الموضوع: ظِلُ القمر
عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 08-24-2018, 09:13 PM
 

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:900px;background-image:url('https://www.up4.cc/image109371.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



تجسدت الذكرياتُ ببطء ، كفقاعاتِ تطفو على بئرٍ مُظلمةٍ بلا قرار[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:900px;background-image:url('https://www.up4.cc/image109371.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

دان بروان







[2]



في منزل ما حيث احدى الغرف المعتمة بحلول الليل ، تعالت صحيات غاضبة لرجل في أواخر العشرين ، ظل يشتم ويسب غير ملقي لكلماته البذيئة بال ، بدى كمن فقد احساسه بضباب حوّطَ عينيه البنيتين لتضيع توسلات سيدة معه ، ظلت تترجاه بالهدوء والنظر لنفسه المتهالكة من الإنفعال الزائد عن حده ، بقيّ على حاله فترة من الزمن وهو يُردد بغضبِ مجنون :
" لقد خانني ، لقد خانني لقد وثقت به "
قطع وتيرة صوته للحظة ليُتمَ بغضب خالجه الحزن :
" وثقت به أكثر من نفسي حتى ..كيف يفعل هذا بي! "
أخرج مكنونات قلبه المضطربة لتتسببَ باختناقه من مرارة حقيقتها ، وهن أصابه وثِقل اشتدَ عليه ليضيع مع صراعات مشاعره ؛ فالبرغم من تأكده من الخيانة من الصديق الذي كان أعز عليه من نفسه إلا أنّ قلبه للحظة لم يتقبل الأمرَ بسهولة ، بل أُصيبَ بصدمة قاسية جعلته يتذكر كل لحظاته معه ، سروره وحزنه ، أخذ وعطاء ، كل ذلك لم يكن سوى كذبة عاشها بل وصدقّها ، تبسّمَ كالمجنون حيّنَ أنهى شريط حياته المزيّفة كما أنهى وجود تِلك الذكريات في عقله بحرقها واتلافها ، ثمّ سمح لنفسه بالضحكِ كمن فقد عقله وباشرَ بتنفيث كم سخطه بتحطيم كل ما تصلُ اليه يداهُ ، فتسببَ بالهلعِ للسيدة الرقيقة لتهمَ محاولة تهدئته بعد أن تلفظت بقلق :
" اهدأ جوزيف ، الأمور لا تحلُ بالغضب "
سخِرَ منها دون أن يتوقف عن تدميره لمغتنيات الغرفة :
" بماذا تُحل إذاً! ..لاتكوني سخيفة مارينا "

عينانِ بُنيتان تتلصصانِ من خلف فُتحة الباب ، أخذهما التعجبُ لما تبصرهما من همجية ذلك الرجل ، بل إنّ الرعب دبّ في قلب صاحبها ابن العاشرة لسماع الضحك المجنون مصحوباً بصوت تكسر الزجاج وتساقط الأدوات فظلَ يُراقبُ بصمتِ خائفِ الى أن شهِدَ بصدمة كيف دفع الرجل تلك التي بقيت تحاول تهدئته فاصطدمت بالحائط لتسقُطَ أرضاً بدماء تنزف من رأسها بكثرة ، زُعر حينها فدفع الباب دون تأنِ وأسرع نحوها صارخاً بخوفِ :
" أمي! "
تجمد الدم في عروقه عندما وصلها ؛ لم تكن لها أنفاس تُلحظ ولاحتى استجابت لندائه ليُصيبه الرعب بشدة ويفجع قلبه بقسوة ، بالكاد التفت من صدمته نحو الرجل الذي سكن في محله بعد ما فعله ، كأنّه يُنكر فعلته أو مازال غير مستوعبِ أنه قتلها ، نطق الطفل بنبرة مختنقة :
" لما يأبي! ، لماذا لم تفعل أمي شيئاً "
صدمته كلماته وزادت بشهقاتِ ابنه الباكية التي بدأت بالإرتفاع بعد تلفظه بما قاله ، ظلَ يترقبه ببرود لفترة ، استمع لبكائه المستمر ولمناجآته لتلك التي رحلت بعيداً وترجيه لها بالعودة وفجأةً اشتعل غضباً بعد أن سئمَ مراقبته فأقبل اليه قائلاً بسخط :
" هذا يكفي دع عنك العواطف جانباً ، لن تجني منها غير الهلاك "
بذهلِ مصدومِ رفع عينيه المنجرفتينِ بالدموع غير مستوعبِ قسوة والده ،فنطف بحزن أليم :
"أمي ، أنتَ قتلتَ أمي قتلتها باأبي! "
أنهى كلماته المختنقة ليخرَ مجدداً بالبكاء المرير عاصياً أمر والده فجعله يثور بشدة ليجره من ذراعه دون أي عطف منه و يزج به في غرفة كبيرة أشبه بالمعامل الكيميائية ، رماه فوق منضدة بيضاء ، همَ بتحضير حقنة بسرعة وأقبل اليه قائلاً ببرود يصاحب كلماته :
" ستدرك أنني أسعى لصالحك ، كل شيء سيكون بخير إن نجحت في جعلكَ كما أُريد "
تجمد الطفل في محله وهو يشهد بخوفِ الحقنةَ التي تمتدُ اليه جاهلاً ما سيُصيبه بسببها بعد أن صارت عيناه تُغمضانِ ببطء اثر المخدر المقتحم جسده .

فتح عينيه البٌيتينِ بدهشة قليلة لتلمحا أنوار الصباح تُطل من خلال النافذة الكبيرة المفتوحة والمقابلة للسرير المستلقي عليه ، نهض يجلسُ بهدوء كهيئته الشبابية مٌتفحصاً بحدةٍ المكانَ القابع به ، غرفة جميلة ومرتبة بشكل أنيق ، تحوى سرير بفراش أبيض حيث كان جلوسه به الأن ، خزانة بُنية اللون في أحدى زواياها ويتوسطها طقم كراسي فاخر ، تمعنَ كل شِبر بها أولاً ، ثمَ نظر لنفسه ليُبصرَ الضمادات المتوقة لصدره وظهره ، لم تسرِ به لمحة تغيير بتاتاً بل بدى جامداً كما كان حاله قبلاً ، مازال يتذكر الرصاصة التي استقرت في ظهره وكذلك كلمات الشاب الذي أنقذه بقيت ترنُ في أُذنيه ، ومع ذلك بقيّ بهدوء لن يعكره شيء أو ربما بجمود لن تذيبه النار مهما اشتعلت ، أخر ما مرَ على تفكيره الحلم الذي راودَه ، فتلفظَ ببرودٍ :
" الحلم نفسه ، مازال يُلاحقني رغم السنوات التي مضت"
ترجلَ بعدها على قدميه بثباتِ تامِ كأنّه لم يُصبْ بطلقِ نارِ كاد أن يؤدِ بحياته ، أخذ مسدسه الموضوع على المنضدة قربه قبل أن يهمَ بارتداء قميصه ومعطفه الأسودين .ِ

على ذات المكان انتشرت روائحُ لأطعمة شهية تعددت أصنافها المصتفة على منضدة الطعام ذات الأربعة كراسي ،صِنف أخر أضافه الشاب أسود الشعر بابتسامة جميلة تُزينُ وجهه الهادئ ،لكن سرعان ما مُحيّت ابتسامته للصوت الجاد الذي طراءه فجأة:
" ما كان قصدكَ حينها ؟ ، لم أفهم شيء من كلماتك !"

" لأنكَ ظِلُ القمر ، وأنا لا أُريدكَ أن تبقى كذلك "
تذكر ما قاله لحظتها ثمَ التفت نحوه قائلاً بهدوء :
" ذكرني عن ماذا تتحدث! "
لم يجبه بما طلبه بل ظل يرمقه بحدة الى تنهدَ الأخر بقلة حيلة ونطق :
" يمكنكَ أن تعتبرها ثرثرة فارغة ، فأنا لا أقصدُ مما قلتُ شيئاً "
تكلم بُني العينين والشعر بجدية :
" لا يهمني ما تعنيه مهما كان ، ولكن لماذا َ تبعتني هذا ما أريدُ تفسيره "
أجابه بمرح :
" أردتُ أن أشهدَ تنفيذكَ للمهمة ، الجميع يتكلم عن قدرتكَ العالية في انجاز ما يُوكل اليك "
صمتَ لوهلة ثمَ أتم بمرح أكبر :
" إذاً كيف لي تضييع فرصة كهذه ! "
بقي بسكون وهو يستمع له الى أن تكلم الأخر بجد بعد أن ترك المزاح جانباً :
" يُحيّرني حالكَ! ،صحيح أن الطبيب الذي تولى علاجكَ ماهر لكن ليس لدرجة أن تكونَ بهذا الثبات ؛ فأنتَ لا تبدو لي متألماً الأن رغم أنّه لم يمضِ على اصابتكَ سوى ساعات! "
رد من فوره بثقة :
" انا لا أتألمُ مُطلقاً "
ناقده بجد :
" لكنكَ كنت تتألمُ قبل أن يُغمى عليك وهو سبب اغمائكَ أيضاً "
سئم من مجادلته فنطق باستياء :
" هذا لا يعنيكَ ياهذا ، وأيضاً أنصحكَ بعدم مراقبتي إن كنتَ تحرصُ على حياتكَ ياهذا "
أجابه بجد توغل عينيه الزرقاوين :
" أولاً اسمي رين وأنتَ تعرفه جيّداً، ثانياً كيف تُهددُ من أنقذَ حياتك هكذا! "
صمتَ للحظة ليُتمَ بنبرة مرحة :
" يُفترض أن تكونَ مدينُ لي يا دِيّو "
تلفظه باسمه جعله يتمعنه بحِدة أكبر ، أراد الإستفسار عن كيفية علمه له رغم أنه مشهور بلقبه ظِل القمر ، وقبل أن يطرحَ ما فكرَ به وصل الجواب بهدوء واثق لسمعه :
" لاشكَ أنكَ مُتعجب عن معرفتي لإسمكَ ، ليكن في علمك لستُ جاهلاً لما حولي وأيضاً "
توقف ليُتمَ بلهجة مرحة :
" هذا فضلاً عن شهرتك ، أنتَ أشهرُ من نارٍِ على علم ِ "
بجدية بالغة صوّبَ مسدسه الأسود نحوه بعد سماعه لقوله ، فنطق ببردو كما اعتاد :
" ثرثرتَ كثيراً ، ينبقي أن تموت فأنا لا أرغب أن أكون مديناً لأحد "
رد رين بثقة هادئة :
" هكذا إذاً لاترغب بالديّن ، افعل ما يحلو لكَ لكن لتعلم فقط لم أُتقذكَ بهدفِ استغلالك كما تظنُ بي "
صمتُ فرض نفسه عليهما وسكون طغى المكان بشدة ، لحظات مضت دون أن يُنزل دِيّو مسدسه أو يُطلق عليه و رين ظل ينتظرُ بثقة تتوطنه ، الى أن حرك حامل المسدس إصبعه ناوياً الضغط على الزناد فأدركَ أنها النهاية لحياته ، ومع ذلك لم يتوتر بل تفاجأ بتصرفِ دِيّو الغريب بانزاله لسلاحه واستدار معطيه ظهره قائلاً بجد :
" نصحية مني خذها ، لاتظهر في طريقي مرة أُخرى لأني لن أتوالى عن قتلكَ حينها خاصة بعد أن جعلتني أدينُ لكَ "
رد بثقة :
" أخبرتك لستُ مستغلاً كما تعتقد "
تجاهل قوله فتقدم بخطاه مبتعداً ليستوقفه صوته :
" لم تأكل بعد ، أعددتُ الطعامَ خصيصاً لكَ لاشك أنك تتدهور جوعاً "
التفت لمحدثه ليلحظ صِدق قوله بتنوع أصناف الأطعمة ، لكن لم تجلب إهتمامه حتى رائحتها المشهيّة فشلت في استفذاذ معدته ، فتابع سيره تجاه نافذة أمامه تُطل على شُرفة صغيرةِ دون أن ينطقَ بحرفِ ، تعجب رين لفهمه نيته فخاطبه :
" لهذه الشُقة باب ولا أظنكَ غبيُ لهذه الدرجة لتقفذ من ارتفاع عشرة طوابق "
انهي كلماته ليُذهل بشدة ؛ فكما توقع دِيّو قفذ ببساطة من النافذة فجعله يُسرع نحوه هامساً بتوتر:
" مجنون "
لم يجده بل لم يلمح له أثر أسفل المبنى الضخم المُضج بحركة السيارات ، تملّكه التعجب بشدة لحال ذلك الشاب وبعد ثواني نفضَ عنه تعجبه وعاد للداخل مُتذكراً نصحية دِيّو التي كانت بمثابة تهديد له ، تبسّمَ ضاحكاً ثمّ صرّحَ ببشاشة :
" أظنُ أننا سنلتقي كثيراً فماذا ستفعل حيال ذلك! "
زالت بشاشته وفرحه سريعاً حيّن توقف أمام مائدة الطعام فكسى الهدوء ملامحه لينطق ببعض التذمر:
" تعبت في تحضيره له وهو لم يكلف نفسه حتى بتذوقه "
صمتَ قليلاً ليلي كلماته بنبرة هادئة مقرونة ببعض الحزن :
" سأتناوله وحدي كالعادة "


تسارعت خطواته بين تذاحم الناس باستياء علا محياه بلا مبرِر ، تاه بخطاه بين المارة كعقله الذي تاه في صفحات الماضي ، باغتته الذكرى فجأةً غير مفسحةٍ له المجالَ بردعها ، حيّنَ فتحَ عينيه من جديدِ ليُبصرَ والده يستقبله بابتسامةِ مجنونةِ ، لم يشعر بالخوفِ منه كما كان قبل أن يحقنه فنظرَ له ببرود ليخاطبه أبوه بلهفةِ :
" كيف تشعر بنيّ ؟ "
أجابه ببساطةِ :
" لا أشعرُ بشيء على الإطلاق "
زادَ الأبُ من تبسمِه ليردُفَ بلهفةِ أكبر :
" ماذا عن أمِكَ ، هل ستبكي عليها مُجدداً ؟ "
رد ببرود :
" لقد ماتت وانتهى الأمر فلما البكاء عليها! "
ضحكَ جوزيف بهستيرية غير مُصدقٍ أنه حقق مراده ؛ تجريد ابنه من المشاعر والتفاهات التي لن تجلُبَ له سوى الضرر ، لن يدعه يتألم ويتجرع من مرارة الكأس الذي تجرّعه قَبله ، فسخّرَ كل ذكائه و بحوثه ليجعله الأفضل بلا مُنازع.

توقفَ عن ضحكه موجهاً نظراته لإبنه طريح الفِراش والذي بدوره يُبادله النظرات ببرودِ ميّتِ ، صمتُ فرضَ نفسه عليهما للحظاتِ الى أن أزاله جوزيف باقترابه من ولده ليرفعه من استلاقائه متكلماً بهوَس :
" انهضْ واستقبلْ حياتكَ الجديدة ، ستلعبُ بها كيف تشاء وليّست هي مَن ستلعبُ بِكَ "
استجابَ لكلماته المُلغّزة فنزل على قدميه مُجوّلاً عينيه بحدةِ في نواحي الغرفة المعتمة قليلاً ، كأنّها مرّته الأولى لمُشاهدتها عن كثبِ مُتمعناً كثرة المركبات والأجهزة المُضجة بها.

توقفت قدماه لوصولها لطريق مسدود في أحد الأزقة ، رفع نظره محدقاً بالحائط المعترض طريقه أولاً ثمَ نظر لحوله متعجباً من حاله ! ، كيف وصل لهنا لا شكَ أنّ طلاسيم الماضي التى فرضت نفسها على مخيلته هي السبب في ذلك ، فتمتم بتذمرٍ :
" تباً ، تلك الأوهام الى متى ستظلُ تلاحقني "
أنهى تذمره ليرن في أُذنيه صوت رجولي صارم :
" الغضب هو الشعور الوحيد الذي لم يتجرّد منه "
فاجأءه الصوت ليسحبه ببطء نحو بركة الذكريات الراكدة ، صور مُبهتة لآحت له أكثرها وضوحاً هي صورة والده المُمددُ أرضاً غارقاً في دمائه ويقف قربه رجلانِ بملامح ماكرة جشِعة بانت على أحدهما بوضوح ، لحظات فقط حتى أصبحَ أسيراً لديّهما في مكانِ بدى كمكتبِ لمديرٍ مرموقٍ من حيث فراهة الأثاث الفاخر ، مكثَ أحدهما أمامه يُحدقُ به بابتسامة جشعة كملامحه الماكرة ، انه نفس الرجل الذي أتاه على سطح البناء لكن اختلف قليلاً بحيث الآن هو أصغر سناً ، نطق بلهجة غريبة :
"اذاً هذا هو نتائج بحث الدكتور جوزيف! "
أجابه رفيقه الأخر والجالس خلف درج المكتب :
" أجل "
ثمَ رفع ملفاً به معلومات تخصُ الطفل وصورته الموضوعة على غلافه تؤكد ذلك ، قرأها بصمتٍ ليذهلَ تماماً فترك الملف جانباً وأسفرَ بنظره حيث الطفل الواقف أمامه مع رفيقه ، قبل أن ينطقَ بشيء تمعنَ البرود المسيطرُ على الصبيّ ، سرحَ قليلاً بفكره ثم تكلّمَ بهدوء :
" بلورة الطاقة التي اخترعها جوزيف تكمنُ الآن في قلب ابنه ولا توجدُ طريقةُ لإخراجها أبداً ، ستنفجرُ تلقائياً إن حاول أحدُ فصلها عن قلبه "
ذُهل مستمعه لوهلة ثمَ تبدّلَ ذُهله بتعابيرَ غاضبة ليُصرحَ بتذمرٍ :
" ماذا قلت! ، أيعني أنّنا لن نتمكن من استغلال طاقتها في غاياتنا! ، تعبنا كثيراً حتى وصلنا لطرف يدلنا لها "
سكتَ بغضبِ لثانيةِ ليصيحَ بسخطِ كبيرِ :

" سُحقاً لكَ جوزيف ، كم أنتَ ماكر جعلتَ ابنكَ يستحوذُ عليها وبذلك حرمتنا نحن "
خاطبه الرجلُ القابعُ خلفَ المكتبِ بعد أن تركَ جلوسه وتقدمَ بخطاه نحوهما :
" لكننا سننجحُ في استغلال طاقتها بطريقة أُخرى يا ميرين "
استغرب ميرين من ثقة مُحدّثه الذي جثى على احدى رُكبتيه أمامَ دِيّو فخاطبه بابتسامة واثقة :
" ستُصبحُ فرداً من منظمتي بل ستكون الأفضل عندي بلا مُنازع "
زادَ ميرين حيرةً فاستفسرَ بتعجبِ :
" عن ماذا تتكلم نيون !"
لم يجبْه كل ما فعله هو التحديق الصامت بدِيّو بارد الملامح وعديم التأثرِ بالظروفِ المحيطة به ليهمسَ فجأةً بصرامة :
" الغضب هو الشعور الوحيد الذي لم يتجرّد منه "
قطع تأمله بالصبيّ صوتُ ميرين الغاضب :
" يجب ايجادُ طريقة ما بأيّ شكل ما فأنا لن أرضى بأن يهزمني جوزيف وهو ميّت "
أجابه نيون بتبسمٍ دون انزال نظره عن دِيّو وقد رفعَ يده صوبه ليمسكَ ذقنه باصبعيه الإبهام والسبابة :
" انسى الأمر ، الطريقة الوحيدة المذكورة في الملف لن تجدي نفعاً مع شخصٍ فقد كل مشاعره "
صمت قليلاَ ليُتمَ بنظرات حادة تنافسُ حِدة عينيّ الفتى :
"يال دهائك جوزيف !، أُهنئكَ بحرارة على هذا الإختراق بل بهذه الآلة البشرية "

رنين ما قطعَ تذكره ليُعيده لحاضره ، تنبّه للجهاز المطوّق لمعصمه الأيسر والذي كان مصدر الصوت منبعث منه ليُدركَ أنّ مُهمة جديدة تنتظره فباشرَ بتنفيذها دون تأنٍ .

أمست السماءُ هادئةً ومبهجةً بحضرةٍ وجود القمر المتلألئ في كبدها ، عكَسَ جماله الأخآذ على النهر الشفاف المُلتمع بضوئه الفضئ ، كما عكس هالته الساحرة على عينيّ الشاب المُستلقي على ضفة النهر جاعلاً من ذراعيه وسادة لرأسه ، ربما يكونُ مسحوراً به فعلاً ؛فهو ظلَ يتمعنه بعمقِ دون ملل أو ضجرَ لكونه أنيسه الوحيد منذ زمن بعيد .
رن جهازهُ مُجدداً ليخرجه من دوامة السهو المنجرف بها فنظرَ بجديةِ لنوعِ المهمة هذه المرّة ، استغرب قليلاً مما لمحته عيناه على الجهاز فهمسَ متحيّراً :
" ما هذه المهة التي يطلبُ حضوري أمامه ليُطلعني عليها ! "
لحظات فقط حتى صارَ أمام سيده في مكتبه خافت الإضاءة ، وقفَ أمام درجه مستفسراً بثقة :
" فيما طلبتني! "
أجابه السيد الذي لم يكن غير نيون ذو الملامح المسالمة عكس منصبه ؛ ومع ذلك عيناه الخضراوين اتسمتا بالحدة :
" قل مرحباً على الأقل ثمَ استفسر عن سر طلبي لك "
لم يجبه بشيء فقد حدجه بالصمت ، فتنّهدَ نيون بتذمرِ من حاله ثمَ وضع أمامه ملف به صورة رجل قاسي الملامح قائلاً :
" هذه المهمة سرية جداً ، أريدُ هذا المجرمَ حيّاً أو ميّتاً "
أخذَ دِيّو الملف مُطلعاًَ على المعلوماتِ التي به وسرعان ما أنزلّه ليستديرَ منصرفاً دون التفوه بشيء ، فبقيّ نيون يُحدقُ بظهره المبتعد غير معترضِ لسلوكه معه ، فالربما اعتاد هذا منه ولم يكن عليه بالجديد ، خاصة أنّه يعلمُ كل تفاصيل حياته وماضيه.

مثل الأشباح تسللَ بخفةِ في مبنى ضخمِ تحت جنح الليل ، توقف خلف منعطف متهيئاً لكل حركة مفاجئة ثم تفحصّ المنطقة أمامه بعينيه الحادتينِ ، بددت هادئة وخالية من كاميرات المراقبة ، أراد التقدم لولا احساسه بحركة خلفه ليلتفت بسرعة خاطفة مطلقاً العنان لرصاصته قبل أن يرى وجه ضحيته حتى ، فتفاجأ حين سمع صوته المتذمر :
" كدتَ تقتلني بطيشكَ "




يُتبـْع ...



[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

__________________






سُبحان الله العظيم
سُبحان الله وبحمدِه
رد مع اقتباس