عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 05-25-2019, 10:32 PM
 
ذهبي



الغيمة الثانية
"إنه يحاصرني من جديد !"





اقتحمت الصف مدندنة بانسجام مع صوت أغنيتها المفضلة المنبعث من سماعاتها جالت عيناها الجليديتين بالأرجاء و همت لتكمل طريقها نحو مكانها.
_اليـــــــــــــن !
بالكاد وصلتها نداءاته لها بسبب صوت سماعاتها المرتفع.
حدقت لبرهة بأرجاء الصف من جديد..صف عادي!
جدران بيضاء و طاولات و كراسي خشبية مصفوفة بعضا خلف بعض ، سبورة ناصعة البياض و بآخر الصف صفت مجموعة من الخزائن و الأرفف بطريقة جميلة.
نزعت السماعات من أذنيها و نظرت للمعلم رافعة حاجبها الأيمن ببرود :
أجل معلمي؟
- لماذا تأخرتِ؟ هذه مرتك العاشرة هذا الشهر!

اكتفت بالصمت، فهي ليست من النوع الذي يقلل احترامه على من لم يؤذها لربما هذا هو جانبها الآخر.
تنهد المعلم بقلة حيلة عندما لم يجد ردا منها ليشير بيده لها :
- يمكنك الجلوس الآن ألين..لكن لا تأخير مجددا !
اكتفت بإيماءة بسيطة و توجهت لمقعدها بآخر الصف بجانب النافذة.
بدأ المعلم بالشرح لتغوص هي في عالم ثاني.


عودة للماضي -

تقف مطأطئة الرأس خلف ذلك الشاب بحزن بينما هو يوبخها بسبب خطئه الذي كاد يفسد الأمر و يسهل على الشرطة الإمساك بهم.

- لقد خيبتي ظني أيتها الشقراء اليوم!.

كلماته الباردة برودة ليالي كانون الأول نزلت على قلبها كالصاعقة.
- لم أكن أقصد إي..
قاطعها بحدة : أنسيتي أول قاعدة لنا؟
همست باختناق : علينا مناداتك بالقائد..
- إذا؟
-لم أكن أقصد ذلك أيها القائد!

ارتعب قلبها من الصمت الذي خيم بعد ذلك!
لا خير في صمته ، فما هو إلا نبوءة على أن الشيطان في أعماقه للتو قد تحرر.. حاولت أن تجهز نفسها لعقابها فهي أدرى بحجم الخطأ الذي اقترفته فقد كادت أن تأخذهم لحتفهم جميعا.
التفت لها و أحنى جذعه نحوها ليقابل قامتها القصيرة.. تعلقت عيناها بعينيه البنفسجيتين الباهثتين و هما تزدادان ظلمة و كأن عاصفة على وشك أن تحل بهما..
شعره الرمادي المتناثر بإهمال و بشرته الصافية و كذا قامته الطويلة جعلته أكثر وسامة و رجولة فلوهلة ستحسبه في أواخر العشرينيات وليس في الثامنة عشر من عمره.
ليربت على رأسها بهدوء و يغادر بعد ذلك بابتسامة جانبية على ثغره
لحق به تابعيه كالعادة و اختفى عن ناظريها.

.


قطع سيل أفكاره الضربة الخفيفة التي تلقتها على رأسها..
التفتت فإذا به ذلك الفتى ذو الشعر الأحمر ينظر إليها بسخرية
- ذلك المغفل !
أشر على القصاصة ثم إلى عينيه .. فتحت الورقة بغضب لتجد :
" ابتعدي عن صديقي أيتها المتشردة!"
ها قد عدنا لحركاته الصبيانية الغير معقولو مجددا ! ضغطت القصاصة بيدها بشكل عنيف و رمتها على وجهه ليرمقها بنظرات حاقدة بينما اكتفت هي بنظرات استهزاء كتلك التي رمقها بها ساب

- ماكس و ألين !لا أظنني أدرس مادة " كيف تلعب بالقصاصات الطائرة" ! أخرجا فورا أنتما معاقبان !

نهضت من مكانها ببرود و قد تركزت أعين الجميع عليها .. تعال صوت تهامسهم و ضحكاتتهم الساخرة المكتومة، مرت وسطهم دون أن تعطي أي اهتمام لتصرفاتهم تلك فقد اعتادت عليها..
ما إن خرجت حتى بدأت حرب النظرات المميتة بينها و بين الأشعت أحمر الشعر.

- أنتِ ! سأذهب لألتقي بإيف، إياك و اللحاق بنا!
ختم كلماته بابتسامة ساخرة ليضيف : " آوه! لقد نسيت.. فهو أصلا لا يريدك معنا في المدرسة !
ضحك و أدار ظهره ليبحث عن إيف.. بينما هي رمقته بحدة و ذهبت من الاتجاه المعاكس له.


،


ألين]
مر اليوم الدراسي على خير فلم يحدث أي تشاحن بيني و بين ماكس بعد ذلك و هذا ما أراحني.. لطالما كان السبب الرئيس لكل مشاكلي مع السيدة بيرسكوت و التي دوما ما تنتهي بضربها لي و عقابي ! حقا لا أريد مشاكلا بالمدرسة على الأقل فهي المتنفس الوحيد للابتعاد عن آلام الميتم.
لم ألتق بإيفان طيلة اليوم ، لربما يتسكع مع مجموعته كالعادة.
بعد خروجي من مدخل المدرسة انعطفت يسارا فقد أردت أن أتمشى قليلا قبل العودة ليستوقفني صوت ليس بالغريب عني

_كيف حال المدرسة اليوم إيف ؟

اختبأتُ خلف الجدار و أنا أنظر لإيفان الذي كان برفقة رجل في عقده الثالث جالس بكرسيه المتحرك مرتديا لبذلة زرقاء فاخرة . إنه هو مجددا ! كريستيان رافالي ، رجل الأعمال المقعد الشهير . لقد كان كان يتردد علينا كثيرة منذ فترة ليست بالبعيدة فكنا نجده أمام البوابة عقب انصرافنا.. يقال أن له حبيبة هنا و هما يتواعدان.. يا له من أمر سخيف!
لكن الحقيقة كانت مختلفة عما تم تداوله.. فغرضه أكبر من مجرد لقاء بفتاة سخيفة ليواعدها.

- أريد التحدث معك ، إيفان.
أجابه ببرود : عذرا سيدي ، ليس هناك ما نتحدث عنه !
رد عليه السيد رافالي بإصراره المعتاد و اكتست لمعة عيناه الفيروزيتان :
- أرجوك إيفان ، فكر بالأمر مجددا.
- حسنا!

قال ذلك محاولا إنهاء الأمر لينحني بعد ذلك و يهم بالمغادرة.
لطالما حاول إيفان إخفاء أمر التبني عني ، لكن الذي لا يعلمه هو أنيي على دراية بالأمر و أحاول جاهدة معرفة سبب رفضه المتكرر.
أعتقد أنها المرة الخامسة في هذا الشهر التي يطلب فيها السيد رافالي من إيفان ذلك لكنه ما زال مصمما على رفضه.
لقد مر عام كامل و إيفان مصمم على رأيه و كريستيان يصبح أكثر إصرارا من ذي قب
لكنني و من أعماق قلبي أتمنى له كل الخير ، فما مر به ليس بالهيين و كلمة "قاسي" لن تكون وصفا كافيا لما عاناه في طفولته.. حتى أنها أقسى من يوم إخبار السيدة بيرسكوت لي أنني "لقيطة".
لا أب ولا أم لي..
نزوة عابرة خلفت حكايتي البائسة هاته..!

،


مر أسبوع بدون أي حدث يذكر ، لم يتبقى إلا دقائق خمس و تنتهي حصة التربية البدنية التي أنا محرومة منها بسبب حالتي الصحية.
لا يعلمون أنني أستطيع القيام بكل تلك الأمور دون أن يحصل لي أي شيء فلطالما لوحقت و ركضت و قفزت عن الأسوار ولو أصب بأي أذى. لكنني لا أذكر يوما سببت فيه أذى لأحد بأفعالي فكل ما كنت أقوم به كان من أجل صاحب الأعين البنفسجية.
-أين أنت الآن يا إيان..؟
حاولت التخلص من اعتصارة الحزن التي داهمت قلبي.. فكلما تذكرته شعرت بالذنب و الأسى.. فقد كنت السبب في سجنه!
- أوه ! أنظرن لقد خرج إيفان إلى الساحة!
- يا له من وسيم!
- أجل ، فهو من أوسم شبان المدرسة.. أفكر في الانتقال لفصله قريبا.
- حقا ؟! ماذا عن ماكس يا إيما؟
التفتت إيما لها بسخرية و ردت :
- أحقا صدقتي أنني أواعد ذلك البائس؟
ردت عليها باستنكار :
- لا تقولي لي أنك تلعبين على الحبلين إيما؟!!
ركزت إيما عيناها على إيفان مجددا و ردت بعبوس :
- ليس تماما سول! فماكس هو من فرض نفسه علي ألا تذكرين إعترافه بحبه لي أمام الصف؟ لقد كان ذلك محرجا !
أنا أعشق أيفان و حتى والدي لن يقبل بأحد أقل من مستوانا كماكس.
- لكن إيفان من نفس مستوى ماكس ، ما الفرق؟
بابتسامة خبيثة و عينان تشعان مكرا ردت :
- ستدركين الفرق قريبا عزيزتي سول!
هتفت الأخرى بضجر :
- أنا لا أفهمك حقا..
إيما الخبيثة!
كنت أعلم أن نواياها لن تكون خيرا.. فلم يصدق أحد قبولها له ذلك اليوم ! فكيف للمغرورة من الطبقات الثرية أن تقبل بيتيم أجنبي؟
فماكس ألماني الجنسية و والدته فرنسية.
رغم كرهي لماكس فأنا أشفق عليه.. لم أتمنى له يوما الوقوع بشباك هاته الشيطانة.


،


ها أنا ذي جالسة بجانب إيفان في الحافلة متجهين لأحد المقاهي البعيدة قليلا عن المدرسة تجنبا للشائعات و التفسير الخاطئ لوضعنا.
صاح بضجر :
- لا أعلم حقا لما لا تريدين من الآخرين أن يعلمو عن صداقتني و أني أعرفك ألين!
أجبته ببرود و نظري معلق بالنافذة :
-لا أريدك أن تقحم نفسك في المشاكل بسببي..
قال بغضب حاول كبحه:
-قلت لك لا مشكلة لدي بخصوص ذلك !
- لكن أنا لدي ! إيف ، لقد لنغير هذا الموضوع لقد اكتفيت منه.
-عنيدة!
- لست بنصف عنادك حتى!
- ماذا تقصدين ألين؟
أعني السيد رافالي إيف.. فالرجل يحاول إقناعك منذ سنة!
تغير لونه فجأة و أشاح بنظره عني و كذلك فعلت أنا.. سيطر الصمت على المكان إلى أن وصلنا ، قصدنا أحد المقاهي الصغيرة بنهاية الشارع.
- من فضلك ، أريد شوكولاتة ساخنة و كوب موكاتشينو.
- أي طلبات أخرى؟
- لا ، شكرا!
ذهب النادل والذي كان بعمرنا ، و مازال إيف في حالة شروده..
حاولت أن أغير الجو المتكهرب لكن إيف كان سباقا لذلك
- إنه إبن صاحب المحل التجاري الذي انهار قبل 15 سنة يا ألين.
أجبته بذهول :
- أتعني الحادثة التي تعرضت لها؟
- أجل ، كل ما في الأمر أنه يحاول التكفير عن ذنب والده وليس لأنه أراد أن يتبناني لشخصي.. كإيفان .
غمرتني الحزن و الأسى لا أعلم ما يجب علي قوله فأنا فاشلة فيما يتعلق بالمواساة .. فكيف لمن لا يعرف كيف يواسي نفسه أن يوسي غيره.. ربت علكتفه بلطف و قلت بابتسامة :
- لا تقلق ، سيصبح كل شيء على ما يرام.
قال بشرود :
- لو كنت بمكاني ، هل كنت ستقبلين بعرضه؟
توترت بشدة من سؤاله المفاجئ.. أجبت :
- لا تقارن نفسك بي إيفان ، فحياتي أنا قد انتهت يوم غادر هو منها!
رد بشراسة و غضب :
- أمازلت تفكرين بذلك المجرم ألين؟ إنه قاتل مأجور بالله عليك يا ألين !
قال جملته الأخيرة بصوت منخفض خشية أن يسمعه أحد الزبائن .. لا أعلم كيف أفسر ذلك لكن كيف سأقنع قلبي بهاته الحقيقة المرة ؟
أتى النادل بطلبنا و رحل تاركا كل منا غارقا في أفكاره و صراعاته الداخلية.



أنتهى

#لنرتقي






التعديل الأخير تم بواسطة مَنفىّ ❝ ; 06-06-2019 الساعة 10:57 AM