عرض مشاركة واحدة
  #84  
قديم 09-03-2019, 06:28 PM
 
ذهبي

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www.arabsharing.com/uploads/153355728368832.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]






C R Y S T A L




الفصلُ الحادي عشر




*آكاني*

ياله من صباح هادئ ! الجو ليس حارًا ولا باردًا الرياح تهب بهدوء شديد !

" لماذا تتعب نفسك ؟ دعني و شأني ! " قلت للمزعج الذي يسير بجواري !

" هذا ليس من شأنك ! ليس كأنني أتتبعك ، انه طريق المدرسة ! " قال وهو يمدد يداه ...

" لست مجبرًا على السير ومعك دراجتك ! "

"لدي وقت ولست مُستعجلًا للوصول للمدرسة ! "

" يالك من لُصاقة ! "
قلت بضجر

" لأنك كالمغناطيس للمشاكل ! ولن أدع هيروشي يعتقد بأنني لم أعتني بك ، فوقعت بها ! "
قال بسخرية ...

"وقح ! "


أنه هكذا منذ فترة ! يأتي ليرافقني من و إلى المدرسة ! ماذا به على أي حال ؟ يقول كلامًا قاسيًا ويلتصق بي كظلي ! يوميًا وفي كل مكان ...
في الحصة يجلس خلفي ، وقت الغداء يأكل معي ، وفي اجتماعات ممثلي الصف معي وفي المختبر يجلس بجانبي !
وفي المطبخ في نفس الفريق معي ! كأنني مربوطة بحبل خفي معه !

نظرت للدراجة ،
لم أركب واحدة منها مذ دخلت الثانوية ، لأنه ليس لائقًا مع التنورة القصيرة ! لذلك أسير كل هذه المسافة يوميًا ...

" أختي محظوظة جدًا ! لديها من يوصلها يوميًا ! "


قال جوان ببلاهة وهو يُشير لنفسه :

" و أنا أوصلك يوميًا ! "

" ماذا ؟ أتمزح معي ؟ "
قلتُ باستهزاء لأكمل بحماس

" ليتني كنت بدلًا عنها ! حتى لو كان حبيبًا مزيفا مازال تاكامورا رجلا رائعًا للغاية ! "

" ماذا ... أتمزحين أم ماذا ؟ أو لعلك كباقي الفتيات غبية وحسب ! "
قال مستهزء وهو ينظر للأمام ..

" لست غبية ! يحق للفتاة أن تحلم أحيانا ! " قلت غاضبة ...

وقف جوان فجأة وركب الدراجة قائلًا :

" اركبي على السلة الخلفية ! أعرف أنك تعبة من المشي ! "

" لا أريد ! "


قلتُ باشمئزاز ، فبادلني نظرة باردة مطولًا ... استسلمت وأنا أجلس على السلة بعد أن أعطيته حقيبتي ...
أمسكت السلة التي أجلس عليها بكلتا يدي قائلة :

" اياك أن تسرع كثيرًا ! "

" لا يحق لك الطلب ! "


قال بشقاوة ... وحرك دراجته بسرعة نسبية ... أمسكت بقميصه بيدي اليسرى خوفًا وسألت :

" صحيح جوان ، بيتك ليس ببُعد بيتي فلما تحتاج الدراجة ؟ "

لم يُجبني ولم يتسن لي رؤية ملامحه فلم أفهم موقفه . يبدو غريبًا مؤخرًا ، يشرد كثيرًا أتسائل ما يشغل باله ؟



قبل أكثر من سنتين ، كُنت مع الصف في مساحة خاصة بالتخييم يزورها طلاب المدارس وكان صفُ جوان في نفس المكان معنا !
كانت مدرستنا تفصل صفوف الأولاد والبنات ... لم أكن قد قابلته من قبل الا حين كُنا صغارًا و لذلك لم أعرفه ...
مع أنني أعرف ياجيما التي كانت تأتي لمنزلنا بكثرة الا أنني لم أذهب سوى مرات قليلة لم يكن في البيت حينها ....
تقابلنا صدفة وحدث خلاف بيننا أنا وصديقاتي معه وأصدقائه ، كانوا معروفين بأنهم الأكثر شغبًا في المدرسة اولائك الأربعة !
جائتني إحدى صديقاتي تشتكي من اولاد الصف الآخر يبدو أن أحدهم كان قد رمى بها في البحيرة ! حينها استشطت غضبًا
ودبرنا انتقامنا مع الفتيات وخربنا خيمتهم في الليل وهم نيام ! يبدو أن جوان كان مستيقظا حينها فرأني بين الفتيات ،
الغريب أنه كان يعرفني وأنا لا ! وقد قام حينها بالتغطية علي ولم يشي بي وحين عادوا وازعجوا فتاة أخرى قمت بتدبير مقلب آخر
لكن جوان أمسك بي وأبعدني عن المكان قائلًا :

" توقفي عن حشر نفسك بالمشاكل ! أتظنين أنهم سيدعونك وشأنك اذا عرفوا ما تدبرين لهم ؟! سيُدمرون حياتك ! "

" هذا لايعنيك فلا تتدخل ! "
قلتُ بوجه مُحتقن و أنا مصرة أن أنفذ انتقامي لزميلتي منهم !

وما كان منه الا وصفعني على خدي بقوة وهو يقول :

" يا لى قلبك الأسود ! كيف لفتاة مثلك أن تحقد على أحد لم يؤذيها ! "


صرخت في وجهه والدموع في عيناي :

" أتظن نفسك أفضل مني ؟ وأنت كنت معهم ايضًا ! "

" يكفي ! "
قال بنبرة آمرة وهو يبعد نظره عني ! نظرت له بامعان كانت نظراته باردة جدًا .

" لا تعيديها ! لن يرضى هيروشي اذا حدث لك مكروه و أنا اراقبك فلا تصعبيها ! "

ختم كلامه وهو يوليني ظهره وذهب .

لاحقًا عرفت أنه شقيق ياجيما يوم جنازة والده السيد توشيري ، لقد كُنتُ مصدومة جدًا حينها .





*ناتاليا*





كان يتذمر لتأخري ، لقد اتصل بي ثلاث مرات ولكنني طلبت منه أن ينتظر ! و لم أشعر الا و أمست السابعة والنصف !
لم يبقى سوى نصف ساعة على بداية الحصة ....

" كما تعرفين ، أنا لست عاطلًا عن العمل ! لاتكرريها ! ستصلين في الوقت المحدد ولكنني تأخرت سلفًا ! "

" أنا آسفة ... آسفة ... آسفة حقًا ! "


بقيت أعتذر حتى وصلت ، وترجلت مودعةً اياه بسرعة ... ولم أدرك بأنني قد نسيت حقيبة نقودي خطئًا في سيارته
الا حين كنتُ أنوي دفع ماعلي في مقصف المدرسة ... كان الموقف محرجًا للغاية ... لم أحضر معي طعامي ونسيت حقيبة نقودي ،
والأسوء تم احراجي من قِبل البائعة !

عدت لصفي خائبة ، نظرت حولي لم أجد ياجيما اذ انها لم تأتي اليوم ! نهضت أذهب لحيث أختي فتفاجئت بجوان عند الصف ،
نظر للصف فلما لم يجد ياجيما سألني :

" أين أختي ؟! من النادر أن لا تكونا معًا ؟ "


استغربتُ و أنا أجيب : " الا تعلم أنها لم تأتي ؟ "

تبادلت نظرات استفهام مع سوداوتيه ! ليقول بأسف :

" لم أحضر طعامي معي فقد كانت تعده حين غادرت البيت صباحًا ولم أحضر نقودًا معي ! "

ابتسمت لأستفزه قائلة : " مسكين ! "

بادلني بنفس أسلوبي: " ماذا عنك ؟! "

" لن أجادلك ! فأنا لم أحضر معي غدائي و الأسوء نسيت محفظتي ! "

" لاتقوليها ! لقد كُنت أفكر بالإقتراض منك للتو ! "


قلتُ بشيء من الألم : " مع الأسف ! لنذهب لآكاني ! "

تلبك قائلًا : " أنا لا أستطيع أن أطلب منها ! سيكون موقفًا محرجًا أمام أصدقائي ! "

ابتسمتُ وأنا اجره معي : " لابأس ... لابأس .... أنا سأطلب وأنت تذهب للشراء ! "

قال بشك " ولما أنا وليس أنت ؟ "

لم أستطع أن أجيبه بصراحة عن ما حدث معي في المقصف قبل قليل فراوغته قائلة :

" لأنك ستكون الأسرع ، هيا قبل نفاذ الكمية ! "



دخلت صفها ولحسن حظي لم يكن به سوى أختي واثنين من زميلتيها ! لم تمانع آكاني أعطائي النقود بلا تردد
مع انها كانت تتذمر بسبب اهمالي ! ذكريني من الأكبر ؟!

" عليك أن تكوني حذره أختي ! كدت تتأخرين صباحًا رغم أنكِ مستيقظة منذ الخامسة والآن نسيت شيء مهم كهذا ! "

" حاضر .. حاضر ماما ! " قلتُ لها مازحة و أنا أغادر صفها ملوحة !



وجدتُ جوان يجلس القرفصاء في الزاوية ، أعطيته النقود مبتسمة ... اتفقنا وغادر للمقصف وذهبت أنا للباحة
واشتريت مشروبين غازيين بطعم البرتقال وعدت لصفي حيث سبقني جوان وجدته يجلس على طاولتي وهو
يضع رأسه على الطاولة حركت كتفه قليلًا فاذا به ينهض فزعًا !

" ماذا بك ؟! أخفتني حقًا ! "


أعطيته أحد العلبتين وأخذت كيس مشترياتي منه ... قال وهو يحك فروة رأسه

" لا شيء حقًا ! لقد فاجئتني وحسب ! "


بدا لي أكثر من متفاجئ ولكنني لم أشأ ازعاجه ....

" سأذهب للباحة الخلفية فالجو جميل ، هل تأتي ؟! "


رفع العلبة عن الطاولة وهو يتبعني قائلًا :

" ولما لا ؟! "






كان الجو كالصباح تمامًا لكن ادفئ ، فقد توسط القرص الذهبي قلب السماء ! جلسنا نأكل بهدوء ، نادرًا ما يحدث شيء كهذا !
أقصد أن نجتمع أنا وجوان من دون اخواتنا !

" أتسائل لما غابت ياجيما ؟ سأراسلها ! "
قلت وأنا أخرج هاتفي ....

" وأنا أيضًا ! لم تقل لي شيء حين غادرت صباحًا ! "

" ولما لا تأتي معها ؟! "


نظر لشطيرة البيض بين يديه مطولًا وهو يتهرب من الإجابة بوضوح :

" ناتاليا .... أنا أعتذر لما فعلت ! اعتبريه انتقامًا صبيانيًا ! "


ابتسمت برضى : " ليس عليك الإعتذار ! فقد تجاوزت ماحدث حقًا ! تجاوزه وحسب ! "

قال بشماتة : " لا أنوي أن أتجاوز مزحتكِ الغبية ! انما أنا آسف لطريقة الرد عليكِ ! كان يجب أن تكون أقوى ! "

" ها ها ها ... أرجو أن لا تفعل اذًا ؟! "
قلتُ بمرح لأغير الجو العام بيننا ، ابتسم بهدوء وتابع أكل طعامه بغير أن يضيف شيءٍ ....
وحين أنهى أكل حصته ، مد يديه نحو كيس شطائري وسرق واحدة تحت ناظرَي

سحبت الشطيرة الأخيرة و أنا أخفيها عنه :

" ألم تشبع ! "

"فعلت ! "
أجاب مغمض العينين !

أغاضني عمدًا لأثور عليه

" اذا لما تأكل من حصتي ؟! "

" لأنني وقح ! أليس سببا كافيًا ! "

" وقح
! " قلتُ مستغربة ! لم أفهم ما قصده لكنه لم يكن يمزح !

" أنت ... لا تبدين منزعجة من التمثيلية السخيفة ! وهذا غريب ! "

نظرت اليه بابتسامة لم يفهم مغزاها اذ انه بدا لي مشوشًا ولم يفهم موقفي !



في تلك اللحظة لمحت شخص غير مألوف من بعيد ، كان يبدو غريبًا ومألوفًا في نفس الوقت ... نظرت مليًا لكنني لم أتعرفه ،
لم يسبق أن رأيته في المدرسة من قبل ! كان يبدو شيخًا كبير السن بخصلاته البيضاء ، والشعر قد تساقط من معظم رأسه
يسير بهدوء مستعملًا عكاز خشبي يساعده على الوقوف بعد أن تقوس ظهره قليلًا !

"
هي جوان ... أتعرف الرجل العجوز ؟! "

نظر جوان له بحيرة وهو مستغرب منه مجيبًا :

" رأيته مرة واحدة من قبل لكنني لا أعرفه ... لعله أستاذ لأحد الصفوف ! "

لم أقتنع من كلام جوان ، أنا ادرس هنا ثلاث سنوات ولم أراه من قبل ، فلا يعقل أن يتم نقل استاذ عجوز للمدرسة !
رجل في مثل سنه يفترض أن يكون قد تقاعد منذ عشرين سنة ! فلا يعقل أن يكون استاذًا ! بلا وعي مني أخرجت هاتفي
وأخذت صورة له ، لم تكن الصورة تظهر ملامحه جيدًا من زاويتي ولكنني التقطتها !

" لما الصورة ؟ "
سأل جوان مستغربًا من تصرفي فأعدت الهاتف لجيبي و أنا أجيب مبتسمة :

" فضول ! سأسأل أخي عنه ! "

" اتظنين أن هيروشي يعرفه ؟ "

" ربما ! "
قلت وأنا أنهض من المقعد الخشبي و أجمع المخلفات التي سببناها ،
رميتها في السلة المهملات التي خلفنا ....

" من الأفضل أن تعود لصفك يا جوان ، سيرن الجرس بعد قليل ! "

" حاضر ... حاضر سيدتي ! "
قال منصاعًا وسبقني نحو مدخل المبنى الرئيسي للصفوف ....

وقفت أنظر لحيث دخل العجوز وكلي شك قوي ،

" أيعقل ؟! "




رن الجرس فاستدرت عائدة لصفي وأنا أنظر لورائي مشغولة البال فاذا بي اصطدم باحدهم فوقعت على الأرض فاقده توازني!

" أنا آسفة ... انه خطئي ! "
قلتُ و أنا أرفع رأسي

فاذا به أحد العاملين في تنظيف المدرسة ، أنزل قبعته على عينيه وهو ينحني قليلًا :

" انا اعتذر آنستي ! "
قال بصوته المخملي الذي له صدى خاص في اذناي ....

امسكت القبعة وأبعدتها عن عينيه ، تلكما الخضراوتان اللتان تشعان حدة ! تغيرت ملامحه قليلًا ولكن ، العيون نفسها !
كان يضع لحية وشوارب مصطنعة وقد غير شيء من ملامحه ليبدو أكبر قليلًا من سنه ، ابتسمت بثقة وأنا أعيدها اليه ثم أخرجت هاتفي ،
كان يتجاوزني حين أمسكت بذراعه ، فاستدار مستغربًا من فعلتي وضعت الهاتف بيننا و أنا أقول :

" هذا العجوز ، أنا واثقة أنه ليس استاذا ! أظنه شخص يستحيل أن يتواجد في المدرسة ! "


نظر للصورة لبعض الوقت بتركيز ثم أخذ الهاتف من يدي وهو يعبث به ... لم أفهم ماذا كان يفعل ولكنه سأل في نفس الوقت :

" أنت حذقة أكثر من ما توقعت ! أن تنتبهي لشيء كهذا .... أنا مندهش ! "

" كما تعرف ، انه عجوز للغاية ولم يسبق لطالبة نشيطة في المدرسة أن تراه ، لاتمزح معي ... يستحيل أن يكون استاذًا ! كما ليس هنالك
اجتماع امور الأولياء وليس هنا ليرى المدير أو الأساتذة بحكم أنه أب ... اذ لا حاجة ليأتي للباحة الخلفية ان كان كذلك ! "

وضع الهاتف في يدي وغادر بغير أن يضيف شيءٍ وهو يلبس قبعته ، ابتسمت وأنا أشاهده يتجه نحو مبنى المختبرات والمطابخ
وهو يجر عربة ادوات التنظيف ... أن يفكر بالعمل كعامل تنظيف ، يبدو محترفًا في عمله ! لدرجة أنه غير ملامحه حتى !
تذكرت أن الجرس قد سبق ورن فهرعت عائده للصف ومن حسن حظي وصلت قبل الأستاذ هاياموتو ، استاذ التاريخ ،
بثواني قليلة اذ دخلت من الباب الخلفي وهو دخل من الباب الأمامي للصف ... لاحظتُ أنه كان يحدق فيَّ بسوداوتيه بحدة
فنهضت معتذرة عن تأخري ! انه من الأساتذة الصارمين حقًا ! رجل متوسط العمر ، سمين وشبه أصلع و بدأ الشيب يغزو شعره خلف اذنيه !
يلبسُ نظارة طبية ذات اطار أسود بارز مع ربطة عنق ربطت باهمال ! معروف عنه أنه لا يهتم بهندامه لكن تدريسه للتاريخ جميل
وطريقة سرده تدخل الطلاب في جو الملحمة التي يرويها ! لا يمكنني قول الشيء نفسه عن الإختبارات الصعبة
التي يمنحنا اياها نهاية كل شهر !

مرت حصة التاريخ وعقبتها حصة الأشغال الإضافية ، وكانت تتمحور حول الرسم ! لا بأس برسمي لكنني لست بارعة به كياجيما !
فهي ترسم ببراعة وبأساليب مبهجه للناظر ! كانت تمضي الكثير من الوقت في غرفة الرسم هذه مع نادي الرسم في الصف الأول
لكنها لم تعد تستطيع الحضور بسبب وفات والدها وتراكم المسؤوليات عليها ...

في أثناء الحصة حدث شيء غير متوقع ، اذ دخلت الأستاذة ميومينا وهي امرأة في بداية الثلاثينيات ، قصيرة القامة وذات وجه بشوش
اذ انها تبدو أصغر مما هي عليه تجمع شعرها للخلف بحيث تتدلى بعض خصلات شعرها المموج ، خلفها عنوة !
ويمكنك أن ترى تلك الفرشاة التي تجمع شعرها بوضوح ! يتبعها شابين وثلاثة فتيات وكان من بينهم ... جوان !! كنت مندهشة !
ماذا يفعل هنا ؟! بدأت الأستاذة بحديثها معنا :

" اليوم سنبدأ بتلوين اللوحة التي رسم خطوطها الأسبوع الفائت على اللوحات الخاصة بكم وسنلونها بالوان زيتية !
معكم هنا خمسة من الطلاب الذين أعتبرهم أفضل الرسامين في نادي الرسم ! وهم هنا لمساعدتكم بملاحظات تراودكم ! "

قال جميع طلاب صفي في نفس الوقت :

" شكرًا على المساعدة ! "

كانوا يحومون حولنا ويساعدون بملاحظاتهم بقدر ما يستطيعون ، أشارت زميلتي مانا لأحدهم منادية اياه ، لفت انتباهي صوته
وهو يبدي ملاحظات ونصائح لها ، حين اختلست النظر اليه كان يحمل نفس هالة والده ! حين كان يعلمنا الرسم في المدرسة الإعدادية !
كان مختلفًا عن العادة ، يبدو لطيفًا بنظراته ومحترفًا بنصائحه حقًا ! اقترب مني يختلس النظر للوحتي وبدأ يُريني اخطائي وبسرعة مرر
فرشاته على بعض النقط التي افسدتها وهو يبدي رأيه عن اسلوبي والخطوات الخاطئة التي ارتكبتها !
فجأة وبعد ضرب الفرشات بخمسة نقط اصبحت اللوحة تبدو أجمل من أن تكون لوحتي ! حينها ادركت أنها أصبحت ملكه !
فقط بضرب الفرشاة وسحبها خمسة مرات !

تلك العيون السارحة والشفاة المزمومة ، كانت تبرق بشدة ! من كان ليتوقع أنه جوان ! لو لم أكن أعرفه لما صدقت !
لطالما عرفت أن جوان يرسم ، لكنني لم أتوقع أن يكون بهذه المهارة ! كأنه ساحر وألقى تعويذته على عالمي !
في نهاية الحصة كنت أنظر للوحتي ، ولم أشعر سوى أني أسيرة فيها لجمالها ! الا أنها لم تعد لوحتي !
في اللحظة التي وضع يده عليها ، أصبحت عالمه ! كان الجميع يجمع ادوات رسمهم وتنظيف الاواني والمناشف التي
استعملوها في أثناء الرسم بالألوان الزيتية، عداي ! كنت مأخوذة في عالمه !
اقتربت مني زميلتي مانا وهي تمسح على كتفي لتعيدني لعالم الواقع فادركت نفسي ! قالت مانا وهي تحملق باللوحة :

" لم أتخيل وجود رسام محترف مثله في مدرستنا ! رأيتك معه وقت الغداء من أي صف هو ؟ "

كانت تتكلم عنه باعجاب وهي تلف خصلة من شعرها بلا شعور ، ابتسمت رغمًا عني ! فهي تتكلم عن جوان !
الشاب الأكثر استفزازًا ممن قابلتهم في حياتي !

" أنت تقصدين جوان ! هو في الصف الأول ! "


نظرت لي بعيون متوسعة على اوجها ، قالت وكأنها لا تريد التصديق :

" في الصف لأول ! مستحيل ! أنه وسيمٌ جدًا ! كيف تعرفينه ؟ "

ابتسمت قائلة بشيء من الفخر :

" أنه شقيق ياجيما الأصغر! "

وما أن قلت ذلك حتى التفت الجميع الي ! كان جوان يقف بجانب الأستاذة ميومينا ويتحدثان بعمق
وحين سمع ما قلت نظر نحوي ببرود ! تحلق نصف الصف حوله وهم يحاولون التعرف عليه اقتربت ووقفت بجانبه
وأنا أمسك ذراعه أحاول أن استمع لكلامه مع الأستاذه ميومينا فختم حواره معها :

" سأحاول لكنني لن أعدكِ بشيء ! "


نظرت اليه بدت نظراته نحوي مظلمة فابتسمت رغمًا عني فلطالما أحببت استفزازه كما يستفزني !
سحب يده واستأذن من الأستاذة للعودة لصفه قبل أن يرن الجرس ....

استغربت تصرفه فسألت الأستاذة ميومينا :

" معلمتي .... ماذا به جوان ؟ بدا خائب الأمل لي ! "

قالت وهي تضع يدها على خدها :

" أشعر بالأسف عليه ! موهبة مثله تستحق السطوع لكنه اعتذر عن المشاركة بالمعرض السنوي للمدرسة
وثمة مسابقة توهو الوطنية للرسم ايضًا، سيحصل الرابح على منحة لدراسة الفن في الكلية .... لكنه قال لي
أنه لا يستطيع المشاركة باكثر من نشاطات النادي ! أيعقل أن يكون بسبب النفقات ! "


قال أحد الطلاب الملتفون حول الأستاذة قائلًا :

" لابد أن يكون السبب ! "

وقال آخر " لقد فقدت عائلة توشيري الأب قبل سنتين والأم قبل شهرين وهذا طبيعي ! "

وهكذا بدأ الجميع يتهامسون مع بعضهم عن هذه القصة .... شعرت بالأسف عليه ، ولأول مرة تسائلت ، كيف يشعر جوان تحديدًا ؟!





*جوان *



تسابقت مع خطواتي نحو الصف ، كنت أحاول عدم الهرولة مُحاولًا ايصال نفسي للصف ! كان الجرس قد رن مُسبقًا ....
دخلت الصف هرعًا ، فكانت تجلس وهيّ تكتُب في كِتابها وأكثر من نصف الصف قد غادر ... نظرت نحو مدخل الصف الأمامي
كانو يجتمعون حول بعضهم ونظراتهم لا تطمئن ... وحين رأوني أدخل ، التقطوا حقائبهم مُغادرين ! تنفست الصعداء وأنا اشاهدهم
يغادرون الصف .... تقدمت نحو مقعدي وجلست وتمددت على طاولتي لأرتاح قليلًا وأنا مغمض العينين ،
بعد دقائق شعرت بها تضربني وهي تتمدد .. فتحت عيني وبلا قصد ، أفزعتها !

" أنا آسفة ... لم أنتبه ، متى عدت للصف ؟ "


أعدت رأسي على الطاولة :

" أنا جائع ! أيمكننا أن نعود الآن ! لقد اعتذرت من زملاء النادي .... دعينا نذهب ! "

عادت تنظر نحو الأمام وهي تدنو من كتابها ....

" لست مجبرًا على البقاء ! عُد اذا كنت تريد ! أريد أن أكمل حل مسائل الرياضيات ! "

" حسنًا ! "


وكان آخر ماسمعته هو صوت همهمة الطلاب ... ولم أشعر بنفسي الا وغفوت !



كانت لمساتها الدافئة على وجهي تزعجني ، ولم أشأ الاستيقاظ لشدة تعبي وأرقي بسبب السهر اللية الماضية ...
وحين أدركت نفسي كانت الشمس تشع بالبرتقالي .... نهضت فزعًا وأنا أنظر حول نفسي ! لم أشعر بنفسي اطلاقًا !
نظرت اليها فاذا بها عابسة !

" أخيرًا استيقظت ! الم تقل أنك جائع ؟ لنذهب ! "

حملت حقيبتي وأنا اتذمر منها :

" متى كنتِ تنوين ايقاضي ؟ حين يسود الليل مثلًا ؟! "

احتقن الغضب بوجهها وبرقت سماويتاها قائلة :

" ما شأني أنا بك!؟ لم أطلب منك البقاء اصلًا ! "

كانت عيناها تشع بتحدي وضوء الشمس المشع أدخل سماوياتها بلونٍ بنفسجي تارةً و الفضي تارة أخرى لتمتزج الألوان !
بتُ أكره أن أجادلها كثيرًا ! لأنني أعرف أنه سينتهي بخلاف كبير ! حملت حقيبتي وغادرت الصف لتَّبعني مغتاضة !



ركبت الدراجة و أنا أنظر اليها مطولًا :

" اسرعي وحسب ! أنا مرهق و بالكاد أقف ! "

" لن تسرع كثيرًا كالصباح صحيح ؟! "
قالت بشك ...

" حسنًا.. حسنًا سأقود بهدوء ! "


لم تعد لدي طاقة لأهدرها بالكلام ... فلم أشأ استفزازها ومناقشتها أكثر ....
وخلال خمس دقائق كنا قد وصلنا لبيتي فنزلت وهي تقول بنشاط وحماس مفرط :

" وصلنا ! "

" أين لك بكل هذه الطاقة بعد هذا اليوم الطويل ! "

قلت ذلك ودخلت للبيت وعلى غير العادة كان هيروشي قد وصل قبلنا ! استغربنا أنا وآكاني كثيرًا فهذا غير معهود ! .....
كان يغط في نومٍ عميق على الأريكة الكبيرة وسط غرفة الجلوس :

" لقد عدت ! أختي أين أنت ؟ "


خرجت من غرفة الغسيل وهي ترتدي مئزر العمل وتحمل سلة مليئة بالملاءات البيضاء :

" أهلا بعودتكما ! التزما الهدوء رجاء "
قالت وهي تشير نحو هيروشي النائم !

ثم عادت للداخل فذهبت لغرفتي ... أخترت بعض ملابسي من خزانتي وغيرتها ، لقد كنت كسلًا لدرجة منعتني من الأستحمام ...
كانت أختي ماتزال مشغولة بالغسيل ... وقفت عند باب غرفة الغسيل تحت السلم ، وقد كانت غرفة صغيرة تضم غسالتين و المكواة !

" أتغسلين شراشف الغرف ؟! "
قلتُ باستفسار ...

وضعت الغسيل في السلة بعد أن أخرجته من الغسالة الكهربائية والتفتت الي بابتسامة

" أجل ! لقد نسيت غسلهم في العطلة ولدّي الكثير من الدراسة لأقوم بها ابتداءٍ من الأسبوع القادم !
كما طلبت بعض الفتيات ذلك مني هذا الصباح ! "


أتحاولين خداعي أم ماذا ؟! هذا لا يُصدق !

" أنت تعرفين أنك لا يجب أن تتغيبي لهذا السبب ! بحق ... لقد شغلت بالي طوال اليوم ! "

" أيه ! أنا لم أقصد اقلاقك أخي ... آه تذكرت ، لقد اشتريت بعض الأضواء الجديدة ! غير التي في الصالة و الذي في الحمام
والتراس أيضًا ! ..... غدائك فوق المايكرويف ! سخنه جيدًا ! "


قالت ذلك لتعود لعملها متهربة من الحديث ! أنها تفعلها مجددًا ! تحاول أخفاء شيء عني ثانيةً ! سأتأكد من كشفه بعد الأكل !

تناولت غدائي بعد أن سخنته بالمايكرويف .... وكنت أغسل أطباقي حين استيقظ هيروشي من النوم ، كان هادئًا على غير العادة !
في حين عادت المجنونة للدراسة ! الا تمل من الدراسة كل هذه الفترة الطويلة في المدرسة وحين تعود منها ؟
جلستُ على الأريكة مُتقابلًا مع هيروشي وبجانب المجنونة ، كان يبدو غريبًا فسألت بفضول :

" هيروشي .... كيف حالك ؟! "

مدد يديه وهو يقول بارهاق بادي :

" مرهق ! لقد كان يومًا أصعب من ما يمكن أن يكون ! "


اردفت المجنونة باستغراب :

" هذا غير عادي ! لم يسبق لك أن تذمرتَ من العمل ! "

لم يجب هيروشي بشيء ! لا ألومه لا أحب أن يتم استجوابي بما لا أحب الحديث عنه أيضًا !

دخلت أختي المطبخ في نفس الوقت ، فلفتت انتباهنا جميعًا ، المطبخ يطل على غرفة الجلوس ونوافذه تطل على الشاطئ !
نهض هيروشي نحو الحمام فتوجهت لأقوم بتغير الأضواء في الطابق الثاني ! يارجل أنه اكثر شيء أكره فعله ! الصعود للطابق الثاني
يعني مقابلة الفتيات الجامعيات اللواتي يسكنَ معنا ، وأنا لا أحب الإختلاط معهن ! فالفتيات مرعبات ، ولست ابالغ !

غيرت أضواء الأنارة وقد حالفني الحظ بأن لم تتم ملاحظتي ، توجهت للتراس حاملًا السلم المتحرك وقمت بالشيء ذاته
وشدني جمال البحر من هذه النقطة ... كان القمر بدرًا ، شدتني الوانه الذهبية وحجمه الذي بدا كبيرا والنجوم المتلئلئة واضحة
لعتمة الأفق ! وكانت الشمس قد غرُبت منذ وقت ملحوظ ! أخرجت هاتفي والتقطت صورة سريعة ونزلت للطابق السفلي
حاملًا السلم معي لأعادته للمرأب .... وحينها كانت الصدمة ! كان الجميع يقفون وينظرون لناتاليا مستغربين لهذا الموقف ...
تلك الغبية ! لما أحضرته معها ؟ ولكن وبطريقةٍ ما كان ذلك ممتعًا ! كأنها دراما رخيصة ليجتمع فيها الأخ مع حبيب أختهُ المزيف !
وبدون قصد وبفعل العادة شعرت بالشماتة بموقف ناتاليا ! أخرجت هاتفي والتقطت صورًا لملامحها كذكرى !

" من ؟ من تكون أنت ؟! " قال هيروشي !


بدا لي أنه يعرفه لكن لايتذكر أين ، فقد كان يفكر وهو شارد نحو الآخر ... التفتت ناتاليا نحو ناكازاكي وملامحها حذرة ،
اقتربت أختي ووقفت بجانب هيروشي وقبل أن تفتح فمها قال ناكازاكي بوجه بارد :

" ألست أنت من اصطدم بي البارحة ؟! "

حين غادر ناكازاكي البارحة جاء هيروشي بعد عدة دقائق ! أيعقل ذلك ؟! أجاب هيروشي ببرودة لا تقل عن الآخر :

" لا أذكر ! "


بجدية !! لا أعلم لما أشعر بأن ذلك لن يمر على ما يرام !

" وقاحة ! عليك تذكر وجوه من تصطدم بهم حتى اذا كنت شاردًا يا .... من أنت ؟! "

فتحت عقدت وجه المتجمد ليكمل كلامه مستغربًا ! لقد تأخرت عن السؤال !

أشارت ناتاليا نحو هيروشي تحاول منع الكلام الحاد قبل أن يزداد حدة :

" عفوًا هذا أخي الأكبر هيروشي ناكاموري ! "


أشارت نحو ناكازاكي وتوقفت قبل أن تٌكمل وهي تنظر نحوه ... ليتقدم الآخر نحو هيروشي وهو يمُد يده مقدمًا نفسه :

" أعتذر عن فضاضتي ! .... تاكامورا ناكازاكي ! .... تشرفت بمعرفتك ! "


بادله هيروشي المصافحة وهو يجيب :

" تشرفت بمعرفتك ! أشعر أني رأيتك في مكان آخر ! "

" أعتذر اذا كنت غير قابل للتذكر ! "


كانت برودة الجو السائد تجوب بين أوصال الجميع ! حين يُقرّر هيروشي التصرف ببرود مع أحد لا يرتاح له ، يبدو مرعبًا !



*يُتبع*




[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
رد مع اقتباس