تقلب وهذه الفترة ازداد

أكثر وهادان اليومان أمامي نواس لا اعرفه "

قبضت أصابعي بقوة وقلت " اتركني وحدي يا معاذ "

لاذ بالصمت مطولا ثم تنهد وقال مغادرا " تحدث مع وليد على الأقل "

ثم خرج وأغلق الباب خلفه , كيف أهدأ وكيف أتنفس بروية وكيف

أنام وكلمات والدتي تضرب راسي كالفؤوس وهي تقول (( على وسن

أن تبتعد عن هذا الجو المشحون من أجلها وأجل صحتها , وسن لم

تعد لك مثلما أنك أنت لم تعد لها وباختيارك يا نواس , أنا معك في

أن جرحك منها كبير لكنه الواقع بني , وسن صفحة عليها أن تطوى

من حياتك , الشاب جيد وعمله يوفر له راتبا جيدا ولديه منزل وكم

شكرته لي والدة فرح سابقا لأنه زينة أبناء أخوتها وسأقنع وسن به

بأي طريقة وعليها أن توافق فالمرأة مشاعر الأمومة لديها فوق كل شيء

وحين سترزق بأبناء منه ستعيش حياتها تكرس وقتها لهم وستنسى ))

رفعت يدي ومسحت بها وجهي وأنا أتذكر كلماتها الحادة وهي تقول

(( ليست عذرا يا نواس دراستها تنهيها هناك وعلاجها لن يتباطأ

فيه وهوا طبيب ويلم بهذه الأمور , وسن سيموت قلبها

قبل جسدها إن بقيت هنا ))

رفعت رأسي ونظرت للسماء وابتسمت بألم, اقتنع بهذا يا نواس

احترق ألف مرة , اسجن نفسك حتى تشبع وأفرغ غضبك بكل

من حولك وفي النهاية اقتنع بهذا وسلمها لغيرك , خذ غزالتي

خد روحي خذها لأنها لم تعد لي ولم أعد لها , آه يا أمي لما

سيموت قلبها وهي لم تعد تحبني ولا تريدني في حياتها , عدت

بنظري من السماء للأرض وضربت بقبضة يدي على حافة

النافذة عدة مرات وأنا أتذكر عودتي تلك الليلة إلى هنا أضرب

كل شيء بأعاصير مشاعري وأولهم وليد الذي ذكرني أني

أصبحت ملكا لأخرى وأني أخونها بمشاعري وتصرفي , أني

أسجن نفسي في أوهام الماضي وأنسى الواقع وأنه ما من

رجل لا يستطيع محو أحلامه وأمانيه ومعايشة الواقع من أجل

أشخاص لا يستحقون أن نجرحهم بجراح ماضينا , تنفست

بقوة وغادرت المكتب بحثا عنه ووجدته في المطبخ يتكأ بمرفقه

على ظهر الكرسي ويضايق الخادمة المنزعجة منه كعادته, لا

اعلم متى سيرحم هذه المرأة المسكينة, لففت ذراعي حول

عنقه وقربت رأسي من رأسه وهمست في أذنه

" لا تغضب مني يا وليد اقسم أني لم أكن في وعيي "

عدل وقفته وقال وهوا يبتعد عني " لو كان لدي مكان غير

الشارع لذهبت إليه ولو كنت أعلم أنك قلت ما قلت من قلبك

لاخترت الشارع على البقاء هنا "

قلت بهدوء " آسف يا وليد أعلم أني أخطأت في حقك

لكنها الأولى فاغفرها لي "

قال مغادرا المطبخ " ليست الأولى ولست غاضبا منك يا نواس

فقط أريدك أن تضع مي نصب عينيك "

وغادر مبتعدا وهوا يتمتم بأشياء لا أسمعها , أقطع ذراعي من

منبتها إن لم يكن ثمة شيء ورائك يا وليد لكن ما يحيرني ويجعلني

أتردد في هذه الفكرة أنه لا يخفي عني شيئا فلو كان كما أضن لقال

لي, تنهدت بضيق وهممت بالمغادرة حين استوقفني صوت

الخادمة قائلة " إن غادر وليد سأغادر أيضا "

التفت لها وقلت مبتسما " إن لم تكوني في الأربعين لقلت أن

ثمة أمر بينكما , هذا وهوا يضايقك طوال الوقت "

قالت ببرود وهي تعود لعملها " هوا نكهة المكان هنا يسليني

ويضحكني , أنا أعتبركم أشقائي الأصغر مني ولا أريد

أن تغيبوا عني وخصوصا وليد "

قلت مغادرا " لا تخافي لن أدعه يغادر هذا المكان إلا بعد موتي "

خرجت للخارج وأخرجت هاتفي واتصلت بوالدتي التي

أجابت من فورها قائلة بضيق " ألا تعرف أني مريضة ولا

ينقصني تعب مع تعبي تخرج من عندي وجهك أظلم من تلك

الليلة ولا تجيب على اتصالاتي ليومين أو يزيد افرض حدث لي

شيء أو لابنة خالتك هل نطلب من جواد العودة فورا أم نطرق

أبواب الجيران لنقول أغيثونا فليس لدينا أحد "

تنفست بقوة مهدئا نفسي ولذت بالصمت فقالت

" نواس تسمعني "

قلت بهدوء " نعم أسمعك أمي وابنة شقيقتك تلك متى

ستقرر سيادتها أن تنتقل عندك "

قالت من فورها " قالت ستنهي وزوجة والدها ترتيب

الشقة وجمع أغراضها وستأتي "

قلت بضيق " ما لا تعلميه أنها تؤجل ذلك عمدا وقد طلبت من

شقيق زوجة والدها أن لا يأتوا لأخذها الآن ويتركوها معها

لأيام , لا أفهم كيف تفكر وسن , هل يعجبها بقائهما لوحدهما

في الشقة أم تفعل ذلك عمدا لتحرق لي دمي , أعلم أنها

باتت تكره رؤيتي لا داعي للتطبيق "

قالت بهدوء " نواس لا داعي لهذا الكلام الآن سأتحدث

معها وينتهي الأمر "

قلت بحزم " أقسم إن لم تكن في منزلنا اليوم ذهبت

لإخراجها بنفسي وها قد أقسمت "

قالت بحدة " هل فقدت عقلك يا نواس إن علمت وسن بما

تقوله الآن فستركب رأسها ولن تأتي "

قلت ببرود " ما لدي قلته وإن كانت مشتاقة لرؤيتي فليحل

عليها الليل وهي ليست معك ... وداعا "

*
*
" وسن انتظري "

التفت لها فقالت " لا تنسي فتح بريدك الليلة

سأرسل لك محاضرة التشريح "

قلت مغادرة " حسنا لا تنامي وتتحججي ككل مرة "

قالت ضاحكة وأنا ابتعد جهة بوابة الجامعة " جربيني هذه الليلة "

خرجت وركبت السيارة وعدت للشقة , فتحت الباب

ودخلت وأنا أجيب على هاتفي قائلة

" مرحبا خالتي كيف أنتي اليوم "

قالت بهدوء " الحمد لله تبدين كنتي خارج المنزل "

قلت وأنا أدخل " كنت في الجامعة وعدت للتو "

قالت " هل تستطيعين القدوم إلي الآن إن لم تكوني

متعبة فلدي ما أقوله لك "

دخلت غرفتي وقلت وأنا أرمي الحقيبة والمذكرات على

السرير " هل من مكروه خالتي "

قالت من فورها " أريدك في بعض الأمور المهمة "

قلت مغادرة الغرفة " حسنا مسافة الطريق فقط "

أنهيت المكالمة منها وتوجهت جهة المطبخ وقفت عند الباب

فابتسمت لي زوجة والدي وقالت " لحظات ويكون الغداء

جاهز ما أن تستحمي وتغيري ملابسك "

قلت من فوري " خالتي اتصلت بي تريد أن أذهب لها الآن "

قالت بقلق " ماذا حدث !! لما تطلبك في هذا الوقت "

رفعت كتفاي وقلت " لا أعلم لا يبدوا أن أحدا به

مكروه , سأذهب لرؤيتها وأعود "

قالت وهي تتبعني لأني ابتعدت " سأنتظرك فلا تتأخري "

قلت وأنا أقترب من الباب " حسنا "

*
*

طرق أحدهم الباب ودخل فكان شقيقي الأصغر وهوا

الوحيد الذي لم تمتد يده علي , كان المقرب لي من بين أخوتي

لتقارب سننا حيث كنا مقربان منذ الطفولة ولكن ورغم عدم

ضربه لي قد بات في نظري كشقيقيه فهوا لم يكلف نفسه

حتى أن يقول مي لا تخطأ .... مي شقيقتي الأقرب إلي

وأعرفها جيدا , أو على الأقل كان أمسكهم عن ضربي

الدائم والمبرح ولو محاولا ردعهما عني, اقترب مني

فأبعدت نظري عنه فجلس معي على السرير وقال

" زوجك سيأتي لأخذك خلال هذين اليومين "

لم أعلق على كلامه ولم انظر إليه ولا حتى النظر فقال

" مي أنا حاولت كل جهدي أن أوقفهما عن ضربك لكنك

تعلمي مدى حساسية هذه الأمور وأن الناس لا تسامح فيها "

نزلت دمعتي فمسحتها وأبعدت وجهي عنه أكثر فمد يده وأمسك

ذقني وأدار وجهي ناحيته وقال " إن ظلمك أو أساء إليك اتصلي

بي فقط وسأخرجك من عنده ولو نمت أنا وأنتي في الشارع "

أنزلت رأسي وقلت بحزن " تأخرت يا أخي تأخرت كثيرا

لما لم تظهر شهامتك حين كنت وحدي ولا أحد لي, حتى

عمي كذبتم عليه كي لا يقف في صفي والآن ستظهر شهامتك

على الغريب , كان القريب أولى بذلك يا ابن والداي "

ثم رفعت نظري له وقلت بدموع تنساب على خداي

" هذا لأنك لست متزوج من عقربه مثلهما لكان كلامك

مختلفا ولو لم يأتي نواس ويتزوجني لبقيت على صمتك "

وقف وقال بضيق " لما الظلم يا مي كم كنت أقف في صفك

حتى وليد حين أخبرني قبل الحادثة أنه يريدك ويفكر في خطبتك

ويخاف رفض والدي وأخوتي لأنه لا يملك شيئا أخبرته أني

سأقف معه ولم أشك بك ولا به ولكنك لا ترين إلا العيوب "

بقيت أنظر له بصدمة مما سمعت وليد قال هذا !! وليد كان

حقا يفكر بي ويريد خطبتي !! بقيت عيناي معلقتان به دون

حراك فأبعد نظره عني ثم استدار وأولاني ظهره قائلا

" أنا لازلت عند كلمتي يا مي ولا تنسي أن لك شقيقا ولا

تسمحي لنواس ولا لغيره أن يدلك لأنه لا أحد لك "

ثم خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه

*
*
كنت ألعب بشعر الوسن بين أصابعي وأمسح على غرتها

بيدي الأخرى ونظري على الاثنان اللذان يتهامسان بعيدا

ثم اقتربا مني وقال معتصم " ما رأيك لو تركتني أركبها قليلا "

أشرت له برأسي وقلت " بعد أن أموت "

ضحك وقال " مت أنت فقط وأنا أعدك أن أمشي بها في جنازتك "

ضحكا كليهما ودست الوسن مقدمة رأسها في صدري فضحك

معاذ وقال " تبدوا اشتاقت لك هذان اليومان "

غرست أصبعي أحرك شعرها أكثر وقربت شفتاي من أذنها

وهمست لها " جمحت مني فارستك وكرهتني فما ستفعلين أنتي بي "

رفعت رأسها وحركته يمينا وشمالا وصهلت بصوت منخفض

فمسحت على عنقها وقلت بابتسامة " لا بأس لن أقولها

مجددا سماح هذه المرة "

نظرا لبعضهما ثم قال معتصم " لو أعلم فقط ما توشوش لها

دائما وهي تفهمك وكأنها مسكونة "

قلت بابتسامة جانبية " أخبرني فيما كنتما تتهامسان منذ

قليل أخبرك ما كنت أقول لها "

ضحك وقال " يالا فضولك يا رجل "

قلت ببرود " على الأقل أريد معرفة ما يقال عني وليس أمور لا تعنيني "

ثم نظرت لساعتي وقلت " سأغادر لرؤية والدتي قليلا وسأعتمد

عليكما في مراقبة العمال حتى أعود فسيزورني مشتري

جديد ومهم عصر اليوم "

ثم ابتعدت عنهما وهما واجمان ينظران لي في صمت

غادرت المزرعة عائدا لمنزلنا فأنا لم أزرها منذ تلك الليلة

انشغلت بهموم نفسي ونسيت أنها وحدها الآن , وصلت المنزل

ودخلت توجهت لغرفتها ووضعت يدي على مقبض الباب فسمعتها

تقول لأحدهم " لا أريد مشاكل بينك وبينه وقد أقسم إن لم تأتي اليوم

يذهب لجلبك وقال إن كانت تريد رؤيتي فلا تبات هنا الليلة "

جاء حينها صوت وسن قائلة " لن آتي قبل أن يحضرها فمؤكد

سيأتيك بها هنا أولا , لا أريد رؤيتها ولا رؤيته يا خالتي "

ضغطت على مقبض الباب بقوة مانعا نفسي من الدخول عليهما

والحرقة والألم يفتكان بأوردتي , قالت أمي " قال لن يحضرها

هنا , وسن نواس معه حق لا يجوز بقائكما وحدكما كل هذا الوقت

فخلصينا من المشاكل واجمعي أغراضك اليوم وتعالي "

لم تجبها ولم تتحدث وهذا طبعها ما في رأسها تفعله وإن كان

فيه قطع رقبتها , قالت أمي بهدوء " زوجة خال فرح تكلمت

معي تريد خطبتك لابنها الأوسط وأرى الوقت مناسبا

لتفكري في الأمر بجدية "

قالت بنبرة ساخرة " أخبرتك أني أخذت حصتي من هذا

وزيادة فلا أريد ابنها ولا غيره "

شقت شفتاي ابتسامة ظهرت رغما عني ولا أنكر أنها خلصتني

من أكبر همومي , قالت أمي بضيق " الشاب لا شيء يعيبه

بمنزل مستقل سيرحمك من نواس كما تريدي وقد تحدثت

معه هوا أيضا في أمر خطبتهم لك "

عم الصمت قليلا ثم قالت وسن " تحدثتِ مع نواس عنه "

قالت أمي " نعم ولا أرى من داعي لرفضه يا وسن جربي

أن تريه وتتحدثي معه كنظرة شرعية "

قالت وسن وتبدوا وقفت من صوت الكرسي " لن أوافق إلا في حال

واحدة يا خالتي إن علمت أن هذا سيحرق قلب نواس كما أحرق قلبي "

شعرت وكأن صفعة قوية ضربت وجهي ثم اقتربت خطواتها وفتحت

الباب لتجدني واقفا أمامها , نظرت لي بصدمة مطولا ثم تنحت جانبا

لتجتازني وتخرج فسددت عليها الطريق بيدي مانعا لها من المرور

وقلت بحزم " أكرهيني كما تريدي يا ابنة خالتي لكن أن تكسري

كلمتي وتفعلي ما يحلو لك وكأن لا رجل ورائك لا تحلمي بها "

رفعت نظرها لي وقالت " أجل فمشاعري ماتت مثلك يا نواس "

فتحت فمي لأتحدث فأسكتني صوت أمي قائلة " نواس وسن يكفي "

أغلقت فمي وأبعدت يدي ليس بسبب كلماتها ولا كلمات والدتي

بل بسبب تلك الدمعة التي حبستها في عينيها الواسعتان تترقرق

فيهما وهما معلقتان في عيناي , اجتزتها قبل أن أضعف أمام

عيناها أكثر ودخلت الغرفة قائلا " تكونين الليلة هنا يا وسن

فشقيق زوجة والدك في طريقه لأخذها معه "

لم تنطق بحرف ولم أسمع سوى خطوات كعب حدائها على

الأرضية الرخامية للمنزل ثم ضربها للباب بقوة , جلست أمام

والدتي في صمت فقالت " جدا حلا لكما هل يعجبك هذا الحال

أنت رجل راشد وعاقل ولست صغيرا يا نواس "

قلت بضيق " وهل تري تصرفاتها تترك عقلا بأحد حتى أنها

لا تحترمني ولا بكلامها وكأني أصغر أبنائها "

قالت من فورها " لم تكن هكذا قط , سنين طوال لم تكن

هكذا فهوا ليس طبعها "

قلت بضيق " وهذا ما يخنقني يا أمي لما تكرهني لهذا الحد

وهي من أخطأت في حقي وهي من أحرقت قلبي أولا وهي

من باعتني وعاملتني كنكرة لا دور له في حياتها وهوا سيكون

زوجها خلال أسابيع قليلة والآن أنا المجرم أنا المذنب أنا

من احرق قلبها أنا من يستحق الكره "

قالت بضيق أكبر " أنا من عجزت معكما أنتما

الاثنين ولم أجد حلا لكما "

لذت بالصمت أنظر للأرض وأتنفس بقوة فقالت بهدوء

" ماذا بشأن زوجتك "

قلت بعد صمت " سأحضرها في الغد "

قالت من فورها " ألم تقل أنك ستحضرها نهاية الأسبوع "

قلت ببرود " لا فرق بينهما كلها واحد "

ثم نظرت لها وقلت " ومتى يمكنها زيارتك , اسألي ابنة

شقيقتك لتعطينا الإذن "

قالت بجدية " نواس أنا لا أطلب منك إلا أن تضع نفسك في

مكانها وترى ما هوا الصواب من الخطأ "

قلت بسخرية " لا يا أمي إن وضعت نفسي في مكانها فلن آبه

لكلامك وأعيش وزوجتي هنا لأن وسن لم أعد أعنيها في شيء "

قالت " أضنك كنت هنا وسمعت أنها قالت لا تريد رؤيتها تأتي

إلي , هذا وحده يكفيك لتعرف يا نواس "

مسحت عنقي بيدي وقلت بهدوء " هل اتصل بك جواد اليوم "

اتكأت للخلف وقالت " نعم في الصباح "

وأخذتنا المواضيع من واحد للآخر متجاهلين كلانا موضوع

وسن ومي وكل ما يخصني وبعد وقت وقفت وقلت

" سأعلم بطريقتي إن لم تأتي الليلة هنا وتوقعوا

مني أي شيء إن ركبت رأسها "

ثم غادرت من عندها وعدت للمزرعة وأكملت أعمالي هناك

ويومي أيضا واتصلت آخر النهار بفتحية وأخبرتني أن وسن

انتقلت إلى هناك وجعلتني أسمع بأذني صوتها مع والدتي

*
*

في مساء اليوم التالي كنت جاهزة لأغادر منزل والدي مع

الزوج المجهول الذي لا أعرف سوى اسمه ولا أعلم حتى سبب

زواجه بي , نزلت لمجلس الرجال حيث عمي وأشقائي ونواس

وقفت عند الباب وتنفست بقوة عدة مرات محاولة التخفيف من حدة

توتري , لا اعلم لما لا يرمونني في السيارة مباشرة ويرحمونني

من عذابي المتواصل فلم يتركوا طريقة لم يدلوني بها وهذه آخرها

لأني لا أثق فيما قد يقوله أحدهم أمامه , طرقت الباب طرقات خفيفة

ودخلت , كانوا واقفين جميعهم لكني لم أكن أرى سوى أقدامهم

لأن رأسي لم يفارق الأرض , اقتربت بخطوات بطيئة فسمعت

عمي يقول " لا نوصيك على مي يا نواس هي حبيبة والدها ومدللته "

سمعت حينها الصوت الثقيل الغريب عني قائلا

" لا توصيني على ابنة عامر "

قال عمي حينها " تعالي يا مي اقتربي يا ابنتي "

اقتربت منه فوضع يده على رأسي وقال " أسعدك الله يا

ابنتي أنتي عانيتِ كثيرا والله لا يرضى الظلم "

لا أعلم من أين جاءتني الشجاعة حينها ورفعت رأسي ونظرت

لأشقائي واحدا واحدا وكأني أقول لهم أنتم الظلم بعينه وأنتم من

لن يرضى الله عنكم وعما فعلتموه لي , أخفضت بعدها نظري

للأرض ولم أتحدث وعم الصمت للحظات حتى تحدث

الصوت الثقيل ثانيتا وهوا يقول " هل نغادر يا مي "

شعرت بكل مفاصلي ارتجفت حينها من ذكره اسمي وأننا سنخرج

معا , ولما يطلب رأيي !! آه من غبائي نسيت أنه يضنني سأودعهم

أولا, التفت جهة عمي وقبلت رأسه ويده وقلت " بارك الله لي في

عمرك يا عمي أنت وحدك من شعرتَ بدمائك التي تتحرك في عروقي "

ثم التفتت جهة نواس ونظري لازال أرضا لم أرى وجهه

حتى الآن وقلت " يمكننا المغادرة "

اقتربت خطواته مني وشعرت بيده على كتفي ثم سار بي للخارج

من الباب الخارجي للمجلس وخرجنا من المنزل ووصلنا لسيارته

فتح لي الباب وركبت وركب هوا بعدي وانطلقنا في صمت

لم يتحدث معي طوال الطريق الطويل ولم أتحرك أنا من توتري

لجلوسي بجانبه , وصلته مكالمات عديدة يجيب عليها باختصار

ورن هاتفه معلنا وصول رسالة فتحها ثم رمى الهاتف بعيدا عنه

على غير عادته بعد المكالمات الكثيرة التي أتته وكان يعيد الهاتف

لجيبه بعد كل واحدة منها , ثم أصبح يضغط بقبضة يديه بقوة على

مقود السيارة كل الحين والآخر , ما فحو تلك الرسالة يا ترى

التي جعلته يتضايق هكذا !! كان يمسح وجهه كل حين ويتنفس

بقوة بين الفينة والأخرى وكله من تأثير تلك الرسالة الغامضة

بعدها أمسك هاتفه واتصل مطولا بأحد يبدوا لا يجيب عليه فأبعدت

نظري عنه وشغلت نفسي بالطريق فيبدوا أنني من مللي صرت

أراقب كل تحركاته , وصلنا بعد مشوار طويل جدا دام لأكثر من

أربع ساعات لمدينة مؤكد يسكن فيها لأنها الوحيدة التي دخلنا إليها

من كل المدن التي مررنا بها ولم يتوقف لأنه حين سألني إن كنت

أريد أن آكل شيئا أخبرته أنه لا رغبة لي في الطعام , وصلنا بعدها

لمزرعة ودخلنا إليها كانت خالية سوى من الأضواء فالوقت قارب

لمنتصف الليل أو يزيد , وقف بالسيارة أمام منزل كبير ونزل ثم

فتح لي الباب وتوجه من فوره لصندوق السيارة وأنزل حقائبي

بنفسه ودخل بعدها قائلا " اتبعيني يا مي "

سرت خلفه ورأسي لازال في الأرض لم يفارقها حتى دخلنا

للداخل ووقف وقال بصوت مرتفع " راضية "

اقتربت حينها امرأة رفعت رأسي لها فكانت امرأة كبيرة قليلا

قال لها الواقف أمامي ولا أرى سوى قفاه

" أخبري أحدهم يدخل الحقائب من الخارج "

قالت من فورها " لا أحد هنا "

سكت لبرهة ثم قال " وأين ذهبوا !! "

قالت " تركوا المنزل لأسبوع , هذا ما فهمته من حديثهم "

قال بضيق " ومن قال أني متضايق من وجودهم كم مرة قلت

أني سآخذ الطابق العلوي ولن يتغير شيء هنا "

تنهدت وقالت " كلها أسبوع لن يضر في شيء "

قال متوجها نحو السلالم " سأكلم أحد العمال يدخلهم إذا "

سرت خلفه بخطوات سريعة لألحق به دخل لغرفة معينة ودخلت

خلفه بعد تردد كبير , رفعت نظري له فكان معطيا بظهره لي

فتح ربطة عنقه ورماها على الكرسي ونزع سترته ورماها معها

أيضا ثم التفت لي فوقعت عيني في عينه ولأول مرة , كانت له

ملامح عادية ليس شديد الوسامة , فقط عيناه عسليتان جذابتان

ولكن له حضورا قويا ومميزا يجعل من أمامه يتأمله ولا يعرف لما

أنزلت نظري عنه فتحرك في الغرفة يمينا ثم يسارا ثم يمينا وكأنه

ضيع شيئا , كان متوترا جدا ولا أفهم لما !! رفع بعدها هاتفه وحاول

من جديد الاتصال بذاك الرقم الذي لا يجيب عليه ويبدوا انه رقم

صاحب الرسالة تلك ثم خرج من فوره من الغرفة وتركني ولم يرجع

************************************************** **

******************************************

أصررت على أن أساعدها أنا على الجلوس على الكرسي المتحرك

كما أساعدها على دخول الحمام , أجلستها عليه ونزار يقف بجوارنا

فنظرت لي وقال بابتسامة " لما لا تأتي معنا هل ستبقي لوحدك

هنا , لا تنزلي من السيارة حتى نخرج من المستشفى "

قلت مبادلة لها الابتسامة " سأكون هنا أفضل لدي بعض

الأعمال وعليا أن أجهز نفسي للمدرسة غدا "

سحب بها نزار الكرسي قائلا

" ستكون هنا في مأمن يا أمي علينا أن نفكر في سلامتها "

قالت وهوا يخرج بها من الغرفة " وكم ستبقى سجينة المنزل "

غادرا يتبادلان الحديث وبدأت أنا بتنظيف الغرفة مادامت ليست فيها

حركت السرير ونظفت مكانه ونظفت الجدران أيضا ولمعت الأثاث

وانتهيت بعد وقت وبصعوبة , سمعت حينها طرقا على الباب فترددت

في فتحه فعليا كما قال نزار أن لا أنسى أنني محاطة بالخطر

اقتربت من الباب ونظرت من العين فيه فكانت دعاء , استغربت

كثيرا لقدومها وخالتي قالت أنهم سيقابلونها في المستشفى

فتحت الباب لها فدخلت قائلة " مرحبا يا سما "

قلت وأنا أغلق الباب " مرحبا تفضلي خالتي غير

موجودة يمكنك انتظارها "

قالت وهي تدخل " لم آتي من أجلها "

وقفت أنظر لها بحيرة فالتفتت إليا وقالت " هل تعلمي

أن نزار كان له خطيبة "

بقيت أنظر لها بصمت فتابعت " وأنها تركته وتزوجت غيره "

قلت بهدوء " هذا الموضوع لا يخصني ولا يخصك

ولا يحق لنا التكلم فيه "

قالت بابتسامة جانبية " اسمها رهام وقد عادت من سفرها وتريد

العودة إليه ويبدوا لي هوا لم يتزوج حتى الآن لأنه لازال يحبها "

قلت بعد صمت " وما شأني أنا بالأمر "

قالت بابتسامة " لا شيء مجرد حديث عادي "

ثم استدارت وتقدمت بضع خطوات للداخل وقالت

" هل كنتي إحدى طالبات نزار "

تسمرت مكاني من الصدمة , كيف علمت هل هوا أخبرها أم

ماذا !! التفتت إليا وقالت " وطردوك من المدرسة "

قلت بصدمة " من أخبرك !! "

قالت من فورها " نزار "

ترى ما أخبرها أيضا ولما يقول لها هذا وهوا قال لي انه لن

يخبر أحدا بشيء , قلت " لا ليس هوا من أخبرك "

قالت بسخرية " كيف سأعلم إذا "

قلت " لا اعلم ولا يهمني "

اقتربت حينها مني وقالت بهمس " لا تفكري أن تستحوذي

على قلبه لأنه لازال يحبها , أنا أريد لك النصيحة فقط "

ثم غادرت جهة الباب وقفت أمامه والتفتت لي وقالت

" لا أنصحك أن تخبريه بما دار بيننا لأنه سيشك بصدقك "

ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها , بما تهدي هذه أستحوذ على

قلبه ويحبها وكيف وما معنى هذا الكلام , بقيت لوقت واقفة

مكاني ونظري على الباب أحاول فهم التخاريف التي كانت تقولها

وما هي إلا لحظات وانفتح الباب مجددا ودخل منه نزار يسحب

والدته بالكرسي , نظرت لي مبتسمة وقالت

" هل بقيتي واقفة مكانك منذ ذهابنا "

لم أتحدث ضحكا هما الاثنان وركزت أنا نظري على

نزار , أدخل والدته للغرفة ثم خرج وقف بجواري وقال

" مابك يا سما "

نظرت له وقلت بهمس " لا شيء "

نظر لعيناي مطولا فأرخيت نظري وقلت " خفت قليلا فقط "

قال " فقط "

هززت رأسي بنعم فقال " إذا في المرات القادمة سنأخذك معنا "

هززت رأسي وقلت " أجل لا تتركوني وحدي هنا "

التفت ليعود لغرفة والدته فقلت " نزار "

التفت إليا من فوره فقلت بهدوء

" من أخبرت عن قصتي غير صديقك ذاك "

قال بحيرة " لا أحد غيره ولكن لما السؤال "

قلت " ولا حتى عن المدرسة وطردي منها "

اقترب مني وقال " ما قصتك يا سما ولما هذه الأسئلة "

قلت من فوري " أنا أتق في صدقك فأجب عن سؤالي أرجوك "

قال بجدية " أقسم لك أني لم أخبر غيره عن أي شيء "

من أين علمت إذا ولما قالت أنه هوا أخبرها , قال بهدوء

" ألن تخبريني مابك "

قلت مغادرة جهة المطبخ " لا شيء "

*
*
غادرت من أمامي جهة المطبخ وأنا أنظر لها بحيرة

ليست طبيعية أبدا ما الذي حدث في غيابنا يا ترى , عدت لغرفة

والدتي وساعدتها للعودة للسرير فقالت " ما بها سما "

قلت وأنا أغطي ساقيها باللحاف " لا أعلم قالت لا شيء لكنها تبدوا

على غير طبيعتها وسألتني إن أخبرت أحدا غير جابر عن قصتها "

قالت " قد تكون تقابلت مع أحدهم أو اتصل بها أحد "

قلت من فوري " مستحيل من ستراه وهي هنا ونبهتها أن لا تفتح الباب

للغرباء ورقمها لا أحد يعرفه غير السيدة التي كانت معها "

فكرت بحيرة هل تكون اتصلت بها لكن سما لن تخفي عني شيء

كهذا, خرجت من عند والدتي وذهبت للمطبخ وجدتها تقف عند

أحد رفوف الخزانة وتمسح دموعها , نظرت لها مطولا بصدمة

ثم اقتربت منها ووضعت يدي على كتفها وقلت " سما مابك "

انتبهت لوجودي فمسحت عيناها بظهر كفها بقوة وقالت

" لا شيء أشعر بالضيق قليلا فقط "

أدرتها ناحيتي وأبعدت يدها عن وجهها ونظرت لعينيها بتركيز

وقلت " وما الذي يضايقك يا سما أخبريني ولو كان أنا

وسأعتذر وإن كنت غير مخطئ "

زادت دموعها من كلماتي ولم أشعر بشيء سوى بجسد ارتمى

في حضني , بقيت أنظر لها بصدمة وهي تبكي وتخفي وجهها

في صدري فرفعت يداي ولم أعرف كيف أتصرف وما هذا

الذي يحدث, قربت يداي منها وأمسكت ذراعيها وقلت بهدوء

" توقفي عن البكاء يا سما وأخبريني ما بك "

ابتعدت عن حضني وقالت ونظرها في الأرض

" لا شيء كنت متضايقة حقا , أنا آسفة "

ثم خرجت مسرعة ونظري يتبعها , مررت كفي على صدر

قميصي حيث كان مبللا بدموعها ثم نظرت له بحيرة , خرجت

بعدها من المطبخ وعدت جهة غرفة والدتي وما أن دخلت حتى

قالت من فورها " هل علمت شيئا "

قلت بحيرة " قالت متضايقة ووجدتها تبكي "

تنهدت وقالت " طبيعي أن تضيق نفسها فهي في النهاية بشر

وفتاة وصغيرة ومرت بمحنة قوية , قد يكون بقائها وحدها

اليوم في المنزل ذكرتها بحياتها في ذاك القبو "

هززت رأسي بنعم دون كلام , معها حق قد يكون ذلك السبب

نظرت لها فكانت تنظر لقميصي فأخفضت نظري وكما توقعت

هي فهمت ما حدث هناك , هممت بالخروج حين استوقفني

صوتها قائلة " نزار تعال "

التفت لها بوجهي فقط فقالت " ادخل أود التحدث معك في أمر "

تنفست بقوة فلن أسلم منها أبدا والله وحده يعلم ما فهمت مما

حدث ومؤكد تضن أني أنا من فعل ذلك, قلت محاولا الفرار

" عندي مشوار ضروري وسأعود "

قالت من فورها " أدخل يا نزار لن أؤخرك "

تنهدت بقلة حيلة ودخلت فقالت " أغلق الباب خلفك "

امتثلت لأمرها وجهزت نفسي لمحاضرة في الأدب وأنه ليس

عليا أن أتجاوز حدودي وهي مراهقة وقلبها ضعيف وأنا رجل

ووووو إلى نهاية ذلك , جلست أمامها وقلت قبل أن تتكلم

" أعلم انك .... "

قاطعتني قائلة " أرى أن تتزوجها "

نظرت لها بصدمة مطولا ثم قلت " أمي ما الذي فهمته مما حدث "

قالت بهدوء " لم أفهم شيء وليس لذلك أنا أتحدث "

قلت " ولما إذا "

قالت بذات هدوئها " الفتاة وحيدة وتشعر بالغربة والوحدة في كل

هذا العالم وتحتاجك في كل شيء وأنت أكثر منها تحتاجها ولا

أرى ما يعيبها فهي امرأة كاملة جسديا وخلقيا وعقليا أيضا "

فتحت عيناي على اتساعهما وقلت " أمي ما هذا الذي تقولينه سما

طفلة أمامي هل تعي أني أكبر منها بعشرين عاما فلو أني تزوجت

في بداية العشرين لكان ابني لا يصغرها سوى بعام أو عامان "

قالت ببرود " وما في ذلك "

قلت بضيق " أمي طفلة إنها طفلة أكثر مما تتصوري هي حتى لا .... "

بترت جملتي وتأففت ونظرت للجانب الآخر فقالت

" حتى ماذا ؟ قل ما العيب بها "

قلت بضيق أكبر " هي حتى لا تعلم ما الذي يحدث بين الرجل

والمرأة كيف أتزوجها قولي كيف , ثم وعائلتها وما سيضنونه بي

حين نعيدها إليهم فسيفكرون أني كنت أستغل الوضع لأتزوج

بثروتها وليس هي "

قالت بحدة " حجج واهية , ماذا لا تعرف ولا تعرف ما نفعك أنت

رجل طولك بعرضك وأهلها إن لم يُقدّروا مساعدتك لها فسما

بغنى عنهم وأنت بفقرك تساويهم كلهم "

وقفت وقلت " أمي ارفعي هذا الموضوع من رأسك نهائيا لن أظلم

الفتاة معي فقط لأني أحتاج زوجة تخدمنا , هي صغيرة ومن حقها

أن تعيش عمرها ومراحله وتختار زوجها بنفسها , تخيليني بعد تسع

أشهر آخذا لها للمستشفى لتلد وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة , أي

جنون وإجرام هذا ولن أعلم مراهقة حقوقها كزوجة هذا جنون حقيقي "

ثم غادرت الغرفة والمنزل برمته وتوجهت لمكتب جابر

طلبت الإذن ودخلت كان يزمجر في أحدهم وهوا المسكين لا شيء

على لسانه سوى حاضر سيدي , جلست وخرج الآخر فقلت

" ارحم المسكين يعلمون أن لك صوتا كالتنين "

قال بضيق " نزار غادر الباب يتسع لعشرة منك "

قلت ببرود " لن أخرج وافعل ما يحلو لك "

نظر لي مطولا ثم قال " ما جاء بك ومابك تبدو مستاء "

تنهدت وقلت " لا شيء مهم أمي وهوسها بالزواج أخبرني ما الجديد "

قال بابتسامة جانبية " ولما لا ترحمها وتتزوج "

قلت متجاهلا الأمر " ما الجديد في أمرها "

قال من فوره " لا شيء مهم نراقب المنزل منذ وقت ومن

جميع جهاته ولا أحد دخله , تبدوا كانت تتوهم الصوت

أو تسمع طرق لشيء آخر "

قلت بهدوء " هل تعتقد ذلك ! لكنها متأكدة من الأمر "

هز رأسه وقال " لا أحد دخله طوال هذه الفترة "

قلت بحيرة " قد يكون كان يعلم بوجودها في القبو

والآن يعلم أنها ليست فيه "

فتح ملفا أمامه وقال " لو كان يعلم لأمسكها "

قلت مباشرة " وحتى فكرة سما عن ذلك معقولة فقد يكون يبحث

عن مكان الباب بطرق الأرضية ليلاحظ تغير الصوت "

نظر لي باهتمام ثم قال " فكرت في هذا لكن لما لم يعد يزور المنزل "

تنهدت وقلت " لا تسألني فلا جواب لدي "

قال بضيق " لو فقط تتعاون معنا وتدعنا ندخل القبو على الأقل

لم أطاوع أحد كما طاوعت مدللتك هذه "

قلت بابتسامة جانبية " مدللتي أو غيره لن يكون ذلك إلا بموافقتها

يكفي المشهد المخزي الذي رأته لرجالك "

قال ببرود " حلفتك بالله لما لا تتزوجها وترحم والدتك وترحمني "

قلت بضيق " أنا من أحلفك بالله أن تسكت يكفيني والدتي "

ضحك وقال " وضعتها في دماغها إذا , نصيحة مني تزوجها

لأنها لن تتركك في حال سبيلك "

قلت ببرود " أي تخاريف هذه إنها طفلة يا رجل لما لا تفهمون "

قال بهدوء " لا طفلة في عالم النساء إنهن أفاعي "

ابتسمت بسخرية وقلت " تصور أن زوج عفراء تلك حاول

اغتصابها وهي لا تعرف ماذا كان يريد منها "

ضحك بصوت مرتفع فقلت " نعم أضحك هذه التي تريدان أن

أتزوجها , لما أظلم الفتاة معي وبعد سنين تندم على هذا لأنها

أضاعت مراهقتها مع معدوم مثلي تزوجها لتخدمه ووالدته "

قال مبتسما " وأبشرك أهلها يبحثون عنها وهم على اتصال معي

منذ وقت ولها إرث كبير أسهم وأموال من جدها يعني زواجه مربحة "

قلت ببرود " لو رأيت الأموال في القبو لما استغربت شيئا , لا وقالت

لا تريدهم وكرهتهم , تملك كل تلك الثروة وتخدمني أنا ووالدتي

طوال النهار وكأننا نحن الأثرياء "

قال بحيرة " غريب حقا تفكيرها "

قلت بهدوء " ومن أين علموا أهلها بها "

قال " هم على علم بكل مجريات القضية لأننا حققنا معهم وقتها

جدها كان يبحث عن عائلتهم والآن أبناء عمها يبحثون عنها لكني

نهيتهم عن ذلك من أجل سلامتها ولم أسلمهم ولا حتى صورتها "

قلت " والخطوة القادمة ما ستكون "

وقف وقال " عندي مجموعة أسئلة أود منك أن تطرحها

عليها , نريد أن نجد عفراء تلك وزوجها "

قلت بحيرة " وكيف ستجدها !! "

*
*
طرقت الباب عدة طرقات ففتحته فقلت بابتسامة " مرحبا "

نظرت لي باستغراب بادئ الأمر ثم قالت

" مرحبا دعاء ... تفضلي "

قلت وأنا ادخل " لما استغربتِ قدومي هل نسيتي أننا كنا

صديقتان لسنوات يا رهام "

قالت وهي تدخل قبلي متوجهة لغرفة الضيوف

" لا لم أنسى ولكنك لم تزوريني بعد عودتي "

جلست وقلت " لم أجد وقتا لذلك ثم أنتي لستِ وحدك هنا وأخاف

أن يفتح لي شقيقك وتعرفي أني لا أريد رؤيته "

ضحكت وقالت " أمازالتِ تكرهين مضايقته لك , تلك سنين طيش

ومرت هوا كبير وعاقل الآن إنها أكثر من عشر سنوات يا دعاء "

قلت ببرود " اتركينا من ذلك ما هي أخبارك "

قالت بعد تنهيدة " مشاكل مع طليقي لها أول وليس لها آخر "

قلت باستغراب " حسب ما قلتي لي أن طلاقكم مر عليه سنين "

قالت بضيق " نعم ولكنه يطالب بالمال الذي دفعه , تصوري يريد

أن أدفع له ثمن حتى السنين التي عشتها معه وما أنفقه علي "

قلت بسخرية " للزواج بالأثرياء ثمن دائما "

قالت ببرود " معي أنا فقط , غيري ما أكثرهم تزوجوا بأثرياء

وحياتهم معهم لا يضاهيها شيء "

ثم وقفت وقالت " ماذا تشربين أنا أرى أن نشرب عصيرا باردا "

قلت من فوري " لا أريد شيئا أجلسي جئت لأراك قليلا وسأذهب "

جلست وقالت " ماذا فعلتِ في موضوع نزار , إن كنتِ لن

تسأليه سأتصرف وحدي "

قلت باستغراب " تتصرفين في ماذا !! "

قالت بابتسامة " أساله بطريقتي طبعا فأنا أكثر من يفهم نزار

كنا مخطوبان لخمس سنوات وأعرف حتى كيف يفكر "

قلت بسخرية " ولما أنتي متأكدة أن السنين لم تغيره كشقيقك "

ضحكت وقالت " لااااا فرق كبير بين شقيقي ونزار "

قلت بابتسامة جانبية " هناك من سبقتك وأكلت

الكعكة فابحثي عن غيره "

قالت بصدمة " ما قصدك بذلك "

قلت دون مقدمات " فتاة تقرب له تعيش معهم حاليا لو رأيتها لماتت

كل مخططاتك , تسقط الطائر من قلب السماء فكيف برجل "

قالت بصدمة " ما هذا التهويل , حورية هي لتكون هكذا "

قلت بسخرية " عينان زرقاء واسعة وشعر حريري وتعيش معهم

بلا حجاب أيضا , ملامح طفولية جميلة وهدوء ورتابة وجسد

صغير متناسق وعمرها خمسة عشر عاما فقط أي أنها

ورقة بيضاء لم يكتب فيها أحد قبله "

بقيت تنظر لي بصدمة دون كلام فقلت لأزيد العيار

" ولا يحتمل فيها حتى الكلمة الجارحة وتخدمه وأمه حاليا "

قالت بعدما خرجت من الصدمة

" مستحيل نزار لا تستهويه الصغيرات أعرفه جيدا "

قلت بسخرية " أنا أيضا اعتقدت ذلك لكن والدته تلمح للأمر

كثيرا ولم تقل ذلك إلا وهي تعلم ابنها وما يريد "

قالت بغيض من بين أسنانها " من أين خرجت لي هذه "

قلت بابتسامة انتصار " الحرب معها ستكون خاسرة "

قالت " والحل "

قلت من فوري " ارفعيه من دماغك أو أزيحيها من طريقك "

قالت بثقة " نزار لم يتزوج إلا لأنه لم ينساني "

قلت " هذا يقوله لك عقلك ولم تتأكدي منه بعد "

بقيت واجمة تنظر للفراغ بشرود فوقفت وقلت

" عليا المغادرة الآن والزيارة القادمة عليك "

وقفت وقالت " لازال الوقت مبكر "

قلت مغادرة الغرفة " ورائي مشوار مهم سأذهب إليه أراك لاحقا "

ثم ودعتها وخرجت من عندها , واهمة يا رهام إن ضننتِ أني سأتركه

لك أو لغيرك , لم اخدمه ووالدته كل هذه السنين لتأخذه واحدة منكما

رهام الآن أمام خيارين إما أن تبتعد عنه أو تزيح سما من طريقه

وفي الحالتين ستخدمني , عليا الآن أن أتأكد إن تجرأت تلك

الطفلة على قول شيء أم لا

*
*
سجنت نفسي في غرفتي لوقت لا أعلم حزينة أم حائرة أم

خجلة من نزار , لا أعلم ما دفعني لأن ارتميت في حضنه

أحسست حينها أني أحتاج الأمان أحتاج شخصا ألجأ إليه لأني بالفعل

وحيدة وحائرة , توجهت للخزانة أخرجت صورة عائلتي وجلست

على الأرض , مررت أصابعي على ملامحهم المبتسمة وقلت بحزن

" لما رحلتم وتركتموني لما لم تأخذوني معكم ؟ أمي ما أفعل وما بي

وما هذا الذي أشعر به , أبي أنت أخبرتني دائما أن الرجال لا تقترب

منهم الفتاة لكني اقتربت منه , لما أشعر أني أحتاج أن أقترب

منه ؟ لما أخاف أن يبتعد لما أشعر الأمان معه وحده لما هذا ! "

حضنت الصورة وبكيت كثيرا ثم مسحت دموعي وقبلتهم واحدا

واحدا وأعدت صورتهم للخزانة ورتبت أغراضي التي سأحتاجها

غدا للمدرسة ثم غادرت الغرفة ونزلت لغرفة خالتي

ووقفت عند الباب فابتسمت لي وقالت

" تعالي بنيتي أين غبتِ كل هذا الوقت "

دخلت واقتربت منها قائلة

" رتبت أغراضي وجهزت أغراض المدرسة "

مسحت بيدها على السرير وقالت " تعالي اجلسي بجانبي "

اقتربت وجلست حيث قالت فمسحت بيدها على شعري وقالت

" مآبك يا سما نزار قال أنك متضايقة وتبكي "

اتكأت على كتفها وقلت " حائرة خالتي وأشعر بالوحدة والضياع "

قالت بحنان " حائرة في ماذا يا سما صارحيني بنيتي "

قلت بحزن " لا اعلم اقسم أني لا أعلم "

قالت من فورها " هل ضايقك أحدهم بشيء هل قال

لك نزار شيئا أزعجك "

هززت رأسي بلا دون كلام فتنهدت وقالت

" تحدثي عن أي شيء تشعرين به وستشعرين بالراحة "

لم أعرف ما أقول لأني عن نفسي لا أعلم ما بي ولما

انزعجت كثيرا من كلام دعاء , خبأت وجهي في حضنها وقلت

" ما معنى أن يستحوذ الشخص على القلب ما تعني هذه "

قالت بهدوء " تعني أن يصبح يفكر به طوال الوقت , لا يستطيع البقاء

دونه ولا يريد أن يبتعد عنه , هكذا يكون استحوذ على قلبه "

ابتعدت عن حضنها ونظرت لعينيها وقلت " يعني أنه إن قلت لك

لا تفكري أن تستحوذي على قلب شخص أي لا تجعليه

ملكا لك لا يعيش بدونك "

هزت رأسها بنعم ثم قالت " من قال لك هذا ولما تسألي عنه "

نظرت ليداي في حجري وقلت بهمس " لا أحد , سمعتها سابقا "

مسحت على شعري مجددا وقالت " لن أجبرك على قول مالا

تريدين يا سما وحين ترغبين في الحديث تعالي لي مباشرة حسنا "

هززت رأسي بحسنا دون كلام وغادرت السرير والغرفة وتوجهت

للمطبخ وبالي مشغول بكل ما قالته , هذا يعني أنها تحذرني من

أن أحاول جعله ملكا لي ولا يعيش بدوني , هل حقا يمكن أن

يحدث ذلك ! ولكن كيف ولما ؟ أنا حقا لا أفهم شيئا , ترى

هل استحوذ نزار على قلبي لذلك اشعر أني لا أريد الابتعاد

عنه, هززت رأسي بقوة وقلت " لا يا سما ما هذا الذي تقولينه "

شغلت نفسي بتحضير العشاء محاولة التفكير في شيء آخر ثم

غسلت الملابس وانفتح باب المنزل ودخل نزار وكان يتحدث

مع أحدهم على ما يبدوا فخرجت من المطبخ وصعدت للأعلى

من فوري ودخلت غرفتي وأغلقت الباب , بعد وقت طرق عليا

باب الغرفة فلم أعرف ما افعل وما سأقول حين سيسألني, بعدما

زاد إلحاحه في طرق الباب فتحت له فقال بابتسامة

" يبدوا أننا لن نتناول العشاء الليلة "

أخفضت نظري وابتسمت بحياء وقلت

" آسفة ضننت أن ضيفا معك حين دخلت "

قال من فوره " تلك دعاء قابلتها عند الباب "

نظرت له مباشرة وبصمت فقال " سألت عنك

وأرادت أن تسلم عليك "

قلت " أمازالت هنا "

قال مغادرا " لا غادرت منذ قليل , والدتي منشغلة

عليك انزلي لها يا سما "

بقيت أراقبه حتى اختفى نازلا من السلالم ثم تنهدت بحيرة وأغلقت

باب غرفتي ونزلت وتوجهت من فوري للمطبخ وسخنت العشاء ثم

أدخلنا الطاولة وتناولنا عشائنا وأنا أتجنب النظر له طوال الوقت

رغم أنه تصرف وكأن شيء لم يحدث, بعدما انتهينا من

عشائنا صعد نزار لغرفته وقال أن لديه تحضيرا لدروس الغد

وبقيت أنا وخالتي , أخرجت لي الكتاب وقالت

" ما رأيك لو قرانا قليلا من روايتنا المنسية "

ابتسمت وقلت " نعم أنا متشوقة لمعرفة المزيد "

أخذتها منها وجلست أمامها وفتحت الصفحات حيث وقفنا وقرأت

(( قضيت ذاك اليوم في غرفتي ولم اخرج منها وأحضرت لي

الخادمة الطعام عندي وعند أول المساء سمعت طرقا على الباب

فقلت " تفضل "

انفتح الباب فكان عمي رياض وقف عند الباب وقال " مساء الخير "

وقفت وقلت باحترام " مساء الخير عمي كنت أرسلت

لي الخادمة لما تأتي بنفسك "

ابتسم وقال " كنت صاعدا لغرفتي على أي حال , تعالي

معي يا رُدين لديك مواجهة جديدة "

ابتسمت ابتسامة صغيرة وقلت

" أخاف هذه المرة أن أخرج ميتة "

ضحك وقال " لا تخافي وأنا معك هذه المرة لن تكون كالسابقة

هيا ولا تلبسي حجابك من أجل باقي الخطة فكيف لزوجة

والدهم أن تبقى أمامهم بالحجاب "

ابتسمت له وخرج وخرجت خلفه , تبعته خارجه من غرفتي

ونزلنا السلالم وتوجهنا لغرفة الجلوس , دخلت خلفه وكانوا

أبناءه ثلاثتهم وزوجته هناك , دخل وجلس وقال

" ادخلي واجلسي يا رُدين "

ألقيت التحية وجلست في مكان متطرف , كان أشرف يهمس

لفراس مبتسما وهمسه واضح لي جدا وهوا يقول له

" كان زوجني أنا بها يالا ذوق هذا العجوز من أين وجدها "

وفراس طبعا كالكرسي الجالس عليه وكأنه لا يكلمه , قال حينها والدهم

" طبعا صباح اليوم كل واحد منكم أخرج مواهبه ولم يستمع لي أحد

وقلل احترامي أكبركم وشتمني أصغركم ولا أريد لهذه المهزلة أن

تتكرر , أنا لم أجن لأتزوج بفتاة أصغر من أصغر أبنائي من أجل

المتعة رُدين ابنة شقيقي قبل أن يكون صديقي أوصاني بها وقد عانت ما

عانته قبل أن تأتي إلى هنا , أنا عقدت عليها لتحل لكل من في هذا المنزل

وتعيش بحريتها وما حدث سيكون سرا يحمله ستتنا يأتيها فقط ويوم

الزوج المناسب سأسلمها له , والناس لن تعلم سوى أنها ابنة صديقي "

لاذ الجميع بالصمت ولم يعلقوا فتابع " أريد منكم احترامها وكأنها

شقيقتكم , من ظلمها ظلمني ومن آذاها وكأنه آذاني فخافوا الله في

هذه اليتيمة فهي أمانة لدي حتى أسلمها لزوجها "

قال وائل " أريد فقط أن أسالك لما لم تزوجها أبنائك ولو

رغما عن أنف أحدهم بدلا من هذا المشوار الطويل "

قال بسخرية " من منكم يرضى أن أزوجه بنفسي "

قال أشرف " كنت عرضتها علينا أولا ثم حكمت "

قال " أنا لا أبيع بضاعة في السوق لأعرضها , لو كنت

أعرف أن فيكم من أؤمنه عليها لفعلت "

قال وائل بضيق " ما معنى هذا الكلام , ألهذا الحد نحن صغارا في عينك "

قال بسخرية " لم أعلم أن لكم فيها رغبة لتركتها لكم ضننت

أني لا أصلح لاختيار شيء "

قال أشرف " لم أعرفك متسرعا من قبل ولا اعلم من زرع

هذه الفكرة الفاشلة في رأسك "

قال بحدة " فاشل أنت يا صعلوك , من رباك وجعلك طولا في

عرض غير صاحب الأفكار الفاشلة أو معك حق فتربيتي فاشلة حقا "

وقف حينها الساكت طوال الجلسة وقال " ما حدث حدث الآن ولا

فائدة من الجدال فيه وما تراه سليما افعله يا أبي "

وغادر الغرفة ولم يزد حرفا واحدا وخرج عمي رياض وتبعته

عمتي سعاد من فورها وبقيت والاثنان الآخران , ابتسم أشرف

وقال " هل أنتي راضية حقا بهذا "

قلت من فوري " نعم "

ضحك وائل دون تعليق وقال اشرف بصوت مرتفع ناظرا جهة

الباب " تعال يا فراس اللعبة أجمل مما تصورنا "

وما هي إلا لحظات ووقف عند الباب ونظر لي باستغراب

وكأنه لم يتوقع أن أكون هنا أو ضن أني غادرت

قال اشرف " الفتاة ليست مجبرة كما توقعنا "

قال وائل " قد تكونين تريدين الزواج من والدي وليس .... "

قاطعته ببرود " وهل تضنني أريدك أنت "

نظر لي بصدمة وضحك أشرف وقال

" لكمة قوية منك يا زوجة والدي العزيزة "

نظرت له وقلت بسخرية " وأنت لما لا تحترم والدك , ولا

تتحدث معه بتلك الطريقة يا عاق "

نظر لي بغيض وضحك وائل هذه المرة , اعلم أنهم أرادوا الاستفراد

بي في غياب والدهم ولكنهم لم يعرفوني بعد فأنا لست فريسة سهلة

ينالون منها , قال فراس ببرود " غادرا كليكما واتركانا وحدنا " ))

قلبت الصفحة فقالت خالتي " سما لا تنسي نفسك بين

الصفحات ورائك مدرسة في الغد "

ضحكت وقلت " أريد أن اعرف ما قال لها فقط "

هزت رأسها بلا وقالت

" هكذا ستفقد الرواية روعتها , هيا أغلقيها وناوليني إياها "

قلت بتذمر " آه خالتي فقط هذه المرة "

مدت يدها لي مبتسمة فتنهدت بيأس وأغلقتها ووقفت وأعطيتها

لها ثم قبلت خدها وقلت " تصبحين على خير "

قالت مبتسمة " وأنتي بخير صغيرتي "

ثم أطفأت النور وصعدت لغرفتي

************************************************** **

******************************************

بقيت جالسة مكاني كالقطة عيناها فقط تلمع في الظلام بعدما

ألقى عليا تلك القذيفة وغادر الغرفة , أي جناحنا هذا الذي يتحدث

عنه , نظرت جهة الصغيرتان فكانتا في سريريهما فقلت

" ترف الم تعودي تخافي النوم وحدك "

قالت من فورها " أتركي الباب مفتوحا فقط ماما لا أنام في الظلام "

وقفت بقلة حيلة هذا كلام سوسن يبدوا لا مفر منه , خرجت من

الغرفة حائرة أين سأجد جناحنا هذا الذي قال عنه فمؤكد وصله

منذ وقت , نظرت يمينا ثم يسارا فوجدته يقف في نهاية الممر

مستندا على الجدار بكف يده وينظر لي ويبدوا ينتظرني , أخفضت

نظري أعض شفتي بقوة من توتري , يا إلهي أنا لم أجهز نفسيتي

لهذا أبدا , أشعر بقلبي سيقع ومعدتي تؤلمني بشدة , سرت

بخطوات بطيئة ناحيته وهوا واقف مكنه وأنا رأسي في الأرض

وصلت عنده فتحرك وسار أمامي وأنا أتبعه وأشعر أنني أذهب

لمشنقتي , كيف سأنام مع هذا المخيف مؤكد سأخرج من تحت يديه

صباحا جثة , تنفست بقوة مهدئة لنفسي , قد تكون مجرد ظنون

يا أرجوان وهوا فقط لا يريد أن يشك سكان القصر بنا , آه يالا

الغباء الذي أصابني فجئه وهل كان سيكترث لهم إن عزلني عنه

وقف عند باب معين فتحه ودخل وأنا أتبعه , كان جناحا فخما

وواسعا وعلى ذات طراز باقي القصر , توجه لأحد الأبواب فيه

فتحه ودخل , وقفت أتنفس بقوة وكأني بحر هائج , لا أعلم كيف

تتزوج النساء بدم بارد ويفرحون بذلك أيضا

" أرجوان "

كان هذا الصوت الذي أرجف جسدي بأكمله , ماذا يريد مني هذا

يا رب لو فقط أجد نفسي في الصباح هكذا فجئه , اقتربت من

الغرفة ببطء ودخلت , كانت واسعة بسرير واسع أيضا تحيط به

أعمدة وستائر بأقمشة ثقيلة وأخرى شفافة وكأننا في عالم من الخيال

أنزلت نظري وصُعقت حتى كاد يغمى علي مما رأيت هناك على

السرير ... قـــمـ قميص نوم أسود مفرود فوق الجهة اليمنى من السرير

نصفه فوقه ونصفه الآخر نازل منه لا وقصير أيضا , بقيت عيناي

معلقتان به بصدمة حتى أنني لم انتبه للذي اقترب مني ووقف أمامي

تسللت يده لخلف رأسي ولم أشعر سوى بمشبك الشعر يخرج منه

وصوته يتحطم على الجدار القريب منا لينساب شعري مغطيا

لظهري بأكمله وكلماته تدخل أذني مباشرة

" لا أريد أن أرى هذا , لا تمسكي شعرك أبدا وأنا موجود "

ثم عبر من أمامي قائلا " غيري ملابسك سأخرج قليلا وأعود "

كنت لازلت تحت تأثير الصدمة الأولى التي لم أخرج منها بعد

رفعت أصبعي وأشرت للسرير وقلت " هل جننت أتريدني أن ألبس هذا "

وقف فجأة وأشار بوجهه يسارا وقال " لا ... ما رأيك بتلك "

نظرت أين أشار فكانت بدلته الخاصة بعمله بشاراتها مكوية ومعلقة
وددت أن قلت له ( نعم وأنت تلبس ذاك القميص ) لكنها ستكون

نهايتي إن تفوهت بهذا , ابتعدت خطواته عني قائلا

" أعتقد أننا لسنا صغارا لنجلس نمهد لهذا فلا تتأخري , قليلا وسأعود "

ياله من وقح هوا العجوز أنا لست مثله أنا في الرابعة والعشرين

أم يضن لأني ربيت أبنائه ضاع عمري كله , قال وقد توقفت خطواته

" رأيت عمرك في الأوراق في المحكمة لا داعي لتذكيري "

ما هذا الداهية هل يقرأ الأفكار أيضا أي مصيبة وضعتي فيها

نفسك يا أرجوان , هذا ليس إلا الشبل ومازال أمامك الأسد فإن

كان هذا هكذا فكيف بمن ربته , توجهت جهة السرير بخطوات

سريعة والتقطت القميص من عليه وكورته بين يداي والتفت

وأنا أرميه جهة الباب الذي خرج منه لأفاجئ به لازال واقفا

أمامه , مد يده وأمسكه ثم بحركة خاطفة فتحه لا يمسك سوى

حمالته الحريرية الرقيقة وقال " يبدوا أنك تريدي أن ألبسه لك "

ثم تقدم خطوتين فركضت ناحيته استللته من يده وهربت به لغرفة

الملابس وأغلقتها خلفي ليصلني صوته مرتفعا

" لا تتأخري فالغرفة تُفتح من الجانبين "

أمسكت القميص بيداي ودسست وجهي فيه العنه بغيض وهمس

خشية أن يكون خلف الباب الآن ويسمعني ويجدها فرصة لتحطيم

وجهي , وبعدما أمطرته بوابل من الشتائم والدعوات أبعدت القميص

وتقدمت بخطواتي في الغرفة الطويلة , بِدل معلقة وقمصان وبناطيل

وملابس رياضة ... أجل من هذا له كل ذاك الجسد المخيف

نظرت للجانب الآخر فكانت ملابسي التي اشتريتها كلها معلقة هنا

لأصعق وتنفتح عيناي على اتساعهما وأنا أرى قمصان النوم الكثيرة

والبيجامات الحريرية والفساتين القطنية القصيرة معلقة جميعها

أنا لم أشتري كل هذا من أحضره هنا !! مؤكد هذا المعقد فعلها

لأني لم أشتري من هذا أي قطعة

نزعت الفستان ولبست القميص بسرعة كي لا يدخل علي الغرفة

ويفعلها ويلبسه هوا لي , كنتِ في راحة ونعيم يا أرجوان ما أجبرك

على كل هذا , آه سامحك الله يا والدي أنت لا تعلم أي مصيبة وضعت

فيها ابنتك ورحلت , خرجت بعدها أشعر أني والأرض سواء من

الخجل من نفسي وأنا بهذا القميص , هذا ولم يدخل حتى الآن

رفعت نظري وشهقت بقوة حين ووجدته واقفا عند السرير

يبدوا أن هذا الكاذب لم يخرج من هنا من أساسه , اقترب مني

فابتعدت بخطواتي للوراء فوسع خطوته ومد يده وأمسك ذراعي

ودفعني لصدره بقوة قائلا " قلنا أننا لسنا صغارا يا أرجوان "

قلت وأنا أحاول الفكاك من قبضته

" أنا في النهاية امرأة كما أني لست كبيرة مثلك "

ثبتني على جسده محكما ذراعه عليه فقلت بضيق

" جابر بالرفق لا تنسى فارق الحجم أيضا , عظامي لن تتحملك "

قال بغيض من بين أسنانه " أشششششششششش "

ولا فائدة ترجى منه وهذا أول برج بنيته وقع بأني لن أكون وهوا

تحت سقف غرفة واحدة , عند الصباح ومن نومي الغير مريح من

أوله شعرت بشيء جاثم على صدري وتنفسي يكاد يتوقف

فتحت عيناي ووجدت ذراعه فوق صدري فرفعتها ورميتها بعيدا

عني وتساندت بمرفقي لأقوم فشعرت بشيء أمسك شعري بقوة

فقلت بتألم " أيييي "

وصلني صوته المختلط ببحة النوم " لا ترمي ذراعي مرة أخرى "

قلت بتألم " أترك شعري ما تضنني رافعة أثقال تتحمل صخرتك هذا "

شده بقوة أكبر ليقربني منه أكثر فقلت بألم " آه جابر توقف عن هذا "

قال بجدية " ماذا قلتِ "

قلت " لن أرميها مجددا أتركني "

أفلت شعري حينها فابتعدت عنه وغادرت السرير أتأفف ودخلت

الحمام وأغلقته خلفي بقوة أمسد رقبتي , أشعر أن جسمي كله تحطم

وكأني كنت في حلبة ملاكمة , ما هذا المتوحش ظننته سيقتلني

أين يخزن كل هذا من سنوات أفففففف عظامي هذا يحتاج لصخرة مثله

أخذت حماما باردا وخرجت فلم يكن في الغرفة توجهت لغرفة الملابس

ارتديت بيجامة حريرية طويلة بأكمام وخرجت , جففت شعري وأمسكته

مجموعا للخلف وخرجت من الغرفة لأجد الإفطار الفاخر المتنوع في

ردهة الجناح وكأنه بوفيه في حفل , يا الله على الرفاهية والراحة , هذا

ما يميز المكان هنا لا طهوا لا غسل أطباق لا تنظيف ولا غسل ملابس

لو فقط يختفي من هنا هوا وعائلته وأبقى أنا وأبنائي والخدم والسائقين

وحدنا , ضحكت على الفكرة واقتربت من الطاولة وسحبت الكرسي

وجلست أستمتع بهذا الإفطار المميز وحارت عيناي ويداي ما سيأكلان

أولا , قربت يدي من قطع الخبز المشكل وكأنه جمع من كل دول العالم

فشعرت بشيء انغرس في شعري وشده للخلف لأشعر به ينساب على

ظهري وأكتافي وصوت المشبك الذي كان يمسكه يتدحرج مبتعدا

على الأرض وصوت هذا الجلمود وهوا يلف حول الطاولة قائلة

" ما أقوله ليس من مصلحتك أن أعيده وقلت لا تمسكي شعرك

وأنا موجود , ثم أين الأدب يا سيدة حلمي تأكلين قبل أن آتي "

نظرت له ببرود وقلت " أنا أرجوان فارس الخياط , حلمي أنت

وأبنائك ثم شعري كما ترى كثيف جدا وسيضايقني "

جلس وقال " مغفلين كم مرة قلت لا أريد الحليب من دون نكهة "

وكأني لا أتكلم ولا يسمعني يا رب صبرني على هذا المريض

بدأ بالأكل وأنا لم استطع تناول شيء من صراعي الطويل مع شعري

الذي يتساقط على أكتافي وذراعاي كلما تحركت , يبدوا أني حسدت

نفسي على هذا الإفطار وها قد تنغص علي , نظرت له فكان يأكل

بترتيب ونظام يجعلك تنظر له دون توقف , عليا أن أبعد نظره

عن هنا بأي شكل , أدخلت يدي في شعري وقطعت شعرة منه ثم

نظرت للجدار خلفه وقلت " تلك الأوسمة لك أنت أم زينة فقط "

نظر للخلف وبحركة سريعة فرميت الشعرة جهته قبل أن

يعيد وجهه للأمام قائلا " نعم "

قلت كي لا يشك بي " ولما أخذتها "

قال بابتسامة جانبية ونظره على الأطباق أمامه " بسبب المجرمين

اللذين في السجون والناس التي لم تعد تموت "

لويت شفتاي مستاءة وقلت ببرود" لا تنسى أنك قلت

لا نريد لعب لعبة التذكير بأحاديثنا السابقة "

قال وهوا يرفع شعرتي الطويلة ونظره عليها

" أنا حر أقول ما أريد واترك ما أريد "

ثم رماها بعيدا وقال " لا تمسكي شعرك وأنا موجود يا أرجوان "

وقفت مغتاظة وقد فقدت الرغبة حتى في الأكل فقال مغادرا

أيضا " اتصلي بالخادمات لتنظيف الطاولة , الهاتف هناك "

تنهدت بضيق وتوجهت للهاتف ضغطت على الزر الأول وطلبت

منهم المجيء وتوجه هوا لحاسوبه وفتحه جالسا على المجلس الأرضي

المخصص هنا متكأ بمرفقه على الوسادة , بعد لحظة طرقت الخادمات

الباب ودخلتا فقال ونظره على الحاسوب " آخر مرة أجد الحليب بدون

نكهة إن كنتم تريدون الحياة , فكم مرة قلت أني أقرف من رائحته دون

نكهات وأخبروا سيلا تأتي لترتيب غرفة النوم بعد مغادرتي

ولا أحد غيرها يدخلها مفهوم "

قالا معا " مفهوم "

ثم غادرا من فورهما وأغلقا الباب وأنا أنظر لهما ببلاهة , من سيلا

هذه ولما هي تحديدا !! سمعت حينها طرقات خفيفة على الباب

ومتقطعة أعلم جيدا لمن ستكون فقلت من فوري " تفضل "

فتحت ترف الباب ونظرت لي مبتسمة وقالت " ماما هل أدخل "

نزلت مادة يداي لها وقلت بابتسامة " نعم حبيبتي تعالي "

دخلت وأغلقت الباب وركضت نحوي واحتضنتني قائلة

" صباح الخير ماما "

قبلتها وقلت " صباح الخير حبيبتي "

ابتعدت عني ونظرت جهة والدها وقالت " بابا صباح الخير "

قال ونظره لازال ملتصقا بتلك الشاشة

" صباح الخير , جيد لم تنسي الدروس كمعلمك "

نظرت له بغِل , ما يعني بهذا لما لا يذكر نفسه أولا انه لم يقلها لي

تجاهلته تماما والتفت بسرعة على صوت شهقة ترف القوية

وهي تقول " ماما ما هذا في عنقك "

وضعت يدي عليه بسرعة ونظرت جهة جابر فكان ينظر حيث

كان ويكتم ابتسامته , نعم فأنا من وُضعت في هذا الموقف وليس

هوا, نظرت جهتها وقلت " لا شيء حبيبتي "

قالت " أنظري في المرأة كيف يبدوا , ماذا حدث معك "

نظرت له فكان على حاله ولم يزدد إلا ابتسامة يحاول كتمها

كي لا يضحك فقلت ببرود " هذا شخص مسعور هجم عليا البارحة "

قالت باستغراب " ومن يكن مسعور !! ولما والدي

لم يقتله أليس لديه سلاح "

ضحك حينها ذاك المتحجر بصوت عالي فقلت بضيق

" لا يقدر عليه هوا أقوى من والدك "

نظر لنا حينها بضيق وقال " ترف لغرفتك بسرعة

ستأتيك والدتك هناك "

وقفت وقالت " حاضر بابا "

ثم قبلت خدي وخرجت وأغلقت الباب خلفها فوقفت واضعة يداي

وسط جسدي وقلت " يعجبك الوضع كثيرا وتضحك أيضا "

وقف تاركا حاسوبه مفتوحا واقترب مني يضغط قبضة يديه ببعض

قائلا " مسعور ها وأقوى مني , سترين ما سيفعل بك "

قلت وأنا ابتعد عنه " جابر ابتعد عني أقسم أن عظامي كلها تؤلمني "

*
*
وضعت يداها وسط جسدها وقالت " لن أذهب يعني لن أذهب ولن

تعتب قدماي ذاك القصر ثانيتا بعد أن قص لي شعري "

قلت بحنق " لابد وانك فعلت شيئا , لن يفعلها هكذا "

ضربت بقدمها الأرض وقالت بحرقة " لما تسكتون له لماذا "

دخل حينها منصور من الباب وقال مبتسما " ما بها صغيرتي "

قالت ببكاء وهي تريها شعرها " أنظر ابن أخيك قص لي شعري

ذاك اليوم وأمي الآن تريد أن أذهب لقصرهم "

ضحك وقال " يبدوا يريد أن يغير لك قصة شعرك "

قالت مغادرة ببكائها " لما كلكم في صفه لما ؟ حتى أنك لم

تغضب لأنه رآني دون حجاب "

قلت بضيق " عجزت مع هذه الفتاة ولا حل لي معها , لا أعلم

كيف تفكر يا منصور تزوجها به وهي تكرهه "

جلس على الأريكة وقال " لن أخلف وعدي لشقيقي المتوفى أبدا

وما كنت لأرفض زواجه بها حتى لو رفضت هي ذلك وما أخفيت

ذلك عنها إلا من أجل معتصم لأنه طلب أن لا نخبرها "

قلت ببرود " لو تعلم مدللتك بما فعلت ستكرهك "

قال بعد ضحكة عالية " تغارين منها يا أميرة "

قلت بصدمة " أنا أغار من ابنتي !! "

قال بخبث " إذا دعي مدللتي وشأنها "

غادرته مستاءة وأنا أقول بصوت مرتفع " اذهبي لزوجة عمك فورا

لأنها تريدك فلا تحرجيني معها وتحرجيها مع ضيوفها "

*
*
نزلت من السلالم وترف يدها في يدي وبيسان تركتها تكتب بعض

المسائل التي علمتها لها , وصلنا للأسفل حيث كانت جدتهم وامرأتان

معها بثياب فاخرة ورائحة عطرهم تصيبك بالاختناق , اقتربت منهم

ووصلت عندهم ملقية التحية فوقفا وسلما علي وجلسا وقبلت رأس

عمتي وقلت لترف " هيا حبيبتي سلمي على الضيوف "

طبعا كل شيء تحت نظرات جدتها التي تكاد تأكلني من الغيظ

اقتربت ترف منهما وسلمت على كل واحدة منهما بأن قبلت خديها

كما كنت أعلمهم دائما وهما معجبتان بها وبما فعلت ثم أمسكت

يدها مجددا وغادرت بها جهة المطبخ , دخلته فكان واسعا بشكل

مخيف وبه أربع خادمات , أجلست ترف على الكرسي وقلت

" أريد جزرا وشكلاته سائلة من فضلكم "

امتثلن لأوامري فورا وقالت إحداهن " هل أقشره لك سيدتي "

قلت وأنا أجلس " يكون أفضل "

أحضروا لي ما طلبت وبدأت بتقطيعها حيث تكون طويلة

بفتحة أمرر خلالها قطعة طويلة منها كجناح طائرة وترف تغمس

رؤوسها بالشكلاته فدخلت جدتها ووقفت بالمقربة منا وقالت بتهكم

" لكل شيء حدوده هنا وقوانينه والأطفال لا يخرجون للزوار

فسنين حياتي لم يروا لي طفلا لتأتي أنتي وتدمري كل شيء "

نظرت لها وقلت بسذاجة " حقا أنا آسفة لم يكن لدي علم أنك

تخجلين من أن يرى الناس أحفادك "

قالت من بين أسنانها " لم أخجل منهم حتى حين هرب

بهم والدك لأخجل الآن "

قلت بضيق " لا داعي ليستمع الأطفال للماضي كي لا نفتح كل الدفاتر "

قالت من بين أسنانها " لا تلعبي معي يا ابنة فارس لأنك الخاسرة "

تجاهلتها وعدت لما كنت أفعل , أفضل ما في الأمر أن جابر

أخرج نفسه من كل هذا لما كنت سأقدر على قول ما قلت لأنه

لا يعرف سوى العنف وشد الشعر , غادرت هي المطبخ

وقالت ترف " مابها جدتي غاضبة وتضغط أسنانها "

قلت ببرود " هي ليست غاضبة معدتها تؤلمها فقط "

ضحكت تخفي فمها بيدها ونظرت أنا للخادمات وكن

يضحكن بصوت منخفض فقلت " من منكن سيلا "

قالت إحداهن " ولا واحدة "

قلت باستغراب " وأين تكون إذا !! "

قالت " في جناحك من أجل التنظيف "

قلت " ولما هي وحدها المكلفة بذلك "

قالت " هي أكبرنا سنا وأقدمنا والسيد لا يسمح

لغيرها بلمس أغراضه "

آه هكذا إذا ضننت أنه يخفي شيئا لا يعلمه غيرها , قلت

" متى مواعيد الطعام هنا "

قالت إحداهن " الغداء عند الرابعة أو يزيد لأنه وقت عودة السيد

جابر والعشاء عند الثامنة لأنه بعدها لا يمكنه المجيء مبكرا "

نعم فكل شيء على مزاجه , ومن الغريب أنه لم تتحكم والدته

بمواعيد طعامه , تبدوا ديك ينفخ ريشه فقط ولا أحد يأبه لها ولا

تسيطر إلا على الأطفال , وقفت وأخرجت لترف يديها من

صحن الشكلاتة وقلت" يكفيك لعب كم مرة أقول

لك لا تلعبي بالطعام يا ترف "

أخذتها للمغسلة وغسلت لها يديها ثم حملتها بين ذراعاي وقلت

خارجة من المطبخ " طبق الجزر هذا أريده ضمن الغداء "

ثم خرجت من المطبخ ماره بعمتي وضيفتاها وترف تقبل خدي

قبلات متتالية وتضحك فسمعت إحداهما تقول

" ابنك فعل الصواب بأن تزوجها يبدوا الأطفال يحبونها كثيرا "

قالت بصوت مرتفع لأسمعها لأني صعدت السلالم

" لولا الأطفال ما تزوج بها من أساسه "

وصلت بها للأعلى متجاهلة كل ما سمعت فعلاجها عندي

وسترى , توجهت عائدة لغرفتيهما ودخلت أنزلت ترف على

الأرض وقلت " ماذا حدث معك يا بيسان "

مدت كراستها وقالت " حللتها كلها ماما "

جلست عندها وقلت " رائع دعيني أرى "

كنت منشغلة معها وتشرح لي ما فعلت حين دخل علينا ذاك

الصوت " أمجد أنزل لعمي منصور يريد أخذك مع عمر بسرعة "

كان ذاك صوت جابر قادم من خلفي , ما جاء به هذا أليس لديه أعمال

كثيرة ولا يرجع قبل الغداء , نزل أمجد من الكرسي وخرج من الغرفة

مسرعا وقالت ترف " لما امجد فقط "

جاء صوته قائلا " أمور لا تخص الفتيات , أنتي وبيسان ستذهبان

لمدينة الألعاب وحدكما "

قفزت بمرح وأنا طبعا منشغلة مع بيسان لم أكلمه ولم التفت إليه

شعرت بأصابعه تتخلل في شعري لأني ربطته في بعضه فقد كسر

المشبكين الوحيدين اللذان أحضرتهما معي , كان يحرك أصابعه

داخل شعري حتى انفكت عقدته وهوا يتحدث مع ترف مجيبا عن

أسالتها التي لا تنتهي ... متى سنذهب ؟ من سيأخذنا ؟ وماما تذهب

معنا , انفك شعري ونزل مغطيا كراسة بيسان ويده لازالت داخله

فرفعت الجانب الذي نزل عليها وأدخلت أصابعي من أسفل شعري

جهة العنق حتى وصلت لأصابعه لأبعدها فأمسك بأصابعي وضغط

عليهم مع شعري بقوة وأنا أمسك نفسي بصعوبة عن الصراخ متألمة

حتى وصلت أقصى درجات التحمل وكنت سأصرخ لولا أن

دخلت الخادمة قائلة " هاهي الأقراص التي طلبتها سيدي "

ترك حينها أصابعي وشعري وابتعدت خطواته قائلا

" ترف لا تصعدي على ظهر والدتك أو غضبت منك "

ثم خرج وأغلق الباب خلفه وأنا أحرك أصابعي المحمرة من

الألم , نعم يفكر كثيرا بظهري وأصابعي كادت تتحطم بين

يده , هل يضنني أحد مجرميه أم ماذا لأتحمل قبضته القوية

قالت بيسان " ماما ما بها أصابعك حمراء "

قلت وأنا أحركها في الهواء بألم

" هذا ثمن حبي لكم حبيبتي ولم أرى شيئا بعد "

*
*
دخلت حديقة القصر أتذمر بصوت مسموع لأن والدتي

أصرت على أن أذهب لزوجة عمي وقالت أنها ستأخذ مني هاتفي

إن لم أذهب إليها ولأني أعلم أنها ستفعلها كالمرات السابقة لم

يكن أمامي سوى الذهاب , اقتربت من الباب فشعرت بيد تمسكني

من خصري وأخرى تطبق على فمي وتبتعد بي على نظر الحراس

حاولت التخلص منه لكنه يرفعني بسهولة ويسير بي حتى وصلنا

لنهاية الجانب الآخر من مبنى القصر ودخل بي لغرفة تبدوا سرية

فبابها وكأنه جدار للقصر فبدأت بركله وأحسست أن نهايتي اقتربت

دموعي كانت تنزل بقوة , أغلق الباب ثم تركني فركضت مبتعدة

أتخبط في الظلام وقلت ببكاء " ابتعد عني من أنت "

كنت أسمع خطواته فقط ففكرت في أن جابر ليس هنا , معتصم

نعم سيارته كانت في حديقة القصر , ملأت رئتاي بالهواء

ثم صرخت بأعلى صوتي " معتصم تعالى أرجوووك "

انفتحت الإنارة حينها لأجد معتصم أمامي , كنت أنظر له

بصدمة ونفسي يعلو ويهبط من شدة رعبي فقال مبتسما

وفاتحا ذراعيه " شبيك لبيك معتصم بين يديك "

انهرت على الأرض وعظامي كلها ترتجف وبدأت بالبكاء

مستندة بيداي على الأرض ورأسي للأسفل أبكي بحرقة

وعبرات فاقترب مني وجلس أمامي وقال

" بتول يا غبية مابك "

عدلت جلستي وصرخت به " ما بي !! لا شيء غير الرعب يفتت

عظامي لا شيء يا ابن عمي لا شيء يا من تحميني وليس ترعبني "

كنت أشهق بقوة وعبرات فاقترب مني ومسح بيده على وجهي

وضمني لحضنه فاستسلمت له من فوري من الرعب الذي لازال

يُرجف كل مفصل من مفاصلي , ضمني له وهوا يقول

" لم أقصد إرعابك كنت أود فقط جلبك هنا دون شوشرة لأنه

مكان سري ولا يعلم به أحد وأنتي لن تسكتي حتى نصل "

قلت بشهقات متتالية " أخفتني يا معتصم بل كدت تقتلني من الخوف "

ضمني له أكثر وقال " آسف لم اقصد أقسم لك "

ابتعدت عنه وقلت " أنت هكذا تكرهني دائما وتريد أن تنتقم مني "

قال بضيق " بتول يا حمقاء متى ستتوقفين عن الجنون "

قلت ببكاء " أخرجني من هنا ماذا تريد مني "

توجه جهة شيء في آخر الغرفة وأنا من خوفي وبكائي طبعا

لا أرى شيئا واضحا , نزع قطه قماش بقوة لتظهر تحتها لوحة

مثبتة على أعمدة في الأرض وقال " أريد أن أكمل هذه "

مسحت حينها عيناي ونظرت حولي بتركيز ثم قلت

" هل تسرق اللوحات يا معتصم "

ضحك وقال " وهل تريني لصا "

شهقت شهقة صغيرة من تأثير البكاء ثم قلت

" إذا تزوّر اللوحات المشهورة "

اقترب مني وقال ضاحكا " حتى في غمرة خوفك وبكائك

لا تتوقفين عن إهانتي وإلصاق التهم بي "

وصل عندي وامسك ذراعي وقال وهوا يوقفني عن

الأرض " هيا قفي لتنظري للوحتك "

سرت معه وهوا يسحبني من ذراعي وأراني لوحة تشبهني

ولكنها بدون شعر, نظرت له بصدمة وقلت " هل هذه أنا !!"

ترك ذراعي وأمسك الريشة وقال " نعم ولم تكتمل بعد كما تري "

قلت باستغراب " ولما ترسمني وأنت لا تحبني ! "

تأفف وقال " عدنا لذات الاسطوانة يا بتول "

قلت بضيق " هذا واقع وليس اسطوانة فاشرح سبب رسمك لي "

قال ببرود " رسمت الجميع وأنتي واحدة منهم لكن شعرك لم

أرسمه هل ارتحتِ الآن عندما سمعتي جوابا لم أرغب بقوله

وظننتك ستفهمين لوحدك "

بقيت أنظر له باستغراب فقال وهوا ينزع لي حجابي

" دعيني أكملها الآن "

أمسكته بقوة على رأسي وقلت

" معتصم ما هذا الذي تفعله سأخبر والدي وسترى "

ضحك وقال " لا بأس أخبريه ولن يقول شيئا "

قلت بضيق " نعم واثق من نفسك لأنه سبق وفعلتها ولم يتكلم عن ذلك "

نزعه من رأسي قائلا " إذا اهدئي ودعيني أنجز عملي "

قلت بحدة " ومن قال أني أوافق أن ترسمني "

أجلسني على الكرسي مرغمة وقال " أجلسي ولا تتعبيني يا بتول "

فتحت فمي لأتحدث فصرخ بي قائلا " أصمتي قلت لك "

فأغلقته وامتلأت عيناي بالدموع فتأفف بضيق ثم فتح لي شعري

وفرده على ظهري وأكتافي وعدل لي غرتي وزاوية وجهي ثم

عاد جهة اللوحة وقال " لا تتحركي ابقي هكذا "

رفعت يدي ومسحت دمعتي فقال بضيق " بتول قلت لا تتحركي "

قلت بتذمر " كيف لا أتحرك هل ممنوع أن أمسح دموعي "

قال بضيق " نعم ممنوع "

بقيت جامدة مكاني لننهي هذه المهزلة والخوف لا زال مسيطرا

علي فلم أخرج من رعب الموقف بعد ودموعي تأبى التوقف

فقلت " لا ترسم دموعي تفهم "

نظر لي وابتسم وقال " حاضر يا متعبتي "


نهاية الفصل

المخرج خاطرة للغالية على قلبي طعون


أنا الوسن.. من كانت نبته في بداية

حياتها.. وجاءها الساقي ليروي عطش

عروقها.. أسرف في اسقاءها حتى ثملت

منه حبًا.. و سكرت منه صبابةً..

أغرقها من فائض حنانه.. وحين تفتحت

وتوردت جذبت أعين الناس إليها..

الناظر إليها يرغب بشدة أن يمرر

خشونة أنامله على نعومة أوراقها..

ولكنها كانت تميل للساقي يومًا بعد

يوم.. حتى أصبح هو إدمانها الجديد..

روحها عطشى للمزيد.. ولكنّ رياح

الصيف طمعت بها.. و تأملت أن تقطفها..

فقد فتنتها بلونها الزاهي.. وروحها المتوردة..

لكن الوقت لم يسعفها.. لتتركها تترنح

على حافة السقوط.. و يخذلها الساقي..

بظنٍ منه أنها لم تخلص له.. وتخلّى

عنها..لينتقل لوردةٍ أخرى جريحة..

يرغب في مداواتها..

حتى أصابها الجفاف.. وأصبحت تذبل يومًا بعد يوم..

على أمل أن يلتفت لها..

ولكن جفّت عروقها.. وذبل توردها..

وباتت كسيرة.. ولم يعد الساقي..!

سلمت أناملك شهود
__________________
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 12-29-2015, 11:26 AM
oud
 
الفصل الثالث عشر

منذ أن وصلتني رسالة أمي التي كتبت لي فيها ( لا تغلق هاتفك ولا

تضعه على الوضع الصامت ولا تبعده عنك حتى الصباح )

علمت أن ثمة شي يجري وأمي خائفة من تطوره ومؤكد وسن

في الموضوع وما زاد الأمر سوء إغلاقها لهاتفها والممرضة

وفتحية لا يجيبان فلم يبقى لي عقل في رأسي طوال الطريق

وما أن وصلنا حتى باتت الأرض لا تحملني ولم أشعر بنفسي

إلا خارجا من المنزل تاركا لكل شيء ورائي وما أن خرجت

من باب المنزل حتى لفت انتباهي حركة العمال جهة الإسطبلات

فانطلقت نحوهم على الفور وسألت أول من صادفني قائلا

" ما بكم "

وقف وقال " الوسن سيدي "

يبست في مكاني وقلت " ما بها ؟؟ هل ماتت "

قال من فوره " هائجة وتصهل ولم نعرف كيف نتحكم بها

وجرحت نفسها من عنفها داخل الإسطبل "

ركضت أمامه قائلا " وكيف لا تخبروني عنها يا حمقا "

قال وهوا يركض خلفي " وليد ومعاذ ليسا هنا وأوصيانا

أن لا نقلقك بشيء الليلة "

قلت صارخا وأنا أركض وصوت صهيل الوسن المدوي بات يقترب

" وهل هذا شيء تخفونه , إن حدث لها شيء لن أغفر لكم جميعكم "

دخلت الإسطبل وكانت تصهل بقوة وتضرب بحوافرها وهم

يحاولون تهدئتها وإمساك لجامها فأبعدتهم وقفزت معها على

صوت صراخهم الناهي لي عن فعل ذلك , أمسكت بلجامها

وقفزت به للخارج محاولا تهدئتها بعدما ركزت قليلا في

الأرض وقلت بصراخ " ماذا بها ما الذي أخافها هكذا "

قال أحد العمال صارخا لأسمعه

" لا شيء لا أحد اقترب منها ولا شيء في الإسطبل "

غريب ما السبب إذا !! خطر في بالي فجئه يوم مرضت الوسن

ووسن معا , أعلم أنها فكرة مجنونة ولكنها ارتبطت عندي

بالفعل, سلمت اللجام لأحدهم وقلت خارجا بسرعة

" حاولوا تهدئتها حتى أعود ولا تدعوا اللجام ينفك منكم "

توجهت لسيارتي فورا ركبتها وخرجت بها مسرعا وتوجهت

من فوري للعاصمة ووصلت في وقت قياسي , وصلت المنزل

ونزلت دخلته والهدوء يعم المكان وكأن لا أحد فيه , اقتربت من

غرفة والدتي فكان نورها مضاء حتى الآن وهي من عادتها النوم

مبكرا , فتحت الباب ببطء وكل هواجس العالم تقودني وما أن

فتحته حتى وقع نظري في نظرها جالسة على السرير ووسن جالسة

على الأرض ومتكئة بذراعيها على سريرها تخفي وجهها فيهما

وأمي تمسح على شعرها برفق والممرضة و فتحية معهما أيضا

أشارت لي والدتي بأصبعها دون كلام أن أخرج لكن لا مفاصلي

ولا الأرض التي أقف عليها ولا قلبي ولا عقلي يسمحون لي

فتحت فمي لأتحدث فأشارت لي بأصبعها على شفتيها أن أصمت

فابتعدت عن الباب تاركا له مفتوحا واستندت بالجدار المجاور له

واتكأت عليه برأسي , لم تصهل الوسن عبثا إذا بل شعرت بها حقا

بقيت مكاني لوقت دون حراك عجز حتى عقلي عن التفكير واتخاذ

أي خطوة ولو المغادرة أو الدخول لهم من جديد , بعد وقت وصلني

أنينها الموجع ليختلط ببكائها المكتوم وقالت الممرضة

" هل نحقنها بالمهدئ "

قالت أمي بصوت منخفض " لا .. تكفي حقنة واحدة "

قالت " حسننا مسكن على الأقل ليخفف ألمها "

أجابتها أمي مباشرة " حقنتِها به مرتين الليلة نخاف أن يضرها "

لم أستطع حينها السيطرة على شيء ولا حتى أعصابي

كنت أضغط قبضة يداي بقوة حتى كادت تتمزق

وكنت سأدخل لهم حين قالت فتحية " هل ستتركونها

تتألم هكذا , أي ليلة هذه الليلة السوداء , سامحك الله يا نواس "

قالت أمي " إن أشرقت عليها شمس الصباح ستكون أفضل حتى

من السابق وإن ماتت قبل أن تشرق الشمس تكون ارتاحت

وارتاح قلبي عليها قبل أن أموت "

وكانت هذه الكلمات هي النصل الذي ذبحني من الوريد حتى

الوريد فتحركت ودخلت لهم وتوجهت نحوها أمسكت ذراعها

وسحبتها لحظني وحملتها بين ذراعاي متجاهلا كل كلام

أمي الحاد القاسي وهي تقول

" ابتعد عنها يا نواس أرحمها منك الليلة بالذات لا تقتلها وهي ميتة "

التفت ناحيتها وأنا أدس وجه وسن في حضني لأكتم أناتها

المتوجعة بين ضلوعي وقلت صارخا في أمي بحرقة

" كل ما يعنيك أن تموتي وهي قد سبقتك واطمأننتِ عليها

فكري بي أنا على الأقل وما سأفعل بعدها "

ثم خرجت بها مسرعا وغادرت المنزل وهي وكأنها مخدرة

من الألم الممزوج بالبكاء , وضعتها في السيارة وركبت

وأخذتها للمستشفى بأسرع ما لدي وأخاف في كل ثانية أن

تسكت عن الأنين والبكاء وتموت, وصلت المستشفى

وأنزلتها بين ذراعاي ودخلت بها لتستلمها الممرضات

وبقيت أنا في الخارج نصف ساعة حتى خرج الطبيب

فوقفت وقلت " ما بها وكيف هي الآن "

قال من فوره " من حقنها بالمهدئ "

قلت " ممرضة ترعى والدتي "

هز رأسه بالإيجاب فقلت " ماذا هناك أيها الطبيب أرحمني "

تنهد وقال " انهيار عصبي وتبدوا تشتكي ألاما في أمعائها

هل كلامي صحيح "

قلت " نعم القرحة النفسية هكذا قال الطبيب "

هز رأسه بالإيجاب وقال " لهذا هي اشتدت معها الآن "

قلت بقلق " وكيف حالتها الآن "

قال " نامت وستكون أفضل ما أن تستفيق أرى أن

تتركوها هنا هذان اليومان "

هززت رأسي بحسنا وقلت " هل يمكنني رؤيتها "

قال " قليلا فقط إن لم تكن سبب انهيارها أو لا تدخل رجاء

من أجل صحتها فقد تستفيق وأنت في الداخل وتسوء حالتها أكثر "

ثم غادر وتركني بعدما حرمني حتى من أن أدخل لها فجلست

على الكرسي في الخارج منتظرا أن تستيقظ ولم أجب على

اتصالات أمي المتكررة لتجرب ما فعلته بي في هذه الليلة المنكوبة

لم أغادر مكاني حتى أخبروني أنها استفاقت وأنها بحال أفضل

فنبهت عليهم أن لا يتركوها تغادر فأنا أعرف عنادها جيدا

ثم غادرت المستشفى للمزرعة بعدما أرسلت رسالة لأمي أخبرها

فيها أنها بخير ثم توجهت من فوري للإسطبلات ولإسطبل الوسن

تحديدا , وجدت عاملان معها هناك اقتربت وقلت " ماذا حدث معكم "

قال أحدهما " كما طلبت منا تبادلنا عليها طوال الليل لقد هدأت قليلا

لكنها لم ترجع لطبيعتها بعد والبيطري عقم الجرح بصعوبة

وقال بأنه سيعود اليوم ليلفه ما أن تهدأ أكثر "

أمسكت منه اللجام وهي تحاول الابتعاد عني بوجهها فقلت بأسى

" توقفي يا الوسن لا تكرهيني أنتي أيضا وتُعرضي عني "

قربت وجهها لي محاولا لمسه برفق حتى ركز أمامي قليلا

وهي تحاول الرجوع للخلف فقربته مني أكثر وحضنته بيدي

وهمست في أذنها " هي بخير يا الوسن بخير واستعادت وعيها

اهدئي الآن , أنا الملام أنا من ربطتك بها , اهدئي

لقد هدأت هي أيضا منذ قليل "

رفعت رأسها عني وضربت بحوافرها ضربة بسيطة ثم أنزلت

رأسها أرضا وعادت لطبيعتها مع زفير بسيط يخرج منها متكررا

فتركت لجامها وقلت " سأتصل بالبيطري ليرى جرحها مجددا

لا تبتعدوا عنها وأعلموني بكل شيء "

ثم خرجت من عندهم متوجها للمنزل هنا

*
*
مرت الساعات وأنا أنتظر الغائب الذي خرج من هنا ولم يرجع

حتى غلبني النعاس وأنا جالسة مكاني ولم أستيقظ إلا على أذان

الفجر دخلت الحمام توضأت وصليت وجلست أقرأ في مصحفي

لوقت ثم رتبت ملابسي في الخزانة وحملت ثيابي التي كنت أرتدي

وسترة نواس وربطة عنقه اللتان رماهما قبل أن يخرج ونزلت

للأسفل أبحث عن الخادمة التي وجدناها هنا البارحة فوجدتها في

المطبخ , نظرتْ لي بابتسامة وقالت " صباح الخير "

قلت بهدوء " صباح الخير , أين يمكنني وضع هذه "

اقتربت مني مسرعة تمسح يديها من الماء وأخذت الثياب

مني وقالت " اتصل بي نواس البارحة لأخبرك أن قريبته المسئول

عنها مرضت و سينام خارج المزرعة لكني لم أحب إزعاجك

لأني فكرت أنك قد تكونين نائمة "

قلت بحيرة " قريبة هوا مسئول عنها !! "

قالت " نعم فلا ولي لها غير نواس هذا ما أعرفه عنها وتقيم مع

والدته لقد تعبت البارحة وغادر لأخذها للمستشفى "

هذا سر الرسالة إذا يبدوا أخبروه أنها مريضة

قلت " وكيف حالها الآن "

قالت وقد عادت لعملها " لم يتصل بعدها ولا أعلم لكنه

قال سيأتي ما أن تستيقظ "

دخل حينها نواس بوجه متعب وقال " صباح الخير "

قلنا معا " صباح الخير "

قالت الخادمة " كيف هي الآن "

قال مغادرا " بخير , مي اتبعيني "

خرجت خلفه وصعد لغرفتنا وأنا أتبعه دخل ودخلت خلفه

قائلة " تبدوا لم تنم البارحة "

أردت أن أقول أي شيء ولم أجد غير هذه الجملة

فتح أزرار قميصه وهوا يقول " نعم واشعر بتعب يهد الجبال

سأستحم وأنام قليلا , أنا آسف لأني خرجت البارحة ولم أخبرك "

قلت ونظري للأرض " لا باس المهم أنها بخير وحمدا لله على سلامتها "

قال متوجها للحمام " سلمك الله هاتفي عندك هناك سجلي لي رقم

هاتفك فيه وخذي رقمي لتتصلي بي حين تحتاجينني "

ثم دخل الحمام من فوره دون أن يضيف شيئا , حملت هاتفه

من على الطاولة وسجلت رقمي فيه باسمي واتصلت به ليظهر

رقمه عندي ثم أعدته على الطاولة وشغلت التكييف في الغرفة

على درجة منخفضة لأنه سيخرج مبتلا وقد يمرض ثم خرجت

وأغلقت الباب ونزلت للأسفل أتسلى مع الخادمة هنا لأمضي

الوقت خيرا لي من أن أبقى وحدي كليلة البارحة ولكن المهم

انه بخير فلا ينقصني أن أصبح أرملة أيضا لتكتمل مأساتي

*
*
دخلت عليا الغرفة لتسألني للمرة العاشرة " هل اتصل بك "

هززت رأسي بلا وقلت " لقد اتصلت بزوجته وقالت أنه عاد

منذ وقت استحم ونام ولم يستيقظ حتى الآن المشكلة

أن هاتف وسن بقي هنا "

تنهدت بحزن ثم غادرت عائدة لعملها ورن هاتفي فنظرت

للمتصل بسرعة فكان جواد فأجبت فقال من فوره

" أعطني وسن لتكلمها وترتاح يا أمي "

قلت بصوت منخفض " وسن في المستشفى ابتعد لنتحدث "

قال من فوره " حسنا أخبريني ما أن تخرج وسأتصل بك بعد قليل "

ثم أغلق الخط , فرح لم تنم البارحة ولم تدعه ينام, هي

تعلم أن ليلة كهذه الليلة لن تمر على وسن بسلام ولو علمت

أنها تعبت كل ذاك التعب فلن ترتاح حتى تكون هنا , توقعت

أن يؤثر ذلك على وسن لكني لم أتخيل أن يكون بهذا الشكل

وكنت متخوفة من أنها ستموت وكنت أجهز نفسي للفاجعة

سامح الله كل من كان السبب فيما حدث حتى الآن , بعد وقت

رن هاتفي مجددا فأجبت على الفور قائلة " هل هذا صنيع

تصنعه يا عاقل يا راشد يا نواس , كيف تتركني في

انشغالي طوال الليل "

قال بصوت ضعيف " وهل الذي فعلته أنتي يجوز "

قلت بقلق " ما به صوتك هل أنت مريض "

قال " هل سيعنيك هذا قد أموت أنا أيضا وترتاحي قبل موتك "

قلت بتذمر " نواس كف عن لعب الأطفال واحترمني على الأقل "

قال بضيق " ولما لم تقدريني يا أمي أنا أبنك الأكبر والمسئول

عنكم , لولا أن مي انشغلت عليك وأيقظتني لأكلمك ما فعلتها "

ثم تأفف واستغفر وقال " كنتي ستقتلينها متعمدة يا أمي "

قلت بهدوء " يبدوا صوتك ليس بخير عد للنوم وارتاح

الآن ولكل حادث حديث "

ثم أغلقت الخط وتنهدت بضيق ولا أعلم على ماذا أتحسر

على وسن أم نواس أم زوجته المظلومة مثلهما
*
*
حاولت العودة للنوم ولكن عبثا أحاول فجلست أتنفس بضيق

رن هاتفي نظرت للمتصل فكان جواد أجبت عليه قائلا

" نعم يا جواد "

قال من فوره " ما به صوتك يا نواس "

قلت ببرود " لا شيء يبدوا أني سأصاب بنزلة برد "

قال باستغراب " نزلة برد في الصيف !! "

قلت بضيق " استحممت ونمت والتكييف قوي ما بك معي أنت "

قال بهدوء " اعلم أن مزاجك سيء لا داعي لأن تريني ذلك "

تأففت في صمت فقال " فرح منشغلة على شقيقتها وسوف

تجن لي هنا أخبرني ما بها "

قلت وأنا أمسح جبيني المتعرق " هي بخير تعبت

البارحة لكنها بخير أطمأن وطمئنها "

تنفس بقوة وقال " وأنت زرت الطبيب أم لا "

قلت " سأستحم مجددا وآخذ مسكنا وخافض للحرارة وينتهي الأمر "

قال " هل تحدثت مع والدتي تعلم أنها متعبة ومنشغل بالها عليها "

قلت باختصار " نعم "

قال بعد صمت " ما أمورك وزوجتك "

أدرت عيناي محاولا التركيز معه وقلت

" قضيت ليلة البارحة في المستشفى كيف ستكون أمورنا "

ثم تنفست بصعوبة وقلت " سأتصل بك لاحقا يا جواد وداعا الآن "

رميت بعدها بالهاتف جانبا وأشعر بكل مفاصلي تؤلمني

ورأسي سينفجر , فتحت مي الباب فقلت

" أشعلي النور وأطفئي التكييف يا مي "

فعلت ما قلت على الفور ثم وقفت قريبة من السرير

وقالت بقلق " هل أنت بخير "

رميت اللحاف عني وقلت وأنا أغادر السرير " يبدوا أني

سأصاب بالحمى أو الزكام سأستحم سريعا انزلي لراضية

واطلبي منها أن تريك مكان الصيدلية المنزلية أحضري

لي حبوبا مسكنة وخافض حرارة "
قالت مغادرة من فورها " حسناً "

غادرت السرير ودخلت الحمام فتحت الدش ودخلت تحته

بملابسي وكأني أغسل نفسي وروحي ورأسي من ذكرى ليلة

البارحة وكلمات أمي تتردد في أذناي وهي تقول

( إن أشرقت عليها شمس الصباح فستكون أفضل من السابق )

لم تعني والدتي بذلك صحة وسن بل عنت شيئا آخر أنا أكثر

من يفهمه ويبدوا أن آخر الخيوط بيننا انقطع البارحة يا وسن

خرجت بعدها من تحت الماء وخلعت ملابسي وارتديت منشفة

الاستحمام وخرجت للغرفة وجدت ثيابا لي على السرير ومؤكد

مي من جهزتها لي والحبوب أيضا وكوب الماء على الطاولة

لا أسوء حظا منا إلا أنتي يا مي فلم يعرف قدرك أين

يضعك إلا عند رجل قلبه خارج جسده , يا رب ساعدني كي

لا أظلمها معي مثقال ذرة فالقلوب بيدك ولا حكم لنا عليها

لكن التصرف والمعاملة الحسنة بيدنا فاجعلني منصفا معها

ولو في العشرة الطيبة , غيرت ثيابي أخذت الحبوب وبلعتها

بالماء وجلست على السرير متكأ على طهره ورأسي للخلف

مغمضا عيناي حتى شعرت بكف يلمس جبيني ففتحت عيناي

فكانت مي فأبعدت يدها بسرعة وقالت بخجل

" حرارتك مرتفعة زر الطبيب "

أغمضت عيناي مجددا وقلت

" أخذت الحبوب وستنخفض حرارتي شكرا لك يا مي "

قالت بشبه همس " عفوا "

ثم سمعت خطواتها تخرج ففتحت عيناي فكانت الغرفة مظلمة

والباب مغلق , عدلت نفسي أكثر على السرير وعدت للنوم

بسبب تأثير الحبوب وبعد وقت طويل استيقظت ونظرت يمينا

فكانت مي تجلس عند النافذة وتنظر للخارج بشرود ثم نظرت

للجانب الآخر كانت توجد صينية بها ماء ومنشفة عند طاولة

السرير , وضعت يدي على جبيني فكانت حرارتي قد

انخفضت, جلست ببطء فانتبهت لي ووقف وقالت

" صلي العصر لأنه فاتك من وقت وسأحضر لك شيئا تأكله "

قلت " أكون ممتنا لك بذلك "

غادرت هي الغرفة من فورها وأمسكت أنا بهاتفي واتصلت

بالمستشفى لأطمئن عليها فقالوا أنها بحال أفضل ولم يسمحوا لها

بالخروج رغم إصرارها وأنه يمكنني إخراجها عند أول المساء

كم أنا محتاج لوجدك الآن يا جواد فأنا ليس لي أي طاقة أذهب

بها لها وهي من مصلحتها أن لا ترى وجهي

غادرت السرير ودخلت الحمام توضأت وخرجت صليت

وجلبت مي حساءً من اللحم والخضار ووضعته بالقرب مني

وخرجت , أنهيت صلاتي وجلست عند الطاولة وتناولته كله لأنه

لم يدخل معدتي شيء منذ الأمس ثم غيرت ملابسي وخرجت

زرت الإسطبلات والوسن أولا واطمأننت على جرحها وحالتها

وأخذت وقتا مع العمال لأنه لا معاذ ولا وليد هنا ولا أحب إهمال

شيء وبعد المغيب خرجت من المزرعة لمنزل والدتي استحممت

وغيرت ثيابي ثم غادرت للمستشفى وصلت أمام باب غرفتها

طرقته عدة طرقات ودخلت , كانت تجلس على السرير والطبيب

أمامها وما أن رأتني حتى أشاحت بوجهها للجانب الآخر , اقتربت

منهما فاستدار لي الطبيب وقال " ها قد جاء من سيخرجك لا تقلقي "

ثم قال مغادرا الغرفة " وقع لنا يا سيد وأخرجها لن

نتحمل مسئوليتها قبل الغد "

ثم خرج وأنا لم أنطق بحرف بقيت واقفا مكاني للحظات

ثم قلت مغادرا " سأوقع لهم وأعود "

لم تتحدث ولا بكلمة ولا حتى اعتراض أنها لن تعود معي

أكملت الإجراءات وعدت لغرفتها كانت واقفة وما أن رأتني

حتى خرجت أمامي في صمت قاتل دون أن ترفع نظرها لي

وأنا أتبعها حتى وصلت السيارة وفتحت الباب وركبتها فركبت

وانطلقنا , كانت طوال الطريق تنظر جهة النافذة دون حراك

جمعت كل قواي وقلت " وسن "

وصلني صوتها وهي لازالت على حالها " لا تتحدث "

قلت " أسمعيني فقط "

قالت " حلفتك بالله يا نواس إن كنت تحمل في قلبك

ذرة صغيرة مما كان أن لا تتحدث في الأمر "

لذت بالصمت وكل ما كنت أفكر فيه البوح بسبب زواجي

من مي وكسر عهدي لإخوتها وعمها أنه لن يعلم من أهلي أحد

عما جرى لها وسبب زواجي بها وها هي ذي أشرقت عليك

شمس الصباح يا وسن وأظلمت علي أنا, رن حينها هاتفي

نظرت للمتصل فكانت مي فلم أجب عليها, اتصلت ثانيتا

وبات الأمر مكشوفا فأجبت عليها دون كلام فقالت

" نواس هل أنت بخير "

قلت باختصار " نعم بخير "

قالت من فورها " خرجت وأنت متعب ولم ترجع "

أغمضت عيناي بشدة وألم وقلت " أنا بخير لا تقلقي سأعود بعد قليل "

ثم أنهيت الاتصال لألمح يد وسن التي تمسك معدتها بقوة فقلت

" وسن دعينا نتحدث لأني إن لم أتكلم الآن فلن أتكلم ما حييت "

قالت ونظرها لازال جهة النافذة " لا تتكلم "

فلم يكن أمامي من خيار سوى أن لذت بالصمت ووصلنا ونزلت

هي مسرعة ودخلت المنزل شبه راكضة وكأنها تريد الهرب مني

*********************************







جهزت نفسي مبكرا أخذت حقيبتي ونزلت السلالم وأشعر أنني في

حلم , هل صحيح سأعود لدراستي ولن أخسرها للأبد كأهلي

فهي الشيء الوحيد الذي لم يسرقه مني أولئك المجرمين وأتمنى

أن لا أخسرها لأني أحب الدراسة منذ صغري

وصلت للأسفل وكان نزار ينتظرني لأنه هوا من سيوصلني

وصلت عنده وقلت " سأرى خالتي أولا "

ضحك وقال " كلها ساعات وستعودين لها "

هززت رأسي بلا مبتسمة فرفع يديه وقال مبتسما

" أمري لله ودعيها بسرعة لألحق على طالباتي "

تذكرت حينها كيف كن مبهورات به عندما جاء لتدريسنا

ترى هل تستحوذ إحداهن على قلبه , آه سما لقد تعلمتِ

مصطلح جديد وبت تطبقيه عليه كل حين, دخلت لخالتي

واقتربت منها وقبلت رأسها وقلت " هل تحتاجين شيئا قبل ذهابي "

قالت مبتسمة " وفقك الله وحفظك يا سما اعتني بنفسك جيدا "

قلت بهدوء " هل ستبقي وحدك "

قالت " قالت دعاء أنها ستأتي لرؤيتي منتصف الصباح ونزار

لن يتأخر سيعود ما أن ينهي حصصه "

قلت بعد تردد " هل كانت دعاء تبقى معك دائما "

قالت " تزورني وقت غياب نزار ومن سنوات فهي صديقة قديمة لنا "

وقف حينها نزار عند الباب وقال " سما بسرعة سنتأخر "

تحركت بسرعة قائلة " أنتم الرجال لا تحبون الانتظار "

قال ضاحكا وهوا يخرج أمامي " أمي ستفسد أطباعك بما تعلمه لك

من حكم , لا تنسي ارتداء النظارة الشمسية قبل أن تخرجي "

لبستها وأنا أقول " لا أحب النظارات وهذه كبيرة جدا من أين جئت بها "

قال ضاحكا وهوا يفتح لي باب السيارة " لم أجد واحدة صغيرة

كوجهك هذه أصغر واحدة دائرية وجدتها "

ثم ركب السيارة وقال منطلقا

" انظري في المرآة الجانبية لتلك السيارة السوداء المظلمة "


أبعدت النظارة قليلا ونظرت فكانت بالفعل تتبعنا فقلت بخوف

" من هذا الذي يتبعنا ؟؟ نزار عد بي لخالتي فورا "

ضحك وقال " لم أعرفك جبانة هكذا هؤلاء من ستكونين

في حمايتهم , وضعهم جابر لهذا "

نظرت جهة النافذة وقلت بضيق " لما تسخر مني "

وصلني صوته مبتسما " أنا لم أسخر منك بل حقيقتا

ظننتك لا تخافين من شيء "

نظرت لحقيبتي في حجري وقلت بحزن

" هل أنا في نظرك كالرجال "

بقا صامتا لوقت ثم قال " أنا كنت أمزح فقط "

لذت بالصمت أكابر دموعي كي لا تنزل فقال بهدوء

" سما هذه الأيام أشعر أنك تتحسسين من كل شيء أقوله

مازحا هل أخطأت معك في شيء دون قصد أو جرحتك

كوني صريحة معي "

نزلت مني دمعة دون شعور ومسحتها بسرعة من تحت

النظارة , أنا حقا لا أعلم ما بي هل أبدوا حمقاء بتصرفاتي هكذا

شعرت بالسيارة توقفت فرفعت رأسي ونظرت جهته فمد

يده وأزال النظارة عن عيناي وقال

" حسنا لما تبكي أجيبي ولو عن سؤال واحد "

نظرت للأسفل وقلت بهمس " لا شيء نزار أقسم لك "

طرق حينها أحدهم على نافذة السيارة فنظر ناحيته وأنزل الزجاج

فكان رجلا بملابس غامقة ونضارة شمسية قال مباشرة

" لما توقفت هل من مكروه "

قال نزار " لا كن مطمئنا نحن آسفون "

ثم ابتعد عائدا للخلف وأغلق نزار النافذة قائلا بضحكة

" ها هم رجالك كادوا يلقون القبض علي ويرمونني في السجن "

قلت من فوري " خسئوا هم مكانهم السجن "

لاذ بالصمت فشعرت أني قلت شيئا يبدوا سخيفا أو خاطئ

كنت سأعتذر فانطلقت ضحكته العالية ثم قال

" لو سمعوك لسجنونا كلينا "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت

" أنا مسجونة على كل حال أنت من سينتقمون منك "

عاد للضحك مجددا وقال " لكن ذاك السجن لا وجود

لوالدتي فيه لتسليك "

لما لم يقل ولا أنا فيه مع والدته أنا لا أريد الابتعاد عن كليهما

وصلنا حينها لمدينة ودخلنا إليها فقلت " هل هنا تكون المدرسة "

قال " نعم سندخل سويا لنقابل المدير , هوا على علم بوصولك فجابر

رتب لكل شيء لأنك وكما تعلمي لا أوراق لديك كتوكيل من

ولي أمرك ولا ولي لك قانونيا غير والدك رحمه الله في الوقت

الحالي فأي إجراءات قانونية سنقوم بها قد تعرض حياتك للخطر

وجابر تصرف من هذه الناحية لأن مركزه يخوله لذلك "

قلت بهدوء " أنا متوترة جدا , المدارس باتت تعني لي

كابوسا بعد المدارس الخاصة "

وقفنا حينها عند باب المدرسة وقال

" ابنة عم جابر ستكون في انتظارك كما أخبرتك "

ثم نظر ناحيتي وقال " سما اسمعيني جيدا المدارس الحكومية

ليست كالخاصة أبدا وأنتي كالورقة البيضاء لم يكتب فيك أحد

شيء فأي شيء جديد عنك تعلميه منهم تسألي والدتي عنه ولا

تفعلي أي شيء تطلبه منك إحداهن وأخبريني عن كل ما

تريدي إخباري عنه والباقي والدتي تنصحك فيه "

قلت بحيرة " لما !! ما الذي يجري هنا لقد أخفتني "

ضحك وقال " لا تخافي يا سما أنا لم أقصد تهويل الأمر

لكن عزل والدك لك كل تلك السنين حجبك عن أمور كثيرة في

الحياة ستتعلمينها يوما بشكل سليم أو خاطئ فأخبري والدتي عن

كل ما تعلمي أو تسمعي , هل تعدينني بذلك "

هززت رأسي بنعم وقلت " أعدك رغم أنني لا افهم شيئا "

قال مبتسما " لو كان الأمر بيدي لتركتك لا تفهمين شيء

فلا أفضل من المرأة النقية "

ثم نزل من السيارة من فوره وتركني حائرة فيما قال , قد

أعلم يوما ما يعني لأني إن فكرت فيه كثيرا الآن سأتعب ويبدوا

أنني كما قال لا أفهم من الحياة شيئا , لو علمنا والدي كل شيء

بطريقته لكان أفضل من أن يجعلنا كالأصم الأبكم , لعرفت حينها

كيف أتصرف حين استفردت بي دعاء وخاطبتني بأشياء تضنني

أفهمها وأنا لم أعلم عما كانت تتحدث إلا حين شرحت لي خالتي

ولكنت فهمت ما عناه نزار سابقا عما كتبت وجدان في ورقة

الامتحان وظننته رشوة , نزلت أتبعه ودخلنا كان عدد الطالبات

كثير ليس كمدارسي التي درست فيها ويتحدثون بفوضوية

وعشوائية ويصرخون وكأنهم يلعبون في الشارع, كنت

أسير بجانبه وأنظر لكل ما حولي ثم قلت

" وكأننا لسنا في مدرسة "

ضحك ضحكة صغيرة وقال " أخبرتك أن كل شيء مختلف

هنا وستحبينهم حين تتقربين منهم أكثر "

قلت بابتسامة " أخاف أن أصبح مثلهم "

قال " هناك كثيرات مثلك لهم شخصية هادئة وخجولة

لكن ما لفت نظرك النوع الآخر فقط "

دخلنا مبنى المدرسة وتوجه من فوره لغرفة المدير دخل ملقيا

التحية ودخلت خلفه وقال " أنا نزار الأحمدي وهذه سما أحمد "

قال بابتسامة " أجل لدينا العلم بوصولها اليوم وسنقوم بالواجب "

نظر لي نزار حينها وقال " يمكنك الذهاب يا سما بتول قالت

ستنتظرك عند الباب يبدوا أنها لم تأتي بعد فانتظريها هناك "

هززت رأسي بحسنا وخرجت وبقي هوا معه , خرجت للخارج

واقتربت من الباب الخارجي لحظة دخول فتاة بيضاء البشرة

بعينان عسليتان دخلت تتأفف وتتمتم بغيض فقابلتها واحدة أخرى

وقالت " هيه بتول مابك تنفخين عند الصباح "

قالت بتذمر " ابتعدي عني لا شأن لك بي "

ضحكت وقالت " ابن عمك الوسيم أوصلك رأيته عند

الباب بسيارته الفاخرة يفترض بك أن تبتسمي "

قالت لها ببرود " ابتعدي عني يكفيني سائق الحافلة الذي لم يعرف

متى يمرض إلا اليوم , أنا أبحث عن الفتاة الجديدة لا تلهيني كعادتك "

أشارت لي تلك الفتاة وقالت " لابد أنها هذه "

نظرت لي وقالت " أنتي سما "

قلت " نعم "

اقتربت مني ومدت يدها قائلة

" أنا بتول أخبرني جابر أنك ستدرسين معي "

صافحتها قائلة بابتسامة " نعم وأنا أخبرني أنك ستكونين في انتظاري "

قالت الفتاة " ومن ذاك الوسيم الذي دخل معك قولي أنه شقيقك "

دفعتها بتول وقالت " ريحان ما بك تفقدين عقلك إن دخل أحد للمدرسة "

ضحكت وقالت " أنتي لم تريه فقط , أو ما الفائدة منك حتى

ابن عمك الوسيم تكرهينه "

خرج حينها نزار بخطوات سريعة وقالت ريحان

" هيه بتول ها هوا , انظري انظري "

التفتت له ومر بجوارنا وأشار لي بيده مبتسما بمعنى وداعا

وخرج فنظرتا لي كلاهما بصدمة وقفزت ريحان قائلة

" لا تقولي أنه خطيبك "

ضحكت وقلت " لا هوا قريبي فقط "

تنهدت وقالت " من أين تجدون كل هؤلاء الوسيمين ما به

حضي أنا أقاربي كلهم أبشع مني "

أمسكت بتول بيدي وقالت وهي تسحبني معها

" تعالي فهذه المجنونة ستصيبك بعدواها وتفسد أخلاقك "

ركضت ريحان خلفنا قائلة

" هيه بتول أنا صديقتك أم بعتني بالطالبة الجديدة "

اقتربنا من مجموعة فتيات وقالت بتول

" اسمعن يا بنات هذه سما ستدرس معنا "

سلمن عليا جميعهن وضحكت ريحان وقالت

" أرأيتن الشاب الذي دخل معها "

قالت إحداهن " لو سمعتك الآنسة انتصار لذبحتك "

لوحت لها بيدها بعدم مبالاة وقالت بتول

" تعاليا سندخل الفصل الحصة ستبدأ قريبا "

وترافقنا ثلاثتنا حتى بدأت الحصة ودخلت المعلمة

وبعدما وضعت كتبها نظرت لي وقالت " أنتي هي سما "

وقفت وقلت " نعم آنسة "

قالت " في أي درس توقفتِ في هذه المادة "

أعطيتها عنوان الدرس فقالت " بما أننا متقدمين في المنهج

سنعود معك لأنك لن تفهمي لاتصال الدروس ببعضها "

قلت " يمكنك شرحهم لي جميعهم في هذه الحصة "

نظرت لي باستغراب ثم قالت " هل ستفهمينهم معا "

قلت " نعم "

قالت " إذا اجلسي وباقي البنات سنعد هذه الحصة كمراجعة "

قالت إحدى الطالبات " آه ليتك تأتين جديدة كل يوم يا سما "

ضحكن جميعهن وقالت واحدة أخرى

" قولي أنك لم تفهمي والحصة القادمة نعيد الشرح "

وعدن للضحك والمعلمة كأنها غير موجودة وأنا أنظر لهن

باستغراب , في المدارس الخاصة هذا يعد جريمة كما أن

الطالبات لا يتصرفن بعفوية هكذا وكأن كل واحدة منهن

تحاول أن تظهر نفسها الأكثر خلقا والأرقى تفكيرا وأسلوبا

وكأنهن في مسابقة وينتقدن أي واحدة يصدر عنها تصرف

غريب , وأمضينا بعدها الحصص وكل معلم أو معلمة يدخل

يسأل عني وأين توقفت في دروسي ليجد الطريقة لمساعدتي

وكم كنت سعيدة بكل هذا وباهتمامهم بي فكم أنا ممتنة لنزار كثيرا

ولصديقه ذاك لكن قليلا فقط وليس مثله , عند وقت الفسحة خرجت

وبتول وصديقتها وليس وحدي كالسابق لأني كنت أتجنب الجميع

والطالبات هناك لا يحتككن مع بعضهن كثيرا , جلسنا

في مكان معين وقالت ريحان

" بتول أنتي الثرية بيننا , هيا أشتري لنا شيئا نأكله "

قالت بتول ببرود " أنا لست جائعة "

قالت ريحان بتذمر " بخيلة من يوم عرفتك ولن تتغيري , سما

ما نسبة ثرائك لنصير أنا وأنتي فقط صديقتان "

شعرت بالإحراج فأنا حقا ليس معي مال في حقيبتي رغم أني

من الأثرياء , قالت ريحان " هيا ابحثي في حقيبتك وأنا سأبحث في

حقيبتي قد يكون ثمة جني وضع لي شيئا ونتشارك أنا وأنتي ونشتري

شيئا نقهر به البخيلة بتول "

ضحكت ضحكة صغيرة وقالت بتول " وقحة طوال حياتك

وجشعة أيضا , هذه طالبة جديدة تشحذين منها من أول يوم "

تجاهلتها تماما وفتحت حقيبتها وهي تقول

" لا تحرجوني يا معشر الجن أريد شيئا أستر به نفسي أمام سما "

لم استطع إمساك نفسي عن الضحك وقالت ريحان

" بسرعة يا سما قد تكوني نسيتي درهما هنا أو هناك "

نعم لعلي تركت بها شيئا رغم أني جهزتها بالأمس ولا تحوي أي نقود

فتحت الجيب الأمامي لأفاجئ بنقود في داخله فأخرجتهم مصدومة من

وجودهم لأني متأكدة أنها لم تكن هنا فمن أين جاءتني !! هل هوا نزار

نعم وحده يمكنه فعل ذلك لكن لما لم يخبرني أو يسألني إن كنت أحتاج

لنقود , يبدوا خشي أن أرفض ذلك ! كم أنت رائع يا نزار رغم كل

المصاريف التي تتحملها براتبك البسيط تفكر في أني قد أحتاج شيئا

أشتريه رغم أن خالتي أوصتني صباحا أمامه أن آخذ سندوتشات

معي لمدرسة , قالت ريحان مصدومة

" رائع نقود يا سما هيا للمقصف "

قالت بتول " ريحان استحي ما هذه التصرفات , الفتاة

جديدة على حركاتك المجنونة "

ضحكت ريحان وقالت " أعرف انك تريدين أخذها

لمروى للتسوق لديها كعادتك "

قالت بتول ببرود " خير لي من أن أدعك تأكلي نقودي كل

يوم حلوى ومكسرات "

نظرت لبتول وقلت " من هي مروى "

ضحكت وقالت " فتاة تحضر أشياء جميلة كهدايا ورمز من

دول مختلفة لتبيعها خلسة فاجمعي مصروفك اليومي وحين

يصبح لدينا مبلغا معتبرا نذهب لنشتري منها "

قلت مبتسمة " فكرة جيدة "

قالت ريحان " سما أنتي حليفتي أليس كذلك "

ضحكت وقلت " أنا لم أقل ذلك وكما أني لا أحب الأكل كثيرا "

وقفت وقالت " سأبحث عن ابنة عمي إذا , ابقيا وبخلكما "

ثم غادرت ونحن نضحك عليها
*
*
غادرت من هناك بعدما أوصلتها وتحدثت مع مدير المدرسة

وأوصيته كثيرا عليها رغم تحدث جابر معه لكن كان عليا إيضاح

بعض النقاط المهمة له عنها ومنها كثرة خجلها وتكتمها عمن يضايقها

وأن يراقب لي مع من تحتك وأي نوع من الفتيات هن لأني أعلم

بالمدارس الثانوية وما يجري بها , وسما قطعة طين جديدة أي أيدي

ستسبق إليها ستشكلها كما تريد رغم أني متأكد من ذكائها وسرعة

فهمها للأشياء ولكن يبقى الأمر خطرا عليها وهي أمانة في عنقي

حتى أسلمها لأبناء عمها

توجهت لمدرستي وأنهيت حصصي وعدت من فوري للمنزل

دخلت وكانت ثمة أصوات في غرفة والدتي اقتربت منها ووقفت

عند الباب فكانت دعاء معها , نظرت باتجاهي فقلت " مرحبا "

قالت مبتسمة " مرحبا وصلت للتو يبدوا تأخرت "

قلت مبتسما " شكرا لك يا دعاء واعذرينا على تعبك معنا "

قالت من فورها " كم مرة أقول أني لا اتعب في هذا أم تعتبرني غريبة "

دخلت وقلت " أبدا ولكن الأمر لا يحتاج "

تغيرت ملامحها للسوء فجأة ثم قالت " كنت أعتبر نفسي واحده

منكم ويبدوا أني أفرض نفسي عليكم "

قلت من فوري " أبدا أنا لم أقصد هذا "

ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت " فكرت أنه مادامت الفتاة

ليست هنا قد تحتاج والدتك شيئا "

ثم تخطتني خارجة من الغرفة وهي تقول " وداعا يا خالتي "

ثم خرجت وغادرت المنزل فنظرت لوالدتي باستغراب فقالت مبتسمة

" أنت من ترفض أن تشعر بها رغم أنك تفهمها جيدا أليس كذلك "

تنهدت وقلت " لا أريد أن أعشمها بشيء لن تجده عندي , عليها

أن تفهم هذا من تلقاء نفسها ولا أجرحها به "

اتكأت للخلف وقالت " لو تجرحها بالحقيقة أفضل من

أن تتركها تعيش على الأمل "

قلت ببرود " هي كانت صديقة رهام وتعلم جيدا ما حدث

وأني رفعت النساء من دماغي "

تنهدت بضيق فقلت بتذمر " أمي زواج لا وسما لا تتحدثي عنها مطلقا "

قالت بضيق " ولما لا أتحدث عنها اعتقدت أن دماغك قد لان "

تأففت وقلت " الفتاة تسبح في وادي وأنتي في وادي آخر ولا تفكر

في كل هذا يا أمي فأخرجيها وأخرجيني من دماغك "

قالت بجدية " وإن سألتها واكتشفت أنها لا تمانع "

قلت مغادرا الغرفة " قلت لا يعني لا الفتاة مراهقة وتحتاج لسنوات

لتعرف ما تقرر وما تريد فلا تستغلي ظرفها "

توجهت بعدها للمطبخ لأعد الغداء فسما ستأتي بعد الظهيرة

وستكون متعبة وستصر على إعداده , دخلت المطبخ ووجدت

قدرين على الطاولة وورقة فوق إحداهما , اقتربت وأمسكت

الورقة فكان مكتوب فيها ( نزار لا تلمس شيئا ولا تعد الغداء

أنا طهوته نصف نضج وحين أعود أكمله , إن وجدتك

أعددت شيئا غضبت منك كثيرا ... سما )

ابتسمت وهززت رأسي وخرجت من المطبخ , قضيت بعض الوقت

مع والدتي ثم خرجت من المنزل وزرت جابر وأعطيته المعلومات

التي طلبها من سما عن أي علامات عن الشارع الذي توجد فيه شقة

السيدة المدعوة عفراء ثم غادرت العاصمة لأحضر سما من المدرسة

لأني رفضت أن تستقل الحافلة فلا حافلات ستأخذ طلبة من العاصمة

لمدينة مجاورة بالتأكيد والحافلة العمومية ستنزلها في المحطة ولن

أسمح لرجال جابر أن يوصلوها هم كما اقترح فلن أؤمنهم عليها

فهم في النهاية رجال كما أنها لن تقبل بهم أبدا

وصلت عند بوابة المدرسة ووجدت سيارة معتصم شقيق جابر هناك

فنزلت وطرقت على زجاج سيارته فما أن رآني حتى نزل وصافحني

قائلا " مرحبا نزار أين أنت يا رجل لا نراك سوى في الأعياد "

ضحكت وقلت " إذا عيد الأب بات وشيكا وسنلتقي "

ضحك وقال " نعم فاليوم عيد المعلم هل لاحظت هذا "

ضحكنا معا ثم قلت " وما تفعل هنا يا صعلوك هل تلاحق فتيات الثانوية "

قال بضيق " احترمني يا نزار أنت لست ندا لي "

قلت مبتسما " قل الحقيقة ولا تتهرب "

نظر لباب المدرسة المفتوح وقال " هل ترى تلك القادمة "

نظرت وقلت " الكثيرات قادمات أي واحدة منهن "

ضحك وقال " تلك الجميلة البيضاء صاحبة العينان العسليتان "

قلت ببرود " وكيف سأرى عيناها يا مغفل "

ضحك مجددا وقال " ها هي تقترب مع الفتاة الجميلة

ذات الشعر الحريري "

نظرت لسما القادمة وقلت " آه أجل عرفتها ما بها "

قال بهمس " تلك هي زوجتي ولكنها لا تعلم "

نظرت له بصدمة وقلت " زوجتك ولا تعلم "

قال بهمس " أصمت إن سمعتك أسقطت جدار المدرسة على رأسك ورأسي "

اقتربتا حينها منا وقالت الفتاة لسما " سما ما رأيك لو توصلوني معكم "

شدها حينها معتصم من يدها قائلا " نعم فأنتي لا تريني بطولي وعرضي "

ثم فتح لها باب السيارة وركبتها ضاحكة فنظرتُ لسما وقلت

" هل ستعودين معي أم يوصلوك أيضا "

ضحكت وقالت " لا طبعا سأذهب معك ألا تراها كيف تكرهه "

ثم ركبت السيارة وركبت وانطلقنا وقالت

" كنت تقف مع ابن عم بتول هل تعرفه "

قلت " نعم فهوا شقيق جابر وهوا ابن عمها ألستِ تعرفي ذلك "

قالت " نعم ولكني لم أكن أعلم أنه شقيقه ظننته ابن عم آخر لها "

قال " هوا شقيقه الوحيد , أخبريني كيف كان يومك "

قالت بابتسامة " كان جيدا , بتول وصديقتها أحببتهما كثيرا وتسليت

برفقتهما , وجميع المعلمين اهتموا لأني جديدة وقد فآتتني دروس "

قلت مبتسما " هذا جيد "

قالت من فورها " عالمهم مختلف عن المدارس الخاصة لكن ثمة ما

يميزه وهوا الحياة على طبيعتهم دون تصنع وترفع "

قلت " نعم هم هنا يمثلون حياتهم الواقعية "

قالت باختصار " نعم لاحظت ذلك "

ثم لاذت بالصمت باقي الطريق ولم تتحدث عن شيء غيره

كما عرفتها سابقا كلامها قليل ولا تعطي التفاصيل حيزا كبيرا

من عادة الفتيات أنهن يسردن يومهن كاملا إن سألتهن فقط كيف

كان يومك وخصوصا سما التي دخلت مكان جديد عنها كهذه

المدرسة , هي من النوع الذي يرتاح منه رأس الرجل ويعيش معها

حياة هادئة هانئة , لو كانت فوق العشرين لكنت أخذت بنصيحة أمي

لكني لن أظلمها بأن تفني مراهقتها معي مستغلا وضعها ووحدتها

واحتياجها لحنان رجل بالنسبة لها يعوض حنان والدها فقط

لتعيش مع رجل يحتاج لمن تخدمه ووالدته فقط بالنسبة لي

اقتربنا من المنزل فقلت " جابر يقترح أن تقصي شعرك "

نظرت لي بصدمة وقالت " ولما ؟؟ "

قلت بهدوء " ليخفي ملامحك بقصة قصيرة فلا تنسي أن زوج

عفراء يعرف شكلك ولابد وأنهم سيكلفونه بالبحث عنك "

قالت بعد صمت " لكني لا أريد ذلك "

نظرت لها ثم للطريق وقلت " علينا أن نغير من شكلك القديم وعليك

أن تضحي يا سما من أجل دراستك وسلامتك وسيعود شعرك كما كان "

قالت بعد صمت " أغلب الفتيات في تلك المدرسة متحجبات إلا

عدد نادر جدا عكس بنات الأثرياء في المدارس الخاصة وأنا

أريد بالفعل أن أتحجب مثلهن , أنا عشت حياتي في الهند دون

حجاب لكني لم أعد أريد الخروج من المنزل بدونه "

وصلنا حينها وأوقفت السيارة وقلت

" وهذه فكرة جيدة سأعرضها على جابر ونرى "

نظرت لي وقالت بضيق " ولما كل شيء يقوله جابر ويقرره "

تنهدت وقلت بهدوء " هوا يتعب حقا في قضيتك يا سما

ولا أريد أن أدمر ما يبنيه "

لاذت بالصمت ثم قالت " أنا آسفة لكني حقا أريد أن

تساعدني أنت وليس هم "

فتحت باب السيارة وقلت " سأساعدك أنا بمساعدتهم هم حسنا "

قالت وهي تنزل " حسنا "

*
*
دخلت المنزل وتوجهت من فوري لغرفة خالتي , دخلت واقتربت

منها فمدت ذراعاها لي فحضنتها وقبلت خدها وقلت

" اشتقت لك "

ضحكت وقالت " وأنا افتقدتك كثيرا فقد اعتدت على

وجودك معي طوال الصباح "

جاء حينها صوت نزار من عند الباب قائلا " لما لا تتركا عنكما

الرومانسيات لنتناول الغداء فأنا أكاد أموت جوعا "

قالت خالتي ضاحكة " الله أكبر على الغيرة "

قال مغادرا " غيرة غيرة أريد أن أتغذى لأنام "

ابتعدت عن حضنها مبتسمة فقالت بهمس

" ما رأيك لو تركناه بدون غداء "

قلت هامسة من فوري

" سيغضب مني حينها ولن يأخذني للمدرسة "

ضحكت وقالت " لو سمعك لغضب منك حقا "

ضحكنا سويا ثم وقفت وقلت " سأضع الطعام على النار لينهي

نضجه وأستحم وأغير ثيابي وأضعه فورا "

قالت مبتسمة " أعانك الله على ما أتاك من تعب يا ابنتي "

قلت بضيق " خالتي لما تقولين هذا أنا لا أفعل شيئا أمام ما

تفعلانه لأجلي ولن أوفيه حياتي "

قالت بابتسامة " يسعدك الله يا ابنتي ويرعاك "

ابتسمت لها وغادرت من فوري للمطبخ أشعلت الفرن والموقد لأنهي

تجهيز الطعام وصعدت لغرفتي استحممت سريعا وغيرت ثيابي ثم

نزلت ووضعت الغداء وتناولناه سويا ثم نظفت المطبخ والمنزل وصعدت

لغرفتي لأذاكر دروسي ومر بي باقي النهار وعند المساء جلست عند

سرير خالتي وقلت " الآن وقت روايتنا أكاد أموت فضولا لما سيجري "

ضحكت وقالت " هل أنهيت كل دروسك "

هززت رأسي بنعم فأخرجتها وقالت " لن نقرا كثيرا لتنامي مبكرا حسنا "

هززت رأسي بحسنا مبتسمة ثم أخذتها منها وفتحتها حيث توقفنا وقرأت

(( قال فراس " غادرا كليكما واتركانا وحدنا "

قال اشرف " ما ستفعل بها وحدكم "

قال فراس ببرود " أرقص معها رقصة الشتاء "

ضحك أشرف بصوت عالي وقال

" ولما ليس الصيف ستكون ساخنــ "

بثر جملته تلك لأن شيئا ما ضرب وجهه وهي مفاتيح فراس وأنا فتحت

فمي من الصدمة ووقف أشرف مغتاظا يمسح الخدوش الدامية من أثر

المفاتيح على أنفه وقال بغضب " تمد يدك علي يا فراس "

قال فراس صارخا " وأحطم وجهك يا قليل الأدب على

ما كنت تريد قوله "

أشار أشرف بأصبعه السبابة لوجه فراس وقال بحدة

" أنت بدأ بها أنا لم أتكلم عن الرقص يا نبيه "

وقف حينها وائل وقال " توقفا كليكما لستم صغارا لتسمحا

لهذه الطفلة أن تتسبب بدمار العائلة "

نظرت له بصدمة وقلت " أنا أتسبب بدمار العائلة !! "

غادر اشرف حينها قائلا " مجانين من أكبركم لأصغركم

وجلبوا لكم مجنونة جديدة "

وترك الغرفة وقال وائل موجها كلامه لفراس

" هل تراه طفلا تضربه يا فراس "

قال بضيق " تصمت أنت أو نلت مصيره , يعرف أني أفقد

أعصابي بسرعة وقال ما يجعل الحجر ينطق "

يا إلهي هل يفقد أعاصبه بالضرب بأي شيء في يده ؟

جيد أنهم لم يخرجوا ويتركوني معه

قال وائل متوجها جهة الباب " كنت أسمع فقط عن امرأة فرقت بين

الأخوة لكني بث أرى ذلك الآن , وليثه حبا لها كالبقية بل كرها "

تبعته أركض ناحيته وأمسكت قميصه من الخلف قائلة

" هيه وائل أين تذهب وتتركني معه وحدنا "

التفت لي وابعد يدي عن قميصه بقوة وقال

" ما تريدي مني وما شأني بك "

ضحكت ضحكة صفراء وقلت

" أريد أن أخرج معك , أود أن أقول لك كلمة سرية بيننا "

مرر فراس يده بيني وبين وائل ودفعه نحو الخارج قائلا

" أخرج أنت والكلام السري مؤجل قليلا "

فخرج وائل من فوره غير مكترث بي , ولما سيكترث بي وهوا

يكرهني كأخويه وبقيت وحدي في مواجهة التنين, أغلق الباب بيده

بقوة فرمشت بعيناي وهما في عينيه عدة رمشات ثم رجعت بخطواتي

للوراء وأنا أقول " إن مددت يدك علي أخبرت والدك "

وضع يديه في جيوبه وقال بابتسامة سخرية " جيد وتهددين أيضا "

قلت بثبات " نعم وأكسر لك رأسك "

ضحك بصوت مرتفع فقلت بضيق " هل قلت ما يضحك لن تستطيع

فعل شيء لي يا فراس لأن والدك لن يسامحك وأنا لست خائفة منك "

اقترب مني فابتعدت للخلف أكثر حتى وصلت الجدار والتصقت

به فوصل عندي ووقف أمامي واضعا كفه على الجدار بجانب

رأسي ووجهه في وجهي وعيناه في عيناي وقال

" ما الذي تريدينه منا يا رُدين "

استجمعت كل قواي التي لم يتبقى منها إلا القليل وقلت بنظرة ثابتة

" لا شيء طبعا ووالدكم وضح هذا وقال بأني مجرد ضيفة هنا حتى حين "

ابتسم بسخرية وقال " هل تقنعيني أن فتاة صغيرة وجميلة تتزوج من

رجل في عمر والدها من أجل الا شيء "

قلت بابتسامة جانبية " آه شكرا هل أنا حقا في نظرك جميلة

أنت أبن زوج مــ.... "

كتم كلماتي بكف يده الذي أطبق به على فمي وقال

" من أنتي ومن أين تستمدين كل هذه الثقة والقوة "

كنت أنظر له بصدمة وقد نسيت أنه محقق وسيحلل كل شيء بذكاء

تابع قائلا " لم اقتنع حتى الآن فاشرحي لي يا ابنة المجهول "

ثم ابعد يده عن فمي وقال " يمكنك الحديث الآن يا ثرثارة "

قلت بضيق " اسأل والدك عن كل هذا بدلا من أن تستعرض عضلاتك

على فتاة صغيرة كما قلت يا ابن الحسب والنسب "

قال من بين أسنانه " أجيبي عن سؤالي "

انفتح حينها باب الغرفة بقوة وكان .... ))

انتهت حينها الصفحة فنظرت لخالتي نظرة استجداء فضحكت

وقالت " في المرة القادمة هيا الآن للنوم "

تنهد بقلة حيلة ووقفت وضعت الكتاب بجانبها وهممت

بالخروج حين استوقفني صوتها قائلة " سما "

التفت لها فقالت " نسيت أن أعطيك هذه "

نظرت للكيس في يدها بحيرة وقلت " وما هذه "

قالت " جلبهم نزار ولأنك كنتي تدرسي لم يحب

إزعاجك فتركهم عندي "

اقتربت منها وأخذت الكيس وفتحته فكان فيه حجابان جاهزان

باللون الأبيض وشيء آخر أخرجته فكان مشطا خشبيا , نظرت

له ثم لخالتي باستغراب فقالت " يبدوا سمع حديثك معي عن

مشط الفتاة التي حدثتني عنها في المدرسة "

نظرت للمشط في يدي لتعود تلك المشاعر الغريبة تغزوا كل

جسدي وأولهم قلبي ثم نظرت لها وقلت " أنا تحدثت عن أنه أعجبني

فقط ولم اقصد أني أريد مثله , هل أنتي أخبرته عنه يا خالتي "

هزت رأسها بلا وقالت " اقسم أني لم اخبره ولا تنسي

أنه دخل وقتها على حديثك عنه "

عجز لساني عن قول أي شيء فغادرت جهة الباب أطفأت نور

غرفتها وصعدت للأعلى , لما يكلف نفسه دفع النقود على أشياء من

المفترض أن لا يهدر ماله عليها ! أنا الملامة أترك كل تلك الأموال

في القبو وأتعبه برغباتي وحتى مصروف المدرسة هوا من تكفل به

وصلت لغرفتي وضعت الكيس فيها ثم توجهت جهة غرفته طرقت

الباب عدة طرقات خفيفة ليفتح لي إن كان مستيقظا فقط ففتح الباب

وكان لم ينم بعد , نظرت له مطولا بصمت ثم أخفضت نظري وقلت

" أنا موافقة أن نذهب وصديقك جابر ورجاله للقبو "

*************************

وصلت القصر قرابة العصر ودخلت بخطوات سريعة فمؤكد

الجميع في انتظاري من أجل الغداء , دخلت بذات خطواتي السريعة

وصعدت لجناحي فتحت الباب ولا شيء سوى الصمت فتحت باب

الغرفة ولا أحد فيها , طبعا ستكون مع الأطفال فهم صفقتها الوحيدة من

هذا الزواج ولن تعترف بحقوقي كزوج وأنه عليها على الأقل استقباله

لترى ما يحتاج , أغلقت الباب وغادرت الجناح وتوجهت لغرفة الفتاتين

وفتحت الباب الشبه مفتوح , كان أمجد منشغل بالكتابة في كراسة وفي

صمت و بيسان أيضا تكتب وتقول " يخرج الجيوش هكذا صفان خلف

ثلاث ثم واحد ونصبح في خط البداية "

وأرجوان طبعا تجلس أمامها فعلى ما يبدوا تكثف لهما الدروس

كي يلحقوا ما فاتهم , وتربط شعرها عقدة كالصباح وترف طبعا

تمسح لها عليه بكفها الصغير على ظهرها معطيتان ظهرهما لي

ولا أحد يراني , حركت أرجوان ظهرها وقالت

" ترف ابتعدي عن شعري يكفيني واحد "

قالت وقد حضنتها من ظهرها ونامت بخدها عليه

" أحبك ماما متى سيصبح شعري طويلا كشعرك "

حمحمت بصوت واضح واقفا عند الباب وممسكا المقبض بيدي

فرفعا بيسان وأمجد رأسيهما ونظرا لي والتفتت أرجوان وترف

وتوجهت ترف من فورها نحوي فرفعتها وقبلت خدها فقالت

" بابا تعال انظر كيف رسمت بيسان "

أنزلتها وقلت " مشغول ترف وتريني بزي الشرطة بسرعة

انزلوا لنتناول الغداء لأنه عليا المغادرة "

ركضت للداخل مسرعة وهي تقول " رسمت ماما أيضا "

عدت بعدما استدرت لأغادر فكانت أمامي بورقة مدتها لي فأخذتها

منها فكانت رسمه لفتاة تعطي ظهرها وشعرها طويل وعيناها في

رأسها من الخلف فضحكت ونظرت لأرجوان فكانت تنظر لي

بضيق فأرجعت الورقة لها وقلت " أكتبي فوقها (هذه التي تنسى

حقوق الكبير وتنظر للخلف من أجل حقوق الصغير ) "

ثم غادرت من عندهم ونزلت للأسفل حيث طاولة الطعام ووالدتي

هناك , توجهت نحوها وقبلت رأسها وجلست بجانبها وبعد قليل دخلت

أرجوان والأطفال وجلسوا وطبعا هي جلست في الجانب الآخر بدلا

من أن تجلس بجانبي , جلست ترف على يمينها و بيسان على شمالها

طبعا وإلا كانت ستقوم حرب طاحنة هنا وأمجد المستسلم دائما وضع

يديه وسط جسده ينظر لهم بضيق وصمت فقلت " أمجد أجلس هنا "

توجه ناحيتي بصمت وجلس بجانبي وبدأنا الأكل وبعد قليل قالت

ترف وهي تمسك الجزر الغريب الشكل

" سأكلك أنتي أولا أيتها الطائرة "

وتطيره بيدها واحدة بعد الأخرى وتأكلهم فتأففت والدتي بصوت

مسموع وقالت أرجوان " كلي الطماطم و الخس أيضا يا ترف فلم

يصبك الإمساك إلا لأنه لم تأكلي خضراوات منذ وقت وإن

بقيتي هكذا ستنفجر معدتك "

ضحكت بيسان وقالت " وسيطير علينا الطعام منها "

قالت والدتي حينها بحدة " بيسان احترمي الطعام أمامك "

سكتت بيسان وقالت أرجوان " كلي الخس حبيبتي قليلا فقط هيا "

قالت ترف " لا أريد ... لا أحبها ماما "

نظرت أرجوان للخلف وقالت لإحدى الخادمات

" الشكلاته السائلة من فضلكم "

توجهت إحداهن للمطبخ من فورها وأحضرتها لها فسكبت منها

خيوطا متفرقة على صحن السلطة أمامها فأمسكت ترف

الشوكة وقالت " الآن هي لذيذة "

وأصبحت تتبع القطع التي سالت فوقها الشكلاتة

نظرتْ لي والدتي حينها وقالت

" زوجة عمران العامري تحدث معي من أجل زهور "

قلت ونظري على الطبق أمامي

" عائلة العامري تجار السيارات ما غيرهم "

قالت " نعم ما غيرهم طلبوها لابنهم الأوسط الذي توفيت زوجته

العام الماضي , العائلة كبيرة ومعروفة وأرى أن هذا الزواج لا يفوّت

أعلم أنه ليس هذا مكانا للحديث عن الأمر لكنك غير موجود أغلب

النهار ولن تكون موجودا في الليل أيضا بعد الآن "

شرقت حينها أرجوان باللقمة في فمها وبدأت ترف بضربها

على ظهرها بقبضتها وهي تقول

" ساعديني يا بيسان ستموت ماما ونبقى من دونها "

ضحكت حينها أرجوان وأمسكت أنا ضحكتي وقالت والدتي

بهمس من بين أسنانها " فوضى وكأننا نأكل في الشارع "

تجاهلت كل ما سمعت وقلت بهدوء

" أخبرتك أن القرار لزهور ولن نجبرها إن رفضت "

قالت بضيق " إن تركنا الخيار لها فسترفضه طبعا "

قلت " ما لدي قلته منذ وقت وأضننا تفاهمنا فيه فتحدثي

معها في أمره وخذي رأيها "

وقفت متضايقة وقالت مغادرة " سأتصرف في الأمر

وما أريده سيكون "

تنهدت بضيق وتابعت أكلي فوقف أمجد وقال " شبعت "

قالت أرجوان بضيق " أجلس يا أمجد "

جلس مجددا وقال " نسيت ماما الحمد لله الذي أطعمني هذا

الطعام ورزقنه من غير حول مني ولا قوة "

قالت بذات ضيقها " ولا تغادر الطاولة ووالدك جالسا أحترمه يا أمجد "

قال بهدوء " آسف ماما "

ثم رفعت صحن الزيتون من أمام ترف وقالت

" ترف سأضربك أقسم أن أفعلها "

وقفت حينها وحمدت الله بصوت مسموع وغادرت غرفة الطعام

وتوجهت لمكتبي أبحث بين الأوراق على عجل حين طرق

أحدهم باب المكتب ودخل دون أن آذن له فعدلت وقفتي والتفت

فكانت أرجوان , اقتربت قليلا وقالت " أريد الخروج "

نظرت لها بصمت لبعض الوقت ثم قلت " ولما ؟؟ "

قالت بهدوء " أريد بعض الأغراض لي و... "

قاطعتها قائلا وأنا منشغل بالورق في يدي

" ألم يكفيك كل الذي اشتريته ما هوا الذي تحتاجينه "

قالت بعد صمت " نظرتي في الناس لا تخيب وأقسم أنك من

الرجال الذين لا يحاسبون المرأة على مالهم "

رفعت نظري لها أحاول ترجمة كلماتها ولأول مرة أحتاج لثواني

لفهم خبايا الكلام ومن امرأة تحديدا , عدت لشغل نفسي بالورق

أبحث عن ضالتي وقلت " وإن كنت عكس ما تضنين "

قالت دون تردد أو انتظار " أقص شعري حد أذناي "

عادت لسرقة عيناي من أوراقي من جديد لأنظر لها فقالت وقد

حولت لهجتها للعفوية " لأني أريد مشابك شعر بدل التي

كسرتها , على الأقل أمام الضيوف والأطفال "

قلت بسخرية " أراك وجدتِ حلا له , ما تريديه بالمشابك "

تنفست بقوة وقالت " جابر لا أريد أن أقول سأشتريها من مالي لأني

سأكون بذلك أهنتك إهانة لا حجم لها وأستحق أن تضربني عليها "

أعدت الأوراق للرف وأنا أقول " حتى أي سنة درستِ يا أرجوان "

قالت " و بيسان أريد أن أشتري لها لعبة القلعة والجنود من أجل تدريسها

كنت في السابق لا أستطيع شرائها لأنها مكلفة وراتبي لا يساعدني "

سحبت من الملف الورقة التي وجدتها أخيرا وتوجهت نحوها

ووقفت أمامها ومددت يدي وأدرتها خلف رأسها وفتحت ربطة

شعرها وقلت وعيناي في عينيها " لأي مرحلة دراسية درستِ "

قالت ببرود " أنهيت الثانوية "

قلت بابتسامة جانبية وأصابعي تتخخل دواخل ليلها الكحيل

الكثيف " حقيقة هذه أم مزحة "

قالت بهدوء " حقيقة طبعا فاخصم من عمري خمس سنين منذ جاءتني

زوجتك بأبنائك تجدها نهاية مرحلة الثانوية وإلا ما كنت عملت في

مصنع أقمشة وتركت شهادتي وأضنك أذكى من أن يفوتك كل

هذا لكنك تصبوا للوصول لأمر ما لا أفهمه "

غصت بيدي أكثر في شعرها وقربت وجهها مني وهمست

في أذنها قائلا " تعجبني المرأة الذكية يا أرجوان لا تنسي هذا أبدا "

وغادرت من أمامها وقلت خارجا من المكتب

" أخرجي برفقة السائق وسيلا واشتري ما تريدين "

وغادرت من فوري وخرجت من القصر راكبا سيارتي

حسناء احتاجت معي لسنين لتفهم أنه لا يمكن التعامل معي بالشد

والرد وحتى حين فهمت لم تطبق ذلك , هذه الفتاة فهمت هذه النقطة

جيدا ليس من اليوم والليلة التي قضتهم معي بل من الفترة واللقاءات

البسيطة الماضية وأتمنى أن لا تضيع من نفسها هذا الطرف لأنها

ستنتهي حينها نهاية حسناء
*
*
رمى بالصندوق على السرير وقال

" وصلك هذا وللمرة الألف أنا لست خادما لديك تفهم "

مررت أصابعي في شعري لتتساقط الخصلات مجددا على جبيني

وقلت بشبه ابتسامة " ومن طلب منك إحضارها لي , ثم الشقة

شقتي وإن فتحت الباب يأتيك الجواب وتُدخل لي ما يأتيني "

قال بتذمر مغادرا " يكفي أش أش ما أحَب الثرثرة لديكم معشر الأدباء "

واختفى من أمامي وأنا أنظر له بابتسامة ثم عدت لأوراقي ليلفت

انتباهي لون غلاف الصندوق وكأني كنت غافلا عن هذا الأمر

نظرت له بسرعة وتدقيق ... صندوق بنفسجي اللون ! قد أكون

أتوهم ذلك لأنه يستحيل أن يكون منها ولكن في الحياة كل شيء

يجوز , وقفت وتوجهت نحوه أمسكته وبدأت بتقليبه , لم يكن كبيرا

وكان مستطيل الشكل وبه شيء صلب ويبدوا مستطيلا أيضا

قربت الصندوق من أنفي واستنشقت العطر فيه بعينان مغمضتان

منها أقسم أنه منها ولن يخطئ قلبي قبل أنفي بقايا عطرها فيه

أزلت الغلاف وفتحته بسرعة لأصدم بما في داخله ( شريط فيديو )

بقيت لوقت أنظر له بعدم استيعاب ثم رفعته أقلبه أمام عيناي

لا شيء معه ولا شيء مكتوب عليه , لتعود لي الهواجس

من جديد .... منها أم ليس منها عطرها أم أنا أتوهم


توجهت من فوري لغرفة الجلوس وأغلقت الباب خلفي وشغلت

التلفاز ووضعت الشريط في آلة الفيديو وجلست أنتظر بترقب

شاشة سوداء لبضع ثواني ثم ظهر فيها ما جعلني أقف على طولي

زهور تجلس على البيانو الخاص بها وتعزف وزهور الطفلة بفستانها

الأبيض تدور وترقص حولها , موسيقى !! نعم أعرفها جيدا لمن

تكون إنها معزوفة أغنية حزن الشتاء وأعرف جيدا كم كانت تحبها

كانت تعزف وتتابع بعيناها حركة الفتاة التي ترقص حولها أما

أنا فعيناي كانتا ترقصان بينهما لم أعرف فيمن أركز منهما , لو

كان باستطاعتي لجعلت كل عين تنظر لواحدة , كنت أتفتت وأنا

أرى الماضي والحاضر أمامي في آن واحد , زهور الماضي

وزهور الحاضر , مؤكد تلك ابنة جابر نسختها المصورة , بعد

لحظات بدأت زهور بالغناء بصوتها الجميل تردد كلمات الأغنية

ونظرها على أصابعها التي تلعب على النوتات ببراعة وتردد تلك

الكلمات الحزينة " ما أطول الليالي حين ينتصف الشتاء ... حين

ترحل شمس حلمي حين تسود السماء ... والبكاء تبدأ تمطر تمطر

كالبكاء .... أم أنا ابكي دموعا كالسماء .... عودي يا ليالي الربيع

وسافري سحب الجفاء عودي يا ليالي الخريف عودي حتى بالخواء "

كان صوتها العذب واضحا مع الموسيقى الحزينة المنخفضة

والطفلة تدور بفستانها ترفع يداها للأعلى , تماما مثلها فحتى في

رقصها تشبه زهور في طفولتها , الابتسامة ذاتها والحركة والخطوات

جلست منهارا على الأريكة وعيناي مرتكزة عليهما , ما الذي تريدين

فعله بي يا زهور ماذا !! لو لم أكن رأيت ابنة جابر سابقا بعيني لما

بقيت بعقلي الليلة , لازلتِ تذكرين كل تفاصيلي يا زهور حتى عنوان

شقتي هنا , انتهت المعزوفة والأغنية وصفقت زهور للطفلة ونظرها

عليها بابتسامة ثم قالت لها جملة كانت الضربة القاضية لي

*
*
دخلت القصر أنا والخادمة نجر الصندوق الكبير لتساعدنا

الأخريات وأخذناه للأعلى حيث أحد الغرف الشاغرة والمجاورة

لغرفة الفتاتين وقد طلبت وضع سجادة كبيرة فيها فقط دون أي أثاث

أخرى ودخل الأبناء بعدنا على الفور ينظرون للصندوق والرسوم

عليه و بيسان تحضنه من الخارج وتقول " قلعة وجنود لا اصدق "

خرجت الخادمات وبدأت أنا والأولاد بإخراج محتوياته وركّبنا القلعة

وفرزنا كل ملحقاتها , كنت أنا و بيسان نقسم الجنود فكل الغرض من

شرائها هم , أما ترف فكانت تضرب بيدها على أعلى مبنى القلعة

الكبيرة وتقول " أخرجوا بسرعة من الأبواب بسرعة "

ثم تنظر من النوافذ فيها وتقول " ماما لما لا يخرجون أراهم في الداخل "

قالت بيسان بتذمر " ماما ستكسر قلعتي أنظري لها كيف تضربها "

قلت ونظري على الجنود الكثيرين أمامي " لن تنكسر بنيتي لا تخافي "

أما أمجد فكان يحرك العربات ويضرب جنودنا بالمنجنيق و بيسان

تكاد تشتعل وهم يعبثون بحلمها , نظرت له وقلت بضيق


" أمجد لا تضرب به هنا اضرب القلعة هناك "

احتضنتها ترف وقالت " لا قلعتي لا تضربوها "

وقفت بيسان واضعة يديها وسط جسدها وقالت

" ابتعدا عن مملكتي ما قلعتك وقلعتك "

قلت بحدة " بيسان لن تكون لك وحدك وسيلعبون بها معك ولن تفتح

هذه الغرفة إلا أوقات معينة أو سنعيد اللعبة من حيث أتينا بها "

قالت باستياء " ولكن ماما .. "

قلت بضيق " بيسان لا تغضبيني منك "

جلست وقالت بحزن " حاضر إمبراطورة "

ثم انشغلت معي بالجنود وصرنا نطبق الدروس بها نظريا

وكان الأمر أسهل من الخيال , قضينا هنا مقربة الساعتين ثم

وقفت وقلت " ضعوا كل شيء من أيديكم بسرعة وسنخرج من هنا "

تذمروا جميعهم فقلت بأمر " الآن "

وقفوا مبتعدين عنها وترف تخفي يدها خلفها فمددت يدي لها

فقالت بابتسامة وهي تمرر لسانها على شفتيها الصغيرتان

" لا شيء لدي ماما أنتي تتوهمين ذلك "

لم استطع التحكم في ابتسامتي وقلت

" أعطني ما لديك أو لن تدخلي معنا المرة القادمة "

مدته لي بشفتان ممدودتان فأخذته منها وقلت ضاحكة

" سرقتي الملك مرة واحدة "

وضعته مع باقي الدمى وقلت وأنا أخرجهم أمامي

" في الغد سنلعب مجددا الآن لصلاة المغرب بسرعة "

عدنا لغرفتهم صلينا معا ثم جلست أدرس أمجد , الدروس

متراكمة وسنحتاج لوقت لإنهائها , أشعر أن عظامي ستتكسر

من الجلوس منحنية على الكراسات والكتب , بعد وقت سمعنا

جرس العشاء , نظرت للساعة فكانت الثامنة ثم تذكرت أن

العشاء هنا حسب مزاج وأعمال السيد جابر طبعا , لكن ما لم

أتوقعه أن يكون قرار زواج شقيقته المجهولة في يده , توقعت أن

والدته هي من تسير الأمور هنا , وهذا ما فهته من البداية فهي

تستمد قوتها من احترامه لها ولرغباتها وها هوا تزوجني أنا ضد

رغبتها وتبدوا شقيقته كذلك , نزلت مع الأولاد للأسفل بعدما طلبت

منهم غسل أيديهم , وصلنا طاولة الطعام وكانا جالسان مكانيهما عند

الغداء وجابر هذه المرة يرتدي البذلة الرسمية وربطة العنق وقد

غير زيه الخاص بعمله وأنا طبعا كما قال أهمل الكبير ولا أعلم

حتى متى جاء وغير ثيابه , وما دخلي به هوا تزوجني مربية

ومعلمة وقد قالها بصريح العبارة وأنا تزوجته من أجل الأبناء

كما قال وهي الحقيقة وقبل أن نكمل دروسنا لا أعترف به

وصلنا لطاولة الطعام وأجلست ترف على الكرسي فقال جابر

بجدية ونظره على طعامه " تجلسون ثلاثتكم أمامي ووالدتكم

هنا بجانبي لا نريد مشاكل على الطعام كل مرة "

نظرت لي ترف بعبوس فأشرت لها بعيناي أن لا تتكلم

وتوجهت للجهة الأخرى وسحبت الكرسي بجانبه

وجلست , من قال له هذا أني أريد الجلوس بجانبه

غريب أين تكون زهور تلك لم تتناول الغداء ولا العشاء

معنا تبدوا كما قالت بيسان لا تخرج إلا في الليل

تابعنا طعامنا في صمت حتى قالت ترف وهي تدفع يد

بيسان بعيدا عنها وتأخذ الجزرة من شوكتها

" ليست لك هذه الجزرات لي أنا "

وقفت حينها جدتهم وغادرت قائلة

" جابر ما أن تعود لاحقا وافني في جناحي "

وغادرت من فورها وها هي بدأت بأولى جولاتها , نظرت

لترف وقلت بحدة " ترف أنتي ممنوعة من الحلوى تسمعي "

قالت بتذمر " لا ماما "

وقف جابر فوقفت بعده وتوجهت نحوها ورفعتها من الكرسي

وخرج هوا يتحدث في الهاتف قائلا " نعم قادم الآن .... لا لن أتأخر "

وغادر المكان وصعدت أنا بترف للأعلى ودخلت بها للغرفة

وقلت بحدة " ترف ما هذا الذي تفعلينه على طاولة الطعام "

نزلت من عينيها دمعة فقلت بذات حدتي

" أنتي مؤدبة وأنا ربيتك سيقول الجميع الآن أني أنا سيئة "

قالت " آسفة ماما "

قلت بضيق " لا أريد أسف فقط بل لن تعبثي بالطعام مجددا

أو سيخرجونني من هنا وأعود لمنزلي "

هزت رأسها بلا بدموع دون صوت فجلست على الأرض ومددت

يداي لها فاقتربت مني ونامت في حضني تبكي فمسحت على شعرها

وقلت " الفتاة الجيدة لا تفعل ذلك عليك أن تكوني كأخويك "

قالت بعبرة " حاضر ماما ولكن لا تتركينا "

قبلت رأسها وقلت " لن أترككم لو تصرفتِ بأدب "

تحرك حينها أحدهم عند الباب فنظرت له بسرعة فكان جابر واقفا

ويده في جيب بنطاله ويبدوا كان هنا منذ وقت , ابتعدت ترف عن

حضني ونظرت باتجاهه ووضعت سبابتها أمام شفتيها وقالت

" أقسم بابا لن افعلها مجددا لا تأخذ ماما من هنا وتعيدها لمنزلها "

اقترب منها ورفعها له وقال " حسنا لن آخذها هيا لتأكلي

الحلوى ما دمتِ اعترفتِ بخطئك ولن تكرريه "

نظرت باتجاهي وقالت " ولكن ماما قالت لا آكلها "

وقفت وقلت " إن قال والدك شيئا ينفذ على الفور مهما كان مفهوم "

هزت رأسها بحسنا دون كلام وغادر بها وجلست أنا على الأريكة

أتنفس بهدوء , ترف لم أستطع السيطرة عليها في هذه النقطة مهما

حاولت وجدتها ستستغل الوضع بالتأكيد لتثبت أني فشلت في تربيتها

بعدها بقليل صعد الأولاد وتابعت دروس اليوم معهم وصلينا العشاء

وعند العاشرة نومتهم في أسرتهم وتوجهت للجناح الذي لم أدخله

منذ خرجت منه صباحا , كان نظيفا ومعطرا فما أروع الخدم

دخلت غرفة النوم استحممت وارتديت بيجامة حريرية

ونمت من فوري من شدة التعب

*
*
دخلت القصر بعد منتصف الليل , عليا زيارة والدتي أولا رغم

أني أعلم ما ستتحدث عنه وهم زهور وترف , وأنا متعب وأريد

الراحة قليلا , توجهت لجناحها طرقت الباب ودخلت وكما توقعت

كانت تنتظرني في الجناح ولم تنم , ألقيت التحية وجلست أمامها

فقالت " هل ترى حقا أنه علينا أخذ رأي زهور في ابن العامري "

قلت ونظري بعيد عنها " نعم والرأي لها "

قالت بضيق " جابر هل تراه شاب يفوت "

نظرت لها وقلت " لا طبعا ولكن الخيار لها ولن

تتزوج إلا من تختاره "

ثم قلت بهدوء " هل تحدثتِ معها "

قالت من فورها " أريدك أنت أن تقنعها , تبقى تحترمك وتحبك دون

الجميع فزهور لم تتغير وإن كانت تسجن نفسها في حزنها "

وقفت وقلت " تبقى هذه الأمور تخص النساء وستتقبلها منك أكثر "

قالت ناظرة لي " أجلس لم ننتهي بعد "

قلت ولازلت واقفا " ترف تصرفت أرجوان في أمرها وإن

تكرر الأمر أنا من سيتدخل فيه وانتهى "

قالت بحزم " سنين وهي معها الآن ستتصرف فيه , ما هذا الجنون "

قلت مغادرا الغرفة " سأتحدث معها في الأمر وننتهي

منه دون أن تتدخلي فيه "

توجهت بعدها لجناحي ودخلته ثم لغرفة النوم التي كانت مظلمة تماما

شغلت الأنوار فكانت أرجوان نائمة بعمق وكأنها عزباء وفي غرفتها

لوحدها , لا أنكر أني في الماضي كنت أدخل القصر ليلا متمنيا أن

أجد حسناء نائمة وليست ككل ليلة تنتظرني بتشكيها الدائم لكن هذه لم

تتزوجني إلا من يومين وتعاملني وكأني جدار سوى مع الأولاد

وكأنها ترسم لي حدودا محددة , أحترمك أمام أولادك وأعلمهم

احترامك وتنفيذ أوامرك وهذه هي وضيفتي فيما يخصك

اقتربت من السرير وجلست وهززتها وقلت " أرجوان "

همهمت قائلة " همممم أتركني يا جابر أرجوك "

هززتها مجددا وقلت " استيقظي هيا "

قالت بتذمر وعيناها مغمضتان " ألا تشعر بالتعب لابد وأنك

متعب نم بسرعة أنا متعبة وأحلم بالأرقام تدور حولي "

قلت بضيق " استيقضي ... أنتي متزوجة ولك زوج تنتظرينه

أين تضنين نفسك ؟ في منزلك مثلا "

فتحت عينا واحدة نظرت لي بها ثم أغمضتها مجددا

فقلت بأمر " أجلسي بسرعة "

أبعدت اللحاف عن جسدها وجلست تجمع شعرها للخلف

وقالت " ها قد استيقظت وجلست أيضا "

غادرت السرير وقلت وأنا أنزع سترتي وأفتح أزرار قميصي

" أخرجي لي ثياب النوم سأستحم بسرعة , واشتريت قمصان

النوم ليس لأتفرج عليها في غرفة تبديل الملابس "

ثم دخلت الحمام واستحممت سريعا لأجدد نشاط جسدي وأنام

مرتاحا , خرجت بعدها ووجدت بيجامتي على السرير وهي

منشغلة بالخزانة فأخذت البيجامة ولبستها ثم جلست على

السرير ناصبا ركبتي أمامي ومتكأ على ظهر السرير وقلت

" أحضري لي صحن المكسرات من المطبخ في الجناح "

نظرت لي باستغراب وكانت تتوقع طبعا أني سأنام لكن لا بأس

عليها أن تتعلم حقوق الزوج قليلا , تركت بعدها الغرفة في صمت

وخرجت وبعد قليل عادت بالصحن ووضعته بجانبي وتوجهت لطاولة

التزيين وجلست عليها تبحث عن شيء ما لمدة طويلة ثم أخرجت

ورقة وقلم وجلست على الأريكة تكتب فيها متجاهلة لي مجددا

أكلت القليل من الفستق ثم قلت " ماذا تكتبين في هذا الوقت "

نظرت لي ثم عادت بنظرها للورقة مجددا وقالت

" يبدوا أنه لا رغبة لك في النوم وأنا لا أنام إلا في

الظلام فسأجهز ما سأدرسه لأمجد غدا "

قلت بسخرية " أنتي في غرفة النوم يا حرم جابر

حلمي وليس في مدرسة "

نظرت لي نظرة باردة ثم عادت لورقتها فأخذت قشرة فستق

ورميتها بها ولا أعلم لما يروق لي مضايقتها وهي تتجاهلني هكذا

نظرت لي وقالت بضيق " هذه المرة سأعتبرها بالخطأ إن

تكررت فستكون إهانة لن أقبلها أبدا "

وعادت لورقتها بالطبع فأخذت حبة فستق كاملة ورميتها عليها

فوقفت واضعة يديها وسط جسدها تنظر لي بضيق وقالت

" هل تشرح لي سبب هذا , لا نوم تريد أن تنام ولا تترك غيرك ينام "

قلت بجمود " أرجوان تحترميني أو تري مني مالا تحبين "

قالت بضيق أكبر " ولما لا تحترمني أنت "

نظرت لها مطولا بصمت ثم قلت

" أين تصنفين نفسك في الجمال "

نظرت لي باستغراب من سؤالي فقلت بابتسامة جانبية

" سؤال صعب عند جميع النساء أليس كذلك "

رمت شعرها للخلف وقالت بسخرية

" لا طبعا وأنا من الجميلات "

ضحكت وقلت " وكيف قيمتي نفسك "

قالت ببرود " لا أحد يقيم نفسه يا نبيه وأنت تعلم ذلك

من قبل أن تسألني فالجواب لديك وليس لدي "

قلت ببرود " أنا لم أقيمك "

قالت بابتسامة جانبية " زوجتك كانت أجمل مني أليس كذلك "

قلت بنظرة ماكرة " لا أذكر "

قالت وهي تغير مكان وقوفها " لأنك لا تعير الشكل اعتبارا

أليس كذلك , وليس هوا ما يهمك في المرأة "

فهمَت الرسالة إذا , اتكأت على السرير بابتسامة صغيرة

وأخذت إحدى الوسائد ووضعتها أيضا تحت رأسي وقلت

" غيري ملابسك بسرعة "

دخلت غرفة التبديل وخرجت مرتدية قميص النوم ودون كلام

فمددت يدي لها وقلت " تعالي ... ورائي غدا نهار طويل ومرهق "

اقتربت من السرير ودخلته وهي تقول " ابتعد عما سيعرضني

لأسئلة أبنائك وبالرفق رجاء "

اقتربت منها وسحبتها من ذراعها قائلا

" الا تعرفين كيف تفعلي شيء بدون تذمر "

*
*
سمعت طرقات على باب غرفتي فنظرت لساعة الحائط من

فوري , ترى من هذا الذي دخل جناحي هذا الوقت !! هممت

بالوقوف حين انفتح الباب ودخلت والدتي , نظرت لها

باستغراب فقالت بجدية " ظننتك نائمة "

قلت بهدوء " لا لم أنم تفضلي "

اقتربت وقالت دون أن تجلس " ابن العامري طلبك للزواج فما رأيك "

بقيت أنظر لها باستغراب .... أمي تأخذ رأيي !!

تابعت " هوا فرصة جيدة ولا تفوت زوجته متوفيه وليس لديه

سوى ابن واحد وصغير وعائلتهم كبيرة ومعروفة "

لا ليس قبل أن آخذ بحقي , ليس قبل أن أنتقم ممن سرق طفولتي

وشبابي ومشاعري وأحلامي , قالت عندما طال صمتي

" ماذا قررتِ ؟؟ "

قلت " سأوافق على رضا وبشروطي وغيره لا "

نهاية الفصل
__________________
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 12-29-2015, 11:29 AM
oud
 

الفصل الرابع عشر


دخلت المنزل مسرعة وتوجهت لغرفتي هنا وهي غرفة جواد سابقا

أغلقت الباب خلفي وارتميت على السرير أبكي بحرقة فسمعت باب

الغرفة ينفتح وخطوات بطيئة وثقيلة تقترب مني ليجلس أحدهم

على السرير ثم صوت خالتي المتعب وهي تقول

" وسن يا ابنتي ارحمي نفسك وارحميني "

جلست من فوري لأجدها جالسة على طرف السرير والممرضة

واقفة فمسحت دموعي وقلت " خالتي لما غادرتِ سريرك وغرفتك "

مسحت على شعري وقالت " ما كنت سأرتاح وأنتي تسجنين نفسك

هنا وقد قضيتي البارحة في المستشفى وخرجتِ مني تصارعين الموت "

نمت في حضنها وقلت بدموع " لما أخبرته ليأتي لما جعلته يراني

في تلك الحالة يا خالتي , لقد ظلمتني ظلما كبيرا "

قالت بحزن وهي تمسح على ذراعي

" لم أخبره يا وسن ولم أطلب منه المجيء "

قلت بعبرة " مات نواس يا خالتي مات "

قبلت رأسي وقالت " نعم أعديه مات وعيشي حياتك يا وسن "

ابتعدت عن حضنها ونظرت لعينيها وقلت " كيف ولم يمت قلبي كيف "

تنهدت بحزن ولم تتكلم فقلت بأسى " لا أريد أن أراه جِدي لي حلا يا خالتي "

قالت بقلة حيلة " وما الحل الذي لدي هل تريدي أن أطرد ابني يا وسن

ابني الذي ضحى بشبابه ودراسته من أجلنا , الذي عانى الذل

والمهانة والسب والغربة من أجلي وأجل شقيقه "

قلت ودموعي عادت للنزول

" اطرُديني أنا إذا , قولي لا أريدها في منزلي "

حضنتني وقالت " ينقطع لساني قبل أن أقولها , وافقي

وتزوجي ابن خال فرح وستبتعدين عنه نهائيا "

قلت بحزن " لا أريد أن أظلم غيري , لن أظلمه معي يا خالتي ولن

أستطيع أن أعطيه حقه كزوجة , لن أكذب عليك وعلى نفسي "

ثم ابتعدت عن حضنها وغادرت السرير قائلة " هيا عودي لغرفتك

وسريرك , خالتي أرجوك لا تخرجي منها مجددا "

ساعدتها والممرضة على الوقوف فقالت بهدوء وتعب

" أراح الله بالك يا وسن وبال ابني "

أوصلناها في صمت ولم أضف حرفا وهممت بالخروج فقالت

" لا تسجني نفسك يا وسن ابقي معنا نتسلى قليلا "

قلت بابتسامة صغيرة " أريد أن أنام أشعر بالتعب "

هزت لي رأسها بالموافقة مبتسمة فابتسمت لها وعدت لغرفتي , دخلت

وكان هاتفي يرن دون توقف ويبدوا أن خالتي أحضرته لي حين جاءت

لأنه لم يكن معي , نظرت للمتصل فكانت فرح فأجبت عليها من فوري

فقالت مباشرة وببكاء " وسن هل أنتي بخير أين أنتي من البارحة

أتصل ولا تجيبي ويتهربون مني جميعهم "

قلت بابتسامة حزينة " بخير يا فرح لا تقلقي وتُقلقي زوجك

معك أنا بخير حية ولم أمت "

قالت بحزن " حمدا لله ما كنت سأصبر يوما

واحدا لو لم تجيبي علي "

قلت بعتب " فرح اهتمي بدراستك وزوجك فقط ولا

تزعجيه فهوا يحتاج للراحة وللتركيز "

قالت وقد عادت للبكاء " كيف أرتاح وأريحه الذنب

ذنبه هل كان عليه السفر بي بعيدا عنك , مشتاقة لك

وسن وأريد حقا أن أكون معك كل عمري "

نزلت دمعتي فمسحتها وقلت " كلها سنين وستعودان

فرح عديني أنك لن تزعجي جواد مجددا "

لاذت بالصمت فقلت " عديني يا فرح "

قالت " لا أستطيع فما يزال هناك يوم ستحمل زوجته المصون

ويوم ستنجب أيضا ويوم يجلبها لكم ليقتلك بها "

قلت بضيق " ما هذا الجنون يا فرح "

قالت بحرقة " أخذه الله وهي معه وأحرق قلبيهما معا

منذ أن عرفناهم لم نعرف خيرا "

قلت بحدة " فرح اصمتي ولا يسمع جواد ما تقوليه تفهمي "

قالت ببرود " هوا غاضب مني منذ الصباح ولا يكلمني "

تنهدت وقلت " أعلم أنك لن ترتاحي أبدا , لا تنسي أنه شقيقه

في كل الأحوال , هل ترضي أنتي أن يقول جواد عني

شيئا سيئا ويدعي علي "

قالت بضيق " فرق كبير بينك وبينه , هوا يستحق

وأنتي لم تفعلي له شيئا "

قلت بحزن " كل واحد منا جرح الآخر , تلك هي الحقيقة وها

نحن تصافينا ولكلن حياته "

قالت مباشرة " وسن وافقي على ابن خالي إنه الأفضل بينهم

جميعا وأنتي تعرفي جيدا ما يقال عنه "

قلت بهدوء " لا أستطيع يا فرح لا أستطيع "

قالت بحدة " ولما هوا استطاع وتزوج وأنتي لا "

قلت ببرود " ليس لأجله لا أستطيع بل لأجل ابن خالك فما

ذنبه يتزوج امرأة ميتة بلا قلب , أنا لو مكانه لا أرضاها

لنفسي ولن أتزوج من رجل قلبه مات مع امرأة

أخرى ليعيش معي جثة فقط "

قالت بعتب " مجنونة يا وسن وستضيعين حياتك "

قلت بهدوء " اذهبي واعتذري من زوجك يا فرح , جواد

يحبك ويحب شقيقه فلا تتحدثي عنه أمامه مهما حدث

عديني بذلك إن كنتي تحبينني حقا "

قالت بعبرة " لا أستطيع مع من سأتحدث ؟ مع الجدران

أم مع الناس الذين لا يفهمون حتى معنى ما أقول أم

أكبتها في نفسي حتى أموت "

قلت " هيا اذهبي له فلن أرتاح حتى تتصالحا

واتصلي بي فيما بعد حسنا "

قالت بهمس " حسنا "

أنهيت الاتصال معها ثم استحممت وارتديت ملابس النوم وحاولت

أن أنام دون أن أفكر في شيء لكن تمزق أحشائي لم يدعني أغفوا

أبدا وكلماته وهوا يتحدث معها عبر الهاتف لا تترك رأسي وأنا

كالأضحوكة أجلس معه في السيارة بعدما جلبني من المستشفى

اليتيمة العالة عليه التي ذبحها ورماها دون اكتراث

*
*

عدت للمزرعة في مزاج أسوء ما يكون , تضع اللوم علي

دائما وكأني المذنب الوحيد رغم أني طويت الماضي للحظة

ودست على جرحي وقررت أن أبرر لها سبب زواجي لكنها

عاملتني كنكرة مجددا , دخلت المنزل وصعدت لغرفتي من

فوري جلست على السرير واتصلت بوليد الذي أجاب

من فوره فقلت مباشرة وبغضب " أين ذهبت أنت وهوا دون

إعلامي أو أخذ أذني ألا تعلمون أني أعتمد عليكم في الإسطبلات "

قال بهدوء " خف عليا أيها الإعصار كلما أغضبك أحدهم نفثت نيرانك بي "

قلت بضيق " تعلم أنكما عندي بجواد ولا أعتبركما أقل من شقيقان

لي ولكنك وتهورك لا تفترقان "

تنهد بضيق وقال " أتركني وشأني يا نواس خير لك أنا

مزاجي ليس بأفضل منك تفهم "

قلت بأمر " تعودان حالا مفهوم "

قال بحدة " لا ليس مفهوم وقبل أسبوع لن نعود والإسطبلات

نحن على اتصال بالعمال عليك أن تتق بهم "

دخلت حينها مي وأنا أقول بذات الحدة " لا أتق بالعمال وأنت تعلم

ذلك جيدا فتوقفا عن الجنون أنا لست متضايقا من وجودكم هنا "

قال ببرود " مع السلامة يا عريس وخفف من صراخك "

ثم أغلق الخط فتأففت ورميت بالهاتف بعيدا عني واتكأت بمرفقاي

على ركبتاي أنظر للأرض فوصلني صوت مي الهادئ قائلة

" هل أعد لك العشاء أنت لم تأكل شيئا سوا حساء الصباح "

هززت رأسي بلا دون كلام فقالت

" كيف هي قريبتك هل أصبحت أفضل "

قلت بهمس " نعم "

قالت " هل رأيت والدتك كانت مشغولة "

هززت رأسي بنعم دون كلام فغادرت الغرفة في صمت

لأنها باتت تعلم أني بمزاج سيء جدا ولا أستطيع حتى

الرد على أسئلتها

*
*
لا اعلم لما حياة هذا الرجل في توتر دائم فلم أقضي معه سوى يوم

وليلة حدثت له فيها أمور تحتاج لشهر لتحدث , كلما حاولت أن أكون

أقرب له أشعر به يبتعد , صحيح أن لا مشاعر تربطني به ولم أجد

الوقت لأشعر بشيء اتجاهه لكنه واقعي الآن وعليا التعايش معه إن

أحببت أم كرهت , آه لماذا يا وليد لما لم تأتي لخطبتي سابقا

لما التردد والخوف فلم يكن ليعنيني فقرك , ولم يفكر طبعا في

خطبتي بعد تلك الفضيحة رغم علمه أني بث مشوهة من الداخل

وأخوتي قد يعطوني لأي طارق فقط ليتخلصوا مني

نزلت للأسفل وقضيت الوقت بين التلفاز والصلاة وعدت بعد وقت

للغرفة ووجدته نائما فغيرت ملابسي ونمت أيضا ومر اليوم الذي

يليه ويليه ونواس غير موجود أغلب الوقت , يتناول الطعام معنا

وباقي يومه في الإسطبلات أو يتحدث عبر الهاتف أو معه أحد

في مكتبه ولا شيء يسليني ولا أحد سوى الخادمة المنشغلة طوال

النهار بأعمالها , جلست عندها في المطبخ وقلت

" راضية لما والدة نواس وقريبته تلك لا تعيشان معه هنا "

نظرت لي ثم عادت لعملها وقالت " والدته رفضت ذلك رغم إصرار

نواس الدائم , هي تريد منزلها وترتاح فيه حسب ما فهمت "

قلت " ألا أشقاء لديه "

التفتت ناحيتي وقالت بهدوء " لديه شقيق تزوج بشقيقة قريبته من

والدها وسافرا قبل زواجكما بأيام من أجل الدراسة "

هززت رأسي لها بحسنا دون كلام فقالت بهدوء " أنا أعد نواس أكثر

من رجل أعمل لديه وهوا يحترمني وكأني شقيقته الكبرى وبصراحة

أرى أنكما لا تعرفان عن بعض شيئا من أسئلتك الكثيرة عن أمور

تخصه , تبدوان غير منسجمان رغم أنكما عريسان جدد "

نظرت للطاولة تحتي وقلت " هوا يعاملني برفق ولطف ولكن

أشعر أن ثمة حاجز بيننا ولا أعرفه "

قالت بهدوء " بادري أنتي "

نظرت لها بصدمة فقالت بابتسامة " هوا زوجك والأمر ليس

جريمة قد يكون خجلا أو مراعيا لك , أنا أعرف نواس أكثر

من نفسي رجل حنون في تعامله كثيرا ويحسب لمشاعر

غيره ألف حساب وقد يكون ينتظر منك المبادرة "

احمرت وجنتاي خجلا وقلت " مستحيل كيف أبادر

هذا شيء يفعله الرجل "

ضحكت وقالت " لم أقل لك اسحبيه للسرير أو نامي في حضنه

أو اركضي له واحضنيه أعني أشياء تلفت انتباهه "

نظرت لها باستغراب فقالت " سأنهي عملي هنا ونتحدث قليلا حسنا "

بقيت أنظر لها بحيرة لوقت ثم هززت رأسي بحسنا , قد يكون معها

حق فهوا يعلم أي محنة مررت بها ويخشى من أني لا أتقبل اقترابه

مني ولكننا معا منذ أيام ولو كانت قليلة ولم يتحدث ولا حتى

مجرد الحديث عما حدث معي , بعد الغداء جلست وراضية

وهي تتحدث معي بحماس وأنا عيناي مفتوحتان على اتساعهما

ثم قالت " ما رأيك "

هززت رأسي بلا وقلت " مستحيل "

تنهدت وقالت " خذي أبسط الأفكار وطبقيها ولو أن تتحدثي

معه بصراحة وتسأليه "

وقفت وقلت " شكرا لاهتمامك يا راضية أنا أحببتك حقا وكأني

أعرفك منذ سنوات لكن الكلام ليس كالتطبيق لا أستطيع أقسم لك "

وقفت وقالت مبتسمة " لن أقول أني أضعت وقتي في الفارغ

وأتأمل أن تفكري في كلامي "

قلت بابتسامة " لم أعرفك سيدة أعمال "

ضحكت وقالت " ألا تري كل هذه الشركة أنا المسئولة عنها "

ضحكت وقلت " كم أنتي طيبة يا راضية وأنا أحببتك حقا وأحببت خفة دمك "

قالت بابتسامة " لم تتعرفي على المزعج خفيف

الدم بعد لكنتِ كرهتِ المزاح "

فتحت فمي لأسألها على دخول نواس الذي قال

" مي لحظة من فضلك "

توجهت نحوه من فوري وسرت خلفه حتى غرفتنا في

الأعلى دخلها وقال " لدي صديقان واحد منهما يعيش معي

هنا والآخر يتردد على المكان أحيانا من أجل العمل "

هززت رأسي بحسنا فتابع " هذا الطابق لنا لن يصعده أحد , الطابق

الأرضي انزلي له بالحجاب إن اضطررت لذلك لأن المطبخ في

الأسفل وراضية هناك دائما , معاذ لا يكون هنا أغلب

الوقت وسأبلغك وقت وجوده "

نظرت له بحيرة فقال " سأغادر الآن خارج المدينة

وقد لا أعود قبل الغد "

قلت من فوري " حسنا ولكني أريد زيارة والدتك لقد مر على

وجودي هنا خمس أيام ولم أزرها وأشعر بالإحراج

منها كلما حدثتها عبر الهاتف "

شعرت بالضيق غزا ملامحه ولا اعرف لما ثم قال

مغادرا الغرفة " سنتحدث في هذا لاحقا "


ثم غادر وتركني واقفة في حيرتي , لما لا يريد أخذي لها ومن

صديقه هذا الذي يعيش هنا ولم يخبرني أنه سينبهني لوجوده كالأخر

الذي أسمه معاذ , أنا حقا لا أفهم ولا يمكنني سؤال راضية عنهما

سيكون شيئا سخيفا جدا وغير لائق , يبدوا أنه الشخص الذي تحدثت

عنه راضية وعن كثرة مزاحه , قضيت باقي النهار وكلام راضية

لا يخرج من رأسي حتى أنني لم أستطع النوم تلك الليلة وأنا أفكر

جديا في خطوة تكون أقل إحراجا قد تدفعنا للكلام بوضوح عن

وضعنا معا أو عن سبب زواجه بي على الأقل وقررت أن أبادر

أنا هذه المرة بأقل شيء يمكنني فعله

*
*
وضع يده على كتفي وقال " ما رأيك به أراهن على

أنه سيفوز في السباق "

نظرت له ثم عدت بنظري على معاذ وهوا يقفز الحواجز بفرسه

وقلت " إن لم يكن الأول فسيكون الثاني "

وقف مستندا على السياج الحديدي ومقابلا لي وقال

" ما بك يا وليد أنت لا تعجبني "

نظرت للأرض وقلت " لا شيء مهم "

ضحك وقال " أقسم أنه في الموضوع امرأة "

قلت بسخرية " ألا يوجد غير النساء تعكر المزاج "

ضحك كثيرا ثم قال " لا بالطبع فهن متمرسات في

تعكير مزاج الرجال "

رفعت رأسي ونظرت للبعيد وقلت " ما أمورك أنت

مع امرأتك يا أبو العريف "

شبك يديه مسندا بهما عنقه من الخلف وقال " لا أحد يعكر

مزاجي مثلها أرجع للقصر مشتاقا لأن أراها فتجعلني

أكره تلك الفكرة التي فكرتها "

قلت بابتسامة " يبدوا تسرعت في زواجك بها يا معتصم "

قال بهدوء " إن لم أتزوجها الآن فلن أضمن أن يحدث ذلك مستقبلا

لأنها لن تقبل بي إن لا سمح الله مات والدها أو غير رأيه "

نظرت له وقلت " أقسم أنك جنيت على نفسك كيف تتزوج من

واحدة لا تريدك , لا وفي السادسة عشرة وزد عليها لا تعلم

أنها زوجتك أقسم إن علمت لقلبت الدنيا على رؤوسكم جميعا "

غير من وقفته وعاد ينظر لمعاذ والمتدربين معه وقال

" عندما تعلم لكل حادث حديث , أخبرني ما مشكلتكم مع نواس

قال معاذ أنه غاضب منكم , لما تركتم المزرعة "

قلت بحزن " لن أكون فيها هذا الأسبوع ولو قتلني ولو كان

الأمر بيدي لما بقيت فيها أبدا باقي حياتي "

قال بهدوء " نواس لن يتضايق منك أبدا يا وليد حتى إن تزوج "

ابتسمت بألم ولم أعلق على كلامه , الذي يمنعني قلبي يا معتصم

لا نواس ولا شيء غيره فلا أقسى من أن تسلم حبيبتك لغيرك

وتقف تتفرج عليه , نظر ناحيتي وقال " ما فعلت مع عمك "

قلت بسخرية " لا جديد ولن أرضى بشروطه ليرجع لي مالا من حقي

وهوا الذي سرقه من والدي , هوا فقط يريد توريطي في الزواج من ابنته

المطلقة التي تكبرني بأربعة أعوام ثم لن آخذ منه شيئا وستبقى في عنقي "

تنهد بضيق وقال " لا تجد أحدا لا يحمل مشكلة جاثمة على قلبه

حتى بث أكره الحديث مع الناس "

ضحكت وقلت " أضحكتني ولا مزاج لي في الضحك "

قال ببرود " افتح قلبك يا وليد فالكتمان ينقص العمر ويقهره "

قلت بهدوء " لا شيء لدي , ثم يكفيك من حديث الناس "

قال ضاحكا " رددتها علي بسرعة "

ثم صرخ مشجعا لمعاذ وذاك يحييه وغادرت أنا من عنده

*
*

قبلت رأسها وجلست أمامها وقلت " كيف حالك الآن "

قالت " بخير بني كيف هي زوجتك وأحوالك "

قلت بهدوء " لم أرها منذ الأمس كنت خارج المدينة من أجل

أعمالي وتجارتي , لقد سألتني عنك بالأمس وتريد زيارتك "

سكتت لوقت فقلت " أمي سأجلبها لتزورك ووسن في الجامعة

إن كان هذا ما يريحك "

قالت بابتسامة صغيرة " بل يريحها ويريحك أنت "

نظرت للجانب الآخر دون تعليق فقالت " حسنا أحضرها الأسبوع

القادم فوسن تعمل على رسالة تخرجها وتقضي ساعات عديدة هناك "

نظرت لقدماي على الأرض وقلت " كيف هي صحتها "

قالت بهدوء " تقول جيدة ولا يعلم الحقيقة غيرها وخالقها "

رفعت نظري لها وقلت

" عليك أن تساعديني في إقناعها للسفر من أجل العلاج "

تنهدت وقالت " سيكون من سابع المستحيلات "

قلت بضيق " وحتى متى هذا الحال , أنا في النهاية ابن خالتها

والمسئول عنها مهما حدث بيننا "

تنفست بقوة وقالت " بالكاد بدأت تعود لطبيعتها وتبتسم فأجل الموضوع

قليلا فقد أقنعها مجدد بالزواج رغم أنها ترفض حتى الحديث فيه "

وقفت حينها ونظرت للجانب الآخر بضيق , تقولينها هكذا يا

أمي وبكل بساطة ولا تراعي مشاعري ربع ما تراعي مشاعرها

قالت " ما بك وقفت وأنت لم تصل إلا الآن "

قلت " سمعت باب المنزل يفتح لابد وأنها وسن ولا أريد أن

أزيد تعبك بمشاكلي معها لأن ثمة ما سيدفعنا للشجار "

نظرت لي بحيرة وقالت " ما بها ماذا فعلت "

تنهدت وقلت " أمر سأناقشها فيه فيما بعد "

ثم قبلت رأسها وغادرت الغرفة وخرجت مارا بممر المطبخ

وسمعتها تقول لفتحية " هل سيتناول نواس الغداء هنا "

وقفت حينها مكاني استمع لهما وقالت فتحية

" لا أعلم هوا وصل للتو "

سحبت وسن الكرسي من الصوت الصادر عنه وقالت

" إذا أنا أدعوك على الغداء اليوم في المطبخ "

ابتسمتُ بألم وضحكتْ فتحية وقالت " من مساوئ الحب

أنه يفضح الكره حين يكون حبا هوا أيضا "

خرجت حينها ولا أريد سماع المزيد وهي تتلفظ بعبارات كرهها

لي أو حتى تشتمني وتدعو علي , ركب سيارتي وغادرت , وصلت

المزرعة تناولت الغداء وخرجت من المنزل لاستقبال الخيول التي

ستصل اليوم ولأشرف على البيطري من أجل الحقن الدورية لوقاية

الخيول من الأمراض الشائعة وعند المغيب عدت للمنزل استحممت

وصليت المغرب أحضرت لي مي كوبا من الشاي وقالت وهي تطفئ

التكييف " نحن في الخريف والجو يبرد وشعرك مبلل يا نواس أنت

لا تهتم لهذا وستصاب بالحمى مجددا "

قلت بابتسامة " حسنا أمري لله سأنام قليلا وأيقظيني عند صلاة العشاء "

قالت مبتسمة " حسنا "

ثم خرجت من الغرفة ودخلت أنا السرير بعدما شربت الشاي على

صوت رنين هاتفي , تجاهلته فعاد للرنين مجددا فنظرت له فكان

رقما غريبا ففتحت الخط ووضعته على أذني قائلا " مرحبا من معي "

قال صاحب الصوت الرجولي في الطرف الآخر " هل أنت نواس "

قلت " نعم وصلت "

قال من فوره " أنا سليمان علي الشحاذ "

شعرت أن الاسم ليس غريبا عني وسمعته مرارا , قلت بعد تفكير

" ذكرني بك يبدوا اسمك مألوفا لدي لكني لا أذكره "

قال مباشرة " أنت لا تعرفني شخصيا ولكنك سبق وقابلت

والدي في زواج شقيقك جواد من ابنة عمتي فرح "

جلست حينها من فوري وقلت " عذرا فلم أفهم "

قال " أنا الطبيب سليمان تحدثت والدتي معكم في خطبة شقيقة

فرح ولم يصلنا الجواب ففكرت أنكم تريدون كلاما رسميا

وحسب علمي أنت وليها ونريد زيارتكم في أقرب وقت "

ضغطت على أسناني بقوة أمنع نفسي من قول شيء لا أعي له

فقال بعدما طال صمتي " حدد لنا موعدا ونحن تحت أمركم في

كل ما تريدون وتريد هي "

قلت بضيق " عذرا فلا بنات لدينا للزواج ومناسبات لهذا الكلام "

قال بنبرة استغراب " كيف !! أليست في السنة الأخيرة في

الجامعة وغير مرتبطة حد علمي "

قلت مهدئا لنفسي " نعم لكن ورائها جامعة تنهيها أولا وعلاج قد

يحتاج وقتا فعذرا منك أتمنى أن تجد نصيبا أفضل مما عندنا "

قال بعد صمت " أتمنى أن تعيد النظر في الموضوع وتشرح لي

مرضها وبالنسبة للدراسة أمرها محلول ومستعد لانتظارها أيضا "

شعرت بالنار تشتعل في جوفي كالحريق من كلماته وإصراره

فتنفست بقوة وقلت " هل لي بسؤال وتجيبني عليه بصراحة "

قال من فوره " تفضل واسأل ما تريد "

قلت " أراك مصرا عليها كثيرا , هل سبق ورأيتها أو تحدثتما "

قال بعد صمت وكأن سؤالي فاجأه " حقيقة الأمر بعدما حدثتني

والدتي عنها كثيرا رأيتها في الجامعة فأنا أعطي فيها محاضرة

واحدة أسبوعيا وهي لا تعرفني ولم أتحدث معها

فهل ثمة أمل أن يتغير كلامك "

قلت ببرود يعكس البركان داخلي " عذرا لا نصيب لك عندنا "

قال ببعض الضيق " آسف على الإزعاج وكانت فرصة سعيدة "

قلت ببرود أكبر " وداعا "

ثم رميت الهاتف جانبا وقد فارق عيني كل النوم الذي كان يغزوها

بقيت أتقلب في فراشي وكأنه جمر متقد تحتي حتى فتحت مي الباب

لتوقظني لصلاة العشاء , خرجت من المزرعة صليت العشاء وعدت في

كل خطوة أخطوها يزورني ألف هاجس ... ترى أصدق حين قال أنه لم

يتحدث معها ؟ قد تكون من ضمن من يدرسها فهي تدرس علم الأحياء

لابد وأن يحاول التحدث معها وإقناعها , حسنا يا نواس هوا بعيد عنك

ويسكن في مدينة أخرى فزوّجها له فقد تعيش حياة طبيعية مع الفتاة التي

أصبحت زوجتك ولم تقترب منها حتى الآن بحجة أنك تحتاج لوقت

ولا تريد أن تظلمها وهي تصمت حتى الآن عنك وعن جفافك ناحيتها

حجج أنت تعلم أنها مجرد حجج قد تستغرق منك زمنا طويلا لتتخلص

منها , وصلت المنزل وصعدت لغرفة النوم ودخلت لأفاجأ بمي ترتدي

قميص نوم وشعرها مفتوح وعطرها ملئ المكان تشغل نفسها عني

بشيء ما , لا يا مي ليس وقته الآن كنت أريد وقتا أكثر , فقط وقت

ولا أريد أن أجرحك الليلة برفضي لك ولن أستحمل كرجل هذا

المنظر من امرأة تحل لي

*
*
تشجعت وأجبرت نفسي أن أكون أنا من يبدأ لعلي على الأقل

أفهم منه سبب نفوره مني وأُفهمه إن كان يفهم الأمر بشكل آخر

جهزت العشاء لنا في الغرفة ولبست قميص نوم محتشم قليلا

رغم أنه لا احتشام في قمصان النوم , فإن كان ظنه بي أني أخاف

اقتراب الرجال مني ستزول هذه الحجة وإن كان يضن أنه سبقني

له رجل غيره فسأوضح له أنه على خطأ وإن كان ثمة أمر آخر

فسأفهمه منه , دخل الغرفة فشغلت نفسي بالبحث في الدرج

وقف لوقت ينظر ناحيتي ثم توجه للخزانة دون كلام فتحها ويبدوا

أنه لم ينتبه أني جهزت له ملابسه ككل ليلة فقلت ونظري على

يداي في حجري " ملابسك على السرير "

أغلق الخزانة وشعرت بخطواته تقترب أخذ ثيابه ودخل الحمام

بقي فيه لوقت طويل حتى ظننته لن يخرج منه , وقفت وجلست على

السرير أشعر بصغر حجمي وغبائي بما فعلته , خرج بعدها من الحمام

وقد غير ثيابه , وقف مبتعدا عني وظهره لي فرفعت رأسي وقلت

" إن كنت تظن أن غيرك لمسني فأنت مخطئ "

قال بعد قليل " لم أهتم لهذا يوما يا مي "

قلت " أنت لم تسألني حتى عما حدث لي وتعاملني بنفور

لا أفهم شيئا ولا حتى سبب زواجك بي "

التفت لي وتوجه ناحيتي جلس أمامي على السرير وأمسك

يدي وقال بهدوء ونظره عليها

" لا تأكل عقلك الظنون يا مي الأمر ليس متعلقا بك "

قلت ببحة من كتمي لبكائي " بمن إذا "

وقف حينها في صمت وتوجه لزر الإنارة في الغرفة وأطفأه ليعم

الغرفة ظلاما دامس لا يُرى معه إلا القليل بسبب تسرب النور من

تحت الباب ثم اقتربت خطواته من السرير ويبدوا أن تلك كانت إشارة

منه كما كانت الإشارة الأولى مني , جلس بجانبي وتوتري يزداد

وقلبي أشعر أنه سيتوقف , شعرت بأصابعه تمر على خدي وعنقي

مبعدة لشعري وأنفاسه تقترب مني حتى بث أشعر بشفتيه على عنقي

لف ذراعه الأخرى حول خصري لأصبح في حضنه تقريبا وازداد

تنفسه وضغطه على ذراعي بقوة وتمتم بكلمات لم أفهمها وكأنه لا

يعي ما يقول ثم همس بصوت خافت ولكنه مسموع لي لسكون

المكان وقال بهمس متوجع أكثر من كونه خافت " وسن "

************************

قال لي نزار أننا سنزور القبو مجددا نهاية الأسبوع من أجل

دراستي فهما قررا أن نزوره صباحا , لم أكن أريد ذلك بادئ

الأمر لكن عليا الموافقة من أجل أن تخرج الأموال من القبو ولا

طريقة أخرى لدي لأني إن أخبرته أني أريد المال من هناك سينزعج

كما قالت خالتي وقد يغضب مني كثيرا , أما أنا فقد انشغلت في

دراستي وأصبحت تأخذ أغلب وقت فراغي وأجلس بغرفتي أو بجوار

خالتي أمسك كتابي , تنهدت بضيق فقد فشلت كل محاولاتي لحلها

فوقفت وأخذت الكتاب والكراسة وقلمي وخرجت من غرفتي

وصلت غرفته وطرقت الباب عدة طرقات فوصلني صوته قائلا

" أدخلي يا سما "

دخلت وقلت مبتسمة " ماذا تفعل "

نظر للكتاب في يدي وقال " تعالي لا أفعل شيئا مهما "

ثم أغلق الحاسوب أمامه وتوجهت أنا نحوه وقلت

" لدي مسألة في الرياضيات لا أفهمها وقد تساعدني "

مد يده قائلا " هاتي دعيني أرى "

مددت له الكتاب فأبعد حاسوبه المحمول عن الطاولة

ووضع الكتاب عليها قائلا " أجلسي سأشرحها لك "

جلست بجانبه ووضعت الكراسة والقلم على الطاولة أيضا فنظر

للمسألة ثم أمسك القلم والكراسة وقال " انظري لطريقة حلها "

وبدأ يشرح لي بالخطوة وأنا عيناي ليست على الكراسة أو ما يكتب

بل علقتا على وجهه وهوا يشرح لي ونظره حيث يكتب وسافرت

بي الأفكار منذ أول يوم قابلته فيه وما حدث تباعا وكيف دخل حياتي

وصرت في منزله , رفع رأسه فأبعدت عيناي عنه فوصلني صوته قائلا

" هل باتت واضحة لديك الآن "

نظرت لعينيه بحيرة ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة وقلت

" هلا أعدتها "

نظر لي بصدمة فأخفضت بصري وقلت بخجل

" لم أفهمها كثيرا "

ضحك وقال " أعرفك ذكية يا سما "

دسست خصلات شعري خلف أذني وشتت نظري وقلت

" يبدوا أني سرحت قليلا "

وضع القلم على الطاولة وكتف يديه لصدره وقال بابتسامة

" وما عقاب من يسرح في الحصة "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " نزار جديد لم أعرفه سابقا "

ضحك كثيرا ثم قال " لا ذلك في الماضي الآن عقابك تخبريني فيما

كنتي تفكرين وتتركيني أشرح كل هذا الوقت "

شهقت شهقة صغيرة مصدومة وقلت " فيما كنت ماذا !! "

نظر لي باستغراب فقلت " كنت أفكر في ... خالتي لم أرها منذ

ساعات وغفلت بدروسي عنها "

نظر لي نظرة تشكك ثم قال " سما أعرفك لا تكذبين أجزم أنك

كنتي تفكرين في القبو وجابر والذهاب إلى هناك "

بقيت أنظر لعينيه بضياع ثم قلت " أخبرتك أني سأفتحه لهم وسأفعل "

قال بابتسامة " كان بإمكانهم الاستعانة بخبير حواسيب

وسيفتحه لهم لكنه احترم رغبتك يا سما "

نظرت للطاولة تحتي وقلت بحزن " أنا حقا أحاول "

وصلني صوته هادئا " أنا أقدر مشاعرك وما مررت به لكن علينا

الاستعانة بهم خصوصا أن عفراء وزوجها لم يجدوهما في الشقة "

قلت بصدمة " ماذا !! الخالة عفراء اختفت "

تنهد وقال " نعم ولكن جابر سيجدهم بالتأكيد "

تنهدت بحزن فقال بابتسامة " دعيني أعيد لك شرح المسألة

ولا تسرحي هذه المرة مفهوم "

ابتسمت وقلت " مفهوم فقط لا تطردني من الحصة "

ضحك ثم قال بعدما قلب صفحة الكراسة لأخرى نظيفة

" سأعيد لك من البداية "

ثم بدأ يشرح لي مجددا وأنا منتبهة معه وأشاركه الحل حتى

أنهاها ثم قال " هل فهتها الآن "

هززت رأسي بنعم مبتسمة فقال " سأكتب لك واحدة تحلينها لأتأكد "

ثم كتب مسألة مشابهة لها وبدأت في حلها حتى أنهيتها وأثنى

عليها ثم قال " هل أمورك جيدة في جميع المواد يا سما "

قلت " نعم ولكن معلم اللغات رفض العودة معي لما فآتني وقال

أنه غير ملزم كلما جاءت طالبة جديدة يرجع للخلف حتى ينتهي

العام الدراسي ونحن في نفس النقطة وقد استعنت ببعض

الطالبات لأفهم ما فآتني "

قال بضيق " ولما لم تخبريني سابقا يا سما "

لذت بالصمت فقال " كيف تسكتين عن أمر كهذا ومؤكد

لم تخبري المدير أيضا "

نظرت للأسفل وقلت بهدوء " ساعدوني بعض الطالبات وخفت

أن تدخل في مشكلة معه , هوا صعب الطباع والجميع يشتكي منه

حتى بتول وريحان أعادتا السنة بسببه "

تنفس بضيق ثم قال " سنرى حلا لهذا "

وقفت حينها وقلت " آسفة لإزعاجي لك سأنزل لخالتي الآن "

فتح فمه ليقول شيئا على صوت جرس الباب يقرع فقال مبتسما

" وها أنا أيضا سأنزل معك "

*
*
نزلت قبلها متوجها من فوري للباب فتحته وقلت بابتسامة

" مرحبا يا خالة تفضلي "

دخلت وهي تقول " لم تشتاقوا إلينا فدسنا على كرامتنا وأتينا "

ضحكت وصافحت الداخل بعدها قائلا " كيف حالك يا حسام تفضل هيا "

دخل خلف والدته قائلا " لم نتمكن من زيارتكم في العيد فتأخرنا قليلا "

سرت باتجاه غرفة والدتي وهما يتبعاني قائلا

" يكفي اتصالكم الدائم والسؤال , هيا تفضلا "

دخلت الغرفة وهما خلفي فوقفت سما من فورها مبتعدة عن

السرير قليلا فدخلا وسلما على والدتي ثم سلمت الخالة جواهر

على سما وهي ابنة خالة والدتي ثم التفتت إلينا وقالت بمكر

" من هذه ؟؟ هل زوجتِ ابنك من ورائنا يا خائنان "

ابتسمت سما وضحكنا جميعنا وقالت والدتي " لو كنت زوجته

لكنتم أول من سمع من فرحتي , هذه سما ابنة قريب زوجي

رحمه الله من والدته ستبقى معنا لفترة حتى تذهب لأهل والدها "

مد حسام يده لها مصافحا وقال " مرحبا بك يا سما أنا اسمي حسام

تخرجت منذ عام من إدارة الأعمال وأعمل في شركة خاصة أحب

أكل الفاصوليا واللحم واكره الخضراوات "

ثم ضحك مع ضحكنا جميعا وابتسمت سما وقالت

" لم تخبرني متى تستيقظ صباحا "

وعاد الجميع للضحك , حسام طبعه هكذا يحب المزاح كثيرا لكن

ردة فعل سما كانت مفاجئة فيبدوا بدأت تتقبل الرجال شيئا فشيئا

ولم تعد تخاف منهم كثيرا كالسابق وتتجنبهم, جلسا واستأذنت سما

وخرجت للمطبخ , راقبتها خالتي حتى اختفت ثم قالت وهي

تضرب حسام بحقيبتها " لما لا تعقل قليلا لعلنا نجد لك

عروسا , من أين سنجد لك بديلة لها الآن "

قالت والدتي ضاحكة " وما أدراك أنها تصلح له , من

النظرة الأولى حكمتي عليها !! "

قالت " نظرتي لا تخيب تبدوا هادئة ورصينة وعاقلة وربت منزل من

خروجها فورا للمطبخ لكن ابني لا تليق به إلا واحدة مجنونة مثله "

نظرت لي أمي وقالت بابتسامة جانبية " سما لن تبقى عزباء طويلا

أنا متأكدة من ذلك وسيعد حظ من سيسبق غيره لها "

نظرت لها نظرة تشبه نظرتها وقلت " سما صغيرة ولا أحد

سيزوجها في هذا السن , زواجها الآن ظلم كبير لها "

قال حسام مبتسما " والدتي ووالدتك تزوجوا في مثل سنها "

تأففت مكتفيا بالصمت , لا أحب أن يذكروا زواجها أمامي لا أحب

زواج الصغيرات وسما تحديدا أتضايق من هذا الأمر إن كان عنها

بالأمس جاءني شقيق جارنا بكل وقاحة يقول نريد خطبتها ومتأكد جدا

من الموافقة , لا ويعلم أنها في السنة الأولى في الثانوية أي يعرف

سنها جيدا , مجتمع لا يعرف سوى أن يضطهد المرأة , ثم ما سأقول

لأبناء عمها فيما بعد ... خطبوها وأنا زوجتها بدون علمكم أم كنت

محتاجا لخادمة لي ولأمي فتزوجتها وبالحيلة ومن دون حتى ولي

لها , مادامت تحت رعايتي هي كالنجمة لن يطالها أحد وبعد أن

أعيدها لأهلها يفعلوا ما يحلوا لهم

دخلت حينها سما بإبريق الماء والكئوس ووضعته على الطاولة

وسكبت الماء وقدمته لهم ثم جلست بجوار والدتي على السرير

انخرطت وحسام في الأحاديث جالسا بجانبه وأمي ووالدته من

سؤال لسؤال عن فلانة وفلانة من يعرفانه ويجهلانه وسما

كعادتها مستمع فقط وعينا حسام لا تفارقانها ثم همس لي قائلا

" هل صحيح لا تفكر بالزواج بها "

نظرت له بضيق وقلت بصوت مسموع ولم أكترث له ولا

لأحد " إن فتح أحد موضوع زواج سما أمامي فلن يخاطب

لساني لسانه ما حييت "

وقفت حينها سما من فورها وقالت ورأسها أرضا وبصوت

منخفض " بعد إذنكم "

ثم خرجت متجهة جهة المطبخ وقالت أمي بضيق

" سيطِر على أعصابك قليلا لقد أحرجت الفتاة "

تجاهلتها ونظرت جهة حسام وقلت " ما رأيك بالخروج "

وقف وقال " بالتأكيد لن تكون زيارة للعاصمة دون خروج "

دخلت حينها سما بالكعك والعصير فعاد حسام للجلوس

وقال ضاحكا " وليس هناك خروج قبل الطعام "

قلت ببرود " ولن تكون حسام إن غيرت عاداتك "

قال بضيق " نعم نعم شوه سمعتي أمام الفتاة , فهمنا أنك لن تزوجها

لأحد لكن أترك سمعتي وشأنها فقد تنتظرني حتى تكبر "

وضعت سما الصينية على الطاولة وعادت للجلوس حيث كانت

وقالت " أنا لا أحب الذين يعملون في الشركات "

قال بصدمة " لماذا !! "

قالت بحزن " لأنهم سيصبحون أثرياء "

نظر لها جميعهم بحيرة وقال حسام " وهل هناك من تكره المال "

قالت بضيق " نعم أنا "

وقفت حينها وقلت " هيا كل قطعتك بسرعة أو لن نخرج "

وقف وقال " أمري لله لا عروس ولا طعام "

ثم قال مغادرا أمامي " اتركوا لي حصتي لا أحد يأكلها "

وخرجنا على صوت ضحكاتهم ركبنا سيارته وقال بعدما انطلقنا

" ما رأيك في فرصة عمل مربحة ومريحة "

نضرت له باهتمام وقلت " وكيف تكون هذه المربحة والمريحة "

ضحك وقال " الشركة التي أعمل بها لوالد صديق لي درست معه

في الجامعة يمكنني التحدث معه هي شركة بناء سترسم لهم الخرائط

في منزلك وتأخذ لهم النماذج فقط في أوقات تتفقون عليها "

قلت بعد صمت " وكيف سيوافق هذه مسألة حساسة لا تقررها أنت "

نظر لي ثم للطريق وقال " لم اقل ذلك إلا لأني أعلم أنهم يتعاقدون

مع مهندسين ليرسموا لهم وبعضهم هواة ولا شهادة لديهم حتى

خصوصا في الديكور , سأقترح عليه الأمر وهوا يوافق أو

يرفض ولن يضيع فرصة مثلك "

قلت بهدوء " تكون خدمتني خدمة العمر حينها "

*
*
قضت معنا قريبة خالتي باقي النهار حتى العشاء وطلب نزار أن

يأكل هوا وحسام في غرفته وتناولنا نحن العشاء معا وبعد صلاة

العشاء غادرا رغم إصرار خالتي أن يباتا معها لكن ابنها قال أن

لديه عمل في الصباح الباكر ولا يستطيع البقاء

وبعدما غادروا ضيوفهم وأنهيت أعمال المطبخ التي أخذت

مني وقتا طويلا توجهت لغرفة خالتي دخلت وقلت

" هل نستطيع قراءة روايتنا الآن "

ضحكت وقالت " حسنا مادمتِ أنهيتِ امتحان الفيزياء

يمكننا القراءة "

اقتربت منها وأخذت الرواية من يدها وجلست على الكرسي

وفتحت الصفحة حيث وقفنا ثم نظرت لها وقلت " لما الرجال جميعهم

يريدون الزواج والأمهات يردن تزويج أبنائهن في أسرع وقت "

ضحكت كثيرا ثم قالت " لأن الأمهات مصابات بجنون أسمه

حفيد والرجال مصابون بجنون اسمه نساء "

قلت بحيرة " وما جنونهم في النساء "

قالت بابتسامة " ستفهمين ذلك يوما "

قلت بتذمر " يبدوا أني لن أفهم شيئا ما حييت "

قالت بهدوء " سما هل أنتي توافقين نزار في فكرته أنك

صغيرة على الزواج "

أخفضت رأسي ونظرت لأسطر الرواية في يدي وقلت

" أنا أفكر في دراستي والمجرمين الذين يبحثون عني وأهلي

المجهولين ولم يخطر الزواج في بالي "

ثم نظرت لها وقلت " ولا أريد حقا أن يغضب نزار وأنا أرى

أن هذا الموضوع يسبب له الغضب "

قالت بابتسامة " حتى إن كنتِ أنتي من ترغبين بذلك "

قلت بشبه همس " نعم لا أريد أبدا إغضابه "

ابتسمت ابتسامة بنظرة غريبة لم أفهمها ثم قالت

" هيا أقرئي لنا لنرى ما سيحدث "

ابتسمت لها ونظرت للورقة وقرأت

(( انفتح الباب بقوة فكانت عمتي سعاد فأبعد فراس يده

ونظر لها فقالت بحدة " فراس هلا شرحت لي ما يجري , أقسم إن

رآكم والدكم لنتف ريشكم , لا أريد مشاكل ... الفتاة واقع وتقبلوه "

ابتعد ناحيتها وقال بغضب وهوا يشير بأصابعه لرأسه

" لم تدخل الفكرة دماغي أي ترهات هذه , والدي يتزوج من

طفلة ليزوجها بغيره وأنتي وكأن الموضوع لا يعنيك ولا

أحد يشرح ما يجري "

قالت بضيق " الموضوع كما شرحه والدك وانتهى وإن كان

لديك شيء قله له بدلا من أن تنفرد بالفتاة وتخيفها وتهددها

لتعرف شيء لا وجود له إلا في خيالك "

أشار لي في الخلف وقال لها بسخرية " هذه تخاف !! هذه

تُخيف ويجب أن تخاف الناس منها , لسانها كالحية "

مررت مجتازة له وقلت وأنا خارجة من الغرفة

" لو كنت حية لقلت لوالدك عن كل ما حدث "

ثم التفت ناحيته وأنا عند الباب وقلت " لكني لن أفعلها

لأني لست مثلك يا ثعبان "

ثم ركضت هاربة حين رأيته يتوجه نحوي بغضب وصعدت

لغرفتي أضحك , لم أتوقع أن تكون اللعبة مسلية لهذه الدرجة

بقيت في الغرفة لوقت ولم أخرج منها وبعد العصر خرجت بهدوء

وبطء لأرى من في الأسفل أولا , نظرت من أعلى السلالم أنزل جسدي

أكثر لأنظر فشعرت بيد أمسكت فستاني من ظهري ودفعتني للخلف

فشهقت بقوة وشعرت بشفتين تهمس في أذني

" ماذا تفعلين هنا ؟ لا وتتجسسين أيضا "

ابتعدت عنه بقوة والتفت له فكان أشرف فحمدت الله مئة مرة أنه ليس

فراس ثم قلت بلهجة طفولية عفوية " كنت أريد أن أشرب بعض

الماء وخفت أن يكون كونان في الأسفل "

ضحك بصوت عالي ثم قال " لو سمعك لقطع لسانك فما رأيك إن أخبرته "

قلت بابتسامة " أنت طيب وشعرت بذالك من أول مرة رأيتك فيها

وهوا إعصار هل يرضيك أن يؤذي فراشة صغيرة مثلي "

ضحك مجددا وقال وهوا ينزل السلالم " أقسم أنك عقربان وحمدا

لله أن والدي خلصنا من الزواج بك "

أخرجت لساني له فالتفت فجأة فدسسته في فمي وابتسمت بعفوية

وعدت راكضة جهة غرفتي لأصطدم بأحدهم فأمسكت جبهتي وأنا

أتألم فسمعت ضحكة ساخرة وصوت فراس يبتعد قائلا

" هل ستحتاجين لإشارات مرور أيضا "

تأففت ودخلت الغرفة وضربت بابها بقوة , ما به حظي هكذا

وكأنهم اجتمعوا جميعهم حين علموا بخروجي , عدت لسجن

نفسي في الغرفة رغم أن هذا الوضع لا يعجبني وعند وقت

العشاء طرق أحدهم الباب ثم دخلت الخادمة قائلة

" العشاء "

جلست على السرير وقلت " ومن هم الموجودين "

قالت " الجميع "

لويت شفتاي ثم قلت " ولما لم تحضريه هنا "

قالت " السيد رياد يقول تتناولي الطعام معهم "

وقفت وقلت وأنا أرمي شعري للخلف " معه حق لما أنا أسجن

نفسي والجميع حر طليق حتى الخدم "

ثم نزلت السلالم وتوجهت من فوري لطاولة الطعام ألقيت التحية

وسحبت الكرسي المجاور لعمتي سعاد والمقابل لثلاثتهم طبعا وجلست

وبدأت بالأكل دون أن أرفع نظري في أحد حتى قالت عمتي

" لدي حفل زفاف لابنة صديقة لي وسوف آخذك معي غدا يا رُدين "

نظرت لها وقلت بسعادة " حقا , أنا أحب الحفلات ولم أحضر

في حياتي غير اثنتان "

نظرت لهم فكانوا جميعا ينظرون لي باستغراب ومن حقهم أن

يستغربوا فكيف لفتاة في التاسعة عشرة أن لا تحضر إلا حفلي زفاف

ثم نظرت ناحيتها وقلت " لكن ليس لدي ما ألبسه يناسب ذلك "

قال عمي رياض " وما نفع الأسواق والنقود , في الغد

تشتري كل ما تريدينه "

ثم نظر جهتهم وقال " وائل في الغد تأخذها للسوق "

قال ببرود ونظره على صحنه " لدي محاضرات

كثيرة ولن أرجع قبل العصر "

قال عمي رياض بضيق " إن رايتك هنا قبل ذلك قطعت رأسك "

قال أشرف بعدها على الفور " أنا أيضا مشغول لا تعتمد علي "

قلت أنا على الفور " لا أريد الذهاب مع فراس "

قال بغيض " ومن قال أني سأعتب معك خارج الباب "

تجاهلته ونظرت جهة عمي رياض وقلت " أوصلني أنت هناك

ولا تخف علي سأشتري ما أريد ثم أرجعني "

وقف وقال " ما لدي قلته أحدكم سيأخذها أو لن يمر الغد على خير "

ثم غادر طاولة الطعام وتبعته عمتي وقال وائل ببرود

" إن ركبتِ أنتي سيارتي أحرقتها "

ضحكت وقلت " أنت الخاسر ستبقى دون سيارة أنا لن أخسر شيئا "

قال بمكر " بل سأحرقها وأنتي فيها "

قلت بمكر كمكره " حمدا لله لدي ابن زوج محقق سيأخذ بحقي ويسجنك "

وقف فراس وقال مغادرا " بل سأسجنك أنتي ومحترقة وهوا

معك أيضا لأتخلص منكما "

نظرت له وهوا يغادر ثم نظرت لهما وقلت " أمتأكدان أنه

محقق ناجح أنا أشك في ذلك "

ضحك أشرف وقال " أقسم أنك فريدة من نوعك

سأآخذك أنا ولكن بشرط "

قلت باستغراب " ما هوا "

وقف وقال " غدا أقوله لك "

وقفت بعدها وقلت مغادرة " حمدا لله لم ينتهي الخير من البشر "

ثم عدت لغرفتي وشغلت نفسي بقراءة بعض المجلات حتى سمعت

طرقات على الباب ولم يدخل أحد توجهت نحوه وفتحته فكان فراس

واقفا يتكأ على حافته ويده في جيب بنطاله وقال بابتسامة جانبية

" هل نكمل حديثنا الآن " ))

أغلقت بعدها الرواية وقلت " طبعا انتهى جزء اليوم أشعر أنه قصير جدا "

ضحكت وقالت " للنوم بسرعة قبل أن يمسكنا نزار ويكتشف

أني أجعلك تقرئين الروايات فيبدوا لي يريد سجنك

في قوقعتك حتى آخر العمر "

قلت باستغراب " لم افهم ولما يسجنني في قوقعتي "

قالت بابتسامة " هل تعلمي لما خرج نزار بحسام من

هنا وتناولا العشاء في غرفته "

قلت بحيرة وبعد تفكير " ليتجولا في العاصمة

ويأكلا بمزاجهما بعيدا عنا "

ضحكت ضحكة صغيرة وقالت

" ونزار يريدك هكذا لا تفهمين شيئا "

قلت بتساؤل " وما فهمته أنتي ؟؟ "

قالت بابتسامة " فهمت أنه عليك النوم بسرعة قبل قدوم

نزار فيبدوا لي سيأتي بمزاج سيء "

وقفت وقلت بتذمر " لو أفهمك مرة يا خالتي أنتي كاللغز "

ضحكت وقالت " بل أنتي كالبلورة النقية وصدق نزار في أنه

يريد إرجاعك لأهلك كما أحضرك "

توجهت عند الباب أغلقت النور وأنا أقول " تصبحين على خير يا خالتي "

ثم صعدت السلالم والأفكار تدور في رأسي , كنت اسمع نقاشا حادا

بينها وبين نزار وأنا في المطبخ بعد مغادرة الضيوف فما الذي أغضبه

يا ترى وتتحدث عنه خالتي , دخلت الغرفة لبست ملابس النوم وأعددت

حقيبتي من أجل الغد ودخلت السرير , بعد وقت سمعت طرقات على

الباب فجلست من فوري ونظرت للساعة , غريب الوقت متأخر

ليس من عادة نزار أن يتحدث معي في هذا الوقت


******************************

" ماما لا تمسكيني أقف وحدي "

قلت وأنا أمسك خصرها " لا حبيبتي أنا لست مستغنية عنك تموتين

وأموت بحسرتي ومسجونة أيضا لأن والدك لن يرحمني "

قالت بعبوس " ولما أمجد و بيسان يقفان عند حافة الشرفة وحدهما "

قلت بضيق " ترف سأنزلك ولن يتبقى لك سوى النظر من الفتحات السفلية "

قالت من فورها " لا ماما لا "

لا أعلم حتى متى سيدوم هذا الحال لا شيء يرفه عن هؤلاء الأطفال

إلا هذه الشرفة الممنوعة أيضا , جدة ابتلوا بها وحدهم دون خلق الله

أجمعين ووالد الحاضر الغائب لا نراه سوى ثلاث مرات في اليوم

مرة عند الغداء وأخرى عند العشاء ينهض بسبب الاتصالات التي

تأتيه قبل حتى أن ينهي طعامه ومرة في الليل نائم بعمق من شدة

التعب حتى أن زياراته لهم باتت تنعدم وكأنه اعتمد عليا في كل

شيء لكنه في النهاية والدهم ويجب أن يكون له دور وعلى هذه

المهزلة أن تنتهي ولكن عليا التصرف بحكمة وروية وأن لا أقع

في أخطاء زوجته الأولى فما فهمته من شرط زواجنا أنها كانت

تصدع له رأسه بالمشاكل وبواجباته هنا حتى خسرت كل شيء

ثم تصرفت بغباء بأن هربت من واقعها بدلا من أن تغيره

لا يوجد رجل يعمل كل النهار حتى رئيس البلاد يأخذ إجازة

ويجد أوقات لأبنائه وعائلته , يبدوا ليس هناك ما يشده للقصر

وهذا ما يجب أن يكون موجودا وأن ينتبه أكثر لأولاده وأن عليه

أن يجد حلا لحياتهم كالأغنام يأكلون وينامون ولا يغادرون

الحظيرة , مثلما يجد وقتا لأن يعكر نومي ولا يتغيب عن السرير

ليلة لينام في الخارج , طوال المدة الماضية كنت منشغلة بدروسهم

لأنها الأهم لدي أما الآن فعليا الانتقال للمرحلة الثانية وهي الصخرة

ألا مبالية جابر والجبهة الأخرى والدته طبعا وبما أنه اشترط

إخراجه من مشاكلنا فعليا التصرف بحكمة لأجعله يقف في صفي

دون علمه وعليا أن لا أنسى أنه محقق بل ويرأس المحققين يعني

لن يكون اللعب معه سهلا وسيفهم جميع تحركاتي قبل حتى

أن أطبقها , أخرجني من أفكاري صراخ بيسان قائلة

" لورد معتصم "

وتبعتها ترف بصراخ وهي تنحني للأسفل وتلوح بيدها

" عمي معتصم "

نظرت معهم فكان ثمة شاب نازل من سيارته نظر لنا للأعلى ولوح

بيده مبتسما , كان وسيما بشعر بني وملامحه تبدوا مشابهة لجابر

يحار عقلي في عمتهم المجهولة كيف تكون إن كان شقيقاها هكذا

فطوال فترة بقائي هنا لم أرها ولا حتى عمهم هذا ولا أسمع عنه إلا

حكايات الأطفال ويبدوا يحبونه كثيرا وكما يبدوا مختلفا عن البقية ولم

أره إلا الآن لأنه لم تعد تعتب قدماه ممر غرف الأطفال منذ أتيت

ويرسل إحدى الخادمات لتأخذهم لجناحه ولا يأتون منه دون هدايا

وخصوصا بيسان , أبعدت ترف منزلة لها وقلت

" أمجد بيسان انزلا بسرعة سندخل "

نزلا من فورهما ودخلا أمامي , لابد وأن جدتهم سمعت صراخهم

فأذانها كالنسر , لا أعلم كيف تعلم كل شيء ولابد لها جواسيس ولا

أحد غير الخدم عدا سيلا التي تبدوا لا تحبها وتحملها إثم موت والدة

الأطفال فتبدوا كانت تحبها كثيرا فكم حكت لي عنها بحزن وكيف

كانت تبكي وحدها بالساعات وتتشاجر مع جابر كلما عاد حتى بات

لا يرجع إلا ليلا , فإن أخبر تلك العجوز دماغها أني مثلها فستكون

مخطئة حد الخطأ , جابر يحتاج لزوجة لا تعرف الشكوى ووالدته

تريد زوجة ابن لا تخالفها في شيء , جابر علاجه عندي إما أن

أعيد صياغة برنامجه اليومي بل والحياتي أو أترك له المكان

وأشتري راحتي , والثانية مستحيلة لأنه لن يرضى بها خصوصا

وأنه يراني المربية والمعلمة التي ترفع مسئولياته كلها أما والدته

فلن يجدي معها سوى التمرد والعصيان لكن عليا كسب وقوف

جابر بجانبي أولا لأن محاربتها وحيدة ستكون غباء وتهور

وصلت للداخل على صوت رنين هاتفي نظرت للمتصل فكانت

سوسن فرفعت الهاتف وخرجت من الغرفة وتوجهت لجناحي

ولغرفة النوم تحديدا وأجبت عليها فقالت من فورها

" مرحبا بزوجة رئيس مكتب الشرطة الجنائية , أصبح

الجميع يعرفني بصديقتك لا بسمي ولا اسم زوجي "

قلت ببرود " قد أكون متزوجة برئيس البلاد ولا أعلم "

قالت بضيق " غبية من تتزوج بصاحب شركة صغيرة لا تنظر

إلا للسماء فكيف بك , معك حق فأنتي لم تري الحسد والحسرة

في كلام العاملات في المصنع "

تنهدت وقلت " ما لا يعلمنه أني أحسدهن جميعهن فلا

شيء يبقيني هنا سوا الأولاد "

قالت بتذمر " لا أعرف كيف تحولتِ لغبية فجأة "

قلت بضيق " نعم ستقولين هذا لأنك لا تشعرين بما أشعر فلديك

زوج يحبك يغدقك بالهدايا والكلام العذب ومنزل أنتي الآمر

الناهي فيه فكيف ستشعرين بما أعاني "

تأففت وقالت " أنتي أكثر من يعلم كيف كانت حياتي معه وكم

مرة وصلنا للطلاق وكيف كنتي تشجعينني ونجوب المكتبات

نقرأ عن الشخصيات وطرق كسب الزوج ونطبق عليه وهوا غافل

حتى أصبح كما أريد وأبعدت أهله عن حياتنا , تذكرين أم أذكرك "

تنهدت وقلت " أذكر طبعا لكن لا تنسي أن ما لدي مختلف عن

زوجك أشعر أنه يقرأ حتى صمتي فلن تتصوري كم مرة يجيب

على السؤال قبل أن أسأله "

قالت بجدية " يبقى رجلا مهما كان عقله وتبقين امرأة ولا

تنسي أن من أعادت الشيطان للقارورة بعدما أخرجته منها

وحررته تكون امرأة مثلك "

قلت بهدوء " لا حل أمامي غيره لأنه وحده من سيجعل

كل ما أريده يحدث "

قالت بجدية " إذا عليك به وأول شيء طفل عـ ... "

قاطعتها بضيق " الطفل آخر شيء يجب أن يحدث , لم أجن أنا لأربط

نفسي أكثر يكفيني أبناءه , هذه الخطوة ستكون آخر ما أفكر فيه "

قالت بلهجة ساخرة " وهل بظنك سيوافقك يا غبية أنظري لزوجته

الأولى خلال أربع سنوات كان لها منه ثلاث أطفال "

قلت ببرود " هذا إن أخبرته بما أفكر فيه لكني سأفعل ذلك دون علمه "

قالت بصدمة " وماذا إن اكتشف الأمر "

قلت " لن يكتشف "

قالت بهدوء " أرجوان لا تلعبي بالنار إن اكتشف الأمر

قد يضربك حتى الضرب "

قلت ببرود " لن يكون ذلك الآن يعني لن يكون , ليس

وقته يا سوسن أمامي أشياء كثيرة قبله "

سمعت حينها منبه سيارته وهذا يعني أنه جاء ليغير السيارة ومؤكد

سيستحم ويغير ملابس الشرطة بالبذلة الرسمية لأنه سيعمل خارج

المكتب فقلت من فوري " وداعا الآن يا سوسن ونتحدث لاحقا "

ضحكت وقالت " وداعا ولا تخرجيه من رأسك إلا

وأنتي قد أجهزتي عليه "

قلت وأنا أدخل غرفة الملابس " دعواتك لي يا صديقتي وداعا "

عدت خطوات للوراء رميت الهاتف على السرير وعدت للغرفة

أخذت أحد الفساتين القصيرة ولبسته سريعا , كان أصفر اللون

يصل طوله تحت الركبة بقليل كان بسيطا وأنيقا من القماش

القطني الممتاز أخرجت مشبك الشعر من شعري طبعا قبل أن

يتحول لقطع بين قبضته وخرجت مسرعة جهة المرآة نظرت

لوجهي ثم أمسكت كحلا سائلا , أشياء لم ألجأ لها قبلا رسمت عيناي

بسرعة ووضعت ملمع شفاه زهري اللون وعدلت خصلات شعري من

الأمام لتحتضن وجهي ورششت عطرا كثيرا ثم توجهت من فوري

للسرير وجلست واضعة ساق على الأخرى لينزل الفستان حتى

أول الفخذين وشغلت نفسي بالهاتف في يدي حتى سمعت خطواته

يدخل الجناح , سنبدأ الجولة يا جابر وإما أن أغيرك وأصلحك

أو تدفنني كزوجتك الأولى

انفتح الباب وأنا نظري على الهاتف طبعا وما أن دخل حتى رفعت

رأسي ونظرت له , كان ينظر لي باستغراب بادئ الأمر ثم قال بسخرية

" يبدوا أنك أخطأت الغرفة يا سيدة زوجتي أعرفها الآن أين تكون "

نعم تخابث علي لن أكون أقل منك يا ابن الصخرة , رميت شعري

للخلف وقلت بغنج لم يره مني سابقا وقد عدت بنظري للهاتف

" حلمت صباحا بك فقلت يا أرجوان لك زوج وأنتي لا تعلمي

فجئت انتظر أن أرى إن كان حلمي حقيقة "

سمعت حينها ضحكته التي لا تسمع إلا نادرا كالأعياد مرتين في

العام ثم وصلني صوته قائلا " ظننتك لا ترين الأحلام أبدا "

رميت الهاتف من يدي وغيرت جلستي متربعة وقلت وأنا أنظر

لعينيه بابتسامة " لا بالطبع ليس النساء من لا يعرفون الأحلام "

سيفهمني جيدا وما أقصد بهذا دون أن أوجهها له مباشرة , نظر

لي بمكر وأعلم فيما يفكر يضنها دعوى مني , خيالك سافر بك بعيدا

يا جابر , نزع ساعته أولا وقال وهو يضعها على الطاولة

" أنا مشغول يا أرجوان "

كما توقعت سافر به خياله لذلك , ومن قال لك أني أريد ذلك يا متعجرف

غادرت السرير وتوجهت نحوه قائلة " ومن قال لك أني لست مشغولة أيضا "

وقفت أمامه وبدأت بفتح أزرار سترة بذلته وأنا أقول ونظري على يداي

المشغولتان بما أفعل بابتسامة " عندما كنت صغيرة وكنا نلعب في الشارع

كنت أضرب الأطفال جميعهم لآخذ دور الشرطي رغم اعتراض الأولاد

لأني فتاة فكنت لا أقبل بغير هذا الدور في لعبة الشرطة والمجرمين "

ثم تابعت وأنا أنزع له السترة " وتقابلت مرة في المستشفى وأنا آخذ ترف

محمومة برجل مع ابنه عرفني دون أن اعرفه , أتعرف ما قال لي "

ثم توقفت وأنا أطوي السترة على اثنين وأضعها فوق السرير فوصلني

صوته قائلا " مؤكد ناداك بشرطية الحي "

ضحكت وعدت ناحيته وكررت ما كنت أفعل مع القميص الأبيض

تحتها وأنا أقول وعيناي على الأزرار التي تنفتح بين أصابعي

" بل قال : هل أنتي المجرمة أرجوان "

ثم ضحكت ضحكة صغيرة و نظرت لعينيه وقلت " وحين قلت له

بصدمة : أي مجرمة تتحدث عنها , ضحك وقال : لم أرى في

صغري فتاة في إجرامك وتجعلنا مجرمين "

ثم ابتسمت ونزعت له القميص وأنا أقول " ثم قال : هل تعلمي

ماذا أصبح معتز الآن , وهوا أحد أطفال الحي "

عدت للصمت مجددا وأنا آخذ القميص حيث أخذت السترة وشغلت

نفسي بهما منحنية قليلا على السرير أبعد شعري للخلف بيدي

الأخرى فاقترب مني وأمسك خصري بيداه وعاد بي للخلف

ثم لفني ناحيته وقال " وماذا أصبح معتز "

قلت بضحكة صغيرة وأنا أنزع حزام سلاحه " قال انه أصبح

عداءا بسبب ركضه في صغره هربا مني فهوا كان أكثر

مجرم ألاحقه في الشارع لأنه أصغرنا "

أمسك مني الحزام وأخذه لأن الموجود فيه سلاح وهوا أحرص

الناس على هذه الأشياء الخطرة , نظرت لعينيه وقلت بابتسامة

" الحمام جاهز تبدوا مشغولا جدا "

قال بابتسامة جانبية " نعم وأنتي أخرتني بحكايات طفولتك "

لازال يلعب بمكر لكني أمكر منك يا جابر , مددت يدي وأمسكت

يده الفارغة وقلت وأنا أعد له بأصابعه ونظري عليهم

" لا تنسى أن لك أبناء وزوجة هم عائلتك "

ثم نظرت لعينيه وهوا يترقب ما أتوقع جيدا انه يفكر فيه وهوا

أني سأقول : لهم حق عليك وأنت تهمله لكني ابتسمت وقلت

وأصابعي تتحرك في كفه " يحتاجون لك كثيرا فاعتني بنفسك من أجلهم "

بدأت عيناه بالتنقل بين عيناي وهذا دليل واضح على ضياعه في

جوابي وأنه لم يتوقعه ثم فعلت الخطوة الأكبر ورفعت كفه لوجهي

وقبلت باطنه ثم غادرت من أمامه قائلة " لن أعطلك أكثر لتقول أنني السبب "

ثم خرجت من الغرفة أضحك مع نفسي وغادرت الجناح مسرعة جهة

ممر غرف الأطفال ودخلت غرفة الفتاتان وأغلقتها خلفي فقالت بيسان

بصدمة " ماما كم أنتي جميلة "

اقتربت منها قبلت خدها وقلت " لست أجمل منك بالتأكيد "

كانتا تنظران لي باستغراب فكل حياتهما معي لم ترياني بفستان

قصير وزينة في وجهي , فُتح حينها الباب وكما توقعت كان جابر

ولكن المفاجأة أنه كان كما تركته بالقميص الداخلي الأبيض وبنطلون

بذلة الشرطة , وقف منحنيا ومتكأ عليه وقال بابتسامة جانبية

" لم تكملي باقي الحكاية وثمة شيء لم تنزعيه بعد "

تحركت حينها ترف من خلفي وشهقت بقوة وكل ضني أن

شهقتها من أنه بلا ملابس لكنها قالت بصدمة

" ماما بابا هنا وفستانك قصير يكفي شعرك يراه دائما "

ضحكت حينها رغما عني وأشرت له بيداي بأن تصرف أنت في

الأمر فقال بتحدي " وتنام معي في الغرفة أيضا وفي حضنــ .... "

صرخت به بلا وتوجهت نحوه وسحبته معي للخارج وقلت بصوت

منخفض " مجنون هم أبنائك قبلي كيف تقول هذا أمامهم "

أمسك خصري وسحبني نحوه ليلتصق جسدي بجسده وخلل

أصابع يده الأخرى في شعري قائلا " لو لم أكن مشغولا حقا

وورائي مشوار مصيري لعرفت كيف أتصرف معك يا مجنونة "

قلت بابتسامة وأنا أتصنع الابتعاد عنه " جابر لا تنسى أين نحن فاتركني "

ابتسم ابتسامة جانبية ثم قرب شفتيه من أذني وقال هامسا

" مستحيل ولكي أبقى بخير من أجلكم عليا أن أفعل هذا "

ثم قبلني بقوة وغادر وما أن اختفى من الممر حتى ضحكت بصمت

هذا المخطط نجح ووصلته المعلومة أننا نحتاج له رغم الحرس

والحماية الآلية في القصر والخدم والسائقين نحن نحتاجه فلم

ينصرف عن مسئولياته إلا لأنه يشعر أن ثمة شيء غيره نعتمد عليه

والآن عليا أن أبحث عن خصمي الثاني وأعكر مزاج والدته قليلا

*
*

لم أصدق نفسي وأنا أستمع لكلماتها في شريط الفيديو وهي تخاطب

شبيهتها الصغيرة قائلة ( أخبريه أني موافقة عليه ولكن بشروطي )

أي لعبة تنوين لعبها يا زهور وما تخبئين لي , لكن مهما كان ما

ستشترطينه سأوافق عليه ولو كان سنينا من حياتي ثمنا لأن تصيري

عندي بين يداي ووسط حضني , أشياء ضننت أن السنين سرقتها

مني ولن أحضا بها , أغمضت عيناي بشدة وقلت بابتسامة

" لي يا زهور ستصبحين لي أخيرا فلعلك تفهمين فقط كم

أعشقك وأتنفسك وأعيش الحياة لأنك فيها "

وقفت بعدها وأخرجت الشريط وأخذته لغرفتي , و قد مر بعدها

يومان أحاول الاتصال بجابر وكعادته لا يجيب فجلست له اليوم

متفرغا حتى يجيب علي رغما عنه أو سأقتله وبعد جهد أجاب

فقلت بضيق " من تضن نفسك رئيس البلاد "

ضحك وقال " هاتفي هذا لم أستخدمه منذ أيام وكان في درج

المكتب ولم أرى اتصالاتك إلا اليوم "

تنفست بضيق ثم قلت " طبعا مشغول سأختصر من نفسي "

قال بضحكة " ذكي كما عرفتك "

قلت بضيق " وأنت وقح ولا يهمك أن تجرح مشاعر غيرك

المهم تحدث مع زهور وخذ رأيها "

قال من فوره " أخبرتك أني سأتركها تعطيني رأيها من نفسها "

قلت بأمر " بل تتحدث معها , أنا لا آخذ رأيك "

قال ببرود " دعها تفكر فقد جاءها عريس منذ أيام ابن تجار

سيارات وقد توافق عليه "

قلت بصدمة " جاءها ماذا !!! وتوافق على ماذا ؟؟ "

قال " لقد سمعتَ ما قلت والخيار لها كما أخبرتك "

قلت بحزم " الليلة تكلمها تفهم وأخبرها أني أوافق على أي شيء تطلبه "

قال من فوره " سأرى وداعا الآن "

قلت بسرعة " هيه لا تقل سأرى بل تفعل , غدا سأكون هناك

وسأقتلك إن لم تكن تحدثت معها "

قال ضاحكا " حسنا وأمري لله وداعا "

لا أصدق أن تزول كل تلك العقبات وأكبرهم والدتها التي كانت ترى

زواجي بها من سابع المستحيلات وكل حجتها أني خريج كلية

الآداب وكاتب ولا مستقبل لي , أعلم أن زهور لم توافق عبثا ولن

تضع شروطها لعبا لكنها تحبني مهما حقدت علي ولأني أستحق

سأتحمل كل شيء حتى أعيدها حبيبة طفولتي كما كانت لا تعيش

بدوني ولا يمضي يوم لا تطلب فيه أن تراني وتتحدث معي

*
*
نزلت للطابق الأرضي وسألت الخادمة عن عمتي فقالت أنها

ليست موجودة , لا تترك مكان لا تزوره ولا حفل لصديقاتها لا

تحضره وتسجن هؤلاء المساكين في غرفهم وابنها يسجنني معهم

علمت من سيلا أن معتصم غادر مجددا وهوا يتغيب أغلب الوقت

فنزلت بفستاني القصير وزينتي وقفت عند الصالون الكبير الذي

يتوسط المكان وأكثر جلوسها ومن يزورها عليه وقلت للخادمة

" أجلبي من يساعدك سنغير مكانه , هناك سيكون أفضل "

قالت الخادمة من فورها " ولكن السيدة الكبيرة قد تغضب "

قلت بأمر " وجابر لن يعجبه أن أكون جالسة هنا والباب مقابلا

حين ينفتح والحراس في الخارج وأنا هكذا بزينتي وفستاني "

قالت من فورها " كما تريدين سيدتي "

لم أبرح مكاني حتى غيروه ثم صعدت للأعلى مبتسمة , أعلم

أنها ستعيده حيث كان ولكن لا يهم المهم أن تجدني غيرته

والخادمة ستخبرها بما قلت عن السبب ولن تستطيع قول

ذلك لجابر حسب أوامره وباقي الخطة سيأتي بعد هذه تباعا

عدت لغرفة الأطفال وقفت عند الباب وقلت

" سأذهب لغرفتي قليلا لا أريد شجار وأحدكم يطرق الباب مفهوم "

هزوا رؤوسهم بحسنا وأعينهم ملئها استغراب فابتسمت لهم وأرسلت لهم

قبلة في الهواء وغادرت لجناحي دخلت الغرفة وفتحت الدرج الكبير

في طاولة التزيين وأخرجت من عدة الماكياج قطعا لأحمر شفاه

بألوان متعددة وبدأت الخطوة الجديدة , أنهيت كل شيء ثم استحممت

وغيرت ملابسي ونزلت للأسفل فكان الصالون عاد لمكانه , جيد وهذه

الخطوة الثانية نفذتها تلك العجوز كما أريد , عند المغيب صلينا المغرب

وجلست مع الأبناء , كنت أرتدي بيجامة قطنية قصيرة زهرية اللون فقد

قررت اكتساح غرفة التبديل ولبس ما اشتراه بل وسأشتري أكثر منه

اقترحوا أن نلعب لعبة كنا نلعبها كثيرا فوافقت وربطنا عينا أمجد

وبدأ يبحث عنا في الغرفة الخالية التي خصصناها للقلعة والجنود

لأن اللعبة تستلزم مكانا فارغا وواسعا , كنا نركض وهوا يحاول

الإمساك بنا وبالتبادل وكنت أغلب الوقت أنا من يمسكون بها لأني

حين أهرب يعرفون صوت خطواتي فلست خفيفة وصغيرة مثلهم

ربطوا لي عيناي بعدما انضمت سيلا لنا أيضا فهي معنا أغلب الوقت

كنت أبحث عنهم و بيسان تقول " هنا ماما أمسكي بي "

وحين أذهب لها أسمع ضحكها في مكان آخر وخطواتهم تكثر

ولا أركز عليهم , شعرت بهم وقفوا جميعهم فقلت ويداي يبحثان

في الهواء " أين أنتم يا مخادعين سأزيل العصابة عن عيناي

لأرى إن كنتم خرجتم من هنا "

قالت ترف حينها " لا تغشي ماما "

فعلمت أنهم هنا ولكن كيف لا أجدهم وما سر هذا الصمت والسكون

تقدمت أكثر وأنا أسمع ضحكات خافته من ذاك الجانب , مؤكد هناك

فالأطفال لا يخفون ضحكهم جيدا كالكبار لكن ما سر أن يقفوا مكانهم

حتى أصل إليهم ودون أن يهربوا ! تقدمت أكثر وأنا أقول

" أسمعكم تضحكون هناك يا محتالين وسأمسك بكم جميعا "

اصطدمت حينها بشيء بقوة فقلت " سيلا أمسكتـ "

لكني سكت عندما تلمست الملابس ورفعت يداي للأعلى أكثر

ليست سيلا بهذا الطول والعرض , وصلت لوجه خشن فعلمت

من يكون أمامي فادعيت السذاجة وتلمست ذقنه وخديه لأني

أعلم أن الأطفال خلفه ثم قلت بهمس وابتسامة ماكرة

" هل عاد السيد مشغول "

ثم مررت إصبعي على شفته وقلت بذات الهمس

" صاحب القبلة المجنونة الغبية في الممرات "

شعرت من تحرك خده تحت لمستي أنه يبتسم الآن

فنزلت بإحدى يداي لصدره وضممت أصابعي عدى السبابة

والوسطى مصوبة لهما على قلبه وقلت بابتسامة ماكرة

" مجرم سأقتله الآن وأريح العدالة منه على فعلته "

أمسك يدي من على صدره وقال " وما تكون جريمته "

حركت رأسي وكتفي بعفوية بمعنى لا أعلم أو لا أريد أن أقول

ليفهم ما يريد منهما , فصوب يدي على قلبي أنا وقال بهمس

" وإن قتلوا له زوجته عقابا له "

عضضت شفتي السفلى ثم قلت " لا أعلم ... لما لا تسأله "

فاجأني حينها بقبلة وكل ما فكرت فيه وقتها الأطفال فحاولت

أن ابتعد ولم استطع حتى ابتعد وحده قائلا

" انزلي للعشاء يا شرطة مكافحة المجرمين "

فأزلت العصابة عن عيناي بقوة وضيق فكان خارجا من

الغرفة ولا أحد هنا غيرنا ويبدوا أنه أمرهم بالخروج منذ وقت

خرجت خلفه مسرعة لأدركه وسرت بجانبه وأنا أقول

" أريد شراء فساتين ساترة بدلا عن كل ما اشتريته يا حضرة المجرم "

نزل السلالم قائلا " ولما "

قلت وأنا أسابق خطواته " لأنه لا يمكنني النزول بها للضيوف "

وقف عند آخر السلالم ونظر لي وقال

" ولما ومعتصم غير موجود أغلب الوقت "

قلت ونظري مشتتا بعيدا عنه " لأن صالون الاستقبال مقابلا

للباب وحين ينفتح يكون الحراس في الخارج "

قال وقد عاد للسير جهة غرفة الطعام

" الحراس بعيدين لا يقتربون من هنا إلا للضرورة "

قلت مسرعة خلفه لينتهي الحديث قبل أن ندخل

" وأنا أخاف حتى من الضرورة وهم في النهاية رجال "

لم يزد أكثر ولا حرف ودخل وأنا بجانبه , لو نجح مخططي فسيأمر

بتحويل الصالون من مكانه وستعتقد والدته أني أنا من قال له وهوا

نفذ أمري وتكون الخطوة الأولى نجحت لتضن أنه ينفذ ما أريد ولو

كان ضد رغبتها ولازال هناك المزيد حتى أقتلها بالوهم

جلس جابر وجلست بجانبه كالعادة والأطفال في الجانب الآخر

حتى قالت ترف " بابا الم تعدني "

نظر لها وقال " نعم تعالي هنا "

نظرت له ثم لها باستغراب فقالت " ماما أنزليني أجلس بجانبك "

أسرعت الخادمة لها وأنزلتها فوقفت وقلت وهما تقتربان

" اتركيها أنا أجلسها "

أجلستها بجانبي ولا اعلم طبعا سر هذا الوعد منه لها وسببه

بدأنا الأكل ثم قالت ترف مبتسمة " ماما أطعميني الزيتون "

وهي طبعا حرمت لمسه بيدها والعبث بالطعام إلا بالخطأ

أطعمتها وهي تقول " أريد الآن واحدة سمينة "

فأختها لها وأنا أضحك بصوت منخفض وأعلم من يحترق في

الجانب الآخر وهي جدتها طبعا وبقيت أطعمها كل واحدة تصفها

لترى اختياري إن كان صحيحا , كنت مائلة جهتها فشعرت

بيد جابر أمسكت ذراعي وتسحبني نحوه , مؤكد تأفف والدته

المستمر أثر به , قربني له وقرب وجهه وهمس في أذني

" إن وجدتك نائمة الليلة رميتك من الشرفة فهمتي "

نظرت له مبتسمة ليس من أجله بل من أجل والدته كي لا

تفرح بها وتضنه تحدث معي من أجل إطعامي لترف

ثم وقف حامدا لله وغادر في صمت فوقفت وقالت ترف

" وأنا ماما أنزليني "

أنزلتها وأنا أقول بضحكة " متى ستطول ساقيك وتعتمدي على

نفسك , لا أعلم من أين ورثتي قصر القامة والعبث بالأشياء "

قالت جدتها ببرود " من والدتها وعائلتهم طبعا "

لا أعلم ما تعني بهذا ولما تتحدث عنها هل لتذكرني بها

أم لسبب آخر ! تجاهلتها طبعا وحملت ترف وقلت وأنا

أغادر " بيسان أمجد أغسلا أيديكم قبل أن تصعدا "

ثم صعدت بها لغرفتهم ولحقا بنا أمجد و بيسان بعد قليل

وراجعت لهما دروس اليوم لأني أختار هذا الوقت دائما

وأكره تدريسهم وقت العودة من المدرسة أما بعد العصر

فمخصص للعب دائما وعند العاشرة كانوا في أسرتهم

قبلتهم وخرجت وأمجد وصلت به لغرفته وقبلت خده وقلت

" تصبح على خير بني "

قال مبتسما " تصبحين على خير ماما "

ثم غادرت جهة جناحي حاملة معي السلك الأبيض

الذي طلبته من سيلا لأكمل ما بدأت به ثم أرسلت

له رسالة اشغله بها فعليا أن أدخل بين مشاغله وآخذ حيزا

*
*

أغلقت الملف وقلت " مؤكد ثمة تجارة مشبوهة مرتبطة بالهند

والتجار والمصانع مورد لها ومن يعارضهم أو يختلف

معهم يقتلونه , لا تخمين آخر لها "

تنفس بقوة وقال " سلسلة ممنهجة من القتل وخطط محبوكة وأدلة

مطموسة ولا أحد يبلغ حتى عن أنهم يهددونه , ترى أيكون

كل من يقتلونه شريكا لهم "

قلت بشرود " ليس بالضرورة قد يكون لهم أسلوب مختلف

يجعله لا يبلغ تحت أي ظرف كان والمشكلة أن المباحث لجنائية

في الهند تتقاعس عن التعاون معنا وبشكل ملحوظ وفيه ريبة "

ثم فتحت الملف الآخر وقلت وأنا أتتبع الأسماء بإصبعي

" آخر ضحاياهم عيسى أحمد العارم في الستين من العمر دخل

شراكة جديدة مع تاجر لمواد تجميل أغلب المصنّع لها الهند ويستلمون

الحاويات من هناك , شريكه قال أنه كان خائفا المدة الأخيرة ولا يتحدث

عن السبب , الشريك كان كل تخصصه التوزيع في الداخل وقال أنه

يتعاون معهم منذ سنين وليس حديث تجارة كما كتبت التقارير "

ثم رفعت رأسي ونظرت له وقلت " لن يكون الهنود بالطبع من يقتلون

هنا فلهم ذراع هنا أو لمن هنا الذراع هناك , قضية رفعت الشاطر

الذي قتلوه وعائلته يكون فيها حل اللغز لأنه الوحيد الذي لم يقتلوه

وحده خصوصا لو كانوا لزالوا يبحثون عن ابنته التي لم يقتلوها فيبدوا

يخافون من اكتشاف شيء ما "

نظر لعيناي وقال " قد يكون يبحث عن المال فقط وليس عنها "

هززت رأسي بلا وقلت " لم يكن غرضهم المال أبدا ولن يكون "

رن حينها هاتفي بنغمة رسالة فأخرجته وأنا منشغل معه بما يقول

قرأتها على السريع وأعدت الهاتف لجيبي ثم أخرجته ثانيتا أنظر

لها بتركيز كانت من أرجوان وفيها ( إن لم أنام تجدني خلف

الأشياء ) قرأتها مرة ثالثة بحيرة ثم أعدت هاتفي لجيبي وعدت

لما كنا نقول وما مرت دقائق حتى عادت الرسالة تشغلني

ما الذي تفعله هذه المشاكسة , من مهملة متجاهلة لي لمشاغبة

تطاردني حتى هنا في عملي , بعد وقت قال أسعد " أنت لم تعد

منتبها لي لابد وأنك تشعر بالنعاس , أترك كل شيء للغد "

وقفت وقلت " يبدوا ذلك "

ثم قلت بابتسامة " فعليا معرفة تلك الأشياء "

نظر لي باستغراب فضحكت وغادرت تاركا له وعدت

لمدينتي وللقصر , دخلت وصعدت السلالم متوجها لجناحي

فتذكرت زهور ورضا الذي سيأتي في الغد ويأكلني إن لم يجد

جوابها , التفت جهة الممر الآخر ثم ابتسمت بمكر وغيرت وجهتي

عليا معرفة قصة تلك الرسالة أولا فلينتظر رضا للصباح

دخلت الجناح والغرفة ولم تكن هناك , تلك المحتالة لا نائمة ولا

موجودة ولكنها قالت في الرسالة إن لم تجدني نائمة , يعني أنها

خلف الأشياء المجهولة , بحثت عنها في الشرفة والحمام وغرفة

الملابس ولا وجود لها , كنت سأغادر حين لفت انتباهي أحمر

الشفاه على طاولة التزيين على غير العادة , اقتربت منه فكان

مكتوب بجانبه على الطاولة وبه هوا نفسه ( أنا في المطبخ السفلي )

نظرت للكتابة بحيرة , ما تفعله هناك هذا الوقت !! نزلت السلالم

مجددا وقبل دخولي له اصطدم شيء بوجهي كان معلقا بسلك

وكان أحمر شفاه آخر والسلك ما يزال نازلا فسحبته وكان يخرج

من المطبخ حتى ظهرت الورقة المثبتة في نهايته وكان مكتوب

فيها بذات لون أحمر الشفاه ( أنا في غرفة ابنتيك )

ابتسمت ابتسامة جانبية وقلت بهمس " هكذا إذا يا أرجوان "

أخذت أحمر الشفاه والورقة معي وصعدت , لم أفكر أن أبحث

عنها واجدها بل أحببت هذه اللعبة لأرى أين ستصل بي وسأريها

وصلت عند الغرفة فكان معلق على بابها ورقة وفيها

( أعلم أنك متعب ومشغووووول لكني في حمام الجناح )

وتحت الكتابة قبلة بأحمر شفاه دمي اللون وواحدة أخرى على

كلمة مشغول , هززت رأسي مبتسما وأخذت الورقة وعدت

للجناح , دخلت وكان مكتوب على باب الحمام ( افتح الباب )

هذه الكتابة لم تكن موجودة عند وصولي , هي هنا إذا تلك

المحتالة , فتحت باب الحمام ولم تكن فيه فوقفت وسط

الردهة وقلت " أرجوان تخرجين وإلا "

ولم تخرج فقلت بصوت أعلى " لا أريد أن أقسم بما سأفعله "

ولا فائدة فعدت جهة الغرفة وفتحت الباب ففوجئت بالشموع

والموسيقى الخافتة وهي غير موجودة طبعا , دخلت ووقفت في

منتصف الغرفة ويداي وسط جسدي أفكر أين ستكون فشعرت

بيدان تتسللان من الخلف جهة خصري فابتسمت بمكر وأنا أسمع

همسها في أذني قائلة " ظننتك محقق ذكي وستكتشف مكاني من

وقت دخلت أول مرة وأنا هنا في الغرفة "

أمسكت يدها وسحبتها أمامي فقالت بضحكة صغيرة

" عدت مبكرا سيد مشغول "

طوقتها بذراعاي وقلت بابتسامة جانبية " متى سننسى مشغول هذه "

قالت بابتسامة مكر " حتى تستغني عنها "

ضحكت وقلت " هي جزء مني كيف أتركها "

لعبت بيدها تغرسا في شعرها وتحركه بها وقالت

" إذا هي من تحدد لديك المهم من الأهم "

شددتها بذراعاي أكثر وقلت من بين أسناني

" من أين خرجتِ لي أنتي أرجوان جديدة "

دست وجهها في صدري وقالت

" ستقتلني وسيريك زوجي رئيس الشرطة الجنائية "

رفعتها عن الأرض وتوجهت بها للسرير قائلا " بل رئيس

الشرطة الجنائية هوا من سيريك على مشاغبتك طوال اليوم "


نهاية الفصل .... أتمنى يكون نال إعجابكم ودمتم في حفظ الله
__________________
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 12-29-2015, 11:34 AM
oud
 
الفصل الخامس عشر


ما أن سمعت منه تلك الكلمة بل ذاك الاسم حتى وقفت كالملسوعة

وابتعدت عنه وخياله رغم ظلام الغرفة يتراء لي واضحا وهوا

يستند بمرفقيه على ركبتيه ورأسه بين يديه لا يزال جالسا على

السرير , تنفست بقوة عدة مرات ثم قلت " لماذا تزوجتني يا نواس "

رفع رأسه وقال من فوره " آسف حدث هذا بالخطأ "

قلت بعبرة " لا ليس خطأ فلما تتزوجني وأنت تحب أخرى حد

أن تهدي باسمها وتتخيلني هي وأنا في حضنك "

قال بهدوء " دعينا ننسى ما حدث يا مي ونترك هذا الأمر

ونؤجله قليلا , أحتاج لبعض الوقت فقط "

قلت بجدية " بل لن يحدث هذا مجددا "

وقف وقال " مي أنتي زوجتي وتزوجتك برضا واقتناع

وما حدث كان خطأ لن يتكرر "

قلت بهدوء " لما تزوجتني أجبني يا نواس "

قال بهدوء " والدك رحمه الله كان له الفضل الأول في كل

ما أنا فيه الآن من أموال وأردت أن أفي له بذلك "

قلت من فوري " فقط "


قال " فقط "

قلت مباشرة " وليس لتجرحها بي ولا لتنساها "

قال من فوره " لا "

قلت " أَقسم لي بذلك "

تنهد وقال " أقسم أنها ليست السبب فلكل منا حياته وانتهى

كل شيء بيننا , كنت فقط أحتاج لبعض الوقت ولم أرغب

في جرحك الليلة برفضي لك "

مستحيل رغم حبي لوليد رضيت أن أعيش حياتي الجديدة لأرضى

بواقعي ولم أتخيله هوا ولم يأتي في مخيلتي لحظتها فأي حب هذا

الذي يحبه لها حد أنه لا يستطيع الاقتراب من أخرى إلا إن

تخيلها هي , قال بهدوء " مي أنـ .... "

قاطعته بجدية " لا يا نواس أنا لن أظلمك قبل نفسي , نحن لا يمكننا

العيش معا كزوجين , هذا الزواج نهايته الفشل والقلوب المحطمة "

اقترب مني وقال " ليس الحب وحده ما ينجح به الزواج فكم من زواج

تدمر رغم أن أساسه الحب فالعشرة قد تأتي بالحب والحب لا يفعل ذلك "

هززت رأسي وقلت " لن تنجح يا نواس , أنت لن تنجح في هذا أقسم لك "

أمسك ذراعاي بيديه وقال " مي أنتي ظُلمتي بما فيه الكفاية فلا أريد


أن أكمل باقي مسيرة عذابك فأمهليني الوقت فقط "

قلت بابتسامة حزينة " لا تظلم نفسك على حسابي يا نواس "

ابعد يديه عني وقال " ولن أظلمك أيضا ولا أريد جرحك يا مي "

توجهت لمفتاح الإضاءة شغلته وتوجهت للقميص الحريري

الطويل لبسته وسترت جسدي به وربطت حزامه وقلت

" أنا محرمة عليك وأنت كذلك حتى تنتهي السنة المحددة في

العقد وكل واحد منا يذهب في حال سبيله "

فتح فمه ليتكلم فأشرت له بيدي أن يسكت وتابعت " أنت إنسان

رائع يا نواس , معنى للعطف والتقدير وعقلك يزن البلاد بأكملها

لكني لن أكون أكثر من شقيقة لك ولن تكون أكثر من شقيق

أحترمه طوال بقائي معه حتى يذهب كلن في حاله "

قال " الشرط لن ينتهي عند السنة يا مي "

قلت بابتسامة " لن يستمر زواجنا يا نواس مهما كان ثمن ذلك "

تنفس بقوة ثم قال بهدوء " مادمتِ من أراد هذا فلن أجبرك على

شيء يا ابنة أعز إنسان لدي لكن عديني أنه لا أحد يعلم بسبب

زواجي بك ولا كل ما بيننا ... عديني يا مي "

قلت " أعدك وأعلم أنك تفعلها من أجلي وليس من أجل نفسك "

نظر للجانب الآخر وقال " قلتها وسأعيدها لن أظلمك ويوم تري

أننا نصلح أن نكون زوجان أنا لن أرفض ذلك "

قلت بابتسامة " وأنا حين أرى ذلك سأكون صريحة معك كالليلة "

*
*
خرجتْ مي من الغرفة للغرفة المجاورة وخرجت أنا للشرفة لأني

أشعر بكم هائل من الاختناق , وقفت أراقب السكون والليل الأسود

الذي هجره القمر والنجوم , فشِلتَ في كل شيء يا نواس حتى

في إسعاد ابنة الرجل الذي ساعدك وفعل الكثير لك وأوصاك بها

فشلت مع نفسك وفشلت مع غيرك ولازال ينتظرك الكثير

بقيت مكاني لوقت ثم عدت للغرفة ونمت ولم استيقظ إلا

على صوت مي توقظني وهي تقول " نواس الفجر

سيخرج وقته ولن تدركه "

فتحت عيناي ونظرت لها فقالت بابتسامة " بسرعة

بالكاد لديك وقت تدخل الحمام "

غادرت السرير مسرعا ودخلت الحمام توضأت وخرجت ووجدها

جهزت لي ملابسي فلبستهم بسرعة وخرجت مسرعا ومارا

بها تصعد السلالم فقلت " شكرا لك يا مي "

وصلني صوتها المبتسم قائلة " لا يشكر الشقيق شقيقته "

وقفت مكاني ونظرت لها فكانت تصعد السلالم معطية ظهرها

لي فتنهدت بأسى وغادرت للمسجد لألحق بالمصلين

مي إنسانة رائعة ويبدوا أنها تستحق رجلاً أفضل مني وأتمنى

أن يأتي اليوم الذي أسلمها فيه لغيري وأشكر الله فيه أني لم أقربها

وتركتها له قبل أن اربطها بأبناء وتعيش معي تعيسة طوال العمر

مي لم تحمل بعد أي مشاعر اتجاهي لكانت حماقتي البارحة جرحتها

بعنف , لا أعلم كيف سيطرت تلك الفكرة على دماغي ولم أستطع

الاقتراب منها دون ذلك , لما لا تتركيني أعيش حياتي يا وسن لما

وصلت المسجد صليت وعدت للمزرعة تناولت فطوري لوحدي

وخرجت للإسطبلات وقضيت الصباح كله هناك , اليوم سيرجع

وليد ومعاذ وعلى الأقل سيحملان الأعمال معي , هذان الغبيان

لا اعلم كيف يفكران هل أرادا راحتي أم إتعابي

*
*
خرجت من قسم موظفي الجامعة والأبخرة تتصاعد من دماغي

قابلتني ملاك عند بداية الممر وقالت بحيرة

" وسن ما بك ملامحك وكأن فاجعة قد حدثت "

قلت بحرقة ونحن نسير معا

" ألغوا منحتي المالية المساعدة بخصوص رسالتي "

قالت بصدمة " ولما !! "

وقفت مقابلة لها وقلت " لأنه ثمة من طلب إلغائها ودفع كل

رسوم المواد ورسالة التخرج أيضا "

قالت بعد صمت " نواس أليس كذلك "

قلت بضيق " ومن غيره , لا أعلم لما يريد إذلالي طوال

الوقت ؟؟ ما الذي لم يفعله بعد وسيفاجئني به "

سمعت حينها صوت رجولي خلفي قائلا " آنسة وسن "

التفت للخلف فكان ثمة رجل غريب لا أعرفه ولم أره سابقا

قلت باستغراب " عفوا هل تعرفني ؟ "

مد يده وقال " أنا الطبيب سليمان ابن خال فرح شقيقتك "

مددت يدي مصافحة له وقلت " أعذرني فأنا لم أرك هنا قبلا "

قال بابتسامة " لأنه لدي محاضرة واحدة فقط في الأسبوع

ويبدوا أنك لا تداومي فيه "

قلت بابتسامة " سررت بمعرفتك وأعذرني المحاضرة ستبدأ "

قال من فوره " انتظري قليلا أود قول شيء بسرعة والمحاضرة

بقي عليها عشر دقائق "

نظرت لملاك وقلت " اسبقيني أنتي يا ملاك وسآتي حالا "

لوحت لي بيدها مبتسمة وغادرت , أعلم عمّا سيتحدث بما أنه ابن

خال فرح وطبيب فهوا ذاك العريس بلا شك , نظرت له فقال

" هل لديك علم بأمر خطبتي لك "

قلت باختصار " نعم "

قال من فوره " لكن لم يأتيني سوى رأي ابن خالتك ولم أسمع رأيك أنتي "

نظرت له بحيرة ثم قلت " رأي ابن خالتي !! "

قال" نعم اتصلت به لنحدد موعدا ونتحدث في الأمر رسميا

فرفض الأمر فورا لأسباب لا أراها منطقية "

ضغط على أسناني بقوة وغيض , ما هذا الذي تفعله يا نواس ومن

تظن نفسك , صحيح أني لم أوافق عليه ولكن ما علاقته هوا ليرفض

هل يريد إبقائي أمامه يدمرني طوال العمر , تنفست بضيق ثم قلت

" تحدثت معي خالتي في الأمر وأعطيتها جوابي ومادامت لم تبلغكم

به فلن أقوله لأني أحترمها ولن أفعل شيء من ورائها "

قال بابتسامة " إذا سآمل أن يكون الموافقة لأني

لم أقتنع بأسباب وليك ذاك "

ثم مد يده مجددا لي وقال مبتسما

" كانت فرصة سعيدة وأتمنى أن لا تكون الأخيرة "

صافحته بابتسامة مغصوبة وغادرت ورأسي يغلي كالبركان

وأحشائي عادت تتمزق بقوة , وصلت القاعة ووجدت ملاك

عند الباب فدخلت ودخلت هي ورائي قائلة

" وسن أرى أن تستأذني وتغادري تبدين لستِ بخير "

قلت بضيق وأنا اجلس " أنا أدرى الناس بصحتي "

جلست بجواري وقالت ببرود " يفعلها السيد نواس وأدفع أنا الثمن "

ضحكت ضحكة ساخرة خرجت رغم الألم في داخلي وبعدما

أنهينا المحاضرة خرجت مسرعة على صوت ملاك وهي تقول

" هيه وسن لا تنسي أننا سنبدأ العمل الأسبوع القادم "

لوحت لها بيدي وأنا أتابع سيري دون أن التفت إليها وخرجت

للخارج حيث موقف السيارات ووجدت السائق ينتظرني فوقفت

عند نافذته وقلت " لن أذهب معك غادر لمنزلك "

قال بحيرة " ومع من ستذهبين وأين "

قلت بضيق " سائق أنت أم جاسوس , سأذهب للجحيم ما علاقتك

بي , وأخبر سيدك أني لم أعد بحاجة لك فلا تأتي مجددا "

ثم تركته وخرجت من الجامعة وأوقفت سيارة أجرى وركبتها

وعدت للمنزل , دخلت وتوجهت من فوري لغرفة خالتي فتحت

الباب وقلت بضيق " ما به ابنك معي متى سيرتاح ويريحني "

تنهدت وقالت " ما به ماذا فعل "

قلت بحرقة " ألغى منحة الجامعة التي سيدفعونها لرسالة تخرجي

ودفع هوا المال وليس هي فقط بل ورسوم مواد الفصل الجديد

ألم نتفق أن الدراسة ستكون من مالي "

هزت رأسها وقالت " لقد عجزت معك ومعه "

قلت بغضب " وكيف يرفض ابن خال فرح دون أن يعلم

رأيي أو يسألني , من يضن نفسه أم يريد أن أبقى عانسا

كل حياتي وأنا أشاهده هوا وأبنائه وأتحسر "

قالت من فوها " الم ترفضيه أنتي أيضا فلما يضايقك الأمر "

قلت بضيق " يأخذ رأيي , هذا أمر يخصني أنا وليس هوا "

قالت بهدوء " ما أن يزورني سأتحدث معه في كل هذا فهوا

مشغول هذه الأيام ويقضي أغلب وقته خارج العاصمة "

قلت مغادرة " وأخبري والدة الدكتور سليمان أنني موافقة "
*
*
منذ ثلاث أيام ونواس غير موجود إلا لأخذ شيء مهم ويغادر

بعد تلك الليلة لم نعد نرى بعضنا إلا نادرا , جيد أنه حدث ما حدث

لأفهم من البداية كي لا أفاجئ بعد سنين أنه يحب أخرى وأني

مجرد مسئولية ويكون حينها لدينا أبناء وقد أكون أحببته وتعلقت

به فنواس رجل رائع ومن تعاشره ستحبه بالتأكيد

أنا إنسانة نحسها لا يفارقها ووجدت شخصا أكثر نحسا مني

ترى من تكون وسن تلك , لدي الفضول أن أعرفها وأعرف قصته

معها , ليس اهتماما به ولا غيرة منها طبعا لكن فضول يدفعني لمعرفة

من تكون هذه التي تسلبه عقله هكذا بل وفرسه المفضلة الوسن على

اسمها وكأنه يريدها معه للأبد حتى في غيابها فكم مرة رأيته من

الشرفة كيف يعاملها كبشر وليس فرسا , ولما يا ترى سمها هي تحديدا

باسمها وما الصفة المشتركة بينهما أم أنها هي سمتها كذلك أو تكون

فرسها , لكن راضية أخبرتني أنه هوا من اشتراها وسماها أيضا

آه يبدوا أنني من كثرة فراغي ووحدتي بث أفكر فيما يعنيني

ولا يعنيني أيضا , ولكن ما لدي ليشغلني فحتى الطابق الأرضي

لم أنزله لأتسلى مع راضية رغم أن نواس أخبرني أن أتحجب

فقط حين أنزل ولم يطلب مني أن لا أنزل , هوا خارج البلاد

مع صديقه المدعو معاذ يعني ليس هنا سوى ذاك المجهول ومؤكد

الآن هوا مع العمال في الإسطبلات وسجني هنا مستحيل لأن

المطبخ في الأسفل , وقفت ولبست حجابي ونزلت بهدوء وتوجهت

للمطبخ فوجدت راضية وحدها هناك , دخلت وقلت مبتسمة

" صباح الخير "

التفتت لي وقالت " صباح النور وأخيرا غادرتِ غرفتك "

توجهت نحو الجانب الآخر وقلت " قتلني الملل واشتقت لحكاياتك "

ضحكت وقالت " إذا الملل أنزلك لي وليس الشوق "

فتحت فمي لأتحدث فسكت وأنا أرى الظل الذي عبر الباب دليل

أن أحدهم واقف أمامه الآن ثم جاء صوت رجولي قائلا

" هل جننتي يا روضة وبثي تحدثين نفسك "

ضحكت وقالت وهي منشغلة بما تفعل " ومن يعرفك ولا يجن يا معتوه "

كان الصوت ليس غريبا عني أو يشبه صوت أعرفه جيدا ويبدوا

صديق نواس الذي يعيش معه , قال ضاحكا

" هذا بسبب غيابي عنك أسبوعا كاملا "

قالت راضية وهي متجهة نحوي ومبتسمة تكمل الدور وكأني

غير موجودة " بل كان أجمل أسبوع عشته مع فتاة رقيقة وجميلة

ليس ثلاث رجال يحومون حولي كالنسور ويصيبونني بالغثيان "

سكت لوقت حتى ظننته غادر ثم قال " وكيف أحوال نواس مع زوجته "

صدمت لهذا السؤال وكيف يسأل عن أمر شخصي كهذا

قالت وهي تفتش في الخزانة " لا اعلم وليس لدي ما أقول "

قال بذات الضيق " سألتك اليوم فوق العشر مرات عنهما

وتتعمدي أن لا تجيبي "

وقفتْ ونظرت له بضيق ويدها وسط جسدها فقال بنفاذ صبر

" راضية للمرة الأخيرة أسالك هل يقسوا نواس على مي "

انفتحت عيناي من الصدمة لما سمعت , أقسم أنه ليس رجلا

غريبا ويعرفني أيضا , تحركت من مكاني وتقدمت حتى بات

الباب مقابلا لي وما أن وقعت عيناي على الواقف أمامه ينظر

لي بصدمة حتى قلت بصدمة أشد منه

" وليد !! "

************************************************** **

فتحت الباب فكان واقفا أمامه نظر لي مطولا بصمت ثم قال

" أخرجي للممر يا سما أريد التحدث معك قليلا "

خرجت ووقفت مستندة بالجدار وهوا أمامي وقلت بهدوء

" ما بك تبدوا مستاء هل أخطأت بشيء أزعجك مني "

نظر للجانب الآخر وتنفس بقوة ثم نظر لي وقال

" سما أنتي أمانة لدي سأعيدها لأهلها يوما ولا أتحكم بك ولا

بمصيرك فمهما طالت فترة بقاءك عندنا لن أزوجك حتى إن كان

هذا برغبتك , حتى أعيدك لأهلك والقرار حينها لك ولهم أو

تبلغين سنا يناسب للزواج فأتمنى أن لا تنزعجي من كلامي

هذا ولا تعتبريه يوما من الأيام تحكما بك "

فكرت في كلامه حين قال حتى إن كنت أنا ارغب بذلك , هل أنا

حقا أفكر في الزواج !! وبمن ؟ وهل سأفكر فيها يوما ؟ هل أقول

له الآن سأفعل ما تريد ويأتي اليوم الذي أخالفه وأناقض نفسي

بقيت انظر لعيناه بحيرة ولم أعرف ما أقول فتركته وتوجهت

جهة غرفتي في صمت فأمسك يدي وقال

" سما لا يكون جوابك الصمت "

التفت ناحيته وقلت " أنا الآن لا أفكر في كل هذا أبدا وعلينا أن

لا نستبق الأمور ونصنع مشكلة بلا داعي , سمعتكما أنت وخالتي

تتناقشان بحدة ولا أعلم عن ماذا لكني الآن علمت فلا أريد أن أكون

سببا في أي مشكلات أرجوك نزار ولا أريد أن أغضبك ولا أن

أعدك بشي قد أخلفه يوما لكني حقا لا أفكر في ذلك "

ترك يدي وقال مغادرا جهة غرفته " إذا لن نتحدث في هذا ثانيتا "

راقبته حتى دخل غرفته ثم عدت لغرفتي وأغلقت الباب وتوجهت

للسرير اتكأت عليه وبكيت ولا أعلم لما وعلى ماذا ! لم أبكي

هذه المرة عائلتي ولا مصيري بل كنت أبكي شيء لا أعلمه

وأشعر بألم غريب في قلبي يعتصره بشدة تكتم على صدري

ونمت ودموعي على وسادتي لم تجف بعد

في اليوم التالي استيقظت على صوت منبه الساعة فجلست أشعر

برأسي يؤلمني بشدة وقفت مغادرة السرير صليت الفجر ونزلت

لغرفة خالتي ببيجامة النوم , دخلت غرفتها فكانت تصلي الفجر

سلمت ونظرت لي وقالت " ما بك يا سما ما أنزلك الآن "

أمسكت رأسي وقلت " أشعر أن رأسي يؤلمني كثيرا "

نظرت لعيناي مطولا وقالت " وعيناك محمرتان ومتورمتان ماذا

قال لك نزار البارحة وأبكاك ؟ أجزم أن حديثا دار بينكما "

هززت رأسي بلا دون كلام فقالت بهدوء " وما أبكاك إذا "

أنزلت يدي من رأسي وقلت بحزن " أشعر بالضيق من ماذا لا أعلم "

ربتت بيدها على السرير وقالت " تعالي بنيتي اجلسي هنا "

توجهت ناحيتها وجلست بجانبها فأخرجت لي من كيس أدويتها

حبوبا وأخذت منهم واحدة وقالت " خدي هذا مسكن لآلام

الرأس , الماء بجانبك هناك خديها وستريحك "

أخذت الحبة منها وبلعتها بالماء وأعدت الكوب مكانه فضمتني لكتفها

لأتكئ عليه وقالت " ما يضايق صغيرتي الحبيبة لما لا تتكلم لترتاح "

قلت بحزن " بث أخاف فقد أشياء وتركها والابتعاد عنها وأكره

أنها ليست لي وأني لن أبقى لها ولا أفهم لما "

قالت بحنان " ستفهمين يوما فلا أحد يجهل طوال حياته لكن

بعض الأشياء يا سما الجهل فيها أفضل من العلم "

قلت بهدوء " وقد أرتاح إن فهمت أليس كذلك "

مسحت على شعري وقالت " ربما نعم وربما لا "

ابتعدت عن حضنها ونظرت لها فأمسكت يدي وقالت

" سما لا تترددي في سؤالي عن أي شيء بنيتي حسنا "

قلت مبتسمة بهمس " حسننا "

بادلتني الابتسامة فقلت بهدوء " ما سبب مرضك يا خالتي

ولما لا تستطيعين مغادرة السرير "

تنهدت وقالت " من سنين بدأ هذا المرض يتسلل لساقاي

في البداية كنت أشعر بآلام بسيطة تتعبني ومع الوقت أصبحت

تزداد وفي المدة الأخيرة باتت أي حركة بسيطة تتعبهم كثيرا ولا

أرتاح إلا وأنا جالسة أو نائمة لأني إن تحركت سأعاني الألم لساعات "

قلت بحيرة " أراك تذهبين للطبيب دائما لما لم تشفي "

قالت بحزن " بل ذهبت لأطباء ولم يترك نزار مكانا لم يأخذني

إليه ودفع أموال كثيرة على كشوفات وصور وتحاليل

وأدوية ولا فائدة سوى بالعملية "

قلت " ولما لا تجريها إذا "

هزت رأسها بيأس وقالت " العملية لا يمكن إجرائها إلا في ألمانيا

دولة طب العظام ولا يمكنني السفر سوى في طائرة طبية وخاصة

الرحلة وحدها تحتاج لثمن منزلنا وسيارة نزار هذا غير الطائرة

والعملية مبلغها فوق الخيالي وهذا غير السكن والطعام والأدوية

وبقائي في المستشفى يُدفع ثمنه كل ليلية بليلتها وقد تلزمني بعد

العملية تلك واحدة أخرى مماثلة لها لا يمكن تحديدها قبل إجراء

الأولى وإن تحددت ولم يجروها لي لن أتمكن من المشي

ما حييت وسأصاب بالشلل الدائم "

قلت بحزن " والحل خالتي هل ستبقي هكذا كل حياتك "

مسحت على وجهي بكفها الدافئ وقالت بحنان " نزار يجمع

المال منذ سنوات على أمل أن يجمع ثمن العملية وهوا يدرك

جيدا أنه لن يتمكن من جمعه فمنذ ازدادت حالتي سوءا في

السنوات الأخيرة وهو يعمل أي شيء ليوفر المال وكما تري

يخدمني ويخدم نفسه ويصرف على علاجي هنا والكشوفات

المستمرة كي لا تتقهقر حالتي أكثر من هذا والحمد

لله على كل حال "

وضعت يدي على يدها المحتضنة لخدي وقلت

" ولما لا يأخذ المال من أحدهم ثم يعيده إليه ؟ لما لا يساعده

صديقه الشرطي ذاك أليس لديه قصرا وأموال "

قالت بابتسامة " المبلغ كبير جدا لو حسبنا العملية الواحدة فكيف

بالاثنتين فممن سيستلفهم وجابر قصرهم من والده وأموال والده

ورث له وأخوته وأمه أما منصبه فيذر عليه مالا كثيرا لكن العملية

مكلفة ونزار لا يحب أن يمد يده لغيره ولا أنا أريد ذلك "

قلت بحيرة " ولكنك على هذا الحال ستبقي هكذا كل

عمرك فعليه أن يتنازل عن أفكاره "

تنهدت تنهيدة طويلة وقالت ونظرها للأسفل " منذ سنوات وفي

بداية مرضي حين كانت عملية واحدة تكفيني اعتمد نزار على

غيره واتفق وخطيبته رهام على أن يتزوجا وتبقى هي معي هنا

تعتني بي وتصرف علي وعلى المنزل وعلاجي حتى يكمل

هوا دراسته ويعود سريعا ليحصل على العمل الذي سيمكنه من

السفر بي بسرعة لكنها أوصلته لآخر نقطة حتى بات سفره

قريبا وتخلت عنه وتزوجت بغيره , كانت صدمة كبيرة له

الفتاة التي أحبها خدعته وخانته والتي أعتمد عليها ومد يده

لها طالبا مساعدتها رمت بيده على وجهه وأولته ظهرها فمن

المستحيل أن يعود نزار لمد يده لغيرها مهما كان

ومستحيل أوافقه أنا على هذا "

قلت بهدوء " يعني ليس نزار وحده من سيرفض أخد

المال من غيره بل وأنتي أيضا "

قالت بحزن " أعلم أني العقبة في طريق نزار عن تحقيق

كل أحلامه بأن يدرس ويصبح كما يريد وأن يكون له زوجة

وعائلة لكني كرهت أن تُجرح كرامته بسببي مجددا ولعل

موتي يكون قريبا ويرتاح مني "

حضنتها وقلت بدموع " لا خالتي لا تموتي أرجوك "

مسحت على شعري وقالت " البعض موته راحة للجميع

ولا تخافي فإن استثنيت ساقاي فصحتي كالجبل ولن أموت "

ابتعدت عن حضنها وقلت " ولما لا تأخذوا الأموال التي

في القبو أقسم أني لا أحتاجها ولا أريدها "

قالت بابتسامة " أعلم أنك ستفكرين في هذا , إن سمع منك نزار

هذا الكلام فسيغضب وأعرفك لا تريدين إغضابه أبدا "

قلت " أقنعيه أنتي إذا "

تنهدت وقالت " سما أخبرتك أن الماضي لن نكرره مجددا "

فتحت فمي لأتحدث فقالت بابتسامة " كيف تشعرين الآن "

هززت رأسي وقلت " أفضل بكثير "

قالت " عودي للنوم الآن ما يزال أمامك ساعتين قبل وقت المدرسة "

ابتسمت لها وقبلت خدها وغادرت صاعدة لغرفتي

*
*
رفعت سجادة الباب فوجدت المفتاح لا يزال تحتها فمنذ عادت تلك

الفتاة لدراستها أعاده نزار هنا لأن والدته تبقى وحدها صباحا

فتحت الباب ودخلت بهدوء وصلت لغرفة الخالة فكانت نائمة , جيد

ستكون فرصتي , صعدت السلالم وتوجهت لغرفة الفتاة فنزار لديه

ثلاث حصص متتالية اليوم والفتاة لن تعود قبل الظهيرة

دخلت الغرفة كانت مرتبة وكأنه لا يعيش فيها أحد عكس

غرفة هيام شقيقتي التي في سنها فبعد مغادرتها للمدرسة تكون

وكأن إعصارا مر عليها , اقتربت من الخزانة وفتحتها فكانت

لا تقل ترتيبا عن الغرفة حتى خفت أن أحرك شيئا من مكانه

وتكتشفني , نزلت للدرج الموجود داخلها في الأسفل وفتحته

ففوجئت بالحلي الذهبي الكثير فيها , من أين لها كل هذا !!

نظرت لآخر الدرج كان هناك برواز مقلوب لصورة متوسطة

الحجم , أخرجتها وقلبتها فكانت لسيدة رائعة الجمال ورجل

يبدوا زوجها وفتى صغير وسما في سن يبدوا العاشرة أو الحادية

عشر , هم عائلتها بالتأكيد فأين يكونون ! مؤكد ميتين ولكن كيف

ماتوا جميعهم وهي لا ؟ أعدت الصورة وأغلقت الدرج والخزانة

وتوجهت لمكتب الدراسة الخاص بها فتحت الأدراج وفتشت بين

الكتب ولا شيء سوى خط نزار في حل بعض المسائل وبعض

الملاحظات على مسائل هي من حلها فقط ولا غير فيبدوا أنه

يدرسها وليس كثيرا فما فهته من هيام أنها شديدة الذكاء فلن

تحتاجه إلا قليلا ويبدوا لا تتعمد فعل ذلك فقط ليشرح لها

هذه المرة لم أجد شيئا لكنها لن تكون الأخيرة بالتأكيد , خرجت

من غرفتها وتوجهت لغرفة نزار فتحتها ودخلت كانت أيضا مرتبة

أكثر من العادة ويبدوا أنها ترتب غرفته أيضا , فتحت خزانته

وكانت وكأنها خزانة في فندق من العناية حتى في ترتيب الفوط

والملابس الداخلية , مؤكد والدته لن تفوت فتاة مثلها على ابنها ولا

هوا أيضا وهوا يرى كل هذا مجتمع فيها وسيعتاد وجودها ونظامها

العالي الدقة , أغلقت الخزانة وخرجت بمزاج سيء جدا نزلت

للأسفل ودخلت غرفة والدته فوجدتها مستيقظة , نظرت لي

وقالت بابتسامة " مرحبا يا دعاء كيف لم أشعر بدخولك "

اقتربت منها وقلت مبتسمة " دخلت منذ قليل ووجدتك نائمة

فمررت بالمطبخ لأرى ما يمكنني إعداده لكم "

قالت بابتسامة " سما تطهوا الطعام قبل أن تذهب "

جلست وقلت " ولما تتعب نفسها من الصباح الباكر "

جلست وقالت " لا تريد أن يقوم نزار بذلك فإن لم يجد الغداء

جاهزا بالتأكيد سيعده هوا لأنها لا تعود قبل الواحدة ظهرا "

قلت " أين كانت تعيش سما قبل مجيئها هنا "

قالت من فورها " في مدينة أهل زوجي , توفيت عائلته في

حادث وليس لديها غيرنا حتى يعود أهل والدها من الخارج "

هززت رأسي بحسنا ولم أعلق على كلامها , إذا ثمة ما يخفونه

فكيف تكون الفتاة من مدينة أهل زوجها وكانت تدرس هنا

منذ حوالي بداية العام , لو لم تخبرني هيام شقيقتي أن نزار

عرف اسمها وذكائها من أول حصة له معهم لشككت أنها ليست

قريبته من أساسه , قالت بهدوء " كيف هم شقيقتاك ووالدتك "

قلت " بخير جميعهم الفتاتان مع والدهما منذ يومين "

قالت بحنان " جيد أنه لم يحرم والدتك منهما فكم من

أمهات حرموا من أبنائهم بسبب الطلاق "

قلت بهدوء " كانتا صغيرتان وقتها وهوا يفكر بالطبع في

الزواج من أخرى فالحل الأنسب أمامه تركهما لها

ليعيش حياته كما يريد "

ثم وقفت وقلت " هل تحتاجين شيئا أفعله لك يا خالة "

قالت مبتسمة " شكرا لك يا ابنتي سما قامت بالواجب قبل ذهابها "

هززت رأسي بحسنا مبتسمة وخرجت , سما هذه لم تترك شيئا

لغيرها ورهام تبدوا لا تقيم لها وزنا ولا تفكر في أن تبعدها

عنه ولكن هدوئها غريب ولابد تعد لشيء قريبا

*
*
" سما كم جمعتِ حتى الآن "

فتحت حقيبتي وأخرجت النقود عددتهم وقلت

" خمس وعشرون "

قالت " وأنا معي عشرون هيا نذهب لمروى لنرى ما لديها "

قلت بيأس " ألم تقولي أن أشيائها مرتفعة الثمن ونادرة أي

لن نشتري شيء سوى الحسرة وعليا جمع مبلغ قبل

ثلاث أيام لأشتري هدية منها "

سحبتني من يدي وقالت " لن يكون أمامك وقت عليك شرائها من

الآن افرضي أن مروى غابت حينها فهي تغيب كثيرا

ولم يتبقى أمامك سوى الغد "

سرت أتبعها وقلت " وريحان ألن نخبرها لتأتي معنا "

وقفت والتفتت إليا وقالت " تلك الجشعة إن رأت النقود

فلن تخرج صفر اليدين , بسرعة قبل أن تدركنا "

لفتْ بي المدرسة كثيرا وسألت فتيات كثر عنها حتى وجدناها

وما أن رأتها حتى قالت " بتول أين أنتي لم تزوريني من مدة "

قالت بتول بضحكة " وجدت مكانا غيرك أسكب عنده

نقودي , هيا أرنا ما لديك "

وقفت وقالت " اتبعاني إذا "

دخلنا خلفها لمبنى المدرسة ثم لفصلها وأخرجت كيسا كبيرا

وآخر صغير وبدأت تُخرج أشياء كانت بالفعل ناذرة وجميلة

وكأنها تذكارات جمعت من دول مختلفة , لفت نظري مجسم

لمبنى وكأنه مصنع أو شركة كل شيء فيه صغير جدا وحتى

السيارات في الخارج والأشجار وأدق التفاصيل , قاعدته خشبية

ومغطى بالزجاج وشكله كله مستطيل , رفعته وقلت

" هذا رائع كهدية "

ستكون أفضل هدية له في عيد ميلاده فما عرفته من خالتي

أنه بعد ثلاث أيام , نزار مهندس وهذه ستعجبه بالتأكيد

قالت الفتاة من فورها " هذه بمئة "

نظرت لها بصدمة وقلت " ماذا مئة !! "

قالت " نعم ألا تريها خذي هذه بخمسين "

قلت " ولكني أريد هذه "

رفعت كتفيها وقالت " هذا ثمنها وهناك فتاة تريدها فإن

أتت اليوم لن تجديها "

قالت بتول " هيه مروى اتركينا من حركات السماسرة أنتي

رأيت أنها أعجبتها فزدت السعر وقصة الفتاة ملفقة "

أخذتها من يداي وقالت " إذا اذهبا في حال سبيلكما "

قلت بحسرة " ولكني أريدها حقا "

قالت ببرود " مئة أو لن أبيع "

قالت بتول بضيق " وهل تضنينا برواتبنا لنعطيك مئة "

ضحكت وقالت " إن كنتي أنتي ووالدك لديه المال تقولين هذا

فما سيقول غيرك واذهبي وابحثي عن مثل هذا الجسم في الأسواق

ولن تجديه بأقل من 500 وأتحداك أن تجديه بأقل من ذلك "

قالت بتول ببرود " هذا لأنه بضائع صينية تقليد عن الأصل "

رمت بيدها وقالت " المهم لن تجدي مثيلا لها "

نظرت لبتول وقلت بحزن " أريده فما الحل "

حسبت بأصابعها وقالت " ما لدينا كلينا خمس وأربعون

فقط أي أقل حتى من نصف المبلغ "

خرجت قبلها ووقفت في الممر فخرجت ووقفت

بجانبي وقالت " لابد وأن نجد حلا "

مستحيل حتى القبو سنزوره نهاية الأسبوع ولا أمل في

الحصول عليها , نظرت لها وقلت " قد تبيعه وأنا لا أريد

غير ذاك المجسم , هوا سيكون الهدية المناسبة "

شدتني من يدي عائدة بي للفصل وهي تقول

" لا تقلقي لن يكون إلا لك "

دخلنا وكانت المدعوة مروى تجمع أشيائها فقالت بتول

" اسمعي سنشتريه معنا خمس وأربعون وسأحضر لك الباقي غدا "

نظرت لنا وقالت " لا أحضري المبلغ أولا "

وضعت بتول يداها في وسطها وقالت " مروى تعرفين أنني لا

أكذب ولا أسرق وأتعامل معك منذ وقت طويل وقد تغيبي في

الغد ونريد المجسم كهدية ولا وقت لدينا لننتظرك "

قالت " نعم في الغد لن نكون هنا سنزور جدتي ولن

نعود قبل الجمعة "

قالت بتول " والحل إذا "

نظرت لنا مطولا ثم قالت " خمس وخمسون كثير قد لا تأتيني بها "

خلعت بتول سلسالها من رقبتها ومدته لها قائلة " هذا سيبقى لديك حتى

آتيك بالمال ولا تجربي خداعي وتنكريه لأني سأفضح أمرك وبالدليل "

أخذته منها وقالت " لا تخافي سأعيده لك ما أن تأتيني بالمبلغ "

ثم أخرجت لنا المجسم وناولتني إياه فأخذته منها وقالت بتول

" هيا نخبئه في حقيبتك لن نخرج به "

نظرت له وقلت بحيرة " وأين سنخبئه ولا كيس لدينا "

فتحت حقيبتها وقالت " افتحي حقيبتك وأخرجي كتبك وضعيها

عندي أتركي الأشياء المهمة فقط وفي الغد سأحضرهم لك

ونضع المجسم في حقيبتك "

أخرجت أغلب الكتب ودسسنا المجسم في حقيبتي بصعوبة

وقلت " كيف تحضر هذا الكيس الضخم يوميا "

ضحكت وقالت " بل تتركه هنا وتغادر آخر واحدة وتأتي

صباحا الأولى وإن غابت صديقتها تتكفل بالمهمة "

قلت ونحن نخرج من الفصل

" ماذا إن أمسكوا بها , هذه مخاطرة كبيرة "

قالت بلامبالاة " حتى المعلمات في المدرسة يعلمون عنها

ويشترون منها أيضا وحده المدير من لا يعلم "

قلت " بضاعتها كلها جميلة ومميزة جدا "

وقفت ونظرت لي وقالت " نعم فشقيقها يتعامل مع تاجر يحضر له

هذه البضائع المقلدة من الصين وهم يبيعونها له ويحصلون على نسبة "

قلت بابتسامة " شكرا لك يا بتول وسأعيد لك المبلغ قريبا "

قالت " لا تهتمي للأمر "

قلت وقد عدنا للسير " ومن أين ستأتي بالمال نحن نجمعه

منذ أيام ولم نأتي بنصف ثمنها "

قالت " سأتدبر أمري أمامي حتى يوم السبت لآتيها به

وسأطلب من والدي أن يعطيه لي "

حضنت الحقيبة وقلت " حمدا لله أننا حصلنا عليه لو تركنا

الأمر للغد ما وجدناها "

وصلت حينها ريحان جهتنا وقالت

" أين أنتما يا محتالتان لففت المدرسة ولم أجدكما "

قالت بتول " وما تفعليه بنا لما لا تفارقينا لحظة "

قالت بضيق ويدها وسطها " بعتني يا بتول "

ضحكت بتول وحضنتها وقالت

" كيف أبيع الريحان من سيشتري مني بضاعة فاسدة "

دفعتها بعيدا عنها وقالت ضاحكة " نعم جئتِ تصلحين الأمر فأفسدته "

خرجنا بعدها للخارج وجلسنا وقالت ريحان

" كم جمعتما حتى الآن يا بخيلتان "

ضحكت بتول وقالت " لا شيء وعلينا دين أيضا "

ضحكت أنا وقالت ريحان بصدمة " كنتم عند مروى إذا "

قالت بتول ببرود " نعم بالتأكيد "

ضحكت ريحان وقالت " هل تذكري المحفظة التي اشتريتها منها الشهر

الماضي وأهديتها لمصطفى وانبهر بها وقال أنها باهظة الثمن "

قالت بتول " ما بها نعم اذكرها "

عادت للضحك وقالت " تمزقت بعد يومين "

ضحكنا كثيرا رغم أني لا أفهم الحكاية جيدا ثم قلت

" وهل هوا شقيقك "

هزت رأسها بلا وقالت " هوا لا يقرب لي هوا ابن الجيران "

قالت بتول بابتسامة جانبية " تقول صديقي لكنه حبيبها "

نظرت لها بصدمة ما الصديق في الرجال وما الحبيب !! إن سألت

ستضحكان علي , قالت ريحان " بلى صديقي أنا لا أحبه أحب ابن خالي "

قالت بتول " وصديقك تقدمين له الهدايا وابن خالك يعيش في

الجنوب لا تريه سوا مرة في العام وقااااال لك سأتزوجك

ما أن أتخرج وهوا يعيد السنة مرتين "

وضعت ريحان يداها وسط جسدها وقالت " مصطفى صديق

طفولتي أنا لا أحبه هوا يقدم لي الهدايا دائما فاشتريت له مرة

هدية وابن خالي يحبني حقا والجميع في عائلتينا يعلم فأرني

أنتي ما يكون ابن عمك الذي يسخر منك طوال الوقت "

ضحكت بتول وقالت " ابن عمي لا صديقي ولا أحبه والحب

يكون بعد الزواج غيره تخاريف يستغل بها الشباب عقول

الفتيات ليأخذوا منهن ما يريدون "

قلت باستغراب " هل يسرقون أموالهم !! "

ضحكتا عليا كثيرا فوقفت وقلت بضيق " وما قلته مضحك "

قالت ريحان بضحكة " معدومة ما سيسرقون منك إنهم يأخذون ..... "

وقفت حينها بتول وقالت " وقت المغادرة بسرعة حافلتنا جاءت

وأنتي يا سما مؤكد قريبك في الخارج "

خرجنا وريحان تقول " سما ألا تفكرون في إيصالي لمنزلنا

أود أن أسمع صوت قريبك "

ضحكتُ وقالت بتول ضاحكة " قَرَبك عقرب وأنتي نائمة , ما

تفعلين به ولديك الصديق والحبيب أم تكذبين علينا "

تجاهلتنا وسبقتنا قائلة " غبيتان ولا تعرفان قيمتي أقاربي كلهم

يموتون علي وأنا أرفضهم "

توجهت هي وبتول تضحك عليها جهة حافلتهما وودعتهم ملوحة بيدي

وتوجهت لسيارة نزار وركبتها وانطلق قائلا " يبدوا الوضع هنا

أفضل من مدرستك السابقة "

قلت بابتسامة " نعم أنا أحببت الجميع هنا "

قال مبتسما " هذا جيد "

وبعدها لذنا بالصمت حتى وصلنا المنزل نزلت وصعدت لغرفتي

من فوري وأغلقتها خلفي أخرجت المجسم ولمعت زجاجه ثم

وضعته في الخزانة وخبأته تحت ثيابي , سيكون مفاجئة له

وأتمنى أن يعجبه , استحممت سريعا وغيرت ثيابي ونزلت

للمطبخ لأكمل إعداد الغداء وفتحت القدر لتشلني الصدمة

*
*
دخلت غرفة والدتي على رنين رسالة في هاتفي أخرجته

وفتحتها فكانت من ذات الرقم وفيها ( لا يموت ماضي

الإنسان إلا بموته ) غريب من هذا الذي يرسل كل هذه

الرسائل التي تتحدث عن الماضي والذكريات يبدوا شخصا

أخطأ في رقمي أو قد يكون يعرفني ويريد أن يصنع مقلبا لي

جلست على الأريكة أقلب الرسائل التي وصلت منه خلال

كل هذه الأيام فوقفت سما عند الباب وقالت " من سكب الزيت

في قدر الأرز وفي صينية البطاطا المحمرة واللحم "

نظرت لها باستغراب وقلت " لم يمسسها أحد "

قالت أمي " قد تكونين أكترثِ الزيت فيه وحين برد ظهر أنه كثير "

قالت باستياء " مستحيل ليست المرة الأولى التي أعده فيها

وبرد قبل أن أذهب ... كيف حدث هذا "

نظرت لأمي وهي نظرت لي , أعرف سما جيدا كل شيء إلا

طعامها الذي تطبخه ولن تمر هذه المسألة على خير

وقفت وقلت " لا بأس سأجلب شيئا من الخارج لنتناوله "

ثم وقفت مصدوما حين نزلت دموعها وقالت ببكاء

" أقسم لم أكثر الزيت بل هناك من سكبه "

قلت بهدوء " حسنا سما لا مشكلة "

ثم نظرت لأمي لتنقد الوضع لأن دموعها لم تتوقف وهي

تمسحها باستمرار بكم بيجامتها فقالت أمي " لا بأس بنيتي كل

يوم تطبخين الطعام لذيذا لن يحدث شيء إن خرب مرة "

ضربت جبهتي بيدي لقد أفسدت الأمر بدلا من إصلاحه , خرجت

سما راكضة وصعدت للأعلى ومؤكد لتكمل بكائها في غرفتها

نظرت جهة أمي وقلت " أردت أن تنقدي الوضع لا أن تأزميه "

قالت بضيق " وما قلته أزم ويؤزم هوا متأزم من يومه "

تأففت وخرجت توجهت للمطبخ وفتحت القدر وحركته جانبا

لأرى الزيت , كان زيتا نقيا أنا اطبخ لي ولوالدتي منذ سنوات

وأعرف الزيت المستعمل من النظيف , فتحت الفرن وأخرجت

صينية البطاطا واللحم وكان الزيت فيها متجمعا في بقع ولونه

صاف أيضا ولم يؤثر به احمرار الطماطم , غريب أنا

لم ألمسه وأمي لا تغادر السرير ولن تفعلها بالتأكيد

خرجت عائدا لغرفتها وقفت عند الباب وقلت " الزيت بالفعل

مسكوب عليه وليس ناضجا معه , هل زارك أحد "

فكرت قليلا ثم نظرت لي ولاذت بالصمت فقلت

" أمي لما كل هذا القدر من التفكير "

تنهدت وقالت " غيرة نساء بني لا تكترث للأمر "

نظرت لها باستغراب وقلت " لم أفهم ما تقصدين "

قالت " لا يهم اذهب لها وتحدث معها فأنت تعلم بحالتي

ولا يمكنني الصعود "

رفعت يداي وقلت " أنتي تعرفينها إن تعلق الأمر بطعامها

الذي تعده , لن أزيد الأمر إلا سوءا إن تكلمت "

قالت بهدوء " حاول بني لن تسوء أكثر من هذا هي تحترمك كثيرا "

تنهدت وقلت مغادرا " سأحاول رغم أني سأفشل بالتأكيد "

أوقفني صوتها منادية لي فنظرت لها فقالت

" لا تترك المفتاح تحت دواسة الباب ثانيتا "

نظرت لها بحيرة ثم قلت " مستحيل أمي أنتي وحدك هنا صباحا "

قالت " لا تفكر بي مادام يوجد اختراع اسمه هواتف ثم سما لا تترك

شيئا لا تفعله لي قبل أن تذهب حتى أنها تفصل جميع الكهربائيات

تحسبا لأي خطر فلا تترك المفتاح "

قلت بعد صمت " هل تقصدين أن ثمة من دخل وفعل بالطعام ما فعل "

قالت بهدوء " لا أعلم "

غادرت من عندها وصعدت للأعلى , أمي يبدوا تعلم شيئا ولا

تريد أن تقول , من يعرفون مكان المفتاح هم جابر وعوني وزوجته

ودعاء وانتصار جارتنا والسيد خليل جارنا لأني أوصيهم يمروا

بوالدتي من وقت لآخر , فمن له المصلحة أو سيفكر في فعلها

يا ترى ! ومن هذا الغبي لهذه الدرجة ليفوته أننا سنكتشف الأمر

طرقت باب غرفتها عدة طرقات ولم تجب فطرقت أكثر ففتحت

الباب وعيناها حمراوان من شدة البكاء ووجنتاها مشتعلتان من

الاحمرار فقلت بعتب " سما لما كل هذا لقد أقلقتِ والدتي عليك

متأكد أنك لا تخطئين في مقادير الطعام "

قالت بحزن " من فعل هذا إذا "

رفعت كتفاي وقلت " لا أعلم وكثر يعرفون مكان المفتاح في

الخارج ولن نظن بأحد وقد يكون بريئا "

نظرت لعيناي مطولا بصمت ثم قالت " دعاء تعرف ؟؟ "

قلت بحيرة " نعم فهي تزور والدتي "

قالت مغادرة الغرفة وماره من أمامي " إذا هي "

بقيت أنظر لها مصدوما ثم نزلت خلفها وأنا أقول

" لا تظني يا سما قد يكون ظنك سوءا "

لم تتكلم ولم تضف حرفا واحدا وتوجهت من فورها للمطبخ فتبعتها وقلت

" سأحضر طعاما من الخارج أنتي متعبة ولا وقت لتطبخي "

حركت الأرز بالملعقة وقالت ودموعها عادت للنزول

" انظر يا نزار ضاع تعبي كله "

تنهدت وقلت " لن اترك المفتاح لأحد ثانيتا لا تقلقي "

نظرت لي وقالت " أحدهم دخل غرفتي "

قلت بصدمة " ماذا تعني !!! "

مسحت دموعها وقالت

" أعني أن من سكب الزيت هنا دخل للغرفة أيضا "

قلت والصدمة لم تفارقني " أمتأكدة من ذلك "

هزت رأسها بنعم وقالت " بلى وكل التأكيد لقد فتش في كتبي

وأدراج مكتبي ولم يسرق من حليي أي شيء "

قلت بصدمة " وكيف علمتِ "

قالت وهي تشير بيديها كصفوف " أنا أرتب كتبي دائما ترتيبا

معينا كي أدرس فيها تباعا بالأهم في اليوم التالي وأفعل هذا

كل ليلة ووجدت أمكنة الكتب متغيرة "

قلت بحيرة " من يكون !! "

لاذت بالصمت مشيحة بوجهها فقلت " سما لما شككتِ بدعاء تحديدا "

رفعت نظرها لي وقالت " لأنها لا تحبني "

قلت بحيرة " دعاء فتاة طيبة نعرفها من وقت طويل لم تكن سيئة يوما "

امتلأت عيناها بالدموع وقالت " إذا أنا السيئة وأكذب أيضا "

قلت من فوري " أبدا لم أقصد ذلك "

قالت بأسى " بلى قصدت ذلك هي تعنيك أكثر مني ولا تصدقني "

تنهدت وقلت " سما لما هذا الكلام أنتي تعلمين جيدا كم أحترمك

وأقدرك ولن أطيل في الشرح فأنتي تعرفين ذلك "

غادرت من أمامي وخرجت من المطبخ وقد عادت للبكاء فهززت

رأسي بيأس , كم هوا صعب التعامل مع المراهقات

خرجت من المنزل وتوجهت لأحد المطاعم أخذت لنا غداء

وعدت , دخلت بالأكياس وتوجهت لغرفة والدتي وضعت

الأكياس على الطاولة وقلت " أين سما "

رفعت كتفيها وقالت " لم أرها منذ خرجت أول مرة "

تنهدت وقلت " يبدوا بالفعل دخل أحد للمنزل وفتش غرفة سما أيضا "

قالت بصدمة " وصلت الأمور لهنا "

نظرت لها باستغراب ثم تذكرت كلامها السابق عن غيرة النساء

وكلام سما فقلت " دعاء إذا "

ضحكت ضحكة صغيرة فنظرت لها باستغراب وقلت

" وهل بالأمر ما يضحك "

عادت للضحك وقالت " أخشى أن نصل لمرحلة الشجار بالأيدي "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت " أمي كم تحبين التسلي بي حين

تتاح لك الفرصة فلا تنسي أن دعاء ليست صغيرة وسما بعقل

كبير ولا تهتم لأمري بحيث تتشاجر معها "

قالت بابتسامة " اذهب لها لتأتي وتأكل معنا أعان الله ساقيك

اليوم على كثرة الصعود والنزول "

نظرت لها نظرة ضيق وتركتها وصعدت من جديد طرقت الباب

وقلت " سما أنا لا أكذبك صدقيني ولن أترك المفتاح لها ولا

لغيرها وسأعطيك مفتاح غرفتك أيضا "

لم تجب فقلت " سما إن لم تنزلي لتأكلي معنا فلن آكل أنا أيضا ولا أمي "

فتحت حينها الباب وخرجت

************************************************** **
فتحت عيناي ووجدت نفسي في حضنه فأبعدت يده لأغادر السرير

لو كنت أعلم أنني سأتزوج به للعبت رياضة رفع الأثقال لعام كامل

توجهت للحمام على صوت رنين هاتفه وتعثرت بشيء نظرت

للأسفل فكان قميص النوم فرميته بعيدا وأكملت سيري , لا اعلم ما

نفعه من أساسه , دخلت الحمام واستحممت ثم خرجت فكان غير

موجود لا في السرير ولا الغرفة , نظرت للساعة فكانت الثامنة

فتحت عيناي جيدا ولم يتغير مكان العقرب , انفتح الباب حينها ودخل

منه بالمنشفة على خصره وشعره يقطر بالمياه , فتح الخزانة بقوة وقال

بضيق " النساء لا يأتي من ورائكن خير أبدا حتى الثامنة لأستيقظ "

ثم تابع وهوا يرمي ملابس داخلية أخرجها " صدق من قال تنومن

التنين وتأخذن شعرة من رأسه ولا يستيقظ "

شعرت بالغيظ الشديد وعيناي بدأتا تضيقان شيئا فشيئا , من الذي

قال لي بالأمس لا أجدك نائمة حين أعود ثم هوا يستيقظ كل صباح

كالديك على موعده ودون منبه , وهل يعلم أنه هوا التنين في كلامه

تمالكت نفسي وكتمت غيضي محاولة تهدئة أعصابي لأني إن تكلمت

ستكون النتيجة شجارا أكيدا لكن حقي سآخذه منك يا ابن الصخرة

جفف شعره بسرعة وبدأ بلبس ملابسه فتوجهت لبدلته دون كلام أزلتها

من علاقتها فأخذ البنطلون من يدي ولبسه فمددت له القميص أخذه

لبسه أيضا وأغلق أزراره ورفع ياقته فأخذت ربطة العنق ولففتها

حول عنقه وربطتها له بعدما أعطيته السترة وبدأ بلبسها , ربطتها بخفة

لتعودي على ذلك ففي المصنع الذي كنت أعمل فيه كنت في قسم

تجهيز الملابس المكوية قبل أن أصبح في قسم التطريز وكنت أربط

فوق مئة ربطة عنق يوميا وبسرعة وخفة من كثرة ما أربطها

أنهيت ربطها وهوا يغلق أزرار السترة فكانت الأولى من الأعلى

فقط التي لم يغلقها فمددت أصبعي لها وأغلقتها قبله ثم مررت

يدي ماسحة بها على ربطة عنقه الزرقاء الغامقة وصولا للسترة

التي تأخذ نفس اللون تحتضن ربطة العنق وصدره العريض وقلت

بشبه همس ونظر على يدي " استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه "

ثم ابتعدت من أمامه دون أن أنظر لوجهه وعينيه وجلست عند

طاولة التزيين وبدأت في تمشيط شعري الرطب لأجففه وأنا أتابع

حركته في الغرفة وهوا يأخذ حدائه وجلس على طرف السرير يلبسه

أنهى ربط خيوطه بإحكام وعدل بنطاله عليه ثم وقف ولبس حزام

سلاحه وتبثه ثم قال " لن أعود عند الغداء لا تنتظروني "

التفت له ووقعت عيني في عينه دون كلام فقال مغادرا

" لدي قضية في الجنوب وسأعود متأخرا "

ثم غادر من فوره مسرعا بخطواته الثقيلة على أرضية الجناح

ولم أسمع بعدها سوى صوت السيارات التي تغادر مسرعة خارجة من

القصر , تنفست بارتياح وارتسمت شبه ابتسامة على شفتاي , في المرة

الماضية اتصل بمنزل الحرس في القصر ليخبرهم أنه لن يأتي للغداء

فاتصلوا بمنزل الخادمات رغم أنه كاليوم ورده الاتصال أمامي وخرج

من عندي ولم يعلمني أو يهتم بإخباري , لا وقال أيضا أين تكون قضيته فلم

يهمشني كالسابق , جففت شعري وأنهيته بعد وقت على صوت طرقات

خفيفة ومتقطعة على باب الغرفة فابتسمت بحب , ها هوا زائر كل

صباح قد جاء , قلت بذات ابتسامتي " تعالي حبيبتي "

انفتح الباب لتظهر الواقفة خلفه على رؤوس أصابعها ممسكة

بالمقبض لتفتحه فمددت يداي لها وقلت " تعالي يا قزمتي الحبيبة "

ركضت جهتي واحتضنتني قائلة " صباح الخير ماما "

قبلت خدها عدة قبلات وقلت " صباح النور يا قلب ماما

يبدوا ورثي من والدك الاستيقاظ مبكرا "

قالت وهي متعلقة بحضني ورأسها ينام على صدري

"أحبك ماما رائحتك جميلة "

شددتها لحضني أكثر وقلت " وأنا أحبك يا ملاكي "

ثم أبعدتها عن حضني وتوجهت جهة قميص النوم ورميته في غرفة

الملابس قبل أن تراه وأكون في سيل من الأسئلة , توجهتْ جهة

السرير صعدت عليه وقالت " سريرك مرتفع ماما هل أقفز عليه أرجوك "

نظرت لها ثم وقفت وقلت " لا بنيتي أنتي تري الأعمدة في زواياه

ستضربين إحداها حينها "

توجهت لغرفة الملابس ولبست فستانا زيتي اللون قصير قليلا وبأكمام

قصيرة وخرجت ألف شعري على صوت شهقة ترف , نظرت للسرير

فكانت منحنية جهة الجانب الآخر وتنظر للأرض ثم رفعت جسدها

والتفتت إلي وقالت مشيرة بإصبعها هناك " أنظري لملابس بابا هنا "

شعرت بعروقي جفت وتيبس لساني , كيف نسيتها ! ما هذا المأزق

توجهت نحوها حملتها من السرير وقلت

" هذا لأنه غير ثيابه هنا , هيا لنخرج بسرعة يكفيك هذا "

قالت بحيرة " وكيف يغير ثيابه عندك "

ضربت جبهتي بيدي ألم أجد غير هذا الجواب

أنزلتها ونحن نخرج من الجناح وقلت

" كان مستعجلا فغيرها هناك ويكفي يا ترف "

نظرت لي للأعلى وقالت

" لما لم تكوني تنامين مع والدي قبلا والآن بلى "

وضعت يدي وسط جسدي وقلت بضيق " ترف كفي عن هذه الأسئلة

فلأعيش معكم هنا ونكون سويا عليا أن أنام مع والدكم فهمتي "

هزت رأسها بنعم فأمسكت يدها وسرت بها نازلتان للأسفل

وصلت ووجدت الصالون تغير مكانه فابتسمت ابتسامة انتصار

مرت إحدى الخادمات فأوقفتها قائلة " من غير مكانه "

قالت " أوامر السيد جابر سيدتي "

قلت بابتسامة " يمكنك الذهاب لعملك "

رائع ستأكل الوسواس رأس تلك العجوز , أنا تقول عني أمام ضيفتها

أني يتيمة رأف جابر بحالها لأنها تحب الأولاد , سأريك أي رأفة هذه

إن لم أجعله كما أريد أنا وأكسر أنفك الذي ترفعينه به أمام الناس

دخلت المطبخ ووجدت الخادمات على قدم وساق نظرت لهم وقلت

" ماذا هناك "

قالت إحداهن وهي منشغلة بما تفعل

" السيدة الكبيرة لديها عزيمة بعد العصر "

هززت رأسي بحسنا على صوت ترف تقول

" ماما ألن نعد شطيرتنا المفضلة "

قلت " لا حبيبتي لا نريد أن نربكهم "

وقفت إحداهن وقالت " يمكنك فعل ما تريدين سيدتي "

قلت بابتسامة " أكملن عملكن لن أضايقكن وأعرف ترف

وفوضتها جيدا , أخبروا سيلا تنظف جناحي وأحضروا

لنا الإفطار في غرفة الأطفال "

قالت من فورها " حاضر سيدتي "

خرجت من هناك وعدت وترف للأعلى , كم رائع هذا العالم

من يصدق يا أرجوان أن خدم هذا القصر سيصبحون تحت إمرتك

أعلم أن والدته لن ترتاح حتى تنتشلني من هنا وتحضر ابنة راضية

التي تذكرها أمامي عمدا لكن لن أكون أرجوان إن حدث ذلك

توجهت لغرفة الفتاتين دخلتها واقتربت من السرير وأجلست النائمة

عليه وقلت " بيسان هيا حبيبتي ستتأخرين على المدرسة "

فركت عيناها ثم عادت مرتمية عل السرير فقلت بتذمر

" بيسان هيا انهضي "

قالت وعناها مغمضتان " لما لا نغيب يوما واحدا ماما واحدا فقط "

ابتسمت وقلت " لديك يومي إجازة يا كسولة ثم انظري

لوالدك الذي لا إجازة لديه "

لم تجبني ولا اعلم إن عادت للنوم أم لا , شعرت بشيء يشد فستاني

فنظرت جانبا فكانت ترف وقالت بهمس " هيا ندغدغها "

ابتسمت وهي تضحك مخبئة فمها بيدها الصغيرة فغمزت

لها جهة بيسان وقلت بهمس " هيا "

قفزت ترف على السرير وبدأنا بدغدغتها وهي تضحك بهستيرية

كانت تمثل النوم إذا هذه المحتالة , أوقفتها خارج السرير وقلت

" للحمام بسرعة سأوقظ أمجد وآتي إليك "

توجهت نحوه تتثاءب وخرجت من الغرفة وترف تتبعني

قائلة " ندغدغه أيضا ماما حسنا "

فتحت الباب وقلت مبتسمة " ضاعت منك الفرصة ها هوا مستيقظ "

نظر لي وقال وهوا يحك شعره الكثيف

" حلمت بالمدرسة سقطت لنتأكد منها أولا "

ضحكت وقلت " حلمت بهذا كثيرا في سنك ولم يحدث

هيا بني للحمام بسرعة ستتأخران ويوبخانكم "

غادر السرير ودخل الحمام فقلت بصوت مرتفع

" أمجد أغسل أسنانك بني لا تنسى "

ثم نظرت لترف وقلت " وأنتي يا مشاغبة سنتناول الفطور ثم ندرس "

حركت إصبعها الصغير بلا أمام وجهها دون كلام فضحكت ونزلت

لها حضنتها وقلت " بلى حبيبتي أقسم أن تدرسي اليوم لتكوني ذكية كأخويك "

*
*

" لقد أنهينا كل شيء سيدي "

قلت وأنا أقلب الأوراق الملطخة بالدماء بين يداي

" هل وصل العقيد أسعد "

قال من فوره " ها هوا قادم من هناك "

التفت له فوصل عندي وقال بنفس متقطع

" ما هذا بحق الله وكأن الجدران مطلية بالدماء "

قلت بضيق " لو رأيت الجثتين لما استغربت هذا "

تنفس بقوة وقال " نفس الجريمة والأدلة ممسوحة من

مسرح الجريمة بالتأكيد "

رميت الأوراق من يدي جانبا وقلت " ثاني جريمة في نفس

الشهر ونبحث منذ ساعات ولا شيء سوى أوراق لأرقام

حسابات وتصدير لبضائع وطبعا من الهند وبطريقة غير

قانونية فحتى شرطة الجمارك لا معلومات لديها عن إن كان

هناك خلل في بضائع هذا المستودع , وكأنهم يقولون لنا لن

تكتشفوا حتى أسرار تجارتنا "

قال وهوا يحك لحيته بتفكير

" إذا هذه المرة تركوا شيئا وليس ككل مرة "

تنهدت وقلت " بل تركوا شيئا نضحك به على أنفسنا

أخبرتك أنهم يسخرون منا "

قال بهدوء " وما الجديد في موضوع الفتاة "

نظرت للجدار الملطخ بالدماء وقلت " جيران المدعوة عفراء

قالوا أنهم لا يعرفون اسمها واسم زوجها الكامل ولم نحصل سوى

على اسمه الأول ( رافع ) وهذا ما قالته الفتاة أيضا لأنهما لا يحتكان

بأحد وهوا سكير لا أحد يصادقه أو يتحدث معه , أخذنا معلومات

عن ملامحهم من الجيران ونحاول البحث أكثر واستعنا برسام

لرسمهما رغم أن معلومات الفتاة عنه أنه موكل فقط بسرقة

الأوراق من ساحة الجريمة قبل الحادث ويبدوا يبتز أحدهم ليعطيه

بعضها , أي أن تعامله ليس مع الرأس مباشرة لكانوا قتلوه

ويبدوا يوكلون شخصا بذلك وهو أوكل رافع ذاك بالأمر "

نظر للجانب الآخر وقال " وما بك مع رجالي هناك "

قلت بضيق " الحمقى المستهترين وجدتهم أدخلوا إحدى

الصحف لمسرح الجريمة قبل حتى رفع الأذلة فهذا

عقاب بسيط يستحقونه كي لا يعيدوها "

ثم غادرت من عنده ووقفت أمام فريق التحقيق وقلت

" دعوهم ينظفون المكان أيضا وأريد جميع الشهود في مركز

الجنوب هنا حالا , أصلي العصر وأريدهم عندي "

ثم خرجت مغادرا من هناك للمركز

*
*

ركضت خلفه جهة باب المنزل وأنا أقول


" أبي هل لي بطلب صغير وجميل مثلى "

ضحك وقال وهوا يفتح مقبض الباب

" وما يكون هذا الصغير والجميل مثلك "

قلت بابتسامة " نقووود "

قال وهوا يفتح الباب قليلا " درج غرفة النوم فيه

خمس جنيهات خديها "

أمسكته قبل أن يخرج وقلت " لا أبي ليس خمسة "

نظر لي وقال " كم إذا "

أشرت له بيداي مفرودتا الأصابع ومتباعدتان فقال

" عشرة ؟ "

هزت رأسي بلا وقلت " بل خمس وخمسون "

فتح الباب قائلا " لم أجن بعد لأعطي فتاة خمسون جنيها في يدها

دون سبب ولن يوجد سبب يستدعي هذا "

أمسكت يده أكثر وقلت بغنج " أبي أرجوك أنا أحتاجهم "

على فتحه الكامل للباب ومعتصم واقف أمامه فخروج

والدي قائلا " إنسي هذا قبل أن أحقق معك عن السبب "

تأففت وعدت مغادرة للداخل فشعرت بيد تمسك ذراعي وأعلم

طبعا صاحب هذه اليد من يكون وحركته الدائمة , لفني

جهته فقلت بنفاذ صبر " ماذا تريد بي يا معتصم "

سحبني ناحيته بخطوتين وقال

" جئت أعدل مزاج يومي بك لأنك تنجحين في هذا "

سحبت ذراعي من يده وقلت " وما يجبرك على هذا "

قال ببرود " لماذا كنتي تريدين النقود "

قلت مغادرة " لا شأن لك "

أمسكني مجددا وسحبني نحوه وقال

" بل ستقولين ورغما عنك ما تريديه بهذا المبلغ "

قلت وأنا أحاول تخليص ذراعي منه " والدي لم يسأل ما شأنك أنت "

قال من بين أسنانه " كل الشأن لي يا بتول قلتها ولن أعيدها في كل مرة "

ابتعدت عنه وقلت بحدة " ما هذه الوقاحة يا معتصم ألا تراني بلا

حجاب وببيجامة قصيرة وبلا أكمام أنا لم أعد طفلة "

نظر لي من أعلى لأسفل ثم قال بسخرية متكأ على الباب

" حقا !! لم أنتبه جيد أنك أخبرتني "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت " غادر بسرعة إذا "

ضحك وقال وهوا يلعب بخصلة من شعري في يده

" ووالدك يا أم والد خرج أمامي ولم يطردني ويعلم ما ترتدين "

نظر بعدها لصدري بتركيز فشددت ياقة البيجامة بقبضتي

وقلت بضيق " أبعد عيناك يا وقح "

مد يده وأبعد يدي بالقوة وسحب الياقة للأسفل وقال بصدمة

" أين سلسالك الذهبي "

أبعدت يده وأنا أشعر بالدماء ستتفجر من وجهي من الخجل

وقلت " معتصم لم أعرفك قليل حياء هكذا "

شد طرفة الياقة وقال بحدة وعيناه في عيناي

" أين السلسال وما تريدين بالنقود يا بتول "

مرت حينها أمي من خلفي على بعد مسافة منا قائلة

" أدخل يا معتصم لما تقف عند الباب "

وغادرت مبتعدة على نظراتي المصدومة , تراني بلا حجاب

ويمسك بياقة بيجامتي التي أصبح زرها الأول مفتوحا على ناظره

وتقول له بكل بساطة أدخل لما تقف عند الباب !!

شدني له أكثر وقال " تكلمي بسرعة "

نظرت للزر الثاني في بيجامتي وهوا يوشك على أن ينفتح

فشددته منه بقوة حتى ابتعدت عنه وقلت بغضب " وانزع لي ثيابي

أيضا فأنت لا حسيب ولا رقيب عليك ولا أحد ينهاك هنا "

أمسكني من يدي وسحبني جهة مجلس الرجال وأغلق الباب

وقال بحدة " بتول لن أعيد الأسئلة مئة مرة "

قلت بتذمر " بالرفق بالرفق لست مثلك رجل تحدث معي باللين "

تأفف وقال " قولي بسرعة "

قلت " ولا تخبر أحدا "

قال بنفاذ صبر " لا لن أخبر أحدا "

قلت بابتسامة صفراء " وتعطيني أنت النقود "

نظر لي بصدمة فقلت " اقصد تصدقني فيما سأقول "

هز رأسه بنعم دون كلام فقلت " رهنت السلسال حتى أحضر النقود "

اتسعت عيناه من الصدمة فرجعت بخطواتي للوراء قائلة

" معتصم أصبر قليلا لأشرح لك الأمر "

قال بأمر وعيناه في عيناي " أغلقي أزرار بيجامتك وتكلمي فورا "

نظرت لها وأغلقتها بسرعة , كيف نسيت أمرهم وأعرض

بضائعي لمن يريد المشاهدة ولا أحد غير هذا المشتري الوقح

قلت بخوف " صديقتي أرادت أن تشتري هدية وليس معها مال كافي فـ ... "

قاطعني بحدة " لست طفلا لأصدق هذا يا بتول "

قلت بغضب " بلى أنا لا أكذب يا معتصم ولم يربياني والداي

على الكذب والقصة حقيقية هي تريد شراء هدية لقريبها من

أجل عيد ميلاده والفتاة التي تبيع الهدايا في المدرسة طلبت مئة

ثمنها وليس معنا سوى خمس وأربعون فرهنت سلسالي

لديها حتى أحضر لها باقي المبلغ "

بقي ينظر لي بجمود فقلت بهدوء

" أقسم أنها الحقيقة يا معتصم ولم أكذب عليك في حرف واحد "

قال بجدية " وما علاقتك أنتي بها هي تشتري له وترهني أنتي

السلسال الذي أنا من اشتراه لك وتدفعي النقود أيضا "

نظرت له باستغراب وقلت " والدي اشتراه لي وليس أنت "

قال بحدة " بل أنا يا نبيهة "

نظرت له بصدمة فقال " غدا أكون في إدارتكم وأتأكد من كل هذا "

أمسكت يده وقلت " لا تفضح أمر الفتاة للمدير أنا وعدتها أن

أحضر لها النقود وسما قالت ستعيدهم لي "

أدخل يده في جيبه وأخرج نقودا رماهم على الطاولة وقال

" إن لم يرجع السلسال كان لي تصرف آخر معك وإن اكتشفت

أنها كذبة فلن ينقدك أحد مني يا بتول "

قلت بضيق " هل تمُن علي بسلسالك أنا لم أطلبه منك

ولو كنت اعلم أنه منك ما لبسته "

ضغط على فكيه بقوة من الغيظ فرجعت للخلف بضع خطوات

وقلت بشبه ابتسامة " لم أقصد ... أعني شكرا لك على الهدية "

خرج في صمت وبخطوات غاضبة فتنفست بارتياح أهف بيدي

على وجهي , أي يوم تعيس هذا ؟ توجهت للطاولة وأخذت النقود

حسبتهم فكانوا مئة , قفزت من الفرحة وذهبت من فوري لغرفة
والدي وأخذت الخمسة التي قال لي عليها وتوجهت لغرفتي

فورا وخبأتهم في حقيبتي
*
*
مر عصر اليوم ولم أنزل للأسفل سأترك الجميع يسألها عن

زوجة ابنها ومن نفسها في المرة القادمة ستطلب نزولي بأي طريقة

خرجت من ممر غرف الأطفال و بيسان معي , كنت أرتدي حجابي

لأن معتصم هنا اليوم وكنت أنظر لها ونحن نسير وتتحدث عن

قلعتها وجنودها حين وقفت وقالت ناظرة للأمام " لورد معتصم "

ثم ركضت ناحيته فرفعها له وقبلها وأنزلها فقالت

" لما لم تأخذني للخيول "

ضحك وقال " أخاف حينها أن تحولني جدتك لحمار "

لم أستطع إمساك نفسي من الضحك فنظر باتجاهي وقال

" مرحبا يا أرجوان سررت بمعرفتك "

قلت بابتسامة " وأنا كذلك "

قالت بيسان مشيرة لي بإصبعها " هذه هي ماما التي أخبرناك عنها "

قال ضاحكا " جيد أنها لم تفعل جريمة ما لأمسكت بها الشرطة بسهولة "

ضحكت فنظر لي وقال " الأطفال يحبونك كثيرا تعجبني تربيتك لهم

أتمنى أن لا تفرطي في هذا كي لا يتعبوا كل حياتهم "

يبدوا مختلفا حقا كما توقعت من حديث الأولاد عنه ويبدوا تعب

من والدته كثيرا , قلت بابتسامة " ولأجل هذا أنا هنا "

رفع لي إبهامه وقال غامزا بعينه

" يعجبني هذا وأي مساعدة أنا في الخدمة "

قلت بدهشة " حقا ستمد لي يد المساعدة إن احتجت "

أدخل يده في جيبه وأخرج هاتفه ومده لي قائلا " بل وفيها هاتفي

أيضا , هيا دوني لي رقم هاتفك واطلبي مساعدتي متى وكيف أردتِ "

رائع سأحتاجه في بعض مخططاتي , أنت من كان ينقصني يا معتصم

أخذت هاتفه وسجلت له رقمي واتصلت به ليظهر عندي ثم أعدته

له قائلة " وكيف تتق بي ولا تعلم ما سأفعل وتراني للمرة الأولى "

قال مبتسما " صحيح أراك للمرة الأولى لكنها ليست المرة الأولى

التي أسمع فيها عنك وواثق من أنه تهمك مصلحة الأطفال "

ثم قال بابتسامة جانبية

" وإن روضتي المسمى جابر سأتوجك بوسام ذهبي "

ضحكت ولم اعلق على كلامه فقال مغادرا

" سنعتبرها تبادل خدمات إذا فقد أحتاجك في بعض الأمور "

ثم توجه جهة السلالم ونزل دون أن يسمع رأيي

ومر باقي المساء ولم يتصل جابر ولم يرجع ولا أعلم كيف

أتصرف , إن اتصلت به ستكون خطوة غبية وأعرف الرجال

لا يحبون هذا ولكنه لم يخبرنا أنه لن يأتي للعشاء أيضا ولم

يتصل حتى بالحراس ليخبرهم , قد يكون اتصل بوالدته أو

اتصلت به مستحيل يغيب ابنها يوما كاملا ولا تسأل عنه

نزلت ابحث عن سيلا ووجدتها تنزل من ممر الطابق

الثاني فقلت " سيلا هل اتصل جابر وقال أنه لن يأتي للعشاء "

قالت من فورها " لا سيدتي "

قلت بقلق " ولم يخبرني أنه لن يأتي للعشاء قال الغداء

فقط ! هل تعلمي إن اتصلت السيدة الكبيرة به "

مرت حينها والدته بجانبي تصعد السلالم وقالت ببرود

" ليس طفلا نبحث عنه يفترض بالمرأة أن تكون عاقلة "

وأكملت صعودها , يالك من متحجرة أي قلب هذا الذي تعيش

به , تتبرآ منها الأمهات فحتى الحيوانات يشعرن بأبنائهم

عدت لغرفتي أحاول تجاهله لكن كيف مهما كان هوا زوجي

ووالد من أعدهم أبنائي , أمسكت هاتفي وأرسلت له

( ليحفظك الله أينما كنت لكنني قلقة عليك )

وانتظرت لوقت ولم يأتي منه أي رد , جبت الغرفة جيئة وذهابا ثم

أمسكت الهاتف لأتصل بمعتصم هوا حلي الوحيد فرنت رسالة

فتحتها فكانت منه وفيها ( لن أعود الليلة )

قرأتها أكثر من مرة ثم قلت ببرود

" هذا فقط ما استطعت عليه يا بارد يا جاف يا جابر "

وصلت حينها على الفور رسالة أخرى فتحتها فكانت منه أيضا

وفيها ( تصبحين على خير ) ضحكت ضحكة صغيرة وقلت

" ليست أفضل من سابقتها لكنها بالنسبة لصخرة مثلك تعد رسالة غرامية "

عدلت منبه الساعة على الثالثة فجرا ونمت حتى استيقظت على

رنينه ففتحت عين واحدة وأمسكت الهاتف وأرسلت له الرسالة التي

جهزتها وفيها ( اشتقت لك يا تنين ) وابتسمت على موقفه حين يراها

قد يكون نائم الآن أو قد يكون ... رن حينها هاتفي قاطعا سيل

أفكاري ففوجئت باسمه يضيء على الشاشة , بقيت أرمش

ونظري عليه لوقت ثم رفعت الهاتف وأجبت عليه فقال

مباشرة وبلهجة جافة " هل تعلمي أين أنا الآن "

بلعت ريقي وقلت " في الجنوب "

قال بحزم " وأين في الجنوب "

لذت بالصمت فقال " في قسم الشرطة يا حرمي المصون "

قلت بابتسامة صفراء " هل أمسكوا بك الشرطة "

قال بحدة " أرجوان "

شعرت بالحرقة في قلبي أكتب له اشتقت إليك ويكون هذا جزائي

قال عندما طال صمتي " إن أزعجتني ثانيتا كان لي حساب معك "

لا أعلم من أين اجتمعت عندي حينها كل القدرات الكونية على

الصمت ولم أصرخ فيه بحرقة وخيرا صنعت لأنها ستكون

كارثة قلت بهدوء " وداعا "

وأغلقت الخط , لما لا يشعر بأنه أهانني فأنا لم أخطأ , لكنك

تسرعت يا أرجوان وصدقتِ نفسك ونسيتِ من يكون هذا

الصخرة ولن يلين معك بسهولة , لكنه أهانني حقا

أمسكت هاتفي ودون أدنى تفكير استشهدت على نفسي

وأرسلت له ( رغما عنك اشتقت لك يا تنين )

وأرسلتها بسرعة قبل أن أتردد رغم أنه قد يكون فيها

موتي غدا ما أن يعود وفي الحالتين هوا غاضب مني

فوجئت برسالة وصلت منه فتحتها فكان فيها

( لا تتمني أني أمامك الآن لأني سأريك )

أرسلت له ( بل اشتقت إليك وليتك معي الآن )

وما هي إلا لحظات وانفتح باب الغرفة بقوة وكان هوا واقفا

أمامه فصرخت من الفزع والمفاجئة وخبأت نفسي تحت اللحاف

وأنا جالسة على السرير فسمعت خطواته تقترب ثم صوته قائلا

" من هوا التنين يا سحلية "

قلت من تحت اللحاف " أنا لست سحلية أنت قلت عن نفسك تنين "

وصلني صوته قائلا " متى أنا لا أذكر "

قلت " صباح الأمس ألم تقل عني أسرق الشعرة من رأس التنين وهوا نائم "

وصلني صوته الساخر " وأين الشعرة يا ذكية "

أخرجت له يدي من تحت اللحاف وفيها شعرته وقلت

" هذه "

لم أشعر سوى بيده تقبض بقوية على يدي وسحبني بسرعة

ناحيته حتى أخرجني من السرير وأوقفني أمامه وقال

" هل تعلمي ما يفعله التنين يا مشاغبة "

حركت أصابع يدي التي في قبضته و قلت بمكر

" يكذب طبعا "

نظر لي بنصف عين فقلت بابتسامة جانبية

" تنين كاذب يقول لي أنه في الجنوب وهوا هنا "

قال بابتسامة " وماذا أيضا "

أدعيت التفكير وأنا أنظر للسقف وأصبعي على شفتاي ثم قلت

" ويصرخ بزوجته في الهاتف وكل ذنبها أنها اشتاقت له "

سحبني لصدره وقال بذات ابتسامته " وأيضا "

دفعته بإصبعي من صدره وقلت

" عليه أن يستحم وينام لأنه متعب جدا وغدا مشغول "

رفعني ورماني على السرير وقال

" إن خرجت من الحمام ووجدتك نائمة أريك التنين على حقيقته "


نهاية الفصل .... أتمنى يكون نال إعجابكم
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اوجاع مبعثرة روحي الاوتشيها نثر و خواطر .. عذب الكلام ... 4 08-28-2012 05:23 PM
العاصفة nabillo محاولاتك الشعرية 5 05-10-2011 12:10 AM
اوجاع الحب **سعادتي وياك** أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 08-14-2009 10:16 PM


الساعة الآن 02:43 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011