عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 12-29-2015, 11:12 AM
oud
 

الفصل السادس


أمسكت ذراعها وسحبتها لغرفتي وأغلقت الباب على

نظراتها المصدومة , وضعتْ يدها على المقبض لتفتحه

فوضعت يدي على الباب وقلت بحدة " هل من تفسير

لتركك الجامعة وكل تلك الحركات الصبيانية "

بقت تنظر لي بتبات وصمت فقلت بغضب

" وسن لا تستفزيني بصمتك وأجيبي "

قالت بجمود " دَين ... عليا الإيفاء به لك وعزة نفس لم

تعد ترضى أن تأخذ مليما منك فهل أنا مخطئة في هذا "

ضربت بيدي على الباب وقلت " بل كل الخطأ , إلا دراستك

يا وسن إلا هي وأنا وليك والمسئول عنك وعن كل ما تحتاجينه

وديون والدك ليست في حساباتي ولا أفكر فيها "

ابتسمت بسخرية وقالت " بلى في حساباتك كلها

ودفّعتني ثمن ديونك منه ولم يتبقى سوى النقود

فعليك أخذها أيضا لنتصافى نهائيا "

تنفست بقوة ثم قلت بضيق " وهل بضنك ستسددين

تلك المبالغ الضخمة , قلت أني لا أعدّها نقود

ضاعت فأنا نسيت أمرها تماما "

نظرت للجانب الآخر وقالت " أنا لم أنسى ويحق

لي كما يحق لك إيفاء الديون "

ثم نظرت لعيناي بعيناها السوداء الواسعة وقالت

" ولا تحاول معي فأنت تعرفني حين أضع أمرا في رأسي "

قلت بسخرية " نعم أعرفك جيدا وجربت ذلك منك أيضا "

وها قد فتحنا ملفات ألمنا باختيارها لأنها ترفض أن تعيش

جراحنا تحت الركام كما رفضت أنا يوما أن تشفى , لم

أكن أرغب بالحديث في ذاك الأمر أبدا لكنها اختارت هذا

أشاحت بعينيها عني بحركة جفنيها التي لا يتقنها سواها

وكأنها تسدل ستائر سوداء على نافذة مظلمة تحرق قلبي

قبل النور فيهما ثم ابتسمتْ ابتسامة صغيرة متألمة ليخرج

معها صوت أنة لعبرة مكتومة في صدرها ثم قالت بألم

" كاذبون أنتم يا معشر الرجال وكم يسهل عليكم

تبديل النساء كورق اللعب "

أنزلت نظري عنها وابتسمت ابتسامة لا تقل ألما عن

ابتسامتها وقلت " لن نفتح الدفاتر يا وسن واتركي

ما في القلب في القلب "

رفعت نظرها لي وقالت بحدة " حجج ... كلها حجج

لتستبيحوا بها لأنفسكم العبث كما يحلو لكم , ومن

سذاجتنا نحن النساء نصدقكم دائما "

رفعت نظري لها وقلت بسخرية " لم أكن أحتاج

لحجة لأستبدلك بأخرى وأخبرتك أن تغلقي الدفاتر

لأن ما ترميني به ترمي نفسك به قبلي "

قالت بسخرية مماثلة " نعم فأنا تحججت بوالدي لأتركك

وأتزوج بذاك التاجر الثري لأنك لا تملك المال وحين مات

والدي تركته وركضت خلفك أترجاك أن تصفح عني لأنك

أصبحت أكثر ثراءً منه , هذه أنا فهمناها فاشرح لي عنك أنت "

أخفضت رأسي وأغمضت عيناي بقوة وألم , نعم يا نواس

لن تحضا بهذه الفرصة بعد اليوم لأن الخيط الأخير بينكما

سينقطع الليلة فدع الجنون يمارس ما يريد , رفعت يدي لها

وأمسكت ذراعها وسحبتها لحضني بقوة وأطبقت بذراعاى

عليها وقلت " تلك أنتي من وجهة نظر نفسك لنفسك "

انطلقت حينها الدموع التي كانت تحجرها في مقلتيها

وقالت بحسرة " بل أنت تراني هكذا أنت يا نواس"

شددتها لحظني أكثر أمارس الممنوع عني لأبيحه في

لحظة جنون أولى وأخيرة وقلت بهدوء حزين

" أنتي قتلتني يا وسن وشر قتلة كانت تلك "

وضعت كفها على صدري ودفعت نفسها لتبتعد عن حضني

وقالت ورأسها أرضا " وها أنت سددت لي طعنة أعنف منها

وحجتك أني قتلتك , كلانا لا نختلف عن بعضنا يا نواس

فإن كنت تراني مجرمة فلستَ بأفضل مني "

أعدت كف يدي على الباب و أخفضت رأسي كي لا تعود

لي تلك الأفكار المجنونة لاحتضانها مجددا فتشتعل النار فوق

اشتعالها في جوفي أو أمارس جنوني الأكبر بأن أفعل ما تمنيته

حياتي كلها وانتظرته بالسنين وهوا تقبيلها وتقبيل عيناها

معذبتاي وسبب عشقي الجنوني وهذياني في يقظتي

هززت رأسي أنثر منه تلك الأفكار وقلت بهدوء

" وسن عودي لدراستك "

قالت باختصار " لا "

قلت بحدة وحالي كما هوا عليه " بل تعودي لها منذ الغد "

قالت بتحدي " قلت لا يعني لا ولا أحد له سلطة علي وديونك

سأرجعها لك تأخذها أو ترميها في البحر تلك مشكلتك "

نظرت لها وقلت بغضب " أنا وليك ولست عاجزا عن

تكاليف دراستك ومتطلباتك لتعملي وتتركي الدراسة "

قالت بصراخ غاضب " لست وليي ولا أريد وصايتك

ولا نقودك , أنت لا تصلح حتى لتكون رجلا "

لم أشعر بنفسي إلا وصوت الصفعة القوية يثقب أذناي

ويدها تحتضن خدها الأبيض تنظر لي بصدمة ورجفة

وعينان تمتلئ بالدموع , قبضت يدي ودسستها في جيبي

متمنيا أني قطعتها قبل أن تفعل ذلك وأنها أصيبت بالبكم

قبل أن تقول لي تلك الكلمة القاتلة وكأننا نتبادل الأوجاع

ولم يخرجنا من وحشة مشاعرنا تلك إلا صوت والدتي

الضعيف المتعب من خلف الباب وهي تقول

" نواس افتح الباب "

فتحته بسرعة ودون شعور فوالدتي لا تستطيع الوقوف

طويلا ولا حتى المشي فما الذي جعلها تخرج وتعبث

بصحتها , كانت تستند على كتف الممرضة الخاصة بها

وتنفسها يخرج قويا تريد التحدث وتعجز عن الكلام بسبب

وقوفها المنهك لصحتها , أمسكتها ونظرتُ جهة وسن التي

قالت بوجع وعيناها في عيناي " علمت أنك لن تعطيني

ذاك الشيء الذي لن أحصل عليه منك كل حياتي بدون

مقابل , دائما تسترجع ديونك يا نواس "

ثم خرجت من الغرفة واجتازت والدتي ولم نسمع سوى

صوت ضربها لباب المنزل وهي تغلقه خلفها , عدت بوالدتي

لغرفتها ووضعتها على السرير وما أن استوت جالسة عليه

حتى رمت بيدي عنها فنظرت لها بصدمة فقالت بصوت

غاضب ومتعب " تضربها يا نواس !! تضرب النساء يا تربية

يداي , ومن ... ابنة خالتك اليتيمة التي ليس لها غيرك , ومَن

أسمك مسجل تحت اسمها كَولي لها ووصي عليها , تضربها

وأنا حية فبعد موتي ما ستفعل "

قلت بضيق " لم أكن أعي لنفسي , استفزتني

وتطاولت علي بلسانها "

قالت بحدة " وإن يكن هل ترى ضربك لها حلا وسيأتي

بنتيجة , وافقتك وجلبتها لك هنا لتتفاهم معها ونقنعها بروية

لتعود لدراستها لا أن تختلي بها في غرفتك وترفع يدك عليها "

ثم تنفستْ بقوة وتعب وقالت بأسى "خذلتني فيك يا

ابن قلبي قبل رحمي "

نظرت لها بصدمة وقلت " لا يا أمي لا تقوليها "

بقيت على صمتها والضيق جليا على ملامحها المتعبة

فأمسكت يدها وقبلتها وقبلت رأسها وقلت

" آسف يا أمي ولن يتكرر ذلك ما حييت "

قالت بهدوء " ليس مني تعتذر بل من التي ضربت

اليوم قلبها قبل وجهها "

أعطيتها ظهري وقلت بأسى " لا تحكمي عليا ظلما

فأنتي لا تعلمي من الذي ضرب قلب الآخر "

تم خرجت من عندها وغادرت المنزل برمته بعدما تعقدت

الأمور أكثر بدلا من أن تُحل , توجهت للمزرعة من فوري

دخلت المنزل وقلت بصوت مرتفع " وليد "

نزل من السلالم وهوا يقول " يا ملائكة الرحمة زوريه

وخففي ما يعتريه و..... "

ثم ضحك ولم يكمل فابتسمت رغما عني وهززت رأسي وقلت

" لا تقلع عن عاداتك أبدا وأقسم أني لست في مزاج لك "

ثم قلت وأنا اصعد السلالم

" سأستحم ونغادر لمنزل الشعّاب سنتم الأمر الليلة "

قال وهوا يلحقني " لم نعطهم خبرا بزيارتك "

قلت وأنا أدخل جناحي " بل لديهم العلم منذ أسبوع ولكنهم لا

يعلمون عن سبب زيارتي , أستحم وأجدك في سيارتك تفهم "

ضحك وقال " ألا تريد أن تجدني جالس فوق السيارة "

قلت وأنا آخذ المنشفة وأدخل الحمام

" أخبرتك أني لست بمزاج لك فلا تطرني لضربك "

جاءني صوته من خلف باب الحمام

" لن تكون نواس الذي أعرفه إن مددت يدك علي "

فتحت صنبور المياه لتدفق بقوة وقلت بهمس خلف ضجيجها

" بل فعلتها بمن هي قطعة من قلبي فلا تستغرب أن أقتلك "

*
*
" جواد أنت تغش اقسم رأيتك "

ضرب وزيري بوزيره وقال " بلى مات

وزيرك فاقبلي الهزيمة "

قلبت اللوح وقلت " انتهت اللعبة "

ضحك وقال " غشاشة ومشكلتي أني أحبك "

رميته بوسادة الأريكة وقلت " وهل يحب الغشاشة غير الغشاش "

ضحك وأمسك خدي وقال " متى سننجب لنا غشغوشا صغيرا "

ضحكت كثيرا حتى تعبت ثم قلت " ولما ليس غشغوشة "

ضحك وقال " وغشاغيش كثر أيضا "

انفتح حينها باب الشقة وأغلق بقوة حتى ظننته سيتحطم

ثم مرت وسن من أمامنا لغرفتها مباشرة ووجها لا يبشر

بخير , نظرنا لبعضنا باستغراب فحرك جواد رأسه

بمعنى ما بها فرفعت كتفاي وقلت " ألست تعلم أني

معك هنا منذ ساعتين أم الغش أعماك "

مرت والدتي بنا ووقفت وقالت " مابها وسن "

قلت بحيرة " لا أعلم كانت في الخارج وعادت للتو "

تنهدت وقالت " مسكينة هذه الفتاة متى سترحم

نفسها وصحتها "

تم غادرت باتجاه غرفتها قائلة " سأحاول التحدث

معها رغم أنه مستحيل "

هززت رأسي وتنهدت وقلت بحزن " لا تفعل هذا إلا

إن رأت شقيقك أو سمعت خبر يخصه بالتأكيد "

أخرج هاتفه وهوا يقول " أخبرته فجر اليوم أنها تركت الجامعة

لابد وأنهما تحدثا معا لا شك في ذلك أبدا "

جرب الاتصال بأحدهم ثم تأفف بضيق ويبدوا أنه لم يجب عليه

ثم أجرى اتصال آخر و قال " مرحبا أمي هل جاء نواس "

سكت لوقت ثم قال " وتقابل ووسن بالتأكيد "

" لا لم أره ولكن رأيت ابنة شقيقتك تبدوا الأمور ازدادت تعقيدا "

" لا بالطبع هل تعرفينها تقول شيئا , ماذا حدث بينهما "

تنهد بضيق وقال " جربت الاتصال به ولا يجيب

سأسأل عنه في المزرعة لا تقلقي "

أغلق بعدها الخط منها واتصل مجددا ثم قال

" مرحبا وليد هل أنت في المزرعة الآن "

قال بعدها بابتسامة " طبعا لن تكون غير هناك يا أريكة المنزل "

ثم ضحك وقال " أجل أجل هذا ما تفلح فيه المهم نواس هناك أم لا "

قال بضيق " عندما يخرج أخبره أن يجيب على اتصالاتي

لا أعلم لما يتعب نفسه باقتناء الهواتف "

ضحك كثيرا ثم قال " هكذا إذا عينك على

هاتفه ذاك .... يالك من جشع "

" حسنا وداعا الآن "

قلت من فوري " ماذا حدث "

قال وهوا يعيد هاتفه لجيبه " تقابلا في منزلنا وتبدوا

مشاجرة كبيرة حدثت وخرج كل واحد منهما

غاضبا وهذا المتوقع طبعا "

قال بعدها " ألن تذهبي لتريها "

قلت بحسرة " ولما اتعب نفسي لن تفتح الباب

وإن فتحته لن تتحدث "

ثم قلت وأنا أجمع قطع الشطرنج " هل تحدثت

معه في موضوع الدراسة "

قال بهدوء " ليس بعد سأتحدث معه قريبا

هي فرصة لن تعوض "

قلت بحزن " لا أريد ترك عائلتي خصوصا وسن

وهي في هذه الظروف "

أمسك وجهي بيده وقال " وتتركيني أنا يا ظالمة أقسم

لن أتحرك شبرا من دونك رضي من رضي وكره من كره "

اقتربت منا والدتي فقلت من فوري " هل تحدثت معها "

هزت رأسها وقالت " كالعادة قالت أنها بخير وتريد البقاء

وحدها وطلبت مني أن أجلب لها الحبوب المسكنة "

قلت بدمعة محبوسة " ستموت وترتاح ويرتاح ذاك الجلمود "

وقف جواد وقال " عن إذنكما وأعلماني لو احتجتم أي شيء "

غادر فلحقت به عند الباب قائلة " جواد انتظر "

التفت إلي في صمت فنظرت للأرض وقلت بهدوء

" أنا آسفة لا تغضب مني "

لم أشعر سوى بشفتيه قبلت خدي وهمس في أذني قائلا

" لست غاضبا حبيبتي لا تقلقي "

ثم غادر وأغلق الباب خلفه

*
*
بعد ساعة كنا خارجان من المزرعة بسيارتينا وغادرنا

المنطقة لأخرى تبعد ساعتين عن هناك , وصلنا ونزلت

أنا وبقي وليد بعيدا , استقبلني عند الباب الابن الأكبر للعائلة

تصافحنا ثم قال " تفضل يا سيد أنورت المدينة "

قلت بابتسامة " أنورت بساكنيها "

دخلت برفقته ليستقبلني شيخ كبير في السن وشابان

آخران , وقف بصعوبة فتوجهت نحوه أجلسته وقلت

" لا تتعب نفسك يا عم أنا من آتيك عند قدميك "

قال برحابة " ابن أشراف كما سمعت عنك فمرحبا بك عندنا "

صافحني الشابان وقال الأكبر " هذا عمي الأكبر كبيرنا وكلمتنا

عندما علم بقدومك اختار أن يكون في استقبالك معنا "

جلسنا وقلت بلطف " أطال الله في عمره وأبقاه فوقكم

ورحم والدكم ونعم الرجل كان "

تجلى الحزن على ملامحهم بسبب ما عانته هذه العائلة بعد

موته فقلت " من خلف ولدا صالحا ما مات "

نظر كل واحد منهم للأرض بضيق وحسرة فقلت

" طبعا تجهلون سبب قدومي لكم اليوم "

قال الأصغر " مؤكد من أجل التجارة , باعك وصيتك كبير

في تجارة الخيول لكننا لا نتاجر فيها "

قلت بابتسامة " لم آتي من أجل التجارة بل من

أجل النسب الشريف "

نظروا لبعضهم بصدمة واستغراب ثم قال أكبرهم

" وفي من !! "

جلت بنظري بينهم ثم قلت " مي وليس لديكم غيرها حسب علمي "

قال بتلعثم " لكن ... لكنك .... قد "

قلت بجدية " لكني أعلم ما حدث وما كان ولا يهمني وقلت

أريد نسبكم إلا إن رفضتم ذلك "

قال عمهم من فوره " ناسبنا خيار الناس وأنت فوقهم

ولكنك قلت أنك تعلم بما حدث لها وما قيل

وما مرغ سمعتنا في التراب "

قلت بهدوء " نعم أعلم "

قال " وهل ستطلقها لتزيد نكبتنا , احمل نفسك يا بني وأخرج

من هذه المعمعة كي لا تُغرق نفسك معنا في الشوشرة "

قلت " لن تكون هناك أي شوشرة أنا بعيد عن الموضوع

ولن يتحدث أحد عني "

قال الابن الأوسط " عذرا ولكن لما تفعل هذا "

قلت من فوري " دَين لرجل لا تعرفونه "

قال أكبرهم " أعذرنا لن تتصافى في ديونك بباقي سمعتنا "

تنهدت وقلت بجدية " بل لن تكون تصافي ديون , ابنتكم فوق

رأسي لن أضيمها ولن تمتد يدي عليها ولن يخرج ما تحدثنا فيه

من مجلسنا هذا حتى الموت ومهرها وجهازها كغيرها

وأفضل ومؤخر يضمن لكم صدق كلامي وأني لن أطلقها "

قال عمهم " لن تعجز عن دفع مؤخرها مهما كان كبيرا "

قلت " ومن قال أنه مال "

نظروا لي بعدم استيعاب فقلت " لن أطلقها إلا على عقد لها

على زوج غيري وبموافقتها ورضاها , من يكتب ورقة طلاقي

منها يكتب ورقة زواجها به ولن يكون ذلك قبل عام أو ستبقى

في ذمتي حتى آخر عمري أو عمرها "

كانت أعينهم ستخرج من الصدمة فقلت " إن وافقتم الآن

عقدنا الليلة ولكم أن تطلبوا رأي الفتاة وتتشاوروا ولن

أغادر إلا بكلمة قبول أو رفض "

قال أكبرهم بسخرية " وهذا ما بقي نأخذ رأيها "

تنهدت بقوة وقلت " لا تكونوا والزمن على شقيقتكم , ستخرج

من هنا معززة مكرمة وتعيش عندي بعزتها وكرامتها كما رباها

والدها وأقسم أنَّ رجلا مثله لن يربي فتاة تجلب العار لأهلها "

قال عمهم " سلم لسانك ومنطقك فكم قلت أن حق اليتيمة لن

يضيع, جعلها الله الزوج الصالح لك وكلمتي لن يثنيها أحد وقد

أعطيتها لك وسنعقد الليلة كما أردت ومتى ما حددت

موعدك تعال وخدها من بين الجميع "

وقفت وقلت " إذا على بركة الله , الوالدة متعبة ولا

يمكنها التحرك لكانت جاءت كما تستدعي الأصول

ولا شقيقات لدي وأنا الأكبر "

وقفوا وقال أكبرهم " وحدك تكفي وتزيد ولن

نقول شيئا بعد قول عمي "

قلت " أعذروني لديا موعد مع شخص هنا وسأوافيكم

عند المغيب نتفاهم وتضعون المهر الذي يناسبكم

ونكتب العقد والشروط أيضا فيه "

تنهد عمهم وقال " أي رحمة أرسلها الله لنا هذا اليوم أقسم

أن الناس أكلت وجوهنا وسلخت ظهورنا وبعد اليوم

لن يجرأ أحد على قول شيء "

ربتت على كتفه وقلت بابتسامة

" الله لا يُضيّع شرف الأشراف .... عن إذنكم "

ثم خرجت من فوري بعدما كتبت أول سطر في حياة فتاة لا

أعرفها وآخر سطر في حياة فتاة لست فقط أعرفها بل وأعشقها

حد الجنون فما سنقول في وجع القلوب وحكم أقدارنا غير

أن الواقع واقع وعلينا أن نعيشه فلم أنسى بعد كلمات الرجل

الذي لو أفنيت عمري ما رددت جميله وهوا يقول لي في

فراش الموت ( مي يا نواس لا أريد منك شيء ترد به

جميلي عليك سوا أن تخرج ابنتي من براثن أشقائها )

*
*
تقتلنا الهموم وتصفعنا حياتنا من كل صوب , أحيانا نقول هذا

قدرنا ولا مفر لنا منه والصبر قالوا أنه المفتاح الوحيد للفرج

وأحيانا نقول ما اختار الله لنا أمرا إلا وكان لنا فيه الخير

يبتلي عباده المؤمنين وجعل مع العسر يسرا

لم يتبقى لها شيء سوى هذه الكلمات النورانية ترثي بها

حالها بعدما أصبحت وصمة عار مجتلبة للنكسات فحتى

والدها هي المذنب الوحيد في موته وفي سجن شقيقها وحتى

تقلبات الجو باتت هي السبب فيها لأنها أصبحت الشيطان

والوباء المدمر التي لا تستحق الحياة وأي حياة هذه التي

يتبجحون بها عليها , تجلس على سريرها تحضن ساقيها

وتخبئ وجهها فيهما لأنها تخشى إن أخرجته تهب الرياح

المغبرة ويتهمونها بها , مسجونة في غرفة بنافذة مغلقه

بالحديد كي لا تقفز منها رغم أنهم موقنون أنها إن فعلتها

ستموت ومؤكد لا يخشون موتها , باب موصد لا يفتح

إلا من الخارج وليته لا ينفتح أبدا لأنه لا تدخل منه إلا

السموم, في عمر الزهور ابنة والدها الوحيدة بعد أربع

ذكور , المدللة الحنونة من تحملت جور زوجاتهم من

أجلهم لكن العقول لا ترحم والرجل الشرقي يتحول

لوحش أمام كلمة عار وعرض ولا يهتم للأسباب

* * * *
سمعتُ مفتاح الباب يدور فخبأت وجهي أكثر وانكمشت

على نفسي فمؤكد لن يدخلوا إلا لضربي من جديد أو إهانتي

ولومي , يا رب خذ روحي وارحمني فوحدك تعلم

بحالي ولديك فقط العدل بلا ظلم ولا جور , انفتح الباب

ثم أقترب صوت كعبي حداء يتبعه الآخر ليصلني صوتها

الساخر قائلة " مبروك يا فضيحة جاءك عريس "

لم أرفع رأسي ولم أتكلم فقالت الأخرى " بعد اليوم كل

الفتيات ستهرب مع الرجال ليحضوا بالعرسان "

أي عريس هذا بواب الشركة أم البستاني أو قد يكون

ملك الموت وأرتاح , قالت أسماء " ارفعي رأسك أقسم

أنك ولدتِ في يوم الحظ السعيد "

قلت ودموعي باشرت النزول " لو كنت ولدت فيه ما

كنتي أنتي هنا وأنا فيما أنا فيه ففيما ولدتِ أنتي إذا "

قالت بحدة " لا تلعبي معي بالكلام لأنك الخاسرة الوحيدة

ليته الليلة يأخذك معه لما يبقيك لنا بعد أن يتزوجك "

ثم ضحكت بسخرية وقالت " لا ومهر خيالي وجهاز

لن يكون عاقلا أبدا "

رفعت رأسي لها وقلت " تزوجيه أنتي إذا "

ضحكت وقالت " وهل تركت لنا شيئا إلا أشقائك بسمعتهم النتنة

فحتى إن تطلقنا منهم لن يرفعنا أحد لأنك كالوباء لطختِ الجميع "

رمت بعدها بيدها في الهواء وقالت مغادرة " عمك العجوز

يريدك في الأسفل بسرعة انزلي وعودي "

قلت بسخرية " ومنذ متى حررتموني من سجني لأنزل وحدي "

وقفت عند الباب وقالت " منذ قليل يا ابنة الحظ السعيد "

ثم غادرت تجر معها شبيهتها وتركت الباب مفتوحا على غير

العادة, نزلت من السرير وغيرت قميصي بآخر بأكمام طويلة

احتراما لعمي الذي لم يراني يوما دون حجاب فكيف أصبح

اليوم وصمة عار لهم جميعا , ولكي أخفي أثار الضرب

الوحشي الذي أتلقاه منذ أسابيع بلا توقف ولا رحمة

لبست حجابي وأنزلت التنوره لتلامس الأرض فهم لم

يتركوا مكانا بي لم يشوهوه , نزلت السلالم الضخمة التي

تتوسط المنزل الكبير وتوجهت لمجلس الرجال حيث سيكون

هناك وحده بالتأكيد , طرقت الباب ودخلت بهدوء وما أن

وقعت عيناي عليه حتى أدمعتا فورا فمد يده لي وقال

" تعالي يا ابنتي فلا يمكنني الذهاب لك بسرعة

فوقوفي بحسابه كما تعلمي "

ركضت ناحيته وجلست أمام ساقيه وقبلت يده وأنا أقول

ببكاء " إلا أنت يا عمي لا تكن مثلهم أرجوك فوحدك لي

بعد والدي ويكفيني منك ولو كلمة أنا أثق بك يا مي "

مسح على رأسي وقال " بل كثقتي بنفسي وقد نهيتهم

وأقسمت عليهم أن لا يضربك واحد منهم بعد ذاك

اليوم ولن يثنوا كلمتي بالتأكيد "

كيف أخبرك يا عمي كيف أقول لك أن ذاك اليوم كان

أرحم مما يليه رغم أني ذقت فيه ضربا تعجز عن تحمله

البغال كيف وهم هددوني كي لا أخبرك أمسك يدي

وقال " اجلسي بجواري لدي ما سأقوله لك "

وقفت وجلست بجانبه أمسح دموعي فقال بهدوء

" أحدهم خطبك اليوم وأنا أعطيت , كان عليا مشاورتك

لكنه رجل لا تُشاور عليه النساء وسأطمئن عليك لديه "

قلت بحزن ورأسي للأرض " لن يكون أسوء من حالي هنا "

لاذ بالصمت ولم يعلق فقلت " ومن يرضى الزواج بمثلي

كيف وثقتم برجل يتزوج بي مؤكد ورائه شيء يخفيه "

ثم رفعت رأسي ونظرت لوجهه وقلت " لو كانوا إخوتي

لقلت أنه لن يعنيهم أمري أما أنت فلن تفكر مثلهم بالتأكيد "

تنهد وقال " بالتأكيد لن أفكر مثلهم ولن أبيعك لأي أحد

فقط لنتخلص منك , إنه تاجر خيول كبير ومعروف

صحيح أنه دخل السوق من عامان فقط لكنه فاجئ

الجميع وسمعته كالمسك وخيوله تسمى في السوق بالخيول

المدللة فمن دلل الخيل لا يقسوا على النساء قطعا "

بقيت أنظر للأرض ودموعي تسقط في حجري الواحدة

بعد الأخرى فقال " مي يا ابنتي إن كنتي غير

راضية تصرفت في الأمر "

هززت رأسي وقلت " لن أثني كلمة قلتها له

ولقد تساوت عندي الأمور "

تنهد وقال " رجائي أن لا تندمي يوما ولا أندم على ثقتي

به لكنه اليوم أكد لنا أنه لم يأتي ليبيع ويشتري بفتاة سمعتها

ضاعت ويستغل الوضع بل وضع شرطا على نفسه

يربطك به كل العمر أو يحررك لأشرف منه "

مسحت دموعي وقلت " ولما يفعل هذا لماذا "

قال " لم يفصح عن السبب , إن تعبتِ معه

اتصلي بي فقط وسأرجعك منه لمنزل والدك "

وقفت وقلت " كما تريد يا عمي "

قال بهدوء " سنعقد عليكما الليلة وسيأخذك في وقت

لاحق, مهرك سيكون لك لا أحد يناصفك فيه إلا على جثماني

وسيدفع تكاليف جهازك فاشتري كل ما في خاطرك "

ابتسمت بألم وقلت " هذه الأمور لم تعد تعنيني فلقد

ضاعت أحلامي كأي فتاة بيوم كهذا اليوم "

ثم خرجت من فوري وصعدت لغرفتي ابكي حظي

والساعات الأخيرة لي قبل أن أصبح زوجة المجهول والله

وحده يعلم عجوز أم شاب وأي شاب سيفكر بي وأستغرب

حتى من كبار السن أن يقتربوا مني , طلبت الموت فهل

حقق الله دعائي وسيكون موتي على يديه , توجهت من

فوري لخزانتي وأخرجت الأوراق التي تُدخلهم لي الخادمة

خلسة منذ أيام ومكتوب فيها ( سأخرجك من هناك يا مي

أنا السبب فيما حدث وسأنقدك مما أنتي فيه )

ترى من صاحب هذه الرسائل وما علاقته بمن جاء

اليوم لخطبتي أم هي مجرد مصادفة ومن هذا السبب

أقسم لو أدركه أقطعه بأسناني

************************************************** **

******************************************

عند دخولي اليوم للفصل بعد الفسحة فجعت بورقتي

على لوح الإعلانات , ورقة امتحان مادة الهندسة

التحليلية التي علقها الأستاذ نزار مليئة بالرسوم لقلوب

وكلمات غرامية مني إليه فتوجهت للوح ونزعتها بغيض

ونظرت جهة وجدان التي قالت بسخرية" هل رأيتم بأنفسكم

هي من نزعها فجدي لنفسك جواب حين سيسأل أين الورقة "

قلت بغضب " وأنتي من كتب هذا عليها أليس كذلك "

قالت باستعلاء " بل أنتي من فعل هذا "

ثم نظرت للطالبات خلفها وقالت

" هل قلت كلاما غير صحيح ؟ من يشهد معها "

سكتن جميعهن ينظرن لي بصمت فقالت بسخرية

" ستصل الورقة للمدير ومطرودة يا سما "

لن تصل للمدير ولكن المصيبة أنها ستصل للأستاذ , أي

فضيحة هذه وإن كان يعلم أنه ليس أنا من كتبها ولكن ما

أعرفه أن هذه الأشياء سيئة ولا تجوز , دراستك آخر ما

تبقى لك يا سما وما خسرته كان أعظم منها , توجهت نحوها

وأمسكتها من شعرها بكلى يداي ودخلنا في عراك شديد , سألقنها

درسا قبل أن أغادر علها تخاف من باقي الطالبات أو أخرجها

معي من المدرسة ويرتاح منها الجميع , بعد قليل جاءت

المصلحة الاجتماعية ومعلمتان معها لأن الطالبات أبلغوهم بما

يجري وطبعا حليفتا وجدان لأن الباقي تمنين لها هذا منذ زمن

فكوا شعرها من يداي بصعوبة وبعدها على الفور كنا في

مكتب المدير الذي صرخ من فوره " لا مكان في المدرسة

لكما ولا تشرح أي منكما ما حدث وتتعب نفسها وتبرر

بسرعة تخرجان من هنا "

قلت بهدوء " أعطني ملفي لأن لا أحد سيأتي لأخذه "

أخرجه من المكتبة ورماه على الطاولة بغضب فأخذته وخرجت

وتوجهت لخلف مبنى المدرسة انتظر وقت قدوم الحافلة لأني

لن أستطيع الذهاب سيرا فالمكان بعيد , جلست أبكي كل ما

حل بي منذ داست قدماي هذه البلاد , أبكي فقدي لعائلتي

ووحدتي وخوفي ممن يطاردونني وفقدي لدراستي لحبي

الشديد لها فأي عام سيضيع منها يضيع من عمري , كنت

أضن أن الخالة عفراء ستبقى بجانبي وتبحث لي عن عائلتي

ليأخذوني كما قالت لي وأن هذه المدرسة هي المكان الذي

ستجدني فيه حين تلقاهم لكنها اختفت مثل الجميع وتركتني

وحدي, بعد وقت هدأت من بكائي وتذكرت كلام والدتي

حين كانت تقول لي ( الله لا يموت ولا ينام يا سما يحمينا

ويرانا ويدافع عنا فلا يجب أن نخاف أو نحزن أو نشعر

بالوحدة والعجز ) وما هي إلا جزء من الثانية وكان

الأستاذ نزار قادم باتجاهي فوقفت من فوري متمنية أن أشق

الجدران وأهرب منها فقد يكون قادم لتوبيخي أيضا لعلمه

بالورقة وما فيها

*
*
فتحت الباب بالمفتاح لأني أعرف مكان وضعه له عند

الباب ليدخل أي من معارفه للبقاء مع والدته في غيابه أو

إلقاء نظرة عليها من حين لآخر, عليا أن أعلم منها هي إن

كان ما قالته رهام صحيح أم تكذب عليا لتبعدني عنه

إن كان صحيحاً فستكون والدته على علم بالتأكيد , أغلقت

الباب ودخلت بهدوء حتى وصلت حجرتها وطرقت

الباب فقالت بابتسامة " ادخلي يا دعاء يا ابنتي "

اقتربت منها وقلت " صباح الخير كيف أنتي اليوم "

قالت مبتسمة " الحمد لله مادمت جالسة بأحسن حال أما

إن تحركت عانيت من ألم ساقاي لبعض الوقت "

جلست أمامها وقلت " لا تتحركي إذا إلا للضرورة "

تنهدت وقالت " وهل أتحرك إلا للحمام وبصعوبة بالغة

كم حاولت ترتيب المنزل على الأقل ولم أنجح في ذلك

فيبقى نزار رجلا ولن يلتفت لكل الأمور الصغيرة , زوجة

عوني باركها الله لا تقصر في تنظيفه لكنها أم لأبناء صغار "

قلت بابتسامة " وما الذي أفعله أنا أتركي الأمر لي "

أمسكت يدي وقالت " أقسمت عليك بالله لن تفعلي فلم أتحدث

معك من أجل هذا , فقط كنت أفضفض عن خاطري "

قلت بلوم " لما حلفتِ يا خالة كنت سأفعل ذلك عن طيب خاطر "

قالت وهي تعدل جلستها على الوسائد " يكفيك مسئولية

منزلك وأخواتك , قريبة لي ستزورني هذه الفترة

لا تقلقي بشأن هذا "

نظرت للأسفل قليلا في صمت ثم قلت

" رهام قابلتي وتحدثت معي "

ساد الصمت من ناحيتها فرفعت نظري لها فكانت تنظر

لي بصدمة ثم قالت " وما الذي جاء برهام الآن !

أليست مسافرة منذ سنوات "

تنهدت وقلت " بل عادت منذ زمن وزارتني في منزلي

عدة مرات وآخر مرة أمس في المستشفى وكانت ..... "

قطعت كلامي فقالت بحيرة " كانت ماذا "

قلت بهدوء " كانت تريد مني معرفة إن كان نزار لازال يحبها "

بقيَت مصدومة لوقت وصامته ثم قالت " وما تريده من نزار بعد

كل هذه السنوات وهي من تركته وهما مخطوبان وتزوجت بغيره "

تنهدت وقلت " طلقها ذاك منذ مدة وبقيت هناك مع خالها

وأنهت دراستها وعادت الآن وعلى ما يبدوا تريد إرجاع

أوصال الحب القديم "

هزت رأسها وقالت بحزن " وما تريد منه الآن

بعدما تركته دون أسباب "

قلت بابتسامة سخرية " تقول أنه أخبرها أنه عقيم

ولن ينجب أبناء وترك الاختيار لها وطلبت

مني أن لا أخبر أحدا لكني أضنها تكذب "

نظرت لي برجفة وتغير لون وجهها وبدأت شفتاها بالارتجاف

فعلمت مباشرة أنه السكر ارتفع لديها فاقتربت منها وأمسكت

يدها وقلت " ما بك يا خالة أين حبوب السكر "

زاد العَرق في وجهها واصفرار لونها فأمسكت بهاتفي

برجفة واتصلت بالإسعاف

*
*
توجهت نحوها فوقفت من فورها وعادت بخطواتها للوراء

فأمسكت يدها وأرجعتها حيث كانت جالسة وقلت

" ما الذي حدث يا سما "

سحبت يدها مني وضمتها لصدرها وقالت ببكاء

" لا شيء سأترك المدرسة وانتهى أرجوك لا تسألني عن السبب "

قلت بحدة " ما الذي جعلكما تتضاربان وأنتي تعلمين أن القوانين

تطرد من يفعل ذلك تحت أي سبب كان "

مسحت دموعها وقالت " كان عليا تلقينها ذاك الدرس لأني

خارجة من هنا على كل حال وبمحض إرادتي "

هدئت نفسي لأني أعلم كم تخاف من الجميع وقلت بهدوء

" سما ما حكايتك ستخبرينني الآن وأنا من سيوصلك لمنزلك تفهمي "

هزت رأسها بلا وقالت " ستأتي الحافلة وتأخذني "

تنفست بقوة وقلت بهدوء " كل ما أريده مساعدتك فمما أنتي

خائفة وأين هم والداك وأين تعيشين , الآن أجيبي لأني

لن أتركك قبل أن أعلم "

بقت تنظر لي بصمت وريبة فقلت

" لا تخافي مني أقسم لن أؤذيك , فقط أريد مساعدتك "

قالت بتوجس " ولما تريد مساعدتي "

قلت من فوري " لأني متأكد من أن هناك خطرا يحدق

بك من خوفك من كل شيء "

قالت بريبة " وماذا إن كنت واحد منهم ؟ أنا لا أتق بك "

نظرت لها بحيرة وقلت " واحد ممن !! قولي من هم "

أغلقت أذناها بيديها وقالت برجفة ونظرها للأرض

" ممن يلاحقونني ويطرق بالعصا ليعلم أين مكاني "

كنت أنظر لها بصدمة وكأنني أشاهد فيلما وليس واقع

أمامي ,أمسكت كتفيها وأجلستها حيث كانت جالسة

وجلست بجانبها وقلت " سما لا تخافي مني أقسم أني

لا أعرفهم ولا أريد أذيتك فقولي ما حكايتك وسأساعدك "

نظرت لي بريبة فقلت بجدية " سأساعدك يا سما اقسم على ذلك "

قالت بتوجس " حقا ستساعدني "

هززت رأسي بنعم دون كلام على صوت رنين هاتفي في

جيبي فأخرجته ونظرت للمتصل بحيرة ... غريب ماذا تريد

دعاء الآن هل هي عند والدتي هل حدث لها مكروه يا ترى

فتحت الخط ووضعته على أذني وقلت من فوري

" مابك يا دعاء هل والدتي بها مكروه "

وصلني صوتها صارخة " نزار تعال بسرعة أنا في

الإسعاف والدتك ارتفع عندها السكر ألحقنا للمستشفى "

وقفت بسرعة مغادرا ثم التفتت لها وكانت واقفة , وضعت

يداي على كتفيها وقلت " ابقي هنا حتى أعود لا تتحركي مهما

حدث , والدتي متعبة وعليا المغادرة , لا تغادري

يا سما مهما حدث حسنا "

نظرت لي بصمت فقلت " عديني أنك لن

تغادري حتى أعود "

قالت بشبه همس " أعدك "

ثم غادرت ركضا وركبت سيارتي وتوجهت من فوري

للمستشفى تاركا المدرسة والحصص وكل شيء ورائي

وتوجهت إلى هناك من فوري , وجدت دعاء عند أول

الممر فوقفتْ ما أن رأتني فقلت بخوف

" مابها ما الذي حدث ؟؟ لم يرتفع لديها السكر قبلا "

قالت " ارتفع فجأة وبنسبة كبيرة يحاولون خفض معدله

وصل حتى الـ600وانخفض الآن للــ400 ستكون بخير

أعذرني لأني كنت خائفة ومرتبكة وقد أفزعتك "

قلت بخوف " هل ستكون بخير هل سيؤثر عليها مستقبلا "

قالت " لا أعتقد مادامت لم تعاني منه قبلا وليس لديها

مشاكل في ضغط الدم والقلب "

تنهدت براحة وقلت " هل استطيع رؤيتها "

سارت بجانبي وقالت وأنا أسير معها

" لازال سكرها مرتفعا ما أن ينخفض أكثر تستطيع الدخول لها "

بقيت هناك لساعات ألف على الأطباء واشرح حالتها

وأتأكد أنه لن يتسبب لها هذا بمضاعفات وأصررت عليهم

أن يجروا تخطيطا لقلبها وفحص لنظرها ودماغها ومر اليوم

أركض من ممر لممر ومن طبيب لآخر ولم يرتح لي بال

حتى اطمأننت عليها وسمحوا لي بزيارتها فدخلت لها

واقتربت من سريرها وقبلت يدها وقلت " ما الذي جعل

سكرك يرتفع , أمي لو فقط ترتاحي من الحركة "

قالت بابتسامة متعبة " لن يرتاح قلبي ولو ارتاح جسدي

نزار عد للمنزل وارتاح يكفي أنك أضعت

الحصص اليوم وتعبت النهار هنا "

وكأن تلك الكلمة أيقظتني من سبات عميق , حصص ومدرسة

و... , نظرت لها بصدمة وقلت " سما "

قالت بتوجس " من سما !! "

خرجت مسرعا وأنا أردد " كيف نسيتها كيف "

خرجت ركضا من ممرات المستشفى وركبت سيارتي

ووصلت عند باب المدرسة ثم نزلت ووصلت عنده

وضربته بقدمي لأنه مقفل بالقفل والوقت ليل يستحيل أن

تكون انتظرتني حتى هذا الوقت ولكني طلبت منها البقاء

تحت أي ظرف ترى هل تكون في الداخل وأغلقوا عليها الباب

ولم تتمكن من الخروج , عدت لسيارتي مسرعا وانطلقت

ساعدتها حقا يا نزار لو تركتها على الأقل عادت لمنزلها

مؤكد لن يقبل بها أحد بعد نهار كامل تقضيه في الخارج

آآآآخ هذا إن كان لها منزل أو عائلة , وصلت للمنطقة التي

يسكنها مدير المدرسة وتبعد النصف ساعة وهوا يسكن مقابلا

لجابر فهوا عمه, وصلت المنزل وضربت الجرس ففتح لي

ونظر لي بتوجس وقال " نزار ما جاء بك هنا ولما خرجت

من المدرسة ولم تجب على اتصالاتي !! لقد شغلتني عليك "

قلت من فوري " هاتفي بقي في فناء المدرسة وأريده

لأمر ضروري جدا هلا أعطيتني المفتاح الخارجي

فقط أرجوك سيد منصور "

نظر لي بحيرة ثم قال " لما لا تستخدم هاتفا

عموميا أو هاتف والدتك "

تنهدت وقلت " أريد هاتفي تحديدا الأمر مهم ويمكنك مرافقتي


لن أدخل المدرسة فقط مفتاح الباب الخارجي "

دخل في صمت وكل رجائي أن لا يرافقني هناك , خرج

بعد وقت ومد لي بالمفتاح وقال " اتركه معك حتى

آخذه منك في الغد لديا نسخة احتياطية "

قلت بامتنان " شكرا لك يا سيد منصور وكن على ثقة , فقط

سأخرج هاتفي وسأغلق الباب وأعيد المفتاح لك الليلة إن أحببت "


قال بابتسامة " لا تتعب نفسك غدا آخذه منك "

شكرته مجددا وغادرت ومن فوري ذهبت للمدرسة فتحت

الباب ودخلت متمنيا أنها أخلفت بوعدها وغادرت ولم تبقى

كل هذا الوقت هنا وفي نفس الوقت متمنيا أن أجدها لأنها إن

رحلت فلن تعود ولن أعلم من هم أولائك الذين يطاردونها

وما يريدون منها , توجهت من فوري لخلف المبنى ووقفت

مصدوما حين رايتها تجلس مكانها الذي تركتها عنده في

الصباح حين غادرت

************************************************** **

******************************************

وقفت أنظر له مصدومة , من يضن نفسه هذا ومن يسمح

له بدخول منزلي في غيابي , أي فوضى هذه هل لأنه ضابط

جنائي يعطيه الأحقية في انتهاك حرمات الغير , آخر ما لديك

سمعتك يا أرجوان وهاهي تمرغت في التراب , وقف عندما طال

صمتي وتوجه للباب مجتازا لي وأغلقه فقلت ونظري يتبعه

" هل لك أن تشرح لي ما يجري أيها السيد المحترم "

وقف أمامي وقال " نتفاهم في مصلحة من تناديهم

بأبنائك إن كان أمرهم يعنيك "

قلت بحدة " وأين تضننا ؟ في بلاد الغرب , ينقص أن نشرب

النبيذ معا , أنت تعلم أنه منزل فتاة وحيدة ما سيقول عني

الناس وهم يرونك تدخل وتخرج "

قال ببرود " وما الذي قالوه وهم يرون سائق الحافلة

يفتح الباب ويدخل ويخرج "

قلت بذات الحدة " ذاك زوجته معه في الحافلة لأنها تدرس

في ذات المدرسة وينزل الأولاد أمام مرأى الجميع ويغادر "

قال بسخرية " هذا في مخيلتك فقط , أربع مرات دخل

فيها ولم يخرج قبل الربع ساعة "

بقيت أنظر له بصدمة ثم قلت " ولما يفعل ذلك !! "

جلس مكانه السابق وقال " اسأليه هوا وليس أنا "

بقيت أنظر له بصمت لوقت ثم قلت " والمطلوب مني الآن "

قال بجمود " تعلمين المطلوب ... تتحدثين معهم وفورا "

قلت بذات جموده " ما لديا قلته أخبرني عن أمور خاطئة يفعلونها

تحت مسمى أني من أباحها أو حرمها فأتكلم معهم حالا "

تنهد بضيق وقال " نحن لدينا نظام حياة مختلف فوالدتي لها

مظهر واحد تظهر به أمام الناس وتكره العبث وتخريب

النظام , قد لا تكون أمور خاطئة لكنها تراها كذلك "

ابتسمت ابتسامة جانبية وقلت " آه فهمت تريدونهم أطفالا كبارا إذا "

قال بتبات " شيء من هذا القبيل ولو في أغلب الأمور "

قلت بسخرية " أنتم كمن يحرث في البحر هل لك أن تقتنع أن

تتصرف كطفل هل يستوعب عقلك ذلك وهل توافقه , إن كنت

تفعلها الآن أمامي تأكد حينها أنهم سيفعلون ذلك ويتحولون

لكبار في ثوب أطفال "

قال ببرود " كنا أطفالا وتحكمنا في تصرفاتنا كالكبار "

قلت بجدية " والنتيجة "

نظر لي بنظرة حارقة وقال " وما تريني أمامك صعلوك

أم خريج سجون أم مهرج "

قلت بهدوء " أعذر وقاحتي لكني أراك صخرة "

وقف ينظر لي بغضب فقلت ببرود " لن أكذب عليك أو

أجاملك لا أعترف بطفل يوضع له نظام قاتل يقتله في النهاية

فيفشل في جميع نواحي حياته مهما كان ظاهره ناجحا "

قال بضيق " ما تقصدين بما قلته "

تنهدت وقلت " أقصد هل لك أن تشرح لي لما هربت حسناء

بأبنائها وأخفتهم عنك وهل يقتنع الأولاد الآن بما تطلبه مني , هل

تقربت لهم خلال هذه الفترة , جلست معهم لعبتم وضحكتم وعلمتهم

ما تريد تعليمهم بطرق يستوعبها الأطفال ؟ هل تعلم عن مشاكلهم

هل تجد لها حلولا غير رميها على الغير ليحلوها لك "

قال بضيق " لن تعلميني أنتي كيف أربي أبنائي والمجرمين

يتحولون لقطط بين يداي ... لا تغتري بنفسك "

قلت بهدوء " آسفة ولكن الأطفال ليسوا كالمجرمين عليك أن

تقتنع بذلك فلا يمكنك تشكيلهم كما تريد خصوصا أنهم عاشوا

وتربوا في غير البيئة التي تتحدث عنها الآن لأن النتيجة ستكون

مؤسفة وإن نجا أحدهم لن ينجى الاثنان الآخران , مستعدة الآن

لتنفيذ ما تريد لكن تأكد أنه لن ينجح الأمر ولن تنتهي المشكلة

فهم في النهاية بشر لهم عقول وليسوا حاسوبا فبالرغم من كل

جهودي معهم حتى الآن لم استطع تعليم ترف الأكل دون فوضى

والنوم لوحدها دون خوف وأن لا تغار من شقيقاها في كل شيء

وخصوصا أمجد فالكمال لا يصل إليه أحد هوا عند الله وحده "

عاد لهدوئه وقال " وما تريده والدتي ليس خاطئا وقابل للتجربة

هي جدتهم ويحق لها ذلك , أنا أتناقش معك كوالدة لهم وليس

فتاة غريبة عنهم فسلوكيات كثيرة غرستِها بهم تعجبني وما

كانت حتى والدتهم ستهتم بها "

تنفست بهدوء بعدما وصلت لمرادي , جيد علمت أنه من

هذا النوع يحتاج لعقل يتعامل معه وليس الغضب والحدة

والعناد, وكيف أستغرب هذا بل كان عليا توقعه منذ البداية

فضابط يتعامل مع القضايا ويحقق فيها ويفك غموضها

سيكون من الذكاء أن يفهمني دون كلام وأن يتحدث بما يأتي

له بالثمار فعلي التعامل معه من طبقته العالية في التفكير

قلت بهدوء " أطلب منك فقط أن تنظر للأمر من منظورك

أنت بقلبك وعقلك أنت يوم كنت طفلا إن رأيت هذا تستسيغه

نفسك يمكنك الآن أن تتصل لي بهم , وإن وجدت ريبة في

قلبك ولو ذرة فتيقن أنه لن ينجح ذلك وأنا تحت أمرك "

وقف في صمت وتوجه جهة الباب ليغادر فالتفتت له وقلت

" كنت أتردد في أن أطلب منك أن أتحدث معهم ولو مرة

ولو أسمع أصواتهم دون أن يعلموا بي لكني الآن

علمت أن ذلك مستحيل "

نظر لي مطولا بصمت ثم فتح الباب وغادر دون كلام

تنفست بقوة وأغمضت عيناي , لو نجح مخططي فسيتركني

أكلمهم بمحض إرادته كي لا يظهر أمامي بمظهر من تتحكم

والدته بتصرفاته وتربيته لهم , كان عليا اتخاذ الأساليب الملتوية

لأني إن قلت له حرفيا والدتك تتحكم بتربيتك لأبنائك لن تكون

النتائج مرضية أبدا , هذا الرجل التعامل معه أمر يتعب الروح

فحتى حركة حدقتي عيناه توتر من أمامه , لا أحسد حسناء

على السنين التي عاشتها معه فهوا يحتاج لعقل أكبر من عقله

ليسيطر عليه ويروضه فهذا الرجل لا ينفع للنساء أبدا

*
*
خرجت من عندها صفر اليدين وأنا من كنت موقن من أني

لن أخرج دون غرضي بالطيب أو بالإكراه , هذه الفتاة

وضعت عقلي في لحظة بين نقطتين صعُب علي ترجيح

إحداهما على الأخرى , لا أنكر أنني في طفولتي كنت

أخالف والدتي وقوانينها الصارمة أحيانا وبالخلسة لكني

مقتنع بما ربتني عليه وصنعت مني الرجل الذي أنا

أريد لكن أبنائي تربوا في غير البيئة التي ولدوا فيها

وأخشى أن تكون النتائج سلبية ونصبح ليس في معتصم

جديد بل أسوء منه فلن أتخيل أن يصبح أمجد مجرما في

المستقبل وأنا من عليا سجنه أو أن تنحرف إحدى الفتاتان

وأذهب بنفسي لاستلامها من قسم الشرطة , يبدوا أني لم

أعتد تحمل مسئولية أبنائي فلم أفكر لحظة أن أجلس معهم

ونلعب ونتحدث , هذه ترهات بالنسبة لي ولن أجد لها وقتا

ولم أعرفها في صغري وكبرت بدونها , كانت حسناء تلومني

دائما لأني أنجبت أبناء لا أراهم ولكنها مسئوليتها هل سأتحمل

معها حتى وظائفها في الحياة , كانت مشاكلي معها لا تنتهي

وما أن أدخل جناحي حتى تستقبلني من الباب ... أمك قالت

أمك فعلت أختك قالت أبنك فعل ابنتك فيها ولديها وتحملني

نتائج كل شيء حتى بات القصر بالنسبة لي جحيم لا أدخله

إلا ليلا لأنام بعدما أتأكد أنها نامت حتى فوجئت بها اختفت

وأبني وابنتاي وكانت النتيجة أن اختفت بهم لسنين , أوقفت

السيارة ونزلت ودخلت المكتب أخذت بعض الأوراق وانتقلت

بعدها لقسم الجوازات بالمطار كجولة تفقدية لسير بحتهم

وغادرت لموقع الشقة التي شهدت الجريمة الجديدة اليوم

وصلت هناك والشرطة تملئ المكان اجتزت الشرائط

الصفراء واقتربت منهم قائلا " هل أقترب أحد من شيء "

التفت لي الواقف أمامي وضرب التحية وقال

" كل شيء حسب الأوامر ولم نحرك شيئا "

اقتربت من جثة السيدة الملقاة أرضا نزلت عند مستواها

كان الدم يملئ شفاهها أمسكت ذقنها وفتحتهما يبدوا تلقت

ضربة قوية على المعدة أو الصدر لكنها لن تكون سبب

الوفاة بالتأكيد قلبت الجثة وكما توقعت كسر في الرقبة أي

وحش هذا الذي يفعل هكذا , وقفت وقلت " انقلوها لقسم التشريح

ووافوني بالنتائج فورا وأريد الشهود عندي في المكتب , توجهت

لداخل غرف الشقة وكل شيء مرتب ليست السرقة الغرض إذا

ولم يفكر القاتل في فعلها كتمويه , اقتربت من المطبخ كان ثمة

كوبا قهوة في صينية تقديم اقتربت وتفحصت الفناجيل , يبدوا

أنها شُرِبت منذ وقت واستقبلت ضيفة من أحمر الشفاه على

الكوب ويستحيل أن تفعل امرأة ذلك بها , خرجت لهم وقلت

" ثمة من زارها اليوم تقصوا من الشهود والجيران عن

الأمر واسألوهم من يزورها دائما و أوفوني بما جمعتموه الآن "

قال وهوا ينظر للورقة في يده " اسمها حياة عامر القصدي

أرملة لديها ابنة متزوجة وتعيش في منطقة بعيدة وابنان

متزوجان أحدهما يسكن قريبا منها ولديها شقيقة وشقيقين

الجيران يتحدثون عن إرث من زوجها ومشاكل مع عائلته

حوله ومشاكل بينهم وبين ابنيها "

قلت مغادرا " أغلقوا الشقة وامنعوا دخول أي أحد لها

أوفوني بأبنائها لمكتبي وكل من اشتبه الجيران بدخوله لها اليوم "

وقضيت النهار في القسم بين هذا وذاك وغيره وعند نهاية النهار

عدت لمدينتي ودخلت القصر منهكا تماما ولكني لم أرهم

منذ يومان وعليا رؤيتهم , اقتربت من غرفة الفتاتين لأن

أصواتهم تخرج من هناك فهم لا يفترقون أبدا إما في غرفة

أمجد أو هوا معهم حتى أنه لا يتضايق من وجودهم ولا من

عبثهم بأشيائه رغم أنانية ترف حياله هوا تحديدا ودونا حتى

عن بيسان , اقتربت من الباب وكانت ترف تجلس معطية

ظهرها لي وبيسان تنام على بطنها على الأرض تلعب

بقدميها في الهواء وأمامها كتاب لقصص مصورة وأمجد

يجلس على مكتب بيسان في الغرفة ولا أحد منهم مقابل لي

سوى المربية التي أشرت لها بأصبعي أن تسكت لأن ترف

كانت تمسك جهاز التحكم الخاص بالتكييف وتضعه على

أذنها وكأنه هاتف وتقول " مرحبا ماما هل أنتي بخير أين

أنتي لم تأتي , أمجد ضربني اليوم أليس هوا رجل والرجل

لا يضرب الفتيات تعالي وعاقبيه , ماما العيد قريب هل ستأتي "

ثم سكتت لوقت وقالت " نعم بيسان بجانبي ها هي "

ثم رمت لها بالجهاز وهي تقول

" ويلك من ماما يا بيسان قالت ستغضب منك كثيرا "

ضحكت بيسان وقالت " هذا ليس هاتف لن تخدعيني "

آآآه حتى متى سيخفون مشاكلهم لتحلها هي لهم وما هذا الذي

فعلته بيسان أيضا , لا اعلم أي سحر ألقته في قلوبهم كي تعلقوا

بها هكذا وبجنون , تنهدتْ بيسان وقالت " ترى هل ستأتي ماما في العيد "

قال أمجد " مؤكد ستأتي وتكون معنا ككل عيد "

قالت ترف بمرح " وستشتري لنا الملابس التي نحبها وتأخذنا

للسوق وتوقظنا في الصباح وتقبل جبيننا وتهنئنا بالعيد "

قالت بيسان بسرور " نعم ونخرج للحديقة ككل عيد ونلعب كثيرا

ونزور خالة سوسن ونلعب مع ماجد وعبير وستشتري لنا هدايا

غير هدايا والدتنا ونلعب بالبالونات ونملئ بها المنزل "

هل ينتظرون كل هذا في يوم العيد ! يالا مخيلتهم فأنا أكون

في مكتبي في القسم حتى في هذا اليوم ووالدتي لن تفعل هذا

ولا زهور ولا المربيات , سنكون في مشكلة كبيرة ذاك اليوم

بالتأكيد, فتحت الباب أكثر ودخلت فوقفت ترف مبتسمة

وتوجهت نحوي فرفعتها إلي وقبلت خدها ثم أنزلتها وقلت

" المربية تشتكي منك يا ترف هل تريدين أن اغضب منك "

قالت بعبوس " هي سيئة لا تحفظ حكايات ولا تحب أن تلعب معي

لعبة الأصابع ولا تتركني استحم بنفسي ... أمجد ضربني بابا "

غريب لأول مرة تشتكي لي من أحدهما ! نظرت جهة

أمجد وقلت " لماذا ضربتها "

وقف من الكرسي وقال " خطت بالقلم في كراستي "
نظرت لها بضيق فقالت بحزن " ماما كانت تعطيني

ورقة من كراسته لأكتب فيها , هوا لا يريد الآن أن يعطيني "

تنهدت بضيق وقلت " أليس لديك كراسة وقلم وكتب تلوين وكل

ما يلزمك فما حاجتك بورقة من كراسته "

قالت بتذمر " بل من كراسته ... لا أريد التي لدي "

تأففت وقلت " بيسان أجلسي جيدا بسرعة "

جلست ثم نظرت لي وقالت

" أريد فستانا أحمر من أجل العيد أخبر ماما تحضره لي "

قلت بجدية " سيأخذكم السائق والمربية والحراس لتشتروا ما

تريدون, انتهى هذا الأمر عند هنا ولا نقاش فيه "

فتحت فمها لتتحدث فقلت بأمر

" ولا كلمة يا بيسان ستختارينه بنفسك ألن يرضيك هذا "

قالت عبوس " ولكن ماما تحضره لي من المصنع كما أحبه

لا أحب تلك التي في السوق "

قالت ترف وهي تنظر للأعلى حيث وجهي

" هل ستأتي ماما في العيد "

قلت ببرود " هي مشغولة في عملها وقد لا تأتي "

أمسكت جهاز التحكم المرمي أرضا وقالت

" سأتصل بها وأخبرها أن تأتي "

هززت رأسي بيأس وأخرجت هاتفي وجلست معهم على

الأرض وقلت " سأتصل لكم بها الآن وتتحدثون واحدا واحدا

ولا تذكروا مشاكلكم التي لا تنتهي مفهوم أو لن تروها في العيد "

قالت بيسان بفرح " حقا سنكلمها "

قفز أمجد جالسا أمامي واحتضنت ترف جسدي من الخلف وهي

تقفز فقلت " ترف أجلسي معنا هنا أو لن تستطيعي محادثتها "

دارت أمامي ووقفت بين بيسان وأمجد وجلست بينهما تحرك

جسدها لتجلس بينهم فدفعها أمجد وقال " ابتعدي يا ترف "

ابتعدت بيسان جانبا وهي تقول " احترموا الإمبراطور يا همجيين "

لم أستطع إمساك ضحكتي وقالت ترف " ستري إن لم أخبر

ماما الآن , ألم تخبرك أن لا تقولي عنا همجيين "

قالت بيسان " وأنا سأخبرها أنك .... "

قلت بضيق " يكفي أو لن تتحدثوا معها "

سكتوا عن الكلام نهائيا فاتصلت بها وأجابت بعد وقت بأن فتحت

الخط في صمت فشغلت مكبر الصوت ووضعت لهم الهاتف

أمامهم فبدئوا يتحدثون معا وترف تبعد رأسيهما لتتحدث هي

فقلت بحدة " ترف "

توقفوا جميعهم عن الكلام فقلت بغضب " ما هذا الذي تفعلنه "

قالت بدمعة محبوسة " أريد التحدث مع ماما "

جاء حينها صوت أرجوان من الهاتف قائلة

" ترف ماذا نفعل حين يغضب منا والدنا "

قالت بحزن " آسفة بابا لن أفعلها مجددا "

قالت " لن أسامحكم على إغضاب والدكم وسأغضب

منكم ولن أكلمكم "

قالت بيسان من فورها " لا ماما نحن لا نغضبه ترف فقد تفعل "

جاء صوتها قائلة " سأغضب منك يا ترف "

قالت ودمعتها سقطت من عينها " لن افعلها مجددا أقسم لك "

جاء صوتها " أمجد كيف أنت بني "

قال بابتسامة " بخير ماما وأدرس جيدا وأستحم كل يوم , الحمام

هنا كبير وجميل لكنهم لا يسمحون لنا باللعب فيه "

قالت من فورها " بيسان بنيتي كيف أنتي "

وتجنبت طبعا أن تخبرهم أن ذلك خطأ ولا يفعلوه , قالت

بيسان " بخير ماما متى ستأتي ؟ هل ستأتي في العيد "

قالت " لا اعلم ... لا تتعبوا جدتكم ووالدكم وكونوا عاقلين حسننا "

قالت ترف " أنا أنا ماما كيف حالي "

ضحكت وقالت " كيف حالك يا ترف "

قربت وجهها من الهاتف وقالت " بخير ماما "

قالت " لا تتعبي والدك بنيتي أو غضبت منك تسمعي "

قالت من فورها " لا والدي لا ... المربيات بلى "

سكتت وكأنها اختفت من الوجود ثم قالت

" هل المربيات من يعتنون بكم "

قالت ترف " نعم ... لا أحبها ماما ليست مثلك "

قالت بحدة " عيب يا ترف كيف تقولين هذا

أنتي متعبة ولا تتغيري "

قالت ببكاء " لا أريد لا تغضبي مني "

لاذت بالصمت فقالت بيسان " مشتاقة لك ماما متى

نراك ونعود لبيتنا "

قال أمجد " وأنا كذلك تعالي في العيد أرجوك "

سكتت سوى من صوت شهقتها الباكية ثم أغلقت الخط

نظروا لبعضهم ثم لي وقالت ترف " أين هي !! "

رفعت هاتفي وقلت " انقطعت المكالمة ستحدثونها لاحقا "

امتلأت عينا بيسان بالدموع وقالت

" لا هي لم تجبنا إن كانت ستأتي في العيد "

قلت بضيق " انتهى عودوا لما كنتم تفعلونه

هيا أو لن تكلموها ثانيتا "

وقفت وغادرت من عندهم وتوجهت لجناحي , يبدوا

المشكلات لن تنتهي , دخلت الغرفة استحممت ولبست ملابس

النوم ونمت من فوري بسبب الإنهاك
*
*
قلت وأنا أصعد الدرجات الطويلة القليلة

" لا لن أتأخر سأتحدث معك لاحقا انتظر اتصالي "

قال ضاحكا " إن لم تكن هنا عصرا قصفت قصركم "

ضحكت وقلت " لا يا رجل ومن أي جبهة "

قال ببرود " معتصم لا أمزح , علينا إنهاء ذلك بسرعة "

قلت من فوري " حسننا وداعا الآن "

دخلت القصر حاملا كيسا كبيرا في يدي وكانت العائلة السعيدة

تتناول الفطور معا فوقفت بالمقربة منهم وقلت

" بيسان تعالي لتري ما جلبت لك "

قفزت من الكرسي تركض نحوي , هههه ستخنقها والدتي

بالتأكيد لمخالفتها الأصول واللباقة وسيصيب هؤلاء الأطفال جدتهم

بالجنون ويخرجون بحق الجميع منها وابنها , وقفت أمامي وقالت

" ماذا أحضرت لي ؟؟ "

قالت أمي بحدة " بيسان "

التفتت لها فقالت " وهل الماما من تسمح بترك

طاولة الطعام قبل الانتهاء منه "

قالت بهدوء " لا "

قالت بسخرية " وكيف خالفتِ الدستور المقدس لديك "

كان جابر في صمت تام ويبدوا والدتي ترميه هوا بكلامها

أمسكت يدها وقلت " هيا كونتيسة علينا تناول الفطور أولا "

عدت بها جهة طاولة الطعام وأجلستها بجواري فقالت ترف

" أنا بجوار عمي معتصم "

نظرت لها والدتي وقالت " ترف كم سنعيد هذا "

قالت بعبوس " ولكني كنـ.... "

قالت أمي بحدة " كنتي وكان وكله في الماضي ولا يجب أن يكون هنا "

لاذت بالصمت فقلت بابتسامة " في المرة القادمة أجلس بجوارك حسناً "

ابتسمت وقالت " وتحضر لي كيساً مثلها "

ضحكت وقلت " بالتأكيد "

وقفت والدتي وغادرت متضايقة وقالت وهي تبتعد

" جابر وافني في غرفتي ما أن تنهي فطورك ومعتصم معك "

نظرت لي بيسان وقالت " ماذا ستفعلون "

ضحكت وهمست لها " سيرقصان على جثتي "

ضحكت ضحكة صغيرة وقالت " وأين تخبئ زوجتك "

ضحكت كثيرا ثم قلت " جثتي وليس زوجتي "

قال جابر " ترف توقفي عن اللعب بالزيتون حالا "

قالت بمرح " كنت أعدها فقط "

ضحكت وقلت " وكم وجدتها "

قالت من فورها " كثيرة "

قلت بجدية " ولكن اللعب بالطعام خطأ صحيح "

قالت بهدوء " صحيح لكني أحبه هكذا "

قال جابر " كلي بترتيب أو عاقبتك يا ترف "

قالت بحزن " حاضر "

جاءت إحدى الخادمات وقالت بهدوء " سيد جابر المدرسون وصلوا "

قال من فوره " حسننا أدخلوهم لمكتبي وسأقابلهم الآن "

ثم وقف وقال " اسبقني لجناح والدتي وسأوافيك فورا "

قلت ببرود " لا بل سأنتظرك في الاستقبال في الطابق هناك "

توجه هوا جهة مكتبه وصعدت أنا من فوري

*
*
توجهت لمكتبي حيث ينتظرني مدرسا أمجد وبيسان

هناك, دخلت وألقيت التحية وتوجهت للمكتب وجلست

على الكرسي وقلت " سألت بنفسي عن مستواهما في مدرستهم

السابقة ... بيسان كانت متفوقة في الرياضيات وأمجد كان

مستواه فوق الممتاز , آنسة وجد هلا فسرتِ لي سبب

تأخرها وأنت هل لاحظت عليه شيء في تدريسك له "

قالت بهدوء " ذات المشكلة سيدي لا تفهم مني أبدا مهما حاولت

وتقول أن والدتها تشرح لها عن جنود ومملكة وإمبراطورية

لا أعرف عن ذلك شيئا ولم أدرسه حياتي "

تنهدت وقلت " هذا الشيء لا يدرسونه في المدارس ولكن

تلك الحقبة الرومانية تسيطر على عقل بيسان فعليك

استغلال هذه النقطة "

هزت رأسها وقالت " حاولت ولم أفلح حاولت فقط أن أفهم

منها طريقتها معها ولم ننجح أبدا , لا حل سوى إرجاع الفتاة

لوالدتها قبل فوات الأوان "

قلت بحدة " واضربيني بالعصا لتعلميني ما أفعله في حياتي "

أخفضت بصرها وقالت " آسفة لم أقصد "

نظرت للذي بجانبها وقلت " وأمجد "

قال بهدوء " يرفض التجاوب معي , كل شيء يقول طريقتك

خاطئة هذا خطأ لم أفهم لم أتعلم وكأني أنا الطالب لديه , هوا

يرفض الفهم وليس أنا من أقصر في تعليمه دروسه "

قلت بضيق " أريد أن أفهم أمرا ... كيف يكون مستواهم في

مدرستهم الجديدة سيئا هكذا ومدرستهم السابقة متفوقان فيها وهي

كانت مدرسة حكومية وبدون مدرسين خصوصيين ولا مشاكل كهذه "

قالت بهدوء " فعلت ما في وسعي ولم أنجح , المواد الأخرى نسير

فيها بشكل جيد الرياضيات لم أعد أعرف حلا لها "

قلت بضيق " وما الفائدة إن كانت مادة سيئة ستضيع كل المواد "

ثم تنهدت وقلت " يمكنكما المغادرة الآن "

خرجا من فورهما ومسحت وجهي بيداي وتنهدت بضيق

كنت أهرب للقصر من هموم عملي وها قد بات هوا أيضا هم

جديد ولم يعد لدي أي مكان يجلب الراحة , وقفت وغادرت المكتب

متوجها لجناح والدتي , صعدت السلالم فأوقفني صوت بيسان قائلة

" بابا أنظر "

التفتت للخلف وقلت بصدمة " من أين لك بهذه الثياب !! "

قالت وهي تلف بفستانها ممسكة القبعة بالشعر المستعار بيد

والأخرى تمسك مضلة صغيرة " لورد معتصم أحضرها لي "

تنهدت بضيق لا أعلم من أي متحف تحصل على هذه وعلى

حجمها تماما, قلت " إلى غرفتك كي لا تراك جدك وتغضب "

قالت بحزن " هل هي ليست جميلة "

ابتسمت وقلت " بلى جميلة بسرعة العبي بهم هناك "

قالت وهي تلعب بالمضلة " قل لماما لا تحضر لي فستان العيد "

قلت بضيق " بيسان هذا تلعبي به في غرفتك في العيد لا


تلبسي هكذا وكأنك خارجة من فيلم قديم "

مدت شفتيها باستياء فقلت " لا يجوز أن تظهري هكذا أمام

العائلة والأصدقاء لأنهم سيجتمعون هنا حينها وجدتك

ستغضب وسيضحكون عليك "

قالت بتذمر وهي تضرب بقدمها الأرض " بلى أريد هذا "

قلت بأمر " قلت لا يعني لا وعودي لغرفتك بسرعة "

غادرت تمسح دموعها وتابعت أنا سيري أتأفف بغضب

ودخلت جناحها ولحق بي معتصم الذي كان يجلس خارجه

دخلنا وجلست بجوارها ومعتصم أمامنا فقالت بجدية

" ثلاث سنوات ضاعت عليك إن كنت لا تدرك "

قال ببرود " بل وشهران وخمسة أيام أعلمهم بالعدد

ولن أسامحكم عليهم "

قالت بضيق " ومن ضيعهم غيرك لقد خيرناك بين

ثلاث تخصصات ورفضتهم "

قال ببروده ذاته " أدرس ما أريد أو لن أدرس "

قالت بغضب " وهل تعي من هوا الخاسر , إنه أنت يا معتصم

من المفترض بك أنك تخرجت الآن بدلا من أن تعيش

عالة علينا وعلى غيرنا "

وقف وقال بحدة " أنا لا أعيش عالة على أحد هذا قصر والدي

وأمواله ولا أحد يمن عليا باللقمة وهناك مرحب بي في كل

وقت ولا أحد ذكرني أني عاله عليه كما تفعلون يا عائلتي "

قالت بغضب أكبر " معتصم متى ستضع عقلك في رأسك "

قال بجمود " أتركوني أعيش كما أريد هذا هوا العقل في الرأس "

خرجت من صمتي وقلت بجدية " معتصم ذاك

التخصص لا يليق بك ولا يناسبك "

أشاح بوجهه جانبا وقال " لستم أدرى مني

بنفسي ثم ما فيه يعيب "

قالت أمي بحدة " كلية الفنون يا معتصم نهاية ذكائك

وتفوقك وسمعة عائلتك "

قال بتحدي " ولن أدخل غيرها وما بها كلية الفنون تعرفون

أني أحب هذا المجال من صغري , والدي نمى

مواهبي وأتيتم أنتم لتقتلوها "

قالت بسخرية " يعجبك حالك تعيش في مزرعة خيول

ترسمهم ليل نهار "

قال بحسرة " حتى الخيول تشعر بي أكثر منكم "

قلت بحزم " علينا أن نجد حلا لهذه المسألة الآن إما تدرس

ما تريد أو ما تريد والدتي , أما أن توقف دراستك

لسنين أخرى هذا لن أرضاه بعد اليوم "

كل ما كنت أخشاه لحظتها أن تقول والدتي إن درس ما يريد

لا هوا ابني ولا أعرفه ولا أريد أن أراه لأني أعرف معتصم

وعناده جيدا سيخرج من هنا ولن يعود لكنها خانت كل توقعاتي

ودخلت غرفتها وأغلقتها خلفها فنظرت له وقلت " معتصم عنادك

هذا لم يأتينا إلا بالمشاكل , ما في الأمر إن درست ما تريد

هي وموهبتك بقيت كما هي عليه "

قال بسخرية " لن ترضى وقتها حتى بريشة الرسم هنا وغير

ذاك التخصص لن أدرس وبغير إكمال دراستي في الخارج

لن أرضى ولن يمنع ذاك إلا موتي "

وقفت وقلت بحدة " هل ترضى أنت أن تربي ابناً

ثم يخالفك حين يكبر "

قال ببرود " التربية شيء وقتل الأحلام شيء آخر "

قلت مغادرا " هذه المشكلة الأولى تخلصنا منها أخيرا

سجل في الجامعة والتحق بها بدلا من ضياع سنينك أكثر

رغم أني لازلت لا أتمنى لك ذلك "

خرجت بعدها من القصر برمته وذهبت للقضايا والموتى

والمجرمين فهموم أرحم من هموم , على الأقل أولائك إما

ميتين أو مجرمين ترميهم في السجن وترتاح ويرتاح رأسك


*
*
لا أعلم كيف أقنع عيناي أن تشبع من النظر هناك

هل تجوع العينان يا ترى وإن كانت كذلك فلما لا تشبع

وتكتفي, هي كما هي لم يتغير فيها شيء سوى حزنها المغلف

بالبرود والصمت ... تقف في شرفة غرفنها , رحمتني أخيرا

وخرجت رحمت ساقاي من الوقوف وانتظارها بالساعات

تقف بفستانها الطويل والشرائط السوداء عند أول خصره

الخصلات الذهبية المتناثرة والأنامل البيضاء تعبث بأزهار

الشرفة, كما كانت دائما حبيبتي تعشق أزهار شرفتها وتغدقهم

من عطرها ولمساتها , كم زهرة أهديت إليك وكم مرة أخبرتني

أنك تعشقين اللون البنفسجي من الأزهار , كم جمعتهم لك وكم

حملتهم إليك حتى باتت حياتي كلها بنفسجية اللون والعيون

كلها عندي زرقاء والشعر إن لم يكن أشقر فليس بشعر

كم امتلكتني رغم أني لم أمتلكك وكم عبثي بمشاعري رغم أنك

لا تعترفين بالحب وكم كنتي حلمي رغم أنك لم تخرجي سوى

من الحلم, مررت أناملي على زجاج النافذة التي أختبئ خلفها

وكأني أتلمس صورتها وكأني أريد أن أتأكد من الوهم أنه خيال

فهي باتت كخيال الخيال , لماذا تزوجتِ به يا زهور وأنتي

تعلمي أن ذاك سيكون مصيرك معه لماذا قتلتني مرتين مرة

بالزواج بغيري ومرة برؤيتي لك تعانين منه بسببي, لماذا وأنتي

تعلمي كل ذلك ... كيف ألقيت بنفسك للجحيم !!

لم تترك عيناي تشبع منها بل لم يتركوها لي لأنها التفتت بسرعة

جهة باب الشرفة حيث أحدهم قد اجتاح عزلتها فغادرت بخطواتها

تتبعها حواف فستانها ودخلت وأغلقت أمام عيناي المشتاقة

ذاك الباب, أبعدت نظري عن الطيف الذي مات مع النور

ونظرت للأوراق الممزقة في يداي , لكم تعشقين تمزيقي

يا زهور , لما تقرئين كلماتي ثم تعودي وتمزقيها

" رضا "

التفتت للخلف حيث مصدر الصوت يد في جيب بنطالي

ترفع أحد طرفي قميصي الخارج منه بإهمال ويد تمسك

شراييني التي تَمزق جزء منها ثم قلت بهدوء

" نعم يا أميرة "

قالت بابتسامة " الغداء جاهز اتصل بك منذ وقت ولا تجيب "

نظرت جهة الطاولة حيث هاتفي صدقوا أني لم أسمعه , نظرت

لها وقلت " كنتِ أرسلتِ لي بتول أو عمر لما تتعبين نفسك "

قالت بابتسامة " وأي تعب هذا ! زيارتك لي تساوي عمري كله "

اكتفيت بالابتسام ونزلت معها بعدما وضعت الأوراق في حقيبتي

فلن تفارقني ما حييت يكفي أنها باتت الذكرى الوحيدة منها

*
*
وضعت قطعة القماش من يدي وقلت

" يبدوا أنني بدأت أفكر جديا في الدراسة "

رفعت رأسها عما في يديها ونظرت لي وقالت بسرور

" وأخيرا وضعتِ عقلك في رأسك "

ضحكت وقلت " وهل ترينني مجنونة , لكن عليا أولا

أن أراجع المناهج التي نسيت أغلبها وسألتحق كمنتسبة

بالامتحانات فقط لأنه لن يتناسب عملي ودراستي ولا

يمكنني خسارته لأنه دخلي الوحيد "

قالت بابتسامة " أراك بثي أفضل بعدما تحدثي مع

الأطفال درجة أنك فكرتي في الدراسة "

قلت بابتسامة حزينة " شعرت أن جزءً مما ضاع مني قد عاد "

تنهدت وقالت " جيد أنهم لم ينسوك لكانت صدمة كبيرة لك "

قلت من فوري " هي مدة قصيرة كيف ينسوني بسرعة هكذا "

قالت بابتسامة " غيرهم وجدوا أنفسهم في ثراء فاحش وعالم

جديد ينسون حتى أنفسهم "

قلت بسخرية " أولئك الكبار يفعلونها الأطفال لا "

ضحكت وقالت " معك حق "

ثم وقفت وقالت " انتهينا أخيرا هيا بسرعة أكاد أنام في مكاني "

ضحكت وقلت وأنا أقف معها " ألا تشبعين من النوم أبدا "

قالت بضيق ونحن نخرج " وهل يترك الأطفال لك وقتا للنوم "

وتابعنا سيرنا كالعادة من حديث لآخر حتى وصلت المنزل وفتحت

الباب ودخلت ثم نظرت تحتي مستغربة , قطعة السجاد هذه لم تكن

هكذا يبدوا أحدهم سحبها بقدمه وهوا داخل !! اقتربت للداخل بتوجس

فوجدت المشهد ذاته قد تكرر السيد المحترم رئيس مكتب الشرطة

الجنائية يجلس على الأريكة في الصالة , لا ويمسك جهاز التحكم

الخاص بالتلفاز ويقلب القنوات وكأنه في غرفته , نظر لي ثم عاد

بنظره للتلفاز وقال " قهوتي متوسطة "
__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-29-2015, 11:14 AM
oud
 

الفصل الثامن

سمعنا صوت تحطم لأواني فوقفت وتوجهت لخارج الغرفة

ركضا, كانت وسن تجمع الأطباق والطعام من الأرض وتضعه

في الصينية... يالا الكارثة هل سمعت ما دار بيننا يا تُرى

اقتربت منها ورفعت يدها التي تنزف وهي وكأنها لا تراها وقلت

" وسن يدك مجروحة أتركي كل شيء و فتحية ستأتي لتنظيفه "

انصاعت لي وكأنها دمية تتحرك دون ردة فعل , وصلت بها

للمطبخ وفتحت صنبور المياه لأغسل الدم وأرى الجرح , كان

بسيطا وسطحيا, ناديت على فتحية فجاءت من فورها وقالت " نعم "

قلت وأنا أغلق الصنبور " هاتي لي شاشا ومعقم جروح واجمعي

الأطباق المكسورة والطعام من الأرض أمام غرفة والدتي "

خرجت من فورها , كنت ضاغطا على الجرح بيدي كي لا ينزف

أكثر وقلت " جرح بسيط سنعقمه ونلفه بالشاش وينتهي الأمر "

وطبعا لا مجيب ولا أي رد فعل , أحضرت فتحية ما طلبت منها

ولففت الجرح فخرجتْ قبلي من المطبخ وتوجهت لغرفة والدتي

وأنا أسير خلفها , دخلتُ فقالت والدتي مباشرة

" وسن ما بك يا ابنتي "

لم تجبها بل أخذت حقيبة يدها من على الأريكة وقالت ببحة

" جواد خذني لمنزلنا "

نظرت لوالدتي ثم لها فقالت أمي " أين يا وسن ! ستقضين

النهار معي وسنتحدث فيما تركناه البارحة "

كانت تتنفس بقوة وتنظر لنا وكأنها تائهة في الصحراء

فقلت " أجلسي يا وسن وسوف آخذك فيما بعد

هل سترفضين طلب والدتي منك "

جلست في صمت ... لو أعرف فيما تفكر وما سر هذا الصمت

المخيف, أشعر وكأنها ستقع ميتة في أي لحظة , تكلمتُ ووالدتي

أمامها عن موضوع سفري وعن كل ما يخصه وهي كالكرسي

الذي تجلس عليه عيناها في الأرض وكأنها منفصلة عن عالمنا وتهز

رأسها بنعم كلما قلت ( ما رأيك يا وسن ) كنت أريد أن أحثها على

الحديث ولكن على ما يبدوا لي هي لا تعي حتى ما نقول حتى أنها

لم تنتبه أني قلت بأنني سوف آخذ فرح معي رغم أنها لا تعلم

بالموضوع حتى الآن , نظرتُ جهة والدتي وأشرت لها بعيناي

على وسن وأشرت بأصبعي على أذني لتفهم أنها سمعت حديثنا السابق

فأشارت لي بعيناها أن أخرج وأتركهما وحدهما ففعلت على الفور

خرجت من المنزل فوصلتني رسالة من والدتي وفيها باختصار

( أخبر نواس يأتي هنا بعد الغداء ولا تخبره عن شيء )

ترى ما الذي تخطط له والدتي ! وسن لن تستطيع رؤيته في

هذه الحالة, أرسلت لها

(سأكون قريبا من المنزل اتصلي بي فورا إن تعبت وسن )

*
*
ربتّتُ بيدي على السرير بجانبي وقلت

" تعالي اجلسي بجانبي يا وسن "

امتثلت لي من فورها وجلست حيث قلت واتكأت برأسها

على كتفي فقلت ماسحة على كتفها " حين كنت في سنك كنت

أحب ابن عمتي كثيرا , كنا نجلس معا ونتحدث بالساعات , كان

يغدقني بكلماته الغرامية وأنا فتاة بقلب حالم فتعلقت به حد الإدمان

ثم سافر للخارج من أجل إكمال دراسته ولم يرجع حتى اليوم بل

وتزوج بواحدة من هناك بعد عام من سفره , لقد تعبت كثيرا بادئ

الأمر حتى أنني وصلت لمرحلة كرهت فيها الرجال وأصبحت

أراهم صنف واحد لا يختلفون عن بعض حتى تزوجت من

زوجي رحمه الله وعلمت أن نظريتي كانت خاطئة

وأني أرهقت نفسي بلا داعي وأكتشف... "

قاطعتني قائلة بهمس " نواس تزوج يا خالتي "

تنهدت وقلت بحزن " أعلم يا وسن وهذا سبب تعبي بالأمس

وسن يا ابنتي أنتما جربتما شيئا لم ينجح فلا تقف الحياة هناك "

قالت بهمس خافت " قتلني يا خالتي قتلني "

قبلت رأسها وقلت " لازال يحبك يا وسن لازال كما كان "

هذه العبارة آخر ما كنت أود قوله لها لكننا سنفقدها على هذه

الحال, قالت بعبرة " كذب .... لا يحبني أبدا "

أشرت بيدي للممرضة وهمست لها بشفتاي أن تحضر الحبوب

المسكنة لأني لاحظتها منذ وقت تمسك معدتها بين الحين

والآخر , ناولتني إياهم فقلت " لا تكوني مثلي في الماضي يا وسن

لا تدمري نفسك فالحياة ستمضي والناس ستعيش أنتي فقط من

ستبقي في الخلف وكل عام سيضيع منك ستندمين عليه فيما بعد "

قالت بهمس " تزوج .... قال لن أكون لغيرها , قالها

لوالدي مرارا ... وسن لي ولن أكون لغيرها "

قلت بهدوء " أنا أريد وأنت تريد والله يفعل ما يريد يا وسن

تلك هي الحياة وأنتي كنتي ستتزوجين بغيره ولم تريدي ذلك "

قالت بحزن " كنت مجبرة أما هوا فلا ، هوا تركني من نفسه

وتزوج بغيري , لم يُقدر ظروفي .... حتى أنه لم يبرر

لي سبب ما فعل ولم يصدق عذري"

قلت بهدوء " هوا لم يُكذبك يا وسن هوا مجروح منك بشدة

إن كان هوا من تركك وأنتما مخطوبان وزواجكما قريب وبدون

أن يعلمك وخطب أخرى هل كنتي ستسامحينه حين يعود إليك ومهما

كان العذر الذي سيقدمه لك ؟ حتى الناس لن تتقبل عودتك إليه حينها

لا أحد يرضى بها يا ابنتي , ليتك أخبرته وقتها يا وسن

لو فقط وضعته في الصورة لما حدث ما حدث "

قالت ببكاء " ليثني مت يا خالتي ولم أدرك هذا اليوم "

ثم جلست مبتعدة عن حضني وقالت " لا أريد أن يصرف علي

لا أريد نقوده , لا أريده في حياتي ولا بأي شكل "

تنهدت وقلت " وهل يرضيك أن تتركي دراستك وأنتي في سنتك

الأخيرة وأن تعملي ونحن عائلتك موجودين , أنا لن أرضى بذلك

يا وسن ولازال بي نفس في الحياة وبعد موتي أحرقوا الدنيا

أنتي ونواس والمنتصر يفعل ما يريد "

أمسكت وجهي بيدها وقالت بدمعة تتدلى من رموشها

" لا خالتي لا تقولي هذا , لا تتركيني أنتي أيضا فيكفيني من

فراق الأموات والأحياء ... أمي ثم والدي وشقيقي ثم نواس

فزوجة والدي وفرح من يبقى لي بعدك من "

أمسكت يدها قبلتها وقلت " لن أتركك يا وسن إلا إن نفذ أمر الله

وأنتي تري صحتي من رديء لأردأ منه , أريد أن أطمئن عليك

أريد أن أحفظ أمانة شقيقتي التي أوصتني بها قبل أن تموت "

ثم رفعتُ علبة الحبوب وقلت " خذي يا وسن المسكن "

هزت رأسها بلا وقالت " أنا أفضل الآن لا أريدها "

تنهدت وقلت " هذا لأنك تحدثت ولم تسجني ألمك في نفسك كعادتك "

هزت رأسها مجددا وقالت بدمعة تدحرجت من عينها

" لما أنا لازلت في وعيي ولم أجن , لما لم أفقد عقلي حتى

الآن أو يغمى علي , كنت أتصور أن أموت إن تزوج نواس يوما

بأخرى , لما لم أمت حتى الآن لما "

مسحتُ دمعة تمردت من عيني ثم مددت يدي ومسحت دمعتها

وقلت " هذا لأن الحياة تريدك ولا زال لديها المزيد من

الأشياء التي تستحق لتعيشي من أجلها "

هزت رأسها بلا وقالت " بل لأنه جرعها لي على جرعات

دفعة دفعة كي لا أموت قبل أن أرى زوجته في

حضنه وأبنائه منها يلعبون حولهم "

قاطعتها بضيق " وسن لا تحقدي عليه , لا تحاولي

قتل قلبك بل اقتلي حبه فيه "

ابتسمت بسخرية ولم تعلق فقلت بهدوء

" هيا قفي واحضري لي العلبة الخشبية في أسفل خزانتي "

وقفت وأحضرتها وعادت للجلوس ففتحتها وقلت

" في هذا الجزء حلي والدتك أحضرتهم لي قبل موتها بيومين

سبحان الله وكأن ثمة من أخبرها أنها ستترك الحياة , أوصتني

عليك كثيرا وطلبت مني أن أترك حليها لك ولا أعطيهم لك إلا

حين تحتاجيهم بشدة ولا حتى حين تتزوجي , لم تكن ستكفي ديون

والدك لكنت أعطيتها لك وبعد وفاته رفض نواس أن يأخذها

ويزيد عليها باقي ثمن الدين "

ثم أشرت للجزء الآخر منه وقلت " وهذه حليي أنا خدي كل هذا

وأكملي دراستك ثم اعملي بشهادتك ولا تضيعي مستقبلك يا وسن "

لاذت بالصمت وعيناها في عيناي فقلت

" لن تدرسي من ماله أليس هذا ما تريدينه "

هزت رأسها بنعم فقلت " بقي موضوع سفر فرح وجواد سنتناقش

فيما يخصه لاحقا والآن هيا لنتناول إفطارنا المتأخر "

جلبت الممرضة الفطور وجلسنا نفطر معا وحاولنا فتح مواضيع

عدة أنا والممرضة ولكن وسن كانت وكأنها ليست معنا

كانت جثة بلا روح مجرد خيال , وهذا المتوقع فلن

تجتاز الصدمة في يوم واحد وقدوم نواس قد يزيد الأمور

سوءً لكن علينا حل كل هذه المشكلات التي تدفع وسن ثمنها

*
*
قال وهو يكشف عن مكان أسنانها " كم عمرها قلت لي "

ابتسمت وقلت " قلت لك سبع سنين هل ستتأكد من أسنانها "

ضحك وقال وهو يمسح على وجهها " لا يحتاج الأمر أن افحصها

يكفي الغرة التي تدل على أنها من النوع الناذر الذي أريده "

ضربت بيدي بخفة على عنقها وقلت " والسعر هل سنرسى على ما قلت "

نظر جهة ساحة التدريب حيث الوسن تحرك رأسها ويتطاير شعرها

الأسود مع الهواء وقال " أعطني تلك الشعلاء الشهباء

وسأعطيك في هذه فوق ما تريد "

قلت بابتسامة صغيرة ونظري عليها " تلك لا أبيعها لك ولا بكل ثروتك "

ضحك وقال " هل تضع تلك الفرس فوق هذه النادرة "

قلت من فوري " هي عندي لا أخرى مثلها "

عاد بنظره للفرس أمامنا وقال وهوا يلعب بشعرها

" إذا اتفقنا وأريد مولودة معها ولن آخذهما الآن "

قلت " إذا السعر سيزيد "

ضحك وقال " ولما وهما ستزدادان عمرا "

قلت بعد ضحكة صغيرة " أنت تعلم أنهما سيكلفان

أعني لا فنادق بالمجان هنا "

ضحك وقال " اعتبرني لم أشتريهم بعد "

ضربت على ظهرها وقلت " إذا إن جاء غيرك بعت له "

هز رأسه وقال " أنت لا يمكن التغلب عليك أبدا , حسننا

اتفقنا سيبقيان لشهور قليلة فاحسب كل تكلفة طعامهما والاهتمام

بهما ولك ما تريد "

ثم قال بمكر " اخبرني ما تطعم خيولك "

ضحكت وقلت " هل تريد حساب التكلفة "

قال بعد ضحكة عالية " لا بل أريد أن أعرف فقط "

قلت وأنا أمسح على عنق الفرس أمامي

" أكثر ما يحب الفرس ورق الرودس وكميات لا بأس بها

من التفاح والتمر والذرة "

قال بابتسامة " البرسيم والشعير أقل كلفة لهذا هي مدللة وقوية "

ثم غمز بعينه جهة الوسن وقال " وما تأكل تلك "

ضحكت وقلت " تلك لا يخلوا يومها من السكر النباتي "

أمسك كتفي وقال ضاحكا " يبدوا أنك مبتلى بعشق امرأة

بيضاء وبشعر أسود كفرسك تلك "

قلت بابتسامة صغيرة " أعشقها وأعشق حتى اسمها "

بقي ينظر لي بصدمة فقلت بعد ضحكة " أعني الفرس فهي فرسي

الأولى رغبت بها ما أن رأيتها وسميتها قبل أن أشتريها "

ربت على كتفي وقال " إذا اشتريت واتفقنا سأدفع لك عربونك

وسأكون لديك هنا الأسبوع القادم ونكمل كل شيء "

قلت من فوري " ألن تتناول الغداء معي "

قال متوجها جهة سيارته " في المرة القادمة "

ثم ركب وأغلق الباب وفتح النافذة وقال مبتسما وهوا يحرك سيارته

" لا تنسى أن تطعم فرسي السكر والحلويات "

ثم ضحكنا معا وغادر المزرعة , توجهت بعدها لمنزل المزرعة

دخلت وقابلني وليد فقلت مجتازا له " تأكد من أنهم نظفوا

أعنة ورشوم الخيول جيدا أنا سأغادر الآن "

قال بصوت مرتفع لأسمعه " ألن تتناول الغداء "

قلت وأنا أصعد السلالم " لا رغبة لي في الطعام , تغذى

أنت وجواد فهوا في طريقه إلى هنا "

صعدت لغرفتي أخذت بعض الأوراق ونزلت فكان ينتظرني في

الأسفل فقلت بضحكة " ما بك وكأنك زوجتي "

ضحك كثيرا ثم قال " لو كنت زوجتك للحقت بك

للغرفة ولم أتركك تخرج منها "

لكمته على خده وضحكنا سويا ثم قال وهوا يلحقني لأني

غادرت من عنده " اتصلت بعائلة الشعاب كما طلبت "

قلت وأنا اركب السيارة " جيد وما قالت لك جاسوستك هناك "

ضحك وقال وهوا يتكأ بذراعه على باب السيارة المفتوح

" تلك الخادمة الجشعة لم يعد يرضيها ما أدفعه لها وتريد المزيد

وقالت لم يعودوا يسجنوها وتوقفوا عن ضربها أيضا "

سحبت الباب من تحت ذراعه وقلت " ذلك أفضل وداعا الآن "

ثم غادرت المزرعة لمدينتي لأرى ما تريد والدتي مني وغريب

أنها طلبت من جواد إخباري ولم تتصل بي بنفسها

*
*
طرقت عليا الخادمة الباب لتخبرني أن شقيقي الأكبر يريدني في

الأسفل , وما سيصنعه بي ولما توقفت زياراتهم لي منذ الأمس !

هل الزواج وحده الذي كان سيحررني منهم , لما ليس ثقتهم بي

ولا حبهم لي , نزلت للأسفل ببيجامة النوم على غير عادتي ...

مي المحترمة التي تخجل من أن تظهر أمام أشقائها بملابس النوم

وشعري مفتوح تتدلى خصلاته على وجهي وجبيني وهم لم يروه

مفتوحا يوما , لكن مي ماتت ... نعم ماتت مع ماضيها النظيف وبقيت

النجسة فقط , وصلت للأسفل وكانوا ثلاثتهم هناك مجتمعين

وصلت في صمت وجلست مبتعدة عنهم وعيناي في أعينهم

بعدما قتلوا نظرة الاحترام المكسورة التي اعتدت عليها أمامهم

قال رافع وهوا الأكبر " مدير أعمال زوجك اتصل وقال أنه

أودع نقود جهازك في حساب عمي سعيد كما مهرك "

هه يبدوا ذاك الزوج يفكر جيدا ولم يسلم لهم المال ليسددوا به

ما تبقى من ديون خسارتهم بعدما عبثوا بتجارتنا بعد وفاة

والدي, قال بعدما طال صمتي " أخرجي برفقة

أسماء أو عالية لتشتري ما يلزمك "

قلت ببرود " لن أخرج ولن أشتري "

نظروا لي بصدمة ... نعم ذوقوا مي الجديدة التي صنعتموها

بأنفسكم, قال عصام " وكيف تذهبين له من غير جهاز "

قلت بذات برودي " وما الحاجة له , نجسة تتجهز يالا

المسخرة , ولمن !! لعجوز قد لا يراها "

قال عاصم " عجوز !! بل شاب ولم يسبق له الزواج "

قلت بضيق " وما الذي يجعلكم توافقون على شاب يتزوج بي

لما لم تفكروا في عواقب هذا الأمر ؟ سوف يرميني لكم من

جديد ولن نجني شيئا سوى المزيد من الهرج والشائعات "

قال رافع " لن يطلقك لأنه وضع شرطا بأنه من يكتب ورقة طلاقه

منك سيكتب ورقة زواجك بغيره وبموافقتك أو لن يطلق أبدا "

وقفت وقلت " ما هذه المهزلة كيف يرضى بي ويضع

شرطا كهذا هل لأحدكم أن يشرح لي "

وقف رافع وقال بحدة " لم نعرفك ترفعي صوتك علينا

وتخالفينا أم سقطت القشرة يا مدللة والدك "

قلت بحسرة " ومدللتك حتى أنت في الماضي يا رافع إن نسيت "

ضغط قبضة يداه ثم قال بغيض " قلت تتجهزي يعني تتجهزي

ولا تفضحينا مع الرجل بلسانك الطويل الجديد "

قلت بسخرية " لا تخف لن أفرط في الزوج العزيز

فلن يكون أسوء مما رأيت هنا "

تقدم ناحيتي عدة خطوات يقبض يده وقال بغضب

" مي لا تطريني لضربك مجددا "

قلت بحدة " مد يدك علي وسأخبر عمي سعيد ليخبر

زوجي فلم أعد للسبيل يضربني من مر من أمامي "

ثم صعدت لغرفتي وتركتهم وارتميت على السرير أبكي

حياتي الضائعة والمتبقي منها والله وحده يعلم ما سيكون
*
*
دخلت المنزل وتوجهت من فوري لغرفة والدتي طرقت الباب

وفتحته وصدمت بوجود وسن معها وهي نظرت لي بصدمة لا تقل

عن صدمتي ويبدوا أنها لا تعلم بقدومي , نظرت بعدها لوالدتي

فقالت بهدوء " ادخل واجلس يا نواس "

بقيت أنظر لها كالتائه ... ما قصة ما تفعله أمي وما الذي يجري

وقفت حينها وسن وحملت حقيبة يدها تريد المغادرة فقالت أمي

" أجلسي يا وسن وأنت تجلس أم لا كلمة لي لدى أي منكما "

كانت وسن ستتحدث فأسكتتها قائلة

" من لا يجلس الآن ويستمع لي لا أعرفه ولا أعترف به "

جلستْ مشيحة بوجهها جانبا وتقدمت أنا وجلست مقابلا

لها في صمت فقالت أمي " لن نترك المشاكل عالقة ولن أسمح

لعنادكما أن يدمر مستقبل ابنة شقيقتي , وسن ستكمل دراستها

من مالها وحين تتخرج لها الخيار "

قاطعتها محاولا الكلام فقالت بحدة

" لا أحد منكما يتحدث حتى أنهي كلامي "

عدت للصمت ونظري على وسن لم يفارقها وهذا حالي في

كل مرة أشعر أنني أودعها للأبد , تابعت أمي

" وستعيش وسن هنا معي بعد سفر جواد وفرح "

نظرت لها وسن بصدمة فقالت " هنا منزل خالتك إلا إن كنتي

لا تعتبرينني خالة لك , هذا ليس منزل أحد غيري وستبقي معي

فيه حتى تخرجي منه عروسا لبيت زوجك أو أموت "

كل خيار منهما كان كالسم , وسن من حقها أن تتزوج وتعيش

حياتها لكن كيف لما لا أستطيع تقبل الفكرة ولا بأي شكل

نعم مجروح منها حد الوجع وأعشقها حد أني لا أريد أن يلمس

رجل غيري ولا خصلة من شعرها لأني سوف أجن حينها بالتأكيد

رفعت حينها وسن عيناها لتلتقي بعيناي ونزلت منهما دمعة تتدلى

على رموشها الطويلة ... لغة لا تتقنها سواها ودموع لا يعرف

غيرها كيف يبكيها , أخفضت بعدها نظرها وقالت ببحة

" لم أرضى أن يتصدق عليا بالمال فلن يتصدق عليا بالمأوى

فإن بقيت معك هنا لن أخرج لمكان غيره "

هي تعلم أني أريد من والدتي أن تنتقل للعيش معي في المزرعة

وهذا ما ترمي إليه بالتأكيد , وسن الجديدة وسن التي تقتل وسني

يوما بعد يوم حتى نجد أنفسنا في يوم أندم فيه أنني قتلتها ووقتها

قد أتمكن من أن أغفر لها , قلت ببرود " أعتقد يا وسن

أني المسئول عنك بعيدا عن كل مشاكلنا وتراكمات

الماضي فأنا وليك وأنا كلمتي النافذة "

نظرت لي بجمود وقالت " كلمتك على زوجتك وليس علي "

************************************************** **

******************************************

وقفت وسط المنزل ولم أعرف في أي اتجاه سأتحرك

هل أخرج أم أبحث عنها هنا ؟ فكان أول ما فعلته ولا إراديا

أن ناديت " سما أين أنتي "

كانت فكرة غبية ولكن ليس لي غيرها , هل والدتي معها حق

وأنها لعبت تلك اللعبة لتسرقني أو تلتقط صور لغرفتي وتفعل

بها ما تريد , لكنها لا تعلم أني راقبت حافلتها ونزلتْ كما قالت

في مكان مقطوع واجتازت الأشجار

توجهت نحو باب المنزل وخرجت ووقفت أمامه لا أعلم ما سأفعل

سوى أنه عليا الخروج , أخرجت هاتفي واتصلت بجابر لأقابله في

أقرب وقت فإن كانت قصة ما حدث لعائلتها حقيقية سيكون على

علم بها بالتأكيد , عدت ودخلت المنزل فلا خيارات لدي في هذا

الليل المتأخر سوى جابر ولكن مهلا هي تحدثت عن قبوا يفتح

لخارج منزلهم بمسافة لهذا لم أجدها ذاك اليوم واختفت بين الأشجار

المتباعدة وهذا يعني أن ما قالته حقيقة , ولكن ذاك المكان بعيد عن

هنا هل ستنام الليلة في الشارع كما حدث حين تركت منزل تلك السيدة !

هممت بالخروج مجددا ووصلت عند الباب فاستوقفني حينها صوتا يقول

" أستاذ نزار "

التفتت للخلف مباشرة وكانت هي خلفي تحتضن حقيبتها المدرسية

ولم تغادر المنزل , بقيت أنظر لها مطولا بصدمة ثم قلت

" سما أين كنتِ !! "

أشارت بإصبعها للمطبخ وقالت

" في الخزانة , خفت أنك تكذب علي وستسلمني لهم "

أخفظت رأسي وهززته ضاحكا ثم نظرت لها وقلت

" وأنا ظننتك هربتِ وكنتِ تكذبين علي "

ضمت حقيبتها أكثر وقالت بحزن " أخبرتك أنك لن تصدقني "

يا إلهي كيف نسيت أني أتعامل مع مراهقة طفولية , قلت بجدية

" بلى أصدقك فقط لعبت بي الظنون قليلا بادئ الأمر ثم لو لم

أصدقك ما كنت سأخرج للتو للبحث عنك "

بقيت تنظر لي بصمت فقلت بابتسامة " وأين أخفيتي كيس الطعام "

أخفضت بصرها وضحكت ضحكة صغيرة ثم قالت " في حقيبتي "

قلت مبتسما " حسنا عودي الآن للغرفة ونامي وغدا سنتحدث حسنا "

هزت رأسها بحسنا ثم توجهت ناحية السلالم وصعدت في صمت

وتوجهت أنا لغرفة والدتي ونمت هناك ولم أتذكر إلا وقت الفجر أني

لم أخبرها بما كنت سأقوله لها فكتبته في ورقة وتركته لها عند الباب
*
*
كنت أحاول ترتيب مفرش السرير تحتي حين طرق أحدهم الباب

ودخلت دعاء وقالت مبتسمة " صباح الخير ما كل هذا النشاط "

قلت مبادلة لها لابتسامة " هكذا نحن العجائز نمرض في

الليل وتنشط ألسنتنا في الصباح "

ضحكت وقالت وهي تأخذ كيس الأدوية

" ليت الكل بطيبتك , ثم أنتي لستِ عجوز "

قلت وأنا أساعدها في جمع أدويتي " أي لست عجوز هذه , لو نزار

تزوج منذ ذاك الوقت لكان ابنه الآن سيدخل الثانوية قريبا "

ابتسمتْ حينها دعاء بأريحية لأنها فهمت أن ما قالته رهام

محض كذب, لو أفهم فقط أي لعبة يلعبانها هما الاثنتان وكم

أخشى من عواقب هذا فيكفي ابني عقد لم تشفى بعد ليزيدوها

على ما فيها , دخل حينها نزار بعدما طرق الباب

وقال بابتسامة ونظره علي " صباح الخير "

قلنا معا " صباح النور "

اقترب بالكرسي وقال " هيا منزلك اشتاق لك أم أنك تريدين البقاء هنا "

ابتسمت وأنزلت قدماي من على السرير وقلت

" ومن يحب البقاء في المستشفى غير الأطباء والممرضين "

قالت دعاء بعد ضحكة " ومن قال أننا نحبه هي لقمة العيش فقط "

ثم تابعت ونزار يجلسني على الكرسي

" يمكنني أخذها في طريقي لتلحق حصصك "

قال وهوا يعدل ثيابي ونظره عليهم

" وكيف علمتِ أن عندي الحصص الأولى "

أخفضت بصرها وقالت خجلة

" من زيارتي لوالدتك في نفس اليوم من الأسبوع الماضي "

نظر لها وقال " وأنتي متعبة من سهرك البارحة في مناوبتك

فلا تتعبي نفسك أكثر وشكرا لك على كل شيء "

ثم غادر يسحبني معه على ابتسامة الدهشة والرضا منها لأنه

انتبه لأوقات عملها هنا , دعاء فتاة طيبة ومحبوبة فما في الأمر

إن تحركت مشاعره لها ولكن الخوف يبقى من رهام لأنها

وعلى ما يبدوا تعرف شيئا وتريد إبعاد دعاء عنه بأي طريقة

ركبنا المصعد فرفعت رأسي ونظرت له وقلت

" ماذا حدث في أمر الفتاة "

قال ونظره على أرقام المصعد " حين أعود من

المدرسة نتحدث أمي حسناً "

تنهدت بضيق ولذت بالصمت , وصل بي المنزل وأوصلني حتى

سريري وساعدني للجلوس عليه وغادر في صمت , غريب أين تلك

التي قال عنها !! المنزل لا يبدوا به أحد , ويحك يا نزار هل

تنام الفتاة في الأعلى ؟ أمسكت المصحف وبقيت أقرأ فيه لوقت حتى

سمعت صوتا خفيفا جهة الباب فرفعت نظري فكانت ثمة فتاة ....

لا لم تكن كما تخيلتها هذه صغيرة جدا أعتقد لم تتجاوز الرابعة

أو الخامسة عشر من عمرها بعينان زرقاء واسعة وشعر

كستنائي ممسوك للخلف شفتان صغيرتان وملامح طفولية جدا

ونظرتها كانت بريئة جدا وحزينة وترتدي زيا مدرسيا , فهمت

الآن هوا جلبها من المدرسة , قالت بهدوء " صباح الخير يا خالة "

قلت بعد صمت " تعالي اقتربي "

اقتربت مني بخطوات بطيئة ثم قالت بأدب " آسفة سيدتي إن

سببت لك إزعاجا بوجودي هنا , إن كنتي لا تريدي بقائي

غادرت حالا ... أقسم لك "

أجزم أن هذه الفتاة من عائلة غنية وعاشت كل حياتها بين الأثرياء

أسلوبها وأدبها وحتى نبرة حديثها تدل على ذلك ولا أعلم لما تدخل

القلب بسهولة , قلت بابتسامة " اقتربي يا ابنتي واجلسي هنا على الكرسي "

اقتربت أكثر ثم جلست على الكرسي أمامي وقالت

" حمدا لله على سلامتك قال لي الأستاذ نزار أنك في

المستشفى وسيخرجك اليوم من هناك "

قلت بهدوء " هل أنتي إحدى طالباته "

أخفضت نظرها وقالت " نعم "

قلت " ما أسمك وأين هم عائلتك "

قالت بدمعة غلبتها تمسحها بكمها " أسمي سما وعائلتي ماتوا جميعهم "

أحسست حينها بغصة في صدري , مسكينة هذه الفتاة إن كانت

كما قال نزار فهم ماتوا مقتولين ويبدوا أمامها

, قلت بحنان " الله لا يموت يا سما فلا تحزني "

نظرت لي وقالت بابتسامة حزينة وعينان دامعتان

" أمي كانت تقول لي هذا دائما "

ربتّتُ بيدي على السرير وقلت " تعالي اجلسي بجانبي "

وقفت من فورها وجلست حيث قلت فمسحت على شعرها وقلت

" احكي لي قصتك يا سما "

اتكأت على كتفي وبدأت بسرد قصة أشبه للخيال من الواقع وهي

تبكي كل حين وتمسح دموعها , مسكينة يا صغيرة كيف تعيشين

بعقلك حتى الآن ! يبدوا لي قد فعل نزار الصواب بجلبها إلى هنا

قلت بحنان ماسحة على شعرها " نزار وعدك أنه

سيساعدك وسيفعل فاطمئني "

هزت رأسها بحسنا دون كلام فقلت " هل تناولتِ إفطارك "

جلست مبتعدة عني وقالت " لا "

قلت بابتسامة " ولا أنا هل تجيدين طهوا الطعام ؟ تبدين صغيرة

لذلك علينا أن ننتظر نزار ليطعم السيدتان الكسولتان "

ابتسمت ابتسامة صغيرة ثم قالت " بلى أعرف كيف أطهوا

أطباقا كثيرة عربية وحتى هندية أمي كانت تتركني أساعدها

لأن والدي لم يكن يحب أن يأكل غير طعامها "

قلت بحزن " لما لا تقولي رحمهما الله كلما ذكرتِ اسمهما

يا سما , ذاك الدعاء يفيدهما حيث هما الآن "

تدحرجت دمعتها وقالت بحزن " لا استطيع أشعر أنهما على قيد

الحياة وهذه الجملة تسبب لي اليأس والحزن "

تنهدت وقلت " سما أنتي امرأة عاقلة ومسلمة عليك الإيمان بالموت

والرضا بحكم الله لأنه العدل في السماء والأرض "

مسحت دموعها وهزت رأسها بحسننا ثم وقفت وقالت

" هل تسمحي لي أن أقبل رأسك يا خالة "

قلت بابتسامة " ولي الشرف يا سما أنتي فتاة مؤدبة حقا "

قبلت رأسي ثم قالت " سأعد لنا إفطارا سيعجبك "

قلت بضحكة " لا تسرفي في المطبخ وراعي جيب نزار هوا ليس كوالدك "

ابتسمت وهزت رأسها بحسنا وغادرت بهدوء , أتمنى أن يجد لها

أهلها ولا تجلب لنا مشاكل كثيرة فهي تبقى فتاة مطاردة من أناس الله

وحده يعلم من يكونون , ولكن ليس من العدل تركها وحيدة تواجه

كل هذا الرعب , كم في الحياة من قصص كالخيال

*
*
ما أن انتهيت من حصصي خرجت من المدرسة فورا فعليا

العودة للمنزل قبل أن تقابلها والدتي , أعلم أنها تفكر في مصلحتي

لكنها قد تجرحها بما قالته عنها البارحة فأنا أعرف أمي جيدا

طيبة القلب وحنونة لكن خوفها علي قد يجعلها تتصرف معها

بخشونة , كتبت لسما في الورقة أن لا تنزل وتتحدث معها

أو أن تتقبل ما قد تقوله لها ولا تغادر , وصلت المنزل

فتحت الباب ودخلت على صوت ضحكات خارجة من

غرفة والدتي لابد وأنها دعاء جاءت لتفقدها , دخلت وتوجهت

لغرفتها من فوري ووقفت عند الباب مصدوما من المنظر

ثم قلت بابتسامة " سبقتماني وتعرفتما على بعض "

التفتت سما من فورها ما أن سمعت صوتي ووقفت مبتعدة

قليلا وقالت أمي بابتسامة " لم تخبرني أنها صغيرة وجميلة

ومؤدبة وابنة عائلة مرموقة , ظننتك أحضرتها من الشارع "

دخلت الغرفة وقلت " لم تتركيني أقول شيئا "

ثم قلت ناظرا لصينية الطعام " ما هذا !! من أعد الإفطار "

قالت أمي بابتسامة ناظرة جهة سما " طالبتك النجيبة طبعا إنها ماهرة

ها قد وجدت من سترفع عنك حمل إعداد الطعام من اليوم "

قلت ضاحكا " جلبتها لأساعدها لا لتساعدني "

ضحكت وقالت " يكفيك عجوز كسولة واحدة

هيا تعال تذوق إنه رائع "

ثم نظرت جهة سما وقالت " ما بك هربتِ هناك يبدوا

أستاذك هذا يشكل لكم رعبا في الحصة "

نظرت لي ثم أخفضت بصرها وقالت بحياء

" لم أره يضحك إلا هنا "

ضحكت والدتي وقالت " ستتسبب بعقد للفتيات

خف عليهن قليلا "

قلت مغادرا الغرفة " لن يجدي غير هذا الأسلوب

سأستحم وأنزل لكما "

دخلت غرفتي فكانت مرتبة وكأنه لم يكن بها أحد , توجهت

للحمام فكان نظيفا ومعطرا أيضا , تبدوا فتاة نشيطة وليست

كباقي الثريات لا تعرف إلا إحداث الفوضى , استحممت

ولبست ثياب المنزل ونزلت للغرفة فكانت والدتي وحدها

فجلست بجوارها على السرير وقلت

" جيد تغير كلامك ورأيك عنها البارحة "

تنهدت وقالت " يا لها من فتاة مسكينة أتمنى أن تجد حلا

لمشكلتها لا أن تجلب لنا مشاكل أخرى "

قبلت يدها وقلت " قد يكون الله وضعني في طريقها لأجد لها أهلها "

قالت بابتسامة " ها هي المسكينة ترتب المطبخ منذ وقت

من يراها لا يصدق أنها ابنة أثرياء "

قلت بهدوء " يبدوا والداها لم يربيانها على الترفع والدلال "

قالت " بالتأكيد ولكن أين هي ملابسها هل ستبقى

بزي المدرسة طوال النهار "

قلت من فوري " سآخذها حالا حيث كانت تعيش

ونحظر كل ثيابها وحاجياتها "

قالت " وما ستفعل في أمرها "

نظرت للساعة في يدي وقلت " كنت سأقابل جابر وأتحدث

معه لكنه لم يتصل بي يبدوا ثمة ما يشغله , عليا أولا فهم بعض

الأمور منها وزيارة ذاك المكان الذي حكت لي عنه ثم أتحدث

وجابر فمؤكد مرت به قضية عائلتها وسنرى ما سنفعل "

دخلت حينها سما تمسح الماء من يديها في زيها فقلت

" تعالي اجلسي يا سما واتركي عنك التنظيف , علينا أن نتحدث

في أمور أخرى أهم من المطبخ "

اقتربت ببطء فقلت " اجلسي على الكرسي لا تخجلي يا سما "

رفعت نظرها وقالت " هل يمكنني الجلوس بجوار الخالة على سريرها "

مدت والدتي لها يدها وقالت " بالطبع تعالي هيا وقم

أنت واجلس على الكرسي "

وقفت وقلت " أمري لله تبيعينني في يوم واحد يا أمي "

قالت ضاحكة " إكرام الضيف واجب "

جلست أنا على الكرسي المقابل لسرير والدتي وجلست سما

بجوارها ونظرت لها وقلت " أخبريني يا سما ما كنتي تلاحظين على

تجارة والدك, أعدائه مثلا وما الذي جاء به إلى هنا بعد كل هذه السنوات "

هزت رأسها وقالت " كل ما أعلمه وما لاحظته كثرة اللقاءات بينه

وبين شريكه في الهند قبل مجيئنا , كان والدي مستاءً كثيرا في الآونة

الأخيرة ثم قال أنه سيبيع حصته وسنرجع للوطن , اشترى هنا

مصنعا له ومن ثم باعه وجلب كل نقوده "

قلت " كيف علمتِ أن عفراء تعلم شيئا عنهم "

نظرت للفراغ بشرود ثم قالت " سمعتها مرة تتشاجر وزوجها

وقالت له إن دللتهم على مكان الفتاة سلمتك للشرطة وأنت

تعلم أنك لن تخرج من السجن ما حييت "

قلت بحيرة " ترى ما علاقة زوجها بهم !! "

رفعت كتفاها وقالت " لا أعلم ما أعرفه أنه يسرق أوراق

وأشياء من أحد ما ويبتزه بها "

مررت أصابعي في شعري وقلت " الأمور تزداد تعقيدا

بدل أن نجد لها حلا "

ثم تنهدت وقلت " وكيف حصلت عفراء على ورقة تثبت

مسئوليتها المؤقتة عنك وبتوقيع من والدك "

قالت " لا أعلم قد تكون سرقتها من الأوراق لدى زوجها

لأن جميع أوراق ومستندات والدي سرقت "

قلت من فوري " ما الذي تعرفيه عن عائلتي والداك أو قالاه أمامك "

قالت " لا اعلم شيئا لم أرى أحدا منهم في حياتي , أذكر في مرة

حين كنت في العاشرة تقريبا سألت والدي لما ليس لديا أعمام

وعمات كباقي الفتيات هناك فقال هم لا يريدوننا

ونحن في غنى عنهم "

نظرت للأرض بشرود لوقت ثم وقفت وقلت " هيا سنغادر

معا لقبو منزلكم حيث كنتي تعيشين ونجلب أغراضك وثيابك

وسأجهز لك الغرفة في الأعلى وستبقي معنا حتى نجد عائلتك "

هزت رأسها بحسنا ثم وقفت وخرجنا معا فقالت والدتي

" كونا حذرين "

قالت مغادرا " لا تقلقي يا أمي سنعود حالا "

خرجنا وركبنا السيارة فقلت ونحن ننطلق " أخفضي رأسك يا

سما ولا تنظري لشيء لا السيارات ولا المارة ولا أي شيء فإن

نجوتِ في السابق قد لا تنجي في القادم ومؤكد زوج تلك السيدة

دلهم عليك وهوا يعرف شكلك "

قالت بهمس " حسنا "

سرت لمسافة لا بأس بها حتى وصلت المكان الذي تنزل

عنده ووقفت مبتعدا عنه قليلا وقلت " وصلنا "

رفعت رأسها ونظرت لي بصدمة ثم قالت " كيف علمت "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت

" لست منهم طبعا لكنت أمسكت بك من وقت "

بقت تنظر لي بحيرة ودهشة فقلت " تبعت حافلتك منذ أيام

حين شككت في أمرك ورأيتك تنزلين هنا "

تنهدت ونظرت للأسفل وقالت بعبوس " آه يعني أني كنت

لقمة سهلة لو أحدهم علم أني في تلك المدرسة "

قلت وأنا أفتح باب السيارة " وأستغرب كيف لم يجدوك

حتى الآن , هيا أنزلي سنقترب للمكان من هنا "

نزلتْ وتوجهنا لداخل المكان وسارت أمامي وأنا أتبعها حتى

وصلت لجهة معينة ثم نزلتْ للأرض وأزالت الأوراق عنها

وظهر لوح وكأنه زجاجي ووضعت يدها عليه فأصدر صوتا

وكأنه سحب لشيء حديدي على الأرض , كنت أضن أن هذه

الأمور توجد في الأفلام فقط لكنها ها هي حقيقة أمام عيني

استوت بعدها واقفة وأشارت بأصبعها وقالت

" الباب هناك لقد فتحته "

إذا الصوت كان لفتح الباب وليس من هذا الشيء , يبدوا والدها

فكر في حمايتهم جيدا حتى أن باب القبو لا يفتح إلا ببصمة أيدي

عائلته أي إن دخلت هناك وانغلق خلفها لن يصلوا إليها مهما حاولوا

توجهتْ نحو الباب وأنا أسير خلفها مباشرة وكان فتحة مربعة الشكل

وبه درجات للنزول عند فتحته مباشرة , نزلتْ هي ونزلت خلفها

حتى كنا في الأسفل ثم وضعت يدها على زر مماثل فانغلق الباب

مباشرة وأصبحنا في الظلام الدامس وأخرجت حينها مصباحا من

حقيبتها وشغلته فقلت بحيرة " ألا إنارة في الممر هنا "

قالت وهي تسير وأنا أتبعها " زر الإنارة في مقدمة الممر فقط "

قلت بحيرة " ولما "

قالت " لا أعلم هكذا التصميم "

قلت وأنا أتجول بنظري على جدران الممر

" ولما هوا ليس مضاء من المفترض أنك شغلته حين مغادرتك "

قالت " بلى شغلته ولكنه ينطفئ بعد تشغيله بعشر دقائق "

غريب لما يا ترى !! بعد مسافة وقفت عن السير ووجهت

مصباحها للجدار وضغطت بيدها على زر آخر فصدر ذات الصوت

هناك وقالت " هنا توجد فتحة عميقة في الأرض ستغلق حالا "

ومن ثم سرنا فوقها وتابعنا سيرنا , هكذا إذا لهذا لا إضاءة هناك فإن

كانت مطاردة ونزلت وأحدهم خلفها يقع في الحفرة لأن مصباحه

سيكون موجه للأمام وليس الأرض هذا إن كان معه مصباح

تصميم غريب وذكي ليس أي أحد يمكنه التفكير فيه , قلت

" ألا يوجد زر لفتح الحفرة من جديد "

قالت من فورها " بلى وتفتح من تلقاء نفسها بعد دقائق أيضا "

وصلنا حينها لمكان واسع جدا بأعمدة ومضاء في جهة واحدة

فقط كما قالت وجهتان به مظلمتان , توجهتْ من فورها للجهة

المضاءة وأنا أتبعها كان هناك فراش وبطانية وصناديق وخزانة

أيضا وبعض الأثاث الغير مستعمل وباب في نهاية الجدار

يبدوا حماما وهناك توجد مغسلة وصنبور مياه , اقتربت سما

من الصناديق وفتحت إحداها وهي تقول " هذه كلها أموال

بقيت هي وذهبت عائلتي , كريهة لما يعيش المال

ويموت البشر في المقابل "

كان الصندوق مليء بالرزم قلت بدهشة " الصناديق كلها كهذه "

قالت " نعم كل أموال والدي رحمه الله "

ثم رفعت أصبعها وقالت " وهناك فتحة تأخذ لوسط المنزل

تفتح وتغلق من هنا ومن هناك "

ثم أشارت بأصبعها للجهة المظلمة وقالت

" وهناك يتهامسون في الليل .... في الليل فقط "

قلت بحيرة " ولما لا تشغلي أنوار تلك الجهة أيضا كي لا تخافي "

قالت من فورها " لأني لا أريد أن أراهم يكفي أصواتهم "

أخذت المصباح من يدها وقلت " أجمعي كل أغراضك وثيابك "

ثم توجهت جهة الجانب المظلم وتجولت فيه بالمصباح , كان

المكان فارغا تماما وتوجد بعض صناديق للكهرباء وفتحات

تهوية لا أعلم أين تنتهي وفقط لا شيء آخر , قلت بصوت

مرتفع " ومن أي جهة كنتي تسمعين الطرق "

قالت بصوت بالكاد أسمعه " من أكثر من جهة خصوصا هنا "

بعد وقت عدت ناحيتها فكانت قد جمعت أغراضها في كيس

كبير بعض الشيء فقلت " والمال ما ستفعلين فيه "

قالت بحزن " لا أريده وأكرهه , بسببه خسرت عائلتي "

قلت بهدوء " ولكنها أموالك ومستقبلك لا تخسري

الاثنان معا , لن نأخذهم معنا الآن حسنا "

قالت مغادرة أمامي تجر الكيس بصعوبة

" لا أحتاجهم خدهم أنت كلهم أكرههم قلت أكرههم "

هززت رأسي بيأس وتبعتها , الشرطة والمال أكثر ما باتت

تكره وهما أكثر ما ستحتاج في حياتها , وصلت عندها وأخذت

منها الكيس وغادرنا المكان وتوجهنا للسيارة وركبنا متوجهين

للمنزل , لو لم أرى كل هذا بعيني لقلت أنه كذب وأستغرب حتى

الآن كيف صدقتها بادئ الأمر , مقتل عائلتها أمور تحدث كثيرا

لكن القبو وألغازه شيء غريب جدا ويبدوا والدها كان خائفا من

شيء ما من قبل قدومه لذلك اشترى هكذا منزل , هذا إن لم يكن

بناه بنفسه, عليا مقابلة جابر بسرعة وبحث ما علينا فعله

نظرت لها وكانت تنظر للأسفل كما طلبت منها عند

قدومنا فقلت بهدوء " هل تحتاجين شيئا أشتريه لك "

هزت رأسها بلا دون كلام ثم قالت " يكفي أنك صدقتني منذ

البداية وتريد مساعدتي , لن أنسى لك هذا أبدا ما حييت "

عدت بنظري للطريق وقلت " لا تشكريني يا سما حتى نجد

عائلتك وتنجي من الخطر المحدق بك , تأكدي بأني لن

أتخلى عن مساعدتك أبدا "

لاذت بالصمت حتى وصلنا للمنزل نزلت وأنزلت كيس

ملابسها ودخلنا المنزل وتوجهت من فوري لغرفة والدتي وهي

تتبعني ودخلت ملقيا التحية وأجابت والدتي مبتسمة ثم دخلت

سما فقلت " سأشتري اليوم سريرا وخزانة للغرفة الشاغرة

في الأعلى يمكنك البقاء في غرفتي يا سما "

هزت رأسها بلا وقالت ونظرها للأرض " سأبقى اليوم هنا مع

خالتي وأستخدم الحمام الأرضي أنا لا أنام بعد الظهيرة "

قلت متوجها نحو الباب " كما تريدي سأصلي الظهر ثم أعد لكما الغداء "

قالت من فورها " بل أنا من ستطبخ الطعام منذ اليوم , أنا أحب الطبخ

كثيرا وسأنظف المنزل أيضا لا تقلق بشأن كل هذا "

التفتت لها وقلت " ولكن ... "

قالت والدتي رامية بيدها " اذهب هيا انتهى الأمر طعامها لذيذ

وألذ من طعامك وستنظف المنزل بعناية أكثر منك "

ضحكت وقلت " أين كنتي تسكتين على كل هذه

العيوب التي ترينها بي "

ضحكت وقالت " ليست عيوب بك ولكن الرجال

لا يمكنهم إتقان عمل النساء مهما حاولوا "

غادرت من عندهما وتوجهت لغرفتي صليت الظهر واتصلت

بجابر كثيرا ولم يجب ثم أرسل لي ( نتقابل بعد العصر )

جلست على السرير وفتحت حاسوبي وشغلت الانترنت وبقيت

لوقت أبحث عن اسم عائلتها في ملفات الجرائم , المشكلة أنه

لا لقب لها ولا يوجد بينهم ولا حتى في الاسمان الأولان مشابه

بحثت عن احمد عبد الله فيهم ولا نتيجة بحثت حتى عن سما

أحمد عبد الله ونفس الشيء غير موجود , بعد وقت سمعت

طرقات خفيفة على باب غرفتي فوقفت وفتحت الباب

فكانت سما , نظرت للأرض وقالت بهدوء " الغداء .. "

قلت قبل أن تنهي كلامها وأنا أخرج وأغلق الباب

" هيا لنتذوق مديح والدتي فلن أطهوا لها بعد اليوم

إن كان طعامك سيئ "

قالت وهي تنزل السلالم أمامي " وإن كان جيد "

ضحكت وقلت " سأكون في مشكلة حين نجد عائلتك وتغادري "

وصلنا عند الباب فالتفتت لي ونظرت باتجاه نهاية الصالة

وقالت مشيرة بأصبعها " لما لا نجلب تلك الطاولة والكراسي هنا

لتكون كطاولة أكل في الغرفة ولا تأكل والدتك وحدها "

نظرت للطاولة وقلت " ولكن سيتعبها كثرة انتقالها من السرير للكرسي "

قالت ونظرها هناك " ولما تجلس على الكرسي سنقرب الطاولة

من السرير وتنزل ساقيها فقط "

حككت حاجبي بتفكير وقلت " فكرة لا بأس بها ولكن سيكون

علينا إدخالها وإخراجها في كل مرة لأن البعض

يزورون والدتي في غرفتها "

قالت بعد صمت " تلك مشكلة ولكن قد نجد لها

حلا دعنا ندخلها الآن "

قلت متوجها نحوها " حسننا ستساعدينني في إدخال

الطاولة أما الكراسي سأدخلهم أنا "

نقلنا الطاولة للغرفة ثم خرجت وأدخلت كرسيين فقالت

والدتي " ماذا ستفعلون بهم "

وضعتهما وقلت " سما ستغير ترتيب أثاث المنزل أيضا "

ضحكت والدتي وقالت سما ونظرها للأرض " آسفة إن أزعجك

هذا ونعيدهم حالا إن كنت لا تريدها هنا "

قلت من فوري " لا أبدا فكرة جيدة أن نأكل مع

والدتي بدلا من وحدتها الدائمة "

قربنا الطاولة من السرير وجلست والدتي مقابلة لها وأحضرت

سما كل ما يلزم تحت إصرارها أن لا أساعدها , آه غداء مريح

وأخيرا وبدون زوجة وأبناء وتدمر وإزعاجات ومصاريف زائدة

حتى ترتيبها للأطباق والملاعق والشوك كان مختلف عني وكما

قالت والدتي أمور النساء لن نجيدها نحن الرجال مهما حاولنا

كان الطعام مرتبا ومزينا وكأننا في مطعم , من يُصدق أن هذه

الفتاة الصغيرة من فعلت كل هذا , تناولنا الطعام ثم أخرجنا الطاولة

ووضعناها بجانب الباب لتكون قريبة لنقلها وإرجاعها ثم قلت

" سأصعد لأنام قليلا هل تحتاجين شيء "

هزت رأسها بلا في صمت فابتسمت وتركتها وصعدت , والميزة

الأخرى فيها قليلة الثرثرة حتى نعم ولا لديها بالإشارات

نمت حتى العصر ثم استيقظت استحممت وصليت ونزلت للأسفل

وتوجهت لغرفة والدتي فكانت نائمة وسما تجلس وتقرأ كتابا من كتبها

المدرسية فقلت بهمس " هل صلت والدتي العصر "

نظرت لي وهزت رأسها بلا فقلت " أيقضيها إذا لتصلي سأخرج

لأمر مهم هل ينقص المنزل شيء "

قالت بصوت منخفض " بعض منظفات السيراميك وملمع

للزجاج وللخشب أيضا "

هززت رأسي بحسننا ثم غادرت من عندها وخرجت من المنزل

وتوجهت من فوري لمكتب جابر أخذت إذنا للدخول ودخلت له

وأغلقت الباب خلفي فرفع رأسه من حاسوبه وقال بضيق

" أخرتني يا مستهتر هل تزوجت ولا أعلم "

ضحكت وقلت " إن تزوجت فلن تراني طوال اليوم "

قال بضيق " يالك من مدعاة للشفقة هل ستلتصق بها من أول يوم "

جلست أمامه وقلت " لا مدعاة للشفقة غير التي قد تتزوجها "

قال بلامبالاة " قل ما لديك هيا وخلصني ليس ورائي إلا أنت "

ابتسمت وقلت " أريد سؤالك عن قضية مقتل لعائلة من رجل

وزوجته وطفل وطفلة هندية واختفاء ابنة في الرابعة عشرة "

نظر لي بحيرة مطولا ثم قال " ما علاقتك بهذه القضية "

قلت من فوري " مرت عليك إذا , كيف أهملتها أيها المحقق الفاشل "

قال بضيق " قل ما لديك ولا تتدخل في عملي "

قلت " الفتاة لد..... "

وقف على طوله وقال بصدمة " سما رفعت الشاطر لديك "

************************************************** **

******************************************

وضعت الوسادة على وجهي مجددا فلم يستوعب عقلي تلك

الفكرة المجنونة منذ قال تلك العبارة ونحن في السيارة

عائدا بي من القصر فبقيت أنظر له بصدمة ودون حتى

أن أرمش ثم قلت بهمس " أعد أعد ما قلت "

أعاد هاتفه لجيبه وقال بجمود ونظره على الطريق

" سنتزوج هذا الأسبوع "

قلت بذات جموده " أوقف السيارة "

نظر لي بصمت فقلت بحدة " أوقف السيارة "

توقف وقال بغضب " هذه آخر مرة تصرخي بي تفهمين

وصوتك هذا لن يرتفع عليا لاحقا "

فتحت الباب وأنا أقول " هذا إن كان هناك لاحقا يا سيادة المحقق "

ونزلت وضربت باب سيارته بكل قوتي وتوجهت لمنزلي لأنه

أصبح قريب جدا , يالا السخافة قال نتزوج قال لا وبالأوامر

ما يحسبني خادمة لديه وحتى الخادمة يحترمونها ويحترمون

رأيها ,لم يحضا بموافقتي كمربية ومعلمة قال أتزوجها

وأرميها هناك تتفاهم معهم , لا ومع من مع والدته تلك

فتحت باب المنزل ودخلت وأغلقته خلفي بقوة ورميت

الحقيبة بطول يدي وقلت بغيض " وما الغريب يا أرجوان

دخل منزلك مرغمة وشرب القهوة ركبتي سيارته ما

تتوقعين أن يفعل غير أن يأمرك حتى بالزواج به "

توجهت للأعلى ودخلت غرفتي استحممت ودخلت السرير

أحاول النوم أو الهرب , ومنذ ذاك الوقت وأنا على هذا الحال

تقلبت كثيرا أدس رأسي في الوسادة أثنيها بيداي عليه محاولة

أن لا استمع لأفكار رأسي , صحيح أحب أبنائه ولا أريد أن

يضيعوا أو يضيع مستقبلهم وأتمنى أن يكونوا معي كما كنا

لكن أن أتزوج بهذه الصخرة الميتة وأعيش مع والدته

المتوحشة التي لا يرفض لها أمرا ولا يناقشها في شيء لا

وألف لا وزد عليها شقيقة مختفية الله وحده يعلم عاقلة أم

مجنونة وكلهم في كفة وأن ينغلق باب غرفة عليا أنا وهذا

المتحجر في كفة أخرى , لن أجن وأفعلها أبدا ولو ذبحني

نمت بعد وقت وجهد كبيرين ولم أستيقظ إلا وقت الظهر , صليت

ونزلت من غرفتي توجهت للحقيبة وأخرجت هاتفي كانت هناك

مكالمات كثيرة من سوسن ورسالة فتحتها فكانت منه وكان فيها

( قررت وانتهى الأمر يا أرجوان وحسب علمك من

أجل الأولاد ليس من أجلك ولا من أجلي )

رميت الهاتف على الأريكة ودخلت المطبخ لأعد شيئا آكله

*
*
أبعدت ريشة الرسم وقلت " لا تتحركي يا بيسان كم مرة قلتها لك "

حكت أذنها ثم ساقه ثم عنقها وقالت " كله يحكني كله , كيف لا أتحرك "

قلت بابتسامة وأنا انظر للوحة أمامي " هذا لأني طلبت أن لا

تتحركي فأصابك الجرب يا مجروبة "

قالت " ما تعني مجروبة "

ضحكت بصوت مرتفع ثم قلت " تعني كل شيء فيك يحكك "

مدت شفتيها مستاءة فقلت " لا تبقي هكذا أو رسمتهما ممدودتان "

حركت المضلة وقالت " ارسمني وهي تتحرك هكذا في الصورة "

ضحكت وقلت " هذه لوحة وليست كميرة فيديو توقفي عن

الحركة أو رسمت ترف وتركتك أنتي "

جمدت مكانها وقالت " حسنا لن أتحرك لكن إن

حكني شيء سأتحرك "

قلت وأنا أمزج اللونين " حسنا ولا تكثري الحركة "

سمعنا حينها طرقات خفيفة على الباب وصوت ترف تقول

" أفتحوا لي الباب لما تغلقونه ماذا تفعلون في الداخل "

ضحكت بيسان بصمت وهي تخفي فمها في يدها وقالت

" أنظر كيف تطرق كالمتسولين "

ضحكت كثيرا ثم قلت " لو تسمعك جدتك قطعت لسانك "

قالت باستياء " لما جدتي لا تحبنا "

قلت ببرود وأنا ألون الفستان في اللوحة

" هي لا تحبني حتى أنا , لا تكترثي لها "

قالت باستغراب " ماما تقول لا تغضبوها لكنها

لا تحبنا ولا تحب ماما "

قلت بابتسامة " هذا لأن ماما سندريلا وجدتك

زوجة والدها الشريرة "

قالت من فورها وبعفوية " وهل ستتزوج ماما من الأمير

في النهاية وجدتي ستصبح خادمة لديها في قصرهم "

ضحكت وقلت " نعم لكن هذا سرنا لا تخبري به أحد حسنا "

قالت " حسنا ولكن أين بنات زوجة والدها اللتان ستعملان

في القصر أيضا , لا توجد سوى عمتي زهور

فقط إذا الأخرى ستكون أنت "

نظرت لها بصدمة وقلت " ها قد انقلب السحر على

الساحر, اسمعي كله مزاح ولا تفكري فيه مفهوم "

هزت رأسها بحسنا فوضعت الريشة وقلت

" يكفي لهذا اليوم سنتابع في يوم آخر هيا حُكي ما تريدين "

وقفت وقالت " لم يعد يحكني "

ضحكتُ وفتحتُ الباب وكانت ترف تجلس أمامه فوقفت

وقالت بدمعة محبوسة " أنت تحب بيسان فقط , تدخلها

غرفتك وتغلق الباب وتتركني في الخارج "

حملتها عن الأرض ودخلت بها وأنا أقول

" الآن دورك سترسمينني أنتي وسنغلق الباب

ونترك بيسان في الخارج "

دخلت بها وأغلقت الباب وبدأت بيسان تطرق وتنادي

فقلت بضحكة " أنظري كيف تطرق كالمتسولين "

ضحكت وصرخت قائلة " ليس لدينا مال "

ضحكت وأعطيتها لوحة بيضاء وألوان وجلست أتحدث بالهاتف

*
*
دخلت القصر أحمل مصعب بين يداي سأتركه يلعب مع ترف

وبيسان لتحل لي المربية واجب اللغة الانجليزية لأنها ماهرة فيها

ولأهرب قليلا من أعمال المنزل , أمي لا أعرف كيف تفكر لما

ترفض أن تكون لدينا خادمة هل تغار على والدي ! ولما من جماله

أو صغر سنه فهما لم ينجباني إلا بعد عشر سنين من زواجهما

وأنجبا عمر وعمري تسع سنين ليتبعانه بعدها بخمس سنين باثنين

وراء بعض, لا وتريد والدتي أن تنجب أيضا وهي في الخامسة

والأربعين الآن !وصلت السلالم ويالا الحظ السعيد ... معتصم

نازلا من الأعلى ولكن الحل عندي هوا يسخر من طريقة

كلامي وتصرفاتي إذا سأغيرها أمامه لأنجو منه ومن سخريته

لا أعلم ما علاقته بي أخته أمه زوجته أكون ما أكون فيما

سأضره ثم لا أفهم ما الخطأ بي هل يريدني كالرجل مثله أم

كوالدته وشقيقته الصامتة طوال الوقت , مررت بجانبه دون

أن أنظر له بكبر ككل مرة وقلت ونظري على أعلى السلالم

بصوت جعلته جديا قدر الإمكان " مرحبا معتصم كيف حالك "

وتابعت صعودي على نظراته المصدومة وأنا اضحك في صمت

مبتعدة عنه , لعله يرتاح الآن إلا إن لم تكن المسألة في صوتي

وكلامي بل يكرهني دون سبب , وصلت لغرفة الفتاتين

وطرقت الباب ودخلت واستقبلتا مصعب بفرح طبعا فهوا وعمر

الوحيدان اللذان يزورونهم للعب معهم وتوجهت أنا للجلوس

مع المربية لتحل لي واجبي وما هي إلا لحظات ووصلتني رسالة

على هاتفي أخرجته وفتحتها فكان من المتعجرف معتصم وفيها

( إن كان ثمة جني سكنك فأخبرينا لنحضر لك قارئ يقرأ عليك

يكفينا علكة لا نريد علكة مسكونة )

أوف ما به هذا لا أعجبه في كل الأحوال ويقتنص الفرص ليهينني

, أرسلت له ( علكة أعجب من حولي والداي يحبانني هكذا ومن

سأتزوجه يحب العلكة وخصوصا بالفراولة أنت ما شأنك بي )

أرسل على الفور ( من تقصدي بمن سيتزوجك )

أرسلت ( أقصد لن أتزوج إلا ممن يحب العلكة مثلي )

أرسل بعد قليل ( إن قلتها مجددا قطعت لسانك )

أرسلت ( أنت لما لا تعطيني مواعيد قدومك للقصر لأقطع

ساقي إن عتبته وأنت فيه )

ثم أغلقت الهاتف نهائيا وانشغلت مع المربية في حل الواجب

*
*
استيقظت متأخرة جهزت نفسي بسرعة كي أدرك وقت دخول

العاملات للمصنع فلست بمزاج توبيخ من ذاك المدير المتعجرف

حملت حجابي وحقيبتي في يدي ونزلت مسرعة ألف الحجاب على

رأسي وما أن وصلت للأسفل حتى رأيت المنظر الذي توقعت أن

أراه وقت عودتي وليس ذهابي , لا وينام على الأريكة واضعا ساق

على الأخرى ويخفي عيناه بذراعه , كيف أتصرف مع هذا الرجل كيف

اقتربت منه وقلت بضيق " هل ضاق بك ذاك القصر الضخم ولم

تجد أين تنام أم استحليت هذا , لعلمك سأبلغ عنك الشرطة حالا "

ضحك ضحكة واحدة غلبته فقلت بسخرية " نعم تعجبك النكتة كثيرا "

قال وهوا على حاله " كيف تكون هكذا نكته ولا تعجبني

من هذا الذي سيأتي ليسجنني "

قلت " نعم هذا ما يجعك تفعل كل هذا بثقة , ورائي عمل أريد

الذهاب إليه فليس لدي وقت لأعد لك الإفطار ونجلس نتسامر "

أبعد ذراعه وقال ونظره للسقف " لم يعد هناك عمل "

نظرت له بصدمة وقلت " ما تعني بهذا !! "

نظر لي مسندا رأسه بذراعه للأمام وقال ببرود

" أعني صرفك مدير المصنع من العمل نهائيا "

قلت بصدمة أشد " وبأي حق يصرفني ومن أخبرك أنت "

جلس وقال " بحق أنك لم تعودي تحتاجينه وعلمت

لأني من طلب منه ذلك "

رميت الحقيبة من يدي وقلت بغضب

" حتى هنا ويكفي يا سيد , أخبرني بأي حق تقطع رزقي "

قال بهدوء وهوا يتكئ بمرفقيه على ركبتيه ونظره للأسفل

" لا داعي للصراخ والغضب أخبرتك أنني قررت وانتهى والمصنع

لستِ بحاجة للذهاب إليه أبناءك يحتاجونك أكثر إن كنتي تحبينهم بالفعل "

قلت بضيق " وكيف وافقتك والدتك على المستهترة التي ربتهم

على الاستهتار , ولا تقُل أنك تريد أن أربيهم عل طريقتها "

قال بحدة ورأسه ما يزال للأسفل " لا تخطئي معي في الكلام يا

آنسة , أنا من قررت رضيت والدتي أم كرهت تفهمي "

قلت بسخرية " لدي سؤال واحد فقط لو كان لي والد أو شقيق

هل كنت ستأمرني بالزواج بك هكذا "

نظر لي وقال بجمود " لو كان لك أحدهما أو حتى كلاهما ما كانا

سيرفضانني ولو أمرتهم أمرا وأنتي أذكى من أن تفوتك هذه النقطة "

قلت بابتسامة جانبية " ولما كل هذه الثقة وأخبرني كيف تتزوج بابنة

الرجل الذي هربت معه زوجتك "

عاد بنظره للأرض وقال ببرود " هذه مسألة شخصية "

كتفت يداي لصدري وقلت " وهل لي أن اعلم خبايا

هذه المسألة لأني لم أقتنع بها بعد "

رفع رأسه وتنفس بنفاذ صبر وقال " الزواج سيتم يا أرجوان نبشتِ

في دفاتر الماضي أم لا وأضنك تحبين الأولاد ولا تريدي أن تكوني

معهم إلا للأبد وها هي أتتك حتى عندك أم ستجدي حجة أخرى "

قلت بهدوء ممزوج بالضيق " هل لي بسؤال تجيبني عليه بصراحة "

نظر لي وقال " ما هوا "

قلت من فوري " ما هي مكانة الزوجة لديك "

وقف وقال " أخبرتك أن كلانا يعلم أن هذا الزواج من أجل الأبناء "

قلت ببرود " وإن رفضت "

قال مارا من أمامي " لست هنا لآخذ رأيك ولا تتعبي نفسك

بالذهاب للمصنع لأنه لن يقبلك فيه "

ثم خرج وأغلق الباب خلفه فجلست منهارة فوق الكرسي وبدأت

بالبكاء ولا اعلم لما وعلى ماذا بالتحديد وبقيت أبكي مكاني لوقت

طويل وهاتفي يرن في حقيبتي طوال الوقت ولم أجب عليه ولم أرى

من يكون , مؤكد هذه سوسن تطمأن لما لم أذهب للمصنع

ذاك المتعجرف المتحجر الصخرة الميتة الأحاسيس حتى عملي

حرمني منه ولا أستبعد أن يخرجني للشارع أو يهددني بالسجن

لأوافق , لو أعرف فقط كيف يفكر ... يتزوج بي ووالدته تكرهني

وتكره طريقة تربيتي للأطفال لا ويقولها بصريح العبارة من أجل

الأولاد فقط , أي سأعيش حياتي كلها مربية لأبنائه أعيش في

غرفة في نهاية ممر غرفهم مهمشة وخادمة ليس إلا

لم أحلم حياتي بزوج كهذا وما كنت أرضى به , كان مناي

زوج محب عطوف رومانسي ينسيني سنين وحدتي وفقدي لأبنائي

اللذين ربيتهم وليس ذاك الصخرة الخالية من المشاعر والأحاسيس

جلست لساعات أفكر في مخرج من هذه الورطة التي لا مخرج

منها فإن هربت من المدينة وعشت في أخرى سيحضرني طبعا

وبسهولة وحتى إن بقيت هنا واستمررت في رفضي له لن أجد

المال حتى لآكل ولن أحضا بفرصة عمل أخرى لأني من دون

شهادة وحتى إن تحصلت عليه سيخرجني منه كسابقه , ما هذه

الورطة هل هذا ثمن اعتنائي بأبنائه وتربيتي لهم يريد دفني

بالحياة , لو كنت وافقت على عرضه السابق لما حدث كل هذا

ولكني محقة في رفضي أقسم أن قلبي يتشقق عليهم ولست أحبهم

فقط بل وأدمنهم لكن والدهم ذاك مستحيل لا يمكنني إدخال

الفكرة لرأسي ولا بأي شكل , بعد وقت طويل قضيته مكاني

ولم أتحرك إلا لصلاة الظهر سمعت طرقات على باب المنزل

ومؤكد هذه سوسن إن لم يكن أحد الجيران جاء ليسألني من

هذا الذي نام في منزلك البارحة فلا شيء لدى الناس سوى

تهويل الأمور , وقفت وفتحت الباب فكانت سوسن , دخلتُ

وهي تتبعني قائلة " أين أنتي لا ذهبتِ للمصنع ولا تجيبي

على اتصالاتي ؟ ماذا حدث وكيف لم يأتينا مدير

المصنع يزمجر غاضبا لتغيبك "

جلست وقلت بضيق " لأنه تم صرفي من العمل وانتهى دوري هناك "

جلست ونظرها المصدوم علي وقالت " كيف ولما !! "

أمسكت وسادة الأريكة وقلت بغيض " قال لم أعد أحتاجه "

قالت باستغراب " من ؟! "

قلت بحدة " ومن غيره مصيبة ابتليت بها في حياتي "

قالت بحيرة " ولما يخرجك من المصنع ويقول أنك لا

تحتاجينه, هل سيصرف عليك من ماله "

ابتسمت بسخرية وقلت بحسرة

" ليتها كذلك , الحقيقة أقسى من كل هذا يا سوسن "

قالت بتذمر " أرجوان بربك لا تنفخي لي رأسي بالألغاز

أحكي لي ما حدث معك بالتفصيل "

تنهدت وحكيت لها كل ما حدث فضحكت كثيرا ثم

قالت " يالك من محضوضة يا أرجوان "

قلت بضيق " أي محضوضة هذه أقسم أن الحظ

لم يعرف لي طريقا في يوم "

قالت ببرود " أتركي عنك كل هذه السخافات هذا زوج تتمناه

كل امرأة في البلاد حتى أنا إن طلبني للزواج تطلقت

من زوجي وتزوجته "

قلت بصدمة " مجنونة تبيعين زوجك بهذا المتحجر "

قالت بابتسامة " وسيم وطويل وعريض ورئيس الشرطة

الجنائية ولديه قصر وخدم وحرس وشخصية مدمرة

لما لا أبيع زوجي من أجله "

قلت بضيق " أقسم أنك فقدتِ عقلك ولا تنسي أن تضيفي

للائحة متعجرف ومتحجر ووالدته تهرب منها الجدران ويحترمها

حد أنه لا يعصي لها أمرا ولا يمد للرومانسية بصلة وزيديها

يريدني مربية لأبنائه فقط "

قالت بلامبالاة " لا رجل بلا مشاعر وحجر ... فقط من لديها

العقل ستحركه وتحرك المشاعر داخله , لا تكوني غبية

هذه فرصتك لتكوني مع الأطفال اللذين أفنيتي خمس سنين

من عمرك تربينهم ولتحضي بزوج تتمناه كل امرأة

حركي عقلك واكسبيه في صفك "

قلت ببرود " نعم معك حق فأنت لا تعرفينه ووالدته "

قالت بضيق " أرجوان لعلمك هوا سيفعل ما يريد إن بالطيب أو

الإكراه وعنادك هذا لن يزيد الأمور إلا ضدك فستتزوجينه في

النهاية فلا تكثري المشاكل بينكما لتكبر الفجوة من قبل أن تتزوجا "

أغلقت أذناي وقلت " لا تقولي تتزوجا أصمتي يا سوسن "

قالت بضيق " غبية ستكونين اكبر غبية إن أكترثِ من المشاكل

بينكما ليكرهك من الآن , حركي عقل الأنثى لديك واكسبيه ولو

بالبطيء وستكسبين كل شيء في النهاية "

اتكأت بمرفقاي على ركبتاي ورأسي بين يداي وقلت بحزن

" لما أنا من تدفع ثمن أخطاء الغير ؟ لما يجلبون لي أبناء ليسوا أبنائي

لأربيهم ثم يأخذونهم مني ليحرقوا قلبي عليهم ويرموهم في الجحيم

ويرموني معهم وعليا إخراجهم , ذاك ليس قصرا يا سوسن ذاك جحيم "

وضعت يدها على كتفي وقالت بجدية " وهل ستتركينهم في ذاك

الجحيم حتى يدمروهم وأنتي بإمكانك إنقاذهم , هي فرصتك يا

أرجوان لتكوني معهم وتربيهم كما تريدي "

تنهدت وقلت " ومن سيسمح لي هناك بذلك سيجنون علي معهم "

وقفت وقالت " ها أنا أقولها للمرة العاشرة يا أرجوان كوني

ذكية وأكسبي كل شيء لصفك فأنا لا أصدق أن ثمة رجل بلا قلب

ولا مشاعر , فقط هوا ينقصه امرأة بعقل وسيصبح تحت جناحك

وتصرفك وتضربين كل القوانين حينها عرض الحائط وأولهم والدته

أما رفضك وإصرارك لن تجني منه شيء سوى كرهه لك

وأنتي الخاسر في النهاية , هذه فرصتك يا صديقتي وفكري لما

تزوجك أنتي بالتحديد وليس غيرك "

نظرت لها وقلت " لأن أطفاله ستضيع دراستهم

وإلا ما كان سيتزوجني "

قالت ببرود " غبية يمكنه حل ذلك بسهولة لكنه بالفعل يعتمد

عليك, لن نقول يحبك ولكنه يثق بك الخطوة الأولى كانت

منه الثانية وحتى العاشرة يجب أن تكون منك , أعرفك

أذكى من غبائك هذا يا أرجوان "

هززت رأسي وقلت " مستحيل مستحيل "

قالت مغادرة " ما لدي قلته ولا أريدك أن تندمي يوما حين

تريهم ضاعوا أمامك وأنتي جاءتك فرصة ولم تستغليها "

ثم خرجت وغادرت وتركتني أسوأ مما كان بي

*

*

كنت واقفا ويدي في جيب بنطالي متكأ على حافة باب

المنزل وانتظر تلك المشاكسة التي لم تأتي بعد , هل كل هذا

بحث تحت نافدة غرفتها والشرفة , بعد قليل دخلت من الباب

الخارجي فسويت وقفتي وقلت " ها ما حدث معك يا بتول "

اقتربت مني ونزعت حجابها وقالت " لا شيء لم أجد شيء "

قلت " ولا أي شيء أبدا هل أنتي متأكدة "

قالت بغنجها المعتاد وهي تبرم خصلة من شعرها بين أصابعها

" لا شيء خالي رضا أنت تعلم أني أحرك الحراس هناك

للبحث ولم يروا شيئا والخادمة قالت لم تُخرج أي أوراق

ممزقة من غرفتها حين نظفتها "

ابتسمت وقلت " وكيف جعلتِ الحراس يبحثون لك "

ضحكت وقالت " أنتم الرجال حمقى كلمتين بغنج منا

نحن تلبون كل أوامرنا "

ضحكت وقلت " لهذا إذا تكرهين معتصم لأنه لا يتأثر بمياعتك "

تأففت وقالت بصوتها الرقيق " ذاك مريض نفسيا

لا أعلم ما الذي يكرهه بي "

قلت بابتسامة جانبية " قد لا يكون كرها "

قالت بتذمر " وما سيكون إذا وأنا لم أعجبه في كل الأحوال , لو

فقط يبتعد عن طريقي لا أريد منه أن يحبني "

قلت بابتسامة " عليك أن لا تكرهيه هكذا فقد تتزوجينه يوما "

قالت بصدمة " ماذا !!! أنا أتزوج ذاك "

ضحكت وقلت " لا تنسي أنه ابن عمك وأن والدك حين

رزق بك بعد سنين انتظار وعد شقيقه إن رغب

بك أحد أبنائه لن تكوني إلا له "

قالت بضيق " ذاك كلام في الماضي هل أنا سلعة يبيعونها "

ثم تابعت وهي تدخل المنزل " قال أتزوجه قال

يع ألم أجد من أتزوج "

راقبتها تدخل بابتسامة على اقتراب والدتها المتذمرة منها

وصلت عندي وقالت بابتسامة " ألن تغير رأيك

يا رضا وتبقى معنا مزيدا بعد "

قلت بهدوء " لا فعليا الذهاب ولكن قد أؤجله للغد

لأني سأقابل جابر أولا "

قالت باستغراب " جابر !! ولما ؟ "

نظرت للأرض وقلت " سأحدثه في موضوع زهور "

قالت بضيق " رضا لما لا تنسى تلك الزهور أخبرتك

أنها لا تليق بك ووالدتها لن توافق "

نظرت جانبا وقلت " أعلم وحتى إن وافقت والدتها

لن توافق هي لكني لن أيأس "

قالت ببرود " لا أعلم ما تحبه فيها , رضا هي كوالدتها اقتنع بهذا "

قلت بهدوء وقد عدت بنظري للأرض " لا هي ليست كوالدتها يا

أميرة هي فقط كانت تفعل ما تطلبه والدتها منها كي لا تغضب

عليها , أنا أكثر من كان يعرف زهور هي تربت على طريقتي

وليس طريقة والدتها وأنتي أكثر من يعلم لكن زواجها بذاك جعلها

تصبح هكذا صامتة ومنعزلة طوال الوقت حتى أنها لا تتبادل

الأحاديث إلا مع خادمة واحدة ومعينة , هي ليست

كوالدتها هي فقط مصدومة ومجروحة "

تنهدت وقالت " وهل أنت من عليه شفاءها , صحيح أنك كنت

تهربها من غرفتها في صغركم والممنوع عنها معك يصبح

مباحا لكنها لم تتذكر لك كل ذلك , ببساطة وافقت على

غيرك وتزوجته وتركتك رغم عشرات الرسائل التي

كنت ترسلها لها "

نظرت للبعيد وقلت " بعض الأمور تحتاج لتفسير كبير

يا أميرة, فقط لو أعلم لما فعلتها وهي تعلم !! لما "

قالت بحيرة " تعلم ماذا يا رضا ! ما الذي كان بينكما "

تنفست وقلت ببرود " لا شيء مهم "

ثم دخلت وصعدت لغرفتي وتركتها

*

*
فتحت خزانتي وأخرجت ذاك الصندوق البنفسجي

ولا أعلم لما لم أتخلص منه حتى الآن ! لما لم أرمه خارج

غرفتي والقصر كله , فتحت الصندوق وأخرجت الزهرة

لتعود بي الذكرى لتلك السنين


(( ... طرقات خفيفة على النافذة لأركض مسرعة وأفتحها وأقول

بابتسامة للفتى الواقف خارجها " رضا لما تأخرت "

مد يداه لي وقال " هيا بسرعة مدي يديك "

مددت يداي له وأخرجني من النافذة ككل يوم وسار بي حتى

صرنا في آخر الحديقة وقال " انظري هنا "

قفزت من الفرحة وقلت " حمامة من أين أحضرتها "

قال وهوا يخرجها من القفص " أحضرتها من صديق لي لهذا

تأخرت لقد اشتريتها من مصروفي طوال الشهر الماضي لتصبح لك "

ضممت يداي الصغيرتان لصدري وقلت " صحيح هي لي ... لي أنا "

قال بابتسامة " نعم لك أنتي وهل لدي غيرك أدفع عمري كله له " ))

رميت الزهرة في الصندوق وأغلقت الخزانة عليهم , كنت

صغيرة لكن كلماتك كانت كبيرة يا رضا وأعجز عن فهمها , تعلم

أني صغيرة ولم تشرح لي حقيقة تلك الحادثة بل تركتني أكتشف

لوحدي وبأبشع الطرق , لممت خصلات شعري وأمسكته بمشبك

وفتحت باب غرفتي , لم أفكر أن أفعلها منذ زمن ولكن هذه الأصوات

الصغيرة تبعث فيني الفضول ولا أعلم لما , سرت بضع خطوات

حتى نهاية الممر فتقابلت وطفلة صغيرة بل تقابلت مع نفسي في

صغري ... نعم نسخة عني تماما , نظرت لها مطولا بصمت

وهي تنظر لي باستغراب ثم قلت " من أنتي "

نزلت قليلا للأسفل ترفع فستانها الطويل وقالت بابتسامة جميلة

" الأميرة بيسان "
__________________
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12-29-2015, 11:18 AM
oud
 

الفصل التاسع



لم يستطع نواس قطعا إخفاء الصدمة في ملامحه من كلام

وسن القوي الثابت عن زوجته وكأنها ليست من كانت قبل

قليل تبكي زواجه بغيرها فهكذا هوا الحب حتى القوة فيه ضعف

وهكذا هم العشاق لا تصدق منهم شي وهم يتواجهون بألمهم

ففي الفترة الماضية حين كانا يلتقيان عندي في زيارة وسن لي

نهاية الأسبوع يحاول نواس أن يكون هادئا ولا مبالي بعض الأحيان

لكن ابني نواس لا يعرف كيف يخفي ما في نفسه مهما حاول فأراه

طوال الوقت يحاول سرقة نظره إليها وهي في كل لقاء تبحث في

ملامحه عن أمل جديد يعيد ما كان بينهما لكن اللذان أمامي الآن

مختلفان تماما هي يائسة من الشيء الذي كانت تبحث عنه وتقاوم

مشاعرها بعنف المرأة المجروحة وهوا لم يعد يختلس النظر لها

بل أصبحت لا تفارق عيناه ملامحها وانقلبت الأدوار وباتت وسن

هي من تخفي مشاعرها ونواس هوا من يعطي مشاعره كامل

التصريح دون أن يجاهد نفسه لإخفائها

وقفت وسن وقالت " أعيش مع خالتي لأجل أن المنزل لها

ومن أجلها فقط غيره لا ولو نمت في الشارع "

بقي ينظر لعينيها بهدوء غريب وهي تنظر له بثبات حتى

قال بهدوئه ذاته " والدتي هي من تمنعني من نقلها للعيش

معي في المزرعة وأنتظر أن توافق فقط عندها كل

من هنا سينتقل هناك يا وسن "

قالت بحدة مشيرة بإصبعها له " لا لن أعطيها لك يا نواس

لن تأخذني لأعيش معها , لن تفرح بها يا ابن خالتي "

ثم أخذت حقيبتها وخرجت وتركت باب الغرفة مفتوحا ومارست

هوايتها الجديدة على باب المنزل , استند نواس بمرفقيه على ركبتيه

ونظره للأرض وقال بهدوء " أرأيتِ ابنة شقيقتك وأفكارها "

اتكأت على ظهر السرير وتنهدت وقلت " رأيتها ورأيت قراراتك

أيضا , كيف تأخذها للعيش معك وزوجتك هناك , عليك

أن تقدّر مشاعرها أو حتى صحتها على الأقل "

نظر لي وقال بضيق " وهل سأتركها تسكن وحدها هناك

لا وألف لا وأخبريها أن ترفع تلك الفكرة من دماغها نهائيا

أي جنون هذا أقسم أن ما يمنعني هوا رفضك أنتي الذهاب

للعيش معي ولا أرى ذاك الرفض منطقيا بعد أن قرر

جواد السفر فأفهمي ابنة شقيقتك هذا , وما تحدثتِ عنه

لا أعتقد أنه بات يعنيها والدليل كان واضحا أمامك "

قلت ببرود " وهل ترضى أنت أن تعيش معها وزوجها

في منزل واحد يا نواس ؟ هل تستحملها نفسك رغم

أنك من رفض مسامحتها من شهور "

أشاح بوجهه جانبا وقال بحزن " أمي يكفيني ما بي أرجوك "

تنفست بقوة وقلت بجدية " وسن أمانتك يا نواس لا تقتلها بذلك

عدني أنها لن تخرج من هذا المنزل إلا بعد موتي ولا تغادره

إلا لمنزل زوجها حية كنت أنا أو ميتة "

نظر لي بسرعة نظرة قوية لم أفهم مغزاها ثم وقف

على طوله وقال " مستحيل "

قلت " وما المستحيل بينهم ... حدد لأفهم "

قال مغادرا " قلت مستحيل يعني مستحيل "

ثم خرج وتوجه لغرفته وأغلقها خلفه بقوة

*
*
أخرجت هاتفي ثم أعدته لجيبي مجددا , عليا أن أنسى أمرها

بعد أن أصبحت زوجته يكفي ما تسببت به لها حتى الآن , ترى

هل تفغري لي يا مي إن علمتِ أنني من أوصلك لتلك المصيبة

دون قصد مني , مي الفتاة التي تحجبت عن الجميع قبل وقتها ولم

تعد تقابلنا أو تتحدث معنا إلا بالمصادفة , مي رمز الاحترام والعفة في

كل العائلة , حتى في مشيتها رأسها لا يرتفع عن الأرض تنتهي هكذا

نهاية وعلى يد أحد أصدقائي المقربين من كنت أحكي له عن مشاعري

نحوها ليحرمني حتى من أن أفكر في خطبتها لأنهم لن يرضوا بي بعدما

حدث وسأزيد الأمور سوءً , ترى هل ستحبين نواس يا مي وأبقى أنا

لحسرتي التي وحدي أستحقها , وحتى إن لم يحبها ولم تحبه لن

يطلقها كما قال فهي ضاعت مني وللأبد , نظرت للجانب

الآخر وقلت بابتسامة " ألا تشبع من رسم الخيول

جد لك شيء آخر غيرها "

وضع ريشته خلف أذنه وأمسك وسطه بيديه وقال

بسخرية " مثل ماذا يا أبو العريف , أنت مثلا "

ضحكت وقلت " وما المانع في الأمر ستكون لوحة الموسم "

ضحك وقال " أضحكتني يا أبو القناعة "

تجاهلته وقلت " وما تلك اللوحة بجانبك وكأن فيلا رسمها بخرطومه "

ضحك وقال " لو تسمعك صاحبة اللوحة ستجعلك تكره اسمك "

غمزت بعيني وقلت " ومن هذه ها "

ضحك كثيرا ثم قال " يالها من مخيلة التي لديك هذه ابنة

جابر رسمتني وأنا مضجع على السرير "

ضحكت حتى تعبت ثم قلت " ظننته صرصور أو نملة فوق

السرير وليس أنت , لقد أبدعت في رسمك "

نظر لي بضيق فقلت ببرود " دعني أرفه عن

نفسي قليلا يا معتصم فقلبي مسود "

قال بحيرة " ما بك يا وليد "

تنهدت ونظرت جهة الخيول وقلت " لا تكترث للأمر "

*
*
تأففت وقلت " فرح وما الداعي للبكاء الآن "

شهقت شهقة صغيرة وقالت " كيف لا تريد مني أن أبكي وأنت

تخبرني أن حفل زواجنا سيكون بعد ثلاث أيام والسفر خلال نهاية

الأسبوع القادم , منذ وقت وأنت تجهز للأمر ولم تخبرني بسفرنا إلا

الآن , متى سأشتري ما يلزمني ومتى سنجهز للحفل وأدعو زميلاتي "

قلت بضيق " فرح أنتي تعلمي أن صحة والدتي لا تسمح أن نقيم

أي حفل كبير , كم مرة سنتناقش في هذا "

لوحت بيدها وقالت بتذمر " لا شأن لي كيف أتزوج بدون

حفل يكفي لا حفل خطوبة ولا قران وكأنني أرملة أو

مطلقة, لما لا تراعي مشاعري أبدا "

تنفست بقوة مهدأ لنفسي ثم أمسكت وجهها بيداي وقلت

" فرح حبيبتي ما الداعي لكل تلك الشكليات لن نشتري الكثير من

الثياب وسأشتري لك هناك كل ما تريدينه , هل يرضيك أن نقيم حفلا

في صالة فندق ووالدتي تبقى وحدها في المنزل , ضعي نفسك مكاني "

قالت بحزن " ولما لم تخبرني منذ وقت عن كل هذا لما ؟ ألستُ شريكة

حياتك ومن المفترض أن أعلم منذ وقت وأرتب أموري "

قبلت خدها وقلت " حبيبتي أنتي يا فرح كنتي تعلمين أي ظروف

نمر بها كلانا فلما أشغلك بكل هذا , لا تعقدي الأمر أكثر

حبيبتي ودعينا نسعد كغيرنا "

نامت في حضني برفق وقالت بهمس باكي " لما زواجي محاط بكل

هذه التعاسة , لما لست كباقي صديقاتي فليس لدي حتى صورة

لحفل خطوبة مثلهن وكأنك مجبر على الزواج بي "

شددتها لحضني بقوة وقلت " ما رأيك لو أذهب لك في الجامعة

وأحملك بين ذراعاي أمامهم وألف بك الجامعة كلها ليصدقوا أني

أحبك ومتيم بك ولست مجبرا عليك "

قالت بصوت مبتسم " موافقة وفي الغد "

ضحكت وقلت " مشكلتي أني لا استطيع ولا حتى التنفس بدونك

سأفعلها غدا وإن طردوك من هناك لا تلقي باللوم علي "

ابتعدت عن حضني وقالت بحزن " أنا قلقة بشأن وسن يا جواد "

تنهدت وقلت " يبدوا والدتي ستجد حلا لكل هذا

خصوصا بعد أن تزوج نواس "

وضعت يدها على فمها مصدومة وقالت " تزوج "

تنهدت وهززت رأسي بنعم وقلت بهدوء " ووسن علمت بذلك "

وقفت وقالت بصدمة " ونحن نجلس نتبادل الغراميات هنا

انهض هيا لنذهب لها , هذا إن كانت في المنزل أساسا "

نظرت لها فوقي وقلت بعبوس " لا أعلم لما أنا دائما في المقام الأخير

لديك حتى زميلاتك ومظهرك أمامهم أهم من ظروفي "

وضعت يداها وسطها وقالت بضيق " جواد قف هيا وخذني

لشقيقتي أو ذهبت وحدي وتبقى أنت هنا وحدك "

زدت عبوسا أكثر ماداً شفتاي بزعل فضحكت على شكلي

ثم أمسكت وجهي وقبلت شفتاي قبلة سريعة وقالت

" قم هيا يا قلب فرح "

مثلت الإغماء على الأريكة وقلت وعيناي مغمضتان

" هل أنا في حلم وزوجتي قبلت شفتاي أخيرا "

سمعت ضحكتها ثم قالت " جواد هيا وأنت كالمراهقين "

قلت " أنا مغمى علي ولا يمكنني الاستيقاظ دون قبلة

جديدة ولكن ليس بخيلة كتلك "

سحبتني من يدي وهي تقول " لا تجعلني أندم حتى

على تلك , بسرعة تحرك "

تحركت معها وأنا أقول " أمري لله كلها أيام

قليلة وسنتصافى يا فرح "

خرجنا من الشقة ووجدنا وسن تصعد السلالم , تخطتنا في

صمت ودخلت الشقة فنظرنا لبعضنا ثم قلت بهمس

" اذهبي لها لقد تقابلت ونواس عند والدتي , أنا

في الأسفل إن احتجتما شيء ... حسناً "

هزت رأسها بحسنا ولحقت بها وأغلقت الباب

ونزلت أنا لسيارتي
*
*
سمعت طرقات على الباب ثم دخل أخي عاطف وقال

" عمي سعيد يريدك في الأسفل "

وقفت دون كلام ولا حتى أن أرفع عيناي فيه ونزلت

أمامه وتوجهت من فوري لمجلس الرجال حيث سيكون

ودخل خلفي عاطف فقال عمي " دعنا وحدنا يا عاطف "

خرج من فوره وأغلق الباب خلفه وقال عمي بحنان

" تعالي اجلسي يا مي "

توجهت نحوه وجلست بجواره فقال بهدوء

" أخبرني شقيقك أنك ترفضين شراء جهازك يا مي هل هذا

صحيح لأن زوجك يصر على أن أعرف ذلك منك شخصيا "

هززت رأسي بنعم وقلت " أجل أنا قلت ذلك ولم

يجبرني أحد أو يكذبوا عليك "

تنهد وقال " ولما يا ابنتي أنتي عروس كغيرك

لا تنقصي من قدر نفسك "

نزلت دمعتي فمسحتها ولذت بالصمت فقال

" نواس اتصل بي وقال أن زواج شقيقه بعد ثلاث أيام سيكون زواجا

عائليا بسبب مرض والدته إن كنتي تريدي الحضور ولتتعرفي والدته

أخذتك معي لأني مدعوا وشقيقك عاطف أيضا وزوجك طلب سؤالك "

هززت رأسي بلا وقلت " أي زواج سأحضره بهذه العلامات في كل

جسدي ثم بأي وجه أذهب لهم المشوه أم الملطخ بالعار "

قال بضيق " مي لا تعطي الأمر أكثر من حجمه زوجك ليس من

هنا ومدينته تبعد كثيرا ولا يعرف غيره بما حدث فلا تُرخصي

نفسك أمامهم أنتي أشرف من الشرف ذاته "

قلت بحسرة " يكفي أنه هوا يعلم "

قال بجدية " يعلم وراضٍ أيضاً "

لذت بالصمت أمسح الدموع التي غلبتني فوقف يستند بعكازه

وقال " سأخبره أنك متعبة قليلا ولا تستطيعين الذهاب وعليك أن

تشتري كل ما يلزمك يا مي وحسابي مفتوح لك فوق المال الكثير

الذي دفعه زوجك ومهرك محفوظ لك متى ما أردت كان بين يديك "

غادرت المجلس ركضا للأعلى وعدت لغرفتي وأغلقت الباب واتكأت

عليه , لما أنا من ماتت كل أحلامها في مهدها ؟ ترى ما تخبئ لي الحياة

من تعاسة ونكبات جديدة , مسحت دموعي واستغفرت الله ثم توجهت

لخزانتي وأخرجت الصندوق الصغير الذي يعيش في قلبي قبل الخزانة

جلست على الأرض أمامها وفتحته وأخرجت علّاقة المفاتيح الموجودة

فيه يتدلى منها حرفي الواو والميم بالإنجليزية مرتبطان ببعضهما

مرصعان بفصوص من الكريستال وفصوص ملونة تتدلى منهما

العلّاقة التي عاشت معي لوقت طويل منذ أن أخذتها من مجلس الرجال

بعدما نسيها وليد في مجلسنا ولم تطاوعني نفسي أن أعيدها له رغم

علمي بأنها غالية على قلبه وأنه بحث عنها وعاصم شقيقي كثيرا في

كل المجلس وهي عندي ولا أحد يعلم كما مشاعري نحوه منذ صغري

المشاعر النظيفة التي لا أحد يعلم عنها غيري وقلبي وخالقي

حركتها أمام عيناي الدامعتان أودعها أيضا مع كل أحلامي الجميلة

تُرى من تكون هذه التي حرفها مرتبط بحرفه ومتعلق به هكذا أم أنه

أسمه هوا وليد مختار فقط , حضنتها بقوة أبكي حتى الأحلام التي

لم أكن أجزم أنها ستتحقق , لو أني فقط أجد ذاك الشخص الذي

سرق مني كل هذا ودمر حياتي , صاحب الرسائل الخفية

لو ألتقي به فقط ولو ليوم في حياتي لآخذ بحقي منه

أعدت العلاقة للصندوق ووضعت معها الرسائل ليحتضن الحلم

ومن أحرقه وأغلقته , إن طاوعتني نفسي سأتركه هنا قبل ذهابي


************************************************** **

قلت بحيرة " ولكن التي معي اسمها سما أحمد عبد الله "

توجه للرفوف في مكتبه وأخرج ملفا بحث عنه لوقت ثم اقترب

مني وفتحه وأراني صورة فيه وقال " أليست هذه الفتاة "

نظرت لها وقلت " نعم هي "

قال مشيرا بإصبعه " انظر للاسم تحتها "

نظرت وقرأت " سما رفعت عمران الشاطر "

قال بجدية " هل تأكدت الآن "

قلت بحيرة " ولكن كيف !! "

عاد للجلوس على مكتبه وقال " احكي لي كل ما حدث

معك وكيف وجدتها وسأحكي لك كل شيء "

سردت عليه كل ما حدث معي للحظة وهوا يسمع باهتمام حتى

انتهيت فهز رأسه وقال بضيق " آخر ما كنت أتوقع أن

تكون تعيش هنا تحت اسم مزور "

قلت " حتى هي لا تعرف غيره "

تنهد وقال " قضية معقدة ولا تزداد إلا تعقيدا "

بقيت أنظر له بحيرة لوقت ثم قلت " ولما لم تعمموا صورتها

وتبحثوا عنها مادمتم تملكون الصورة "

قال بجدية " ستكون فكرة غبية أن نعطيهم شكلها واسمها "

قلت بهدوء " جابر هلا شرحت لي ما سر هذه القضية "

أغلق ملفها أمامه وقال " قضايا المصانع ذاتها مقتل شخص فيهم

أو صاحبه والنقطة المشتركة هي الهند إما تصدير أو استيراد

أو شراكة أو نقل أو أي صلة , الجرائم غامضة والأسباب

غامضة والسلسلة تجر بعضها ولم نكتشف السبب حتى الآن "

قلت بهدوء " سما ذكرت أنها كانت تلاحظ نقاشات كبيرة بين

والدها وشريكه ثم قرر الانتقال هنا بعدما باع حصته "

قال بضيق " والمشكلة أن جميع أوراقه مسروقة ككل

قضية فلا نعرف الشريك ولا ما حدث "

قلت بشرود " ولما زور أسماء أبنائه حتى أنهم هم

لا يعرفون أسمائهم الحقيقية "

قال بهدوء " يبدوا رجلا حذرا جدا وكان يتوقع كل هذا الخطر "

ثم وقف وقال " هيا خذني إليها عليا معرفة المزيد منها وزيارة القبو "

وقفت وقلت " مهلك يا جابر الفتاة رأت أفراد الشرطة يسخرون من جثث

عائلتها ويضحكون , هي لا تتقبلكم بل وتكرهكم ولن تتجاوب معك بسهولة "

قال بضيق " هل سنساير مراهقة صغيرة , عليها أن تتكلم ليس

من أجلها فقط بل ومن أجل غيرها "

قلت بضيق " جابر لا تستهين بالأمر وضع نفسك مكانها هم

عائلتها جميعهم وكل ما لديها , الخطأ على رجالكم لأنهم مستهترين

ولا يحترمون الموتى وكأنهم يخرجون قطط ميتة وليست

عائلة قتلت بدم بارد "

قال باستياء " وما سأفعله لهم برأيك أعاقبهم وأسجنهم , هم في

النهاية اعتادوا على رؤية هذه المناظر وماتت قلوبهم "

قلت بغضب " وهل تموت قلوبهم درجة أن يتغزلوا في امرأة

ميتة , هذا ليس موت قلوب هذا موت حياء "

قال ببرود " وهل سنجلب لها سرك التحقيق كاملا ليعتذر منها بربك

يا نزار الرجال تحت يداي يعترفون بسهولة لن أعجز من فتاة "

قلت بصدمة " ما قصدك بهذا هل ستعذبها لتعترف بما تريد "

قال بنفاذ صبر " نزار كم مرة سأقول وأعيد أني لا أضرب النساء "

قلت بسخرية " وكيف تحقق معهن يا حضرة المحقق "

قال بضيق " أرسلهن للقسم النسائي طبعا يا ذكي "

قلت ببرود " ما لديا قلته علينا أن نقنعها بالتعاون معكم أولا

أنا وعدتها بأن أساعدها لا أن أرغمها على مالا تريد "

قال بسخرية " نزار هل لعبت تلك الصغيرة بعقلك أم

بقلبك أم بكلاهما معا "

ضحكت وقلت " لن تنال مني بهذه يا ذكي فأنا أعرف

ألاعيبك جيدا , هي طفلة أمامي يا نبيه فبما ستلعب وتلعب "

قال بضيق " نزار قد يكون لدى الفتاة الخيط الذي سيحل

لنا كل هذه المشكلة فلا تتعب لي رأسي "

قلت مغادرا " أَخرج الفتاة حاليا من القضية سنتناقش أنا

وأنت فقط وأجلب لك منها كل ما تريد , وداعا "

*
*
تركتها أنهت صلاتها على سريرها ثم أحضرت صينية الشاي

والكعك وقلت " لقد حضرت كعكا لنأكله مع الشاي , والدتي رحمها الله

كانت تفعل هكذا دائما بعد أن نصلي العصر , سيعجبك كثيرا فأنا

أكثر ما أحب أعداده هوا الكعك "

قالت بابتسامة " حمدا لله الذي رزقني بابنة كبيرة على كبر

ورزق نزار بمن ستفضي له جيوبه "

قلت بحزن " آسفة يا خالتي لم أقصد أن أكلفه "

ضحكت وقالت " لا تخافي عليه إن نفذ ما لديه لن يخجل

منك , هيا دعيني أتذوق كعكك "

وضعت لها قطعة في الطبق وقلت

" لدي في قبو منزلنا أموال كثيرة لا أريدها ليأخذها هوا "

ضحكت وقالت وهي تأخذه مني " أنتي لا تعرفين نزار يا

سما هوا حتى من الرجال لا يأخذ النقود كيف سيأخذها

منك أنتي فلا تجرحي كرامته بقول هذا له "

قلت بهدوء حزين " ولكني لا أريدها فعلا وأكرهها

فبسببها خسرت عائلتي "

تنهدت وقالت " لو كل من فقد أحد تخلص من السبب لضاعت

البشر يا سما, المال سند للإنسان يا ابنتي رغم كل عيوبه "

سمعنا حينها صوت باب المنزل انفتح وأنغلق فقالت مبتسمة

" ها هوا أستاذك قد جاءت به رائحة كعكك اللذيذ "

وقفت من فوري مبتعدة عن الكرسي ووقف هوا عند الباب

متكأ بحافته وقال بابتسامة " ما هذه الرائحة هل

تأكلون شيئا من ورائي "

أخفضت رأسي خجلا وقالت والدته " هذه سما قررت سحق

أموالك وأعدت كعكا لم أتذوق مثيله فتعال قبل أن لا تجد منه شيئا "

دخل وقال " جيد والحكم على الطعم وليس الرائحة وأنتي ستدفعين

ثمن كل هذا يا أمي حين تعود سما لعائلتها لأنك ستُحرمين منه "

ضحكت وقالت " لم أفكر في هذه النقطة "

جلس وأخذ قطعة صغيرة من طبق والدته وأكلها وقال

" ممتاز هل حقا أنتي من أعدها ولم تشتريها من الخارج "

أخفضت رأسي ولم أستطع قول شيء من حيائي فضحكت

خالتي وقالت " طالبتك هذه تبدوا تخاف منك كثيرا "

خرجت حينها مسرعة من الغرفة للمطبخ فأنا حقا غير معتادة

على الاحتكاك بالرجال والأستاذ نزار كان جديا معنا كثيرا

في الحصص وما أن أراه حتى تتوتر جميع مفاصلي

دونا عن غيره من الرجال
*
*
ضحكت وقلت " الفتاة تخجل كثيرا أو تخاف منك "

أكل قطعة أخرى وقال " هي تخجل مني وغير معتادة

علي فوالدها رباهم في معزل عن الجميع خصوصا

الرجال فستحتاج وقت لتتعود "

قلت بهدوء " ماذا فعلت بشأنها "

قال بذات الهدوء " تحدثت وجابر , لديها اسم حقيقي غير اسمها

ذاك وسنبحث في أمرها فيما بعد لأني كدت أتشاجر معه "

قلت بحيرة " ولما تتشاجران !! "

قال بصوت منخفض " الفتاة تكره رجال الشرطة ولا تتق بهم

وهوا يريد استجوابها ومعرفة المزيد منها وأنا رفضت

حتى نقنعها بالتحدث معه "

تنهدت وقلت " خيرا صنعت فهي ناقمة عليهم حقا من

حديثها حين حكت لي عن قصتها "

ساد الصمت قليلا ثم كسرته قائلة " الفتاة معتادة على

حياة مرفهة وكل ما تريده تجده لذلك أفهمتها بطريقتي

أنك لن تستطيع توفير كل ما يلزم المطبخ "

نظر لي بضيق وقال " أمي ما هذا الذي فعلته

أنا لن أعجز عن توفير ما تحتاج "

قلت بهدوء " ولكنك توفر المال وهذا .... "

قاطعني باستياء " وإن يكن فليس من اللائق أن تخبريها

أني عاجز عن توفير ما ستحتاجه "

ابتسمت وقلت " آسفة بني كان قصدي خيرا "

وقف وقال " لا بأس أمي أنا هوا الآسف ولكن

ما كان عليك قول هذا لها "

ثم خرج من الغرفة , ويحي كيف نسيت أنه في النهاية رجل

ولا يحب أن يظهر عاجزا أمام امرأة عن توفير ما سيلزمها

*
*
دخلت المطبخ ووجدتها خلف باب الخزانة لا يظهر منها سوى

المنتصف من جسدها تقف على حافة الخزانة السفلية المفتوحة وترفع

نفسها على رؤوس أصابعها لتحضر شيئا من الخزانة العلوية

اقتربت منها وقلت " أنا سأنزل لك ما تريدينه "

ارتعدت حتى كادت تسقط وتمسكت بباب الخزانة السفلية

فأمسكتها من ذراعها وقلت " حاذري من أن تقعي يا سما "

ابتعدت عن الخزانة وعدلت من شعرها تخفي ما تناثر منه خلف

أذنها تنظر للأرض وقالت بشبه همس

" آسفة أردت جلب الصينية من الأعلى "

أنزلتها لها وقلت " الرفوف مرتفعة عليك سأجلب مع الأثاث

شيئا يساعدك في الصعود فلا تصعدي هكذا ثانيتا "

هزت رأسها بحسنا دون كلام فقلت مبتسما " يبدوا أنه لديك

مشكلة مع كلمة نعم ولا , ما رأيك أن تقوليها بالإنجليزية "

نظرت لي بصدمة فقلت بذات ابتسامتي " كلما سألت عن

شيء أومأتِ لي برأسك سلبا أو إيجابا "

ابتسمت وأنزلت رأسها وقالت بحياء " آسفة لم أقصد "

ضحكت وقلت " ولما تعتذري أردت فقط أن أمازحك

كي تعتادي على الحياة معنا هنا "

وضعت الصينية على الطاولة وقلت " سأجلب أثاث غرفتك

وما طلبته مني لأني تركته لأجلبهم معا , إن كنتي تحتاجين

لأي شيء في المطبخ اكتبيه في ورقة حسنا "

هزت رأسها بحسننا ثم ضحكت ضحكة صغيرة وقالت

" أعني حسننا سأكتب لك "

ضحكت وقلت " أخشى أن تتحولي لثرثارة بسببي , يمكنك

قولها كما تريدين كنت أمزح فقط "

هممت بالخروج حين استوقفني صوتها قائلة " أستاذ نزار "

التفت لها وقلت " وأستاذ هذه لم يعد لها لزوم حسنا "

أحمرت خداها وشتت نظرها وقالت " لا استطيع ... "

كم هي طفلة هذه الفتاة وكأنها لم تخرج للعالم بعد , قلت بابتسامة

" ستعتادين ذلك أنا لا أريد أن تناديني أستاذ اتفقنا "

قالت بهمس " سأحاول "

قلت " نعم يا سما ماذا كنتي تريدين قوله "

قالت بهدوء وعيناها في عيناي " هل فصلوا

وجدان أيضا من المدرسة "

لذت بالصمت للحظات ثم تنهدت وقلت " هذا ما حدث

أمامي لكن والدها أعادها "

نظرت للأرض وقالت بحزن " علمت أني

سأكون الخاسر الوحيد "

وضعت يدي على كتفها وقلت

" لا تقلقي يا سما لن يضيع من دراستك شيء كوني أكيدة "

رفعت رأسها لي وقالت بسرور " حقا لن تضيع دراستي "

هززت رأسي لها بنعم وقلت " أعدك لن يحدث ذلك "

ضحكت وقالت " ها أنت أيضا لم تقل نعم بل هززت رأسك "

حككت شعري وقلت ضاحكا " يبدوا أني أصبت بالعدوى منك "

ثم قلت خارجا من المطبخ " سأصعد لغرفتي قليلا

ثم أخرج للسوق فلا تنسي كتابة ما تريدين "

صعدت من فوري لغرفتي وفتحت الإنترنت مجددا أبحث

عن عائلتها الحقيقية وصعقت بأنها عائلة كبيرة ومعروفة في بيع

وتجارة قطع غيار الآلات الكبيرة كالمصانع والشاحنات وما إلى

ذلك, لديها ثلاث أعمام واحد مقيم في الخارج وآخران هنا أحدهم

الأكبر وهوا متوفى وأبنائه يديرون كل أعمالهم , رفعت هاتفي

واتصلت من فوري بجابر فأجاب بعد وقت فقلت مباشرة

" عائلة الفتاة معروفة وفاحشة الثراء "

قال " أعلم "

قلت " ما سر إخفاء والدها هويتهم يا ترى "

قال من فوره " في الهند كان أحمد عبد الله الجهري وهنا

أحمد عبد الله فقط وكأنه أخفى هويته مجددا والسبب مؤكد

أولئك العصابة لكن المخاوف أين يصل علمهم عن العائلة

فقد يكونوا يعلمون الاسم الحقيقي لهم ويبدوا يبحثون عن الفتاة

لسبب ما قد يكون مخاوف لديهم من أن يكون لديها أي معلومات

عنهم فحسب تحليلي للقضية المجموعة التي أرسلوها قتلت

الجميع ضنا أن الطفلة الهندية هي ابنتهم والأوامر كانت بقتل

الوالدين وابن والابنة ثم تبين لهم غير ذلك وعادوا للبحث عنها "

قلت بحيرة " ولما غيّر والدها حتى اسمه الأول ومن سنين

طويلة ومنقطع عن عائلته تماما "

قال بعد صمت " مشاكل شخصية بينهم لا يحق لي قولها لأحد "

قلت " وهل تصل به لتغيير اسمه !! غريب حقا أمره "

قال " أتركنا من هذا ودعني أقابل الفتاة سريعا "

قلت بضيق " جابر ما لدي قلته فلا تجعل الأمور تسوء بيني وبينك "

قال بحدة " علينا أن نعلم منها وعلينا حمايتها منهم تفهم "

قلت " عائلتها هي الكفيلة بذلك الآن مادمت وجدتهم "

قال من فوره " إياك أن تتهور يا نزار ستضعها في الخطر بعينه

تكتم عن كل ما علمت مني ولا تخبر حتى الفتاة مفهوم "

قلت بتوجس " ولما لا تعلم ولما ستكون في خطر "

قال بضيق " احتمال علمهم بهويتها الحقيقية كبير وهم يبحثون

عنها فأنت بهذا تقول لهم ها هي تعالوا خذوها "

تنهدت وقلت " والحل إذا "

قال " لا تفعل شيء حتى أراها حسنا "

قلت بهدوء " حسنا ولكن ليس الآن "

تأفف وقال " ليس الآن أمري لله ستسيرنا فتاة

صغيرة على مزاجها "

قلت ببرود " أخبرتك أني لن أجبرها على شيء

وأني سأساعدها للنهاية "

قال " ولا تلوم إلا نفسك إن عرضتها للخطر "

قلت " لا تقلق وداعا "

أنهيت الاتصال منه وفتحت الدرج وأخرجت كل ما كنت مقررا

صرفه لهذا الشهر , يبدوا أني لن أوفر شيئا هذه المرة لأن أثاث

الغرفة سيكلفني لا بأس هذا الشهر سألغيه من حساباتي , والدتي

تعيش شبه مقعدة من سنين تنتظر الابن الفاشل الذي يجمع ثمن

عمليتها ولم تجني سوى الأمل الكاذب , العملية كبيرة ومكلفة كثيرا

حتى لو أخذت المال من جابر لن أغطي كل تكاليف العلاج والسكن

والرحلة وأمي أيضا لا توافق أن آخذ المال منه , آه سامحيني يا

أمي لو بيدي شيء لفعلته , لو لم تخذلني رهام وتتركني في الماضي

لكنت سافرت ودرست وتخرجت منذ سنوات وأجريت لها العملية

منذ زمن ولم أنتهي هذه النهاية المأساوية .... مدرس يجمع القليل

من رواتبه على أمل أن يصبح ثريا ويجري لها العملية , تنهدت

بضيق ثم وقفت وغادرت الغرفة ونزلت للأسفل وكنت اسمع همسا

وضحكا من غرفة والدتي , جيد أنها تقبلت سما وأحبتها من أول

يوم , أعرف أمي قلبها طيب ولا يمكنها الحقد على أحد, وها

هي وجدت من يؤنس وحدتها وتتسلى معه , وقفت عند

الباب وقلت " سأخرج هل توصيان شيئا "

قالت أمي بابتسامة " سلامتك بني وأعتني بنفسك "

بينما لاذت سما بالصمت تنظر للأرض , هذه الفتاة تشعرني أنني

أضايقها ولا تأخذ راحتها وكل ما أخشاه أن أطر لسجن نفسي في

غرفتي من أجلها , قلت بهدوء " سما هل كتبتي ما تحتاجينه "

رفعت نظرها لي وقالت " كل شيء موجود لم أجد شيئا ناقصا "

مؤكد كلام والدتي معها هوا السبب فمنذ قليل قالت أنها ستكتب

ما تحتاجه , قلت " ولكن العيد سيكون بعد يومين قد لا أخرج

قبله لأن الأسواق تكون مزدحمة وأنا أكره الازدحام فيها "

قالت ونظرها لوالدتي " هل تستقبلون ضيوفا كثر "

قالت أمي " ليس كثيرا ولكن عدد لا بأس به "

نظرت لي وقالت " إذا أنا من سيعد كعك العيد

كل شيء متوفر ولا ينقص شيء "

قلت " والعصير والقهوة "

قالت " سأعد العصير أيضا بالفواكه الموجودة

أحتاج فقط لثمرة أناناس واحدة "

قلت مغادرا " حسنا "

أوقفني صوت والدتي قائلة " نزار ما ستفعل بشأن الأضحية هذا العام "

التفت لها وقلت " سنتشارك والجيران ككل عام "

قالت بابتسامة " أجعل جزءً مما تتصدق به من أجل عائلة سما "

هززت رأسي بحسناً مبادلا لها لابتسامة وخرجت وركبت

سيارتي وتوجهت لسوق كبير لبيع الأثاث , لففت المكان كثيرا

ولم أجد السعر المناسب لأشتريهم معا , تلك مشكلة فأنا لا أريد

أخذ شيء من المال الذي أوفره , توجهت للقسم المخصص

بالأثاث المستعمل فهوا حلي الوحيد كي أشتري كل ما

سيلزم غرفتها وأوفر مصروفا لباقي الشهر

تجولت فيه واخترت سريراً وخزانة صغيرة ومكتب للدراسة

هذا يكفي مؤقتا وسأكمل البقية الشهر القادم فقد تطول قضيتها

وتبقى معنا مدة طويلة , تعاقدت معهم لإيصاله للمنزل وعدت

قبلهم لإدخاله بعدما اشتريت باقي ما طلبته مني , من الجيد

أنها وفرت علي ثمن العصير وحلويات العيد فالأسعار

هذا الوقت تكون مرتفعة جداً

وصلت المنزل وتقابلت ودعاء بالمقربة من الباب فقالت مبتسمة

ما أن رأتني " مساء الخير كنت عند صديقة لي هنا وقررت

زيارة والدتك لأطمأن على صحتها الآن وإن كانت

تحتاج شيئا في المنزل من أجل العيد "

وضعت الأكياس على الأرض وقلت وأنا أفتح الباب

" شكرا لك وجدنا حلا مؤقتا لكل مشاكلنا العالقة "

رفعت هي الأكياس من الأرض ونظرت لي باستغراب وعلى

شفتيها سؤال لكني دخلت قبلها قائلا " سترتاحين منا مؤقتا "

ودخلت ضاحكا وهي تتبعني على خروج سما من المطبخ

*
*
شعرت قلبي هوى للأرض من سماع جملته وأول ما فكرت فيه

أنه تزوج وقد حذف دماغي كلمة مؤقتا من الجملة التي قالها

واكتملت صدمتي على الفتاة التي خرجت لنا من المطبخ ترتدي مريولا

فوق ثيابها بملامح طفولية جدا وجميلة وعينان زرقاء واسعة , نظرت لي

بحيرة ثم للأكياس التي في يدي فقلت من فوري لأفهم ما يجري

" نزار لم تخبرني أنك تقصد أنكم أحضرتم خادمة "

تغير وجه الفتاة وتوقفت أنفاسها فنظرت له مباشرة فكان ينظر لي

باستياء واضح أما الفتاة فركضت مسرعة عائدة للمطبخ

فقلت بتوتر " آسفة هل أخطأت في شيء "

قال بضيق " تعلمي أني لا أحب الخادمات ثم أنا أخبرتك أن

قريبة لي ستأتي إلينا , أي إهانة هذه التي وجهتها لها "

ثم توجه من فوره خلفها للمطبخ وتركني واقفة مصدومة من كلماته

وطريقته في التحدث معي فلأول مرة يكلمني هكذا فهوا كان مهذبا

معي دائما كما الجميع , لو لم أكن أعرف نزار جيدا وأنه لا يرى

الفتيات الصغيرات مثلها أكثر من كونهن مراهقات لقلت أن ثمة شيء

بينهما , دخلت خلفه للمطبخ , كانت الفتاة تقف عند المغسلة تمسح

دموعها وهوا يقف بجانبها مستندا بيده على المغسلة ويقول بهدوء

" دعاء فهمت الأمر خطأ فأنا لم أخبرها أنك

معنا .... توقفي عن البكاء يا سما "

سما ... اسمها غريب ومميز مثلها , جيد أنها صغيرة لكانت

منافسا وندا قويا لن أقدر عليه , حمحمت قليلا وقلت

" أنا آسفة يا سما لم أقصد "

وضع نزار يده على كتفها وقال بابتسامة

" وها هي اعتذرت منك هل ننسى كل ما حدث "

هزت رأسها بنعم دون كلام ودون أن ترفع رأسها , غريب من

تكون يا ترى هذه التي يلمسها بيده فأنا أعرفه من أعوام معرفة

جيدة لم يسبق أن اقتربت يده مني ولا بالخطأ , هوا بالفعل يعاملها

كطفلة وليس كامرأة لَما كان تركها تبقى دون حجاب معهم

نظر لي ثم لها ثم قال مغادرا " ابقيا في غرفة والدتي

فالعمال سيأخذون الأثاث للأعلى "

ثم خرج فوضعت الأكياس على الطاولة وخرجت في صمت

متوجهة لغرفة والدته ودخلت ملقية الحية بابتسامة فقالت بترحاب

" مرحبا بك يا دعاء ما هذه الزيارة المفاجأة "

اقتربت منها وقلت بابتسامة " كنت عند ماجدة وفكرت في

زيارتك في طريقي لأرى إن كنتي تحتاجين شيئا قبل العيد "

قالت بابتسامة ناظرة للداخلة من الباب " سما ستقوم

بالواجب وزيادة شكرا لك يا دعاء دائما ما نتعبك معنا "

قلت بابتسامة " لا تقولي هذا يا خالة أنتي في مقام والدتي "

توجهت الفتاة من فورها لسرير الخالة وجلست بجوارها عليه

وقالت الخالة " سما قريبة زوجي رحمه الله من والدته وهي فقدت

عائلتها في حادث وستبقى معنا حتى تذهب مع عائلة والدها "

قلت بابتسامة " سرني التعرف عليك يا سما "

اكتفت بابتسامة دون رد فتبدوا قليلة الكلام وقالت الخالة

" تذوقي كعك سما يا دعاء طعمه طيب وسيعجبك "

تحركت الفتاة سريعا وأخذت قطعة في طبق وقدمتها لي مع

الشوكة فشكرتها وأكلت منها قطعة صغيرة فكانت رائعة الطعم

بالفعل ويعجز مقاومتها لكن غصت نفسي من فكرة أن هذه الفتاة

قد تحوز على اهتمام نزار رغم فارق السن الكبير بينهما

أعدت الطبق على الطاولة فقالت الخالة " مآبك يا دعاء ألم تعجبك "

قلت بابتسامة صغيرة " أبدا هي رائعة , فقط أنا لا أحب الحلويات كثيرا "

فتح عندها نزار باب الغرفة وقال

" سما تعالي لتختاري أين أضع لك السرير والخزانة "

قالت بصوت منخفض " هل غادر الجميع "

قال مغادرا " نعم أنا من سيحركها , فقط اختاري المكان "

وغادرت من فورها خلفه وأنا كالعادة لم ينظر ناحيتي

وكأني لست موجودة في الغرفة

وقفت من فوري فقالت والدته " ما بك يا دعاء لازال الوقت مبكرا "

قلت بهدوء " اقترب وقت المغيب وورائي أعمال كثيرة فقد أكون

مناوبة يوم عرفة أو العيد , عِمتي مساءً يا خالة وكل عام وأنتي بخير مقدما "

قالت بابتسامة حنونة " وأنتي بخير يا ابنتي ولا تنسي تبلغي سلامي

وتهنئتي لوالدتك وشقيقتيك وزورينا لو لم تناوبي في المستشفى "

قلت مغادرة الغرفة " بالتأكيد ... وداعا "

غادرت منزلهم وركبت سيارتي وعدت لمنزلي ودخلت على صوت

تذمر شقيقتي فقلت بضجر " هيام متى تتوقفين عن التذمر كالأطفال "

قالت باستياء " لما أنا المنحوسة بين الجميع , امتحان في ثالث

أيام العيد لا وفي الهندسة التحليلية ولمن للأستاذ نزار , اسمعي

أخرجوني من المدرسة الخاصة أريد الحكومية أفضل "

قلت وأنا أنزع حجابي " ومن هذا النزار أيضا , متى

ستحبين أستاذ واحد من أساتذتك "

تأففت وقالت " لا أعلم من أين أحضروه لنا لا يعرف حتى

الابتسامة وازداد معنا سوءً من يوم طرد المدير سما

وأرجع وجدان وكأننا من طرد طالبته النابغة "

قلت بصدمة " ما هوا اسمه كاملا !! "

قالت مغادرة بضيق " نزار وجدي الأحمدي "

ماذا !!! نزار وسما طالبته ومطرودة من المدرسة أيضا

لم يخبروني بهذا

************************************************** **

نزلت بفستانها الطويل وقالت بابتسامة جميلة

" الأميرة بيسان "

ابتسمت ابتسامة صغيرة , إذا هذه ابنة جابر الكبرى

قالت بذات ابتسامتها " وما أسمك أنتي "

قلت بهدوء " زهور "

قالت بسرور " أنتي عمتي زهور "

قلت باستغراب " نعم أنا هي "

ضمت يداها الصغيرتان لصدرها وقالت بسعادة

" كم أنتي جميلة عمتي "

ابتسمت ابتسامة حزينة وقلت " وأنتي جميلة وحين

تكبرين ستصبحين مثلي تماما "

قالت بدهشة " حقا سأصبح مثلك هكذا وأرتدي فستانا

حريريا طويلا مثلك "

اقترب حينها صوت أحدهم يناديها فقلت عائدة جهة غرفتي

" نعم ستصبحين مثلي لأني كنت مثلك في صغري "

ثم دخلت غرفتي وأغلقتها خلفي وعدت لعالمي الوحيد الذي

يحويني ويحتملني , ما كان عليهم جلبكم هنا لأن هذا المكان

لا يفعل للأطفال سوى أنه يقتل طفولتهم وحتى من سيحاول إخراجهم

منه سيؤذيهم أكثر مما سينفعهم لأن البشر هكذا متشابهون

*
*
فتحت باب الغرفة لأرى سبب كل هذا الصراخ والضحك واتكأت

على حافة الباب انظر لأمجد وهوا يحمل بيسان على ظهره ويحبوا

بها وترف تصفق منتظرة دورها فقلت بحدة " بيسان انزلي حالا "

نظرت لي بصدمة وقد عم الصمت المكان ثم نزلت وجلس

امجد فقلت بضيق " أمجد ما هذا الذي تفعله ؟ هل تريد كسر ظهرك "

نظرت بعدها جهة المربية وقلت بحدة " وأنتي تتفرجين عليهم هل

تعلمي خطورة هذا على صحته وأنه في المستقبل سيكون

رجلا وسيدفع ثمن هذا العبث "

قالت بتوتر " لم أعلم أنه .... "

قلت بغضب " ماذا تعلمين إذا "

ثم نظرت لهم وقلت بذات الغضب " من علمكم هذه اللعبة السيئة "

قالت بيسان بصوت منخفض " عمي معتصم "

تأففت وقلت " معتصم معتصم كل شيء أصبحتم تتعلمونه منه

ووالدتي ستأكل لي رأسي منكم ومنه , هل كنتم تفعلون هذا سابقا "

هزوا رؤوسهم بلا فقلت بضيق " إذا والدتكم لم تكن توافق فعل هذا "

قالت بيسان " نعم كانت تقول هذا لعب سيئ ولا تسمح لنا به "

قالت ترف " بابا أمجد ضربني "

قلت بضيق " ولما هذه المرة "

قالت بدمعة محبوسة " قال لي أنتي سيئة وبابا يغضب منك دائما

والمربية لا تحبك وماما غاضبة منك "

نظرت له بضيق فقال " هي تفعل أمور سيئة وأخبرتها أنكم

ستغضبون منها فقالت أني فاشل وسأرسب هذا العالم "

ثم رمى يده في الهواء وقال ببرود " فضربتها "

قلت بضيق " كنت أخبرتني بدلا عن ضربها "

قالت بيسان بهدوء " هل سنرى ماما في العيد "

أسوء ما في الأطفال أنهم يغيرون المواضيع في لحظة وكأنهم

لا يكترثون لما تقول ويتجاهلونك , قلت ببرود

" أخبرتها وقالت لن تأتي لا تريد القدوم إليكم "

ثم غادرت على نظراتهم المصدومة , ما كان عليا قول هذا لهم ولكني

ذقت ذرعا بهذا الحال , أمي وانتقادها لهم ولقراري الزواج بأرجوان

وهم ومشاكلهم التي لا تنتهي وأرجوان وعنادها وغبائها , معتصم

والغرفة التي يخفي أمرها عني هذا غير مشاكل المكتب والتحقيق

أشعر أن رأسي سينفجر , دخلت جناحي وتوجهت لغرفتي فتحت

ربطة العنق ورميتها بعيدا رميت السترة وفتحت جهازي الحاسوب

وجلست أعمل عليه لوقت حتى رن هاتفي ونظرت للمتصل

باستغراب ثم فتحت الخط وقلت " مرحبا رضا كيف أنت "

قال من فوره " بخير كيف حالك يا جابر أين أنت لا أجدك في أي

مكان ولم أستطع حتى اصطيادك في القصر "

ضحكت وقلت " أبعد عني الشِباك وبنادق الصيد رجاءً , لم

أكن اعلم أنك هنا , متى عدت "

قال بصوت مبتسم " منذ أيام وأنا عند عمك منصور لكنك منقطع

عن العائلة بسبب عملك الذي سيقتلك في النهاية "

قلت بابتسامة " لم أجد موهبة الكتابة مثلك لكنت وجدت لنفسي مخرجاً "

قال بعد ضحكة " كنت ستلقى مصير معتصم ولن ترضى

والدتك أن تدرس في كلية الآداب "

قلت ببرود " وما كنت سأتصرف بغباء مثله طبعا "

قال " أريدك في أمر فكيف أجدك "

ضحكت وقلت " قل متى أجدك وليس كيف "

ضحك وقال " بل أنت لا يُعرف لك مكان وليس وقت "

قلت ونظري على الحاسوب " أنا في القصر الآن سأطلب من

الخادمة أن تدخلك لجناحي "

قال بعد صمت " لما لا تنزل لي قد يتضايق أحد من دخولي "

قلت " لن يتضايق أحد والدتي عند صديقة لها وزهور في غرفتها

ثم أنت ربِيت مع العائلة من سيعترض دخولك هيا ولا تكبر

المسألة أم تراني طفلا أمامك ولا كلمة لي في هذا المكان "

قال من فوره " أبدا لم أقصد ذلك فقط أنا .... "

قاطعته قائلا " سأخبر الخادمة لتوصلك لجناحي وانتهى الأمر "

قال بهدوء " حسنا سأصل القصر بعد لحظات "

*
*
جابر سيزيد توتري بأن أفتح معه الموضوع عنده , أعرف الرد

جيدا ولن تكون هذه الأولى فلم أرجع من سفري إلا لشيء واحد

أن تكون زهور لي أو أهاجر للأبد هذه المرة

وصلت القصر ووجدت الخادمة في انتظاري عند الباب فقلت

" مرحبا أنا رضا "

قالت من فورها مشيرة بيدها للداخل " نعم تفضل السيد بانتظارك "

دخلت أتبعها ببطء , لم أدخل هذا القصر منذ سنوات ومازال كما كان

هم يحافظون عليه كما بناه والدهم تماما , صعدت بي الخادمة للأعلى

لا أكذب لو قلت أني تمنيت مقابلتها ولو بالمصادفة رغم علمي أنها

لا تغادر غرفتها أبدا , وصلنا الجناح فوقفت الخادمة وقالت

" هنا جناح السيد يمكنك الدخول "

ثم غادرت من فورها وطرقت أنا على الباب عدة طرقات وفتحته

ثم دخلت كانت الردهة فارغة تماما ولا أحد بها , أغلقت الباب

واقتربت للداخل وكان صوت المياه يخرج من جهة الحمام الفردي

لابد وأنه يستحم , جلست على الأريكة وشغلت التلفاز , بعد قليل

انفتح باب الحمام وخرج منه يلف المنشفة على خصره فقلت بضحكة

" من قال لك أن إحدى النساء هي من ستزورك الآن لتغريها بعضلاتك "

ضحك واقترب مني فوقفت وتصافحنا وقال ضاحكا

" العضلات لا تغري يا وقح هي تخيف فقط "

جلست وقلت بابتسامة " غبي ولا تعرف عن عالم النساء

شيئا فهلا سألت نفسك لما ننام جميعنا في أندية الرياضة

ونربي ولو عضلة صغيرة "

ضحك وقال وهوا يجفف شعره بالمنشفة الأخرى

" ظننتكم تبحثون عن الصحة لا التباهي أمام النساء "

ثم توجه لغرفته وأغلق الباب خلفه وغاب لوقت قليل ثم خرج

مرتديا ملابس عمله فقلت " يبدوا جئت في وقت غير مناسب "

فتح الثلاجة الصغيرة في الزاوية وقال " أبدا أمامي وقت

كافي , ماذا تشرب "

قلت ونظري على التلفاز " لا شيء دعنا نتحدث قليلا فقط "

جلس بجواري وقال وهوا يأخذ مني جهاز التحكم

" ألازلت كعادتك مدمن للبرامج الوثائقية "

وضعت ساق على الأخرى وقلت بضحكة " وما الذي سيغيرني "

قال بابتسامة " ضننت الحياة في الخارج ستغيرك "

تنهدت وقلت " الحياة في الخارج لا تغير هي تحطم فقط "

نظر لي باستغراب فقلت بابتسامة " لا تفهم قصدي كما يحلو لك

أقصد تحطم النفسية فالغربة عن الوطن والأهل أمر صعب ومدمر "

قال وقد عاد بنظره للتلفاز " وما أطرك لهذا إذا "

قلت بهدوء " هروب من مرارة لأمر منها "

قال بضيق " أترك عنك حركات الأدباء وأخبرني

ماذا تريد قبل أن أطردك "

ضحكت وقلت " ستكون طردة مقبولة منك وأستحقها , كنت

أود التحدث معك في موضوع شقيقتك زهور "

قال ونظره لم يغادر التلفاز " مجددا يا رضا "

نظرت للأرض وقلت بشبه همس " لم يغب الأمر عن بالي يوما يا جابر "

تنهد وقال " هذه المرة لن تقف والدتي فيه ... أعدك "

نظرت له بصدمة فقال بهدوء " في المرة السابقة طاوعتها وتركتها

تختار هي من تريد من العدد الكبير الذي تقدم لخطبة زهور وكانت

النتيجة مؤسفة , هذه المرة زهور وحدها من ستقرر "

بقيت أنظر له غير مصدق فنظر لي وقال " لكن لن أضمن لك موافقة

زهور فحالتها منذ زواجها الفاشل ذاك لا تسر أحدا وعليك أن تعلم "

غادرت بنظري منه للتلفاز وقلت بهدوء

" أعلم كل شيء ولا أمانع , فقط لتوافق هي أولا "

ضحك وقال " سحقا للحب وأفعاله "

نظرت له وقلت بضيق " جابر احترم نفسك أفضل لك "

ضحك وأشار لي بأصابعه كشكل سلاح وقال " تصمت أو قتلتك "

ضحكت وقلت " أراني الله فيك يوما وقد دمرك عشق امرأة "

وقف وقال وهوا يثبت سلاحه في الحزام

" إن فقدت عقلي وفعلتها سأستحق ما يأتيني حينها , عشق النساء

لكم أنتم معشر الكلام والغرام نحن لا نفع منا سوى لإنجاب الأولاد "

وقفت وقلت ضاحكا " لا تتزوج أبدا رجاء "

لكمني على عضلة صدري بقبضته وقال " بل يبدوا أني سأفعلها قريبا "

ضحكت كثيرا ثم قلت " وأين كلامك السابق "

رفع قبعته وقال " للضرورة أحكام وأخبرتك أني لست

للنساء ومقتنع تماما بذلك "

ثم قال مغادرا " سأتحدث مع زهور في الأمر وسنلتقي

يوم العيد ونتحدث حسنا "

ثم خرج وتركني دون حتى أن يسمع ردي , أغلقت التلفاز

وخرجت من الجناح وأغلقت الباب , أعلم أن زهور لن توافق

لكن لا بأس المهم والدتها ابتعدت عن الموضوع , سلكت الممر

حتى نهايته ولمحت في الممر الآخر شيء شد انتباهي وجعلني

أقف متسمرا لوقت ثم غيرت وجهتي وعبرت ذاك الممر وكان

ما رأيته حقيقة فعلا ... زهور بل ليست زهور هي طفلة كزهور

لا بل زهور حين كانت طفلة , آه هل وصل بك الجنون هذا

الحد يا رضا بقيَت الطفلة تنظر لي باستغراب لوقت مختبئة

خلف الباب ثم ابتسمت ولوحت لي بيدها فمددت يدي

وقلت " تعالي "

هزت رأسها بلا دون كلام فقلت بابتسامة

" أنا صديق جابر لا تخافي مني لن أؤذيك "

خرجت من خلف الباب واقتربت مني ببطء حتى وصلت عندي

فنزلت لها للأرض وأمسكت ذراعاها وقلت

" من أنتي أيتها الجميلة "

قالت بابتسامة " بيسان "

هي ابنة جابر إذا لهذا تشبه زهور بل هي نسخة عنها في

صغرها يآآآآآه لو تعلمي يا صغيرة أنك عدتِ بي سنين كثيرة للوراء

ضممتها لصدري بقوة وكأني أحضن تلك الطفلة التي رحلت مع السنين

وكأني أضم الماضي والحلم الذي ضاع مع الريح , طوقتها بذراعاي

أشدها لحضني بقوة أستنشق رائحة الفراولة من خصلات شعرها الذهبية

حتى الرائحة ذاتها الصوت الابتسامة الجسد كل شيء ... كل شيء

كنت احضنها وأتنفس عطر شعرها بخدر كالمدمنين حتى

قالت بهمس مخنوق " أنت تخنقني "

أبعدتها عن حضني وأمسكت وجهها وقلت " هل تحبين الطيور يا بيسان "

قالت بسرور وهي تجمع كفاها معا " نعم كان لدينا عصفورا صغيرا

أحبه جدا أحضرته ماما لي ولكن ترف حممته بالماء والصابون

فمات وبكيت عليه كثيرا ثم دفناه نحن وماما "

قلت بابتسامة حزينة " وتحبين الحلوى وتسرقينها

لتأكليها لأنها ممنوعة عنك "

قالت بعد ضحكة " كيف علمت "

مسحت على خدها بظهر أصابعي وقلت بابتسامة

حزينة " نعم تشبهينها في كل شيء "

قالت باستغراب " من هي !! "

قلت وأنا ألعب بخصلات شعرها بين أصابع يدي

" حبيبتي وأميرتي التي تسكن وحدها في قلبي "

نظرت لي مطولا بحيرة ثم قالت " لم أفهم "

وقفت وقلت بابتسامة " هذا أفضل ... وداعا الآن يا بيسان "

هممت بالمغادرة حين قالت " وما أسمك أنت "

قلت مغادرا " رضا "

*
*
غادرت القصر والمدينة لمكتبي فورا , هذه المرة الجريمة ليست

في المصنع لكن ذات الحلقة المفقودة صلة المقتول بالمصانع والهند

أيضا في الحكاية , سيكون عليا المغادرة لتلك المدينة لأتابع القضية

دخلت المكتب لأجمع بعض الأوراق ورفعت الهاتف وقلت

" من غادر من الفريق إلى هناك "

قال من فوره " لا أحد لم تصلنا الأوامر منك "

قلت " إذا انتقلوا للمكان فورا الطريق طويل وسيأخذ

وقتا , هل نقلو الجثة لمعمل التشريح "

قال من فوره " نعم سيدي "

أغلقت الخط منه على طرقات على الباب ثم دخل من كان

خلفه ضرب التحية فقلت " ماذا حدث معك "

نظر للأوراق في يده وقال " خرجت من منزلها عند السابعة

وبحثت عن عمل , تجولت في خمس محال لبيع الملابس مدونة

عندي جميعها , وسوق لبيع الخضار ومجمع للتسوق ثم

عادت لمنزلها عند الظهيرة وعند الخامسة خرجت وزارت

المدعوة سوسن , لم تدخل بل تحدثتا معا قليلا عند الباب ثم

عادت للمنزل وعند السابعة والنصف زارتها الجارة التي

تقطن في المنزل الثالث يمين منزلها وأسمها أحلام النصري

متزوجة ولديها ثلاث أطفال بقيت عندها حتى التاسعة

وغادرت من عندها وهذا كل شيء "

غادرت من أمامه في صمت فقال وهوا يستدير لوجهتي

" هل نقوم بالخطوة الثانية سيدي "

قلت مغادرا المكتب " لا ليس الآن "

غادرت بعدها المكتب والمدينة ولم ارجع إلا منتصف الليل

ودخلت القصر منهكا حد الانهيار ولكن عليا مقابلتها الآن فالعيد

بعد الغد وقد لا أجد غدا الوقت المناسب , توجهت لغرفتها دون حتى

أن أغير ملابسي طرقت باب الجناح ولا مجيب فتحت الباب ودخلت

ولم يكن هناك احد توجهت جهة الغرفة وطرقت الباب عدة طرقات

فوصلني صوتها قائلة " تفضل "

فتحت الباب ببطء وكانت تجلس على حاسوبها , نظرت لي

بصدمة وحيرة فقلت بهدوء " هل نتحدث قليلا يا زهور "

بقيت لوقت تنظر لي دون أي رد فعل ثم أومأت برأسها موافقة

فدخلت وأغلقت الباب وجلست على الكرسي الأقرب لها , لن افتح

معها موضوع عزلتها طبعا لأني أعرف النتيجة , قلت بعد صمت

" أحدهم تقدم لخطبتك وأنا جئتك مباشرة والرأي لك وحدك "

نظرت لي بحيرة ثم قالت " ولم تخبر والدتي !! "

هززت رأسي بلا فقالت باختصار " ولما "

قلت وقد شردت بنظري بعيدا عنها " لن يتدخل أحد في هذا

الأمر من اليوم وصاعدا والقرار لك وحدك يا زهور "

قالت مباشرة " وهل تعلم كم سيغضبها هذا "

غريب أن زهور تأخذ وتعطي معي في الكلام على غير

عادتها مؤخرا حين تختصر اللقاء بصمتها التام مهما قلت

لتفهم أنه عليك المغادرة وتركها وحدها

تنفست بقوة وقلت " أمور الزواج في هذا القصر ستخرج

من روتينها الفاسد فجميع اختياراتها باءت

بالفشل سواء أنتي أو أنا "

لاذت بالصمت فقلت " مؤكد أنك تعلمي أنه خطبك أكثر من

شخص بعد طلاقك وأمي رفضت الجميع أليس كذلك "

نظرت جهة الحاسوب وقالت بهمس " نعم "

ضغطت على عيناي محاولا تبديد بعض الإرهاق منهما

ثم قلت " ما رأيك أنتي الآن "

نظرت لأصابعها وقالت " من الخاطب "

قلت بهدوء " رضا شقيق أميرة "

بقيت تنظر لشاشة حاسوبها دون كلام لوقت فقلت " هوا شاب

جيد خطبك في السابق مرارا لكن والدتي رفضت وهوا عاد

الآن من سفره وفاتحني في الموضوع صباح اليوم "

بقيت على حالها وصمتها فقلت

" أنا أخبرته أني سأعطيه رأيك يوم العيد "

والحال كما هوا عليه الصمت التام فوقفت وقلت

" خدي وقتك في التفكير يا زهور وسأؤجل حديثي معه

لبعد العيد وأعطني رأيك متى أردت ذلك "

ثم غادرت غرفتها وجناحها وتوجهت لجناحي استحممت

ولبست ثياب النوم وللسرير مباشرة ونمت من فوري

*
*
كنت أرى خمس خراف يقفزون حولي وأنا أنظر لهم بسرور

حتى قفز عليا واحد منهم وأمسكني من عنقي ثم بدأ يقول بتذمر

" بتول استيقظي بسرعة ما كل هذا الكسل عليك مساعدتي "

قلت بهمهمة " أممممم أمي اتركيني "

وصلني صوتها الغاضب " أنهضي بسرعة الأعمال كثيرة وسيأتي

والدك بعد قليل من المسجد ليغادر مع جابر ومعتصم وخالك لذبح الأضاحي

وأنتي كالبانده لا تعرفين سوى النوم , انهضي لتعيدي عليهم "

وضعت الوسادة على رأسي وقلت " اتركيني أنام قليلا لقد كسرتِ

لي ظهري البارحة بالأعمال , أمي الرحمة أرجوك الرحمة "

سحبت مني الوسادة وقالت " انهضي بسرعة وغيري ثيابك لنجهز

الحلويات والعصائر لأنهم سيأتون بعد قليل , بسرعة هم

يعرفون أنك كسولة لا داعي لأن يرو بأنفسهم "

جلست وقلت باستياء " كسولة كسولة ولا أنفع لشيء حفظتها

أمي استبدليها بغيرها من أجل الروتين فقط "

بقيت واضعة يديها وسط جسدها تنظر لي بضيق فقلت وأنا أعد

على أصابعي " عليا أن أحمم مصعب وعدي وألبسهما ملابس العيد وأن

أجهز الحلويات وأعطر المجلس وأن أغير ثيابي وأعيّد عليهم

حاضر أمي ولكن الأخيرة امسحيها من القائمة لأني لن أصافح

يد ذاك المتعجرف ولن يسمع مني تهنئة بالعيد "

قالت بحدة " رغما عنك ستعيدين عليه هل تريدي إحراج والدك أمامهم "

غادرت السرير وأنا أتمتم بضيق " كم أتمنى أن تنكسر ساقه ولا يأتي إلينا "

نزلت للأسفل ووجدت مصعب يلعب بوسائد الأرائك كعادته فضربته

طبعا كعادتي وسحبته من يده لغرفتهم حممته وألبسته ثيابه على صوت

توعده لي أن يخبر أمي أنني أضربه , نظرت للخلف وقلت

" عمر لما لم تغير ثيابك حتى الآن "

قال بلامبالاة " قلت من البداية أني لا أريدها ولن البسها "

وقفت واضعة يداي وسط جسدي وقلت " تعلم أن والدي سيغضب

منك ومعه حق في أن لا تشتري ثياب الشحاذين تلك "

قال بضيق " ليست ملابس شحاذين أنا أحب ذاك اللاعب فما المانع أن

أرتدي ثياب فيها صورته الجميع يلبسها "

أوقفت مصعب أعدل له قميصه وقلت ببرود

" تحمل النتائج إذا ولا دخل لي فأنت لست من ضمن لائحة أعمالي اليوم "

غادرت بعدها من الغرفة وأنهيت باقي أعمالي وغيرت ثيابي ولبست

حجابي وما هي إلا لحظات ودخل والدي وخالي وابني عمي

قبلت رأس والدي وهناته فقال ماسحا على رأسي

" وأنتي بخير يا بتول يحفظك الله يا ابنتي "

قبلت يده وقلت " ويحفظك لي دائما فوحدك تحبني "

عيدت بعدها على خالي رضا كما أحب حين كنت صغيرة بأن

حضنته وقبلت كتفه فضحك وقال

" وأنتي بخير يا بتول أراني الله لك عروسا "

مددت شفتاي مستاءة وقلت " ما بك كالعجائز هكذا "

ضحكوا وقال جابر " أمازلت كما في صغرك تكرهين هذه الدعوة "

قلت ببرود " نعم لقد كرهت الرجال بالضعفين أيضا "

ثم مددت يدي له وصافحته قائلة " كل عام وأنت بخير "

قال بابتسامة " وأنتي بخير يا بتول "

ثم مددت يدي جهة معتصم فمد يده وعايدته بتمتمة وسحبت يدي منه

بسرعة لكنه امسكها بقوة وقال " لم أسمعك أعيدي "

قلت بضيق " كل عام وأنت بخير يا معتصم "

ترك يدي وقال بابتسامة جانبية " جيد ظننتك دعيتي علي "

قلت باستغراب مصطنع " أبداً ... أنا أدعوا عليك "

قال بابتسامة جانبية " أقسمي أنك لا تدعين علي دائماً "

ضحك خالي رضا وقال " زوجوهما لبعضهما علهما يرحمان بعض "

نظرت له بصدمة وضحكوا جميعهم والسيد معتصم أول الضاحكين طبعاً

فغادرت قائلة " أنا لن أتزوج أبدا أبحثوا له عن زوجة غيري تعجبه وليست علكة "

وتركتهم ووالدتي وخرجت , لا أعلم لما خالي رضا يحب فتح هذا الموضوع

السيئ ويضعني في مثل هذا الموقف المحرج أمامهم
*
*
ما أسوء صباح هذا العيد لا ضحكاتهم ولا أصواتهم ولا ملابسهم

في كل مكان , وحدة ... لا شيء حولي سوى الفراغ حتى كلمة كل

عام وأنتي بخير ماما حرمت منها وضاعت كما الكثير غيرها

وآخرهم وضيفتي التي لم أجد بديلا لها مهما بحثت , منذ أن دخل

ذاك الرجل حياتي حولها لكابوس مخيف بل لسلسلة من الكوابيس

أقسم أني أحب الأطفال وأريدهم لكن ليس زوجة لذاك ولا زوجة

ابن لوالدته تلك , مسحت بقايا دموعي وتنهدت بحزن ووقفت

ودخلت المطبخ أجهز أي شيء أتسلى به بعدما أمضيت اغلب

الصباح نائمة هربا من هذه الوحدة

ترى كيف قضوا اليوم , من اهتم بهم وحممهم وألبسهم ثيابهم

أم المربيات كالعادة مؤكد هم ومن غيرهم مثلا تلك الصخرى العظمى

أم ابنها الصخرة الصغرى , خرجت من المطبخ دون أن أفعل شيء فيه

وتوجهت نحو السلالم لأصعد لغرفتي فسمعت خطوات كثيرة تركض

خلفي وأصواتهم ينادونني بماما , خفت أن ألتفت وأجده حلم صوره

لي عقلي فالتفت ببطء وشهقت من الصدمة وأنا أراهم أمامي ثلاثتهم

فنزلت للأرض على ركبتاي وفتحت ذراعاي لهم وضممتهم لحضني

ثم حضنتهم وقبلتهم واحدا واحدا وكأني في حلم تحول لحقيقة

ما أقساه من شعور شعور الفقد وما أجمله حين يختفي في لحظة

انتبهت من غمرة احتضاني وتقبيلي لهم للساقان الواقفتان بالمقربة

منا فوقفت ومسحت دموعي وقلت ونظري للأرض

" آسفة لم أنتبه أنك دخلت معهم كل عام وأنت بخير وشكرا

لإحضارهم لي هذه كانت أجمل مفاجأة اليوم "

عليا أن أتصرف كما قالت سوسن فقد يصبح أبعده الله عني

زوجي بالفعل وأكون بنيت المشاكل بيننا منذ الآن

قال بجدية " وأنتي بخير , سأتركهم معك لدي أعمال كثيرة

في مكتبي وسأمر بهم عند العصر "

قلت بامتنان " شكرا لك وكن مطمئنا عليهم "

قال مغادرا " أعلم أنهم في أيدي أمينة لما كنت أحضرتهم "

قلت موقفة إياه " سيد جابر "

وقف والتفت لي فقلت " هل يمكنني أخذهم لصديقتي وطفليها

ككل عام وأخرجهم معنا للحديقة "

قال مغادرا من جديد " لا باس , لا تتعبوا والدتكم مفهوم "

قالوا معا " مفهوم بابا "

وخرج من المنزل وأغلقه , طبعا لا حسيب ولا رقيب عليه يدخل

ويخرج كيفما يريد ووقت ما يشاء

عدت لاحتضانهم مجددا غير مصدقة لما أراه أمامي حمدا لله الذي

أبدل هذا اليوم المليء بالبؤس في لحظة لسعادة وسرور

دخلت بهم للمطبخ وهم يتحدثون عن كل شي وأنا أستمع لهم بحب

أجلست ترف على الكرسي فقالت بحيرة

" ماما بابا رأى شعرك !! "

وضعت يدي على شعري وتذكرت حينها فقط أني كنت بلا حجاب

لكن اللوم ليس علي بل على ذاك الأحمق والدكم , تنهدت بضيق

وقلت " لم أكن أعلم أنكم ستأتون الآن لكنت ارتديت حجابي "

قالت بيسان " ولما لم يخبرك والدي أننا قادمون "

آه ليتك تساليه هوا هذا السؤال عله يقتنع أنه يخطئ بما يفعل

قالت ترف من فورها بابتسامة ومغيرة مجرى الحديث

" جدتي يأتيها الكثيييير من النساء فيهم واحدة مخيفة جدا "

ثم تمايلت بجسدها وقالت " تلك التي تمشي هكذا ... الطويلة "

قلت بعتب " ترف عيب بنيتي كيف تقولين ذلك "

قالت بيسان وهي تكتم ضحكتها بيدها الصغيرة

" ترف سكبت لها العصير على ثوبها وغضبت جدتي كثيرا "

قالت ترف بضيق " لم أسكبه عليها بل كم فستانها الطويل

سحب كأسي فأمسكته لكي لا يقع "

ثم لوحت بيدها وقالت " فوقع على فستانها "

لم أستطع إمساك ضحكتي , تلك العجوز لن تصنع منهم ما

تريد مهما حاولت فلن تسبب لنفسها ولهم سوى المتاعب

قال أمجد " يذبحون الكثير من الخراف ماما , ذبح والدي ثلاثة

وعمي معتصم واحد وعمي منصور اثنان وخال بتول واحد "

قالت بيسان بضيق " بابا أخذ أمجد فقط معه ونحن لا "

مسحت على شعرها وقلت " أمجد رجل حبيبتي أنتم لا تذهبون

حيث العمال والخراف والأوساخ "

قال أمجد بهدوء " العيد ليس جميلا بدونك أبدا "

ابتسمت وامتلأت عيناي بالدموع وغمرتني السعادة أنهم افتقدوني

ورأوا العيد ناقصا بدوني رغم الأجواء الجديدة التي عاشها أمجد تحديدا

أكلنا الحلوى وخرجنا لزيارة سوسن ككل عام , وصلت لمنزلها قرعت

الجرس ففتحت لي وشهقت بصدمة وهي تنظر لهم معي ثم

نظرت لي وقالت " هل تزوجتِ والدهم دون علمي "

عضضت شفتي مهددة لها لتسكت أمام الأطفال فضحكت واحتضنتهم

واحدا واحدا ودخلنا منزلها فهي تقضي العيد مع زوجها وأبنائها

لتذهب في الغد لمدينة عائلتيهما لأنها بعيدة عن هنا

*
*
اتصلت به للمرة العاشرة بعد المئة فأجاب أخيرا فقلت بتذمر

" ما بك يا رجل لو كنت رئيس البلاد لأجبت عليا منذ وقت "

ضحك وقال " كنت مشغولا قليلا آسف "

قلت بضيق " نعم جد لي تصريفه ككل مرة , قل الآن ما كان جوابها "

قال " لاشيء "

قلت بصدمة " ما تعني بلا شيء !! "

قال " دعنا نتحدث لاحقا "

قلت من فوري " هيه جابر تحدث الآن أعلم أني لن أراك قبل أيام

ثم أنا سأغادر المدينة اليوم "

قال بهدوء " لقد تحدثت معها ذات اليوم الذي حدثتني فيه "

قلت " نعم وما كان ردها "

قال " لم تجب علي بشيء "

قلت بحيرة " وما معنى هذا هل هي موافقة "

قال " لا أعلم زهور حين تسكت ولا تجيب عن الكلام يعني أنها

لم تعد تريد السماع ولا التحدث , أخبرتها أني سأنتظر جوابها متى

ما قررت فعليك بالصبر فقط "

قلت بتذمر " بربك جابر لا تتركني معلق هكذا بين السماء والأرض "

قال باستعجال " بالنسبة لي لم أتوقع منها حتى الصمت بل الرفض

التام لأني اعرف حالتها جيدا وما مرت به لم يكن سهلا , وداعا الآن عليا

أخذ الأطفال والعودة بهم الآن للقصر نتحدث عندما تعود حسناً "

تنهدت وقلت " ولما لا نتحدث الآن "

قال من فوره " سأنزلهم عند الباب وأغادر فورا لا يمكن ذلك اليوم هيا وداعا "

قلت بهدوء " أمري لله وداعا "

دسست هاتفي في جيبي واقتربت من باب القصر الخارجي

ترى أمازالت تزور حديقة والدها تلك كل عيد وتسقيها من ماء زمزم

كما كان هوا يفعل , أذكر في آخر عيد قبل زواجها وسفري فعلت ذلك

ترى هل أجدها هناك أم العزلة أنستها حتى هذا

دخلت وتوجهت من فوري لذاك المكان في وسط الحديقة تحديدا ووجدتها

بالفعل هناك .... زهور حبيبتي أرها عن قرب لأول مرة منذ أعوام

تجلس على حافة حوض الأزهار ويدها تلعب بالماء في النافورة التي

تتوسط الحديقة وبجانبها المسقاة النحاسية الخاصة بوالدها , إذا هي

لم تنسى فعل ذلك وخرجت من سجنها أخيرا , اقتربت ببطء

كانت خصلات شعرها تخفي وجهها وملامحها ولا أرى سوى

جسدها وذراعاها المكشوفان من فستانها الطويل الحريري كعادتها التي

حببها والدها فيها , شعرتْ بخطواتي فنظرت باتجاهي مباشرة وبصدمة ثم

وقفت تنظر لي فقلت بهمس المشتاق المتلهف " زهور "

بقيت على صمتها وعيناها في عيناي ذاك البحر الأزرق الجميل

الهادئ الذي يهيّج موج مشاعري بأعاصيره , حبيبتي وحدي

جميلتي وفاتنتي , اقتربت منها حتى بات لا يفصلنا سوى خطوة واحدة

ومددت يدي دون أدنى تفكير وكأنها لازالت الطفلة المسموح لي

بالاقتراب منها كل حين , لمست بأطراف ظهر أصابعي خدها الناعم

وأغمضت عيناي بهدوء وقلت بلهفة وهمس

" مشتاق لك يا زهور لا تتصوري كم أنا مشتاق "

قالت بهمس وصلني بوضوح " كاذب "

فتحت عيناي أتنقل بهما بين عيناها وقلت بحزن ويدي تحتضن خدها

" بل تعلمين أني لا أكذب يا زهور "

ابتعدت عني للخلف بضع خطوات وابتسمت بسخرية وقالت

" بل كاذب ولم أعرف منك إلا الكذب , أنت حدودك مخيلتك فقط يا

رضا , حدودك غرفتك وأوراقك وحبر أقلامك , تكتب

الأكاذيب والجميع يصدقك عداي أنا "

لم يلتقط دماغي من عبارتها المليئة بالشتائم سوى اسمي

نعم اسمي من شفتيها بعد كل هذه السنين وأخيرا

, نظرت للأرض وقلت بابتسامة حزينة

" بل أحبك يا زهور وليس اليوم ولا الأمس بل من سنين طويلة "

ثم أشرت بأصبعي على جزء معين والأبعد من الحديقة وقلت

" وذاك المكان يشهد وتلك الشجرة

وحتى السور والطيور وحشائش الأرض كلها

عاشت معي حبي لك منذ كنتي طفلة "

أبعدت خصلات شعرها الذهبية عن عنقها لتكشف عن جرح في

نهاية فكها تحت أذنها وقالت بألم " وهذه عن ماذا تشهد ؟

هل تعلم ما يكون هذا ومن السبب فيه "

ثم ابتسمت بسخرية وقالت " سببه الزوج الذي اختارته لي أمي

ومن أول ليلة لي معه , لا بل أنت السبب فيه "

ثم أبعدت يدها عن شعرها وقالت " وتريد أن تتزوجني يا رضا

تريد أن ترى باقي هذه العلامات في كل جسدي "

أحسست حينها بألم يضرب قلبي بقوة حتى كادت أنفاسي تتوقف وأنا أتخيل ما

حدث لها وما لقيت من ألم , لماذا يا زهور لما فعلت ذلك لماذا

قلت بهمس خافت " لماذا تزوجته لما "

قالت بضيق " وما كنت تنتظر مني وما كنت سأنتظر منك , لقد دمرتني

قضيت علي تماما لم أرى منك سوى الرسائل التي تخبرني فيها

أن لا أتزوجه وأني لا يمكن أن أكون إلا لك ولا يمكنني الزواج بغيرك

ولم تكلف نفسك في إحدى أوراقك تلك أن تشرح لي ما حدث يومها

بل تركتني أعرفه من ذاك الرجل "

نظرت لها بصدمة , ما تعني بأني لم أكلف نفسي شرح ما حدث

كيف وما معنى كلامها , فتحت فمي لأتحدث فمدت يدها أمام وجهي

وقالت " لا تتعب نفسك لا أريد سماع أي تبرير على جرمك نحوي

كنت طفلة ولم تكن أنت سوى عابث تحت قناع عاشق وسقط

القناع وكسرني أنا وحطم جسدي قبل قلبي "

ثم غادرت من أمامي واختفت في لمح البصر , انتظري يا زهور

ما معنى ما تقولي انتظري فلن أجد فرصة غيرها لأتحدث معك

ركضت جهة اختفائها ولم أجدها , غريب أين ذهبت ومن

سيشرح لي ما عنته بأنها لم تكن تعلم وأني لم أشرح لها

أمسكت رأسي بيداي وأغمضت عيناي بألم

لهذا تزوجته إذاً , لهذا انصاعت لأمر والدتها ... كانت لا

تعلم أو لم تفهم , سحقا لك يا رضا ومن سيفهمها وهي لم تعرف

غيرك ووالدتها وإخوتها

*
*
كان اليوم لا ينسى بالنسبة لي ... يوم كأيامي السابقة معهم ولكن

لكل شيء جميل نهاية فعند العصر كان والدهم هنا كما قال

ليته يختفي من حياتنا ويتركهم لي هنا لكنه إن اختفى لن تعطيهم

لي جدتهم وسأحرم حتى من هذه الزيارات البسيطة ولو كل عيد

وقف عند منتصف المنزل وقال مادا مفاتيح السيارة لأمجد

" أركبوا السيارة وأغلق الباب جيدا كما علمتك سابقا

سأتحدث ووالدتكم قليلا "


نهاية الفصل
__________________
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12-29-2015, 11:19 AM
oud
 

الفصل العاشر

يوم العيد اسم أصبح على غير مسمى بالنسبة لي , أشياء كثيرة

وجميلة كانت فيه وتبخرت ... أبي وشقيقي اللذان غابا عنا منذ عام

والدتي التي لا أذكرها لموتها وأنا صغيرة , كانت زوجة والدي معي

بحنانها وأكثر لكنها في النهاية ليست أمي , وحتى نواس فقدته هذا

العيد لأني لم أخرج حين جاء مع جواد لمعايدة والدتي وفرح , لم نكن

في سنين خطبتنا كجواد وفرح الآن اللذان يجلسان هناك منذ وقت طويل

يتهامسان ويضحكان لكنه كان طعما رائعا لعيدي أرى الحب والشوق

واللهفة في نظراته لي وكلماته البسيطة بابتسامته في ذاك اليوم شبيه

هذا اليوم بالاسم فقط , كان ببساطة عيدي والآن لا يعنيني العيد ولا

هوا أعنيه فلم يعد عيده يحتاج لوجودي فيه لأنه ملئَه بأخرى فمؤكد

زارها وعايدها وجلس معها مثل هذان الزوجان وحضنها وقبلها

شعرت بأحشائي تقطعها سكاكين من هذه الفكرة فأمسكت معدتي

بقوة ثم وقفت وتوجهت من فوري للمطبخ وشربت بعض الحليب البارد

من كأس ولم يخفف ألمها فجلست على الكرسي وشربت من القارورة

مباشرة وكأني أحاول إطفاء نار متأججة ببعض الماء ولم تزد إلا اشتعالا

فخرجت ركضا للحمام وأغلقته خلفي وتوجهت للمغسلة وأفرغت كل

ما في جوفي من حليب ممزوج بالدماء حتى فرغت تماما ثم اتكأت على

طرف المغسلة بذراعي وجبيني فوقها واستسلمت لبكائي , ليس من ألم

معدتي بل من الأم في قلبي وروحي , سمعت بعدها طرقات على

الباب وصوت فرح وهي تقول" وسن هل أنتي بخير

وسن افتحي الباب "

وقفت على طولي ومسحت وجهي بالمنشفة وقلت

" أنا بخير فرح لا تقلقي سأخرج حالا "

ووقفت بعدها متكئة على باب الحمام أستمع لهمسها وجواد عن

أخذي للمستشفى ولو مرغمة وكلماته المكتومة موبخا لها لكلامها

السيئ عن نواس ودعائها عليه وكلماتها المغمورة بالدموع وهي تبكي

من قسوة شقيقه , هكذا أردتني يا نواس ويا أبي ويا كل من رقصتم

على روحي الميتة , هكذا أردتموني مدعاة للشفقة من الجميع

بعد وقت مسحت دموعي وخرجت ووجدتهم على حالهم

عند الباب فقالت فرح بقلق " وسن هل أنتي بخير "

قلت بابتسامة " ما بكما وكأني طفلة تعششون لي عند

الباب , أنا بخير لا تخافا سأنام قليلا وأكون أفضل "

قال جواد من فوره " ألن تذهبي معنا لوالدتي لمعايدتها "

قلت متوجهة جهة غرفتي " سأذهب لها في الغد "

اليوم يكون نواس عندها ولا أريد مقابلته سأقضي يوم الغد

عندها بالرغم من أني متأكدة أنها ستغضب مني
*
*
" متى قال لك جواد أنهم قادمون "

أخرجني صوت والدتي من معمعة أفكاري التي لا تجدي في

شيء سوى تعقيد المشاكل أكثر من حلها وأنا جالس معها منذ

وقت على حالي مرفقاي على ركبتاي أنظر للأرض بصمت

وشرود, مررت أصابعي في شعري وقلت " قال أنه قادم الآن "

قالت بهدوء " ما بك يا نواس حالك اليوم لا يعجبني "

قلت ونظري بعيد عنها " لا شيء ... مشاكل بسيطة في

تجارتي ولكنها تشغلني قليلا "

لاذت بالصمت وأضنها لا تصدق كلمة مما قلت

بعد قليل قالت بهدوء " نواس ماذا عن كلامنا سابقا "

قلت ببرود " ما لدي قلته يا أمي وسن لن تسكن لوحدها وأنتي

عليك الانتقال من هنا للمزرعة , سيكون صعبا عليا التنقل بين

هنا وهناك وجواد لن يكون موجودا , فلما لا تفكري بي مثلها "

تنهدت وقالت " لن ترضى وسن وأنت تعرفها جيدا وأنا لا

أريد إرغامها ولا أن أترك منزلي أيضا "

نظرت لها وقلت بضيق " ولما لا ترغميها على أمر فيه

مصلحتها , أمي وسن لم تعد طفلة تحضا بكل دلالك ذاك لها "

قالت بضيق مماثل " نواس أي جنون هذا كيف

تأخذها تعيش معك هناك "

نظرت للجانب الآخر وقلت بسخرية " أمازلت تعتقدين أن

الأمر سيعنيها , وسن القديمة ماتت يا أمي "

قالت ببرود " ونواس القديم هل مات أيضا "

لذت بالصمت ولم أعرف بما أجيب فقالت " وسن ستبقى معي

هنا مادمت حية لكن مخاوفي كلها يوم أموت وأترك الحياة فأنا

أدرى الناس بحالي وأن مرضي لا يرحم فوسن أمانتك يا نواس

أعرف أنك لازلت تحبها كالسابق فلا تظلمها وسلمها لمن يستحقها

ويرعاها مادمت قررت بترها من حياتك وتزوجت بغيرها "

وقفت كالملسوع ولا اعرف لما لا أتحكم بنفسي كلما سمعت هذه

العبارة ... وسن تتزوج وأزوجها بنفسي لغيري , أين ستنام تلك

الليلة يا نواس وأي أرض ستتسع لك وأي نهار ينتظرك وهي تبات

في حضن أحدهم , وصلني صوتها قائلة " لما وقفت يا نواس "

نظرت لها كالتائه ولا أملك لا جوابا ولا كلاما , كنت أنظر لها

وكأني أراها للمرة الأولى , ترى أتفكر وسن في فعل هذا وكلام

والدتي ما هوا إلا تمهيد للأمر ؟ نظرت لساعتي وقلت

" عليا الذهاب الآن الرحلة للبر تستلزم وقتا لأعود باكرا

في الغد وسآتي لزيارتك هل توصيني شيئا "

قالت بابتسامة " سلامتك فقط بني وبلغ خاطر وزوجته سلامي "

قبلت رأسها وخرجت في صمت , عليا المغادرة ماداموا سيأتون الآن

بعدما علمت من جواد أنها ليست معهم , تحرمينني حتى من رؤيتك

في العيد يا وسن وأنا من لم أستطع مطاوعة عقلي أن لا أراك

كيف استطعتِ التحكم في قلبك يا وسن علميني كيف !!

أول عيد يمر بدونك يا عشقي وجرحي ونزيف أحشائي المتوجعة

يا حلمي وألمي يا ماضيا الجميل وحاضري التعيس ومستقبلي القاتل

نعم قاتل أن تكوني لغيري وعبثا أحاول إخفاء ذلك , زواجي بمي

حكمته الظروف لما كنت تزوجت بغيرك ولا بك فلست لأي امرأة

أخرى لأني مع غيرك بلا قلب ومعك سأكون بلا كرامة

*
*
خرج نواس من عندي وحاله اليوم لا يبشر بخير , الأم لا أحد يكذب

عليها وليست تجارته ما تكدر صفوه , حتى زوجته لم يزرها اليوم

ولا تحدث معها في الهاتف فما ذنب الفتاة يتزوجها ويهمشها لأنها يتيمة

ولا أحد يلومه عليها , إن كان لا يريدها فلما ربطها به ؟ أمر زواجه

هذا لا يريحني أبدا وثمة قصة ورائه , نظرت ليدي حيث الورقة التي

فيها رقمها وتنهدت بضيق , عليا أن أكلمها أنا على الأقل فمن غير

اللائق حتى أمام أهلها أن لا يزورها أحد منا في العيد , كم تتقلب

أقدار البشر في هذه الحياة فبالأمس كان نواس خطيبا لوسن ويحكي

لي بلهفة ما يخطط لحياتهما ما أن يتزوجها واليوم هوا زوج لغيرها

وهي الله وحده يعلم إلى ما ستئول إليه وأين سيرميها قدرها , فتح

جواد الباب ودخل تتبعه فرح ووالدتها فالممرضة اليوم لدى أصدقائها

من دولتها تمضي العيد برفقتهم لذلك لم يترك نواس المنزل

إلا وجواد عند أول الشارع , تبادلنا المعايدات وبعد السؤال

عن الحال قلت بعتب " وسن فعلتها إذا كما توقعت ولم تأتي "

نظروا لبعضهم ولم يتكلم أحد فقلت " ما بكم ما الذي تخفونه !! "

قال جواد بهدوء " لم تخرج حتى لنواس صباحا "

نظرت له بصدمة , معقول وسن تفعلها هوا ابن خالتها مهما حدث !!

علمت الآن ما هوا سبب تدهور مزاج نواس اليوم , تلك ضربة قوية

لقلبه لا تعادلها سوى صفعته لها , تنهدت وهززت رأسي بيأس فقالت

فرح " حال وسن اليوم لا يعجبني لم تأكل شيئا أبدا وتقيأت كثيرا

وقالت أنها تريد النوم وكالعادة سجنت نفسها في غرفتها والله

وحده يعلم تنام أم تكذب علينا فقط "

نظرت لجواد وقلت " ولما لم تأخذها للمستشفى "

هز رأسه بقلة حيلة وقال " لا نريد مخالفة ما قال الطبيب

حتى نأخذها لمتخصص "

قلت من فوري " ومتى سيكون ذلك "

نظر جهة فرح ثم لي وقال " نواس قال بأنه سيتكفل بالأمر "

لوت فرح شفتيها بعدم رضا ويبدوا أنها وجواد متخالفان في هذا الأمر

فرح متعلقة بوسن كثيرا ومنذ صغرهما وجواد يكن احتراما كبيرا

لنواس ويعده والده وليس شقيقه الأكبر وكل واحد منهما يقف في

صف شقيقه , قلت بهدوء " وما خططتما ليوم الغد "

قال جواد " لا شيء حفلا صغيرا هنا لعائلتينا وسنغادر للفندق "

قلت بهدوء " يبارك الله لكما بني "

وأمضينا بعض الوقت من حديث لآخر وغادرت فرح للمطبخ

لإعداد العشاء فحتى فتحية تركناها اليوم تغادر فمن حقها أن ترتاح

في يوم العيد وجواد طبعا لم تخرج زوجته من الغرفة إلا وهوا خلفها

لا اعلم ما سيترك لبعد الزواج سوى مشاهدة التلفاز معا فما لديهما

قالاه وبزيادة , نظرت لوالدة فرح وقلت بابتسامة

" حمدا لله أن بلغنا من العمر أن نفرح بأبنائنا "

قالت مبادلة لي الابتسامة " أجل فأعظم إنجاز للأم ليس أن تنجب

وتربي بل أن ترى أبنائها يستقرون مع أزواجهم "

ثم تنهدت ونظرت للأرض بحزن وقالت " ولكن الفرحة ناقصة ما

لم تتزوج وسن وتفرح مثل البقية , كم يشغلني أمرها يا وداد "

قلت بهدوء " ويشغلني أكثر منك وأخاف أن اترك

الحياة وقلبي مشغول عليها "

قالت من فورها " أطال الله في عمرك حتى تري أبنائها "

قلت بابتسامة " لن أكذب على نفسي فليس هناك من مرض بمرضي

وشفي منه وكل يوم أتقدم فيه من قبري أكثر وأنا مؤمنة بقضاء

الله وقدره لكن بالي مشغول عليهما "

قالت بهدوء " سامح الله من كان السبب , لو فقط رضي شقيقي أن أبقى

في شقة زوجي لبقيت معها فأنا ألحظ جيدا أنها لا تريد ترك الشقة "

غيرت جلستي واتكأت على السرير وقلت " تبقيان امرأتان وحدكما

وفي كل الأحوال لن يرضى إخوتك ولا حتى أبنائي ببقائكم لوحدكم

خاصة بعد سفر جواد الذي كان يتردد عليكم دائما "

تنهدت وقالت " لن يسمح نواس بذلك لكنت أخذتها معي , شقيقي كل

أبناءه تزوجوا ويعيش وحيدا وأخبرني أن احضرها معي "

قلت بابتسامة " بارك الله في عمره ولكن من سيرضى بذلك حتى

هوا لو كانت ابنته مكانها ما رضي بهذا , أنا خالتها والأولى ببقائها

معي ونواس وكيلها ووليها فمن الحكمة أن تكون معنا "

قالت بحزن " لكن من المتعب أيضا لوسن أن تكون معكم وتلك هي

الحقيقة المرة , يعز عليا فراقها كفراق ابنتي تماما وقلبي يتقطع

لابتعادهما عني والله وحده يعلم متى سترجع فرح فكل من درس

في الخارج حضا بفرصة للعمل هناك ولم يرجع حتى اليوم "

تنهدت وقلت " هكذا حكمت ظروف الجميع وليس لنا إلا الرضا "

*
*
كنت متكئة على سريري انظر بهدوء للصندوق الموضوع في

وسط الغرفة , صندوق هدايا كبير ومزركش يحوي ملابس راقية

وجميلة وعطر فاخر وبعض الحلي وحتى مجموعة الاستحمام من

شركة معروفة ومشهورة ..... هدية العيد التي أرسلها الزوج المجهول

الذي لا أعرف سوى اسمه ولا يعرف سوى سمعتي الجديدة , لو افهم

سر هذا الزوج وهذا الزواج فلم يخبرني عمي سوى أنه

كان صديقا لوالدي وساعده في تجارته

يوم عيد لم يحمل لي سوى هذا الصندوق لا أخوتي لا والدي لا كل

عام وأنتي بخير يا مي من أي أحد وكأنه ليس يوم عيد وحتى عمي

مرض بالأمس ولم يتمكن اليوم من الخروج من منزله ليأتي وأراه

تنهدت بأسى على صوت رنين هاتفي بعدما فكوا الحصار عني قليلا

وأعادوا لي هاتفي بأوامر من نواس , نظرت للمتصل فكان رقما غريبا

غريب من يكون يا ترى ! لم أجب عليه فليس ينقصني سمعة سوداء

تجاهلته تماما حتى وصلتني رسالة فتحتها فكان فيها

( أجيبي عليا يا مي أنا والدة زوجك )

بقيت أنظر للأحرف بصدمة فهذا شيء لم أتوقعه ولم أفكر فيه

عاد الرقم للاتصال ففتحت الخط ووضعت الهاتف على أذني

فوصلني صوتها المتعب قائلة " كل عام وأنتي بخير يا ابنتي "

نزلت دمعتي رغما عني ولا أعلم لما ! يبدوا لأنه أول تهنئة بالعيد

جاءتني اليوم من شخص يكلمني للمرة الأولى ولم أره حياتي وليست

من أهلي الذين يسكنون معي في ذات المنزل أو لأنها صادرة من

القلب , هكذا شعرت بها أو هوا الشعور بالفقد جعلني أتخيلها هكذا

مسحت دموعي وقلت بصوت هادئ " وأنتي بخير يا خالتي

شكرا لك واعذريني من المفترض أن أكون أنا من يكلمك "

قالت بهدوء " لا عليك يا ابنتي أنا من يفترض بي زيارتكم

منذ أيام لكن حالتي الصحية لا تسمح بذلك "

قلت " بارك الله في عمرك "

قالت بعد صمت " نواس كان اليوم بطوله معي لأن الممرضة

الخاصة بي غير موجودة اليوم وتعسر علينا زيارتكم في العيد "

قلت بابتسامة " لا عليك يا خالة لا ألومه ولا ألومك ومدك الله بالعافية "

قالت من فورها " أردت أن أهنئك بنفسي وأعتذر عن تقصيرنا

معك فالأصول تبقى أصولا لكن الظروف هكذا حكمت "

قلت بابتسامة حزينة " شكرا لك يا خالة لا تعلمي كم

سرني اتصالك بي واهتمامك "

قالت بحنان " هذا واجبنا يا مي سلمي لي على عائلتك

وهنئيهم نيابة عني "

قلت بهدوء " باركك الله شكرا لك خالتي "

قالت " العفو يا ابنتي وداعا الآن "

قلت بهمس " وداعا "

أنهيت الاتصال منها وحضنت الهاتف وبكيت بحسرة على شعور

الغريب بي بينما ماتت مشاعر أهلي , قد لا تكون تعلم عن قصتي

وهذا ما أكده لي عمي أن نواس لن يخبر أحدا ومؤكد لا تعلم وإلا ما

كانت حدثتني من أساسه ولا وافقته الزواج بي , طرق أحدهم

الباب فمسحت دموعي وقلت " تفضل "

دخلت الخادمة وأغلقت الباب وأدخلت يدها في ياقة قميصها كعادتها

حين تجلب شيئا سريا وأخرجت ورقة من ثيابها ووضعتها في يدي

وخرجت بسرعة وأغلقت الباب , رسالة جديدة إذا من المجرم

المجهول قاتلي وقاتل براءتي , فتحت الورقة فكان فيها

( كل عام وأنتي بخير يا مي ....... سامحيني أرجوك )

قبضت على الورقة بقوة وبمرارة وعادت دموعي للنزول مجددا

أنت آخر من كان عليه تهنئتي بالعيد ليتك بقيت صامتا مثلهم

المشكلة أن الخادمة لا تريد قول شيء كل ما تقوله لي أنها

لا تعرفه وتراه للمرة الأولى ولكن لابد وأن يأتي يوم وأجده

************************************************** **

******************************************
مسحت دمعتي واحتضنت صورتهم ودعوت الله لهم كثيرا

أن يجعل عيدهم في الجنة أفضل من كل عيد , سمعت

طرقات خفيفة على الباب فوضعت الصورة في الخزانة

وفتحت الباب فكان نزار نظر لعيناي مطولا حتى أخفضت

نظري وقلت بابتسامة صغيرة " كل عام وأنت بخير "

وصلني صوته قائلا " وأنتي بخير يا سما "

لدنا بالصمت قليلا ثم قال " لن أقول لك لا تبكي في يوم العيد يا

سما لأنه يوم فرح ولا ألومك ولكن عليك أن تكوني قوية من أجلهم

وتساعدي العدالة في تخليص باقي العائلات منهم لأن جرائمهم

لا تتوقف , أدعي لهم بالرحمة وانزلي معي فوالدتي أكلت لي

رأسي ولم ترتاح إلا حين صعدت لأطمأن عليك "

نزلت دمعتي مجددا فمسحتها وقلت " شكرا لكل ما تفعلوه من

اجلي ففي عيد الفطر كنت في القبو وحدي أبكي عائلتي في أول

عيد لي من دونهم ولا أحد ينشغل باله علي ولا أحد يتفقدني "

وضع يده على كتفي وقال " هيا انزلي إذا وعيشي عيدا أفضل من ذاك "

رفعت رأسي ونظرت له بابتسامة حزينة وقلت " شكرا لك "

ابتسم لي ونزل أمامي وأنا أتبعه حتى دخل غرفة والدته وأنا خلفه

وما أن دخلت حتى مدت لي ذراعاها قائلة " ضننت العيد سيكون

أجمل هذا العام لأن ثمة فتاة جميلة صغيرة تشاركنا فيه

لكنها سجنت نفسها بعيدا عنا "

توجهت نحوها من فوري ونمت في حضنها وقلت ببكاء

" شكرا لك يا خالة ففي العيد الماضي لم أجد هذا الحضن "

مسحت على شعري وقالت " الله لا ينساك يا سما سيعوضك إن في

الدنيا أو الآخرة فاحمديه ولا تتسخطي كي لا يضيع منك الأجر "

ابتعدت عن حضنها ومسحت دموعي وحمدت الله هامسة

ثم قبلت رأسها وقلت " كل عام وأنتي بخير "

قالت بحنان " وأنتي بخير يا سما أسعدك الله يا ابنتي وحماك "

نظرتْ جهة نزار وقالت " طبعا أحدثت فوضى

في المطبخ وتركتها لسما "

رفع يديه وقال " وما سأفعل هي من أقسمت أن لا

أنظف شيئا في المطبخ بعد حضورها "

قالت بضيق مصطنع " وأنت فرحت بذلك طبعا "

ضحك وقال " ومن يجد الراحة ويكره ذلك "

تنهدت وقالت " لو سمعت كلامي وتزوجت لارتحت منذ زمن "

لا أعلم لما أحسست أن هذا الأمر لا تستسيغه نفسي .... يتزوج حسنا

وما في الأمر كل الرجال أراهم يتزوجون والناس تفرح لهم , قفزت

في دهني فجأة الفتاة التي دخلت معه المنزل أول أمس يضحك لها

وتحمل هي أكياس الحاجيات وعادت التساؤلات لذهني مجددا

ولا أعلم لما , اقتربت من الخالة وهمست لها في أذنها

" هل تلك الفتاة التي زارتك خطيبته وسيتزوجان "

نظرت لي مطولا بابتسامة ثم قالت " لا لا شيء من هذا "

شعرت بالخجل من نظرتها وطريقة جوابها ولا أفهم لما تنتابني كل

هذه المشاعر , قال نزار " أتمنى أن لا يكون كل هذا الهمس والألغاز عني "

أحسست أن قدرا من الماء البارد انسكب فوق جسدي ثم ارتفعت

حرارتي, لو أفهم ما يجري لي فقط ! كان سؤالا غبيا ما كان عليا

أن أسأله أبدا , قالت والدته " ألا يوجد شيء غيرك نتهامس

فيه ثم ما تفعل هنا مرابط عندنا "

ضحك كثيرا ثم قال " أمي لا تبيعيني بمدللتك الجديدة

سترحل وتتركك يوما "

عادت تلك المشاعر الغريبة لاجتياحي , هل سأترك يوما هذا المنزل

الذي أشعر حقا أنه لعائلتي رغم بساطته ورغم أنهم لا يقربون لي

وأني لم آتي إلا من أيام ... لما أتعلق بهذا العالم شيئا فشيئا, قال نزار

بابتسامة " ثم ما تريدي مني أن أفعل , الجيران عايدتهم منذ وقت

عند الذبائح عوني وجابر يأتيان هنا لأجل رؤيتك ولا مدرسة اليوم

ولا عمل غيره لي هل أخرج أتجول في الشوارع لتتهامسا براحتكما "

ضحكت خالتي وقالت " يحفظك الله لي بني فعيدي من دونك لا يساوي

شيئا , فقط لأنه كل عام تقضيه مرابط عندي ولا تخرج كغيرك

من الشبان وهذا العيد سما معي وأردتك أن تتحرر من مسئولياتك "

قال بابتسامة " لا تشغلي بالك , عند العصر ستأتيك جاراتك

كعادتكم وأخرج أنا كعادتي كل عيد "

وقفت في صمت وتوجهت للمطبخ دخلت ونظرت لعالم الفوضى

المقلاة متسخة والفرن أيضا الزيت في كل مكان والصينية التي

أكلا فيها سكاكين كثيرة وكأنهم ذبحوا هنا الأواني التي كان فيها

اللحم والدماء , صدقت خالتي حين قالت أن الرجال لن يكونوا

كالنساء في أعمال المنزل مهما حاولوا, رتبت كل شيء بعد

وقت وجهد ثم فتحت الثلاجة لأخرج قالب الحلوى التي أعددتها

البارحة لأنها تحتاج لأكثر من يوم في الثلاجة وفوجئت بجزء

مقطوع منها .... آه أكثر ما أكره تقطيع الكعكة على غير

طريقتي وقبل وقتها

*
*
كنت أقلب هاتفي في صمت ووالدتي تبحث في قنوات المذياع فهي

تكره التلفاز وترى أنه مدعاة للفجور والعري ومعها حق فيما تقول

كانت تستمع لكل شيء في المذياع فقط ولم تتركني أجلب لها تلفازا

أغلقته بعد وقت وقالت " لا شيء اليوم سوى أغاني العيد "

ضحكت وقلت وعيناي على هاتفي " وما تتوقعين سيعرضون اليوم "

قالت بتذمر " أي شيء هل خلت الدنيا .. مسرحية على الأقل "

ضحكت أكثر وقلت " مسرحية في مذياع كيف ستعرفينهم من بعض "

قالت بضيق " فليعرضوها هم ولا شأن لهم بي أعرف كيف أفهمهم "

ثم تنهدت بحزن وقالت " كم أشعر بما تشعر به سما اليوم وهوا الشعور

بالفقد فحين مات والداي في ذاك الحادث كنت صغيرة مثلها وعانيت كثيرا

في أيام العيد فكيف بها هي وهم ماتوا مقتولين أمامها والمجرمين طلقاء "

قلت بهدوء " تبدوا لي سما فتاة قوية جدا رغم صغر سنها فمن

مرت بما مرت به لن تستحمل مثلها "

ثم نضرت لها وقلت " تصوري أنها كانت تسمع تهامس

الجن في ذاك القبو المظلم "

شهقت بقوة واضعة يدها على صدرها وقالت بصدمة

" تسمع الجن هناك .... سلام قول من رب رحيم "

ابتسمت وقلت " هل خفتِ وهي لم تخف "

قالت بأسى " كيف لها أن تكون بعقلها حتى الآن "

أعدت هاتفي لجيبي وقلت " أخبرتك أنها أقوى مما تتصوري "

قالت بعد صمت " هل أخبرك جابر أنه سيحضر أبنائه أم ضحك علي "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " بل سيحضرهم لك بكل تأكيد "

وقفت حينها سما عند الباب وقالت واضعة يدها وسط جسدها

" من قطع من الحلوى في الثلاجة "

قلت بابتسامة " ومن غيري طبعا فوالدتي لم تغادر سريرها "

قالت بضيق " وكيف سأقطعها الآن , لن تكون كما

أريد ثم هي لم تجهز بعد "

كنت أنظر لها بصدمة وكأنها ليست سما ذاتها الخجلة مني التي

لا ترفع عيناها بي إلا نادرا , يبدوا أني ارتكبت جرما كبيرا جدا

لدرجة أن أخرجتها من قوقعة حيائها الكبير, أمسكت قفا عنقي

بيدي وقلت بإحراج " آسف لكني لم استطع مقاومة شكلها ولم

أتوقع أنه لها طريقة في التقطيع وأنها لم تجهز "

نظرت لوالدتي وقالت بحزن " أرائيتي خالتي , ما الحل الآن "

ضحكت أمي وقالت " لا حل لدينا سوا معاقبته كي لا يعيد فعلته "

قلت بصدمة " ماذا تعاقبانني .... ولماذا "

قالت سما مغادرة بتذمر " لن تجدي معاقبته لقد ضاعت الكعكة "

ضحكت والدتي بعدما غادرت وقالت

" تخجل منك في كل شيء إلا وقت الغضب "

قلت بابتسامة " وما يدريني أن هذا سيحدث أنا حقا لم أقاوم شكل الكعكة "

قالت بلوم " ولكنك المخطئ في كل الأحوال هي سهرت الليل

في إعدادها وأنت لم تأخذ حتى الإذن منها "

تنهدت وقلت " والحل الآن الفتاة تبدوا مستاءة جدا حد

أنها كسرت الحاجز الذي بنته بيننا "

قالت بضحكة " تصرف أنت في الأمر لا دخل لي "

وقفت وقلت " تستطيعين حل المشكلة لكنك تحبين توريطي دائما يا أمي "

ثم غادرت الغرفة على ابتسامتها الشامتة وتوجهت للمطبخ , كانت

تقف عند الطاولة تمسك السكين وأمامها الكعكة تحاول رسم مخطط

لتقطيعها في الهواء وتتأفف , اقتربت من الباب ووقفت أمامه وقلت

" أنا آسف حقا هل يمكنني إصلاح الأمر "

قالت بحزن " لن نستطيع أبدا تقطيعها بالطريقة الصحيحة

ولا يمكن تقديمها بغير تلك الطريقة "

دخلت واقتربت منها وأخذت السكين من يدها وأنا أقول

" لا تنسي أني خريج هندسه , أخبريني كيف تريدين شكل القطع "

أبعدت يدي وقالت " لا أرجوك لا تفسدها أكثر "

ضحكت وقلت " حسنا أنا أفسدتها في كل الأحوال

فدعيني أصلح الأمر على الأقل "

قالت مشيرة بأصبعها فوق الكعكة " أريدها هكذا قطع شكل معينات

وأن تكون حبة كرز في منتصف كل قطعة فجد حلا لها "

حككت شعري بيدي الأخرى وقلت " ستخسرين الكثير منها هكذا

لكي نصلح الأمر لأن الجهة التي قصصتُها أنا كلها ستلغى "

رمت يدها في الهواء بحركة طفولية وقالت بعبوس

" لن تكفي أحدا ولا وقت لإعادتها من جديد "

قلت بعد صمت ونظري على الكعكة " لدي فكرة نأخذ الأجزاء

التي سنستبعدها ونقطعها وحدها للأطفال "

عدّت بأصابعها ثم قالت " أريد عشر قطع سليمة منها فتصرف حالا "

ضحكت وقلت " أمري لله , ولكن إن لم أنجح ؟ "

قالت " لن نقدم منها لصديقيك طبعا إن خرجت بثماني قطع "

ضحكت وقلت " وإن كانت أقل من ثمانية "

قالت ببرود " ستبقى تلك التي أسمها دعاء طبعا بلا حصة "

نظرت لها بصدمة ثم قلت بابتسامة

" ولما هي تحديدا هل كرهتها لما قالت عنك "

لم تجب وتجنبت النظر لي ولا أعلم لما , قطعت الكعكة محاولا

إنقاذ ما يمكن إنقاذه وخرجت بتسع قطع سليمة وجيدة فأحضرت

سما الأطباق لنقلها فيها فقلت " ولكن بقي واحد ناقص "

قالت وهي تنقلهم للأطباق " من سيأتي متأخرا لن نقدم له الكعك "

ضحكت وقلت " ياله من تعيس "

نظرتْ للأرض بخجل وابتعدت تشغل نفسها بالشوك وها قد عدت

للحماقات مجددا , ليس عليا أن أعتبرها صغيرة لهذه الدرجة

نظرت للقطع التي خصصناها للأطفال وقلت

" يعني أنه لا حصة أخرى لي "

نظرت لي بصدمة فقلت ضاحكا

" طبعا لن تكون لي أي حصة كنت أمزح "

ثم قلت مغادرا المطبخ " آسف حقا يا سما على ما فعلت بكعكتك "

*
*
رتبت الكعكة في الأطباق وغطيتهم لتكون جاهزة للتقديم وبدأت

بتحضير الغداء كي يجهز باكرا فعليا تنظيف المنزل مجددا قبل

مجيء الضيوف , بعدما انتهيت خرجت من المطبخ وذهبت

لغرفة خالتي ووقفت عند الباب وقلت " هل خرج نزار "

قالت بابتسامة " قال عليا أن ابتعد عنكم كي لا أفسد

تجهيزاتكم للعيد أكثر "

نظرت للأرض بحزن وقلت " يبدوا غضب من كلامي , أنا حقا

لم أقصد جرحه لكني لا أحب أن يعبث أحد بما أصنعه "

وصلني صوتها الحنون " أبدا يا سما هوا لم يغضب منك

ومستاء حقا لأنه أفسد كعكتك "

خرجت من غرفتها وسمعت صوت باب المنزل يفتح اقتربت من

هناك وكان نزار داخلا منه فنظرت له مطولا ثم نظرت للأرض

وقلت " أنا حمقاء حقا وآسفة ما كان عليا أن اغضب من شيء

تافه كهذا , فقط أنا اعتدت أن لا يلمس أحد ما أصنعه

حتى ينتهي لكني غبية و.... "

قاطعني قائلا " لا تعتذري يا سما أنتي لم تخطئي "

ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها مدها لي مفتوحة وفيها سلسالا

فضيا يحوي زهرة حمراء صغيرة وقال بابتسامة

" هذا اعتذار مني لك "

ثم ضحك وقال " ولن آكل من كعكتك مرة أخرى

حتى تعطيها لي بنفسك "

لم اعرف ما أقول بقيت انظر لعيناه بحيرة وصمت ثم هززت

رأسي بلا فقال بحيرة " ألن تقبلي اعتذاري "

قلت بهدوء " بل لن أقبلها مادمت لن تأخذ من كعكي إلا بأذني "

قال مبتسما " حسنا لن آخذ من الكعك الذي فوقه كرز والباقي آخذه "

ضحكت ضحكة صغيرة غلبتني فمد يده أكثر وقال

" هيا اقبليها مني لأتأكد أنك لست غاضبة "

مددت يدي له فوضعها فيها وقلت ونظري أرضاً

" شكرا لك "

قال بهدوء " ليس سوا سلسال بسيط أمام خطئي "

ثم قال وهوا يتجه للسلالم " سأنام قليلا أيقظيني عند الغداء "

تبعته بنظري حتى ابتعد ثم نظرت للسلسال في يدي , كان والدي

يشتري لي الحلي وكنت أحبهم كثيرا رغم أنه لا يسمح لنا بالخروج

بهم لكن هذه أراها مختلفة رغم أنها ليست من الذهب كتلك , أطبقت

يدي عليها وضممتها لصدري ولا أعرف لما أيضا وكم كثرت الأمور

المبهمة عندي , توجهت لغرفة والدته ودخلت وفتحت يدي لها

وقلت وأنا أقترب منها " أنظري خالتي لم يغضب مني

بل جلب لي سلسالا كاعتذار "

رفعته من كف يدي وقالت وهي تنظر له بتفحص

" جميل يا سما و عرف نزار أخيرا عند من يضعه "

نظرت لها بحيرة فقالت مبتسمة " هيا دعيني أساعدك في إغلاقه "

جلست أمامها عند السرير ورفعت جديلتي فلفته حول عنقي

وأغلقته ثم قالت " لا تنزعيه أبدا يا سما عديني بذلك "

التفت لها وقلت " أعدك ولكن لما وما قصة هذا السلسال "

تنهدت وقالت " قصته جرح قديم كنت أنتظر أن يتخلص

نزار من بقاياه وها هوا تخلص منه أخيرا "

بقيت أنظر لها باستغراب ثم قلت " هل يخص فتاة أخرى "

ضحكت وقالت " سما لا تحاولي تفسير كل شيء هوا لا يخص

فتاة أخرى ولم يخرج من عند نزار إلا اليوم ومنذ أعوام لأنه

كان سيهديه لخطيبته في عيد ميلادها ولم يحدث "

نظرت للزهرة في عنقي ثم لها وقلت " هل كانت له خطيبة "

تنهدت وقالت " نعم ولم تعرف قيمته وأضاعته من يديها "

قلت بهدوء وعيناي في عينيها " ولكني هكذا سأذكّره بها أليس كذلك "

هزت رأسها بلا دون كلام فابتسمت لها ولذت بالصمت لأني

تماديت في التدخل فيما لا يعنيني ولكني حقا أريد معرفة لما تركته

ولما احتفظ بالسلسال ولما أعطاه لي وليس لدعاء أو غيرها ولما

خرج من المنزل ليجلبه هل لأضن أنه أحضره من الخارج

ووالدته أفسدت كل شيء !!

أخرجني من أفكاري صوتها قائلة وهي تمسح على شعري

" لا تنزعيه من رقبتك يا سما فنزار لا يعنيه أمرها وإلا ما كان

أعطاه لك فلا تضني أنه يريد تذكرها بك , هوا يحترمك حقا

ويعد نفسه مسئولا عنك "

ابتسمت لها وغادرت الغرفة أنهي تجهيز الغداء وترتيب باقي

المنزل وعندما أصبح الغداء جاهزا صعدت لغرفته وطرقت الباب

عدة مرات ولم يجب فطرقت بقوة أكبر فوصلني صوته غليظا من

أثر النوم " استيقظت يا سما وسأنزل حالا "

نزلت وبعد قليل سمعت خطواته ينزل من الأعلى فخرجت من

المطبخ وقلت " علينا إدخال طاولة الطعام , الغداء جاهز "

توجه من فوره نحوها قائلا " حسنا هيا لندخلها معا "

أدخلناها وأنا منذ نزوله أركز على نظره إن نظر للسلسال ولكنه لم

يهتم له ويبدوا كما قالت والدته لم يعد يعنيه أمرها ولكن لما أعطاه لي !!

تناولنا الغداء سويا وخرج نزار وبعد العصر جاءت جارات والدته

وقدمتني لهم على أني قريبة زوجها وكن لطيفات وبشوشات وأعجبهم

كعكي والعصير أيضا وكلهن طلبن مني طريقة إعداده , بعد وقت

طرق أحدهم باب المنزل فتوجهت له وفتحته فكانت دعاء

سلمت عليا ودخلتْ وأغلقت أنا الباب خلفها ودخلت, جلسنا مع

البقية ولم أجلب لها من كعكي , لا اعلم لما ربما لأنها قالت لا تحب

الحلويات , بل أحضرت لها العصير وشطائر مملحة مع اللحم هي

والبقية وقالت إحداهن مبتسمة " ها قد وجدتِ لابنك نزار زوجة

جميلة وربة منزل فقومي بواجبك وأقنعيه "

أحسست حينها بكم هائل من الخجل مما قالت فلم أفكر للحظة أن

يكون تفكير الناس بي أن أكون زوجة له وما هي الزوجة وما دورها

في حياته غير رباط يربطه بها وأبناء , قالت دعاء بابتسامة ونبرة

لم أفمها " نزار لا يرى الارتباط بالصغيرات في السن أمر عقلاني وقالها

مرارا فهوا يعترض على زواج القاصرات فيستحيل أن يطاوعها "

لو أعلم ما الذي ترمي إليه وتفكر فيه ؟ هل تخشى حقا أن تقنعه والدته

بالزواج بي ؟ لكن كلام المرأة كان مجرد مزحة ولا أعتقد أن أي منهم

أخده على محمل الجد , غيرت خالتي الموضوع من فورها وكأنها

تعمدت ذلك ولا أفهم شيء مما يجري هنا ومر بعدها الوقت حتى

غادر كل الضيوف ولم تبقى سوى دعاء, كنت أشعر بالنعاس من

شدة التعب وسأنام مكاني وهذه لا تفكر في المغادرة على ما

يبدوا حتى قالت خالتي" سما بنيتي أنتي تعبتِ كثيرا

اليوم اصعدي لغرفتك وارتاحي ونامي "

قلت بابتسامة " لا باس خالتي قد تحتاجون شيئا "

قالت دعاء ببرود " لست غريبة وأحفظ المنزل كاسمي

يمكنك أن تنامي وترتاحي "

وقفت مستاءة من لهجتها معي فوقف حينها نزار عند الباب بعد

دخوله من الخارج فهوا لم يرجع منذ الغداء , ألقى التحية وقال

مبتسما " كيف حالك يا دعاء وكل عام وأنتي بخير "

أجابته بابتسامة " وأنت بخير "

نظر لي وقال " صديقي وأبنائه سيكونون هنا غدا قد يأتي

باكرا وقد يأتي بعد غد حسب ظروفه "

هززت رأسي بحسنا دون كلام فغادر من فوره وصعد للأعلى

ووقفت حينها دعاء وقالت " يبدوا لن تنامي قبل أن أذهب

لن أتعبك أكثر من هذا "

ثم ألقت علينا التحية وغادرت , نظرت لخالتي وقلت باستغراب

" لماذا غضبت مني هل أخطأت في شيء "

ضحكت وقالت " لا لم تخطئي ولكن لا شيء يطرها للبقاء أكثر "

ابتسمت وقلت " لم أفهم "

قالت مبادلة لي الابتسامة " من الأفضل للإنسان أن لا يفهم

كل شيء, هيا اصعدي لغرفتك وارتاحي "

وقفت بالقرب منها وقلت " هل تريدين شيئا قبل أن أصعد "

قالت بحب " لا بنيتي أطفئي النور فقط "

ابتسمت لها وتوجهت لمفتاح النور أطفأته وقلت " تصبحين على خير "

وصلني صوتها قائلة " وأنتي بخير يا ابنتي "

صعدت بعدها السلالم وفوجئت بنزار يقف في الأعلى ينتظرني

************************************************** **

******************************************
حينما طلب من أمجد أن يساعد شقيقتاه بركوب السيارة ويتركونا وحدنا

علمت أنه سيفتح موضوع الزواج مجددا وقد يجرجرني من شعري

هذه المرة ليأخذني معه رغما عني , بقينا ننظر لبعضنا بصمت ثم قال

" كيف كانت رحلة بحثك عن العمل , يبدوا لم توفقي في إيجاده "

نظرت له بصدمة وقلت " هل تراقبني يا سيادة المحقق "

قال بابتسامة جانبية " وأعرف متى تنامي ومتى تستيقظي "

قلت بسخرية " نعم فلا شيء ورائك غيري فكل المجرمين في

السجون وكل القضايا محلولة ولم يعد يموت أحد "

تغيرت ملامحه ويبدوا من حماقتي أهنته كثيرا , قال بحدة

" ليس أنتي من يعلمني حدود مهنتي يا أرجوان وليس

من مصلحتك أن أضعك في دماغي "

قلت بضيق " ولما تضعني في دماغك بما أذيتك أنا "

تنفس بقوة حتى كدت أشعر بحريق أنفاسه الغاضبة وهوا

يحاول تهدئة نفسه ثم قال بجدية " أريد جوابا واضحا هل

تعنيك مصلحة الأطفال وتريدي أن تكوني معهم أم لا "

قلت من فوري " بالطبع أهتم لمصلحتهم والسؤال الثاني لا

يحتاج أن أجيبك عنه لأنك تعرف جوابه "

قال مباشرة " ولما العناد إذا "

قلت بهدوء لأني بالحدة لن أكسب شيئا " أن أخاف على مصلحتهم

وأحبهم وأريدهم شيء وأن تجعلوا مني حاسوبا تُدخلون لها

البرنامج الذي تريدونه لأطبقه عليهم شيء آخر فهل ستتركني

أربيهم على طريقتي ولن يتدخل أحد بي وبهم "

قال ببرود " لا تنسي أني والدهم ومن في القصر عائلتهم

كيف لا يتدخل أحد اشرحي لي هذه النقطة "

قلت بذات هدوئي " والدهم على العين والرأس تأمرهم تنهاهم

توبخهم إن أخطئوا أما البقية لا دخل لهم بهم "

قال بابتسامة جانبية " لما لا تتكلمي بوضوح "

قلت بجدية " تعلم ما أعني وعليا أن أكون واضحة معك أن تتزوجني

كمربية لأبنائك شيء قد تقبله نفسي لأني أساسا كنت مكرسة كل حياتي

لأجلهم قبل أن تظهر أنت وكنت قد رفعت فكرة الزواج من أساسها من

أجلهم لكن أن تقوموا بانتقادي وخصوصا أمامهم وتجعلوني كجهاز

التحكم الذي تحركون به الأبناء كيف تشاءون هذا أمر لا

أحد يقبله ولا حتى أنت لنفسك "

تنهد وقال " أمي من ربتنا وأفنت شبابها من أجلنا وواجهت الرجال

في أموال والدي وتجارته من أجل أن تضمن مستقبلنا فهل نكافئها أن

نقول لها أبنائنا ولا دخل لك بهم أنتي لا تعرفين كيف تربين الأطفال "

قلت من فوري " إذا تجعل حدا بيني وبينها "

بقي ينظر لي بصمت وأضنه من الذكاء أن يفهم لما كنت

أرمي ثم قال " وبنود هذا الحد "

قلت من فوري " مكانة لي مثلها هناك "

تبث نظره على عيناي دون كلام فقلت " عليها أن لا تعاملني كخادمة

لديكم بل كزوجة لابنها وأم لأبنائه تتناقش معك ومعي فيما لا يعجبها

ولا ترميني بكلامها أمامهم وكأني أعمل لديها وأضنك تذكر جيدا ما حدث "

قال بجدية " وإن أخبرتك أنها غير راضية عن زواجي بك من أساسه "

صدمت لكلامه ليس لأني لم أتوقع أن ترفضني والدته لكن أن يقولها لي

الآن وما يريد بهذا , أنا لست ندا لمواجهة هذا الرجل أعترف بهذا

تابع قائلا " أنا رجل ملتزم بعملي وليس عملا سهلا , أرجع آخر النهار

رأسي لحظة وينفجر فأجد مشاكل الأبناء ووالدتي أمامي ولا أريد أن

أجد ثلاثتكم بمشاكلكم تنتظرونني , جدي حلا لهذه النقطة

وستضعين لنفسك بنفسك المكانة التي تريدي "

قلت بصدمة " ما تعني بهذا هل تتركني وحدي لمواجهتها

دون من أستند به !! "

قال ببرود " والدتي لن أقول أنها خط احمر في حياتي

ولكني أحترمها أكثر مما تتخيلي "

قلت بجدية " هل أفهم صمتك يومها عن إهانتي أمام الأطفال احتراما "

قال باختصار " نعم "

قلت بسخرية " يعني لن تحترمني أنا كزوجة أمامها "

قال بهدوء ممزوج بالضيق " أرجوان أنا قلت كلاماً واضحاً

وأضنك أذكى من أن لا تفهميه , لا أريد أن أدخل في مشاكلكم

هذا ما أطلبه منك في كل هذا الزواج "

قلت ببرود " ولا حتى أن تقف معها ضدي هل أنت متأكد

أنك لن تتدخل حتى لو طلبت منك هي هذا "

قال من فوره " إلا فيما أرى أنا أنه صحيح ويصب في مصلحة الجميع "

قلت " ومعي نفس الشيء أم لا "

قال بجدية " ومعك نفس الشيء إن رأيت رأيك صواباً "

بقيت أنظر له بصمت فقال " هل ننتهي من هذه

المسألة التي أصبحت لعب أطفال "

شعرت بالأبخرة تتصاعد من دماغي , هل يرى هذا الموضوع

الحساس لعب أطفال ! هل يستهين بالأمر لهذه الدرجة , كنت

سأصرخ به ولكني هدأت نفسي فعليا إنهاء المسألة كما أريد

قلت " وهل ترى إجباري على الزواج بك أمر لائق "

تأفف وقال " هل سنعود لنقطة البداية بعدما اجتزنا كل هذه المسافة "

قلت بجدية " نعم لأنها النقطة الأهم في الموضوع فكيف أثق في

باقي كلامك وأساس الموضوع إجبار "

قال بنفاذ صبر " والمطلوب "

قلت من فوري " تطلب رأي في الزواج بك وتتقبل

رفضي إن رفضت "

قال بضيق " لا أعلم كيف تفكرين يا أرجوان تحبين الأبناء وترين

أنهم بحاجة لك وتتحججي وكأنك تناقضين نفسك "

قلت ببرود " أنا في النهاية إنسانة ويحق لي أن تحترمني "

قال متوجها ناحية الباب " إذا أنتظر جوابك "

ثم خرج وأغلق الباب خلفه فجلست على الأريكة بل انهرت عليها

كيف أعيش مع هذا الوحش وأعاشره ووالدته التي لم تدخل خط الحرب

حتى الآن , لا ويريد أن يخرج نفسه من خط المواجهة ويتركني وهي

وحدنا , لا يكسرني شيء سوى هؤلاء الأبرياء الذين يحتاجون لي في

حياتهم هناك أكثر من دراستهم وكل ما أخشاه أن يخبرهم أنه طلب مني

العيش معهم هناك للأبد وأني رفضت , لا أريد أن يأخذوا عني

تلك الفكرة... آه يا رب ساعدني في هذا

وقفت بعدها وصعدت لغرفتي ورأسي بدأ يؤلمني من مواجهة هذا

المخيف , على الأقل تعلّم أنه لن يأخذ شيء مني بالإجبار لتكون

هذه النقطة حدا في حياتنا إن وافقت على الزواج به , أحسست بألم

رأسي ازداد من هذه الفكرة فأمسكته بيداي صاعدة للأعلى , كيف

سيكون التطبيق هناك أجزم أنها ستكون نهايتك يا أرجوان

*
*
خرجت من عندها وركبت السيارة ضاربا الباب خلفي بقوة

لأجد بكاء ترف ينتظرني مزلزلا المكان فقلت بضيق

" ما الذي يبكيك يا ترف "

قالت ببكاء " بيسان ضربتني على عيني "

قلت بحدة " بيسان ظننتك كبرتِ "

قالت من فورها " لم أضربها كان بالخطأ "

قالت ترف " بل ضربتني "

قالت " أنتي لديك نافذتك هناك لما تأتين لنافذتي , أردت

إبعادك لأرى ولم أضربك "

قالت ترف ببكاء " لا سيارات من هنا , الطريق من جهتك "

تأففت وقلت " انتهى الأمر سنتحرك بالسيارة وتصبح السيارات

جهتك أيضا فأنهيا هذا الجدال لا ينقصني أنتما "

ثم انطلقت عائدا بهم للقصر وكل واحدة منهما ملتصقة بنافذة

تغني وأمجد جالس بجواري وهادئ تماما , لا أعلم متى ستكبران

وتصبحان مثله رغم أني أجزم أنهما لن تعقلا أبدا فيبدوا أن تلك

الفتاة وحدها من يمكنها السيطرة عليهما, كل ما أخشاه أن أجلب

لنفسي المزيد من المشاكل بزواجي بها لكني أراها أذكى من أن

تتصرف بغباء كحسناء سابقاً , إن خلصتني من مشاكل والدتي

والأولاد ستكون أسدت لي أعظم معروف لكن إن تأزم الأمر أكثر

فسأصبح في ورطة أكبر ولولا ذاك السبب ما تزوجتها كغيرها وعلى

والدتي أن تقتنع أنه سبب منطقي وسيخلصنا من مشاكل محتّمة

مستقبلا سواء تزوجت بغيرها أم لا , كان عليا إيضاح حدودي

في المشاكل بينها وبين والدتي كي لا أكون في حسناء جديدة هي

أمك قالت وفعلت وأمي زوجتك قالت وفعلت وإن وقفت مع

إحداهما مرّرت الأخرى يومي وهذا بات واضحا لأرجوان الآن

وبقي والدتي , المهم عندي مصلحة الأبناء وهما الاثنتان تجدا

لنفسيهما حلا فأرجوان كلامها واضح وتفهم جيدا أن حدود

علاقتنا هي الأولاد وغيره سيكون حسب مزاج كلينا ولكنها

وعلى ما يبدوا لا تعلم أن مزاجي ليس عند مربية فقط فنحن

لا نلعب , أخرجني من أفكاري صوت بيسان قائلة

" بابا لما لا ننام مع ماما مرة واحدة فقط "

قلت ببرود " ستأتي هي لتنام معكم "

قالت بصدمة " حقا !! "

قلت " نعم وللأبد "

نظر لي أمجد بصدمة وعم الصمت منهم للحظة ثم صرخوا

ثلاثتهم بمرح مزلزلين السيارة فقلت بحدة " يكفي صراخ "

سكتوا فورا وقالت ترف " هل حقا ستعيش معنا للأبد "

ابتسمت بمكر وقلت " نعم إن هي وافقت "

قال أمجد " ماما تحبنا وتريدنا فلن ترفض "

قلت " قد ترفض فالخيار لها "

قالت بيسان " مستحيل ماما لن ترفض "

قالت ترف بحيرة " هل اكتشفتَ أنها ابنتك أيضا "

ضحكت ضحكة عالية على نظراتهم الحائرة ثم قلت

" لا هي ليست ابنتي وانتهى الحديث في الأمر سأتصل

لكم بها بنفسي غدا لتعرفوا إن وافقت أم لا "

دخلنا حينها القصر وأنزلوا الحراس الفتاتان وبقي أمجد

ونظر لي وقال " هل ستتزوج من ماما "

كان عليا أن أتوقع هذا السؤال منه فأمجد ليس طفلا درجة أن

يفوته هذا , صحيح أنه في الثامنة لكنه أذكى من أن لا يفهم الأمر

قلت " نعم ولا تُفهم شقيقتاك الأمر كما تفهمه أنت مفهوم "

قال بابتسامة رضا لِما علم " مفهوم بابا "

ثم نزل من السيارة وغادرت القصر عائدا لمكتبي , اليوم بحكم

أنه عيد المكان شبه خالي إلا من القليل منهم لأنه لا أسوء منا

نحن الأجهزة الأمنية إلا الأطباء فكلانا لا يعترف العيد بنا
*
*
منذ أن دخلت لغرفتي وأنا أتقلب يمينا ويسارا على السرير أطمع

أن أنام في أبعد وقت ينام الإنسان فيه , أنا حقا حائرة ولا أعلم ما

سأفعل إن رفضت سألوم نفسي عن أي شيء سيصيب الأولاد ويفسد

مستقبلهم ومؤكد لن يدعني أراهم بعد اليوم لأني فرطت في الفرصة

التي ستجعلني معهم دائما وإن وافقت سأكون كمن دخل الجحيم بقدميه

زوج لا أعرف من أي كوكب جاء صخرة باردة ومتعجرفة وذكي بشكل

مخيف لا يفوته شيء يقرأ حتى نظرات العينين ووالدته لو كتبت فيها

مجلدات لن أصفها ولن أوفيها حقها , شقيقة غائبة حتى الآن عن

ساحة الحرب والله أعلم ما يخبئون أيضا من مفاجأات , جلست

ورميت اللحاف من فوقي ولففت شعري للخلف كعكة وأمسكته

بمشبك شعر ثم أمسكت بهاتفي واتصلت بسوسن ففتحت الخط

من فورها فقلت وأنا أتوجه للخزانة " مرحبا سوسن "

قالت بقلق " مرحبا أرجوان ما بك تتصلين ونحن كنا معا

منذ قليل ... هل حدث معك مكروه "

تنهدت وقلت " أريد أن أراك الآن هل أنتي منشغلة بشيء "

قالت من فورها " لا .... لقد حممت الأولاد وناموا فهذا وقت

نومهم وحامد غادر لزيارة صديق له في المدينة المجاورة "

قلت وأنا أخرج ثيابي وأرميها على السرير " إذا أغير ثيابي وأكون عندك "

قالت " حسنا وأنا أنتظرك "

خرجت بعد قليل من المنزل وتوجهت لمنزلها وصلت وطرقت الباب

ففتحت لي بسرعة وقالت " ادخلي هيا يبدوا أمرا خطيرا ورائك "

دخلت أتبعها في صمت فقالت ضاحكة

" أقسم أن ذاك الضخم الوسيم وراء هذه الزيارة "

تنهدت وقلت بضيق وأنا أجلس على أريكة الصالة

" سوسن لا تجعليني أغادر غاضبة منك ومن نفسي لأني أتيت "

جلست وقالت ضاحكة " لا أرجوك كله إلا أن تغضبي مني

هل أحضر شيئا نتسلى به "

قلت من فوري " لا أريد شيئا أكلنا اليوم فوق طاقتنا "

قالت بابتسامة " معك حق فأبناء خطيبك أطعموك

نصف حصصهم في الحديقة "

نظرت لها بضيق فقالت ضاحكة

" عليك أن تقتنعي يا أرجوان هذا الزواج لا مفر لك منه "

تأففت وقلت " لقد تحدث معي حين جاء لأخذهم "

نظرت لملامحي مطولا بصمت وكأنها تنتظر أن أتابع حديثي

فنظرت ليداي في حجري وقلت " قال أنه عليا أن أواجه والدته

وحدي ولا أدخله في أي مشكلة بيننا وكأني أنا من عرضت

عليه الزواج وهوا يضع الشروط "

انطلقت منها ضحكة عالية فقلت بضيق

" سوسن أنا لم القي عليك نكتة "

أمسكت فمها لتكتم ضحكتها وقالت

" آسفة يا أرجوان لكن الأمر مضحك حقا "

تنهدت وقلت بحزن " هل تري حالي وما ألت إليه "

قالت بهدوء " هوا أيضا يبدوا محاصرا من والدته "

نظرت للأرض بشرود وقلت " أجل وأنا فهمت ذلك من كلامه

هوا لا يريد إغضابها منه ويحترم تضحيتها لأجلهم وتربيتها لهم لكن

هذا لا يعطيه الأحقية أن يتركها تتحكم في كل شيء يخص حياة أطفاله "

قالت بجدية " كان بإمكانه أن يقول لك أمي ما تريده سيكون لكنه

حقا مقتنع أنها مخطئة في بعض الأمور "

نظرت لها وقلت بضيق " وما ذنبي أنا يضعني في وجه مدفعها

أتلقى منها القذائف لأنقد أبنائه ولم يفكر بي أبدا "

قالت بعد صمت " أرجوان هي حرب قوية وعنيفة أتفق معك

في ذلك لكن إن كسبتها ستفوزين بكل شيء وأولهم ذاك الأسطوري "

تأففت وقلت " لو أعلم ما الذي يجعلك تتغزلين فيه هكذا وبأي عين ترينه "

ضحكت وقالت " لا تكوني تغارين عليه "

نظرت لها بحدة فقالت بدفاع ملوحة بيدها أمامي و تكتم

ضحكتها " امزح أمزح لا تقتليني "

نظرت للجانب الآخر ولدت بالصمت فقالت

" وما قررتِ بشأن كل هذا "

عدت بنظري أماما ونظرت للأرض وقلت بحيرة

" لا أعلم يا سوسن أنا حقا في مأزق إن رفضته سأكون ظالمة في

حق قلبي الذي يحب أبنائه بجنون وفي حقهم هم لأنهم يحتاجونني

بشدة وإن وافقت سأرمي بنفسي للمجهول الذي قد يطول بي

لسنين وأنتهي نهاية والدتهم المؤسفة "

قالت بهدوء " وهل ترك لك مجال للرفض , هوا يجبرك إجبارا "

نظرت لها وقلت " بل ترك الخيار لي نهاية حديثنا "

شهقت بصدمة وقالت بابتسامة واسعة " حقا فعل ذلك !! كيف أقنعته "

قلت بابتسامة سخرية " حاصرته في مربع شخصيته ونجح الأمر "

ضحكت وقالت " أرجوان أمازلتِ تذكرين ما قرأته في تلك الكتب "

ضحكت ضحكة صغيرة غلبتني وقلت " ضننت أني نسيت ما قرءنا

من تخاريف لكن يبدوا أنه حين تجدين نفسك في مأزق يخرج

عقلك بالمعجزات ووجدت كل شيء أمامي حينها "

قالت بابتسامة " إذا لن تعجزي عن شيء "

تنهدت وقلت " أجزم أنها محض مصادفة ولست ندا له يا سوسن هوا

رئيس محققين وعاش تجربة زواج سابقة فلن ينجح الأمر أبدا "

قالت بضيق " أرجوان يا غبية أنتي استطعتِ تربية ثلاث أطفال تربية

لم أربها أنا لأبنائي اللذين من رحمي , كيف تعجزين أمام والدهم "

لوحت بيدي بلامبالاة وقلت" هوا لن يتزوجني إلا

من أجل أبنائه وقالها علانية "

قالت ببرود " هل تريدي إقناعي أنه سيتزوجك حبر على ورق فقط

لتربي الأبناء , ستكونين واهمة إن فكرتي هكذا يا صديقتي "

نظرت لها بصدمة وقلت " ماذا تعني بهذاَ!!"

قالت بابتسامة ماكرة " اعني ما فهمته يا ذكية فليس هناك

زوج لديه زوجة لتربي أبنائه فقط "

قلت والصدمة لم تفارقني " لا .... ذلك مستحيل , لن نكون

زوجان فعليان فسوف أجن إن اقترب مني "

ضحكت وقالت " أرجوان لم أكتشف أنك حمقاء إلا الآن , لا يخدعك

عقلك ولا تخدعك شعاراته فلا يوجد رجل يقاوم امرأة تحل له "

هززت رأسي بقوة وقلت " مستحيل أنا لم أفكر في هذا "

رفعت كتفيها وقالت " سترين بنفسك وسيأتيك كلامي يوما "

وقفت وقلت " إذا سأرفضه لا حل أمامي "

وقفت معي وقالت " وأبنائه ... أو أبنائك يا أرجوان فأنتِ

الأحق بهم من الجميع وحتى والدته تلك "

قلت بأسى " وكيف أنظر لشيء إيجابي واحد في الأمر

واترك كل السلبيات المتراكمة ... كيف !!! "

قالت بهدوء " صحيح أنه أمر إيجابي واحد ولكنه يساوي

كل تلك السلبيات ويفوتها يا صديقتي "

توجهت جهة الباب لأغادر فأوقفني صوتها قائلة " لا تعانديه

يا أرجوان ولا تتحديه فلستِ ندا له ولا تخسريه

من صفك منذ الآن , تذكري هذا دائما "

قلت مغادرة دون أن التفت إليها " شكرا لك يا

سوسن واعذريني على الإزعاج "

ثم خرجت من منزلها وعدت أدراجي لمنزلي أسوأ مما

خرجت منه لتمر عليا الليلة عيناي مفتوحتان لم تغمضا أبدا

*
*
" أجل هكذا يا بتول ستضعين الفعل الماضي هنا "

قلت بامتنان " كم أنا ممتنة لك يا رجاء لقد ساعدتني كثيرا "

قالت بابتسامة " لا تشكريني يا بتول هذا أمر سهل بالنسبة لي "

قلت مبادلة لها الابتسامة " لكنه صعب عندي , لا أعلم من

دونك كيف كنت سأفعل فوالدتي ترفض أن يحضر لي والدي

معلمة خصوصية ووالدي يرفض المعلمين وبقيت بينهم كالكرة "

قالت " عليك أن تجدي لك حلا غيري فالأطفال منذ حضرت اليوم

وهم يتحدثون عن أن أمهم ستأتي للعيش معهم هنا "

قلت بحيرة " ولكن أمهم ميتة !! "

قالت بابتسامة " يبدوا أنها تلك الفتاة التي زارتهم قبل العيد "

قلت " آه أجل تلك التي ربتهم ولكن ما الذي سيأتي بها "

رفعت كتفيها وقالت " الأولاد يقولون أن والدهم أخبرهم

أنها ستأتي للعيش معهم وللأبد "

ضحكت ضحكة صغيرة ورقيقة وقلت

" تلك الفتاة اصطادته على ما يبدوا وسيتزوجها "

قالت بابتسامة " يبدوا ذلك "

ضربتها على رأسها بالكتاب ضربة خفيفة وقلت

" غبية لما لم تستحوذي أنتي عليه وتركته لغيرك "

ضحكت وقالت " بتول بربك والدهم لم يدخل علينا هنا مرة إلا

ووبخني وصرخ بي لأنه لا يدخل إلا في أسوء الموافق

كيف سأرمي بشباكي عليه "

رميت بيدي في هواء وأملت خصري وقلت

" غبية وهل هناك من يقاوم سحر النساء لكنك لم تجربي فقط "

قالت بصوت منخفض لأن الأطفال يلعبون هنا في نفس الغرفة

" صحيح أنه وسيم ولديه شخصية قوية مبهرة ومركز مرموق

لكني أراه لا يعير النساء اهتماما ولن يتزوج بتلك إلا من أجل الأبناء

أنا لا أريد زوجا يتزوجني كمربية , ليس ثمة امرأة تريد حياة كهذه "

قلت ببرود " لن يجدي الكلام الآن فقد ضاعت منك الفرصة لكنا

خططنا سويا لإيقاعه بغرامك "

ضحكت وقالت " لم أعرفك مخططة حربية لكنا جربنا شقيقه

معتصم فيبدوا مختلفا عنه "

قلت باشمئزاز " يع معتصم !! ماذا تفعلين بذاك المتعجرف الثقيل الدم "

قالت بضحكة " لو كان أكبر مني لجربت فيبدوا الوحيد المختلف هنا "

وقفت وقلت " غبية تتركين الأعلى وتنظرين للأسفل "

ثم نظرت جهة الأطفال وقلت " هيا نخرج للشرفة "

قفزوا فرحا فالوقوف في الشرفة بالنسبة لهم كالخروج للتنزه

هي فرصتنا فلو كانت جدتهم موجودة لن نستطيع فعل هذا

وقفت المربية وقالت وهي تنظر لهم " كم سأشتاق لهؤلاء الأطفال

ففي كل سنوات عملي كمربية لم ألتقي من هم في أدبهم وتربيتهم

لا يكذبون ولا يتهمونني فيما يفعلونه ولا يتلفظون بشتائم أو

كلمات سيئة , كم هم رائعون هؤلاء الأطفال "

قلت بابتسامة " معك حق فكم مرة قالت لي إحدى الفتاتان أنظري

لشقيقك مصعب ما يقول ومصعب طبعا تعلم مني كل أنواع الشتائم "

ضحكت وقالت " حتى أنا إن شتمت أحدهم قالوا لي سنخبر

ماما وستغضب منك "

قلت متوجهة جهة الشرفة " يالا الأطفال ومخيلتهم "

خرجت وهم يتبعوني ثم نظرت لهم وقلت محذرة بإصبعي السبابة

" لا أحد يصعد على حافة الشرفة غيري مفهوم أو أدخلتكم "

قالوا معا " مفهووووم "

وقفوا ينظرون للخارج من الفتحات السفلية ويتحدثون عن كل ما

يروه فصعدت أنا بقدماي على أولى حواف الشرفة ورفعت يداي

جانبا وقلت " انظروا الآن سأطير "

صفقوا لي يضحكون فشعرت بيدان تمسكانني وتدفعاني للأمام فصرخت

مذعورة " لاااااا رجاء ابتعدي عني ولا تمزحي معي في هذا "

ولكن اليدان تزيدان من دفعي وأنا أصرخ مستنجدة لأني لحظات

وسأسقط من الشرفة , كنت أترجاها أن لا تفعل ولكنها لا تأبه لي

والأطفال يصرخون ويضحكون علي وكان ثمة حارسان في الأسفل

ينظران لنا في الأعلى فأشار أحدهما بإبهامه مبتسما للواقف خلفي

وكأنه يشجعه على ما يفعل , غريب من أين يعرف رجاء ويفعل لها

هذه الحركة !! طار حينها وشاحي من على رأسي لأني كنت ألفه

دون دبوس وانفك شعري في الريح , شعري ليس كثيفا لكنه

طويل نسبيا وناعم ولونه بني فاتح , عندما أصبح شعري

متناثرا في الريح التفت تلك اليدان حول خصري واحتضنتني

واستدارت بي سريعا للجهة الأخرى للشرفة بعيدا عن أنظار

الحرس والمنازل البعيدة , أنزلت رأسي ونظرت لليدين المحتضنة

لي وكانت لرجل فعرفت صاحبها من الخاتم الفضي في إصبعه

فضربته للخلف بمرفقي وقلت" اتركني .... أنزلني الآن يا

معتصم يا مجرم كدت تقتلني "

وصلني صوته ضاحكا " الستِ تريدين الطيران "

ضربته بقبضة يدي على يديه وقلت

" أتركني الآن واستحي قليلا ما هذا الذي تفعله "

افلتني من قبضة يديه لأصبح على الأرض فالتفت له وقلت

بحدة " مجنون هل تريد قتلي لترتاح مني "

ابتسم متجاهلا كل ما أقول ومد يده وخلل أصابعه في شعري

ورماه في الهواء بحركة سريعة وقال ونظره عليه

" متى أصبح شعرك طويلا هكذا كلسانك "

ثم عاد وغرس أصابعه في شعري مجددا فرميت بيده بعيدا

عني وقلت بغيض " كيف تسمح لنفسك أن تلعب بشعري

هكذا وتبقى وأنا دون حجاب "

أمسك خصلة من شعري وشدها إليه وقال من بين أسنانه

" لا تتحدثي مع الحراس مجددا يا بتول مفهوم "

قلت بتألم وأنا أبعد وجهي عنه وشعري في يده

" لا شأن لك بي أنا لم أتحدث معهم في شيء سيء "

شد خصلتي أكثر حتى بات وجهي يكاد يلتصق بوجهه

وأنفاسه تضرب خدي بقوة وقال بصوت منخفض

" إن وقفتي مع أحدهم مرة أخرى ... "

أدخل حينها يده في جيبه وأخرج شيئا مستطيلا وضغطه فخرج

منه نصل سكين حاد وتابع وهوا يقربه من وجهي

" قطعت لك لسانك بهذا يا بتول "

نظرت للسكين بصدمة وهوا يقربه من وجهي أكثر فأغمضت

عيناي بشدة من الخوف وما هي إلا لحظات وانفكت خصلة

شعري من يده وابتعد رأسي عنه بحركة تلقائية ففتحت عيناي

ونظرت له فكان يمسك تلك الخصلة في يده ويبتسم بمكر فوضعت

يدي في شعري وقلت بصدمة " قصصتَ شعري يا معتصم "

قال مغادرا وهوا يلعب بها في يده

" كي لا تعيدي فعلتك مجددا ففي المرة القادمة سأقصه كله "

وغادر الشرفة والغرفة أيضا على نظراتي المصدومة التي تحولت

من فورها لبكاء يزداد حدة شيئا فشيئا , دخلت للغرفة وغادرت منها

بدون حجاب ودموعي على خداي وشعري مفتوح , نزلت السلالم

بسرعة وتوجهت للباب فأمسكت يد بذراعي ولفتني للخلف لأجد

معتصم أماي قائلا بحدة " أين تغادرين في الشارع هكذا "

رميت بيده عني وقلت ببكاء " ابتعد عني يا معتصم يكفيك ما فعلت "

أمسكني من ذراعي مجددا وسحبني للداخل وهوا يقول

" إن خرجتِ هكذا قطعت ساقيك تفهمي "

أوصلني لغرفة الجلوس الداخلية وأدخلني هناك وأغلق الباب

مسندا يده عليه وقال " متى ستتوقفين عن التصرف كالأطفال

يا بتول متى ستكبرين لقد أتعبتني معك "

قلت بصراخ " وما شأنك أنت بي أكبر أصغر أموت شيء يخصني "

ضرب الباب بيده وقال " كل الشأن يا بتول كل الشأن لي أنا تفهمي "

قلت بجمود " أنا لا اعترف بك في كل قواميسي "

بقي ينظر لي لوقت دون أي ردة فعل وعيناه مثبتتان على عيناي

ثم أبعد يده عن الباب وبدأ بفتح أزرار قميصه فتراجعت للخلف

وقلت بصدمة " معتصم ماذا تفعل "

نزع قميصه ورماه علي وقال " إن خرجت شعرك مكشوفا

هكذا كانت نهايتك على يدي "

ثم أشار لقميصه وقال بأمر " ضعيه على راسك واخرجي هيا "

بقيت انظر له بصمت فصرخ " لفيه على رأسك واخرجي وإن علمت

أنك تحدثت مع أحد الحراس مجددا كان حسابك معي عسيرا "

أخذت قميصه بغيض ولففته على رأسي وخرجت مارة من أمامه

أمسح دموعي فأمسك ذراعي قبل أن أخرج وقال بهدوء

" آسف لأني قصصت شعرك لكنها لم تكن سوى خصلة بسيطة "

نظرت لعينيه وقلت ودموعي عادت للنزول

" لما تكرهني يا معتصم ؟ لما تتصرف معي هكذا "

أمسك كم قميصه الملفوف على رأسي ومسح به دموعي وقال

" ومن قال أنني أكرهك "

قلت بأسى " ولما تتصرف معي هكذا إذا , كل هذا وليس كرها "

ترك ذراعي وقال ونظره بعيد عني " ليس هذا الوقت المناسب

لنتحدث في هذه النقطة غادري الآن يا بتول "

بقيت أنظر له بحيرة قليلا ثم غادرت وتركته وخرجت من

القصر راكضة وعدت لمنزلنا وتوجهت من فوري لغرفتي

*
*
خرجت هي من أمامي تمسح دموعها ومررت أنا أصابعي في

شعري وتنفست أزفر الهواء بقوة , تُخرجينني عن طوري دائما يا

بتول وعجزت أن أجد طريقة أتفاهم بها معك ومع طيشك الزائد

خرجت من الغرفة أتمتم بغيط " نهايتها تجعلين الحراس خدما

لك بسبب مياعتك وغنجك يا بتول "

تقابلت وأمي داخلة من باب القصر مع خادمتها فوقفت ونظرتْ

لي مطولا ثم قالت ببرود " هل أصبحت موضة جديدة لدى

الرسامين خلع ملابسهم كمجرمين الشوارع "

شعرت بالدخان يخرج من أذناي فأمسكت قميصي الداخلي

من الأسفل وخلعته أيضا لأصبح بالبنطلون فقط ورميته على

الأرض وقلت " ما رأيك بهذا الرسام الآن "

ثم خرجت من أمامها مجتازا باب القصر للخارج ولففت خلفه ثم

دخلت لمكاني السري هناك ورميت الأوراق بقدمي من أمامي

جواد الأحمق ألف مرة أقول له نضف الفوضى التي تتركها هنا

اقتربت من الزاوية وأزلت قطعة القماش عن اللوحة وأخرجت

من جيبي خصلة الشعر المربوطة ووضعتها على طرف اللوحة

وأمسكت بالريشة وقلت بابتسامة " هذا ما كان ينقص لوحتك

(الشعر) وها قد رأيته رغم أني كنت سأفعلها في كل الأحوال

فأنتي زوجتي ويحق لي هذا "

*
*
دخلت القصر ورن هاتفي نظرت للمتصل فتوجهت لأحد

الأرائك وجلست عليها وأجبت من فوري قائلا

" مرحبا رضا أين غادرت ألم تقل أنك ستنتظرني "

قال بضيق " انتظرك حتى متى يا رجل وأنت لست موجود إلا بالاسم "

ضحكت وقلت " امسحها في وجهي هذه المرة "

قال ببرود " طبعا فأنت الفاعل في وجه من غيرك سأمسحها

المهم لا تتحدث معها مجددا ما دامت لم تعطيك رفضها "

قلت ببرود " بهذا الشكل قد تنتظر طوال العمر يا رضا "

قال بهدوء " أنا منتظر في كل الأحوال ولن أتزوج غيرها ولن أيأس "

قلت ضاحكا " أعانك الله إذا , هل تأمرني بشيء آخر "

قال بضيق " نعم أغلق الهاتف في وجهي أيضا "

قلت ببرود " رضا لا تجعل نفسك عدوا لي "

ضحك وقال " ستكون أنت الخاسر طبعا لأني سأحكي

لوالدتك عن مغامرات الطفولة "

قلت بضيق " نعم هول الأمور كلها كانت مرات معدودة "

قال ضاحكا " لن أعطلك أكثر وداعا الآن "

قلت مباشرة " وداعا "

ثم وفقت وصعدت السلالم متوجها لجناحي لأخذ بعض الأقراص

المهمة لأغادر فورا , وصلت للأعلى وتوجهت يمينا فأوقفني

الصوت القادم من خلفي قائلا " بابا "

التفت للخلف فكانت ترف تقف في آخر الممر من الجانب الآخر

تلعب بأصبعها الصغير فوق شفتيها وتنظر لي بهدوء فمددت

يدي لها وقلت " تعالي يا ترف "

قالت بصوت منخفض " جدتي ستغضب إن غادرت الممر "

تقدمت نحوها وحملتها بين ذراعاي وقلت

" ولكني إن قلت شيئا تنفذيه فوق رأي الجميع حسنا "

هزت رأسها بحسنا دون كلام فقلت

" ماذا كنتي تريدين قوله لأني مشغول وعليا المغادرة "

قالت من فورها " متى سنكلم ماما أنت قلت لنا بالأمس ستكلمونها في الغد "

أنزلتها على الأرض وقلت ممسكا يدها " هيا ننهي هذه المشكلة الطويلة "

توجهت لغرفتهم وكان الباب مفتوحا فدخلت تسبقني ترف ويدها

في يدي وقالت بمرح " بابا قال سنكلم ماما الآن "

قفزت بيسان من على السرير واقتربت مني ووقف أمجد
*
*
بعد الليلة التي لم يغمض لي فيها جفن نزلت للأسفل وشغلت نفسي بكل

شيء الترتيب والتنظيف والتلميع ولم أترك شيئا لم أفعله محاولة الهرب

من كل هذه الأفكار التي لا مفر لي منها والزواج الذي لا مفر لي منه

بعد وقت رن هاتفي توجهت نحوه ونظرت للمتصل مطولا بحيرة

ماذا يريد مني اليوم أيضا ألم يقل أنه ينتظر ردي , كنت سأتجاهله

لكني خفت منه فلا أعلم كيف يفكر ويفاجئني دائما بأفعاله فقد يجن

ويرسل رجاله للقبض علي, أمسكت الهاتف وفتحت الخط

ووضعته على أذني فجاءني صوت ترف قائلة بحماس

" ماما هل صحيح ستأتي للعيش معنا للأبد "

بقيت جامدة مكاني من الصدمة ليتبعها صوت بيسان قائلة

" ماما لن ترفضي أليس كذلك فبابا قال قد ترفضين "

بعدها أخذ منهم أمجد الهاتف على ما يبدوا من اعتراضهما

وقال " ماما تعالي أرجوك , أرجوك وافقي من أجلنا "

أمسكت رأسي بيدي وقلت " أمجد أعطني والدك "

ذاك الخبيث عرف من أين يأتيني لكني لك يا جابر

سمعت صوت أمجد يقول " ماما تريد التحدث معك "

ثم صوت جابر قائلا " عودوا لما كنتم تفعلون هيا "

وقال بعدها " لا اعلم ... ترف اجلسي وتوقفي عن القفز "

بعد قليل وصلني صوته قائلا " نعم يا أرجوان "

قلت مباشرة " أنا موافقة "

نهاية الفصل العاشر
__________________
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12-29-2015, 11:21 AM
oud
 
الفصل الحادي عشر

استيقظت اليوم متأخرة على غير عادتي فأنا أكره كثرة

النوم صباحا , فتحتْ فرح باب الغرفة ودخلت متوجهة من

فورها للخزانة وفتحتها وقالت" أين فستانك ألتفاحي لا تنسي

أنك أعطيتني إياه , عليا وضعه مع الأغراض "

قلت بابتسامة صغيرة وأنا ألف شعري جالسة على السرير

" أخذته للمغسلة لا تنسي أني لبسته مرة وأنتي عروس عليك أخذه جديدا "

التفت إليا وقالت " تعالي وانظري معي لحقيبتي لم أعد اعرف

ما ينقصني, جواد الغبي هذا لا أعلم كيف يفكر ليسافر

بي صباحا من الفندق للمطار "

غادرت السرير قائلة " لا توتري نفسك كثيرا فكري فيما

ستحتاجينه أول ليلة والباقي يمكنكم شرائه في أي وقت "

أمسكتني من يدي وقالت ساحبة لي معها " تعالي معي "

قلت وأنا أسير خلفها بسرعة " فرح اتركيني ادخل الحمام أولا "

ولم تكترث لي طبعا حتى وصلت بي لغرفتها , فرح من أسبوع وهي

على هذا الحال فمنذ علمت بسفر جواد وأنها ستذهب معه وهي لا شيء

لديها سوى التسوق والتذمر والبكاء لأنها لم تجد كل ما تريد ولن يقام

لها حفل زواج ونسيت أن أهم شيء لديها وهو الرجل الذي تحبه ويحبها

ليلة البارحة نامت فرح معي على ذات السرير , شيء لم نفعله منذ

طفولتنا واختارت توديعي به , وقفت بي عند حقائبها المفتوحة وقالت

" وضعت كل شيء وأشعر أني لم أضع فيها شيئا وهناك شيء ناقص "

قلت " لما لم تدوني كل ما ستحتاجينه في ورقة "

قالت وهي تغلق إحداها " دونت كل شيء ووضعته فيها "

ثم قالت مغادرة الغرفة " بقي الفستان عليا الذهاب لإحضاره اليوم "

جلست أرتب الحقيبة الأخرى وامسح دموعي التي أجاهدها منذ وقت

وهاهم بقايا أهلي يتركونني ولن يبقى لي سوى خالتي التي لا أعلم

متى سيأخذها الموت مني هي أيضا, عادت فرح بشيء في يدها

رمته في الحقيبة من بعيد وغادرت مجددا, غابت لوقت ثم عادت

ووقفت عند الباب وقالت " هيا غيري ثيابك لتخرجي

معي نحضر الفستان ونختار باقي ملحقاته "

وقفت وقلت " عليا زيارة خالتي فأنا في العادة أقضي نصف

اليوم الأول من العيد في منزلها ولم أذهب لها بالأمس فعليا

قضاء بعض الوقت معها "

وضعت يداها وسطها وقالت بضيق " ستنتقلين للعيش معها وتكونا

معا حتى تشبعا , لا أريد أن تفارقيني هذان اليومان يا وسن "

قلت ماره من أمامها ومغادرة الغرفة

" لا استطيع يا فرح هذا عيد وليس أي يوم عادي "

توجهت لغرفتي دخلت الحمام استحممت وخرجت غيرت ثيابي

وغادرت المنزل فعليا زيارتها ولو لبضع ساعات

*
*
عدلت لها الوسائد خلف ظهرها قائلا

" أمي عليك أن تنتقلي للمرحلة الثانية من العلاج "

اتكأت على الوسائد وتنهدت بتعب وقالت

" لا نفع من كل هذا ولن أتركهم يحرقوني مجددا بالكيماوي "

جلست أمامها وقلت " لما نتوقف بعد كل هذه المرحلة من

العلاج وبعدما تحملتِ كل ذاك الألم "

نظرت جهة الباب وقالت " لا تتعبني معك يا نواس واتركني براحتي "

تأففت ولذت بالصمت مشيحا بوجهه عنها ثم نظرت لساعتي وقلت

" ما بها هذه الممرضة تأخرت هكذا "

قالت بابتسامة صغيرة " هل مللت من البقاء معي بهذه السرعة "

قلت بضيق " أمي ما هذا الذي تقولينه "

قالت مباشرة " وسن قالت ستأتي اليوم لأنها لم تزرني

بالأمس فيمكنك المغادرة ما أن تأتي "

قلت بسخرية " لهذا أريد أن اذهب قبل أن تأتي لأجنبها رؤيتي "

هزت رأسها بيأس وقالت " حتى متى سيفر كل واحد منكما من الآخر "

قلت ببرود " هي تريد هذا "

قالت مغيرة مجرى الحديث " قال جواد أنك من سيتكفل بأمر

علاجها وعلى هذا الحال لن يكون هناك علاج "

قلت بعد صمت " كلفت من سيستفسر لي عن المتخصصين

في هذا ووقتها لكل حادث حديث "

قالت بهدوء " أين جواد اليوم لم أره أبدا "

ضحكت وقلت " زوجته تلك لن ترتاح حتى تصيبه بالجنون

وها هوا اليوم يعمل تحت إمرتها "

قالت بضحكة " الذنب عليه فهوا لم يخبرها بموضوع السفر والزواج

إلا من أسبوع فقط , لا وسيغادران من الفندق صباحا للمطار "

قلت " جواد تعمد فعل هذا من أجل وسن فحالتها الصحية تتحكم فيها

نفسيتها فيريد أخذ فرح مباشرة دون أن تودعها "

قلت بصدمة " هل سيأخذها دون أن تراها "

نظرت للأرض وقلت " هذا ما يخطط له وستُسقط فرح الطائرة به بالتأكيد "

تنهدت وقلت بحزن " مسكينة هذه الفتاة خسارتها تتوالى ولم يبقى لها أحد "

نظرت للأرض بصمت ولم اعلق بشيء فسمعنا حينها باب المنزل يفتح

فوقفت وتوجهت لحمام الغرفة , لابد وأنها الممرضة سأتوضأ وأغادر

لأن الظهر سيقام قريبا وسأصليه في مسجد حيِّنا لأذهب للمزرعة

*
*
فتحت الباب بالمفتاح الذي تركه لي جواد لدى فرح لأنه مشغول

اليوم وقد لا تأتي الممرضة مبكرا وهوا يضن أني سأستيقظ باكرا

وآتي إليها حتى تأتي ممرضتها لكني نمت على غير عادتي , أغلقته

خلفي ودخلت , كان المنزل هادئا وكأنه لا أحد فيه , توجهت لغرفة

خالتي طرقت الباب وفتحته ودخلت , كانت على حالها دائما تجلس

على السرير والممرضة تبدوا في الحمام المفتوح من صوت الماء

حمدا لله أنها لم تبقى وحدها , نظرت لها بابتسامة صغيرة

حزينة وقلت " كل عام وأنت بخير يا خالتي "

مدت يداها لي وقالت " تعالي يا مشاغبة كيف لا تأتين لي يوم العيد "

اقتربت منها وجلست بجوارها على السرير ونمت في حضنها

فقالت ماسحة على رأسي " كل عام وأنتي بخير يا وسن يا ابنتي "

نزلت دمعتي وقلت بحزن " لا تتمني لي هذا يا خالتي أرجوك "

قالت ماسحة لدموعي وأنا في حضنها" هل هناك

من يكره الخير له يا وسن "

قلت بحزن " بلى أنا لأنه لا مكان لي على هذه الأرض

لما لا ارحل كأهلي "

تنهدت وقالت بضيق " وسن توقفي عن قول هذا فأين ذهبنا نحن "

ابتعدت عنها ومسحت دموعي وقلت " يعز عليا فراق فرح

وزوجة والدي , لم يبقى لي سواك فهل سترحلين وتتركيني "

انفتح حينها باب الحمام أكثر وخرج منه نواس وتوجه من فوره

لباب الغرفة وخرج منها دون أن ينظر ناحيتنا ولا يتكلم فأنزلت

رأسي أرضا في حزن ووصلني صوت خالتي قائلة" نواس ابن

خالتك في كل الأحوال ... كيف لا تخرجي له في العيد "

نظرت لها بصمت فقالت " ليس هوا من أخبرني طبعا بل جواد "

أشحت بوجهي عنها دون كلام فقالت

" كان عليك أن تحترميه على الأقل يا وسن "

نظرت لها وفتحت فمي لأتكلم فقالت من فورها

" هيا قومي وعيدي عليه يبدوا دخل لغرفته ولم يغادر بعد "

قلت بضيق " خالتي ما هذا الذي تقولينه لقد رأيته بنفسك كيف

مر من أمامي دون حتى أن ينظر ناحيتي "

قالت بضيق أكبر " هوا رجل العائلة الآن يا وسن في مقام

والدك وشقيقك وعلينا جميعنا احترام رأيه واحترامه "

قلت بتذمر " ولكن ... "

قاطعتني قائلة " نواس قضى يوم ألامس كله معي هنا ولم يغادر

إلا لمنزلكم وعاد ثم غادر العصر للبر فورا لأنكم ستأتون فهوا

يعتبركم أهم جزء في يوم العيد وأنتي أهنته بهذا "

نظرت للأسفل بصمت فقالت بأمر " هيا اذهبي له يا وسن لا أريد

أن يمر العيد وكل واحد منكما مخاصما للآخر ولا يكلمه "

وقفت في صمت وغادرت الغرفة وتوجهت للغرفة الأقرب لها

وهي غرفة نواس , طرقت الباب طرقات خفيفة ففتحه ووقف

أمامه ننظر لبعضنا بصمت ثم أنزلت رأسي وقلت بهدوء

" كل عام وأنت بخير "

قال بنبرة عتاب " وأنتي بخير يا وسن على الأقل من أجل

فرح فهي لم تمت ولن تموت في أي وقت "

ثم غادر من أمامي وأنا أتبع قفاه بنظري حتى اختفى ثم أغمضت

عيناي وارتجف جسدي على صوت ضربه لباب المنزل خارجا

منه ونزلت دمعتي تروي للعيد آخر حكاياتي فيه, مسحت عيناي

وعدت جهة غرفة خالتي دخلت وأغلقت الباب خلفي وجلست على

الكرسي أمامها تتحدث معي وأنا أنظر للأرض بحزن وشرود وبالي

مع فرح ومع قلبي المجروح منه مع ماضيا الغائب ومستقبلي التعيس

حتى أخرجني صوتها من أفكاري قائلة " وسن ألا تسمعينني "

نظرت لها وقلت " نعم خالتي "

قالت " أنا أناديك منذ وقت وأنتي في عالم آخر

وكأني أتحدث مع نفسي "

قلت بإحراج " آسفة شردت قليلا "

قالت بهدوء " هل تشاجرتما مجددا "

أبعدت نظري عنها وقلت بحزن " أين أجد مكانا في الأرض

لا أراه فيه يا خالتي , أقسم أنني تعبت "

تنهدت وقالت بحزن " ليث لدي شيء أفعله فلا يزيدني تعب

على تعبي غيركما "

قلت بابتسامة سخرية " هوا بأفضل حال انشغلي عليا أنا وحدي "

قالت بعتب " وسن أنا وقفت معك في كل شيء تركتك تدرسين من

مالك رغم أنه غير راض عن ذلك وعاندته في بقائنا هنا رغم أني

أعلم جيدا أنه أمر متعب له أن نكون نحن هنا وهوا هناك فلما هذا الكلام "

قلت باستياء " هل أنا المخطأة المذنبة وهوا من معه كل الحق "

قالت ببرود " لو لم يكن معك حق ما وقفت في صفك لكنه أيضا

يعد نفسه مسئول عنا وتفكيره صحيح "

وقفت وقلت " سأعد لك الشطائر التي تحبين أكلها من يدي "

ثم غادرت غرفتها للمطبخ لينتهي هذا الحديث الموجع للحواس

قضيت مع خالتي الوقت حتى العصر وكانت الخادمة والممرضة

هنا فوقفت لأغادر فقلت خالتي " ما يزال الوقت مبكرا يا وسن "

قلت وأنا آخذ حقيبتي من على الأريكة " فرح مستاءة مني وعليا

مساعدتها تعرفينها تفقد عقلها إن حاصرها الوقت "

قالت بابتسامة " وفقهما الله وأفرحني بك أيضا في يوم كهذا "

ابتسمت ابتسامة حزينة وقلت " أنا أخذت حصتي من الجراح وانتهى "

ثم خرجت مودعة لهما
*
*
وصلت المزرعة نزلت ودخلت المنزل من فوري بحث عنه

حتى وجدته , وقفت عند الباب مستندا بذراعي عليه وقلت

" ماذا تفعل هنا وأنا اعتمدت عليك في الإشراف على إطعام

الخيول وتنظيف الإسطبلات أم نسيت أنه اليوم وقت التنظيف "

نظر لي ثم عاد بنظره للحاسوب أمامه وقال

" اترك عنك كل ذلك وتعال لترى "

قلت بتذمر " وليد اتفقنا أن معاذ سيتكفل معي بمستلزمات الخيول

جميعها وأنت وجواد بالعمل هنا , جواد مشغول الآن

وسيسافر وأنت تجلس تتسلى على الانترنت "

لوح لي بيده وقال " تعال قلت لك ولا توجع لي رأسي "

قلت بلامبالاة " هل أرسلت لمي ما قلت لك عنه "

قال ونظره على الحاسوب " نعم ومنذ صباح الأمس "

قلت " وكيف حللت مشكلة المقاسات "

قال " اشتريتها بمعرفتي "

قلت بهدوء " وليد لما لا تشرح لي حدود علاقتك بها وكيف

علمت بمقاس ثيابها إن كنت لا تراها منذ سنوات "

توترت ملامح وجهه ونظر لي وقال بحدة

" نواس هل تشك بي وبزوجتك "

قلت ببرود " لا طبعا وأنا لم أقل ذلك "

وقف وقال " ما تعنيه إذا بما قلت "

قلت " أعني كن واضحا معي يا وليد هل تحب الفتاة وتريدها أم لا "

مر من أمامي قائلا " قلت لك ألف مرة لا , انظر في الحاسوب

خبر آخر صفقة لك وما قيل عنها "

وغادر الغرفة مستاءً , لا اعلم لما أشعر أن ثمة حكاية بينه وبينها ولو

في نفسه فقط لكن وليد لا يخفي عني شيئا ! دخلت الغرفة وجلست

أمام الحاسوب وتابعت كل ما قيل , رائع هذا سيزيد سمعتنا في

السوق وسيساعدنا في الصفقة القادمة وليد قام بعمل جيد , تجولت

بعدها كثيرا في أخبار السوق والتجارة ثم أغلقت الحاسب

وخرجت للإسطبلات ووجدته هناك , وقفت بجانبه ووضعت

يدي على كتفه وقلت " هل أنت غاضب مني "

قال ببرود " بالتأكيد "

قلت بابتسامة " آسف يا وليد ولا تؤاخذني على أفعالي هذه الأيام "

نظر لي وقال " نواس لا تظلم مي معك بالظنون عدني

بذلك فيكفي الفتاة ما أصابها "

قلت بذات ابتسامتي ضاربا بيدي على كتفه " أنا لا أضن بها سوء

يا وليد لا تقلق من هذه الناحية فقط أردت أن تفتح لي قلبك "

عاد بنظره للعمال وقال بهدوء " قلبي لم يغلق أمامك يوما ولا شيء

بيني وبينها وحتى إن فرضنا أنه كان ثمة شيء في نفسي فأنا لم

أعد استحقها ولا هي تحل لي "

لذت بالصمت ولم أزيد الخوض في الحديث أكثر فهوا معه

حق الفتاة باتت زوجتي وهذا الكلام لا يجوز

*
*
في الصباح استيقظت على صوت فرح توقظني فقلت وعيناي

مغمضتان " فرح حمدا لله أنك لا تتزوجين كل شهر "

قالت بتذمر " هذا ليس يوما للنوم يا وسن هيا لتساعديني "

جلست أمسح وجهي بيدي فقالت " لو كنتي متزوجة لقلت

بأنك حامل, ما كل هذا النوم على غير العادة "

نظرت للساعة في هاتفي وقلت بصدمة

" إنها الثامنة يا فرح ما الذي سنفعله من الآن "

قالت من فورها " علينا إنهاء كل شيء باكرا وعليك الذهاب

لمنزل خالتك تعرفين أنه لا نساء هناك "

غادرت السرير قائلة " الحفل عائلي ما سأفعله هناك "

عدت بأصابعها قائلة " نحن وزوجات أخوالي الثلاث وجارتا

خالتك وصديقتي حنان وزوجة صديق لجواد ألا يكفون هؤلاء كلهم "

قلت وأنا أتوجه للحمام " أمري لله لا راحة حتى في إجازة العيد "

دخلت الحمام وأغلقت الباب وتوجهت للمغسلة أغسل وجهي مرة

تلو الأخرى أمنع نفسي من البكاء بعدما هربت من عينا فرح الوارمتان

من كثرة بكائها الذي تخفيه عنا , عليا أن أكون قوية وسعيدة من أجلها

فهذا أفضل من أن تتحطم مثلي ونصبح في اثنتان بدلا من واحدة

خرجت بعدها من الحمام ولم تكن في الغرفة , غيرت ملابسي ولبست

حجابي وخرجنا معا ننهي باقي أعمالها حتى حان وقت ذهابها للمزين

تركتها هناك وعدت للمنزل رتبت مع زوجة والدي ما ستأخذه

معها لمنزل خالتي من أجل الحفل ثم استحممت وأخذت الثياب

التي سألبسها من أجل الليلة , كان فستانا أزرق اللون قصير لعند

الركبتين حريري به نقوش بالخيوط الذهبية عند الحزام والحواف

السفلية وبحمالات عريضة ذهبية أيضا , وضعته في كيس مع الحداء

الذهبي وإكسسوارات مخصصة له وخرجت من المنزل وتوجهت

لمنزل خالتي , وصلت وطرقت الباب ففتحت لي فتحية وقالت

مبتسمة " انتظرك منذ وقت فجواد سيفقدني عقلي "

قلت بابتسامة وأنا أدخل " وفرح هناك أفقدتني عقلي أيضا "

قالت وهي تتبعني للمطبخ " أحضر كل شيء من أجل الحفل وأي

شيء أقترحه عليه لا يعجبه , حمدا لله أنه ليس حفلا كبيرا "

انشغلت معها لوقت في رؤية ما أحضر ثم قلت

" عليا رؤية خالتي وسأعود لنجهز كل شيء "

قالت من فورها " حسنا وأنا سأخرج الأطباق للطاولة "

خرجت بعدها من المطبخ وطرقت باب الغرفة ودخلت

وجدت الممرضة تحقن لها المغذي فاقتربت منهما وقلت

" مساء الخير "

ردا عليا التحية معا وقالت خالتي مبتسمة

" جيد أنك أتيتِ قبل أن يطرد جواد فتحية من هنا "

قلت بابتسامة " يطردها ويسافر ويتركنا "

قالت بضحكة متعبة " يبدوا فكر أنك ستكونين هنا ولن نحتاجها "

ضحكنا معا ثم خرجت وعدت جهة المطبخ ورتبت مع فتحية

كل شيء في صالة المنزل وفي مجلس الرجال لأن عددهم قليل

فلن يحتاج الأمر لوضعهم في مكان آخر , أعددنا العشاء معا

لأن جواد لا يريده من المطعم ولم أتركها حتى أطفأنا المواقد على

جميع القدور ولم يبقى سوى سكبها , جهزنا السلطة والعصائر

ثم استحممت وأخذت كيس ملابسي وغادرت المنزل وعدت

لفرح في المزين , دخلت ووجدتهم يضعون لها اللمسات الأخيرة

فاقتربت منهم وقلت " هل انتهيتم "

قالت المتخصصة في الماكياج بتذمر " لم تساعدنا أبدا تبكي

طوال الوقت وكأنها ستموت وليست تتزوج "

نزلت مني دمعة غلبتني مسحتها وقلت

" سأغير ثيابي , أريد أن تضعوا لي الماكياج وتسريحة شعر "

ثم غادرت من فوري لغرف التبديل ارتديت الفستان ووضعوا

لي ماكياجا خفيفا ومناسب للفستان ورفعوا لي شعري للأعلى

ثم انتقلت حيت فرح فكانت جاهزة , وقفت أمامي فقلت باندهاش

" فرح ما كل هذا الجمال "

نزلت دموعها وحضنتني وقالت باكية

" كيف سأبتعد عنك يا وسن سأشتاق لك يا شقيقتي "

لم استطع أمساك دموعي التي نزلت دون توقف ثم ابتعدت

عني ونظرت لملامحي وقالت " وسن هل تشعرين بشيء آسفة حبيبتي "

قلت بابتسامة حزينة " لا عليك يا فرح هذه الآلام ملازمة

لي منذ الصباح , بت أعتاد عليها "

تنهدت وقالت " انتقم الله ممن كان السبب منذ البداية "

قلت بحزن " توقفي عن الدعاء عليه يا فرح فمهما

كان بيننا هوا ابن خالتي "

قالت بضيق " بل لأن قلبك الأحمق لازال يحبه "

حملت الغطاء الخاص بها وقلت " هيا بسرعة فخالك على وصول

وجواد سيأخذك ووالدتك من شقتنا وأنا عليا العودة لمنزل

خالتي من أجل استقبال الضيوف "

لبست عباءتي وحجابي وتلثمت بطرف الوشاح لإخفاء الزينة ولم

يبقى سوى عيناي ثم خرجت وفوجئت بجواد في الخارج, نزل من

السيارة وتوجه نحوي فقلت مغيرة لصوتي " ماذا تريد يا سيد "

ضحك وقال " أعرف عيناك وأميزهما من أميال يا مخادعة "

ضحكت وقلت " كاذب بل عرفتني من عباءتي فعيناي هناك كثر مثلها "

فتح لي باب السيارة وقال مبتسما" وعباءتك مشابهاتها

أكثر أما عيناك لا مثيل لها بالأسود الثقيل "

ركبت السيارة قائلة " لو سمعتك فرح لصبغت ليلتك أنت بالأسود الثقيل "

أغلق بابي وركب وقال " لا تفتني بيننا يا مهرتي خيرا لك "

ضحكت وقلت " هل تتدرب علي يا أحمق "

ضحك وانطلقا بالسيارة فقلت " هلا أخبرتني ما جاء بك هنا "

ضحك وقال " جئت لأسرق عروسي من عند الباب

فأخطئت وجلبت واحدة أخرى "

ضحكنا سويا ثم قال " الضيوف بدؤوا بالوصول وعليك

أن تذهبي لاستقبالهم لهذا جئت لأخذك "

*
*
وقفت في الأسفل أنا ومعاد لاستقبال باقي ضيوفنا وبقي وليد

في المجلس مع أخوال فرح حتى يأتي جواد , نظرت للواقف

بجانبي وقلت" ومتى سنفرح بك أنت أيضا فقد أتعبت

قلب والدتك وتشتكي لي منك بالأمس "

ضحك وقال " حتى يتزوج وليد أولا "

قلت بضيق " يالها من حجة تعلم أن وليد حاله أردى منك "

قال بضيق مصطنع " ما بك أنت معنا تزوجت وتريد

تزويج الجميع مثلك "

ضحكت وقلت " لا أريد أن أرى أحدا منكم حرا طليقا "

قال ببرود " أنا سبق وجربت حضي والخروج من الطلاق

بزواج آخر يليه فكرة فاشلة "

قلت بسخرية " هذا لأنه لم تلعب إحداهن بعقلك لسقط

الشعار والقناع أيضا "

وصلت حينها سيارة جواد ونزلت منها وسن متلثمة بوشاحها

وترتدي عباءتها , ليس لأن جواد من أحضرها عرفت من تكون

بل من عيناها منافسة الغزلان وكأنها تنوي قتل المقتول , ثنيت

نفسي ومشاعري وأبعدت نظري عنها مجبَرا وهي تقترب لتدخل

المنزل , اجتازتنا ودخلت في صمت وصفر معاد بعدها بصوت

منخفض وقال " لمن هذه العينان بحق الله ولا تقل أنها زوجته "

قلت بهدوء يعاكس دواخلي " اصمت يا معاد ولا حرف آخر "

اقترب منا جواد حينها وقال" أمازلتما هنا !! متى

سيكتمل ضيوفكم لأذهب لجلب زوجتي "

قال معاد من فوره " هل تعني أن تلك الغزال التي

دخلت ليست زوجتك "

نظرت له وقلت بضيق " معاد أحفظ لسانك عن

محارم غيرك خيرا لك "

نظرت لجواد فكان ينظر لي نظرة أفهم مغزاها جيدا وكأنه

يقول لي أطلق سراح الفتاة , قال معاذ بحسرة

" هي متزوجة إذا يالا خيبة الأمل "

قلت ببرود " أرى القناع سقط سريعا "

قال جواد متوجها للداخل " إن أردت خطبتها فهي لك "

ودخل المنزل وقال معاد من فوره " أفهماني شيئا أنتما "

نظرت جانبا وقلت " لا شيء لأفهمه لك وابحث لك

عن عروس غيرها "

لم افقد عقلي بعد لأزوجها لأحد أصدقائي المقربين , وإن فرضنا

وحدث وزوجتها فسيكون لشخص يسكن في أبعد مدينة عن هنا

*
*
دخلت المنزل أوجاعي في قلبي هي التي تزداد , هل أصبحتَ

تكرهني حد أن تشيح بوجهك عني يا نواس !! توجهت لحقيبتي

أخرجت الحبوب المسكنة وتناولت منهم اثنتان رغم أنهما لن

يخففا من الألم إلا قليلا , عليا أن أجرب علاجا للقرحة فهذا لا

يفيد ولن تخف ضغوطي النفسية أبدا وأنا أقترب في كل يوم من

مسبباتها أكثر فأكثر , توجهت بعدها للضيوف سلمت عليهم

وكانت خالتي معهم تجلس على الكرسي المتحرك , توجهت بعدها

للمطبخ وأنهيت مع فتحية باقي التحضيرات واستقبلت باقي الضيوف

وأحضر جواد فرح ووالدتها , كانا جواد ونواس كلما أرادا شيئا

نادى فتحية وهي تخبرني ما يريدان , لو كنت زوجة نواس من

عامان لكان الآن لا ينادي غيري ولكان ابننا يركض مع الأطفال

لم أتخيل يوما أن تتزوج فرح وأنا لست زوجته بل متزوج بغيري

ومن الغريب أنها لم تحضر اليوم لكانا قتلاني أكثر وهوا يناديها

وتخرج له وتدخل مبتسمة , أمسكت معدتي بقوة وغادرت للمطبخ

أحاول طرد الأفكار وليس الهروب , دخلتْ زوجة والدي خلفي

وقالت " ما بك يا وسن هل أنتي بخير "

قلت بابتسامة " أنا بخير لا تقلقي ما بكم تعاملونني كأني طفلة "

قالت " فرح لم تسكت حتى غادرت خلفك رغم أني أخبرتها

أننا نخنقك بكثرة مراقبتنا لك لكنها بدأت بالبكاء فجئت

كي لا يتحول الحفل لمناحة "

ابتسمت بحزن وقلت " كم سأشتاق لها وأفتقدها تلك المشاكسة "

قالت بحزن " فلنأمل أنها بضع سنين قليلة ويعودان "

وضعت يدي على كتفها وقلت " أعرف فرح جيدا لا يمكن

لأي معجزة أن تجعلها تستقر بعيدا عنا "

ضحكت وقالت " وفي هذا أنا أتأمل لأنها قالت بالحرف الواحد

سأرجع ولو وحدي ويبقى هوا هناك إن أراد "

ضحكنا سويا ثم خرجنا عائدتان حيث الضيوف الذي بدأ عددهم

يتناقص شيئا فشيئا حتى غادر الجميع ودخل جواد ليلتقط بعض

الصور هوا وفرح ودخلت أنا للمطبخ فلا أريد رؤيتها تغادر

يكفيني يوم الغد ثم نواس سيدخل لوالدته ليتصورا مع جواد

أيضا قبل أن تغادر المصورة

*
*
بعدما التقطت لنا المصورة بعض الصور تحت إصرار من جواد

لأني لا اكترث لكل هذه الأمور أنزل عروسه وتوجهت للمطبخ

لشرب الماء لأنزل لباقي الشلة التي تنتظر في الأسفل لإيصال جواد

وعروسه للفندق , المطبخ في منزلنا يأخذ ممرا مستقلا هوا والحمام

وبابه في نهاية الممر مباشرة , وقفت عند بداية الممر أنظر للواقفة

هناك التي كنت أضن أنها في غرفة والدتي مع والدة فرح

وقفت متكأ بالجدار أشاهدها في صمت بفستانها القصير وشعرها

المرفوع تعطيني جانبها , وقفت أتأمل الحلم والماضي مجتمعان في

طيف امرأة فما أصعب الحلم حين يبقى حلما للأبد وما أصعب

الماضي حين يسافر معك للمستقبل ويبقى مجرد ماضي

شعرت بيد تمسك كتفي فنظرت لصاحبها فكان جواد

ابتسم لي بحزن وقال " لا تنسى ما كنت تقوله دائما يا نواس

ليس رجلا من يشاهد جسد امرأة لا تحل له "

ابتسمت بألم وخرجت أمامه في صمت , من قال لك أني أشاهد

جسدها يا جواد فما لا تعلمه أني كنت أشاهد شيء أصغر من جسدها

بكثير وهي الدمعة التي تنساب على خدها ببطء , لماذا وجد الحب

إن كانت ستوجد الجراح ولماذا وجد الشوق إن كان سيوجد الكبرياء

سؤالان لا جواب لهما فلا حب بدون جراح ولا شوق بدون كبرياء

أوصلنا جواد وزوجته للفندق نزل ونزلنا جميعا وباركنا له فقال

معتصم " هيا نكمل سهرتنا في أفضل مكان في العاصمة

فلا أقسى على قلب العريس إلا أن يعلم أن شلته يسهرون

معا وهوا ليس معهم "

قال جواد بمكر " بل أنا من حضي بما لم يحضا به

أي منكم حتى الآن فمن سيقهر من "

ضحكنا جميعنا وغادرنا بعدما نزل بعروسه

*
*
وصلنا الفندق ودخلنا الجناح المخصص لنا وفتح جواد الباب

وهوا يتمتم بلحن أعرف جيدا لأي أغنية يكون , لف ذراعه

حول خصري ليدخلني فقلت وهوا يغلق الباب

" ماذا كنت تقول لي قبل أن ندخل لم أكن أسمعك "

وصلني صوته المبتسم وهوا لازال يسير بي في الجناح

" لم أكن أتحدث معك أنتي "

وصلنا الغرفة وأزال الغطاء عني فقلت " مع من إذا أيها الخائن "

ضحك رافعا رأسه للأعلى ثم نظر لي وأمسك وجهي

بيديه وقال بهمس " لطوق الياسمين "

أمسكت يديه المحتضنة لوجهي وقلت بابتسامة

" لازلت تذكر هذه الأغنية "

قبل خدي وقال مبتسما " وأحفظها كاسمي كيف

وهي أغنيتك المفضلة "

نمت في حضنه فشدني له بقوة وقال

" هذه أسعد ليلة في حياتي كلها منذ عرفتك "

ابتعدت عن حضنه ونظرت له بضيق فضحك وقال

" أمزح ما بك "

امتلأت عيناي بالدموع فأمسك وجهي مجددا وقبل جبيني

وعيناي وخدي وقال " آسف حبيبتي أقسم أنها لم تكن سوى مزحة "

نزلت مني دمعة مسحتها بأطراف أصابعي وقلت بحزن

" ليس هذا ما أبكاني "

وضع أنفه على أنفي وقال بحنان " وما يبكي يسمينتي إذا "

شهقت شهقة صغيرة وسط دمعتان تدحرجتا من عيناي وقلت

بصوت مبحوح " كلما زادت فرحتي الليلة كلما زاد حزني على

وسن , كانت اليوم بحالة سيئة وتكابر فليتك رئيت وجهها

حين كان يصلنا صوت نواس مناديا فتحية "

ضمني لحضنه وقال ماسحا على ظهري

" لن تكوني فرح إن لم تبكي لأجلها ليلة زواجنا "

قلت بعبرة " رغما عني يا جواد كيف أنام في حضن من

أحب ولا أتذكر أي ليلة ستنامها هي الليلة "

تنهد وقال " ليست وحدها من سيعاني الليلة يا فرح

فالقلوب المحطمة كثيرة "

كنت أود أن أقول ( إلا شقيقك طبعا ) لكني أعرف نتائج هذا

وهوا شجار محتم بيننا وسيغضب مني في نهايته , قال بعد

ضحكة صغيرة " أعلم ما سبب كل هذا الحزن إنها

العناكب الموجودة في شعرك "

ابتعدت عن حضنه ونظرت له بصدمة فأخرج أحد المشابك

الكريستالية من تسريحة شعري وقال " مثل هذا "

ضحكت رغما عني فحضنني مجددا وقال بابتسامة

" نعم هكذا أريدك فرح حبيبتي التي عرفتها دائما وهيا

افتحي شعرك الطويل من قال لك أني أريده هكذا "

قلت بضحكة " وكيف يكون فستان زفاف مع شعر مفتوح "

ثم ابتعدت عن حضنه وقلت " أخرج إذا لأغير ثيابي

وأفتح تسريحة الشعر "

أمسك وجهي وقال " بالتأكيد ولكن ثمة دين عليك الإيفاء به أولا "

نظرت له باستغراب وفتحت فمي لأتحدث فقبلني قبلة طويلة وأنا

أضربه ليبتعد عني ولكنه يتعمد فعل ذلك ويكتم صوت ضحكته

ليخرج من أنفه ولم يتركني إلا حين أراد هوا فابتعدت عنه أتنفس

بقوة وقلت بضيق " ما هذا !! لو كنت بالوعة ما كنت هكذا "

ضحك وقال مغادرا " هذا العربون فقط ولم تري شيئا بعد

بسرعة لا تتأخري وأزيلي هذه العناكب "

ثم خرج وأغلق الباب وأنا أراقبه بابتسامة , توجهت لطاولة

التزيين ووقع نظري على التذاكر فوقها فماتت ابتسامتي وتنهدت

بحزن , كم يعز عليا فراق أهلي وهذا الوطن بما فيه

*
*
بعد ساعات عدت للمنزل فتحت الباب ودخلت بهدوء,عليا

التحدث معها في الأمر فكل ما كنت أنتظره زواج جواد وها

قد حدث فلا يمكنني ترك المسألة معلقة كل هذا الوقت, وصلت

للصالة وتقابلت وفتحية فقلت مباشرة " من بقي في المنزل "

قالت وهي تجمع الأطباق " لا أحد وسن كانت تريد مساعدتي لكني

أصررت عليها أن تغادر فتبدوا لي ليست بخير وتكابر فقط "

قلت مباشرة " ما بها "

قالت متوجهة للمطبخ " لا أعلم هي كما يعرفها

الجميع إن سألتها لا تقول "

تنهدت وغادرت جهة غرفة والدتي وطرقت الباب طرقات

خفيفة ثم فتحته ودخلت , كانت الغرفة مظلمة فتراجعت لأغادر

فوصلني صوتها قائلة " تعالى يا نواس أنا لم أنم بعد "

دخلت وشغلت النور واقتربت منها وساعدتها لتجلس وجلست

أمامها فقالت مباشرة " ظننتك في المزرعة "

نظرت للأرض وقلت " جئت لأتحدث معك في أمر مهم "

قالت " وأنا لدي ما أقوله لك ما دمت أتيت "

نظرت لها بصمت فقالت " قل ما لديك أولا "

عدت بنظري للأرض وقلت " سأحضر مي نهاية الأسبوع القادم "

عم الصمت الغرفة فرفعت رأسي ونظرت لها فقالت

" تحضرها أين تحديدا "

قلت بضيق " أمي لا تنسي أني ابنك وأنها زوجتي واطمئني

سآخذها للمزرعة ولن أجلبها هنا "

قالت بهدوء " نواس ابتعد بزوجتك عن وسن حاليا على الأقل "

نظرت لها بصدمة وقلت " ما تعني بحاليا "

قالت ببرود " زوجة خال فرح سألتني عن وسن وقالت

أنها تريدها لابنها الطبيب "

************************************************** **
مر ثاني أيام العيد وها نحن سندخل الثالث وبالي مشغول طوال

الوقت بكلام نزار معي تلك الليلة في نهاية السلالم حين أوقفني

وقال " سما هل لي بطلب توافقي عليه من أجلي فقط "

بقيت أنظر له بحيرة فتابع " هل توافقي "

قلت " لأجلك أوافق طبعا ولكن قد لا اقدر عليه "

تنهد وقال " سما صديقي الذي سيأتي في الغد أو بعده يكون

رئيس الشرطة الجنائية ومن أمسك قضية عائلتك "

امتلأت عيناي بالدموع وهززت رأسي وقلت

" لا ... لا تطلب مني مقابلته والتحدث معه "

تنهد وقال " سما هوا لن يتحدث معك في شيء بخصوص

القضية لأني أخبرته أنك لا تريدين ذلك "

مسحت عيناي وقلت " وما الذي تريده مني إذا "

قال بهدوء " أريد أن تقابليه وتعامليه كما تعاملي الجميع , هوا لم

يغلق قضية أهلك كما تضني ويبحثون حتى الآن عن المجرمين

لأنها سلسلة جرائم لم تبدأ معك ولم تنتهي عندك وهم تكتموا عن

أمرك عمدا لأنهم لم يعرفوا كيف يصلون إليك وخافوا عليك منهم "

بقيت أنظر له بعدم اقتناع فأمسك كتفاي وقال

" أقسم أنها الحقيقة يا سما وأنا اطلعت على ملف القضية بنفسي "

قلت بحزن " ولكنك وعدتني أنك أنت من سيساعدني ولن أقابلهم "

قال بجدية " نعم وأنا عند وعدي ولكنها عصابة كبيرة وخطيرة

على ما يبدوا ولن يكون الأمر سهلا كما ضننت وسنحتاج

مساعدتهم قليلا وما أن تصبح العصابة في قبضتهم ستكونين

اليوم التالي عند عائلتك "

قلت بعد صمت " هل أنت منزعج من بقائي معكم "

بقي ينظر لي بحيرة لوقت ثم أبعد يداه عن كتفاي وقال

" ولما تقولين هذا يا سما "

أخفضت نظري وقلت بإحراج " هل تصدقني إن قلت لك لا أعلم لما "

ضحك وقال " إذا لا تفكري فيه ثانيتا مادمتِ لا تعلمين سببه "

رفعت نظري له في صمت فقال

" هل تفعلينها لأجلي يا سما وتقابليه وكأنه رجل عادي "

قلت بحزن " من أجلك فقط سأحاول "

ابتسم لي ثم قال مغادرا جهة غرفته " تصبحين على خير "

ومنذ ذاك الوقت وأنا أحاول إقناع نفسي بكلامه وبأنهم لم يغلقوا

القضية وأنهم لم يبحثوا عني من أجل حمايتي , لم يأتي صديقه

اليوم ومؤكد سيأتي في الغد , أخرجني من سيل أفكاري

صوت خالتي قائلة " سما ما بك صامتة طوال الوقت "

تنهدت وقلت " لا أعرف لما لا أريد مقابلة صديق

نزار الضابط ذاك "

قالت بابتسامة " جابر ليس سيئا كما تتصوري أنا أعرفه من

سنوات صديقا لنزار وكم كانوا يتناقشون في القضايا هنا عندي

وأرى مدى اهتمامه بالمظلومين وإمساك المجرمين "

قلت بحيرة " وما دخل نزار بقضاياه !! "

قالت مبتسمة " لا أفهم كثيرا في الأمر لكن وبحكم أن نزار خريج

قسم الهندسة وبامتياز فهوا يحسب له أشياء كثيرة تخص مواقع

الجرائم ويساعده , أنا فقط استمتع بسماع نوع الجريمة ونقاشهم

حول المذنب وكأني أشاهد فيلما بوليسيا وخياليا أيضا "

ضحكت ضحكة صغيرة فقالت " لا تحضُري جلساتهم مثلي كي

لا يموت قلبك وتصبحي نسخة عني تستمعي بدم بارد "

قلت بحزن " لهذا إذا هم لم يحترموا جثت أهلي لأنهم بقلوب ميتة "

تنهدت وقالت " هم اعتادوا هذا يا سما هل تتصوري نفسك تقتلين أحدا "

هززت رأسي وقلت " لا بالتأكيد "

قالت مباشرة " وبرأيك كيف يستطيع المجرم ذلك "

قلت بهدوء " لأنه اعتاد القتل "

قالت مبتسمة " كم أنتي فتاة ذكية وهذا ما ألحظه عليك دائما

ومؤكد الآن فهمتي مقصدي فهم اعتادوا رؤية الأموات "

نظرت للأرض وقلت بحزن " ولكني لم أعتد رؤية أهلي

ميتين ورؤية أفراد الشرطة يسخرون منهم "

ثم نظرت لها بعينان دامعتان وقلت

" لم أستطع محو تلك الصورة من دماغي مهما حاولت "

تنهدت ولاذت بالصمت فوقفت وقلت " سأصعد لأنام وعشاء نزار

جاهز في المطبخ أخبريه حين يعود فيبدوا سيتأخر "

قالت بابتسامة " بالتأكيد بنيتي تصبحين على خير "

صعدت لغرفتي محاولة النوم وليس لأني أشعر بالنعاس

*
*
دخلت المنزل واقتربت من غرفة والدتي والغريب أنه لا

أصوات لهما كالعادة , وقفت عند الباب فكانت والدتي تمسك

مسبحتها وتتمتم بالتسبيح ولوحدها فابتسمت ما أن رأتني

وقالت " سما تركت لك عشاءك في المطبخ "

قلت باستغراب " ما بها نامت مبكرا هل هي متعبة "

قالت وقد عادت بنظرها لمسبحتها" لا ليست متعبة ولكن

تبدوا مستاءة وغير مستعدة لمقابلة جابر غدا "

دخلت وقلت " لكني أفهمتها أنه لن يتحدث معها في أمر القضية مطلقا "

تنهدت وقالت " الفتاة لا تتقبلهم في ذاتهم وليس

الحديث معهم عن قضيتها فقط "

قلت مغادرا " عليها إجراء هذه المقابلة معه لأنها

الخطوة الأولى والأهم "

دخلت المطبخ وكان عشائي في الأطباق ومغطى بورق القصدير

خرجت من المطبخ وصعدت للأعلى وقفت عند باب غرفتها

وطرقت الباب عدة طرقات خفيفة ففتحته لي وكما توقعت لم يكن

باديا على وجهها أي أثار للنوم وقالت من فورها

" تركت لك العشاء في المطبخ هل أخبرتك والدتك "

قلت باختصار " نعم أخبرتني "

أخفضت رأسها وقالت " هل تريد أن أسخنه لك "

لذت بالصمت ولم أتحدث فرفعت رأسها ونظرت لي

فقلت " بل لن آكله أبدا "

نظرت لي بصدمة فتابعت " سما إن كنتي لا تريدين مقابلة جابر

غدا لن تقابليه لكن لا تفعلي بنفسك هكذا فمنذ أخبرتك وأنتي

شاردة الذهن وحزينة ولا تتحدثين حتى مع والدتي "

أخفضت نظرها وقالت " أنا لم أقصد إزعاجكم ولكن .... "

قاطعتها قائلا " إذا لا تقابليه حسنا "

هزت رأسها بلا وقالت " أنا وعدتك أن أفعلها من أجلك "

قلت " ولما الحزن والهروب إذا "

قالت " أنا لم أهرب "

قلت بجدية " بلى تهربين يا سما ليس مني ولا من والدتي بل من نفسك "

بقيت تنظر لي بحيرة فقلت " تعلمين أنهم سيساعدونك وأنك

ستساعدين الكثيرين غيرك ومثلك لكن نفسك لا تطاوعك أن تفعليها

عائلتك ماتوا يا سما لن تنفعيهم بفعل هذا , ستخدمينهم فقط إن

ساعدتِ العدالة في القبض على المجرمين "

قالت بهدوء " ولكني لا أعرفهم ولا أعرف من يكونون

فكيف سأساعدهم "

وضعت يداي في جيوبي وقلت " ماداموا يطاردونك ويبحثون

عنك فهم متأكدين من أنك تملكين شيئا يوصلنا لهم "

بقيت تنظر لي بحيرة وصمت فقلت بهدوء

" سما لا تخرجي لمقابلته إن كنتي لا تريدي ذلك حسنا "

بقيت على صمتها فقلت " لا تجبري نفسك ولا من

أجلي , تصبحين على خير "

ثم غادرت من عندها ودخلت لغرفتي وأغلقت الباب , بعد

وقت طرقت الباب ففتحت لها وكانت تحمل صينية الطعام

نظرت لي وقالت " تناول عشائك سأقابله بدون أن اجبر نفسي "

قلت بابتسامة " تعشيت في الخارج هل تضني أني سأقاوم

طعامك اللذيذ وأغضب منك .... لا لن أفعلها يا سما "

قالت بصدمة " ولما قلت أنك لن تتناوله أبدا "

قلت بضحكة " لم أقصد ما فهمته "

قالت مغادرة به " إذا سأتناوله أنا وخالتي وأنت ستكون الخاسر "

ابتسمت وأنا أراقبها وهي تنزل السلالم , كم يسعدني أنها بدأت

تعتاد علينا أو عليا تحديدا فهي خجولة كثيرا وحساسة بشكل كبير

وأي شيء يجرحها بسرعة , أتمنى أن أُسلم هذه الأمانة لأهلها

في أقرب وقت ولا أتسبب بأذيتها بما سنفعل

عند الصباح خرجت من غرفتي نزلت لغرفة والدتي وقفت أمام

الباب حيث كانت هي وسما وقلت " هل تناولتم الفطور بدوني "

قالت والدتي بضحكة " هذا عقاب لك على كثرة

نومك وتركك لعشائك البارحة "

قلت بتذمر " لم أنم البارحة بسبب التحضير لكن ما ذنبي في العشاء "

قالت بضيق مصطنع " سما حضرته لك وحدك البارحة لأننا لم نكن

نريد أن نتعشى وأنت يا حضرة المهندس أكلت أوساخ

المطاعم وتركت عشائها "

دخلت مقتربا منهما وقلت " رائع ولما لا تريدان أن تتعشيا ها "

قالت أمي ببرود " حمية من أجل الرشاقة "

ضحكت كثيرا ثم قلت " سما لا تحتاج حمية وأنتي يا أمي

ما تفعلين بالرشاقة في هذا العمر "

تجاهلتني ولم تجب ونظرت جهة سما وقالت " يقولون أن الرجل

إن تعشا خارج المنزل يعني أنه يريد افتعال مشكلة ليقول لا أريد

عشائكم ويسجن نفسه في غرفته ليؤنب المرأة ضميرها وتراضيه "

نظرت لي سما من فورها وضحكت ضحكة صغيرة فنظرت

لها بضيق فقالت بدفاع " لم أخبرها اقسم لك "

قالت أمي بصدمة " لم تخبرني بماذا ما تخفيان عني "

قلت ببرود " لا شيء "

ضحكت وقالت " آه فهمت الآن لهذا قلت أنك لا تريد

العشاء يالك من رجل يا مخادع "

خرجت من الغرفة وتركتهما على صوت ضحكاتهم , ياله

من موقف سيء ومحرج أوقعت نفسي فيه , أمي لا يفوتها

شيء وستفهم الأمر على مزاجها بالتأكيد

توجهت للمطبخ دخلت ووجدت فطوري على الطاولة فابتسمت

بعفوية , كان من المفترض بي أن لا يفوتني هذا فهي لن تتركني

بلا إفطار أبدا , مشكلتي أنني سأعتاد على الراحة وحين تذهب

سأحتاج لوقت لأعود لروتيني السابق

تناولت فطوري ثم عدت لهما وكانت سما تجلس مع والدتي على

السرير تريها البوم صور زواجها , وقفت وقلت بابتسامة جانبية

" كم مرة أرته لك يا سما , أنا عن نفسي فوق المائة مرة "

قالت أمي بضيق " لا شأن لك بنا هذا عوض أن

تفرح أني أريك ذكرياتي "

ضحكت فقالت سما مشيرة بأصبعها على الصورة

" من هذا في هذه الصورة "

ضحكت أمي وقالت " هذا طويل اللسان الواقف هناك عند الباب "

كتمت سما ضحكتها وقالت " لما شعره هكذا ظننته هندي "

ضحكت والدتي ووضعت أنا يداي وسط جسدي وقلت بضيق

" يبدوا أن والدتي علمتك السخرية مني يا سما "

نظرت لي ثم قالت بهدوء " لم أقصد "

ثم ابتسمت وقالت " تعال وانظر لها لم أعرفك فليس ذنبي "

خرجت من الغرفة فسمعتها تقول لوالدتي " يبدوا غضب مني "

قالت أمي بضحكة " اتركيه سيُضرب عن تناول الغداء

لتعتذري منه وتنتهي المشكلة "

أمي هذه ستصيبني بالجنون وتؤلبها علي أيضا

قالت سما " أنتي فهمت الأمر خطأ هوا لم يفعل ذلك

البارحة أنا من فهمه بشكل خاطئ "

غيرت أمي مجرى الحديث تحكي لها عن الصور وغادرت

أنا جهة الباب على صوت طرق عليه فتحته فكان جابر

وأبنائه , رفعت ابنته الصغرى عن الأرض وقلت

" جيد أنك أتيت بهم لأن والدتي ستقتلك إن لم تفعلها "

أدخلهم أمامه قائلا بضحكة " ما كنت سآتي قبل أن أحضرهم

معي لأني أعرف مصيري منها جيدا "

ثم قال بصوت منخفض " ماذا بشأن الفتاة "

قلت متوجها نحو الداخل " أدخل هيا ولا تنسى ما اتفقنا عليه "

دخلت وهوا يتبعني ثم دخلت الغرفة وأنزلت الفتاة وقلت

" هذا جابر أحضر لك إنتاجه كما وعدك "

دخل وضرب كتفي وقال " ولما لا ترينا إنتاجك أنت لنرى "

مدت والدتي يداها وقالت

" ما أجملهم كوالدكم تماما تعالوا وسلموا علي "

نظروا لوالدهم فقال " هيا سلموا على جدتكم "

اقترب الفتى والفتاة الشقراء بيسان منها وبقيت ترف التي

رفعت رأسها لوالدها وقالت " هل هي جدتنا أيضا "

رفعها جابر من ذراعاها وقال

" لا هي والدة صديقي هذا وفي مقام جدتكم فنادوها جدتي "

رفعها لها للسرير ووقفت سما مبتعدة وفي صمت تنظر له

بتركيز , سلم على أمي وعيد عليها ثم نظر ناحية سما وقال

" مرحبا يا سما وكل عام وأني بخير "

نظرت لي ثم أخفضت بصرها وقالت بشبه همس

" وأنت بخير , شكرا لك "

قالت أمي وهي تنظر لسما " هذه سما سلموا عليها "

توجهوا لها ونزلت لهم قبلتهم ثم مسحت على شعر

أمجد وقالت " ما اسمك "

قال " أمجد "

نزلت منها دمعة مسحتها ووقفت ويبدوا أنه ذكرها بشقيقها الميت

فهوا في نفس سنه ومن الصورة التي رأيتها له شعره وعيناه

كأمجد تماما , نظرت لها ترف ثم لوالدتي وقالت

" هل هي شقيقتك "

ضحكنا جميعنا وقالت " لا هي ليست شقيقتي "

عدّتْ بأصابعها وقالت " نحن كان لنا أخت نناديها ماما ووالدي

ميت فظهر لنا والد ونحن أبنائه وتلك ليست أمنا لكنها الآن

أصبحت ابنته أيضا وستعيش معنا "

ضحكنا وقالت والدتي " اللوم على والدكم الذي أدخلكم

في كل هذه المعمعة "

قال جابر وهو يجلس على الأريكة

" بل ذنب من هربت بشيء لا يخصها وحرمتني منه "

كانت سما تنظر لنا بحيرة ومعها حق كيف ستفهم كل ما يقال

نظرت لها وقلت " اسمعي هذه الحكاية يا سما "

نظرت لي بحيرة فأشرت لها بعيناي جهة جابر كي لا يفهم

الأطفال وقلت " كان ثمة رجل لديه فتاة وثلاث أزهار سرقت

الفتاة الأزهار وهربت بهم لسنوات حتى وجدهم الزوج عند فتاة

لا تعرفهم وتضن أنهم من حديقة والدها وهم ليسوا كذلك فقرر أخيرا

الرجل أن يتزوج فتاة الحديقة لان الأزهار لا تعيش بدونها "

ابتسمت سما ومؤكد فهمت القصة فهي فتاة ذكية ولماحة

نظر لي جابر وقال ببرود " قصة مملة هل لديك علم "

ضحكت وقلت " لا تتركني أحكي الجزء الثاني منها "

قالت والدتي " وبالطبع أخيرا قرر الزواج بفتاة الحديقة "

خرجت حينها سما متجهة للمطبخ وجلسوا أبناء جابر بجواره

عدا ترف التي أجلستها والدتي عندها وقال جابر

" يبدوا لم تتقبل فكرة مقابلتي بعد "

قلت " علينا بالصبر قليلا فكونها وافقت على

مقابلتك وحده يكفي الآن "

قال بضيق " لنرى أين ستأخذنا أفكارك "

قلت بهمس وغيض " اسكت لا تسمعك ونعود لنقطة البداية "

قالت أمي ماسحة على شعر ترف

" ومتى قررت الزواج بها أم الموضوع مؤجل للعام القادم "

ضحك جابر وقال " لا تقلقي في القريب العاجل "

نظرت لها ترف وقالت " والدي سيتزوج من "

نظرت أمي لجابر فقال " جدي لنفسك مخرج الآن "

قالت أمي بابتسامة " أجده ولما لا "

نظرت لترف وقالت " يتزوج من ماما لتصبح معكم دائما

حتى آخر العمر وينجبان لكم أخوة آخرون "

ضرب جابر جبهته بصدمة وضحكت أمي وقالت

" وجميلين مثلكم "

نظرت ترف لوالدها وقالت " هل هذا صحيح "

قال أمجد " أنا كنت اعلم أنه سيتزوجها "

قالت بيسان " لما لا تأتي دون أن يتزوجها هل ذلك ضروري "

ضحكت وقلت " ستكون المرة الأولى والأخيرة التي

تحضرهم فيها هنا "

قال جابر بضيق " هذا هوا المؤكد "

قالت أمي ببرود " لا تحلم بهذا ستجلب زوجتك أيضا لأتعرف عليها "

دخلت حينها سما بالعصير والكعك قدمت للجميع ثم جلست على

الطرف الآخر لسرير والدتي في صمت فقال جابر ناظرا لها

" كيف حالك يا سما "

قالت باختصار " بخير "

قال " تحدثت ونزار في أمر دراستك وسأوفر لك الحماية وأسجلك

في مدرسة خارج العاصمة هي في مدينتي وحكومية سأجعل

من يراقبك لحمايتك ولكي لا تضيع دراستك "

نظرت له باهتمام وقالت " حقا سأعود للدراسة "

نظرت لجابر من فوري فتبدوا الخطة ناجحة وستسعد سما

بكونه هوا من سيفعل هذا لأجلها , قال جابر

" نعم وسيساعدونك في كل الدروس التي فآتتك هذه الفترة "

نظرت لي ثم لوالدتي وقالت لها بابتسامة " لن تضيع دراستي "

قالت أمي بابتسامة " نعم يا سما فجابر إن قال شيئا لا يتراجع

عنه وسيحميك فترة غيابك عن المنزل "

قلت بابتسامة " واخبرينا طبعا إن كان هناك وجدان أخرى "

ابتسمت وقال جابر " ابنة عمي تدرس هناك في السنة الأولى مثلك

هي أكبر منك بعام اسمها بتول وستحبينها سأخبرها لتساعدك في

التعرف على مدرستك الجديدة ولا تقلقي من شيء فلا حق يضيع

وهي موجودة فلسانها أطول منها "

ضحكنا جميعنا وابتسمت سما له , جيد هذا تقدم كبير

ومضى بعدها الوقت من حديث لآخر وسما تلوذ بالصمت

أغلب الأحيان حتى وقف جابر ليغادر فقالت والدتي

" لازال الوقت مبكر ابقوا للغداء معنا "

قال " لدي عمل كثير ولا يمكنني البقاء أكثر "

قالت أمي بابتسامة " أعان الله تلك المسكينة على زوج

غير موجود إلا بالاسم "

ضحك وقال " وهل سأرابط عندها فكلن له وضيفته وعليه تأديتها "

قالت " اترك الأولاد يتغذوا معنا إذا "

قال مباشرة " أخاف أن يتعبوكم "

قالت بابتسامة " أنا لن يتعبوني في شيء "

ثم نظرت جهة سما وقالت " هل توافقي على هذا لأنهم

إن اتعبوا أحدا سيتعبونك أنتي "

قالت مبتسمة " لا بأس لا يبدون مشاغبين "

قال مغادرا " إذا سآتي عصرا لأخذهم "

وتركتهم أيضا وخرجت خلف جابر وتحدثنا قليلا بشأن سما

*
*
بقيت برفقة الأطفال ودخلوا معي للمطبخ وساعدوني أيضا وقالوا

أن والدتهم كانت تتركهم يساعدونها , كانوا مؤدبين جدا وخلوقين

ومرحين أيضا , جهزت الغداء ودخل علينا نزار المطبخ ووقف

عند الباب وقال " كيف سيكون شكل الغداء اليوم يا ترى مع

كل هذه الأيدي المشاركة فيه "

قالت ترف بمرح " أنا و بيسان أعددنا السلطة "

ضحك وقال " إذا لن آكلها "

مدت شفتيها مستاءة فضحك عليها ثم نظر لأمجد الذي يعصر

الليمون ومنشغل به وقال " أمجد كلفوك بالمهمة الصعبة "

نظر له وقال " لأني رجل أعصرهم بسهولة وهم فتيات لا يستطيعون "

قالت ترف مشيرة لي " هل هي زوجتك "

تمنيت أن انشقت الأرض و بلعتني ولا أعرف من أين

جاءت هذه الصغيرة بهذا السؤال أمامه لكنه ضحك وقال

" لا هي ليست زوجتي "

قالت بحيرة " هي ابنتك إذا "

ضحك وابتسمتُ أنا بحياء وقال " قد تكون كذلك "

نظرت له بحيرة ثم أبعدت نظري عنه , هل يعتبرني ابنته حقا

لم أره للحظة والدي هوا صغير على أن يكون والدا لي , حسنا

وما علاقتي به يراني كما يريد , قالت ترف بحيرة

" هي ليست زوجتك ولا ابنتك ولا شقيقة

الجدة من تكون إذا "

نظر لي ثم لها وقال " هل رأيتِ والدتك تلك ما تكون في منزلها "

هزت رأسها له بنعم فقال بابتسامة " وسما مثلها هنا سيدة المنزل "

كم شعرت بالسعادة تغمرني من كلماته هل حقا يعتبرني هكذا

حمدا لله أن وضع هذه العائلة في طريقي فكم هم طيبون

وليس جميع الرجال أشرارا كما ضننت , نظرت له بابتسامة

امتنان فابتسم لي وغادر في صمت

أنهينا إعداد الغداء وأدخلنا الطاولة للغرفة وتناولناه جميعا وعند

العصر جاء والدهم لأخذهم , كم كان اليوم جميلا بوجودهم وملئوا

الفراغ الكبير فيه , عند نهاية المساء كنت جالسة مع خالتي في

غرفتها وهي تستمع لنشرة الأخبار من المذياع وأنا جالسة في

صمت فأوقفته وقالت " سما ما بك صامته "

نظرت لها وقلت بابتسامة " وما لدي لأقوله أنتي تستمعين

للمذياع وأنا لا اشعر بالنعاس "

ثم تابعت " كم أبنائه رائعين لم أشعر بالوقت معهم أبدا "

قالت بابتسامة " نعم فتلك الفتاة ربتهم ونعم التربية "

قلت بحيرة " وما قصتها كيف كانوا لديها وتضنهم إخوتها "

تنهدت وقالت " قصتهم طويلة مفادها أن والدتهم أخذتهم ورحلت

بهم ولم يجدها جابر لسنوات ثم اكتشف أنه تم تغيير أسمائهم كإخوة

للفتاة التي ربتهم وهي أيضا لا تعلم , تركتهم والدتهم عندها قبل وفاتها

وأخبرتها أنهم إخوتها وبعد خمس سنين وجدهم جابر وأعادهم منها "

قلت بحيرة " قصة غريبة حقا "

قالت بهدوء " الحياة مليئة بالغرائب يا ابنتي ومن يرى

غيره يحير في أمر نفسه "

ثم قالت بابتسامة " ما رأيك في شيء يرفع عنا كل هذا

الملل ونقضي عليه سهرتنا "

قلت باستغراب " ما هوا !! "

قالت " اصعدي لغرفة المخزن التي أحضرت منها الألبوم

هناك صندوق كبير به كتب أحضري واحدا "

قلت " كتب عن ماذا ! "

قالت بابتسامة " إنها روايات كان زوجي يحب قراءتها "

قلت بحيرة " روايات !!! وما تكون تلك "

قالت " هي قصص خيالية مشابهة للواقع هاتي إحداها وستفهمين "

صعدت للمخزن في الأعلى , هي الغرفة الثالثة في الممر يضعون

فيها أغراضهم الزائدة , توجهت للصندوق الذي أخبرتني عنه

وفتحته , كانت مجموعة من الكتب كما قالت , رفعت إحداها فكان

مكتوب على غلافه ( خلف أسوار المدينة )(للكاتبة برد المشاعر)

أغلقت الصندوق وأنزلته معي وصلت الغرفة ودخلت وجلست

أمامها حيث كنت فقالت " إقرائي لنرى القصة التي اخترتها "

فتحت الغلاف وورقة الإهداء ثم ورقة مكتوب فيها ( الفصل الأول )

قلبت الصفحة وقرأت بهدوء (( لطالما كان هذا الظهر في نظري هوا

الحامي لي من عقبات الحياة وعواصفها , لطالما كان ذرعا يمسك

عني كل مفاجأات الزمن رغم أني لست من صلبه ولا تربطني به أي

صلة قرابة لكنه كان سندي وعضدي الذي لم أعرف غيره وها هوا

اليوم يقف بيني وبين أسوء موقف قد أقف فيه كل حياتي ليحول بيني

وبينهم كالجبل الصامد وهوا يلقي عليهم الخبر كالقذيفة المدمرة

يقف بيني وبين ثلاث وجوه تعيش الصدمة والمفاجئة وحتى

الكره والحقد ووجه رابع بملامح حنونة ودافئة تستقبل الفاجعة

وكأن شيء لم يكن

كما حدثني عنهم تماما وكما وصفهم لي وكأنه يحدثني الآن

تحرك أحد الوجوه بابتسامة ساخرة ناظرا لوجه والدته وقال

" بما أن من يعنيها الأمر راضية فما النفع من رأينا نحن "

ثم غادر بعدما وجه لي نظرة حارقة كالنيران ( وائل ) لطالما قال

لي عنه والده أنه شاب مظهره أهم ما لديه في الحياة وينفع أن يكون

رجلا دبلوماسيا بما تعني الكلمة من معنى , ضرب الباب خلفه ولم

نسمع سوى لعنه لهذا اليوم ليأتي دور الابن الأوسط ( أشرف )

الذي هز رأسه بيأس وابتسامة لا مبالي ثم خرج يتبع شقيقه

وكما وصفه لي تماما يسجن نفسه في عالمه الخاص والباقي

فليفنوا وليصنعوا ما شاءوا وبقيت في مواجهة الابن الأكبر صاحب

النظرة الجليدية ولم يخطئ والده حين قال لي أن عمله صنع منه

مجرما وليس محققا , لم تكن نظراته تصيبني ولم ينظر جهتي قط

بل كانت كلها لوالده , ابتسم ابتسامة جانبية ثم نطق

" هذا عوض أن تزوج أبناءك تتزوج أنت وبمن ..... "

ابتسم بسخرية وتابع " بطفلة تصغر ابنك الأصغر بكثير "

نطق حينها الواقف أمامي قائلا بصرامة " احترمني يا فراس

وتذكر أني والدك أم أنساك سلك التحقيق هذا "

نقل حينها نظره ناحيتي لينظر لي نظرة استصغار فرفعت رأسي

ونظرت له بثبات فأنا أكره أن ينظر لي أحدهم بدونية , لست

ضعيفة لأخاف أن أواجه كهذا الموقف لأن هذا الرجل الذي رباني

هوا من علمني كيف أواجه ضعفي فكانت آخر كلماته لي قبل

قدومنا هنا " رُدين يا صغيرتي المرأة تملك قوة لا يملكها أعتا

الرجال ما لم تحب فإن تحركت عاطفتها تحولت لأضعف

كائنات الأرض فلا تحزني إن شعرتِ يوما بالضعف

فتلك أجمل ما خص بها الله جنس حواء "

فلم يعلمني هذا الرجل العظيم كيف أكون قوية فقط بل علمني

كيف أواجه تقلبات شخصيتي كي لا أضيع بين أعاصير

مشاعري يوما واستنكر ما قد أصبح عليه

بقينا ثلاثتنا فقط ونظرت لي صاحبة العينان المتبقية زوجته

( سعاد ) ومدت يداها لي فركضت نحوها وحضنتها

بحب وقلت بابتسامة " مرحبا بضرتي "

ضحكت قائلة " أنا من تقول لك هذا وليس أنتي "

تخلل حديثنا ضحكته الهادئة وهو يقول

" لو كانت ضرتك حقا ما حضنتها هكذا "

ابتعدت عني تنظر لوجهي بابتسامة وقالت

" لو فعلها قتلته وقتلت العروس "

نظرت بعدها لزوجها وعقدت حاجبيها وقالت

" أرى أن المشكلة ستكون أكبر مما توقعنا "

اقترب منا وضمنا بذراعيه لحضنه قائلا " سيعتادون الأمر

ومخططي لن أتراجع عنه حتى تقرر رُدين من ستختار منهم " ))

انتهت حينها الصفحة ثم نظرت لخالتي وقلت بحيرة

" غريبة هذه القصة "

قالت بابتسامة " وممتعة أيضا أليس كذلك "

ابتسمت وقلت " نعم لكن لم افهم كيف هي زوجته وليست زوجته "

قالت بابتسامة " يبدوا قدمها لأبنائه على أنها زوجته لتعيش

بينهم على طبيعتهم وتختار منهم زوجا لها "

قلت بحيرة " ولما قال أنها زوجته "

قالت " لأن زوجة الوالد لا يحل للابن أن يتزوجها مهما طالت

السنين حتى إن مات والده لذلك هوا أراد أن تعيش معهم

على أنها لا يمكنهم الزواج بها مهما كان "

قلت بابتسامة " تبدوا مشوقة وممتعة "

قالت مبتسمة " إن بقينا نقرأها لن نتوقف حتى تنتهي فسنقرأ في كل

مرة صفحتين كاليوم ولا تنسي انه ورائك دراسة ستعودين إليها "

وضعتها بجانبها وقلت " إذا سأتركها هنا لأني إن أخذتها

لغرفتي فلن اصبر وسأقرأ المزيد منها "

ضحكنا ووقفت أغلقت النور بعدما وضعت لها الماء بجانبها

وصعدت لغرفتي

************************************************** **

يتبع
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اوجاع مبعثرة روحي الاوتشيها نثر و خواطر .. عذب الكلام ... 4 08-28-2012 05:23 PM
العاصفة nabillo محاولاتك الشعرية 5 05-10-2011 12:10 AM
اوجاع الحب **سعادتي وياك** أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 08-14-2009 10:16 PM


الساعة الآن 09:09 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011