عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-12-2019, 08:02 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www.arabsharing.com/uploads/15533620652552.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]








أزالَ السّتارة البيضاء من أمام النّافذة ليلمح زخّات المطر المنعشة وهي تلامس الأرضَ بلطف،
ارتسمت ابتسامةٌ رقيقة على شفتيه وهو يتأمّل الحبلَ الأبيض الرّفيع المربوط على زاوية النّافذة، ممتدّاً بضعةً أمتار ليصل إلى نافذةٍ أخرى بمقابلة خاصّته!.

إنّها نافذتها، صديقة طفولته الّتي لم تعد [OVERLINE]صديقة[/OVERLINE] منذ مدّة! لم تعد كذلك منذ أن احتلّت المزيد من شرايين قلبه! منذ أن
اكتسبت القدرة على التّحكم ببريق عينيه!!.

أدار عينيه العسليتين نحو مكتبه وسرعان ما اتّجه نحوه ليُمسكَ دفتراً وقلماً بيديه.
وضعَ كرسيّه الخشبي أمامَ النّافذة وجلسَ عليه بلهفة، ضرباتُ قلبه بدأتْ تتسابق مع أنفاسه في سرعتها!.

أخذ يضربُ القلم بالورقةِ بلطف وهو يفكّر ماذا سيكتب الآن، هل يعترف لها ببساطة أم عليه أن يبدأ بحديثٍ عادي كالعادة؟!.

كانتْ هذه الأفكار تراوده في كلّ ليلة عندما يجلس أمام هذه النّافذة! إلى متى سيبقى هكذا؟ عليه أن يفعل شيئاً ما، شيئاً يبدو كالإعتراف ولكنّه
ليس كذلك في نفس الوقت!!.


عليه أن يفعلها بطريقةٍ مختلفة، عليها أن تكون مخمليّةٌ باحتراف!! عليه أن يجعلها تبتسم له حتّى وإن كانت غاضبة!! أن توافق حتّى وإن كانت
لا تريد!.

لمحَ القمرَ من بعيد يتوّسط السّماء، ناشراً أشعّته غير آبه بالغيوم حوله، ابتسم وكتب ما خطرَ على باله بسرعة، ثمّ فتحَ النّافذة برفق ليدخل الهواء البارد
ويقيم في جدران غرفته.

لقد توقّف المطر الّذي استمرّ منذ عدّة أيام فجأة! هذا غريب، ليس من عادة السّماء أن تترك نحيبها في مثل هذا الوقت! هل هذا بسبب القمر أم أنّه
تأثير النّجوم؟! لا يهم...


فتحَ العلبة الزّرقاء الصّغيرة المعلّقة بالحبل ووضع الورقة الّتي طواها بداخلها، ثمّ أغلقها وهو يتحسّس النّجوم الملوّنة الملتصقة بها،
ابتسم عندما تذكّر الوقت الّذي صنعوا فيه هذه العلبة، ربّما كانوا في الخامسة أو السّادسة من العمر! أي قبل خمسة عشر سنة تقريباً!.


أمسكَ طرف الحبل المتدلّي للأسفل وبدأ بسحبه ببطء حتّى وصلت العلبة إلى أسفل نافذتها وضربت بها لتُصدر صوتاً خافتاً بالكاد كان مسموعاً.

ولم تمضِ عدّة ثوان حتّى فتحت زرقاء العينين نافذتها وكأنّها كانت تنتظرُه! هي كانت كذلك بالفعل...فهو غالباً ما يُحادثها في هذا الوقت من اليوم.
فتحتْ العلبة ببطء وهي تنظرُ إليه وإلى إبتسامته المشرقة، أخذت الورقة بين يديها وفتحتها.


_ سـأنتظـركِ اللّيلة على سـطـحِ القمـر ..!!
فهل سـتأتين؟؟.




حملت أوراقها والقلم وبدأت تكتب الرّد بعد الإبتسامة الّتي اعتلت ملامحها غيرَ مهتمّة بالهواء وهو يلعبُ بشعرها الذّهبيّ!.


=حتّى إن أتيت، فهل ستستطيع الصّمود أمام عينيّ؟؟!

وعادت تُرسل العلبة له من جديد، صُدم هو لجوابها، ولكن إبتسامته لم تختفي رغم ذلك بل أكمل الحديث بلهفة..


_ إن أتيتِ فأهلاً بكِ في قلبي، وإن لم تأتِ فسلامٌ لتلكَ النّجوم بقربك.

= فليكن قلبكَ في انتظاري دائماً...
فإن حدث ولم آتي اعتذر عن هذا القلبِ نيابةً عنّي، فأنا لم أستطع تركَ نجومي بعد!


_ قلبي لم ولن يبتعد أبداً.. إن النّجوم واللّيل كلاهما أنا أحقُّ منهما بقلبكِ،
فإن تركتِ النّجم ستحظي بالقمر والسّماء.
وإن أتممتِ المسير فإنّي في المنتصف.


= حتّى وإن كان في البعيد...فالبعيد أقربُ إليّ من نفسي أحياناً!.
لستَ من تقرر من كان أحقُّ بقلبي..ولا أنا من أقرر ذلك، وحده من هو قادرٌ على تحمّل عبء هذا القلب سيكون الأحق بالحصول عليه.
وإن تركتُ نجومي وأتيت..ما دليلكَ بأنّ السّماء سترحب بي وأنّ القمر سيبتسم لي؟؟.
كما أنّ المنتصف يثيرُ أعصابي..يقودني للجنون، فلتبقى في مكانٍ آخر...



_ قلبكِ المفعم بهذا العطاءِ والإباء، أليسَ أحق بأن يُسرق أو أن يُجذب؟!.
ودليلي أنّ السّماء ستستسلم لكم أيّها الكبريائيون، لأنّكم أنتم أصلها من قمرها ونجومها وشمسها أيضاً.
ففي منتصفي راحه وفي نهياته حروفٌ وكلماتٌ وأحلامٌ وآمال.



= بكلماتكَ هذه تزيد من كبريائي..
تجعلني مختالةً بنفسي عاجزةً عن إخفاء ابتسامتي..
فما كانت السّماء لتنحني، ولكنّها خسرت أمام ما بعثرته ألوان عينيّ...
النّهاية دائماً ما تكون أجمل، على الأقل نكون قادرين على إغماض أعيننا ونحن نستنشق عطر زهورها..



_ الإنحناءُ أمام عينيكِ استقامة! والإبتسامةُ من وجنةِ خدّيكِ غرامٌ وشفاء!.
فالكبرياء صُنع لأجلكِ، فنهايةُ مطافكِ حياة والظّل تحتَ عرشكِ نجاة!.





= كفاكَ تنهالُ عليّ بالكلمات...
أخافُ أن أصدّق ما تخطّه أناملكَ، فتعجز أناملي عن مجاراتك..
إن توقّفنا هنا وافترقنا...لا تقلق.
فأنا لن أنسى ذلك الغريب الّذي انتشلني من جحري المظلم و اعترف بكبريائي المخملي..
سأذكركَ في قصصي الّتي سأرويها لأحفادي، ربما بعد خمسين سنة من الآن..


_ إنّني أخشى عليكِ من زماني، وأخشى أن تفارقني هذه الحروف العطره!.
فإن تكرمتم سيدتي بالرّقص على أنغامي المصتنعة لأجلكم، وإن بقيتم فإنّكم في الأضلعِ.



= مفهوم الزّمان غريب...على الرّغم من أنّه يبدو لطيفاً ودوداً، إلّا أنّه يخفي في جعبته ما يحوّل قلبكَ إلى أشلاء!.
أنغامكَ مصتنعةٌ لا تناسبني، فلتجرّب شيئاً مما لدي فعلّي أوافق على رقصة!
حتّى وإن وافقت...لستُ واثقة من أن قدمك ستكون بخير بعد هذه الجولة القصيرة معي..
وأيضاً، فلتحافظ على أضلعكَ جيداً..أخاف أن أكسر إحداها وأنا أحاول الخروج.



_ خروجكِ يؤلمني وإن بقيتِ فأنا من قلبكِ ممتن..
ومصتنعة أي مصنوعة ومنحوتة لكِ..
فأنا المتيّم بنجومكِ وأنا السّاهر على رقصكِ ، فهلّا حللتي أهلاً ورضيتِ سهلاً بهذا القلب؟! وأكملتِ الرّقص على أوتاري فإنّي من هنا بدأتُ الحلم وبكِ أبدأ المسير.



= كثيرون قد وقعوا ضحية كلماتي..
متيّمون تجرّأوا على الإلتفات نحو نجومي..
على الرّغم من أنّني رحبتُ بهم ولكنّهم هربوا عند أوّل انعطاف، هل ستهرب أنتَ أيضاً سارقاً ما بقي من قلبي؟ أم ستسمرّ بالعزف على أوتارك لأستمر أنا بالحلم؟!



_ إنّني باقٍ ومكافح لأجلكِ ولحلمكِ ، فأنا قبطانٌ ماهرٌ وسأُبحرُ أمامَ كلماتكِ الجميلة! وفنانٌ مغامرٌ سأرسم عينيكِ على نور اللّيالي.

= فليكن ما تريد...
ولكن اعلم بأنّه عليكَ المكافحة بكلّ جوارحك، فليس من السّهل البقاء معي ومع نجومي!
احذر أيّها القبطان..فبحر السّماء ليس كبحرِ الأرض.
وأنتَ أيّها المغامر إن كنتَ قادراً على رسم عيناي فلتفعل، لا أظنّ بأنّكَ ستنجح...
ولكن لا بأس...يكفيكَ شرف المحاولة!.



_ وإنّي قبلت.

= ونعمَ ما تقبل...


كانتْ تلكَ آخر رسائلها، أغلقتْ نافذتها وهي تلوّح له مبتسمةً، رفعَ يده هو الآخر لا إراديّاً وأخذ يلوّح لها...بقي على هذا الوضع حتّى بعد ما أغلقت النّافذة بدقائق، تداركَ نفسه عندما صفعته قطرات المطر الّتي بدأت بالهطول للتّو.
ابتسم وأنزل يده وهو يهمهم: يبدو أنّ هذا كان تأثير نجومها!!.

أغلقَ نافذته بهدوء ثمّ أعاد الأوراق والقلم إلى مكانهم، ورمى نفسه على السّرير الّذي يتوسّط الغرفة بتعب،
بعد دقيقةٍ أو أقل أدار جسده ليستلقي على ظهره.
أخذ يتأمّل مجسّم القمر المعلّق في السّقف، زمّ شفتيه وقال محدّثاً نفسه: سأُبدلكَ غداً بالنّجوم، فهي تحبّهم أكثر منك!...ولكن لا تحزن،
فأنتَ ستبقى في قلبي دائماً، ففي النّهاية أنتَ من ساعدتني على الإعتراف بمشاعري!.

قطّب حاجبيه فجأةً وأكمل: مهلاً...هل فهمت أنّ هذا اعترافي لها أم لا؟! ولكن...هل من المعقول أنّها كانت تظنّ بأنّي ألعب معها؟!
هل..كان كلّ هذا دون أيّة فائدة؟!.

تنهّد بغضب ثمّ امسكَ وسادةً من جانبه ووضعها فوق رأسه وهو يهتف بغضب: أيّتها السّماء، القمر، النّجوم، الغيوم وكلّ شيء يتعلق بكم...


أكرهكم جميعاً.





* تمّت *






[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]]
__________________
رد مع اقتباس