عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-27-2008, 03:59 PM
 
رد: يا ابن آدم.. أتتك فرصة العودة إلى صراط ربك

التجئ إلى الله سبحانه وتعالى، وضع بين يديه شكواك، وأطل أنينك على باب المولى سبحانه وتعالى، وانتهز فرصة هذا اليوم، اليوم الذي يتجلى فيه ربنا سبحانه وتعالى على عباده جميعاً بالرحمة والمغفرة والصفح والإحسان.وليست المشكلة في حياة الإنسان أن يكون عاصياً، ولكن المشكلة في حياته أن كون مستكبراً على الله سبحانه وتعالى، أجل؛ وكيف يكون العصيان مشكلة في حياة الإنسان الذي يقف بذل عبوديته لله وربنا هو القائل: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}. المشكلة أن تكون محجوباً عن الالتجاء إلى الله، المشكلة أن تكون محجوباً عن انتهاز الفرص، ويومُ عرفة فرصة نادرة من العام كله قد لا تتكرر في حياتك بعد اليوم. لا تدري؛ انتهزها، وجدد الاصطلاح مع الله سبحانه وتعالى خلال اليوم، ولا تبارح بابه من الصباح إلى المساء، ومهما كانت أعمالك التي تتقلب فيها فأشعِر نفسك أنك إنما تمارسها قربى إلى الله سبحانه وتعالى، أشعِر نفسك أنه عمل صالح سخرك الله سبحانه وتعالى له إنما تريد من قيامك به أن تتقرب إلى الله عز وجل، وليمضِ يومك وأنت منكسر، وأنت تشعر بالمسكنة والذل وأنت صائم، واذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيما صح عنه وقد سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: ((أحتسب على الله سبحانه وتعالى أن يكفر الله عز وجل به عاماً مضى وعاماً بعده)). صوم هذا اليوم كفارة فيما يخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم، كفارة لذنوب عام مضى وكفارة لذنوب عام مقبل، ولكن توج صيامك بهذا الذي أقوله لك، توج صيامك بالذل والمسكنة والانكسار، وأقبل على الله عز وجل وأنت متجلبب بجلباب الذل لله سبحانه، وأنا واثق أنك إن فعلت ذلك واستعملت هذا الدواء فلن يمر النهار إلا وأنت كأنك قد خلقت من جديد ، عادت صفحاتك بيضاء نقية وممحية الآثام، وزالت الذنوب، وتجافى عنك ثقلها، وقبِل الله سبحانه وتعالى منك إقبالك إليه وتوبتك بين يديه.أما إن كنت والعياذ بالله من الفريق الثاني، من هؤلاء الجاحدين بهوياتهم، الذين وضعوا هوياتهم تحت أقدامهم أو ألقوها ظهرياً وراءهم، لا تؤمنُ بأن لك رباً يقودك، بيده ناصيتك، بيده تقلباتك حركاتك وسكناتك. إن كنت من هؤلاء السكارى التائهين الذين ركبوا رؤوسهم استكباراً على الحق، ومن ثم ركبوا رؤوسهم استكباراً على الله سبحانه وتعالى،فأنا أقول لهؤلاء كلمة واحدة لا ثاني لها بعد أن أذكرهم بضرورة الرجوع إلى العقل قبل فوات الأوان، أقول: إن كان الأمر كما تتصورون، وإن كنتم حريصين على أن تنهجوا هذا النهج لا تبتعدون عنه ولا تنحرفون عنه لا يمنة ولا يسرة؛ فإنما أطلب منكم شيئاً واحداً هو أن تظلوا ثابتين على استكباركم هذا وأن تظلوا ثابتين على جحودكم لهوياتكم عباداً أذلاء لله سبحانه وتعالى، أطالبكم بأن تكونوا ثابتين على هذا المنوال إلى أن يذهب ميقات الاستكبار، وإلى أن تحين الساعة التي تجدون أنفسكم فيها متمددين على فراش الموت عندما يشم أحدكم رائحة الموت وقد أقبلت إليه تزكم أنفه،لا بل تزكم كيانه كله، أريد أن تكونوا في هذه الساعة ثابتين على استكباركم، ثابتين على إنكاركم، ثابتين على مكابرتكم إن استطعتم أن تكونوا في تلك اللحظات التي تستلبون فيها من حياتكم الدنيوية هذه، والتي تمزق فيها أنانيتكم ورعونتكم شرَّ مزق. إن كنتم قادرين على أن تصمدوا بهذا الذي تتمسكون به كصمودكم اليوم، فهنيأً لكم هذا الثبات،ولكن من هو هذا الذي يرحل عن هذه الحياة الدنيا وهو لا يزال يصم أذنيه ويعمي عينيه ويتجاهل ذل عبوديته لله سبحانه وتعالى، صدق الإله القائل: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد، ونفخ بالصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} والغطاء الذي يكشف، لا يكشف يوم القيامة بل يكشف عند الموت. ما أغرب حال الإنسان الذي تنتفخ أوداجه وينتفخ كيانه استكباراً على الحق وسكراً بالباطل، حتى إذا داهمه الخطر وطاف به طائف الموت رأيته ذليلاً منكسراً، رأيته كائناً تافهاً، ولكن هل سيتسنى له إن ذلل أن يعود إلى الحق، هل سيتسنى له إن زال أن يعترف بما كان ينكره من قبل،وإني أسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يجعل فينا واحداً من هؤلاء الذين أسكرتهم رعونتهم فتاهوا عن هوياتهم، وتاهوا عن المصير الذي ينتظرهم، لكن ينبغي أن اقسم الإنسانية إلى هذين الفريقين. تلك سنة الله عز وجل في عباده.لعل فيكم من يقول أليس هنالك فريق ثالث؟ ذلك الفريق الذي يتمثل في إنسان عرف ربه، وسار على صراطه، والتزم بأوامره، وحمد الله عز وجل انه لا يحمل شيئاً من الأوزار التي تثقله، وأنه لم ينحرف قط يمنة أو يسرة عن صراط الله سبحانه وتعالى. أليس في الناس من يمكن أن يكون من هذا الفريق؟!.. لا أيها الإخوة، ليس في الناس من يستطيع أن يعد نفسه من هذا الفريق الثالث إطلاقاً بشكل من الأشكال. مَنْ مِن عباد الله عز وجل أياً كان يستطيع أن يجزم بأنه قد أدى أوامر الله كاملة غير منقوصة؟! مَنْ مِن عباد الله عز وجل كائناً من كان يستطيع أن يجزم بأنه قد وقف على شرع الله وآدابه، لم ينحرف عنها يمنة ولا يسرة قط، ولم يرتكب موبقة من الموبقات، وأدى حقوق الله عز وجل في عنقه كاملة غير منقوصة؟! مَنْ مِن عباد الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يجزم بهذا؟! إذاً فما معنى قوله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخركم إلى أجل مسمىً}؟ليس في الناس من يجزم بأنه سائر على صراط الله سبحانه وتعالى، ملتزم بأوامره سبحانه. ولكن، ولكن الإنسان يمكن أن يحسن الظن بالله، ويتصور أن الله سبحاه وتعالى سيلحقه بالصالحين، سيدخله مع كوكبة عباد الله المرضيين، ممكن، أما أن يعد نفسه من الصالحين؛ فإن الأنبياء - بل سائر الناس – لم يعدوا أنفسهم بهذا الشكل. ماذا كان يقول سيدنا إبراهيم خليل الرحمن {ربِّ هب لي حكماً وألحقني بالصالحين}. لم يكن يتصور أنه أهل لأن يكون من الصالحين، ولكنه كان يتصور أن الله إن ألحقه بالصالحين فضلاً منه وإحساناً فذلك خير كبير يدخره الله سبحانه وتعالى له. ماذا كان يقول سيدنا يوسف {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين}.ليس لنا أيها الإخوة أن نتخيل أن كواهلنا خالية عن ثقل الأوزار، كلنا مثقلون بالأوزار وكلنا شاردون عن صراط الله سبحانه وتعالى ولكن هناك أمل واحد نتمسك به، ألا وهو أن نُقبل على الله عز وجل نجعل من ذل عبوديتنا له شفيعاً بين يدي تقصيرنا. نجعل من التجائنا إليه في المناسبات والفرص السانحة، نجعل من ذلك كله دواءً لأدوائنا. هذا هو الأمل، الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يصلح لنا أعمالنا، بهذا يصل من يصل إلى الله سبحانه وتعالى. أما أن يأتي من يقول: أما أنا فقد أديت كل ما أمر الله عز وجل به وانتهيت عن كل ما نهاني الله سبحانه وتعالى عنه، هذا الذي يقول هذا الكلام كلامه حجة عليه، كلامه هذا هو دليل شروده عن صراط الله، وعن جهلهن حقوق الله المتراكمة عليه.
رد مع اقتباس