عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 07-19-2016, 12:05 AM
Sia
 
الجزء الخامس [ شيء خاطئ وعيون زئبقية ! ]



دوى صوت خطواتي في المنزل الشبة مظلم وكأن الوقت الغروب , قلت مفكرة بدهشة , لقد شفيت بسرعة غريبة وأنا أقف على قدمي ...
حدقت بالدرج الطويل المفضي للطابق الأعلى المظلم بشكل أشد ..
ناديت : أبي .. ؟!
لكن لم أتلقى رداً ... كان الصمت شديداً .. صعدت الدرج بتوتر غريب انتابني .. مالأمر , أين أبي ؟!.و أين جيني ؟!.
مشيت بالممر في العتمة وخوفي يزداد .. مررت من نافذة الممر و سمعت صوت غراباً عالياً فوق الشجرة قرب النافذة , حدقت بضيق في الغراب الأسود الذي بادلني التحديق بعينيه السوداوين .. فتشاءمت منه و شعرت بالسؤ ...
تبا .. أني لا اعتقد بهذا !... لكني على حافة الرعب !.
ناديت بأنفاس مقطعة وأنا أحدق بالممر الذي يغرق بالظلام أكثر وأكثر : أبي ؟! أ...أبي ؟!.
مرت ثانية ثم سمعت صوت اجابني ..." تا...تاتا ... تاا ..."
شهقت وقلبي يقع من مكانه : جينـــييي !!
وركضت بالظلام أناديها : جيني ... حبيبتي , أين أنتِ ؟!... رباه جيني ..
رأيتها تزحف داخل غرفة ما مفتوح بابها , فهرعت خلفها اتخبط , لا أدري كيف لكن الطفلة وهي تزحف أسرع مني وأنا أركض !!
دخلت خلفها شبة ميتة من الرعب أتذكر الوحش ذو العيون الحمراء قد يقتلها...!
لكن ما رأيته شيء آخر تماماً...
كانت الطفلة تزحف نحو شخص ما واقف أمام النافذة التي يطلع منها القمر المكتمل الكبير ..ولم أرى ملامحه .. لكنه رجل كبير بمعطف بني , أنحنى هو و حمل جيني برقة ... شعرت به يحدق بي عندما اعتل منتصباً.
مد إلي بيده ... كانت تتدلى منها سلسلة فضية ناعمة للغاية , بنهايتها عقدة ما ... لم أفهم ....!!
حدقت به جيداً , ماذا يريد ؟!.. لكن الصمت كان مطبقاً هنا , .. كما أنني لاحظت لون عينيه الذي برق فجأة .. عينان خضراء رمادية عميقة ... وابتسامه صغيرة جداً...
_ آ آ ه ه ...!!
شهقت منتفضة بقوة هزت كل أوصالي...
_ آوه آسفة جداً , هل أنت بخير ؟!
انتبهت للخشب الذي أمام أنفي , دار رأسي لثانية ثم رفعته لأعود للواقع ... حدقت بفتاتين واقفتين قربي .. أحداهما بشعر أشقر داكن والأخرى بشعر بني محمر قصير , ينظران نحوي وكأنني مجنونة صعقت بكهرباء !.
قالت الفتاة الشقراء بأسف مجدداً : آسفة , كنتِ نائمة بعمق وقد انتهى الصف منذ وقت طويل..!
لكن الفتاة الأخرى قالت بصوت رنان منفعل قليلا : لكني لست آسفة !, بدا لي أنك تواجهين كابوساً , كنت ترتجفين فترة طويلة قبل أن نعيدك للواقع...
ثم ابتسمت بذكاء .. فحدقت بها رفيقتها بخجل وقالت بينما أنا اعدل شعري المنفوش وارتب قميصي :
_ آمم المهم الآن كيف تشعرين تبدين شاحبة ..
بللت شفتي واستعدت انفاسي لأقول بهدوء : آوه شكراً , أنا بخير...
قالت الفتاة ذات الشعر القصير بلطف : هل تحبين أن تشربي معنا شيء ما ؟.
ترددت وأنا أنظر لهما , لست واثقة .. أيمكنني هذا . أشعر بأني أود العودة للبيت لأطمئن على جيني و والدي ..متأكدة أنه ليس الذي بالحلم الغريب...! وياله من نوع غريب من الغرابة !.
_ لا أظن أنـ...
قاطعتني الفتاة نفسها : صدقيني , ليمون بارد ممتاز جداً .. بالمناسبة أنا لونا وهذه ستيلا . أنت كلآرا صحيح ؟!
حدقت بهما بتوتر , عقلي يعمل بكد وتعب ... حسنا...
ابتسمت بوهن و قلت : تشرفت , لونا , ستيلا .. حسنا لا بأس بالنسبة للعصير.
سارت لونا بجانبي و ستيلا أمامنا .. وهما يبطئان السير لأجلي .. فحاولت ألا أبدو بائسة متعبة .. بينما أحداث الحلم تدور بعقلي .. جلسنا في المطعم الذي كان واسعا جداً ومكتظا ً بالطلاب والأصوات .. حدقت بالساعة بينما ذهبت ستيلا لجلب العصير .. كانت الساعة الثانية عشرة ظهراً , كما أنه بقي صف واحد فقط لمدة ساعة و أعود للبيت...
شعرت بأني غائبة عن البيت منذ شهر ... أود بشدة رؤية أبي و جيني ... لكني لا أريد أن أكون حمقاء .. سأهدأ .. كل شيء بخير... ذلك كان مجرد حلم ...
_ إذن .. كنا معاً في صف الحساب ^^.
كانت لونا تبتسم لي , فبادلتها الابتسام .. قالت وهي تنظر حولها بحماس : هي , كان بجانبك شاب ما غريب , أعني جديد .. هل تعرفين من هو ؟!.
التفت نحوها فكانت تغمز لي مازحة .. شاب , من ؟!... عمل عقلي بتعب أكثر ولم اتذكر شيئا...
لكني عدت للنظر متظاهرة بالتفكير بعيداً نحو الشرفات التي تطل على الخارج . واتسعت عيناي , لقد رأيته و تذكرته فوراً , وكان هو أيضاً يحدق بي بعبوس وعيون حادة ضيقة ولامعه من هذا البعد ...! كان يتكأ وحده على جدار جانبي حيث لا يراه أي أحد ألا من موقعي أو قريب ...
اللعنة ! , قلت بقلبي وأنا أعض شفتي ... ماكان اسمه ... تبا كنت آمل بأن كل شيء حلم أو كابوس .. أو هلوسة غبية...
كان يحدق بي بذقن مرفوعة وبرود , وكأنه يعرف ما أفكر به ويقول ساخراً شئت أم أبيت هذا كله حقيقي ..
_ آه ..
_ ماذا ؟!... إلى أين تنظرين ؟!.
قالت لونا بفضول وهي تحاول النظر حيث أنظر , قلت لها بتوتر : آه لا شيء... فقط أردت فجأة العودة للبيت...
نظرت نحوي بعطف وقالت برقة : آه لا عليكِ بقيت ساعة واحدة , لنا جميعاً , آوه صحيح أريني جدولك لأرى أن كنا بنفس الصف , أنا وستيلا نأخذ نفس الدروس ونستمتع معاً .. ماذا عنك ؟.. سيكون جميلاً أن كان لديك صف تاريخ بعد قليل...
أريتها ورقة الجدول بهدوء وقلت بتهذيب : شكراً , هذا لطف منك .
_ آوووه ... تقريباً نفس الجدول . لديك تاريخ بعد قليل , هذا رائع .
ابتسمت لها , و أقبلت علينا ستيلا بأكواب العصير .. شربنا قليلا , لكن الفتيات كما هو واضح فضوليات لأمري .. وأخذن يسألنني من أين قدمت وأين أسكن و من هم أفراد عائلتي ..
من الجيد أنهن لم يسألن شيئا عن أصابتي .. أو مالذي حدث .. فقط كنت كالطالبة الجديدة الآن !.
سرنا لصف التاريخ كان واسعاً وعدد الطلاب ليس كثير جداً .. كما أن المقاعد متفرقة بشكل عامودي , جلسنا أنا والفتيات بمستوى واحد .. ودخل الطلاب ليشغلوا مقاعدهم .. ضاحكين مثرثرين مع بعضهم ..
وفجأة دخل ... ذلك الشاب الغريب , ساد صمت غريب لثوان , ثم عاد الكل للكلام بصوت اهدأ قليلا وبحماس متوتر وعيون فضولية إليه ...
آخ تذكرت اسمه .. ليونارد... طيب .. لا أزال لا أفهم مالذي يريده ...
سار ببطء وبرشاقة بين المقاعد مر من جانبي متجاهلاً إياي تماماً و جلس خلفي بصمت ... لقد تصلب جسدي وتوترت كثيراً بسببه .. لكني حاولت الاسترخاء أكثر وأكثر وأحاول أن استعيد حواري السابق معه....
أني مرهقة وما كان علي النوم في الصف , ولما لم يوقظني هذا الابله خلفي .. تركني نائمة وخرج .. , المهم ماذا كان يقول لي... آه ... آه ... شيئا ما عن... محاولة حل مشكلة ؟! , وأنه للمساعدة هنا....!
أني لا أرى فيه شيئا يساعد =.=" ...
دخل استاذ التاريخ , رجل بدين لطيف ... و بدأ الشرح من فوره , ولم يلاحظ وجود طلاب جدد .. هذا جيد بالنسبة لي... لا أحب أن يلاحظني أحد .. سيكون هذا مريحاً جداً...
مر الصف بسهولة وسلام .. ثم قرأ الاستاذ الاسماء وانتبه لي و ذكر كذلك اسم ليونارد ..لكنه لم ينطق اسم العائلة .. هز رأسه عندما رآنا ولم يعلق على شيء... فتاة مقعدة تبدو كالأشباح , وفتى غامض يبدو كمصاص دماء ..!
عندما هممت بالحركة , سمعته يقف .. ثم اقترب إلى جانبي الآخر من جهة الجدار ... همس وهو ينظر بعيداً وكأنه لا يحدثني :
_ سأدفعك أنا , اطلبي من رفيقاتك الذهاب , أن سألن عني . قولي بأني صديق قديم ..
رفعت رأسي أنظر إليه , آخ عنقي !.. أنه طويل . المهم أني سمعته لا حاجة للنظر إليه .. التفتُ لأنظر نحو الفتاتين اللتين تحدقان بنا بتوتر و غرابة ...
ابتسمت لهما وتحركت قليلا , فاقتربتا وقالت ستيلا : لقد انتهينا أخيراً الاسبوع المقبل ستبدأ الاختبارات التقويمية ... هممم هل نخرج الآن ؟!.
ابتسمت بتوتر وألقيت نظرة سريعة على الذي خلفي قرب النافذة , قلت بأسف أنظر إليهما : أجل لكن , هو سيرافقني...
نظرن نحو بخجل , ثم قالت لونا : آه , هذا صديقك .. صحيح !.
قلت سريعاً : أنه مجرد ... صديق قديم . سيساعدني ..
هزت الفتيات رؤوسهن تفهماً , فمن الواضح جداً لهن أن ليونارد غير مهتم أبداً سوى بالمساعدة... كما أن وجهه لا يوحي بأنه مستمتع بالأمر ...!!
قالت لونا بمرح : حسنا إذن . نراك غداً ^^
_ إلى اللقاء كلآرا...
ودعنني و خرجن سريعاً , ارتحت لهاتين الفتاتين الطيبتين ... وشكرت الله , لا تبدوان من أصحاب الفضول الشديد بل فضول طبيعي يمكنني التعامل معه...
سأحدث والدي عنهما و سيسعد هو و يرتاح قلبه أن رآني أشق طريقي الطبيعي في الحياة !.. آه ياله من وضع ...
دفعني ليونارد فجأة فشهقت وتمسكت بقوة ... قلت بتوتر : هاي , من فضلك .. استطيع دفع نفسي .
_ كلا , ابقي هادئة ..
رد علي ببروده فصمتُ وهو لم ينطق كذلك , عند العتبات كان يرفعني وكنت مصدومة جداً منه , أنه يرفعني بكرسيي وكأن لا وزن لي ..! كأنه يرفع كتاباً عن الأرض .. ثم يضعني بسرعة وخفة قبل أن يلتفت أحد نحونا ...! أنه غريب جداً ... ترى ما يكون ؟!
أصبحنا في الباحة المتربة ... أوقفني بمكان ممتاز بعيد عن سير الطلاب وقريب من البوابة حيث أرى السيارات ...
تركني و سار قليلا ليقف في ظل شجرة يراقبني بنظراته الغريبة الدقيقة .. وكأنه يتوقع أن أتحول لدودة أرض أو ماشابه !!
_ هاي كلآرا !.
التفت بسرعة نحو مصدر صوت هادئ لطيف , فرأيته .. أنه أليكس .. الفتى الهادئ... رأيته يترك رفاقه و يتقدم إلي ...
دهشت وهو يرمي لي بقطعة شوكولا من مسافة قصيرة ... امسكت بها مبتسمة بمرح ..
قلت ضاحكة : آه شكراً ..
_ كيف حالك ؟!.
توقف بجانبي وهو يراقب السيارات ...
_ أفضل , وأنت ؟!.
ابتسم وهو يرد : جيد جداً , مع أنك تبدين شاحبة مرهقة , لكنك قد تحسنت .. كيف كانت الدروس ؟!.
مع أنه في الخامسة عشرة لكني أشعر بأنه أكبر مني بكثير... تنهدت وقلت بهدوء : لا بأس بها ...
بالطبع لن أذكر بأني نمت في آخر الصف ...حدثني قليلا عن دروسه وكم كانت مملة تجلب الصداع , ثم تحدث عن الجو الملبد بغيوم بيضاء لا تنذر بشيء سيء ... بعدها بثوان سمعت صوت والدي ينادي ..
كان يقف بالسيارة أمام البوابة تماماً .. جعل هذا بعض الطلاب ينزعجون .. لكنه لم يبال بهم بل اشار إلي بيده وقد رسم ابتسامه صغيرة ... تسائلت هل جيني معه ؟!
قال أليكس : سأساعدك ..
وأخذ يدفعني برفق نحو السيارة , في حين خرج والدي .. التفت بي وانحنى والدي يريد حملي , وأمام الفتية مستحيل ..
قلت بسرعة وخجل : لا .. لا أبي أنا أرفع نفسي ...
تراجع أليكس يكتم ضحكة من تعابير وجهي ... لكن والدي طبعا لم يستمع لي .. بل بسرعة خاطفة رفعني و وضعني على المقعد الجلدي البارد ... حدقت به بغيض لكنه تجاهلني و أخذ الكرسي... تقدم أليكس وقال بمرح :
_ اراك لاحقاً , كوني بخير ...
_ شكرا لك أليكس ..
أقترب أبي وصافح أليكس وشكره وعرض عليه أن يوصله أيضا , لكن أليكس رفض لأنه سيذهب مع رفاقه للدراسة بمكان ما ... صعد والدي وراء المقود و تحرك بسرعة ...
_ هاي حبيبتي , كيف كان يومك ..؟!
_ جيد جداً , كان اليوم لطيفاً ..الدروس لا بأس بها وقد تعرفت إلى بعض الفتيات.
تعمدت البدء بالثرثرة وحذفت ذكر ليونارد الغامض وتلك الأحاديث المخيفة ..!
نظر نحوي نظرة خاطفة وابتسم بحنان, علق قائلا وهو يحدق بالطريق : آوه هذا رائع .. سترين أنه يوما عن يوم ستتحسن الأوضاع بكل شيء... الزمن كفيل بعلاج الجراح.
_ واو يالها من حكمة عميقة . لا بأس أنت محق ..
ثم هززت رأسي وقلت فجأة : مهلاً ... أين جيني ؟!.
قال أبي بارتياح : نائمة بالمنزل .. للتو تغذت ونامت تلك المزعجة الصغيرة ..
سألته بهدوء : ماذا عن عملك ؟!.
_ أني جيد تماماً بالأمور الادارية ..تعرفين هذا عزيزتي كما أن الوظيفة رائعة والمرتب ممتاز .. أنه لا يجعلني امتيازاً لشيء لأنه صديق قديم لوالدي .. لكن السيد فرانس رجل قدير جداً .
غاص قلبي فجأة وقد عادت ذكرى الحلم ... والد أبي... هو من كان بالحلم ...!! آووه .. لأن ...لون عينيه مشابه تقريباً لعيني أيضاً... ما ... ما شأنه ؟! , وما .. كان يريد.... وما شأن جيني ؟!...
تقلصت معدتي اضطراباً , فحاولت أن اهدأ ... يجب أن اهدأ ....
حدق بي أبي وقال بتردد : حبيبتي ؟!.
هززت شعري ونظر إليه احاول الابتسام و طمظانته ...وصلنا للمنزل وقدم لي والدي بعض الطعام , ثم صعد ليطمئن على جيني ...
دخلت بغرفتي وضعت حقيبتي ولم أبدل ملابسي ... فقط غسلت وجهي و لملمت شعري مجدداً .. ثم أخذت بعض كتبي للدراسة بالردهة ...
قفزت من كرسيي إلى الأريكة الواسعة بسعادة دون أن يراني أحد و يهلع .. ثم وضع كتبي على الطاولة وقربتها مني ... بدأت أحل الواجبات ... ثم ظهر أبي يمشي بسرعة ...
حدقت به وهو يفتح بعض الأدراج بعصبية يبحث عن شيء ما ..
قلت بتوتر : مالأمر ؟!.

قال آسفاً بهدوء : آوه لا شيء مهم , أظنني وضعته بمكان ما ونسيت ..
_ ماذا ؟!
_ مفتاح الغرفة .. آه غرفة الرسم , بها أموراً أريد رؤيتها... لكنها مقفلة ولا أدري أين اختفى المفتاح !.
ضيقت جبيني .. غرفة الرسم .. اقترب مني و ألقى إلي بجهاز الاستماع الخاص بـ جيني ...قال
_ ابقي هذا معك قليلا حبيبتي .. سأبحث بعض الوقت...
أومأت بهدوء وهو ذهب نحو غرفة المكتب .. عندما عدت لمحاولة حل واجباتي , واجهتني الصعوبة وكنت أحدق فاغرة لا أفهم شيئاً ... تأوهت بحنق ! .
أني بحاجة ماسة فعلاً لمدرس خاص أو مدرسة مهما كانت !!... وهم كانوا على حق .. تباً !.
أغمضت عيناي بقوة و حككت جبيني , بعد ثانية سمعت شيئاً... فتحت عيناي بسرعة و حدقت بالجهاز اللاسلكي !.
لقد سمعت صوت تكة ما .. كأنه نافذة تفتح أو باب أو....
" تاتتا .. دوي .. مما.. ماما... تاتا... بابا...! آبا ... "
شعرت بكهرباء تضربني ... جيني مستيقظة , و كأنها تتحدث مع نفسها .. أو....
_ أبيييي !!!
ناديت بصوت عالي... فسمعت صوت خطواته السريعة راكضة .. دخل فزعا وهو يقول بعيون متسعة :
_ ماذا ؟! مالأمر... كلآرا ؟!
_ جيني ...!
فكرت قد يكون الأمر سخيفاً ... لكني تابعت بصوت مضطرب بينما والدي يحدق بي وكأنني قد جننت :
_ آه جيني ..لقد استيقظت كما يبدو , اسمعها تتكلم .. لقد افزعتني قليلاً ..
_ آوه !.
تنهد والدي ثم قال وهو يتحرك خارجاً : سأجلبها إن كانت مستيقظة ..
بعد دقيقة عاد و جيني تصفق بمرح بين ذراعيه ومعه بطانية صغيرة ولعبتها البلاستيكية وضعها على الأرض فوق بطانيتها وسلمها اللعبة .. ثم نظر نحوي وقال بوقار :
_ سأذهب لصنع القهوة , أتحبين أن تشربي قليلا ؟!.
قلت بهمس : أجل ..
أخيراً لا يعترض على شرب القهوة .. تابعت بريبة خافتة : آممم بقليل من السكر والكريمة... ربما ؟!.
أومأ موافقاً و غادر , عدت لمحاولة حل واجباتي بينما جيني تزعجني بصوتها ولعبها , آه لقد بالغت في ردة فعلي مجدداً لم يكن هناك من شيء مقلق ..
نظرت نحو الصغيرة ابتسمت لها فضحكت و قبضت على شيء ما في الأرض ثم وضعته بسرعة خاطفة بفمها , أنا صدمت رعباً وسقط فكي وأنا أحدق بها ... هي على بعد مترين تقريباً ... لذا وبلا تفكير كثير لانقذ الطفلة ..
قفزت من مكاني إلى الأرض إلا بي قربها مددت ذراعي أسحبها إلى حجري و أمسك بوجهها بين يدي وهي أخذت تقاومني بعصبية وقد أقفلت فمها بأحكام !!
صرخت بصوت مرعوب : جينيييي ! افتحي فمك ! مالذي بلعته ؟!... افتحي فمك يافتاة...!!
وحاولت أن افتح فمها ونجحت ثم سحبت بأصابعي ما كانت تحاول بلعه ... كانت قطعة فضية صغيرة .. تشبه جرس صغير جداً !
حدقت به ما هذا ؟!
دخل والدي فجأة وهو فزع قليلا وكأنه سمعني ... هرع نحونا وكان مرعوبا مني أكثر مما حدث لجيني ...
_ يا ألهي ! كلآرا مالذي حدث ؟!
_ لقد أخرجت هذا من فم جيني ...
و ألقيت القطعة الفضية بيده , حدق بها قليلا بدهشة ثم نهض واقفا و رفع جيني من بين يدي ليضعها جانبا بسلام وكانت هي على وشك البكاء وعيونها الجميلة الواسعة تلمع بالدموع .. ثم ساعدني على الوقوف والجلوس مجدداً...
_ هل تأذيت ؟! كيف اصبحت بجانبها ؟...عليك الحذر كثيراً حبيبتي.
_ أني بخير أبي لكن جينـي أ....
وقاطعنا صوت صراخها العالي و موجة بكاء شديدة فلتفت إليها أبي بسرعة و حملها يهدهدها بين ذراعيه لكنها لم تسكت بقي تبكي بحرقة وصوت عالي ... فجأة صدر صوت هسيس من المطبخ !
قال والدي فزعاً : القهوة !!!
قلت بسرعة : اعطني جيني ...
سلمني إياها رغما عنه و هرع يركض للمطبخ . كان الله بعون والدي .. أنه يعمل و يهتم بنا وبالمنزل بنفس الوقت !! .
تبا متى اشفى ><...!
صرختُ متألمة عندما أخذت جيني تشد شعري بقوة بكلتا يديها وهي تصيح غضبا مني ربما لأني اخذت ذلك الشيء من فمها المتلهف !!
_ جيني !! آآخ توقفي عن هذا ><!!
امسكتها بأحكام لكن دون قسوة و حاولت تهدئتها ..
_ ياحبيبتي الغاضبة ! هل أنتِ غاضبة مني ؟ , آوه كم أنا سيئة كلآرا فتاة سيئة .. جيني الفتاة الأجمل على الأطلاق ..
أخذت تحدق بي بريبة وأنا امسح دموعها عن خديها الممتلئين المحمرين ..واقبلها بحب واضمها إلى قلبي .. ياحبيبتي ~
بعدها بشكل غريب هدئت وأخذت تلمس وجهي بلطف وتحدق بعيني بتركيز تتعرف إلى حالتي وشعوري نحوها ...
فابتسمت لها واظهرت اسناني ... فاستغربت وهي تكور قبضتها لتدخلها بفمي ..
_ اوه مهلك يافتاة !... هنا يجب ان تتوقفي هاها ها ..جيني !.
ودخل والدي وهو يمسك بصينية القهوة يحدق بنا ..فابتسم بحب و وضع الصينية جانباً ليأتي وليجلس بجانبي ليضمنا معاً أنا و الطفلة ...
_ مالذي تفعلنه أجمل فتاتين بالعالم ..؟! هاه كم أحبكما ..
ما أجمل هذا الشعور , يجب أن احتفظ به بالذاكرة لأطول أمد .. نهض والدي وحمل جيني السعيدة به ليجلس على أريكة مفردة قربي والصغيرة على ركبتيه , ثم سكب القهوة و مد لي بالفنجان ..
ظل هو وجيني يمرحان ويتحدثان معا و أنا عجزت عن المذاكرة لصعوبة ما أجده .. فالدروس هنا مختلفة وأشعر بأنها أكثر صعوبة ودقة ... كما أني لم أحب المدرسة كثيراً مع أن بعض المعلمين تعاطفوا مع حالتي أنني جديدة وفوت علي نصف الفصل الدراسي فقال لي أحدهم أنهم سيأجلون بعض الامتحانات الدورية من أجلي .. وهذا جيد .. لكن الصعوبة ستبقى كما هي...!
أتى المساء , قام والدي بتسخين بعض الطعام الذي جلبه مجهزاً و صنع العصير بينما أنا أعد السلطة وجيني خلفي بكرسيها الخاص ترميني أحيانا باللعبة كي التفت إليها فقط .. كما أنا تنادي أبي و تظل معلقة على الكلمة " بابابابابابابابباب...."
إلى أن يرد أبي عليها برقة : نعم يا ملكة روحي....
أو من تلك الكلمات الجميلة حتى تفرح و تصمت بعض الوقت , لتعيد الكرة برميي باللعب ><"...
بعد العشاء اتصل أحدهم واستطيع ان اخمن من يكون ..
كنا بالردهة وجيني نسعِه جداً تشرب الحليب من الزجاجة فوق اريكتها وهي على وشك النوم .. اخيراً سينام مصدر ازعاجنا !
بينما أتأمل منظر الأشجار في الخارج من جانب الستار , كان والدي يحدث الطبيب "لوك" بالهاتف كلاما عادياً وتبادل تحيات ..
ثم فجأة سمعت أبي يقول بجدية : ماذا ؟! , غداً ..
ألقى إلي بنظره سريعة جداً وكأنه لا يريدني أن انتبه له لكن عيناي تركزت عليه ..
_ آه بالطبع .. بعد المدرسة , هممم ... من ؟!
فجأة تغير صوت أبي ليكون حاداً فلتفتُ إليه بكامل جسدي بقلق ... نطق كلمة "من" بعصبية !!
رأيته شاحباً وعيناه ضيقتان حادتان .. تنفس بحده وقال بصوت حاد لكن منخفض وهو يلقي بنظرة قلقه إلى جيني النائمة :
_ آوه لا . لا . لا ... لو سمحت لوك .. لم نعرف هذا ولا أظننا نريده .. لا يمكنك فعل هذا بي !!.
فتحت فمي بقلقٍ ودهشة ... مالذي يحدث ؟!
كان والدي غاضباً بالرغم من أدب كلامه .. قال مجدداً : هي من اقترح هذا ! , عفواً لكني لا أعرف اختك !!!
خفق قلبي بقوة توتراً ... هي ! أختك ...! من .. وعما يتحدثان ><!! اكاد أموت فضولاً وقلقاً...!
_ تعرفنا ربما !.. لقد وضعت بعقلي سيدة عجوز ذكية .. لا شابة غريبة , آسف لوك , لكني لا أعرف عائلتك تماماً ..ولا أعلم بأن لديك أختاً حتى .. ولا أظن بأن فتاتيّ يعرفان ويتوقعان هذا...
صمت والدي فترة طويلة وهو لا ينظر إلي لقد أعطاني ظهره وأنا أعرف عندما يفعل هذا .. فهي حانق جداً ولا يريد من ابنته رؤيته هكذا ...!
لكني رأيته من قبل كثيراً وأني معجبة بجانبه هذا , فلست قلقه .. عندما لا يكون غضبه نحوي ^^"!
قال فجأة وكأنه يقاطع المتحدث : غداً سوف نرى كل شيء ! , إلى اللقاء لوك .
و أغلق السماعة وبقي ينظر بعيداً لفترة ... بعدها التفت واتجه إلى جيني ليغطيها جيداً , رفع رأسه إلي وقال بهدوء :
_ سأبقيها هنا قليلا فهي غافية قد تستيقظ إذا حملتها... ابتعدي عن النافذة حبيبتي , قد تصابين بالبرد...
أومأت بصمت أغلقت النافذة واسدلت الستائر ثم اتجهت نحو المقاعد ..
_ ما رأيك بحليب ساخن...؟!
وافقت بهز رأسي وأنا أحدق به , فسارع بالخروج ... عاد بعد دقيقة معه حليب ساخن بلا اضافات وفنجان قهوة صغير له ...
شربت قليلا وأنا أراقبه يضع فنجانه على الطاولة ويمشي يدور في الردهة ينظر إلى التحف الصغيرة ..
قال فجأة وهو يقترب مني و يرفع شيء بيده : هذه .. أنها جزء من شيء ما لم أعرف ما هو احتفظي بها قليلا حبيبتي أنها فضية خالصة ..
و وضع بيدي تلك القطعة التي حاولت جيني التهامها .. جرس صغير جداً بحجم ظفر اصبعي الصغير .. قربته لأذني وهززت قليلاً لكني لم اسمع شيئا ..
_ لا أظنه صدفة حبيبتي !
حدقت بأبي و وجدته يقاوم الضحك , حسنا ! هل كانت حركتي بلهاء >>"...
_ ظننت جرس ما ...
_ لست واثقاً , سنرى لاحقاً .. آه يجب أن تنامي الآن .
نظرت لساعة يدي , الثامنة مساءاً .. قلت بهدوء : لا بأس , لكن أخبرني من كان المتصل ..لوك صحيح ؟! , ماكان يريد...؟!
حدثته بهذا بسرعة قبل أن يماطل أكثر ...
قال بتردد وهو يجلس على الأريكة القريبة , : غداً يريد رؤيتك بالمستشفى مع الاخصائي الذي حدثنا عنه ..
حسنا أني أعلم تماما أن لوك تكلم مع أبي بموضوعين .. الأول يعنيني وحدي والثاني يعنينا جميعاً....
فقلت بهدوء وأنا أهز رأسي : حسنا لا بأس... و...
ضيق عينيه وحك جبينه ثم خطف فنجان قهوته وجرعه بسرعة .. خفت عليه فالقهوة لا تزال ساخنة جداً..!
_ تلك ال... المربية لـ جيني وال... المدرسة لك بنفس الوقت .. ظهرت أنها .. أخت لوك , حسنا وهي امرأة شابة و بحسب ما يقول فقد تخرجت بشهادات عالية من الجامعة , تباً ..هذا لا يهمنا !.
شتم بقوة و نهض واقفاً .. دار حول مقعدة و زفر بقوة ثم هدئ نفسه بسرعة وعيناه على جيني النائمة ثم إلي ...
حسنا أنا كنت مصدومة لكني بقيت صامتة انتظره ينهي ما يقول...
_ تلك المرأة تعلم بالطبع عنا أخبرها لوك كل شيء... وهي متفرغة حسنا و تريد القدوم ظنا منها أنها تناسب الوضع . وهذا لن يروقني على العموم هي تبدو حمقاء لتتعامل مع أطفال , تعرفين نساء المدينة !! أنا لن أسمح لها بأن تدخل بيننا و تهتم بكما !.
حدقت به فكانت عيناه زرقاء جداً حانقة ... قلت بتردد : هل قلت بأنها هي من اقترح هذا...؟!
_ أجل .. حاول لوك المراوغه لكنه مضطر لأخباري لأن اخته ستأتي غداً... آوه حسنا لن يحدث ما يتوقعونه...
و حدق بشرّ في الفراغ , فهززت رأسي قائلة بنفسي نفس جملته .. أنا لا أحب الدخلاء الماكرين خاصة ..! لقد توقعت مثل والدي سيدة بدينة لطيفة ذكية و محترمة .. وليس شابة قادمة من المدينة كي تعتني بفتاة مقعدة و طفلة رضيعة لم تبلغ السنة !
جهزت لي بضعه ثياب كي استحم سريعاً بالرغم من برودة الجو .. لكني اشعر بالاختناق .. صعد والدي بجيني للأعلى ...
قبل أن اتحرك صدر صوت رنة طفيفة لا تكاد تسمع من جيب بنطالي... دسست يدي واخرجت القطعة الفضية ..حدقت بها , اقسم بأني سمعت رنة ما ... وضعتها قرب أذني و انصت كل حواسي...
سمعت صوت تكة خفيفة من النافذة خلفي , فلتفتُ بسرعة...
كان المكان بالخارج شديد الظلام وكأننا تجاوزنا منتصف الليل , لكن فجأة خفت الظلمة و ظهر ضوء النجوم الخافت ... ضيقت جبيني ... واقشعر جسدي... شيء ما .. أشعر بوجوده .. مر سريعاً جداً فأظلم الجو بسرعة و عاد ...!
شعرت بشيء غامض ثم فجأة رن الجرس الصغير من تلقاء نفسه أقسم بأني لم احركه ... صدر صوت كـ .. ترن...!
مرة واحدة .. هززت رأسي متوترة جداً , و خفق قلبي... آخ الليل هنا لا يعجبني أبداً...!
وبعد هذه الرنة الخافتة للغاية ارتعشت الأضواء لجزء من الثانية , كدت أصرخ باسم أبي لكني أوقفت نفسي بقوة !!... ما هذا ...؟! و فجأة خطر ببالي ليونارد وذلك الشاب المخيف الآخر...
فتحت باب غرفتي وشهقت عندما رأيت أبي... كان يطمئن علي فقط و يلقي التحية .. قال بأنه سيبقى مستيقظا بعض الوقت في الغرفة يقرأ .. وعلي فقط أن أصرخ باسمه أن أردت شيئا...
أومأت و غادر هو يصعد ... أخذت حماماً سريعاً ولم تكن المياه ساخنة كما يجب .. فارتجفت و خرجت بسرعة... كان شعري لا يزال يقطر.. ساعدتُ نفسي بنفسي و وصلت غرفتي لارتدي كنزة ما و أجفف شعري ..
لكني توقفت بممر الردهة المظلمة وقد رن الجرس الصغير بجيبي رنتين حادتين لكن منخفضتين وكأنه جرس مزعج يرن من بعيد... فتوترت بقوة ... هناك صوت ما يقول لي بعقلي بأن هذا الجرس ليس عادياً وهو يرن قبل حدوث شيء ما... سيء أظن...!
حدقت بالردهة بتوتر ... و رأيت ظل شخص طويل قرب النافذة البعيدة .. في البداية لم أرى والآن ظهر لي وكأنه سراب... ركزت بصري و جهزت حنجرتي للصراخ لأبي...
لكن الظل تقدم خطوتين و تعرفت إليه ... رفع يده ببرود وعيناه الذهبية تلمعان محذرتين.. مال برأسه وكأنه يتأمل شكلي جيداً...
ثم رفع بصره لعيني وشعرت وكأن مساميراً تثبتي بقوة ... ضاقت عيناه وأصبحتا رماديتان فجأة !
_ ما هذه بالضبط ؟!.
كان فمي مفتوحاً همسة لكن باردة , ما... ماا... ماذا ؟!... كأن يسأل شخص آخر... ولكن ...
_ أنها كلآرا ,.. الابنة الأخرى...
أجابه صوت عميق أتى من خلفي , وعرفت صوت ليونارد ... لكن.. هذا الذي أمامي ..
اللعنة وكأنه وليد الظلام أو شيء ما كونته الظلمة وشكلته ليكون بين الناس !... هذا الشيء الخطير !!!
__________________


رد مع اقتباس