عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 09-10-2010, 08:21 PM
 
بعض المواقف من حياتها مع الصحابة

كان من أهم المواقف في حياتها رضي الله عنها مع الصحابة ما جاء في أحداث موقعة الجمل في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، والتي راح ضحيتها اثنان من خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هما: طلحة والزبير رضي الله عنهما، ونحو عشرين ألفا من المسلمين، وتفصيل ذلك وارد في موضعه.

وقد أخرج ابن عبد البر عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها قتلى كثير وتنجو بعد ما كادت؟" وهذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.

وأخرج ابن عبد البر أيضا عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه، فلما مر ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر فقالت: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت أنك لا تخالفينه، يعني ابن الزبير، قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت.

بعض المواقف من حياتها مع التابعين:✿

أخرج ابن سعد عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: دخل بن أبي عتيق على عائشة وهي ثقيلة فقال: يا أمة، كيف تجدينك جعلت فداك؟ قالت: هو والله الموت، قال: فلا إذا، فقالت: لا تدع هذا على حال، تعني المزاح.

أثرها في الآخرين ( الدعوة - التربية ):✿

من أبلغ أثرها في الآخرين أنها رضي الله عنها روى عنها مائتان وتسعة وتسعون من الصحابة والتابعين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

وعن دورها رضي الله عنها في التعليم والإفتاء والإرشاد يقول السيد سليمان الندوي:

{إن الخدمة الحقيقية للعلم هي تبليغه إلى الآخرين واستخدامه في مجال تزكية النفوس وإصلاح الأمة وإرشادها إلى الصراط المستقيم، ولذلك جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكل صراحة ووضوح: " فليبلغ الشاهد الغائب"، فهل قامت عائشة رضي الله عنها بأداء هذه الفريضة وأدت مسئولية التعليم الملقاة على كاهلها؟

ومن هنا ندعو أولئك الذين يزعمون أن القيام بفريضة التعليم، وتبليغه ونشره اختص به صنف الرجال دون النساء أن يصحبونا لكي ينكشف عنهم الغبار ويتضح لديهم الواقع ويتجلى أمام أعينهم الدور البارز الملموس لهذا الصنف الرقيق الذي شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالقوارير.

التعليم:✿

من الحقائق التاريخية الثابته أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انتشروا في مختلف أرجاء العالم وشتى البلدان بعد النبي صلى الله عليه وسلم للقيام بواجب التعليم والدعوة والإرشاد، وكان بلد الله الحرام والطائف والبحرين واليمن والشام ومصر والكوفة والبصرة وغيرها من المدن الكبار مقرا لهؤلاء الطائفة المباركة من الصحابة.

وانتقلت دار الخلافة الإسلامية بعد مضي سبع وعشرين سنة من المدينة المنورة إلى الكوفة، ثم إلى دمشق إلا أن هذه الحوادث وانتقال دار الخلافة من مكان إلى مكان لم يزلزل تلك الهيبة العلمية والمعنوية والروحية التي قد ترسخت في قلوب الناس تجاه المدينة المنورة، وكانت المدينة المنورة حينذاك محتضنة عدة مدارس علمية ودينية يشرف عليها كل من أبي هريرة وابن عباس وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم.

إلا أن أعظم مدرسة شهدتها المدينة المنورة في ذلك الوقت هي زاوية المسجد النبوي التي كانت قريبة من الحجرة النبوية وملاصقة لمسكن زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت هذه المدرسة مثابة للناس يقصدونها متعلمين ومستفتين حتى غدت أول مدارس الإسلام وأعظمها أثرا في تاريخ الفكر الإسلامي، ومعلمة هذه المدرسة كانت أم المؤمنين رضي الله عنها.

فالذين كانوا من محارمها وأقربائها من الرجال والنساء ضمتهم إليها وربتهم في حجرها وعلمتهم، أما الآخرون فيدخلون وعليها الحجاب ويجلسون بين يديها من وراء حجاب في المسجد النبوي.

كان أناس يستفتونها ويسألونها عن مختلف القضليا وهي تجيبهم فينالون بركة تلقي السنة النبوية الشريفة غضة ندية من فم أم المؤمنين السيدة التي كانت ألصق الناس بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وأقربهم منه، وربما كانت هي التي تثير سؤالا ثم تبدأ في الإجابة عليه، ويستمع الناس لها بآذان صاغية وقلوب واعية.

كما أنها كانت تولى عناية فائقة واهتماما بالغا بتصحيح لغة تلايذها وتعويدهم على النطق الصحيح مع مراعاة القواعد اللغوية.

قال ابن أبي عتيق: تحدثت أنا والقاسم عند عائشة رضي الله عنها حديثا، وكان القاسم رجلا لحانة وكان لأم ولد، فقالت له عائشة: "مالك لا تحدث كما يتحدث ابن أخي هذا؟ أما إني قد علمت من أين أُتيت؟ هذا أدبته أمه وأنت أدبتك أمك"، وكانت أم القاسم أمَة.

كما أنها كانت تقوم بتربية وحضانة عدد من اليتامى والمساكين غير هؤلاء التلامذة، وما كانت تضن على أحد منهم بشيء من العلم، أما غير المحارم فكانت تجتجب عنهم.

والذين لم تسنح لهم فرص الدخول على أم المؤمنين لكونهم من غير المحارم كانوا يتأسفون ويحزنون على عدم تمكنهم من الاستفادة الخاصة، يقول قبيصة: "كان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة".

وقد دخل الإمام إبراهيم النخعي (إمام أهل العراق) على عائشة رضي الله عنها في صباه، فكان أقرانه يحسدونه على ذلك، عن أبي معشر عن إبراهيم النخعي: "أنه كان يدخل على عائشة، قال: قلت: وكيف كان يدخل عليها؟ قال: كان يخرج مع خاله الأسود، قال: وكان بينه وبين عائشة إخاء وود".

كان من عادتها رضي الله عنها أنها كانت تحج كل عام، حيث تكون نقطة تجمع للمسلمين في مكان واحد وفي يوم واحد، فتضرب لها الخيام بين جبل حراء وثيبر ويقصدها طلاب العلم وعطاش المعرفة من مشارق الأرض ومغاربها لينالوا بركة تلقي السنة النبوية غضة ندية من فم أم المؤمنين رضي الله عنها.

ولم تكن رضي الله عنها تتحرج من إجابة المستفتين عن أي مسألة من مسائل الدين، ولوكانت تتعلق بالشؤون الخاصة، بل كانت تشجع المستفتين الذين يأخذهم الحياء أحيانا من السؤال عن مثل هذه الشؤون، وعندما قال لها الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك، فقالت: "سل ولا تستحي فإنما أنا أمك".

والواقع أنها كانت تربي تلامذتها مثل الأم، وتتجلى لنا هذه الصفة في تعليم وتربية عروة والقاسم وأبي سلمة ومسروق وعمرة وصفية رضي الله عنهم، وكانت تتكفلهم وتنفق علهم من مالها الخاص.

وكان بعض أقاربها يحسد بعض تلامذتها لما يرون من معاملتها الخاصة معهم، وهذا عبد الله بن الزبير الذي كان من أحب الناس إلى عائشة رضي الله عنها وابن أختها كان يقول للأسود بن يزيد: " أخبرني بما كانت تفضي إليك أم المؤمنين".

وكان تلاميذها أيضا يوقرونها ويجلونها، وهذه عمرة - تلميذتها الخاصة - كانت أنصارية لكنها تنادي أم المؤمنين بالخالة، وقد تبنت عائشة رضي الله عنها مسروق بن الأجدع التابعي الجليل، فكان إذا حدث عنها يقول: "حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة".

هذا وقد تخرج من مدرسة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عدد كبير من سادة العلماء ومشاهير التابعين، ومسند الإمام أحمد بن حنبل يضم في طياته أكبر عدد من مروياتها رضي الله عنها، وحسب الإحصائية التي قمت بها أنها بلغت مائتي رواية، سواء رواها عنها الصحابي أو التابعي، الحر أو العبد، القريب أو البعيد، وقد أفرد الإمام أبوداود الطيالسي رحمه الله (ت 204 هـ) مرويات تلامذتها على حدة في مسنده، ولكنه مختصر جدا، فلم يحتو على عدد كبير من الأحاديث، وعد الإمام ابن سعد في الطبقات الكبرى تلامذتها وذكر أخبارهم، كما أن الحافظ ابن حجر العسقلاني قام بإحصاء الرواة عنها من أقاربها ومواليها والصحابة والتابعين في كتابه تهذيب التهذيب.




الإفتاء:

قضت السيدة عائشة رضي الله عنها بقية عمرها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كمرجع أساسي للسائلين والمستفتين، وقدوة يقتدي بها في سائر المجالات والشؤون، لكن من حسن حظنا أن خزانة تراثنا الإسلامي غنية بتلك الشهادات المسجلة القاطعة والحاسمة التي تؤكد لنا وتجعلنا نقطع بالقول: إن عائشة رضي الله عنها كانت مرجع الصحابة في كل شيء، وما أشكل عليهم شيء من الحديث أو الفقه إلا وجدوا عندها منه علما، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشيختهم يسألونها ويستفتونها.

وقد عدها ابن القيم في المكثرين من الفتيا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

"وكانو بين مكثر منها ومقل ومتوسط" والذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونيف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم. قال أبومحمد بن حزم: ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم.

عائشة تفتي في عهد الخلفاء الراشدين:✿

كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد استقلت بالفتوى وحازت على هذا المنصب الجليل المبارك منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبحت مرجع السائلين ومأوى المسترشدين، وبقيت على هذا المنصب في زمن الخلفاء كلهم إلى أن وافاها الأجل.

يقول القاسم بن محمد أحد الفقهاء السبعة في المدينة المنورة:

"كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت يرحمها الله".

وحتى عمر الفاروق رضي الله عنه الذي كان مجتهد الإسلام والدين لم يستغن عن هذه المشكاة النبوية.

وكما هو معروف أن كل صحابي لم يكن مسموحا له بالافتاء في عهد عمر رضي الله عنه، بل كان ذلك الأمر إلى البعض من خاصة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم الذين كانوا يفتون، وهذا يدلنا على مدى اعتماد عمر رضي الله عنه على عائشة أم المؤمنين والاعتراف بفضلها ومكانتها العلمية وسعة اطلاعها ومعرفتها}..هـ.

بعض كلماتها: ✿

أخرج ابن سعد عن عائشة أنها قالت حين حضرتها الوفاة: يا ليتني لم أخلق، يا ليتني كنت شجرة أسبح وأقضي ما علي.

روايتهآ للحديث

فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الأحاديث النبوية ألفين ومئتين وعشرة أحاديث.
قال الحافظ الذهبي في السير: مسند عائشة ألفين ومئتين وعشرة أحاديث.. اتفق لها البخاري ومسلم على مئة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين.


يمنع الرد لحين الانتهاء
__________________