عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 07-31-2019, 06:27 PM
 


[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www.arabsharing.com/uploads/156494906259532.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]






الفصل الثالث

- فاسبِندر -


دخلَ المنزل بهدوء ليخلع حذائه الرياضيّ الداكن و يضعهم في المكان المخصص لهم قبل أن يلفتَ انتباههُ ذاك الفتى أمامه و الذي كان يمشي برويّة و بهدوء كي لا يحدث ضجيجاً
قطبَ حاجبيه بانزعاج لدى رؤيته لملابس الفتى المدرسيّة الرسمية و ذلك جعله يستقيم صارخاً بتوبيخ

-" دايلن ؟؟ لقد ذهبت للمدرسة اليوم ! "-

انتفصَ جسد الأصغر برعب فور سماعه لصوت شقيقه المخيف خلفه ليلتفت للخلفِ بسرعة مبرراً بعذر سخيف لم يجد أفضل بينما يحرّك يداه بعشوائية نافياً ظنون داريوس كي يتحاشى نظراته القاتلة نحوه التي توحي بشخص سيقوم بافتراسه بعد ثوانٍ

-" ل.. ليس كما تظن أنا لم أذهب للمدرسة .. ف.. فقط قمتُ بارتداء الزيّ كي لا أ.. أشعر بالوحدة وأنا في المنزل و.. "-
-" دايلن اذهب لتغيير ملابسكَ و سأنتظركَ في الردهة ! "-

قالها بنبرة آمرة و تقدم بخطوات سريعة متجاوزاً دايلن الذي تصنّم مكانه بشكل غبيّ قبل أن يستوعب ما قاله داريوس للتو ليستدير و يركض لغرفته لتنفيذ أمر شقيقه بأسرع وقت رغم كونه يدرك أن الحوار الذي سيخوضانه لن يكون مسلياً البتة






-" دعني أسألك سؤالاً واحداً فقط بحاجة لإجابته .. أين تخفي أولئك الفتيات؟ بالطبع أنت لست أحمقاً لتجعلهم في مكان مكشوف فقد تمكنتَ بالفعل من تجاوز الاتهامات حولكَ لكن في الوقت ذاته لا يمكن أن تضعهم في مكان بعيد عن شقتك لذا أرجح أنهم هنا في مكانٍ ما، ألستُ مُحقاً جيمس؟ "-

قالها بثقة عمياء و نبرة هادئة تتخللها القليل من السخرية و الاستهوان فقد أدرك بالفعل أن كلامه صحيح من خلال تعابير جيمس التي تغيرت لأخرى متوترة مع لمسة غضب طغت عليه حينها لإدراكه كم كانت خطته سهلة القراءة بالنسبة للفتى أمامه

-" لستَ سيئاً ماريون .. لكن السؤال المطروح هنا هل حقاً أولئك الفتيات على قيد الحياة الآن؟؟ "-

انقبضت ملامح ماريون لأخرى أشد هدوئاً و برودةً و سرعان ما ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه ليجيب ببساطة

-" أنت لن تقوم بقتلهنّ بهذه السهولة .. ليس و أنت لستَ المسؤول عن فعل ذلك منذ البداية ! لستَ من النوع الذي قد يخرق أوامر رئيسه "-
-" كفاكَ عبثاً !! "-

صرخَ بنفاذ صبر و قد شعر بأن كلمة إضافية من فم ماريون كفيلة بتفجير عقله لشدة الضغط الذي وقع عليها ساعتها ليهجم على ماريون بسرعة موجهاً له لكمة عنيفة لمعدته لم يتمكن ماريون من تفاديها في الوقت المناسب فسقط أرضاً بسهولة و ذلك جعل ابتسامة شيطانية تتراقص على وجه جيمس الذي شعر بنشوة الانتصار أخيراً سوى أن الضربة التالية تمكن ماريون من تفاديها بسرعة و ذلك جعله يستاء من رد الفعل البديهي هذا فتراجع خطوتين للوراء بينما يستعيد ماريون توازنه واضعاً يده على معدته التي تلقت اللكمة

-" لستَ سيئاً بالنسبة لهجين .. كانت ضربة موجعة بالفعل "-

تمتمَ بهدوء و نبرة مسترخية جعلت جيمس يرفع أحد حاجبيه باستنكار، يفترض بضربة كهذه أن تجعله يلتوي متألماً و ذلك ما يحدث عادةً مع ضحاياه غير أن ماريون كان له رد فعل مختلف و ذلك يعود لكونه ينتمي للسلالة النبيلة و التي بدورها تُعتبر أقوى سلالة لمصاصيّ الدماء و ذلك ما يجهله جيمس و لسوء حظه حان دور ماريون في الهجوم !
السرعة العنيفة التي انطلقَ بها عسليّ العيون ذاك جعلت جيمس يتصنّم برعب و قبل أن يحلل أي شيء كان قد تلقى ركلة شرسة جعلت جسده يرتطم بالجدار خلفه بقوّة شاعراً بعظامه تنكسر ببطئ و بالكاد تمكن من فتح إحدى عينيه فباغته ماريون بعدة لكمات متتالية في أجزاء متفرقة من جسده جعل جيمس ينهار أرضاً بلا حولٍ ولا قوة كجثة هامدة
حاول مدّ يده بصعوبة سوى أن ماريون داسَ عليها بحذائه ببرود بينما يخاطبه مُهدداً

-" أخبرني أين هنّ الفتيات و أعدك سأبقيكَ قطعة واحدة "-
-" ل.. لما أنت مهتم بهنّ هكذا أيها النبيل؟ أم أن إحداهنّ صديقتك المقربة أو ما ش.. شابه؟ "-

قالها بضعف محاولاً التماسك و التظاهر بالقوة غير أن ماريون لم يكن ليضيع وقته في المُماطلة بالحديث فوجّه له ركلة أخرى أبعد جسده من مكانه و زحزحته لنهاية الردهة

-" لستُ من محبي العبث، لكنّ لا أمانع تمضية بعض الوقت في قتلك ! "-
-" أ.. أنتَ حقاً لا تبدو ف.. فتى لطيف كما يقولون .. ل.. لديك جانب مرعب أتعلم؟ "-

لم يجبه ماريون بل اقتربَ بهدوء و هبطَ لمستوى جيمس و نظر إليه بنظرة هادئة و تعابير يصعبُ فهمها لينطق بنبرة اقشعرّ جسد جيمس لها

-" لا أمانع قتلكَ و حرق جثتكَ في مكانٍ ما .. و لن أتردد في فعل ذلك بعد خمس ثوانٍ من الآن .. واحد "-

اتسعت عينا جيمس بصدمة إثر ما سمعه و ازدادت صدمته بعد مباشرة ماريون بالعدّ بجدية و سرعان ما وصل للرقم أربعة فصرخَ جيمس بتلعثم

-" ه.. هناك ذلك المِفتاح .. ت.. تحت القبو يوجد بابٌ حديديّ عازل للصوت ه.. هناك حيثُ الفتيات "-
-" أحسنتَ صُنعاً "-

قالها بعد أن استعادَ وجهه المُشرق و ابتسامته اللطيفة ليقف متجهاً لحيث المكان المزعوم بعد أن سحبَ المفاتيح المعينة






-" هل تفهمُ ذلك؟ "-

قال بانفعال بينما يقطبُ حاجبيه بغضب يحدق بشقيقه الأصغر الذي كان يجلس على الأريكة بهدوء ناكساً رأسه للأسفل بندم واضح ليومئ إيجاباً ببطئ دون أن يعلق على الأمر فتنهد داريوس بملل و هو يقترب من أخيه و يطبطب على شعره الأشقر بشيء من اللطف مُتمتماً بنبرة أكثر هدوئاً

-" من المُهم أن تكترث لصحتك كما تكترث للدوام المدرسيّ، التغيّب ليوم واحد لن يجعلك ترسب أو شيء من هذا القبيل كما أن رفاقك لن يختفوا "-

أومئ دايلن إيجاباً مُجدداً بصمت ليتنهدّ بُندقي الشعر للمرة الثانية و هو يحاول التفكير في أمر يُبهج شقيقه بعد محاضرة طويلة عن الاهتمام بالذات و الحرص على الصحة كونها أهم من مجرد دروس و زملاء

-" ليسَ و كأنك الشخص الذي يهتم بنفسهِ هُنا، لقد أهملتَ حصتك الأسبوعية من الدماء و تعرضتَ لموقفٍ خطير في المدرسة و لولا وجود ذلك الفتى لكنتَ في خبرِ كان رُبما ! "-

بصوت طفوليّ هادئ تمتمَ دايلن مشيحاً بوجهه للجهة الأخرئ مقطباً حاجبيه ليجعل كلامه داريوس في قمّة إحراجه لحظتها بينما يتلعثم مبرراً بشيء من الانفعال محاولاً الظهور بشكل طبيعي و إخفاء توتره

-" لقد فهمتَ الأمر بشكل خاطئ .. أ.. أنا لم أتعمد نسيان شرب حصتي من الدماء كل مافي الأمر أني كنتُ مشغولٌ للغاية "-
-" و هل هذا العمل الذي كنتَ مشغولاً به أهم من سلامتكَ الشخصية داري؟ "-

هاهو يلعبُ لعبة عكس الأدوار و اللعنة هو بارع فيها فقد بدا داريوس بموقف مُحرج بالفعل بعد قول الأشقر ذاك .. لم يتمكن من التفكير في حل سريع ليخرج نفسه من تلك الورطة فمهما قال سيقلب دايلن قولهُ عليه لذا فضّل الصمت بينما يخدش رقبته بتوتر و يحاول عدم النظر لأخيه الصغير الذي بدا مستمتعاً بقلب الطاولة لصالحه كما يبدو من خلال ابتسامته العابثة التي بددّت ملامح الهدوء و الانكسار التي كانت تعلو وجهه قبل لحظات فحسب و ذلك بطريقة أو بأخرى جعل داريوس يشعر بالراحة لزوال حالة الحزن من شقيقه رغم عدم إظهاره لتلك الراحة أمامه

-" بالتفكير في الأمر، أمي لا تدرك بخصوص هذا .. إن حدثَ و أخبرتها ستقوم بتوبيخك و في أسوء الحالات ستقوم بالتسوق معها كالمرة السابقة "-

تمتمَ دايلن مفكراً بينما يتخذ وضعية المحققين و ذلك جعل داريوس يقفز هلعاً و يصرخ في وجهه بتوسل

-" إياك و إخبارها داي ! أفضل الموت على التسوق مع النساء ! "-
-" إذن هل نعقد صفقة؟ "-
-" هاه؟ "-

نطقَ داريوس باستنكار رافعاً أحد حاجبيه ليكمل دايلن بنبرة أكثر عبثاً مع ابتسامة عريضة رُسِمت على وجهه

-" ستحضر لي فيلمي المُفضل و ستشاهده معي الليلة كما أنك ستحضر لي بعض المشروبات الغازية بالإضافة لرقائق البطاطا و... "-
-" جميعها أطعمة مُضرة داي ! "-
-" هذا ليسَ مِن شأني "-

قطبَ داريوس حاجبيه بضيق ثم زفرَ بملل و استقام واقفاً يحدق بتعابير أخيه المُنتصرة ليتنهد للمرة الثالثة و يقبل الصفقة على مِضض ساحباً معطفه الداكن من على الأريكة ليخرج خارج المنزل بنية جلب طلبات شقيقه الطفوليّة بنظره

في الوقت الذي رمى دايلن بجسده على الأريكة و أخذ يضحك باستمتاع واضعاً كِلتا يديه على معدته بعد رحيل داريوس الذي أتاه صوته المتململ بعد نصف دقيقة لجوار الباب

-" أووي ماهو و اللعنة اسمُ فيلمكَ المُفضل ذاك؟ "-






مشى بخطواتٍ واثقة ليقترب من ذاك الباب الحديديّ المزعوم حيث يقبع خلفه عدة فتيات تم اختطافهنّ قبل أسبوع من الآن و صدقتْ شكوكه بجيمس بعد أن شاهده يذهب مع إحدى الضحايا من مدرسته قبل يومين من الآن .. هو لا يدرك بعدُ سبب كون الضحايا إناث، كما لا يدرك ما الغرض الحقيقيّ من اختطافهنّ رغم أنه وضع فرضية كون جيمس متورط مع جماعة من مصاصيّ الدماء الهجينين و أولئك الضحايا هنّ غذائهم الدائم من الدماء و ذلك بدلاً من اصطياد البشر بشكل متكرر و مثير للريبة
كل تلك الأمور جعلته يفكر في كم أن جيمس ذكيّ كفاية ليفكر بكل هذا بينما يدير المفتاح بعد وضعه في فتحته المخصصة له مستعداً لأي هجوم مباغت من طرف جيمس لكنه لم يكن خلفه لذا من المُرجح كونه لا يزال غير قادر على النهوض بسبب ما حضي به من ركلات مجانية اليوم

أدار المفتاح ببطئ و سرعان ما شعرَ بارتجاج شديد في رأسه ليسقط أرضاً بقوة بعد وقوعِ ذاك العمود الحديديّ فوقه بشكل عموديّ ليصيب منتصف رأسه مباشرة بحركة سريعة لم يتوقعها ماريون و لم يتمكن من تفاديها في الوقت المناسب
فخّ؟
شعرَ بأنه قد استهون ذلك الهجين أكثر مما ينبغي بينما يحاول جاهداً أن يحافظ على ما تبقى له من وعي و إدراك و هو يشاهد أرجل جيمس تتقدم إليه ببطئ ليدنو إليه ذلك الأخير ساحباً شعر ماريون الفاتح للأعلى بقسوة ليجعله يقابل وجههُ مباشرةً مُستمتعاً بتعابير وجه ماريون المُتألمة

-" خمسُ دقائق هي أكثر حد يمكنك الصمودُ به .. لم أكن أكذب بخصوص مكان الضحايا فكما تعلم أنا شخصٌ صادق للغاية لكني لم أذكر شيئاً بخصوص الفِخاخ .. أنتم النُبلاء حقاً مثيرون للإزعاج، تظنون بأنكم الأكثر قوة و مهما كان خصمكم فستهزمونه بسهولة أليسَ كذلك؟ "-

لم يملك ماريون القوة الكافية للردّ عليه فقد بدأ تأثير تلك الضربة العنيفة بالتوغل لجسده بالفعل و ذلك زاده ضُعفاً مما جعل جيمس يبتسم بخبث و هو يتمتم

-" لو كنتَ هجيناً لقتلتك تلك الضربة بلا شك .. لكن و اللعنة النُبلاء أقوى مما تصورتُ بالفعل "-

بدأ وجه جيمس العابث بالتشوش في نظر ماريون الذي بدأ يفقد وعيه تدريجياً و سرعان ما صار المكان حوله أسوداً ليقع على الأرض مباشرة بعد إفلات جيمس له

-" تشه .. نبيل سخيف "-

قالها ببرود بينما ينظرُ لجسد ماريون المرمي بإهمال و دون حراك بينما خصلات شعره الفاتحه تلامس الأرض الخشبية تحته





رفعَ رأسه يحدقُ بالسماء الصافية بينما يتوقع أجواء هادئة للأيام المُقبلة و سرعان ما راح يكرر اسم الفيلم الذي أعطاه له شقيقه قبل مغادرته و ذلك جعله يغمضُ عينيه بتركيز أثناء مشيه و قطعه الشارع

جسده الذي ارتطم بتلك السيارة المُسرعة ارتدّ بقوة للخلف ليسقط أرضاً على الطريق متألماً من قوة الضربة التي تلقاها ليخرجَ شابٌ عشرينيّ من تلك السيارة بينما يركض نحو داريوس بقلق بالغ و هو يكرر عِبارات الأسف و ما شابهها
تمكن داريوس من النهوض بمفرده متجاهلاً ألم ظهره و هو يطمئن الشاب بأنه بخير و سرعان ما رفع رأسه لينظر إلى الشخص الذي صدمه بسيارته للتو

-" أعتذر لكنك قطعتَ طريقي فجأة و لم أملك الوقت لإيقاف السيارة فقد كنتُ في عجلة من أمري .. ياللعجب يبدو أنك لم تتأذى رغم أن الصدمة لم تكن خفيفة "-

لم يرد داريوس و ذلك لشروده في تأمل شكل الشاب الواقف أمامه .. كان يُمعن النظر في عينيه العسليّة و التي تذكره بماريون بل إنها أعين ماريون تماماً و ذلك جعله يصمت بتعجب قبل أن يستيقظ من شروده على مناداة الشاب له فرمشَ عدة مرات بسرعة ليتلعثمَ في قوله مبرراً بتوتر

-" آه هذا لا أقصد لم تكن صدمة قوية حقاً كما أني أتمتع بجسد فولاذي كما ترى "-
-" هكذا إذن .. حسناً سعيد بأنك بخير، عليّ الذهاب الآن، احضَ بيومٍ جيد "-

قال جملته الأخيرة بينما يلوح لداريوس مغادراً بعد أن صعدَ سيارته و انطلقَ بها بسرعة متجاوزاً أزرق العينان والذي بقيَ متصنماً في مكانه يحاول استدراك ما حدث معه للتو
حتماً صدمة كهذه كانت لتؤثر على بشري عادي لكن بحكم كونه مصاص دماء استحمل جسده ذلك بسهولة .. التفت للخلف حيث يشاهد ابتعاد تلك السيارة السوداء عنه و سرعان ما طلبَ سيارة أجرة و لحقَ بها دون سبب منطقيّ
رُبما فقط لأن عيناه المُطابقة لعينا ماريون جعلته يرغب بمعرفة المزيد عن سبب استعجالهِ ذاك و الذي يرجّح أن لماريون علاقة به مُتناسياً السبب الرئيسي الذي خرجَ لأجله




-" من هُناك؟ "-
-" لديكَ طلبية قد وصلتْ للتو، سيد بلانكِر "-
-" آوه هذا أنت إذن .. ضعها أمام الباب يمكنكَ المُغادرة "-

قالَ أسود الشعر بتململ و كاد أن يغادر لولا أن صوت ساعي البريد المُضر جاءه من خلف الباب مجدداً يطالب بتوقيعه على الملف ليؤكد استلامه للطرد المزعوم فتذمر جيمس و هو يفتح باب شقته بانزعاج واضح لمقاطعة ذلك السخيف لعمله

-" ما الأمر الآ.... "-

سقطَ على ركبتيه فور أن التقت عيناهُ بلونِ العسل الموجود في مُقلتا الشاب أمامه و الذي كان يحمل تعابير هادئة مع ابتسامة جانبية
قبضَ جيمس على صدره بألم واضح بينما يشعرُ أن عظام قفصه الصدري تتحطم ببطئ رغم عدم تعرضه لأي هجوم ماديّ !

تجاوزهُ الشاب العشرينيّ ببساطة و أغلق الباب خلفه تاركاً جيمس في حالته السيئة تلك يحاول الوصول لسبب مقنع يُبرر هذه الآلآم العنيفة التي يشعرُ بها و مقاوماً الإغماء

أخذ عسليّ العينان ذاك يبحث في أرجاء الشقة بسرعة و حذر حتى عثرَ على ذاك الباب الخشبيّ بالأسفل فحاول فتحه لكنّه كان مُغلقاً كما توقع مما جعله يستقيم واقفاً ببساطة و يركلهُ بقدمه حتى انكسر و ذلك سمح له بفتحه بسهولة و نزول تلك السلالم الخشبية المؤدية لغرفة ضيقة تحوي ثلاث مقاعد و طاولة مُهترئة و بالية .. و فتى مُلقى على الأرض دون وعي و هو الشيء الذي جعل الشاب يركضُ إليه مسرعاً ليحمله بين ذراعيه مُنادياً اسمه عدة مرات على أمل الحصول على استجابة منه لكن دون جدوى فقد بدا فاقداً وعيه
التفتَ لجواره حيث شاهدَ ذاك العمود الحديديّ الصلب و جالَ بصره أرجاء الغرفة ليحلل ما حدثَ هنا فرفعَ رأسه للأعلى ليلمحَ تلك الفتحة الضيقة و التي كانت مُناسبة لوضع عمود كهذا فيها
أعاد نظره لماريون المُغمى عليه بين ذراعيه و تفحصه ليعثر على مفتاح حديديّ كان يقبض عليه فأخذه منه بهدوء و نهضَ بعد أن وضعه أرضاً بروية ليدخل ذاك المفتاح في فتحته المخصصة بالباب الحديديّ أمامه و الذي فُتِحَ بسهولة

دفعَ الشاب الباب بيده ليُفتحَ بالكامل و تظهر خلفه خمسُ فتيات مغمى عليهنّ و تم تقيديهنّ بسلاسل حديديّة صدأة لتمنعهنّ من الحراك
بدا عليهنّ التعب و الإرهاق الواضح إضافة للرعب الذي اكتسى ملامح وجهههنّ من خلال التركيز فيهنّ

ابتسمَ بخفة ليتراجع للخلف مُلقياً نظرة سريعة على ماريون و همسَ بفخر

-" كما لو أن تلك القضية تُهمك .."-

بالنسبة للخارج ذلك المبنى الضخم كانَ داريوس قد وصلَ بالفعل يحدث بتلك السيارة السوداء التي صدمته سابقاً و عثوره عليها خالية يعني أن الشاب المزعوم في مكانٍ قريب من هنا ..
أخذ يتجول في الأرجاء بفضول واضعاً كُلتا يديه في جيب معطفه الداكن علّه يجد عسليّ العينان ذاك لكن دون جدوى

تنهد بعمق متراجعاً و في نيته العودة للمنزل سوى أن صوت خطوات صادة خلفه جعلتهُ يلتفت تلقائياً لمصدرها كردِ فعل طبيعيّ
اتسعتْ عيناه الزرقاء ما إن شاهدَ ماريون المُغمى عليه يتم حمله من قبل الشاب المزعوم و كان لذلك المنظر الذي رآه وقع شديد على رأسه فركضَ ليقابل الشاب الذي توقف فور رؤيته لداريوس يقترب منهما

-" ولكن هل هو بخير ؟! "-

النبرة القلقة التي انطلقتْ من فمِ داريوس إضافة لتلك النظرات الخائفة جعلت الشاب يبتسم تلقائياً يومئ إيجاباً بخفة و سرعان ما تذكر أمراً ما ليرمي مفتاح سيارته لداريوس و يهتف قائلاً بنبرة جادّة

-" لابد و أنكَ داريوس .. لقد حدّثني ماريون عنكَ ذاتَ مرة، هل يمكنكَ وضعه في سيارتي و البقاء معه ريثما أنهي عملاً مهماً هُنا؟ "-
-" ب.. بالطبع ! "-

نطقَ بسرعة و حزم ليمسكَ بماريون الذي وضعه ذلك الشاب أمامه فوضعَ ذراعه خلف رقبته و أمسكها بيده ليثبته و سارَ مُغادراً المكان متجهاً لتلك السيارة السوداء فضغطَ زر معين في المفتاح الإلكتروني لتصدر السيارة صوتاً يدلّ على فتح أبوابها فقام بفتح الباب الخلفيّ و وضع ماريون فوق المقعد الطويل بحذر و بطئ ثم خرجَ مقفلاً الباب و صعدَ لجوار السائق ينتظر عودة ذلك الشاب بينما ينقل عينيه من المبنى أمامه و الذي خرجَا منه إلى ماريون خلفه

-" ما الذي حدثَ بالضبط ؟! "-

همسَ متسائلاً بينما يقطبُ حاجبيه بقلق يحدق بجسد ماريون فتنهد بعمق مرخياً جسده للوراء يغلق عيناه بإرهاق واضح
منذ اللحظة الأولى التي تعرّف فيها على ماريون بدأت حياته الهادئة و المُسالمة بالتغير لنحو أشد جنوناً
و بالتفكير في أمر ماريون .. إنها المرة الأولى التي يقلق فيها على شخص غير دايلن و السيدة واندا و ذلك جعله يرسم ابتسامة باهتة صغيرة على شفتيه
توقع أن يفتح ماريون عينيه و يجري محادثة معه سوى أن كل ما حصلَ عليه هو السكون القاتل و ذلك جعله يغمض عينيه مجدداً بعد أن فتحهما يطمئن على رفيقه

فتحَ زرقاوتاه مجدداً يحدق بسيارات الشرطة التي قدمت فجأة لجوار السيارة السوداء خاصة الشاب ليرفع حاجبيه مستنكراً ما يحدث حوله
شاهدَ عدة رجال شرطة يخرجون من تلك السيارات متوجهين لذلك المبنى الضخم أمامه و مرت عدة دقائق قبل خروجهم حاملين عدد من الفتيات المغمى عليهنّ و خلفهم كان يمشي ذلك الشاب ممسكاً بمراهق أسود الشعر يبدو عليه الألم و الإرهاق بعكس ملامح الشاب المسترخية و الباسمة

ضلّ داريوس يراقب ذلك المشهد بإمعان حتى عاد الشاب لسيارته و فتح الباب ليجلسَ خلف المقود ملقياً نظرة سريعة على ماريون بالخلف ثم نظرَ لداريوس بابتسامة لطيفة يخاطبهُ

-" أشكركَ على ما فعلته اليوم داريوس .. أدعى مالفريد فاسبندر و أنا شقيقُ ماريون الأكبر، أعمل كشرطيّ و قد تم تكليفي بالعثور على خمس فتيات تم اختطافهنّ قبل أسبوع بالتدريج و عندما شعرتُ بالفشل طلبَ مني ماريون أن أسمح له بمساعدتي و قالَ أنه يشك بأحدهم و كما ترى هو ذهبَ ليثبت شكوكه و حدثَ و أمسك بالمجرم الحقيقيّ "-
-" أنت .. شقيقُ ماريون؟؟ "-
-" أجل "-
-" إذن هل تقول أن ماريون ساعدكَ في تلك المهمة و عثرَ على المجرم؟ "-
-" هذا صحيح "-
-" حسناً هل سيكون بخير؟ هو لم يستيقظ بعد كما ترى "-
-" يحتاج لعدة ساعات كي يستعيد وعيه فالضربة التي تلقاها كانت من عمود صُنِع بشكل خاص ليكون قاتلاً لمصاصيّ الدماء "-
-" هل وقعَ عليه شيء كهذا ؟!! "-
-" أجل .. لكن أظن أنه حاولَ تفاديه لذلك لم يصبه في منطقة حساسة و ذلك يعني أن إصابته ليستْ بليغة، اطمئن ستراه غداً في الدوام المدرسيّ بلا شك "-
-" هذا جيد .. "-

أنهى داريوس الحديث بتلك الكلمة التي أطلقها بنبرة مُطمئنة ليرسم ابتسامة صغيرة على شفتيه مبدداً شعور القلق الذي كان يراوده منذ اللحظة التي شاهدَ بها ماريون بتلك الحال

-" هل ترغبُ بتوصيلة؟ "-
-" ما من داعٍ لذلك فلدي عدة أماكن يجب عليّ الذهاب إليها قبل المنزل، شكراً لكَ على كل حال و تشرفتُ بمعرفتك سيد مالفريد "-

ابتسمَ ذلك المقصود بخفه يومئ إيجاباً ليخرج داريوس من السيارة فتنطلقَ مغادرة المكان مع سيارات الشرطة الأخرى
رفعَ رأسه ينظر للسماء التي بدأت تكتسي اللون البرتقاليّ الدافئ دلالة على غروب الشمس و ذلك جعله يسرع في خطواته قاصداً جلب متطلبات أخيه الذي حتماً بدأ يقلق عليه الآن







وضعَ رأسه على طاولته المعدنيّة بملل واضح بينما يغمض عيناه و يغطي شعره البندقيّ بكلتا يداه ليعزل نفسه عن محيطه
لقد وصلَ مبكراً للمدرسة و ذلك جعله ينزعج بطريقة ما

-" داريوس "-

فتحَ عينيه بسرعة إثر سماعه لذاك الصوت المألوف للغاية فرفع رأسه ينظرُ لماريون الذي بادله نظرة مرحة و مليئة بالنشاط عكس ما كان عليه يوم أمس و ذلك كان كفيلاً برسم ابتسامة داريوس الذي نطقَ بامتنان و تأثر

-" سعيدٌ لرؤيتكَ بخير ! "-

اتسعت ابتسامة ماريون و سحبَ مقعداً بسرعة ليجلس مقابلاً لداريوس و أخذ يخاطبهُ بلطف

-" سمعتُ من أخي ما حدثَ بالأمس .. لا أنكر أن مالفريد بالغَ بالقلق ليس و كأن أحدهم سيقوم بسرقة السيارة أو اختطافي مثلاً ليضعكَ وصياً عليّ .. أعتذر لتوريطكَ بالأمر نيابةَ عنهُ "-
-" على الإطلاق، ثم إن قلق شقيقك عليكَ ليس بالأمر المبالغ به، ثِق بي أنا أعلم تماماً كيف يقلق الإخوة الأكبر على أشقائهم الأصغر سناً ! "-

النبرة الدافئة التي نطقَ بها جملته الأخيرة جعلت ماريون يرسم ابتسامة هادئة على ملامح وجهه مؤيداً كلام داريوس بإيمائه ليستكمل حديثه بنبرة أكثر حيوية

-" على كُل حال رغِبَ أخي بزيارتكَ لنا .. هل لديك مخططات لليوم أو ما شابه؟ "-

شعرَ داريوس بالصدمة إثر تلك الدعوة المفاجأة و قد انقبضت ملامح وجهه لأخرى متوترة فلاحظَ ماريون ذلك التغيير بسهولة ليضحك ممازحاً إياه

-" مامِن داعي للقلق، عائلتي لن تقوم بالتهامك كما تعلم "-
-" ل.. لا هذا ليسَ ما قصدتهُ "-
-" إذن ألديكَ مخططات لليوم؟ "-
-" كلا لكن الذهابُ معكَ فجأة لزيارة عائلتك أَ.. ألا يعتبر هذا تطفلاً؟ "-
-" سيُعتبر كذلك إن لم نقم نحن بدعوتكَ "-

قالَ ماريون ذلك بابتسامة لطيفة فتنهد داريوس باستسلام لفشل خطته في تغيير رأي عسليّ العينان بخصوص ذهابه معه

-" إن لم تمانع يمكننا الذهاب بعد الدوام مباشرة، إني متشوق لتعريفك على عائلتي "-
-" لا مُشكلة "-

ردّ داريوس يتصنع البهجة فاتسعت بذلك ابتسامة ماريون الذي نهضَ عن المقعد بعد رنين الجرس الذي أعلن بدء الحصة الأولى فعادَ هو لمكانه في السطر الأول ليترك داريوس يصارع أفكاره المشتتة بخصوص هذه الدعوة غير المُخطط لها
بالتفكير في الأمر فهو يتوقع أن يقابل عدداً ضخماً من مصاصي الدماء ذوي السلالة النبيلة كماريون تماماً .. هو ليس خائفاً بقدر توتره من أن يُطرح عليه سؤال لا يعرف إجابته
تنهد بهدوء و عادَ يضعُ رأسه فوق طاولته المعدنيّة بصمت محاولاً التركيز في الحصة و إبعاد تلك الأفكار من رأسه


الدوام المدرسيّ مر بشكل سريع و ذلك ما لاحظه بعد سماعه لرنين الجرس الذي أعلنَ أن وقت الانصراف قد حان
نهضَ من مكانه متوجهاً لحيث كان داريوس يجمع أغراضه و يضعها في حقيبته لينهض هو الآخر من مقعده مخاطباً ماريون

-" إذن هل الطريق لمنزلك طويلة؟ "-
-" قد تستغرق نصف ساعة بالسيارة لكن عشرُ دقائق بالتنقل عبر الأشجار "-
-" هل هذه هي الطريقة التي تستخدمها للعودة للمنزل؟ "-

تسائل داريوس باستنكار رافعاً أحد حاجبيه ليبتسم ماريون بمرح مجيباً

-" أجل .. آوه بالمناسبة هل اتصلتَ بخالتك تُعلمها أنك لن تعود للمنزل مبكراً اليوم؟ "-
-" أجل "-
-" هذا جيد "-

أنهى ماريون تلك المحادثة القصيرة ثم خرجَ كِلاهما من بوابة المدرسة الضخمة بين بقية الطلبة المُغادرين و وسطَ ثرثرتهم بمواضيع مختلفة

سلكَ ماريون الطريق ذاتها الذي يسلكها يومياً فتبعه داريوس بهدوء و ضلا يمشيان مسافة قصيرة حتى ظهرت بعض الأشجار الطويلة فأدرك داريوس أنهم ابتعدا كفاية عن أنظار الناس مما جعل ماريون يقفز بسرعة جنونية ليهبط على غصن إحدى الأشجار بمهارة و خفة كما لو أنه معتاد على شيء كهذا منذ الطفولة و ذلك فقط جعل داريوس يراقبه بذهول

-" ما الخطب؟ "-

تسائل ماريون مستغرباً وقوف داريوس بالأسفل دون حراك فأيقظ ذلك أزرق العينان من شروده و تلعثمَ في قوله مبرراً بشيء من التوتر

-" في الواقع أنا لم أقفز بهذا الشكل لذا لا يمكنني إتقان الأمر من المرة الأولى "-
-" هكذا إذن .. لا عليكَ فأنا الوحيد الذي يفضل هذه الطريقة في التنقل، أرجح أنك تفضل استخدام سرعتكَ بالركض؟ "-
-" لِما لا نستخدم سيارة أجرة فحسب؟ "-

قالَ داريوس ببلاهة بينما يضع يده خلف رأسه متوتراً يحاول تفادي جعل ماريون يكتشف كونه ليس معتاداً على استخدامِ سرعة مصاصي الدماء تلك بحكم كونه عاش بين البشر بعكس ماريون و لا يملك خبرة في قدراته و ذلك جعل باهتَ الشعر يهبط على الأرض بسرعة ينظر لداريوس قبل أن يبتسم بلطف مؤيداً

-" إن كانت هذه رغبتك فلا مانع لديّ "-
-" أشكرك ! "-

قالها بامتنان و راحة ليتجه الاثنين لقارعة الطريق فيوقف ماريون سيارة أجرة و يصعد الاثنين بها متوجهين لحيث يقبعُ منزل آل فاسبندر

ما إن وصلت سيارة الأجرة للمكان المزعوم حتى أمر ماريون السائق بالتوقف بنبرة هادئة فخرجَ الاثنين منها بعد دفع الحساب و توجه ماريون للأمام فتبعه داريوس يحاول تقليل التوتر الذي اجتاحه ساعتها
و فور اقترابهما كفاية شاهدَ داريوس ذلك المنزل الضخم بحجمه و الراقي بتصميمه .. تحيطه حديقة كبيرة نسبياً مع بوابة حديدية سوداء إضافة لحارسين اثنين أمامها .. يمكن تقدير عدد الطوابق بالمنزل بثلاثة أو أربعة طوابق .. كانت ألوانه هادئة و باعثة للراحة و ذلك جعل داريوس ينبهر بشدة أثناء تفحص المنزل
هو لم يتوقع أن يعيش ماريون في ما يشبه القصر و أن يكون من أبناء الطبقة المخملية و الأثرياء و ذلك فقط جعله يُصدم فلاحظَ ماريون تلك التعابير على وجه رفيقه جعلتهُ يبتسم بمرح مشيراً لداريوس بأن يتبعه

ما إن لمحَ الحارسان وجود ماريون حتى فُتحت البوابة بشكل إلكتروني فدخل كل من ماريون و داريوس لتقابلهم حديقة كبيرة مليئة بالزهور و العشب المرتب بانتظام و على الجانب الأيمن كان عدد من السيارات الفاخرة بألوان مختلفة عرفَ إحداهنّ بسهولة و هي خاصّة مالفريد السوداء

-" هل تملك سيارة خاصة؟ "-

تسائل داريوس هامساً لماريون أمامه فأجابه ذلك الأخير بنبرة متململة

-" لو كنتُ أفعل لتباهيتُ بها أمام المدرسة "-
-" لا تبدو من النوع الذي قد يتباهى بممتلكاتهِ "-
-" هذا لأني لا أملك ممتلكات يُمكن التباهي بها "-

قال ذلك بسخرية ثم تقدم ليفتح الباب المعدني الضخم ذو اللون الأسود و النقوش الذهبية على جانبيه مستخدماً مفتاحه الخاص و فور ما فُتِحَ الباب هتفَ بصوت عالي يفيد بأنه قد عادَ

دخلَ داريوس خلفه مباشرة و قد ازداد توتره بشكل مبالغ فيه و ظهر ذلك بصورة واضحة من خلال رؤية ملامح وجهه المنقبضة فابتسم ماريون بمرح مربتاً على كِلا كتفيه ليزيل القليل من خوفهِ

-" بربك داريوس توقف عن صنع هذا التعبير .. عائلتي حقاً غير مخي... "-

لم يكد ينهي جملته تلك بسبب مقاطعة أحدهم له حين قفزَ بشكل عشوائي واضعاً يداه فوق كتفا ماريون يحدق بداريوس بإعجاب ليصرخ متحمساً

-" لدينا ضيف ! "-
-" ابتعد عنّي ! "-

صرخَ ماريون بانزعاج واضح ليبتعد ذلك الفتى من فوقه و يقف لجواره مبتسماً بمرح ليمد يده لداريوس الذي صافحه بتوتر

-" إيريك فاسبندر في السادسة عشر من عُمري، و لابد من أنك صديقٌ لماريون "-

صديق؟
هو بالفعل أصبح رفيقاً له لكنه لا يدرك بعد إذا ما كان صديقه أم لا سوى أنه أومئ إيجاباً بتردد

اقتربَ المدعو إيريك و الذي كان يحمل شعراً مبعثراً بلون التوت الأزرق الداكن و أعين رماديّة حيوية مربتاً على كتفي داريوس بابتسامة عريضة

-" من النادر أن يزورنا أحدهم مؤخراً لِذا رجاءً تصرف كما لو أنك في منزلك "-
-" ش.. شكراً ! "-

تراجع إيريك خطوتين للخلف ثم تحدث بابتسامة أكثر لُطفاً

-" إذن .. أنتَ لم تعرف عن نفسك بعد "-

شعرَ داريوس بأن الإحراج قد تمكن منه بالفعل فتلعثمَ قائلاً بنبرة حاول قدر الإمكان جعلها هادئة

-" ص.. صحيح .. داريوس هيبيلتن، أبلغ من العمر سبعة عشر عاماً و ثلاثة أشهر "-

انطلقت ضحكة مُستمتعة من فم إريريك حينها إثر سماعه لعدد الأشهر الذي لم يعتد على سماعه من شخص يقدم نفسه للمرة الأولى فزاد ذلك من إحراج داريوس الذي أخفضَ بصره للأسفل محاولاً التماسك مما جعلَ ماريون يضرب رأس إيريك باستياء بسيط

-" أنتَ شخص مزعج هل تدرك ذلك؟ "-
-" كما لو أنك الشخص الأكثر هدوئاً بيننا "-

نطق إيريك باستمتاع ثم التفتَ للخلف مشيراً لداريوس بأن يتبعه ليجلس في الردهة و ذلك ما فعله فتبعهم ماريون بهدوء مع ابتسامة جانبية

جلسَ الثلاثة على أريكة واحدة تتسع لأربعة أشخاص فبدأ إيريك الحديث مخاطباً داريوس بينما يشير لماريون

-" أنا ابن عمه بالمُناسبة "-

أومئ داريوس متفهماً بهدوء و قد استعاد جزئاً من طاقته بعد زوال التوتر فابتسم إيريك مُكملاً حديثه يخاطب ماريون

-" والدي و عمي ليسا بالمنزل حالياً كما أن مالفريد خرجَ مبكراً و لن يعود سوى بالمساء .. لوي ليس بالمنزل هو الآخر خرجَ دون أن يخبرنا عن وجهته كالعادة "-
-" هكذا إذن .."-
-" ماذا أرى هنا؟ وسيم يدخل منزلنا؟ "-

سمعَ الثلاثة ذلك الصوت الأنثوي لشابة في العشرين من عُمرها دخلت للتو و ذلك جعل إيريك و ماريون ينظران إليها بملل واضح بينما تقدمت هي بانفعال مع ابتسامة عريضة على وجهها تتفحّص داريوس الذي عادت نوبة الخجل إليه مجدداً لدى بعثرتها لشعره البندقيّ بمرح

-" إذن ما اسم الوسيم؟ "-

قالتها ممازحة إياه سوى أن ذلك كان كفيلاً بجعله يصل لأعلى درجات حرجهِ خصوصاً و كونها لا تزال تبعثر بشعره بشكل طفوليّ كما لو أنها تتحدث مع طفل في الحضانة يرغب بشرب كأس آخر من الحليب
تردد قليلاً قبل أن ينطقَ بخفة و هو يشيح بعينيه بعيداً عنها

-" د.. داريوس هيبيلتن "-
-" هيبيلتن إذن .. هذا غريب لم أسمع بهذه العائلة من قبل لعلك قادم من المناطق الشمالية "-
-" ش.. شيء من هذا القبيل "-

لا يزال يشيح بعينيه و ذلك جعلها تطلق ضحكة مرحة بينما تبتعد عنهُ أخيراً فرفع هو يداه يرتب شعره كما كان بينما نظرَ هو إليها بهدوء
تمتلك عينان بنيّة واسعة مع شعر طويل مُقارب للونِ شعر ماريون تربطه على شكل ذيل حصان خلفها .. من الوهلة الأولى يمكنه الحكم عليها بكونها فتاة طائشة و قوية

بحركة سريعة قامت باحتضان ماريون بشدة بينما تخاطب داريوس دون أن تكترث لصراخ الأصغر تحتها و الذي كان يأمرها بالابتعاد عنه

-" أدعى آديلين فاسبندر .. شقيقة هذا اللطيف .. يمكنكَ مناداتي ب آدي فحسب "-

قالت ذلك بينما تضغط في عِناق ماريون و تقاوم حركته العشوائية فانطلقت بذلك ضحكات إيريك الساخرة على وضع قريبه مخاطباً إياه

-" من الجيد أني لا أملك أختاً مثلها "-
-" ف.. فالتخرس و تهتم بشؤونك الخاصة إ.. إيريك "-

كان داريوس يراقب الوضع كاتماً ضحكته على حال ماريون
بعد حوالي نصف دقيقة ابتعدت أخيراً عن أخيها الصغير ليطلق عليها وابل من الشتائم فضحكت هي باستمتاع واضح و سرعان ما دخل شخص رابع الردهة

كان شاب يرتدي سماعات أذن ضخمة ذات لون بنفسجيّ يمتلك شعراً قرمزي داكن مع أعين كلونِ الثلج الفاتح يحدق بداريوس بشيء من الصدمة التي سرعان ما زالتْ ليطلق صرخة طويلة بينما يخلع سماعات أذنه و يضعها حول عُنقه مقترباً من داريوس

-" اللعنة ماريون لم يكن يمزح بخصوص الضيف ! "-

قال ذلك ضاحكاً ثم اقتربَ أكثر ليصافح بُندقي الشعر ذاك بابتسامة بلهاء عريضة بينما يعرّف عن نفسه بتباهي و بصوته المميز ذو البحّة و الحيوية في الوقت ذاته

-" تشرفتُ بمعرفتك يا...؟ "-
-" داريوس هيبيلتن "-
-" ياله من اسم جميل ! أدعى لاندري فاسبندر لا تكترث بشأن اسمي فأنا على علم تام بأنه اسم أنثوي و ذلك بسبب حب أمي المبالغ به بالفتيات يمكنك مناداتي بلاند كما يفعل الجميع هُنا، آوه أجل في الثامنة عشر من العمر "-

ابتسمَ داريوس أخيراً بشيء من الراحة فقد أدخلت ثرثرة المدعو لاندري شيئاً من الطمأنينة بقلبه و ذلك لأنه أخيراً عثرَ على أحمق رسمياً من بين مجموعة غريبي الأطوار هؤلاء

قضى داريوس وقته بين هؤلاء الأربعة و بالتدريج بدأ يعتاد على وجوده بينهم و بالمقابل لم ينزعجوا هم من وجوده بل على العكس تماماً
فمنذ دخوله للمنزل تم اعتباره فرد من الأسرة و ذلك ما استنكره هو و بشدة
جالت أغلب أحاديثهم حول الهوايات و أمور الرياضية بحكم إعجاب إيريك بها و أمور الموسيقى التي يعشقها لاندري و مواضيع المصارعة التي تنال على رضا آديلين فكانَ هو يشاركهُم الحديث مندمجاً حتى مر الوقت سريعاً و اضطرّ للمغادرة فنهضَ ماريون معه يوصله للبوابة و رافقهم إيريك

-" إذن لم أسألك بخصوص قدرتكَ الخاصّة؟ "-
-" لستُ أملكها "-

أجابَ داريوس على سؤال إيريك بابتسامة لطيفة فتفهّم إيريك الأمر بسهولة لينطق بمرح بينما يشير لنفسه

-" ياللمُصدافة، أنا كذلك لا أملك قدرة خاصة بعكس بقية أفراد أسرتي فجميعهم يملكونها عدا والدتي و على الأرجح ورثتُ ذلك منها "-

قال جملته الأخيرة بملل بينما يضع كلتا يديه خلف رأسه و يواصل المشي فنطقَ ماريون بعد أن توقف للحظة مخاطباً داريوس بينما يُخرج هاتفه من جيب بنطاله

-" بالمناسبة داريوس هل يمكنني الحصول على رقمك؟ "-
-" بالطبع "-

قالها بسرور ليخرج هاتفه هو الآخر من جيب معطفه الداكن و يتبادل الأرقام مع ماريون الذي ابتسم مُسجلاً اسم داريوس في هاتفه

-" هكذا يمكننا التواصل خارج إطار المدرسة "-
-" أجل "-

ردّ بسعادة قبل أن يفتح إيريك الباب أمامه و هو يطلب من داريوس إعطائه رقمه هو الآخر و سرعان ما مر أمامهم شابٌ عشرينيّ ليُسقِطَ إيريك بسبب تقدمه السريع و اصطدامهِ به فرفع أزرق الشعر ذاك رأسه مخاطباً الشاب بانفعال

-" ولكن ما خطبك مجدداً؟ ألا ترى أمامك؟ "-
-" اخرس "-

نطقَ بتلك الكلمة ببرود و تجاوزهم للداخل كما أنه لم يكترث لوجود داريوس بل لن يهتم بوجوده منذ البداية و ذلك جعل إيريك و ماريون يقطبان حاجبيه ما بانزعاج واضح و سرعان ما تنهّد عسليّ العينان يخاطب داريوس بابتسامة

-" إذن .. أراك غداً في المدرسة "-
-" أجل "-

قالها و ابتعدَ عنهما ملوحاً قبل أن يختفي من ناظريهما فأغلق إيريك الباب بعد نهوضه عن الأرض و توجه برفقة ماريون للداخل
بينما انتابَ داريوس فضول بخصوص هوية الشاب العنيف ذاك و الذي امتلكَ شعراً قرمزي كلون شعرِ لاندري تماماً يصففه للخلف بتسريحة عصرية غير أن لون عينيه كان أزرق بدرجة داكنة بعكس عينا لاندري الفاتحة يلائم ظُلمة وجهه المنزعج كما أن ملابسه شديدة السواد تجعله يبدو أكثر جموحاً و وحشية كما أنها تليق عليه بالفعل فقد انعكست مع بشرته البيضاء
بعثرَ بشعره البندقيّ بعشوائية يطرد تلك الشكوك من رأسه فلا يجب عليه أن يحكم على الأشخاص من مظاهرهم كما يقول شقيقه الأصغر طوال الوقت

تنهد باستسلام يطلبُ سيارة أجرة تقله لمنزله و طوال الطريق لم يكن يبعد نظره عن السماء السوداء و عن المباني الشاهقة في مدينته إضافة للمارة المنتشرين في كل مكان متجهين لوجهات مُختلفة

عائلة فاسبندر
ضلّ يفكر في ما إذا كان لأفراد هذه الأسرة دوراً في حياته المستقبلية و ما الذي سيحدث لاحقاً برفقتهم .. هو لا ينكر أن الفضول قد تمكن منه بالفعل خصوصاً أن ماريون أخبره أنه لم يقابل العائلة جميعها بالفعل
أي نوع من الأشخاص هم؟

-" ليمر كُل شيء على خير ما يُرام فحسب "-






يتبع ...





[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]-
رد مع اقتباس