عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 06-01-2019, 05:45 PM
 



part1

كنا نحن الأربعة نقف قرب تلك السيارة التي توقفت في احد المواقف المخصصة لهذه العمارة ..!
أنا .. ريكايل .. ميراي و هاري ..!
الساعة كانت تشير إلى الواحدة ظهراً ..!
كانت خالتي على وشك البكاء وهي تقول : لما يجب أن تكون رحلاتي في الوقت الخطأ دائماً ؟!!.. بدأت أكرهه هذا !!..
ابتسمت لها في محاولة لمواساتها : لا عليك .. ستعودين صباح ما بعد غد .. تعالي لزياتنا فور أن تصلي إلى هنا ..!
دمعت عيناها وهي تقول : أي رحلة هذه التي ظهرت في جدولي فجأة !!.. و إلى أين ؟!.. إلى الصين ؟!!..
باستنكار قال ريك : لقد أخبرتني منذ أسبوعين بأنك ستذهبين للصين .. هذه الرحلة لم تظهر فجأة ..!
تابعت أنا : خالتي لا عليك ..! كما أخبرتك بعد أن تعودي من سفرك سيتسنى لك رؤية منزلنا الجديد ..!
- لكني أردت أن أذهب معكما اليوم .. أنها المرة الأولى لكما هناك .. على الأقل كان بإمكاني مساعدتكما في ترتيب المكان و تنظيفه ..!
هذه المرة كان هاري هو من تكلم : اطمئني آسنة ستيوارت .. لقد طلبت من أحدهم تنظيفه هذا الصباح .. أنا واثق بأنهم سيحضون بالمساعدة فلا تقلقي ..!
تنهدت حينها وهي تقول : لابأس إذاً .. سأزوركما فور عودتي ..!
عانقتنا عندها سويةً : إلى اللقاء يا عزيزاي .. اهتما بنفسيكما و كونا حذرين ..!
ابتسم ريكايل حينها : سنفعل اطمئني ..!
تابعت بذات ابتسامته : رحلة سعيدة ..!
ابتعدت عنا حينها و نظرت لهاري : أني اتركهما في عنايتك دكتور ليبيرت ..!
ابتسم لها بلطف : لا عليك .. سأهتم بهما ..!
بادلته الابتسامة وقد توردت وجنتاها .. لا الومها فابتسامة هاري الوسيم بإمكانها أن تقتل الفتيات !!..
ودعتنا خالتي وهي تسحب حقيبتها إلى موقف الحافلات .. من هناك ستنطلق للمطار من أجل رحلتها التي سيتكون تمام الثانية و النصف ظهراً إلى بكين في الصين ..!
أما أنا و ريك فقد صعدنا مع هاري في سيارته الفاخرة ..!
لقد أصر على ان يأتي بنفسه و يصحبنا الى عمارته حيث شقتنا الجديدة فنحن سننتقل إليها اليوم ..!
كنت اتحدث مع هاري عن بعض الأمور البسيطة بينما ريك يمسك بين يديه بكتاب التاريخ و يستعد لامتحاناته القادمة ..!
انه يستغل كل لحظة لاستذكار بعض الدروس .. اتمنى لو استطيع مساعدته في شيء .. لكن ليس بيدي سوى أن اساعده في استذكار مادة اللغة الانجليزية .. رغم أنه ليس سيئاً فيها فبحكم عمله السابق كان عليه ان يتقنها ..! لكن الأمر متعلق بالقواعد الرئيسية و الفرعية كذلك ..!
التفت للدكتور هاري حينها : كم المدة حتى نصل إلى العمارة ؟!..
أجابني وهو يركز على طريقه : حوالي العشرين دقيقة ..!
عدنا للصمت بعدها و قد بقيت أنظر للشوارع من خلال النافذة ..!
لقد اتت اللحظات المنظرة أخيراً ..!
فبعد دخولي إلى المنزل الجديد سأكون قد خطوت خطوتي الأولى باسم براون ..!
ابتسمت حينها بهدوء و راحة ..!
أمي نيكول .. أبي أيان .. أنا و ريكايل سنعيش معاً من اليوم فصاعداً .. لن يستطيع أحدهم أن يفرق بيننا بعد الآن .. سوف نبذل جهدنا معاً و سنكون بخير .. لذا كونا مطمئنين ..!
أمي إلينا .. أبي جاستن .. أنتما أيضاً لا تقلقا .. فأنا سأكون على ما يرام مع رايل .. و سأعتاد على النمط الجديد في حياتي ..!
سرحت بخيالي بعدها و تفكيري منحصر على هذه الحياة الجديدة البعيدة عن الترف .. لا أزال اتساءل إن كنت سأحتملها أم لا ؟!.. لكني اتمنى أن أفعل .. رغم أن الأمر لن يكون سهلاً إطلاقاً ..!
انتبهت لهاري الذي قال : لقد اقتربنا ..!
قطع علي شرود ذهني لأجد أني قد استغرقت عدة دقائق دون ان اشعر ..!
كنا قد في مطقة سكنية هادئة متوسطة المستوى .. ليست للفقراء و ليست للأغنياء لكنها بسيطة للغاية ..!
مررنا عندها بالقرب من المدرسة التي سندرس فيها .. هاري هو من اقترحها علينا بما أنها قريبة كما أنها جيدة السمعة ..!
التفت إلى الخلف لأرى ريكايل منهمكاً في الاستذكار وهو يمسك في يده قلم رصاص و يحدد بعض النقاط على الكتاب بين يديه ..!
مضت دقيقة تقريباً قبل أن يقول هاري : بعد هذا المنعطف ..!
نظرت للأمام بحماس .. لكني أعلم أن ريك لا يجد الوقت لذلك ..!
كنت استطيع أن أرى تلك العمارة ذات الطوابق الخمس .. و لكن بوابتها ستكون خلف هذا المنعطف ..!
حين انعطفنا و بعد لحظات توقف هاري فجأة !!!!..
كان توقفه مفزعاً فقد اهتزت السيارة بالكامل حتى أني تقدمت للأمام و قد أطلق ريك صرخة متفاجئةً و قد سقط كتابه منه ..!
التفت لهاري بانزعاج : ما بك توقفت هكذا ؟!!..
لكني صمت حين لاحظت ملامحه الجادة للغاية و التي تميل للغضب ..!
اطل رايل برأسه بين المقعدين الأماميين : ما الأمر ؟!..
نظرت إلى الأمام لأرى ما الذي لفت انتباهه هكذا حين أيقنت أنه لن يجيبني ..!
و حينها رأيت شيئاً غريباً ..!
في منتصف الطريق و أمام البوابة بالضبط .. كان هناك رجل ثلجي متوسط الحجم .. يجلس بقربه فتى يبدو في العاشرة تقريباً و يستند إليه بحيث يسد الطريق على من يريد المرور أو من يريد الدخول من البوابة بسيارته ..!
بشعر أسود فاحم و عينان زرقاوان جريئتان و وجه عابس .. يرتدي بنطال أسود و معطفاً أبيض قد أغلق من الأمام حتى نهايته ..!
افزعني هاري الذي ضرب المقود بعنف و هو يتمتم : سحقاً لك ..!
نزل بعدها مسرعاً صافقاً الباب من خلفه بينما بدا التعجب على رايل : ما به ؟!..
أومأت سلباً باستنكار : لا أعلم ..!
كان الدكتور هاري قد اسرع ناحية الفتى و وقف أمامه ثم بدأ يصرخ بغضب .. لم اسمع ما يقوله لأني لا زلت داخل السيارة ..!
لكن الفتى الصغير بدأ بالصراخ أيضاً بانزعاج ..!
للمرة الأولى أرى هاري هكذا فقد أمسك بالفتى من ذراعه و أجبره على الوقوف ثم ركل الرجل الثلجي بعنف مما حطمه تماماً ..!
همس ريك حينها : لننزل ..!
وافقته على الفور : هيا ..!
فتحت باب السيارة و نزلت و هذا ما فعله ريك أيضاً ..!
لكني حين نظرت للأثنين هناك صدمت بأن الفتى الصغير قد سقط على الأرض مغشياً عليه بينما هاري يحاول أيقاضه !!..
اسرعت ناحيتهما : ما الأمر ؟!!..
نظر إلي ذلك الشاب حينها ببعض القلق : سأسبقكما إلى الأعلى .. هلا أدخلتما السيارة .. الشقة في الدور الخامس !!..
حمل الفتى الذي بدا فاقداً للوعي و جسده يرتعش بين يديه و ركض حينها إلى الداخل ..!
كان ريك قد وقف بجواري : ما الذي يجري ؟!..
- لا أعلم ؟!.. لكنه طلب منا أن ندخل السيارة و نتبعه للأعلى ..!
- حسناً .. لنفعل ذلك ..! المفتاح لا زال في السيارة ..!
سرت ناحية السيارة بينما قام ريك بتسوية بقايا رجل الثلج حتى استطيع العبور ..!
و بالفعل أدخلتها إلى تلك البوابة ..!
كان أمامي طريق قصير إلى بوابة العمارة .. على يميني يوجد مربض سيارات فيه سيارتان فقط و يكفي لسبعة سيارات .. و على اليمين ساحة كبيرة فارغة يوجد في نهايتها بعض الأراجيح و هناك بعض الرجال الثلجين و آثار اللعب بالمكان .. يبدو أنها ساحة لعب لأطفال المستأجرين ..!
أوقفت السيارة في المربض و نزلت .. كان رايل قد نزل هو الآخر ..!
حملنا الحقائب التي كانت في السيارة في الخلف .. حقيبتان و ثلاثة صناديق .. لكننا تركنا الصناديق لنحملها في الدفعة الثانية ..!
نظرت إلى رايل بهدوء : يبدو أن لا أحد هنا ..!
- أجل .. الساعة هي الثانية .. ربما هم في اعمالهم .. أو يأخذون قيلولة ..!
- صحيح .. عموماً لنصعد للأعلى ..!
حملنا الحقيبتين و دخلنا من تلك البوابة الصغيرة .. هناك درج على اليمين و مصعد على اليسار ..و ثلاث أبواب على مسافات متباعدة يبدو أنها شقق مستأجرة المكان بسيط لكنه لطيف في الوقت ذاته ..!
طلبت المصعد ففتح على الفور كأنه ينتظر من يأتي ليطلبه .. صحيح أنه صغير .. لكنه يفي بالغرض : الدور الخامس ..!
هذا ما قاله ريك وهو يضغط على الرقم خمسة : أتشعر بالحماس ؟!..
سألت بابتسامة فأجابني بسعادة : أجل .. لأول مرة سيكون لي منزل خاص ..!
للمرة الأولى أدرك ذلك .. ريك لم يعش في منزل من قبل .. على عكسي فأنا عشت في قصر مارسنلي الذي كان منزلي ..!
أما ريك فعاش في الملجأ و المدرسة الداخلية ..!
ربت على رأسه حينها : يحق لك أن تتحمس أذاً ..!
بانزعاج بسيط : لا تعاملني كطفل .. أنا اصغر منك بخمس دقائق فقط ..!
- أن اربت على رأسك لا يعني أني أعاملك كطفل ..! أنا اعاملك بلطف فقط ..!
- شكراً على لطفك .. لكني لم اعتد على هذا ..!
ابعدت يدي عن رأسه و انا اتصنع الاستياء : يا لك من ولد سيء !!..
بغضب هتف : ألن تتوقف عن هذا ؟!!..
كتمت ضحكتي .. اكتشفت أن مثل هذه التصرفات تجعله ينفجر غيضاً .. هذا ممتع بالفعل فلا بأس بإزعاجه من فترة لأخرى ..!
توقف المصعد حينها فنزلنا منه و ريك يقول : متى ستدرسني مادة اللغة الإنجليزية ..!
قبل ان اجيبه سمعت صوت ضجة من مكان قريب ..!
نظرت إلى الأمام بسرعة لأرى الشقة الأبعد عن المصعد قد فتح بابها و اصوات شجار عنيف يخرج منها ..!
خرج هاري منها وهو يسير إلى الخلف بغضب و كأنه يحاول تفادي شيء ما و استند إلى السور خلفه ..!
و ماهي سوى لحظات حتى كان هناك جسم طائر قد انطلق من الباب و اصدم برأسه بعنف !!!..
كنت مصدوماً حين رأيت جهاز التحكم الخاص بالتلفاز على الأرض بعد ان اصدم برأس الطبيب و قد تطايرت منه البطاريات ..!
صرخ هاري حينها بغضب : يكفي !!!..
فور أن قالها طارت زجاجة ماء كبيرة ناحيته لكنه تفاداها فسقطت من أعلى الدور ..!
كنت مصدوماً بما أرى ..!
لكن لحظتها خرج شخص من المشقة بخطوات مرهقة .. أنه الفتى الذي قبل قليل !!!..
حينها تلكم ذلك الفتى بنبرة متعبة و صوت مبحوح : قلت لك أني .. سأفعل ما أريده ..!
كاد يسقط على وجهه حينها فأسرع هاري و التقطه قبل ان يصطدم بالأرض و القلق قد عاد لملامحه : أقسم أن هذا العناد سيقتلك !!..
كان الارهاق بادياً على ذلك الفتى و رغم هذا رفع قبضته الصغيرة و أخذ يضرب كتف هاري وهو يقول : أتركني الآن .. أتركني !!.. إن لم تفعل فسوف أشوه وجهك الوسيم !!..
تنهد هاري حينها و أخرج من جيبه شيئاً ما .. تبدو كقطعة حلوى ..!
وضعها في فم الفتى بعد أن أبعد الغلاف عنها ..!
بدا أن ذلك الطفل العجيب قد هدأ نوعاً ما .. و لم يلبث أن اغمض عينيه و اسند رأسه إلى صدر هاري وهو يقول بصوت ناعس : ستحضر لي كعكة كبيرة من الشوكولا .. و إلا فإني سأجعلك تنام خارج الشقة ..!
ابتسم ذلك الطبيب بهدوء : سأفعل هذه المرة .. حين أعود من العمل الليلة ..!
لا اعلم ما يجري .. لكن يبدو أن ذلك الفتى قد نام بالفعل !!..
انتبه الشاب الوسيم إلينا و ابتسم : عذراً .. لقد انشغلت قليلاً ..!
بتردد أجبته : لا عليك ..!
وقف حينها و هو يحمل الفتى بين يديه : شقتكما هي الوسطى .. الباب مفتوح لذا اسبقاني إلى هناك .. سآتي بعد قليل..!
أومأنا موافقين فدخل إلى تلك الشقة التي خرج الفتى منها .. أهي شقته يا ترى أم شقة ذلك الصغير ؟!..
سرنا بهدوء ناحية الباب الأوسط و فتحناه ..!
فور دخولنا استقبلتنا رائحة لطيفة .. المكان نظيف للغاية .. يبدو أن أحدهم قد قام بتعطير المكان ..!
كنت سعيداً بشكل غريب .. انها صغيرة .. إنها بحجم غرفتي السابقة .. لكنني سعيد بها ..!
بعد أن دخلنا كان على يميننا غرفة للجلوس .. و على اليسار بعدها بقليل يوجد مطبخ صغير ..!
في نهاية الممر هناك باب في المنتصف و باب على اليمين و اليسار ..!
الباب الأيمن كان غرفة نوم تحوي سريرين و تتبعها دورة مياه متوسطة الحجم .. أما الباب الأوسط فهو غرفة صغيرة فارغة .. تبدو كغرفة نوم أخرى .. و الباب الايمن كان لدورة المياه الصغيرة ..!
الأثاث الخشبي لطيف و عملي .. و أرائك غرفة الجلوس كانت ذات لون أبيض حيوي ..!
هناك تلفاز .. و طاولة طعام لأربعة أشخاص مع كل الاشياء الأساسية في المطبخ .. بقي فقط الأواني ..!
ابتسمت بهدوء : أنها مقاربة لما توقعت .. رغم أنها صغيرة ..!
ضحك ريك بخفة حينها : بالنسبة لي فهي أفضل مما تخيلته .. و هي كبيرة أيضاً ..!
- أتريد أن تخالفني فقط ؟!..
- لا .. و لكن بالنسبة لشخصين فقط حجمها كبير ..!
- ليس كذلك ..!
- آه صحيح .. نسيت أنك غير معتاد على الأماكن الضيقة ..! في السابق غرفتك فقط كانت بحجم هذه الشقة ..!
نظرت إليه بطرف عين : لن أرد عليك ..!
ابتسم بمكر حينها .. لقد نجح في استفزازي لكني لم أنفعل ..!
جلسنا حينها في غرفة الجلوس : سيأتي هاري الآن .. قال ان هناك شيء سيحدثنا به ..!
هذا ما قلته بهدوء فقال هو بحماس : دعك من هذا ..! أرأيت ما حدث قبل قليل ؟!.. ذلك الفتى الصغير كان يتشاجر مع الدكتور هاري بالفعل !!..
أومأت إيجاباً : صحيح .. لكن شجارهما كان غريباً نوعاً ما ..! أتعتقد أن ذلك الفتى يعيش في الشقة المجاورة ؟!..
- أليست تلك شقة هاري ؟!..
- لا اعتقد .. لقد قال لي انه يعيش في هذا الدور و لكن لم يخبرني عن سكان الشقة الثالثة .. ربما هي لأسرة ذلك الفتى ..!
- و ربما يكون قريب لهاري و يعيش معه في شقته ..! أنه يشبهه .. لهما العيون و لون الشعر نفسه ..!
- لكنه أخبرني أنه يعيش مع أخته ..! انه في السادسة و العشرين لذا لا اعتقد أن أخته اصغر من سن العشرين ..! يستحيل أن يكون ذلك الفتى ابنها مثلاً !!.. و كما تعلم هو غير متزوج لذا فهو ليس ابنه ايضاً ..!
- ابن اخيه ؟!..
- ليس لديه اخوة !!.. أخبرني ان له أختاً واحدة ..! كما انه لم يذكر لي ان هناك فتى يعيش معه حين حدثني عن اسرته ..! لذا مؤكد ان ذلك الصغير ابن احد الجيران ..!
- يبدوا أنه كذلك .. رغم أني أشك في مسألة الشبه بينهما ..!
بقيت افكر للحظات بذلك المشاكس .. انه بالفعل يشبه هاري كثيراً ..!
لقد اثار فضولي بطريقة ما ..!
قبل ان اقول شيئاً انتبهت للشخص الذي دخل الغرفة .. انه جارنا الجديد : مرحباً .. وجدت الباب مفتوحاً فدخلت ..!
ابتسم رايل له : قلت انك ستتبعنا الآن لذا تركت لك الباب ..!
جلس هاري على الاريكة المنفصلة وهو يقول : كيف وجدتما الشقة ؟!..
أبيدنا اعجابنا بها و انها تناسبنا تماماً .. كما أن إجارها مناسب لنا ..!
بدا عليه الهدوء و هو يقول : في الحقيقة .. بالنسبة للإجار ..!
شعرت بالتوتر حين سكت .. اخشى أن يرفع الإجار علينا فجأة .. يستحيل أن يفعلها !!..
تابع بذات هدوئه : أتريدان أن تخوضا في تحدي النصف ؟!!..
.
.
" تحدي النصف " !!!..
.
.
ما هذا أيضاً ؟!!!..
آه صحيح .. لقد ذكر شيئاً كهذا لي سابقاً .. قال انه سيشرح الأمر حين نقرر السكن في هذه الشقة ؟!..
بدا الاستغراب على رايل : ما هو تحدي النصف هذا ؟!..
ابتسم هاري عندها : انه تحدي خضع له كل من سكن هنا .. و لم ينجح به احد حتى الآن للأسف ..!
شعرت بنوع من الحماس للموضوع .. ما هو هذا التحدي الاعجازي يا ترى ؟!..
تابع ذلك الشاب بجد : من ينجح في التحدي .. سأخفض إيجار شقته إلى النصف !!..
.
إلى النصف !!!!!.
.
ألجمتني الصدمة بالفعل .. بينما هتف ريك مصدوماً : نصف الإيجار !!!.. أأنت جاد ؟!!!..
أومأ إيجاباً : أجل .. إنها الحقيقة ..!
- و هل هذا التحدي يستحق هذا العناء ؟!!..
- بالطبع .. لقد فشل كل سكان العمارة فيه ..!
- غير معقول !!..
كان هذا ما قاله ريك بنبرة مستنكرة !!..
بينما سألت أنا بجد : و ما هو نظام هذا التحدي بالضبط ؟!..
صمت حل على المكان لبعض الوقت و قد شرد هاري بذهنه إلى مكان آخر .. لكنه بعدها أخذ نفساً عميقاً ثم قال : في الحقيقة .. أختي الصغرى اصيبت منذ سبعة اشهر بمرض السكري .. اعتقد انها ورثته من والدتي الراحلة ..! في اول شهرين كنت اقضي معظم الوقت في المنزل معها كي انتبه لصحتها .. لكن كما تعلمان أنا طبيب و عملي يلزم علي التواجد في المشفى .. لذا صرت اخرج من المشفى في كل يوم في موعد ابرة الأنسولين و آتي إلى هنا كي اعطيها الابرة .. هذا صعب كما تعلمان فالمشفى بعيد عن هنا ..! غير اني احتاج أحياناً للسفر من أجل بعض الدورات التدريبية خاصة أني لم أكمل سنة منذ استلمت الوظيفة بعد ..!
بهدوء سألته : و لما لا تأخذها هي بنفسها ؟!!..
بدا عليه التعب وهو يقول : أنا لا أضمن أن تستطيع ذلك .. تلك الفتاة متهورة و لا يمكن فهم ما تفكر فيه .. كما أنها تكره الابر و تتذمر دوماً عند كل ابرة .. لو تركت الأمر لها لما أخذتها أصلاً ..!
بقيت أفكر بالأمر للحظات .. يبدو أن شقيقته الصغرى شابة عنيدة ..!
سأل ريك بهدوء : و ما هو التحدي بالضبط ؟!..
تابع هاري كلامه حينها : أريد شخصاً يهتم بها في وقت غيابي .. شخص ينتبه لنظامها الغذائي بحيث يتماشى مع مرضها و يعطيها ابرة الانسولين في وقتها ..! أيضاً انا وهي نعيش وحدنا لذا حين أكون في العمل تبقى هي وحيدة .. لذا كنت أود لو كان هناك شخص يستطيع أن يهتم بكل شؤنها في غيابي ؟!!..
واضح أن أخته هذه غير طبيعية .. حسناً ربما هي اصغر من العشرين بقليل ..!
بجد أكمل كلامه : التحدي .. هو الاهتمام بأختي الصغرى ..!
قطبت حاجبي حينها : أيعقل أن أحدهم لم يتمكن من الاهتمام بها ؟!..
- أطلاقاً .. أقصى مدة قضاها أحدهم هي اسبوع واحد .. بعدها كاد يترك العمارة بأسرها !!!..
شعرت بالصدمة بالفعل !!.. إلى هذا الحد ؟!!.. لكنه عرض لا يفوت !!.. نصف الإيجار .. نستطيع أن نحل الكثير من المشاكل بالمبلغ المتبقي ..!
ريك ايضاً كان متعجباً من هذا كله : و لما ؟!.. هل لأنها تتذمر من الابر ؟!.. يمكن لأي شخص أن يجد مئة طريقة لإقناعها !!..
تنهد هاري عندها وهو يقول بجد : تلك الفتاة مجنونة !!.. إنها عنيدة بشكل لا يحتمل ؟!!.. و تتصرف تصرفات تكاد تقتلني !!.. كما أنها تفعل ما تشاء رغماً عن الجميع !!.. لقد كان والدي يدللها كثيراً و بشكل لا يصدق مما جعلها هكذا ..! لطالما حذرته من هذا الدلال المبتذل لكنه لم يستمع إلي ..!
شعرت بالرعب للحظات .. أي فتاة هذه !!.. يستحيل أن تكون تصرفات فتاة في العشرين أو حتى في السادسة عشر على الأقل ..!
تابع هاري بإرهاق : لقد رأيتما ذلك بنفسيكما قبل قليل .. كادت تقتلني و أخذت ترمي علي الأشياء فقط لأني أردتها أن تأكل شيئاً يفيد جسدها النحيل عوضاً عن الحلوى !!.. لكنها جعلتني أرضخ لها في النهاية !!..
.
.
.
ماذا !!!..
.
.
ماذا قال ؟!!..
.
قبل قليل !!!!!!!!!!!!..
.
.
نظرت إلى رايل الذي بادلني النظرة المصدومة !!!..
عدة أنظر إلى ذلك الشاب بذهول : الفتى الصغير الذي تشاجرت معه قبل قليل !!.. هو اختك الصغرى ؟!!!!!..
ابتسم بهدوء : أكنت تعتقد أنها فتى ؟!!..
شعرت بالإحراج و الارتباك : اه في الحقيقة .. لم اركز تماماً ..!
- لا عليك .. طبيعي أن تعتقد ذلك بسبب تلك الملابس الثقيلة و بسبب شعرها القصير ..! لكنها في الحقيقة فتاة صبيانية !!..
- أتقصد أنها تقلد الأولاد ؟!!..
- لا .. إنها لا تفعل ذلك ..! لا أعلم كيف أصفها بالضبط لكن ما استطيع قوله أنها تسير حسب مزاجها العجيب .. إنها تكره الفساتين مثلاً ليس لأن الفساتين لطيفة و أنثوية بل لأنها لا ترتاح حين ترتدي الفستان فهي تفضل البنطال عليه ..! حياتها كلها مبنية حسب طقوس لا استطيع أنا شقيقها الأكبر فهمها !!.. لذا حتى نصف الإيجار قليل في حقها ..!
يبدو أنها فتاة صعبة للغاية ..!
سأل ريكايل حينها : لكن .. انها صغيرة ..! اعتقد أنها في العاشرة أو التاسعة .. ألا تستطيع السيطرة عليها ؟!!..
- إنها في الثالثة عشر !!..
- حقاً !!!.. كنت أظن انها أصغر بكثير ..!
- حجمها صغير و قامتها قصيرة .. لذا تبدو أصغر من عمرها ..!
تنهدت حينها : يبدو أنك تبذل مجهوداً عظيماً معها ..!
بدا عليه الهدوء للحظات ثم ابتسم في النهاية ابتسامة صغيرة : أنت محق ..! لكن ذلك ممتع أحياناً ..! صحيح أنها عنيدة و مجنونة و تصرخ طوال الوقت و غاضبة على الدوام ..! لكني اعلم أنها في الحقيقة طيبة القلب للغاية .. و أنا لم أرى في حياتي أرق من ضحكتها ..! للأسف تلك الضحكة نادراً ما اسمعها !!..
ابتسمت حينها .. فرغم أنه كان يذمها منذ قليل و يصفها بالمجنونة و ألقاب أخرى و يتحدث عن مزاجها الغريب .. إلا أنه فور أن بدأ الحديث عن حقيقتها ابتسم بلا شعور ..!
إنه يحبها بالفعل .. هذا طبيعي فهي أخته التي لا غنى له عنها بما أنها هي كل اسرته الآن ..!
كان ريكايل قد ابتسم ايضاً .. أشعر بأنه يفكر كما أفكر : لكن .. ألم تفكر بالزواج دكتور هاري .. ربما وجود شابة في المنزل قد يساعد أختك على الانتظام ..!
أومأ سلباً : لو تزوجت فستجلط زوجتي !!.. من المستحيل أن أحضر شابةً للمنزل بعد أن أغرقها بالكلام المعسول و الوعود الزوجية لأجعلها تصدم بالحقيقة المرة ..! و أنا بالتأكيد لن أترك أختي تعيش بعيداً عني و هي لا تزال في هذا السن .. خاصةً أنها تحت وصايتي و انا المسؤول عنها ..! حتى لو كانت شقة في هذه العمارة .. أنا لن ارتاح إن لم تكن عندي ..!
ابتسم له : و هذا هو الصحيح ..!
- لكن كما ترى هي لا تقدر ذلك ..! فهي تجلب لي المشاكل على الدوام ..! كما رأيت حين وصلنا كانت قد صنعت رجل ثلج في منتصف الشارع أمام البوابة فقط كي تمنع أي كان من الدخول أو المرور ..!
- لكن .. ألا ينهاها الآخرون عن ذلك ..!
- الجميع يتجنبها ..! فمثلاً لو مر احدهم بسيارته و رأى أنها تجلس عند رجلها الثلجي فسيستدير في الحال و يبحث عن طريق آخر للخروج .. إنها مشهورة في هذه المنطقة ..! و لو خرج أحد الجيران و أراد إخراج سيارته من العمارة و هي لا تزال هناك .. فهو سيفضل أن يسير إلى محطة الحافلات على أن يطلب منها الابتعاد !!..
- إنها بالعفل لا تصدق ..!
- تفعل هذا يومياً ..! و هذا ما يفقدني أعصابي كما حدث اليوم ..! و ما زاد الطين بله أني اكتشفت انها لم تأكل الوجبة التي تركتها لها هذا الصباح .. لذا انخفض السكر لديها ..! حين حملتها للشقة كي تأكل شيئاً رفضت و قالت بأنها ستأكل قطعة حلوى فقط ..! أنا لا أريدها أن تأكل الحلوى وهي لا تزال جائعة .. كما أن الحلوى لن تفيد جسدها إطلاقاً .. لكنها صرخت و قالت أنها لن تأكل شيئاً مالم تحصل على الحلوى !!.. في مثل هذه الحالات تصير طفلة بالعفل ..!
- أتحب الحلويات لهذا الحد ؟!..
- لقد كانت تدمنها من قبل أن تصاب بالمرض .. أخبرني طبيبها أن إدمانها ذاك له نسبة في تعطل البنكرياس لديها غير العوامل الوراثية ..!
بدا القلق على رايل حينها : إنها مشكلة ..!
- أنت محق ..! كانت مصدومة حين أخبرتها بأنها لن تأكل الحلويات متى شاءت .. منذ لك الوقت وهي تكرهني ..!
بقينا صامتين حينها و قد شغلت شقيقة هاري الصغرى تفكيرنا .. من كلامه واضح انها صعبة المراس و التعامل معها قد يقود إلى الجنون ..!
و لكن .. أليس ذلك مثيراً ؟!!..
ان نصف الإيجار يستحق العناء !!..
كما أني بالعفل اشفقت على حال الدكتور هاري .. لقد ساعد ريك مراراً و حان الوقت لنرد له هذا ..!
اخذت نفساً عميقاً ثم قلت : حسناً .. سوف نخوض هذا التحدي ..!
نظر إلي ذلك الوسيم بتعجب : حقاً ؟!..
أومأت إيجاباً فتابع رايل حينها : أجل .. إن الأمر يستحق المحاولة ..!
بدت الراحة على هاري حينها : رائع ..! لكن هل يجيد أحدكما ضرب الإبر أم تريدان ان أعلمكما ؟!..
أجبته حينها : أنا اعرف ..! العام الماضي كان هناك دورة تدريبية لمرض السكري أقامتها شركة ديمتري المتخصصة في ادارة المستشفيات .. و قد اجبرني ابنهم على الانضمام لها .. لقد كانت لثلاثة أشهر و قد تعلمنا خلالها كيف نضرب الإبر ..! اذكر أن أمي ايضاً ألحت علي حتى اشتركت قائلة بأن هذا قد ينفعني يوماً ما ..! لم اعتقد أن هذا اليوم سيأتي ..!
ابتسم لي حينها : هذا ممتاز .. أذاً فأنت تعرف الكثير بالتأكيد ..!
- أجل .. لقد درسنا مرض السكري بالتفصيل .. و لا أزال اذكر الكثير من الأمور ..!
- سأعتمد عليك في الاهتمام بأختي على هذا الحال ..!
- ريك سيساعدني ..!
- حالياً ريك ليده امتحانات .. لذا يبدو أنك ستبدأ وحدك ..!
قطبت حاجبي و نظرت إلى ريكايل لأجد أنه ابتسم ببرود : ربما اساعدك حين أنتهي من امتحاناتي ..!
وقفت حينها مصدوماً : هل ستتركون التعامل مع تلك الفتاة علي أنا ؟!!!..
أومأ الاثنان إيجاباً بوقت واحد !!..
وضعت يدي على قلبي حينها : مستحيل !!..
لقد جنا بالفعل !!.. أنا لم اعتد بعد على الاهتمام بنفسي كي اهتم بشخص آخر !!.. و ليس أي شخص أيضاً بل فتاة معقدة !!..
ضربت يدي بجبيني حينها .. إنها صفقة لا تعوض .. نحن بحاجة إلى المال بالفعل .. نصف الإيجار ليس مبلغاً سهلاً ..!
بتردد أجبت : حسناً .. لكن يمكنني أن أنسحب صحيح ؟!..
أومأ الطبيب الوسيم إيجاباً : أجل .. مع أني اتمنى أن لا يحدث هذا ..!
سأله ريك حينها بحماس : صحيح .. من الذي وصل لمدة أسبوع في العناية بها ؟!..
أجاب بهدوء : الآنسة ماندي من الشقة المجاورة لكما ..! لقد كانت الأمور تسير على ما يرام .. لكن المشكلة أن أختي تستفزها دوماً .. و ترفض ان تستمع لها إطلاقاً .. لذا قالت ماندي بأن الأمر ان اتسمر على هذا الحال فقد يزيد حال تلك المجنونة للأسوأ ..! لقد كانت الانسة قلقة عليها و لم تهتم كثيراً بأمر المال ..!
- يبدو أنها شخص لطيف ..!
- أجل .. رغم أن مظهرها لا يوحي بذلك ..! آه صحيح .. لقد جاءت إلى هنا هذا الصباح و قامت بتعطير المكان حين علمت بأن هناك من سيسكن هنا ..!
- بالعفل لاحظنا أن هناك رائحة عطرية حين دخلنا .. يجب علينا شكرها على هذا ..! اتعيش وحدها ؟!..
- أجل .. فهي طالبة جامعية في الثالثة و العشرين ..! اسرتها تعيش خارج باريس .. لذا انتقلت إلى هنا من أجل الدراسة ..!
- هكذا إذاً ..!
وقف هاري عندها وهو يقول : علي أن اذهب للعمل الآن ..!
سألته حالاً : ماذا عن أختك ؟!..
ابتسم لي : إنها نائمة .. لن تستيقظ قريباً على ما اعتقد ..! إبرتها القادمة في السابعة مساءاً و حينها سأكون قد عدت من العمل ..! وضيفتك الجديدة ستبدأ في الغد ..!
أومأت إيجاباً و انا اشعر بنوع من التردد : حسناً .. نراك فيما بعد ..!
خرج حينها من الغرفة وهو يقول : بالنسبة لصناديقكم التي في السيارة فسأتركها قرب المصعد ..!
لحق به ريك حينها : سآتي معك و اصعد بها ..!
خرج الأثنان حينها فبقيت أنا وحدي ..!
أخذت أنظر حولي إلى المكان .. إنه بسيط و صغير .. لكنه مريح للأعصاب ..!
إنه منزلك الجديد لينك .. هنا حيث ستعيش مع أخيك منذ الآن فصاعداً ..!
شعرت بالسعادة حينها .. هناك أمور جيدة بدأت تحدث في حياتي ..!
و لكن .. ماذا سأفعل بشأن شقيقة هاري ؟!..
كيف سأتصرف معها يا ترى ؟!..
أخذت نفساً عميقاً .. علي أن اعرف أولاً طبيعتها أكثر حتى اعرف السبل الموصلة للتعامل الصحيح معها ..!
لقد رأيت بنفسي كم كانت شرسة مع أخيها منذ قليل .. أيعقل أن تفعل بي هذا أيضاً ؟!..
طردت هذه الفكرة من رأسي حالاً ..!
سأجد طريقة لأتصرف معها .. أنا واثق من هذا ..!
مضت بضع دقائق و أنا أفكر حتى قطع تفكيري صوت ريك وهو ينادي : لينك .. تعال و ساعدني في حمل الصناديق ..!
وقفت حينها و خرجت من الغرفة : ها أنا قادم ..!
لأترك التفكير في تلك الفتاة جانباً .. علي الآن أن أقوم بترتيب ما في تلك الصناديق و وضعها في مكانها ..!
..................................................


رد مع اقتباس