عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 06-09-2017, 10:39 PM
 

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:900px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/09_06_17149702779231243.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




هلا بالزين!
اوخصص اعرف اني تأخرت،قمر1 اختبارات و كيه
و خصوصا لما تكون معي دراسة ما اعرف اكتب،
ابشركم، بنحط مقابلة مع اريج بالفصل القادم،
يعني اطرحوا عليها الأسئلة اللي تبونها ، بشرط انها تكون اسئلة شخصية ،
مثل لونها المفضل.. الخ، الخ ، الخ
يعني عشان ما تحرق الأحداث
و ابشركم، ان شاء الله اذا اتممت هالرواية،
بيكون فيه جزء ثاني!
و اخبركم، كتبت هالفصل و أنا أقرأ قصيدة!
لا تستغربوا اذا بالغت كثير



3

نقطة البداية

سلطنة عمان | مسقط | بعد مرور ليلة





" كان شيئا أقرب للواقع المحضي, بين الروح السماوية و الدنيوية الأرضية, عسير في إدراكه, لجته كالكزز, معتل الوضوح..


لقد قال أحدهم يوما : ( الحقير بالنسبة للبشرية هو عظيم بالنسبة للنمل!), دفعني ذلك لأستهل سؤالي بسفسطة عن العظمة الهينة.


قطعا, لم يحملني نطاق الزمن في ذلك الحين, بل كان شيئا بلوري في جوف الحياة, لقد أحسن ت.اليوت حينما بعث قلمه تلك الحروف:


الزمان الحاضر و الزمان الماضي


حاضران كلهما, ربما في الزمن المقبل


أعتصرت أضغاث قوله جوفي و استويت مبهمة البصيرة. لما نحلم بأشياء يصعب رؤيتها؟"


أختتمت بهذه الطلاسم المبهمة حكايتها, لملمت قصاصات القول المتبعثرة في فضاء طاولتها, أسندت مرفقها قرب كوب من اللبن الدافئ الذي تملق بخاره متصاعدا.


أحتوى نطاق نظرها النافذة, و نطاق تفكيرها العالم, قعدت ببأس تتأمل في كلمات تلهو قرب المروج, في عالم النظر لا سواه, يظل الإحتمال مستديما, في الذاكرة له وقع صداه, في الممر الذي ما درينا نهايته.


كانت في غرفة ذات مرابع شاحبة اللون, هادئة للنظر, توسطها سرير خشبي ذا نقوش بهية و فراش وثير, و أثاث قليل بلمسة ارستقراطية غامرة.


بنظرة فارغة غادرت أريج كرسيها, حملت رزمة من الأوراق بين كفيها المتعرقين, أمسكت مقبض الهاتف و وقفت قليلا تسجل أرقاما عشوائية لا هدفية, جاء الرد فارغا بلا أي وقع: (تعذر الوصول إلى الرقم المطلوب, الرجاء المحاولة لاحقا).


المرة الخامسة على التوالي, رمت مقبض الهاتف بمغلالية, أختفى البريق من كريمتيها أسنتي الوضاءة رائعتي الجمال, شعرت بهوي قلبها إلى حلقها, حتى كادت تهوي أرضا.


أيها الرجل العظيم, أيتها السيدة النبيلة, أيام زيوس المترنمة قرب إيقاعات الدانوب العظيمة... قبيل ميلاد الشمس, وُلد القمر.


أختفى خيط الحرير الذهبي من مخيلة أريج, تبعته أشكال مشوهة ترأت لها في دماغها, خوف بمسمى أدجن شوه نظرتها الملحمية للحياة, أبتلعت ريقها .


حاولت الإتصال بخالتها دون جدوى, و بإيلاف دون جدوى, درت أن حلمها كان واقعا, فتشتت أفكارها مرة أخرى.


لقد صحت من مجاهيل رقادها قبل نصف دهر, و لجأت إلى خط ما رأته في ثغراتها الأحلامية كعادتها -ربما- فقد بدا حلمها ذلك ملموسا, شيء خلق لتشعر به و لتفكر به.


تسألت في فكرها عن مصير الإخوة و خالتها, شعرت بريقها يعبر جوفها في مسحطها بِوره, آخر ما أحتوته ذاكرتها هو منظر مبهم للمنايا المزهقة.


تنفست بعمق فأدركت لهاءها, مسحت خصلات شعرها الشهباء بعزق, كل شيء سيعود إلى مجراه المعتاد, أحلام مجردة لم تغير شيئا.. أو قد تفعل!


كان الوضع -كما بدا لأريج- كأحد قصص ستيفن كينغ, فأنت مهروع المأنس, و رغم ذلك فإن المهالك بعيدة عن ملاك الموت, كم من البشر يعطون الأمور اليومية البسيطة طاقة تفوقها حاجة؟ هفوة جحفاء بلا هدف واضح, بل أقرب إلى هكهكة غير معترف بها!


أغمضت أريج مقلتيها لبضع ثوان, أراحت مبصرتيها لتصفي أفكارها المدنسة, و أبصرت مرة أخرى لتتناول دفترا صغيرا مخبوء في أحد الأركان, كان ذو زخارف باهية رائعة التعقيد, و أخذت الشابة تلون مفارغها ظنا منها أن ذلك سيهف رياح الهدوء إلى هياجها.


لم يعبر الزمان كما يشاء, فطرق باب الحجرة قبل أن ينبثق صوت عميق ذا نبرة مميزة من خلفه: (أريج! كفاك رقادا و أستهلي نهارك بالصلاة.)


فصاحت أريج ردا على الهائم: (لقد فعلت !يا أبي, و أرجو أن تتركني قليلا فإن ذهني المستوقد يبتعث مئات النظريات العبثية)


خبطة تبعتها ضحكة مجزاة, رافقها صوت أقدام تبتعد مشيا.


~


تناولت لقمتها الأخيرة و هي تستحضر تلك المرابض الفنية الشهيرة, لوحة العشاء الأخير لدافنشي, هل سيؤول مصيرها إلا ما احتوته اللوحة, ربما بمسمى ( الإفطار الأخير), و هنا قضت أريج على شطيرة البيض منفرة الرائحة برضا تام, و توصلت في قرارة نفسها بأن هذا العالم في أمس حاجته لمن يبهره, و هاهي هنا.. لتبهره.


و هنا علقت أمها: (كالسوام في بلع الطعام! كفاك يا أريج عجلة و تناولي إفطارك بهدوء! كما يقولون, رفقا بأمعائك)


قالت شقيقتها ميس بخبث: (هيهات لها يا أمي! فأريج ستذهب غدا إلى الشاطئ مدرسيا! إن حماسها الذي تلبد منذ زمن قد أستيقظ مجبولا)


و هنا ,أتسعت حدقتا أمها قبل ان تسترخيا مجددا: ( بالفعل, لقد تذكرت أنني ابتعت كرة زاهية للشاطئ منذ أيام معدودة لهذه الرحلة يا أريج)


أجبرت أريج مسرطها على بلع الشطيرة, فقد نفضت كل شيء عن الرحلة من ذاكرتها تقريبا, و رغم ذلك لم تنبس ببنت شفة, بل أتخذت الصمت حليفا لها.


تسألت في منبعها الوجودي عن سمير, هل لا زال يقود الفرقة أم لا, هل أدركتهم المسوخ أم لم تفعل؟


لملمت آخر ما تبقى من هواجسها, و حاولت مرة أخرى , طرده دون فائدة.





~





إتخذت مسلكها الذي اعتادته, الشارع رقم 307, الجادة رقم 17, المبني الذي خط على بطاقة ذهبية قرب قارع بابه كلمة (العرين).


المسلك إلى الهمجية التامة, و إلى المعرفة المفقودة, استحضرت أريج في لبها كلمات متعددة مبهمة, و قصص عن قواعد خلقت لتكون قبورا لجن آزيل و بحار غآجن , و أبتعد فكرها بتلقائيته المعتادة إلى قصص البحارة الذين ينبشون عن ثروات الهوائم من المليكة عبر جوف الأرض المجوفة, قرب شلالات الحدود الختامية.


استحضرت شخصية تلك السيدة التي تقبع أسفل جسدها و التي عّرفتها بإسم رزان, السيدة التي تمتلك ما يسد رمق المنطقية و الثقة المتوقدة, كان الهاجس الوحيد في روح السيدة رزان أن قلبها يستوقد دفئا يلج لئوها و يرثي مشاعرها كلما أسهب في الحديث, رغم جاذبيتها المثمرة بإصرار فولاذي محبب.


قرعت الجرس ذا هيئة الوروار بهدوء موسيقي, كانت أريج – أو أريج التي تلعب دور السيدة رزان- تعزف في فراغ ذهنها سيمفونية الحياة, تحاول دمج الطيور بالسحر لتحيلها إلى تنانين.


و فتح الباب, و دلفت أريج إلى جوف المبنى الرمادي الضخم, مبنى العرين الأزلي.


استقبلتها على الباب شابة منمشة الوجه ذات عينين تفوحان بالحياة, و بسمة كونية تصل اشعتها إلى ما خلف الجليد. رحبت بها بحفواة و سألتها عن ضالتها, فإعتصرت أريج نخاعها لتقول بعدها بثوان : (هل السيد رامي في داره مستقر أم تراه يتبختر؟)


و من دون أن تنبس ببنت شفة, قادتها الشابة إلى غور المبني الشاحب موتا, ما دفع أريج لملاحظة قشور طلائية تتساقط على الأرض كأوراق خريفية, أجبرت نفسها على عدم التفكير بأن الأرض تسحب قشور الطلاء لتمد جيوش الديدان بطاقتها.


و تبعت قائدتها إلى ممر طويل ذا لون أكحلي شاحب, تضيئه شرارات نيونية عكر بريقها الزمن, و هنا تأملت أريج سيدتها, و التي ارتدت عباءة طويلة سوداء يرفرف خلفها وشاح ذا لون زعفراني باهت .


و قد ترأى لأريج أن تلك الأبواب التي ترافقها في سيرها تحمل بين خفاياها مئات الكراسي الخشبية الرائعة, و التي تعتليها أذرع صنوبرية بادعة, تعمل بلا كلل على مئات الأوراق المتنوعة.


لم تكد الفتاة تغرق في أحلام يقظتها حتى توقفت القائدة أمام باب ضخم من الساج الإفريقي – الذي حمل في جوفه رائحة ذكية تعبق بالأدغال- و نطقت السيدة للمرة الأولى : (السيد رامي في الداخل)


ثم طرقت الباب بخفوت حتى انطلق ازيز خافت من خلفه يأذن لهما بالدلوف, فأفسحت الشابة الطريق لأريج, و هنا انفتح جزء من الباب لتنم عن دفء عظيم و روعة مكانية في الغور.


و ابتلع الباب أريج, لتجد كيانها في غرفة زاهية اللون ذا اثاث مكتبي مكلف بشكل لا رونقي, و قبع خلف طاولة حافلة بالرزم العظيمة رجل ضيئل الهيئة ذا عينين ذكيتين و فك مزموم , نظر إليها بتأمل قبل أن يحول نظره لأوراقه .


أعتبرت أريج رد فعله ذاك دعوة لها بالقعود, فجلست على مقعد خشبي صغير بدا لها غير مريح على نحو مريب.


قال الرجل الضئيل بهدوء : (إنه أنت, ايتها الطفلة, مضى زمن طويل على آخر لقاء, عشر ندفات شتوية !)


سكنت أريج منتدحة السيد رامي – رئيس تحرير جريدة الأحرار- و الذي لم يربك نظره عن أوراقه, قبل أن يردف قائلا: (لا أحب الصبيات الصغيرات يا أريج, أقصد حينما يطلبن مني نشر أشياء غبية.. غبية للغاية!)


بلع ريقه قبل أن تتوهج عيناه و يكمل: (قبل أسبوع تقريبا, استقبلت شابة بمثل سنك تماما, طلبت مني أن أنشر صورة خطتها للاعب كرة قدم شهير – وا حسرتاه- لقد كانت رسمة طبق الأصل من صورة في فضاء الشبكة العولمية!)


قالت أريج بهدوء, و هي تجمع سلاستها الحديثية مع نقاء صوتها : (في الحقيقة لا أريد نشر لوحة أو ما شابه, إنها مجرد قصة, قصة قصيرة للغاية!)


زم العجوز شفتيه قبل أن يقول: (لقد حدث ذلك, أجل.. إنهن عدة – أولئك المراهقات الائي يردن نشر قصصهن – لكن المشكلة هنا تقبع في مدى رداءة تلك القصص! إن محورها الرومنسي شديد الصبيانية يؤذي الروعة الحرفية يا أريج, إن تلك الكتابات السطحية البلهاء و الأخطاء ترهقني أيتها الطفلة!)


ألسنت أريج : (إنها ليست رومنسية, كم أتملص من ذلك الصنف يا سيد رامي)


فتمتم الرجل : ( كل الشابات يحكين ذات القصة) ، شهق بغور قبل أن يردف : ( شتان النكرة ، شتان الفكر، إنه الكيان الكوني ايتها الفتّية، كل الفتيات فتيات ،بلا استثناء)


غمغت اريج بطرف لسانها: ( لا يجدر بك أن تلعب لعبة القاضي، سيد رامي! فقد أستحصدت لنفسي رفعة في إحدى مسابقات النثر)


أغمض السيد رامي عينيه ، و غمغم : ( هكذا إذن)


سحبّ رزمة الأوراق التّي بعثرتها أريج على سطح متكئه ، تفحصها قليلا قبّل أن يتمتم بشيء ما عن الأدغال، و قال : ( ويحك من حبْرِ القَلم)


ابتسمت أريج : ( حينما تنقرض الأصوات، عليك بالقلم، و الفرشاة!)


تسألت في غور القلّب عن سبب كتابتها للحرف، أكان الهرع الذي أجزع قلوبَ الأولين؟ رغبة أخرى من رغبات آدم البدائي؟ أكان رغبةُ ؟ أم واجب؟


تملصت من كون السؤال، و حدثت نفسها بوضوح : ( فليحفظك الله يا سمير و نصر، و تسنيم ، و آخرون!)


و ختمت بذلك فصلا من ثنايا الفكّر الأعبقي، لتطفئ مشاعل التوقدّ الذهني، و مشاعر الأمل و التشاؤم.


تنحنحت بصمت ، عبير وجودها فاح للجذب، و عبير فكرها فاح للتفاؤل.


عآدت من حيث أتت، لتترك الرجْل مع أوراقه، و تتخذ قراراتها العظيمة طول السبيل الى البيت.




~





تلاطم الموج مجددا ليمس طرف القدم، تبخترت ذراته الباردة بين وديان اصابعها ، فابتسمت بحب لروح البحر ، روح بوسيدون العظيمة التي تسقي هدوء الريح مياهها، التي تحيل معجزة البحر الى كون غوري!


سحر البحر و الهواء، الشمس التي تهوي بإشعتها في سبيل الفضاءات المغمورة ! القلوب المنفية التي تحيا ليحيا البحر، الصيادون و اشباحهم التي تندف في خبايا الغور ، الملحمة الهرمسية التي تنعكس في عيني الطفلة و المرأة ذاتا اللون الأخضر.


زعيق أهوج ينبثق من كون الصمت، يلتحم مع هدير الموج الناعم و زبد الطرف المرغي، وقفت أريج لترى و تسمع. و ابتسمت لجوف البحر الذي لم تره.


ابتسمت لمسك عبق من غير سبب، لماء لمس صدرها! فما أجدر الماء بإطفاء اللهب، بنّبال أصابتها لتحيا، و تحيا حيث تجود.


تلمست اصابع قدمها النحيلة طرف المسلة التي غادت قاب قوسين أو ادنى من خط بصر أريج، الصخور الداكنة التي أتكأت عليها و التي انبعث من نسيمها صوت الحياة، اشباح اخرى تنبض عند الطرف البعيد من الشاطئ، حيث يُحال القطع الصخري مع سلاسة الرمال، و حيث تتوج الشمس الأرض بلون من الذهب،


صوت آخر للهدوء يتبعه نقر في الكتف، يلتف محيا أريج الذي رسمت فيه البحر قلب الملأ ليواجه القادم، كانت خليلة لأريج ذات جسد ممتلئ و وجه ينبض بوجد الطفل، يحي الحب و يحتفي بالأمل، بل قل و كان جميلا كصبي يتسلق الأكمة.


قالت القادمة، و التي عُرفت ببدء حياتها بسم فاطِمة : (في رحاب الأرض و المياه، تعتلين في دائرة مغلقة يا أريج!)


ابتسمت الرفيقة بوهن، بهت لون الزرع في مقلتيها ليقول قبل أن تقول : ( أعياني التفكير يا فاطمة، اسمع هسيس كيانهم و لا أبصرهم، و أحسبهم في الأفق ضائعون بين سرابه! ، لم اجد لوجودهم أثر و الجزع يأسر لبّي بل و يمحى في الرثاء،)


تغمض عينيها بصمت، تبحث عن مستوحى الحديث الآفل، تبكي الطفل و السادة، تبكي الرفيقة و السيدة، تسمع موجات كون التعدد ، و حينها يخبو وحي الهواء.


تعود للحياة ذات الفناء حينما تحتمي بها يد فاطمة، تطلب في سرها النجدة، تتقلب أفكار أريج كتكسر أمواج البحر و تخبو ، تهمس لها فاطمة : ( بل الوجود أوجدهم في قلبك يا أريج، لا معنى للفناء الأبدي إطلاقا، بل هي الصراصر التي حملتهم في مهبها و سوف تعيديهم العواصف المعرضة عن شر الإدعاء الهادر).


تنزاح الفتاتان نحو الشاطئ بصمت ، تقتربان من مركز الإلتقاء بين البحر و الذهب، تبصر أريج القمم الداكنة التي اعتلت احداها في حين من الدقيقة، يصبح المد سيد الموقف و يلمس قدمها المبللة، و فجأة ، تهب موجة من وحي الفراغ كفيضان و وجوم، تمتد الموجة التي غطت كبد السماء و تغرق ما حولها، تجرف أريج و فاطمة إلى جوفها، و بين ما الفتاتان تجلسان و الدهشة تعتليهما، إذ بالموجة تنفث شيئا من الضباب، و يعتلي السماء سحابٌ ابيض رفيق يتخلخله نور إلهي.


و تنبثق من الموج قطع بيضاء من الحرير تمتزج مع زرقة البحر، و يغدو الأمر واضح المعالم فتخرج سيدة ترتدي الديباج الأبيض و الحلي الفضية، بل و قد انسدل شعرها الفضي الجميل و هو يتزين بتاج مبرق، و وجهها الشاب ذو الجمال الأخذ و العينين الزبرجديتان تنظر بحنو إلى محيط الشاطئ و البشر.


و من دون أن تنبس ببنت شفة، تتجه إلى أريج التي بللتها بلبلة المحيط، و التي اختفت خلفها معالم فاطمة التي هبّ عليها الجزع، تتغلغل دهشة الوجود و رقة الأمان إلى قلب أريج بصمت، فلسفة الحزن غادرتها بسكون ، شعرت بالجلجلة و الفكر و زلزال الأمل يهم رويدا في ذهنها المستعر، بل و فكرت في أن أجنحتها سوف تفرد لتطير حبورا، شعرت بوجود روح الأعزاء تقترب بسرور، شعرت بضحكة نصر تهتف في اذنيها كلحن أو ساناتا ، بل و شعرت بيد خفية دافئة تتلمس يدها.


أضاء وجه أريج بنور صاف، لم يكن هناك مجال للشك بأن سحرا يخيم في الأرجاء، بل و الناظر إلى وجه أريج ليرى ملامح قوة أسدية و ملحمة اغريقية، كان هناك شيء يفوق السحر ينبع من سيدة البحر و أريج في آن.


و اقتربت السيدة بحب ، و قالت بصوتها الشاجن الآثر : ( بين قمتي "جومالين" حيث الفالقة ، يقبع الوصول بصمت)


و تخطو بخيلاء حتى ليلامس ثوبها أريج ، بل و تبدو في ذات طولها، و هنا تبتسم سيدة البحر، و تهمس : ( معظم البشر يسطرون الإلياذة بلا خريطة، و يبوءون بالفشل!)


لمعت مقلتي أريج ، و هسهست : ( لا كَّل ، لا ذل! ، الخريطة تتبعنا و لا نتبع الخريطة)


فقهقهت سيدة البحر، و أكملت : ( لكنني أملك الخريطة يا أريج!، خريطة همك و تعبك)


و إمتد ساعديها النحيلين بوهن نحو أريج، فأسفرت عن رزنامة مطوية لا تسلم من حضور الزمن، و التقطت الفتاتان الورقة بهكع ، لتبدو مجرد ورق عفى علي الدهر ببلون باهت، تحمل ثلاث اسطر لا رابع لها :


(أنا ، الرفيقة و الصديقة،


يهفو الرحال ، و الصياد بهفوة دوني،


أنا الخريطة المقصولة بعقيق اسبرطة )


و فور ترتيلهما لصوت الخريطة، أختفى كل شيء، سيدة البحر، المحيط ، الصخور ، الجمهور العظيم..


بل و لبثتا دهرا في غسق مشوه، حتى أدركت خمس نجوم قد غفت كيانهما، و أستبشرت بنبلجة الطريق.


كان طريق طويلا غارقا في الدجى، إلا ضوء خافت منبثق من أعمدة متعددة، الفراغات بين الفضاء التي أحتوتها جزيئات النظر!


و ولجت بين جانبي الطريق المعبد أشجار صامتة، أيكها متشابك بل و هلمّ عاليا.


لم تدر الفتاتان ما الوجة و العمل، بل حسبتا أن التأمل حق المكان، و قعدتا لجزء من الثانية تبصران المحيط حولهما بصمت، قبل أن تقرر فاطمة المسير، و تسير أريج معها.


و قد خلق في المكان سحر عظيم! بل و أمل عظيم! ، فحيث تخطو و حيث عدد خطواتك تجد أن شيئا في الفكر قد بزغ، بل و تستحضر العظمة من أدانها لتلصقها بلبك،


حينها تتذكر الماضي و ترى الحاضر بل و تشعر بالمستقبل، يعتريك الأمل و الرغبة، ترى الدنيا بلا سديم أو ضباب! بل هي وردية بحتة! ، و يهتز كيانك ليحي الفكر، و يحي الفلاسفة و العظماء.


يقول أحدهم : ( لا حكماء نعرفهم، الله وحده الحكيم، و نحن من نحاول أن نصل إليها و نحتويها إنما فلاسفة) ، و بين ما تخبط بقدميك طوب الطريق، تصبح فيلسوفا بل و ملكا على ذاتك، بل و تدرك المعرفة و ماهيتها، و تشتعل مجلجلا بالأمل.


فتنسى ما حل و صار، و ترى المستقبل يشرق بلا غروب.


سارت الفتاتان – أريج و فاطمة – حتى المفترق، هنا دلف كل في السبيل الذي أراده وحيدا، حيث ما قرر و أراد بلا وعي ،و لم تلبث أريج من السير حتى لمحت نورا يفج العتمة، بل ولمحت لوحة ضوئية زاهية كتب عليها :


( مرحبا بكم في أرض شيهنهجاهي العظيمة!)


غشت أنوار المدينة التي انقشع السديم ليولج منظرها عيني أريج.


شعرت بألم في الكتف كغرز نبال المسوخ البعيدة يستحضر متجددا.


ترنحت قليلا بل و كادت تقع لولا أنها أتكأت على أيكة في الجوار.


و بين ما لبثت مسترخية، سمعت لحنا حسنا ينشد في أذنيها : (أيا آس)





~





كان (والِس ) يتمتم بين نفسيه أغنية ما، و هو يرفع شبكته التي حبست بضع أسماك صغيرة الكيان،


حفز نفسه ببضع تمتمات غير منطوقة، بل و سمح لنفسه بسماع آهات التشاؤم البعيد.


دنا قليلا ليرمي شبكته في عرض النهر، أفاقت مخيلته ليرى أجداده يذهبون كل بكل خلف المياه.


أصغى قليلا فلم يجد ما يصغي إليه، تبخرت الأصوات مع الوجود المستبد، و رحلت الحياة منذ زمن بعيد.


لمس كعبه ماء النهر العظيم ، قبل أن تخشخش أوراق ما في الجوار،


إلتفت ليرى خلف الضباب ستّ هيئات تهوم بلا سبيل.







[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________

I DIDN'T SAY THAT I WANT YA TO GO AWAY..
b l o g| G a l l e r y | m a g i c|صارحني
سبحان الله - الحمدلله-لا إله إلا الله- الله أكبر



رد مع اقتباس