عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-25-2019, 08:09 AM
 
Arrow Unhappy رواية نابش القبور رعب

بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم نابش القبور ( الجزء الأول )
—————————–

أنا ياسمين الطبيبة بعامي الخامس بكلية الطب ، أبي لديه محل بقالة صغير تحت المنزل .. و هو منزل صغير في حارة تدعي ” كهرمانة ” ، كان أبي فخوراً جدا لأني أول طبيبة تخرج من أحضان تلك الحارة ، فكانت تلك الحارة في السابق وكر لكل الأعمال الإجرامية بمصر .. ففي فترة النكسة و بعد ذلك ، كان الفقر و الفوضي المظهر السائد في كل أنحاء مصر .. فكان انتشار الجرائم اّنذاك نتيجة طبيعية مترتبة علي ذلك ..
و استمر الحال في تلك الحارة علي ذلك الوضع حتي عهد قريب ، و لكن بعد ذلك تاب أغلب ساكني الحارة .. و قام معظم من هنا بتغيير نشاطهم ، فكنت أتقبل فكرة أن أم محمد بائعة الخبز كانت نشالة سابقة و أن عم مُنجي خطاط الحارة كان مُزور محترف سابقاً .. و لكنها كانت صدمة كبيرة حين علمت و أنا في السادسة عشر من عمري أن أبي كان ” نابش قبور ” .. و لكنه تاب بمجرد أن وُلدت و لم يقبل أن يصرف عليّ من فلوس حرام .. و لمن لا يعلم من هو – نابش القبور –
هو لص القبور .. يقوم بسرقة مقتنيات الميت الثمينة التي تُدفن معه مثل الأسنان الذهبية و أي مقتنيات اّخري يُوصي الميت أن تدفن معه ..
و بالرغم من أنها كانت صدمة كبيرة و لكنني كنت فخورة بأبي لأنه تاب ، كما أن سرقة انسان ميت لا تقارن بسرقة انسان حيّ ، ففي ذلك الزمان يُسرق منا كل شيء تحت اسماء مستعارة ..
كما أن أبي رفض أن يشتري محل البقالة من مال السرقة و تبرع به بالكامل لأعمال خيرية ، بل قام ببيع فدانين كان ورثهما عن أبيه و اشتري المحل ..
شيء واحد فقط كان يرفض أبي الحديث عنه و هو ” أمي ” فكل ما أعرفه عنها انها توفت اثناء ولادتي ، كلما اعتراني الفضول لأعرف المزيد عنها كان أبي يتهرب من الإجابة .. كان يعتريني الفضول لأعرف شكلها .. لم نكن نملك لها أي صور .. هل أنا أشبهها ؟! .. هل كانت ستحبني و تحنو عليّ؟! .. اسئلة من ذلك النوع أحيانا كنت أود فقط لو أن اعرف اجابتها.. و لكن أبي يتهرب من الحديث دائماً.
كان يومي يمر ما بين الجامعة و المحاضرات ، ثم أعود لأطهو بعض الأطعمة سهلة التحضير ..ثم اجلس لأستذكر بعض المحاضرات لأقضي باقي السهرة استمع لحكايات أبي ،فهو لديه الكثير من القصص المشوقة عن ايام عمله كنابش قبور.. فهو كان ينهب مقابر مختلفة في كل مرة و كان يسافر للمقابر البعيدة في الصعيد و الريف، فتلك المقابر البعيدة و المهجورة يسهل السطو عليها ..
فكنت أحرص علي ان أنهي مذاكرتي باكراً لكي أقضي أكبر وقت و أنا استمع إليه، كان أبي أباً رائعاً علي الرغم من كل شيء ، و إن كانت الأم هي دفء المنزل ، فالأب هو عاموده الفقري .. فالحمد لله أن الله ترك لي عامود بيتي و ظهري قائماً
لا اّنسي تلك المرة التي قص لي فيها عن المقبرة التي فتحها فوجد بها .. رائحة المسك تفوح منها و كان يقسم لي أن النور الذي ينبعث منها كان يضيء المقابر من حوله ، علي الرغم من أنها كانت ليلة غير قمرية مظلمة تماما ، فاستحي أن يسرق منها شيء .. و ذلك القبر الذي بمجرد أن فتحه انبعثت منه رائحة عفن كريهة قال لي كدت أن استفرغ و رغم اني معتاد علي رائحة الموتي و لكن تلك الرائحة كانت مختلفة تماماً، فاضطررت لأن اغلق التربة دون أن انهي مهمتي .. و تلك القصة التي قصها لي فظلت عالقة في رأسي حتي الاّن .. عن ذلك القبر الذي فتحه في الصعيد و كان يخص واحد من أغني أغنياء الصعيد ، كان غني حرب و كان من أكبر تجار الخمور .. قال لي انتظرت بعد دفنه بأكثر من أسبوع ، لأتأكد أن لا أحد من عائلته سيذهب إلي هناك ، فهكذا هو الانسان دائماً ينسي ثم يُنسي !
بمجرد أن فتحت القبر في الظلام انبعثت منه رائحة عفن و حريق قوية مثل رائحة احتراق اللحم .. و لكني تلك المرة كنت احطاط و ألبس -كمامة-
و بمجرد أن وجهت ضوء الكشاف بإتجاه القبر وجدت ثعبان من نوع ” كوبرا ” يلتف حول جثته كنت اسمع صوت تكسر العظام ، اعتراني الخوف و انتابتني صدمة و رعشة صرخت بأعلي صوت و لم اّخشي أن يسمعني حارس المقابر ، فوجدت الكفن قد انكشف عن وجهه ، و كان وجهه أسود بدون أي ملامح و كأنه تعرض لحرق ضخم قبل موته !
اّخذتني الشفقة به ففي النهاية كلنا مذنبون ، و حاولت أن اجمع بعض الاّحجار الكبيرة و اصوبها نحو الثعبان لعله يترك جسد الرجل ،و بالرغم من اني اصبته لكنه لم يبتعد فتركته له و انصرفت .
و في مرة ذكر لي أبي أن أغلي ما اقتناه في حياته وجده في قبر ، و أن ذلك القبر كان سبب في توبته و هدايته و في تلك الليلة رزقه الله بي ..
لكنه يرفض أن يقص لي تلك القصة و كلما ألححت عليه يقول لي ” ربنا كتبلي التوبة و خلاص ” .
كانت بعض الأشياء غامضة في حياة أبي كذكري أمي ، و قصة توبته .. حتي أهل الحارة لا يعرفون شيئا عن أمي فقالوا لي أنه سافر سفر طويل لعمل و عندما عاد كنتي معه و كان عمرك عام و أخبرنا أن زوجته توفت ..
مرت الأيام هادئة .. حتي ذلك اليوم الذي كنت أساعده بترتيب المحل و أنقل معه بعض الأشياء من المخزن حين لفت أنتباهي صندوق به بعض الكراكيب القديمة فوجدت صوري و شهاداتي و انا صغيرة ، تركته يرص البضاعة في المحل و جلست أستعيد ذكرياتي حين سمعت صوت يأتي من ذلك الصندوق
صوت غناء ينعبث منه و يقول ” مع أمي أصحو و أنام مع أمي تصحبي الأحلام ” ، انتفض جسدي فأنا أشعر أني سمعت تلك الأغنية من قبل .. ذلك الصوت و ذلك الغناء محبب لقلبي كأني لم أكن اسمعه للمرة الأولي ، فتحت الصندوق لاّري مصدر الصوت فانبعثت منه رائحة طيبة .. ووجدت صندوق صغير جميل جدا مزخرف بروسومات للورد الأبيض و الوردي حين فتحته خرجت منه عروسة صغيرة ترقص و تدور و يبدأ ذلك الصوت في الغناء ، إنه صندوق موسيقي رائع !
لكنه كيف كان يغني و هو مغلق ، يبدو لأنه صندوق قديم به عطل ..
حين سألت أبي عنه ارتبك و قال لي أنه كان صندوقي و أنا صغيرة ، فقلت له إنه بحالة جيدة لما تحتفظ به في المخزن ؟! .. فقال لي إنه لم ينتبه له .. و لكن لم يكن أبي بحالته الطبيعية فكان ينظر لذلك الصندوق بخوف شديد و تلك الرجفة واللمعة بعينيه ما كان سببها ؟! .. ثم احتضنني بقوة و شهق !
عندما طلبت منه أن اضع ذلك الصندوق بغرفتي ، رفض و بشدة و طلب مني أن أضعه مكانه .. و تعلل بأن ذلك سيشغلني عن مذاكرتي .. حجة ضعيفة جدا فأنا لست طفلة !
مع اصراري الشديد علي احتفاظي بذلك الصندوق وافق أبي ، حملته و صعدت للشقة و دخلت به غرفتي ، كانت غرفة صغيرة متصلة بشرفة تطل علي الحارة و كان لون دهان الغرفة ازرق سماوي بها سرير صغير في مقابل الباب بجانبه مكتب عليه بعض الكتب و جمجمة صغيرة بلاستيك كانت اهدتني إياها صديقة عند قبولي بكلية الطب ، وضعت الصندوق بجانبها ..!
و انصرفت لإعداد الطعام و عندما خرجت من المطبخ و ههمت بالنزول لأخبر أبي أن الأكل جاهز ، سمعت تلك الأغنية مرة اّخري .. ” مع أمي أصحو و أنام ، مع أمي تصحبني الأحلام ” .. اعتقدت أن الصندق به عطل مجددا و عندها دخلت الحجرة لأغلقه وجدت …. !

\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
نابش القبور ( الجزء الثاني )
انصرفت لإعداد الطعام و عندما خرجت من المطبخ و هممت بالنزول لأخبر أبي أن الأكل جاهز ، سمعت تلك الأغنية مرة اّخري .. ” مع أمي أصحو و أنام ، مع أمي تصحبني الأحلام ” .. اعتقدت أن الصندق به عطل مجددا و عندما دخلت الحجرة لأغلقه وجدت نفسي في غرفة اّخري ..

كاد الذهول يقتلني فركت عيني مراراً و تكراراً لأتأكد أني لا أحلم فوجدت نفسي في غرقة أكبر بكثير من غرفتي ، تكاد تكون ضعف مساحتها متصلة بشرفة أيضاً لكنها أكبر و في منتصف الغرفة سرير كبير جدا عليه مفروشات ورديه اللون من الحرير و بجانبه تسريحة يقع أمامها كرسي هزاز و الغرفة مبطنة بورق حائط به زهور .. كأني دخلت غرفة من القرن الماضي او في حقبة الثمانينات ، دخلت الغرفة و أنا ارتجف من الخوف ادعو الله في سري أن تكون تلك هلوسة بسبب شدة الإجهاد من المذاكرة .. لأني مازلت اسمع ذلك الصوت المنبعث من الصندوق الموسيقي ، دلفت إلي الشرفة و لأول مرة اتمني أن اّري تلك الحارة بمشاكلها .. كانت رؤية عم عبده صاحب القهوة يتشاجر كعادته مع الزبائن أمنية لي لأتأكد أني لا أحلم .. و لكن ما راّيته جمد الدم بعروقي ، فرأيت نفسي أطل علي حديقه قصر جميلة بها الكثير من أشجار الفاكهة و بها نافورة مياه جميلة ، دلفت مجدداً إلي الغرفة حين سمعت نفس الصوت مرة اّخري ” مع أمي اصحو و أنام ، مع أمي تصحبني الأحلام “

و لكن ذلك الصوت لم يكن يأتي من الصندوق ، بل كانت أمرأة قد تجاوزت العقد العشرين تجلس علي الكرسي الهزاز أمام التسريحة و تحمل رضيعها و هو يبكي و تغني له تلك الأغنية ، كنت أحاول أن اتفادي تلك المرأة حتي لا تراني و لكن يبدو أنها لا تراني كأني شبح مع اني كنت اقف أمامها تماماً و لكنها لم تلحظني حتي! ، يا الله كانت تشبهني كثيرا و تلك الطفلة التي تحملها ترتدي قلادة ذهبية مثل قلادتي .. يبدو أنني حقا أحلم فقد يكون ذلك المستقبل و انا أم تلك الطفلة الرضيعة .. و قد يكون ذلك الماضي و تلك أمي و انا تلك الطفلة و لكن أبي لو سرق قبور مصر كلها لن يستطيع أن يشتري ذلك القصر .. قطع خيالاتي المراّة المتصلة بالتسريحة فأنا لا أظهر بها كأني شبح حقاً .. فهي تعكس صورة الأم و الطفلة فقط ..

ثم دخل من باب الغرفة رجل اصلع قليلا من المنتصف لديه شارب كبير و يرتدي بدلة من الطراز القديم و هو أيضا يبدو أنه لا يراني وجه كلامه للأم و قال لها ” نهارك سعيد يا أميرة ، هي بردو مُني مش عاوزة تسكت غير لما تغني .. مش هنعرف نخرج و نسيبها للمربية بالشكل ده ” .. ردت عليه بيأس و قالت “خلاص اخرج انت يا باشا و انا هقعد معاها ” .. يبدو أن هذا زوجها و بدا عليه التعاطف معها لأنها لن تستطيع الخروج معه.



فقال لها ” بس أنتي لابسة و جاهزة ” فكانت أميرة ترتدي فستان جميل من اللون الوردي مزخرف بالدانتيل الأبيض وواسع قليلا من عند القدم .. ردت أميرة بحزن ” المهم مني تكون كويسة و مرتاحة ” فاقترب الرجل من الرضيعة و حملها و قبلها و قال لها ” لو تعرفي يا مشاغبة انتي بنحبك ازاي ” ..

ثم بدأ الظلام يحل ، فاًصبح كل شيء أمامي يغلب عليه اللون الأسود .. و لم أعي لنفسي غير و انا ملقاة في الأرض و صوت ابي يحاول أن يُعيدني لوعيي ، يبدو أني فقدت الوعي من شدة الإجهاد ، و كان هذا مجرد حُلم .. قلت لأبي لا تقلق يبدو أني متعبة فقط .. نظر أبي للصندوق علي المكتب و هي يحاول أن يساعدني لكي ارتاح علي السرير و قال لي ” قلتلك بلاش تتعبي نفسك في المزاكرة ” ، لكن نظرته للصندوق لم تريحني .. نظرت للغرفة و ارتحت كثيراً اني عدت لها و أن الموضوع لم يكن أكثر من حلم غريب ..



في اليوم التالي استيقظت و بدأت روتيني المُعتاد لأذهب للجامعة ، حين دلفت من غرفتي و فتحت باب الشقة لأنزل علي السلم وجدت نفسي علي سلم غريب كله من المرمر الأبيض و يتوسطه سجادة كبيرة باللون الأحمر .. بدأت أتحدث إلي نفسي هل أنا جُننت أم ماذا ؟! .. هل أنا أحلم من جديد لماذا تلك الأحلام تراودني ؟!
نزلت علي السلم و انا أحلم أن أجد نفسي أمام محل بقالة أبي ، كنت أُحدث نفسي يجب أن أستيقظ .. يجب أن استيقظ و لكني وجدت نفسي في بهو قصر كبير جدا
كله من الرخام المرمر و به اثاث غالي الثمن حجرة الجلوس من الطراز القديم -المُدهب- و حجرة الطعام بها نجف بلور غالي جدا .. و الأبواب من الزجاج تطل علي نفس الحديقة التي رأيتها و النافورة.. لو لم يكن ذلك غريباً جدا لكنت استمتعت بجمال القصر، ثم ظهرت تلك السيدة التي تشبهني من جديد لكن تلك المرة كانت تردي فستان أنيق باللون الأزرق الفاتح و تحمل طفلتها التي ترتدي فستان من نفس اللون .. كانت الطفلة تصرخ كعادتها لكنها بدأت في الهدوء عندما بدأت الأم في الغناء من جديد كان يبدو عليها الإجهاد ، قطع تفكيري دخول نفس الرجل من جديد – والد الطفلة – فدلف من الحديقة إلي الباب الزجاجي ثم إلي البهو ، و كان يحمل في يده هدية مغلفة بورق مزخرف حين فتح الهدية ، و جدت بداخلها نفس الصندوق الموسيقي .. يا الله انه هو الصندوق الذي في غرفتي انه ملكي .. حاولت أن اتكلم لكن لا أحد يسمعني ..

قال الرجل لتلك المرأة ” شوفي جبتلك ايه ؟! ده صندوق موسيقي يسمحلك تسجلي عليه حاجة لمدة 3 دقايق .. تقدري تسجلي صوتك و انتي بتغني ، عشان لما نخرج مني متعذبش المربية و تفضل تعيط و شوفي كمان نقشت عليه اول حروف من اسامينا اميرة و مني و يس و اول حروف من اسامينا كونت كلمة ” امي” .. خفت كثير اّنذاك لأن صندوقي ايضا منقوش عليه كلمة أمي و لكن بحروق متقطعة ليست متصلة و كنت دائما اسئل نفسي لما الحروف منفصلة ، يبدو أن عقلي ينسج لي قصة خيالية .. ثم انتبهت و الأم تسجل علي الصندوق تلك الأغنية و بمجرد أن انتهت قامت بتشغيل الصندوق فإذا العروسة تخرج و تبدأ بالرقص و تبدأ الأغنية ، كانت الطفلة تنظر للعروسة و تضحك و تحاول ان تسقف لها بيداها الصغيرتين .. كان والدها و والدتها يضحكان علي ضحكها .. قامت الأم بالابتعاد عنها لكي تراقب رد فعلها ،و لكن الطفلة ظلت تحدق بالصندوق وتضحك و لم تنتبه لغياب الأم .. قال والدها ” و اّخيرا هنقدر نخرج لوحدنا ” !

بدأ صوتهم بالابتعاد و بدأ الظلام يحل مرة أخري و كالعادة استفقت علي صوت أبي ووجدت نفسي مُلقاة علي سلم بيتنا و أبي يحاول أن يحملني و بعض أهل الحارة يحاولون المساعدة .. فوجدت الست هنية جارتنا تحاول أن تجعلني أشم رائحة البصل لأستعيد وعيي .. و حملني أبي للسرير و شكر أهالي الحارة .. و قال لي ” لا مبدهاش بقي أنا لازم أشوفلك دكتور و كان مصر علي ذلك و لكني اخبرته أني انزلقت علي السلم و فقدت الوعي و انا الاّن بخير ” .. ظل أبي ينظر للصندوق بخوف و لكن تلك المرة انا أيضاً كنت خائفة فمسكت الصندوق و نظرت للحروف المنقوشة عليه و كان بالفعل نفس الصندوق الذي حلمت به ..

و مر يومان لم يتغير فيهم شيء سوي أبي الذي انطوي علي نفسه و لم يكن كعادته فلن نعد نسهر سويا و لم يكن يقص لي أي شيء ، حتي الطعام لم نعد نأكل معا كعادتنا .. و لكن تلك الليلة أصررت عليه أن نأكل معاً فلم يمانع ، و بمجرد أن هممت بالجلوس علي كرسي السفرة ، وجدت نفسي أجلس علي كرسي السفرة في بهو نفس القصر ..

الاّن الأمور خرجت عن السيطرة يبدو أني مصابة بالإنفصام بدأت اخاف حقا ، فوجدت نفسي بجانب تلك السيدة و ذلك الرجل و لكنهما لا يراني ككل مرة و تلك الطفلة الرضيعة تجلس فوق السفرة و تلهو بصندوقها الموسيقي ، و لكنها بدون قصد اطاحت بالصندوق من فوق المنضدة .. صرخ الرجل و قال الصندوق يارب ميكون اتكسر ، بدأت الطفلة في الصراخ مجدداً ، حملتها والدتها و قام والدها بإحضار الصندوق و هو يقول لحسن الحظ لم يحدث له سوي شرح في القفل و قام بوضع الصندوق أمامها و قام بتشغيله و عادت صوت الأغنية من جديد و بدأت الطفلة بالهدوء و الضحك ، و بدأ الظلام يعود لي مرة اّخري .. و حين فتحت عيني وجدت نفسي ملقاة علي كرسي السفرة و ابي يحاول أن يعيدني للوعي ، بمجرد ما فتحت عيني قمت أركض كالمجنونة و أبي ورائي و أنا اصرخ بأني مريضة نفسية أنا اّري أشياء غريبة و ركضت نحو غرفتي و حملت الصندوق فوجدت به شرخ في القفل ، لم يكن ذلك عقلي الباطن لإني لأول مرة ألحظ ذلك الشرخ بالقفل .. كان أبي ورائي أمسك مني ذلك الصندوق و قال لي .. كله من الصندوق الملعون ده أهو رجعلك تاني ، كنت مصدقت خلصت منه أصل الصندوق ده .. يُتبع !

\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

نابش القبور ( الجزء الثالث و الاّخير )
————————————–

و حين فتحت عيني وجدت نفسي ملقاة علي كرسي السفرة و ابي يحاول أن يعيدني للوعي ، بمجرد ما فتحت عيني قمت أركض كالمجنونة و أبي ورائي و أنا اصرخ بأني مريضة نفسية أنا اّري أشياء غريبة و ركضت نحو غرفتي و حملت الصندوق فوجدت به شرخ في القفل ، لم يكن ذلك عقلي الباطن لإني لأول مرة ألحظ ذلك الشرخ بالقفل .. كان أبي ورائي أمسك مني ذلك الصندوق و قال لي .. كله من الصندوق الملعون ده أهو رجعلك تاني ، كنت مصدقت خلصت منه أصل الصندوق ده فعلا كان بتاعك و انتي صغيرة بس إللي مقولتهوش ليكي ،إن الصندوق ده لقيته في اّخر مقبرة فتحتها ، إللي توبت بعدها !

رددت عليه و انا مازلت خائفة ” تلك المقبرة التي تصر أن تخفي عني قصتها ؟! و ما قصة ذلك الصندوق ؟! و من هو الذي عاد لي .. انا لا أفهم شيئاً ”
قال لي والدي و هو ينظر لذلك الصندوق .. ” دعي عنك قصة تلك المقبرة الاّن ، نحن الاّن في موضوع ذلك الصندوق ، فذلك الصندوق هو لعبتك المفضلة منذ كنتي صغيرة ، لا شيء كان يبرع في ايقافك عن البكاء مثل ذلك الصندوق ..
تذكرت و أبي يقص لي ما اشاهده عن ذلك الصندوق في احلامي ، فتلك الرضيعة بنت أميرة و يس التي تُدعي مُني كانت لا تكف عن البكاء غير بهذا الصندوق .. فقاطعت أبي و سألته ” هل كنا نعيش في قصر سابقاً عندما كنت طفلة ” ، ضحك أبي ضحكة عالية و قال ” ده كويس اني قدرت اشتري البيت و الدكانة في الحارة الفقايري ديه ، قصر إيه بس ؟! ”

فطلبت منه أن يكمل حديثه .. فقال لي ” كان ذلك الصندوق مثل هدية من الله لي لأنك كنتي طفلة متقلبة المزاج تبكين و تصرخين كثيرا و لكني بمجرد أن أفتح لكي ذلك الصندوق تهدئين تماماً ، فكنت لا استطيع أن اكمل عملي بينما أنتي بجانبي دون أن يكون امامك الصندوق تستمعي له ” .. لا اّنسي تلك المرة التي نفذت بطارية الصندوق ، و أنا كنت مشغول مع بعض الزبائن حين بدأتي بالصراخ .. فحملتك الست هنية و بدأت بالغناء لكي نفس الأغنية فكان معظم الشارع و الزبائن يحفظون تلك الأغنية عن ظهر قلب بسبب اني دائما اقوم بتشغيلها لكي في المحل ، و كنتي طفلة عمرها سنتين وقتها ، و لكن بمجرد أن قامت هنية بالغناء صفعتيها علي وجهها صفعة قوية بالنسبة لطفلة .. و بحثت خارج الحارة عن بطارية تناسب ذلك الصندوق حتي وجدتها في محل ساعات كبير و عرض عليّ أن يشتريه بمبلغ كبير و قال لي أن ذلك الصندوق لا يصنع إلا في المحلات الكبري تحت الطلب و لكني برغم حاجتي للمال لم استطع أن أفرط في شيء يجعلك سعيدة ، و اشتريت له البطارية و عدت لكي وجدتك تبكين بشدة و الست هنية لا تعرف كيف تُسكتك و لكن بمجرد ما فتحت لكي الصندوق ، اصبحتي تصفقين له و تضحكين .. فتنهدت وقتها الست هنية و قالت اّخيراً ..



ظل الوضع هكذا حتي اصبحتي في الخامسة من عمرك ، كنتي تضعيه معك في سريرك بعد العودة من المدرسة و تحتضنيه بشدة ، حاولت مراراً أن ابعده عنكي حتي لا تحطميه و انتي تتحركين في السرير لكنك كنتي تصرخين و تبكين ..
اشتريت لكي الكثير من الألعاب و العرائس و لكن لا فائدة .. و لكن الأمر تطور فقد كنتي دائماً تأتين لي من المدرسة باكية ، لأن كل اصدقائك لديهم أم و انتي لا ..
في مرة و أنا ذاهب معك للمدرسة في الصباح ، وقفتي أمام الجمعية و كانت النساء متجمهرة أمامها ، فأخذت تجذبيني و تبكين و تطلبي مني أن اشتري لكي أماً من ذلك المحل ، فاعتقدتي انه محل لبيع الأمهات كدت أبكي و أنا اجذبكي بعيداً عن النساء ، فتعاطفت معكي واحدة منهن و لكنكِ خفتي منها و اختبأتي ورائي ، و قلتي لي تلك الست ليست جميلة كأمي التي تخرج من الصندوق ، اعتقدت انه خيال طفلة خاصة و انتي تفتقدين والدتك .. وكان المدرسون أيضاً يشتكون من علاماتك ، فكان وضعك بالنسبة لطفلة سيئاً !

في الأيام التي تلت تلك ازداد الوضع سوءا فكنتي توقفتي عن البكاء ، و لكن كنت اسمعك كل ليلة تتحدثين مع شخص في غرفتك و تضحكين معه !
و لكن عندما سألت بعض سكان الحارة قالوا لي ” ديه عشان اول خلفة مش متعود علي شغل العيال كلهم كدا يتخيلوا صحاب و يكلموهم ”
و لكن تجمد الدم في عروقي عندما كنت أعبر من أمام غرفتك و سمعتك تنعتين شخصاً خفياً لا اّراه ” ماما” مش عارفة اذاكر !



اقتحمت غرفتك و لكن لم أجد أي شخص ، وجدتك تنظرين إلي الفراغ و بجانبك الصندوق ..!

قلتي لي تعال يا أبي سلم علي أمي ، فقلت بالتأكيد انك تلعبين .. !
فرددت عليك و قلت ” ازيك يا ماما عاملة ايه .. ؟! ”

فأخبرتيني انها انصرفت و اني اكلم الهواء و ضحكتي ، فضحكت معك علي لعبتك تلك ..!

و لكن في اليوم التالي تفاجأت بالمُدرسة التي تدرس لكي تتصل بي و تطلب مني أن احضر للمدرسة ..

و ما قالته لي جعلني في ذهول ” قالتلي انت اتجوزت حد بعد ما مامت ياسمين ماتت ؟! ”
أخبرتها ” اني عايش لبنتي بس ليه السؤال ؟! ”
قالت لي بشيء من الاستغراب ” مستوي ياسمين كان سيء جداً ، و لكنه فجأة اتحسن و لما سألتها مين ساعدك في الواجب لأنه باين من الخط في الكراسة انه خط لشخص كبير أفتكرت ان حضرتك بتساعدها .. لكنها قالتلي ماما أميرة ، لكن أنا عارفة أن والدتها اسمها ايمان ، فافتكرت حضرتك اتجوزت ؟! ”
اخبرتها ” اني يا دوب بعرف افك الخط ، و متجوزتش فاستغربت جدا من الخط في كراسة ياسمين ، لأني اعرف خطها جيدا ”

قاطعت أبي و انا أصرخ .. ” انا كمان الست إللي بشوفها اسمها أميرة ، و كنت ممكن اقول اني بحلم بأمي .. و لكن أنا عارفة أن امي اسمها ايمان و كمان الست إللي بشوفها بنتها اسمها مُني ..!

ظهر علي أبي الارتباك و قال لي الصندوق ده ملعون ، مسكون كل حاجة بجيبها من المقابر كنت ببيعها و لكن الصندوق ده الوحيد إللي احتفظت بيه هو و …
قلت له .. ” هو و إيه ؟! احتفظت بإيه تاني من المقابر ؟! ”

قال لي لا و لا حاجة .. و اكمل حديثه ” لم تتوقف الأمور عند هذا الحد.. بل أصبحتي تتخيلين الكثير من الأمور مثل كلامك عن قصر غريب تأخذك أمك المزعومة إليه .. ففي مرة اّخذتي تبكين و تطلبين مني أن اّخذك إلي غرفتك في القصر لأنك تحبين اللعب هناك ..!

أصبحت الأمور خارجة عن السيطرة ففي مرة كنت أمر أمام غرفتك فسمعتك تبكين و حين دلفت إلي الغرفة ، فتخيلت بسيدة تشبهك الاّن تجلس علي كرسي هزاز ، و لم يكن بغرفتك واحد من تلك الكراسي ، كانت تغني لكي
” مع أمي أصحو و أنام ، مع أمي تصحبني الأحلام ”

بنفس صوت الصندوق الموسيقي .. تجمد الدم بعروقي ووقف شعر رأسي ..
و ظننت أني أتخيل بسبب القصص التي تحكيها لي ..
و في اليوم التالي طلبت مني مديرة المدرسة أن أذهب لها للتحدث معي في موضوع هام ..

و عندما ذهبت طلبت مني بحزم أن أخبرك أن تتوقفي عن قصصك تلك التي تقصيها لباقي زملائك عن أمك أميرة التي تظهر لكي من صندوق الموسيقي ، و تأخذك لقصر كبير .. فالكثير من أولياء الأمور يشتكون من أن ابنائهم يخافون كثيراً من قصص أبنتك .. لم ينتهي الأمر إلي هذا الحد .. بل قامت بفصلك أسبوعين لأنك لم تتوقفي عن تلك الحكايات ..
كان قراري حاسم أنا أيضاً فتلك المديرة ، لم تراعي سنك و أنك تفتقدين أمك و أنك تحاولين ايجاد أم بديلة و لو بخيالك .. فقدمت شكوي ضد تلك المديرة و نقلتك إلي مدرسة اّخري ..!

اصبحت أنا أيضا تزورني أميرة ففي مرة من المرات ، كنت أعمل في الدكان حتي ساعة متأخرة من الليل فكنت أرص بعض البضاعة الجديدة بعيداً عن ضوضاء الزبائن في النهار و كانت الحارة صامتة خاوية علي عروشها .. لم يكن هناك سوي المعلم شندويلي جزار الحتة و هو رجل ضخم بدين جدا له شارب ضخم و شعر كالشعر الأفريقي و لديه ندبة في وجهه يبدو أنه جرح كبير .. و كلنا نعلم في الحارة ان المعلم شندويلي كان قتال قتلة سابقاً .. و حتي الاّن لا يجرؤ أحداً علي الوقف أمامه ، بينما يمر المعلم شندويلي أمام المحل .. سمعت ذلك الصوت مجددا بنفس الأغنية .. و لكن كيف يحدث ذلك فالصندوق معك في المنزل ..
اعتقدت انك خفتي وحدك في الشقة و نزلتي ، و لكن في الظلام رأيت شيء كاد يفقدني الوعي وجدت تلك المرأة من جديد اغمضت عيني ، و قلت ” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” ، و عندما فتحت عيني كانت مازالت هنا ..
لأول مرة اسمعها تقول شيء مختلف ” قالت تعالي معي سوف أريك شيء هام أرجوك ”

خفت كثيراً و لا أعلم كيف حملتني قدمي و ركضت حتي المنزل ..
في الصباح كنت هدأت قليلا و عاهدت نفسي ألا أعمل ليلاً مرة اّخري
و لكن في اليوم التالي سمعت صوت نفس المرأة تتحدت معك و تقول “تعالي معي سوف أريك شيء هام أرجوك ”
و عندما اقتحمت الغرفة وجدت جسدك يطفو فوق الأرض ، كأنك تطيري وراء تلك المرأة .. لا اّدري كيف جذبتك خفت كثيراً أن تذهبي من هنا .. خفت عليك كما لم أخف يوماً علي أحد .. !

ثم اخبرني انه احتفظ بالصندوق بعيدا عني بعد ذلك و رماه في المخزن ، لم يكترث لبكائي و توسلاتي فهو كان يفعل ذلك لمصحلتي اّنذاك ..
و لكني طلبت منه ان احتفظ بالصندوق ، شيء ما بداخلي يطلب مني الاحتفاظ به ، و قلت له أنا طبيبة الاّن و لن امشي وراء تلك الخرافات .. ووافق أبي علي مضض ..!

مر أسبوع كانت الأوضاع هادئة حتي ذلك اليوم الذي دلفت إلي الشرفة لأتحدث مع أبي ، فوجدت نفسي في شرفة القصر ، انظر إلي الحديقة ثم رأيت الست أميرة تجري و ابنتها مُني تحاول الحبو ورائها علي العشب ، فحملتها و قبلتها و اخذت تضع قدمي مٌني في ماء النافورة .. و مني تضحك ، حتي لو كان ذلك حلم أو تلك المرأة شبحاً فما أشاهده كان جميلاً ..!

وجدت نفسي أتجول في القصر ، مستحيل أن يكون ذلك حلماً فتلك التفاصيل واضحة جدا علي أن تكون حلماً ، فها هو الحمام المتصل بغرفة أميرة كان من الرخام المرمر أيضا و به مفروشات قطنية رائعة ويبدو أن كل شيء به باهظ الثمن .. نزلت إلي البهو الذي كنت به المرة السابقة ثم دلفت إلي المطبخ كان به طاولة كبيرة في المنتصف و كل الاثاث باللون الابيض وبه أيضاً نفس المفروشات الأنيقة و به باب زجاجي يطل علي الحديقة .. لا اّدري لما أنا في المطبخ لا اّري سوي خادمة شابة يبدو عليها الدلال و الجمال .. وجدت شخص يفتح باب المطبخ يبدو أنه حارس القصر ، قام بإلتقاط تفاحة و بدأ بأكلها و هو يغازل الخادمة .. وجدت نفسي أخرج من باب المطبخ الخلفي و أقف عند باب القصر ..

تلك المنطقة أنا أعرفها جيداً أنا في المعادي و لكنها كختلفة قليلاً عما أعرفه فهي أكثر هدوءاً و رونقاُ، و لكن قطع تفكيري شخصان يقفان علي باب القصر .. ينظران لأميرة و مني بشر .. أنا أعرف ذلك الرجل انه “شاندويلي الجزار ” و لكنه هنا يبدو أصغر بكثير كأنه مازال شاباً .. أنا أيضاُ اسمعه بوضوح .. يقول لصديقه ” الست ديه بتيجي تزور اختها في الحارة اختها متجوزة المدرس إللي ساكن علي أول الحارة ، ست متريشة و ديه فرصتنا مفيش غيرها و البت المفعوصة هنا و الحارس مش موجود “و لكن زوج أميرة عاد إلي القصر و الحارس عاد إلي مكانه .. حاولت الركض مرة اّخري لتحذير أميرة و لكن بدأ الظلام يخيم عليّ من جديد و استيقظت من جديد فوجدت نفسي فاقدة للوعي في الشرفة و أبي يصرخ و يقول ” لا مبدهاش بقي أنا هرمي الزفت تاني في مكانه في المخزن ” و قبل أن استعيد وعيي بشكل كامل وجدته حمل الصندوق و فتح باب الشقة ..
بصراحة لم يكن عقلي معه ، بل كان مع أميرة و أبنتها ..

كنت خائفة جدا عليهما من شاندويلي كأني اعرفهما جيدا ، حتي و إن كان هذا حلم.. فأنا أود تحذيرهما ..
قطع تفكيري صوت هاتفي انه الصوت الذي يحدثه حين يقوم شخص بذكري في تعليق .. حين فتحت لأري ما كل تلك التعليقات ..
وجدت معظم زملائي بالدفعة يقومون بذكري في تعليقات علي صورة تشبهني تماماً ، إنها زوجة د/ يس رئيس مستشفي الرحمة .. كان يكتب فوقها الذكري الثانية و العشرين لوفاة زوجتي أميرة و ابنتي مُني !!

اعتقدت أني أحلم من جديد و لكن أبي دخل عليّ و راّي ذلك المنشور .. لم نعد نفهم شيئاً و لكنه قال بصرامة ” اياً كان ما يحدث تخلصنا من الصندوق الملعون و انتهي الأمر ! ” .. كان عقلي لا يتوقف عن التفكير في الأمر ماذا حدث لأميرة و مني هل قتلهما شاندويلي ؟! و لكن ما علاقتي بهما لاّري كل هذا .. يبدو أن الصندوق الموسيقي ذلك كان يخص مني الرضيعة و أبي سرق قبرهما لذلك أنا اّري من قتلهم.. فتلك الروح تستغيث بي ..! يا تري ماذا استطيع أن افعل .. !
مر شهر لم تزرني أميرة و مني فيهم مطلقاً …وذهبت بعد ذلك مع اصدقائي لأتدرب في مستشفي د / يس ، كان ينظر لي نظرات حنونة غريبة .. حتي لاحظ كل الطلاب ذلك .. و ابتدأ البعض يقول لي انه معجب بي و كنت أضحك و اخبرهم انه بسن والدي ..!

حتي اخبرني اني اشبه زوجته كثيراً ، كنت أعرف من زوجته و من ابنته بدون أن يقص لي أي شيء .. لكنه قال لي خرجوا مرة يزوروا أخت مراتي في حارة و مرجعوش .. البوليس لقي جثة أميرة و مني اختفت بس اكيد ماتت !
بالكاد اخفيت دموعي و ارتباكي و عقلي الذي كاد يقتلني ، لكنه قطع تفكيري و قال لو كانت بنتي عايشة كان زمانها قدك بالضبط و شبهك كمان .. تفتكري لو عاشت كنت هشوفها دكتورة زيك ؟! لم استطع أن امسك دموعي ..
و في الليل و انا غارقة في تفكيري سمعت صوت طرقات علي باب الشقة تكاد تخلعه الغريب أن أبي نائم و لما يستيقظ و لم يسمعها نظرت من العين السحرية فرأيت نفس المرأة أميرة تكاد تخلع الباب كنت خائفة ارتجف ، حاولت أن اجعل أبي يستيقظ لكن يداي كانت تخترقانه كأني شبح ..!

أنا احلم مرة اّخري .. لكني لأول مرة احلم بتلك المرأة في منزلنا .. مازال الطرق مستمر كانت تترجاني لأفتح .. فتحت لها و قالت لي ” تعالي معايا اريدك أن تري أمر هام ” كنت خائفة و طلبت منها أن تذهب و تتدعني لشأني .. قالت لي ” متخافيش يا مني أنا ماما ” تعالي معايا صرخت بها و قلت لها ” أنا ياسمين ” أنتي مش أمي و لكن جسدي كان يطفو بدون أرادة مني و كنت أذهب ورائها وجدت نفسي في نفس القصر ووجدت أميرة ترتدي بالطو باللون الوردي عليه فرو أبيض و مني ترتدي فستان بنفس اللون أنا أعرف ذلك الفستان .. لدي صورة و أنا صغيرة اشبه فيها مني و ارتدي نفس الفستان ..و نفس القلادة !!

ركبت أميرة و هي تحمل مني في سيارة د / يس و طلبت من السائق أن يتجه عند اختها في حارة كهرمانة وجدت نفسي أطفو بداخل السيارة ، حتي وصلنا للحارة كانت أقبح بكثير مما هي عليه الاّن و كانت ليلة ممطرة .. طلبت من السائق أن يأتي لها عند أول الحارة بعد ساعة .. لأنه يرفض أن يدخل إلي الحارة لأن ذلك يضر العربة بسبب تهدم الأرض .. مرت ثواني فوجدت نفسي في شقة قديمة و أميرة تقول لأختها عدت ساعتين مش ساعة زي ما قلت للسواق يارب يكون مستنيني !

فردت أختها عليها ” لو كان الأفندي بتاعي هنا ، كنت خليته يوصلك ” ، فردت أميرة متقلقيش هتلاقي السواق تحت ..
كان كل شيء مختلف بذلك الحلم فالساعات تمر ثواني .. و الأماكن تتبدل سريعاً !
رأيت أميرة تحمل مني و تخبأها بالبالطو من المطر ، يبدو أنها تائهة فأخذت تلف و تدور في الأزقة المتشابهة ، فتلك الحارة في ذلك الوقت حقاً كانت مخيفة ..
شعرت بأميرة و هي خائفة لأن احدا يتتبعها ، فوجدت شاندويلي يمشي ورائها حاولت أن أصرخ و أن ابعد شاندويلي عنها و لكن لا فائدة أنا شبح فقط في ذلك الحلم العجيب .. وجدت أميرة تجري و هي تحمل مُني و هو يركض ورائها .. حتي وصلت للمقابر البعيدة اقترب منها شاندويلي و كانت تحمل مني و مني تحمل الصندوق الموسيقي ضرب شاندويلي أميرة ضربة أطاحت بها أرضاً و سرق منها كل ما ترتديه من مجوهرات و حقيبة يدها وسقطت مني من يدها و بدأت بالبكاء ، شاهدت شاندويلي يخرج حبلاً و يحاول شنق أميرة .. حاولت أن امنعه لا جدوي ، حاولت أن اصرخ أبكي لا فائدة .. و هو يحاول شنقها غرست اظافرها في وجهه ، و يبدو أن ذلك سبب تلك الندبة في وجهه !!

ماتت أميرة أمام عيني و أمام عين مني ، حمل شاندويلي أميرة و حفر قبر من القبور ، فكان معظمها من التراب اّنذاك ألقي في تلك الحفرة أميرة و عندما بدأت مني بالبكاء، خشي ذلك المجرم أن يسمعها أحد فيفتضح أمره حملها و ألقاها في الحفرة و لكن مني كانت بكاءة و كثيرت الصراخ ففتح لها الصندوق الموسيقي .. فهدأت فألقي لها الصندوق و ردم عليها … في تلك الأثناء كان جسدي يطفو في باقي المقابر رأيت أبي !! إنه أبي الحالي كان ينام بجوار أحد القبور ، يبدو أنه كان يخطط لسرقة شيئاً هنا و لكنه غفي بدون قصد ، ولكنه استيقظ علي صوت صراخ أميرة وبكاء مني لكنه لم يري شيئاً ، وعندما اقترب من صوت غناء الصندوق ، اخذه الفضول ليعرف مصدر الصوت فحفر الأرض ليجد أميرة و قد فارقت الحياة و وجد مُني و قد كانت تمسك الصندوق و تبكي بشدة يبدو أنها خائفة .. خاف أبي بشدة و قال لنفسه ” ده قتيل أنا كده لو حد شافني هلبس الجريمة ديه أنا مليش دعوة حمل مُني ووضعها بجانب القبر ، و قال لنفسه حتي البت ديه دلوقتي حد يجي يوديها ملجأ و لا حاجة !

ترك أبي البنت و مشي بعيدا عن القبر و لكن مني الصغيرة يبدو أنها كانت خائفة فاخذت تحبو وراءه و تحاول أن تجذبه من قدمه ، نظر لها أبي فرفعت له يدها و كأنها تخبره أن يحملها .. لان لها قلبه و كأنه وجد أثمن جوهرة يعز عليه أن يفقدها .. حملها و كانت لحيته اتسخت من التراب فكانت مني تضحك و هي تحاول تنظيف لحيته .. قبلها و احتضنها بشدة فحاولت النطق بحروف لم تكن مفهومة و قالت بب .. بب فقال لها بابا ؟؟ فضحكت بشدة .. فقال أيوه أنا بابا أنا ابوكي انا عمري ما هسيبك .. قال لها تعالي يست البنات عشان ناخد لعبتك و نهرب بقي من هنا .. و حين ذهب ليلتقط الصندوق من القبر فقد تركه مفتوح وجد ازهار الياسمين تنبت بجوار رأس اميرة و رائحة المسك تفوح بشدة ، حتي أنا استطيع شم تلك الرائحة الطيبة !

حين راّي أبي ذلك نظر للسماء و قال اعاهدك يا الله اني لن اعود للسرقة ، لن أجعل تلك الطفلة تنمو في حرام .. ثم نظر للطفلة و قال و انتي يا ست الحسن اسمك أيه بقي ؟ أنا هسميكي ياسمين .. و اّخذني و رحل …!!

الاّن عرفت أنا مُني .. و عرفت لماذا أبي لا يريد اخباري بقصة توبته !! بدأ الظلام يحل من جديد وجدت نفسي أمام باب الشقة في منزلنا ، جريت علي أبي و أنا أبكي بشدة .. استيقظ من النوم فزع اول كلمة قلتها له ” انا مش بنتك أنا أغلي حاجة لقيتها في المقابر صح ؟! متحاولش تنكر أنا عرفت كل حاجة ” .. بكي أبي و احتضني و قال لي ” لو كنت خلفت بنت مكنتش حبيتها قدك ، مكنتش خوفت عليها زيك و بكي ”

قبلت يداه و رأسه هو أبي حقاً لا أريد أحداً غيره .. قال لي ” كنت راجع من الصعيد كنت بسرق مقابر هناك و قعدت انط من بلد لبلد لحد ما رجعت علي مقابر هنا .. حلمت ان فيه ميت مخنوق و الكفن مضايقه ” صحيت لقيت نفسي نايم في المقابر مشيت لحد القبر إللي حلمت بيه ، سمعت صوتك و لحقتك قبل ما تموتي و كنتي اّحلي حاجة فدنيتي ، مرضتش اتجوز عشانك و توبت من يومها عن الحرام ”
عندما قصصت لأبي قصة شاندويلي و قتله لأمي ..قام في اليوم التالي بالإبلاغ عن شاندويلي من تليفون عمومي ليتجنب المشاكل و بالرغم من أنه ليس هناك دليل علي حادثة القتل لكن أبي اخبر الشرطة أن مني بنت د/يس راجل لقاها ووصف لهم عنوان بيتنا .. و عندما ذهبت الشرطة لشاندويلي لم تجد دليل علي حادثة القتل ، و لكن وجدت بالمخزن عنده كمية كبيرة من المخدرات و حُكم عليه بالإعدام في قضية جلب مخدرات و اّخذ عقابه ، أما الدكتور يس لم يصدق أن مني مازالت حية و اعتقد انها عملية نصب .. لكنه زارني بعد أسبوع في شقتنا ..
و عندما فتحت احتضنني بشدة و بكي ” و قال لي لن تصدقي ما سأقصه عليكي و لكني حلمت بوالدتك تصحبني للمقابر فوجدت رجل يحملك و انتي طفلة و ينقذك من الموت ”

وقتها فقط صدقت انكِ حية ..!
قلت له أنا اصدقك لأني معتادة أن أذهب مع تلك الروح -أمي – في العديد من الرحلات^^ … و تعرف د/ يس علي أبي و قبل رأسه و طلب أن نذهب لنعيش معه في القصر … و عندما انتقلنا وجدت نفسي في القصر ذاته الذي كنت أحلم به ذلك القصر أنا احفظه كأني عشت عمراً هنا ..

و عندما تخرجت قام أبي د/ يس ببناء مستشفي لي و سماها مستشفي “روح” التخصصي و لكن وحدنا نحن الثلاثة نعرف من هي تلك الروح النقية !
و مَر العمر و تزوجت طبيباً زميلاً لي و أنجبت طفلة أسميتها ” أميرة ” و في عيد مولدها الأول اهدتها الصندوق الموسيقي خاصتي ..

و لكن أميرة الكبيرة لم تعد تزورني أنا ،و لكنها تزور أميرة الصغيرة ففي بعض الأحيان اّراها تجلس علي الكرسي الهزاز و تغني لها ..
” مع أمي اصحو و انام ، مع أمي تصحبني الاّحلام ..! ”
تمت بفضل الله تعالي ..

الحمد لله اللهم صل و سلم و بارك علي سيدنا و نبينا محمد
رد مع اقتباس