الموضوع: وريث الظلام
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 02-17-2018, 03:19 PM
 
عودة ذا العيون

كنت أقضم الكعك ببرود في المطبخ و جيني على كرسيها خلفي تشد شعري و تعبث به كما تشاء بينما والدي يتحدث بالهاتف في الردهة ...
حدقت بالساعة أنها السابعة , يجب أن نغادر الآن للمدرسة .
ناديت : أبي !.
_ لحظة حبيبتي !.
عاد لمكالمته .. شدت جيني شعري بقوة هذه المرة , فتأوهت والتفت عليها , قلت موبخة :
_ أيتها ال.....
واخذتها لحجري أداعبها فتضحك بصوت عالي ثم اختطفت الكعكة من يدي لتحشرها بفمها ...
_ آآه لا كعكتي !!. جيني لقد تناولت افطارك , فدعيني آكل شيئا ما ><...
وضحكت بصوت رقيق , فجأة صمتت وأخذت تحدق خلفي بشكل واضح !.
خفق قلبي قلقاً , ما بها الفتاة تنظر خلفي بهذا الشكل ... فلتفتُ ببطء و جيني تهمهم بهدوء و قبضتها بفمها ..
آه , لا شيء ...
كان باب المطبخ مفتوحاً على الحديقة الخلفية , الشجر هناك و الارجوحة ...
و هواء يحرك الأوراق ... لكن لا شيء..
نظرت لها وهمست : ماذا صغيرتي ؟!.
صفقت بيديها وهي تقول شارحة لي : آووو~ .. دا... دان !.
شعرت بالجمود , هل تقصد ... دان .. دانييـل ؟!.
هززت رأسي , أختي هذه ذكية جداً , و مميزة .. أنها تعرف دانييل بالطبع و استطاعت نطق اسمه تقريباً !.
بينما أنا تناديني بـ تارا >.<" !!
أتى والدي مبتسماً , و سرعان ما انطلقنا ..
حدثني بالسيارة مباشرة : كنت أكلم لوك... لديك موعد بالمشفى صغيرتي بعد يومين .
همهمت فقط ... فأكمل هو بتردد خفيف : الأمر هو ... حصولك على معلمة خاصة و سيدة تستطيعن الكلام معها براحة , ما رأيك إذن ؟!.
فهمت ما يرمي إليه , فقلت بهدوء : وماذا عن جيني ؟! أمر المعلمة محلول تقريباً أبي . لكنك تحتاج لمن يعتني بالصغيرة أثناء عملك !.
زم شفتيه ببرود وضاقت عيناه وهو ينحرف بالسيارة بهدوء في الشارع ..
أكملت بمنطقية : لا يمكنك جلب واحدة لي و مريبة آخرى لـ جيني...!.
ثم بسهولة قلت بعد صمته الغريب : السيدة فرانس تلك تبدو جيدة للأمرين .. هل نجرب ؟!.
بعد مواجهتي لصعوبة الرياضيات و الفيزياء والأحياء و غيرها أيضاً أشعر بأني محبطة جداً و غير قادرة على المضي .. فكرت بأقرب الحلول كما أن والدي يمتلك مبلغاً محترماً من المال , و هذا بفضل والده بالتبني , أو جدي الراحل ...
لم يكن قد أجابني بشأن ما قلته له بالسيارة بل قبلني على رأسي و أكمل المضي حتى المدرسة ..
قال فجأة بهمس : من ذاك الولد الذي ينظر إلينا ؟!
التفت أنا أيضا بتوتر إلى حيث ينظر , و رأيته أنه ليونارد فقط .. قلت بهدوء : ليونارد , أنه يدرس بعض الصفوف معي.
نظر نحوي أبي قليلا ثم عاد لينظر إليه , قال بدهشة : لقد ذهب !.
ثم نزل بلا اكتراث وساعدني حتى الوصول للمبنى , و رأى والدي "سيلا" و"لونا" فحيّنه بمرح و سعد هو لوجود صحبة لي ..
في هذا اليوم كان ليونارد معي بكل الصفوف ... لكنه يتركني مع الفتيات و لم تسنح لي الفرصة قط لمحادثته .. كان يراقبني فقط من بعيد بحرص ...!
لكن لفت انتباه لونا التي قالت مجدداً بمرح : ذلك الشاب رائع !, هل أنت واثقة بأن والدك لم يوظفه خلسة لأجل الاهتمام بك !.
تنهدت سيلا : ليت أبي يفعل هذا....!
قلت بهدوء : يا فتيات , أنه حتى لا يتحدث إلي كثيراً ..
قالت لونا بعيون واسعة : و هذا هو الرائع , الفتية الغامضون !.
زممت شفتي ببرود و شربت عصيري , بينما دخلت لونا و سيلا في نقاش حماسي عن الفتية بالمدرسة...
شهقت فجأة لونا بصوت مرتعب ربما : آووه من ذاااك ؟!.
و نظرنا أنا و سيلا إلى حيث تحدق بصدمة .. علقت سيلا بهمس : أنه يبدو خطير وهو صديقه كما يبدو...
ضاقت عيناي , حسنا هاهو يظهر ... "دانييـل"
يتحدث إلى ليونارد وهما شبه مختبئين قرب أحد الأعمدة في مبنى الكافتيريا هذا..
قالت لونا بحسرة : لما دائما الرائعون بعيدون بهذا الشكل...
فلكزتها سيلا قائلة بحكمة : بجانب روعته فهو يبدو مخيفاً و حاد الطباع من الأفضل أن يبقى بعيداً هكذا...
واقفتها ببرود : أجل فهو فض و أحمق و تافه لا يستحق حتى النظر أ...
شهقت الفتيات ينظرن نحوي , بينما و يالا الرعب التفت دانييـل منذ ذلك البعد لينظر إلي بحده قاتلة وقد أصبحت عيناه بلون النار الصفراء المتوهجة ...!
ابتلعت لعابي , قالت لونا بتوتر :أنه ينظر إلينا و كأنه يسمعنا , يبدو آه مستاءً ..!!.
ردت سيلا وهي تحدق بي بعون واسعة : عندما شتمته التفت وكأنه سمعك !. لكن هذا مستحيل صحيح !.
قلت بخوف وأنا أدلت ساقي التي آلمتني فجأة و الجرس قد رنّ مرتين بشكل خافت لا يسمعه سواي . .
_ لنخرج من هنا فقط ..!
في نهاية اليوم المدرسي , كانت لونا تحاول مساعدتي في النزول من اللوح , لكن ليونارد أتى من جانبها وهو يهمس بهدوء :
_ دعي هذا لي...
حدقت به الفتاة مسحورة لقربه منها بهذا الشكل فابتعدت بتوتر وهي تنظر لقامته الطويلة الممشوقة ..
بخفة و بسهولة ثبتني بموقع جيد و وقف خلفي , همست له : شكراً .
بينما أتت سيلا و ودعتني كانت تقول الى اللقاء و عينيها تنظران إلى ليـون... وكذلك لونا نسيت أن تأخذ دفترها مني و غادرت بتردد و خجل ...
قلت بهدوء وأنا أرى الفتيات يبتعدن و يتهامسن بمرح : أود لو أكون مثلهن , أتعرف أن وجودك مربك بعض الشيء.
أجابني بلا اكتراث : المهم هو سلامتك .
_ هل أنت مصاص دِماء حقاً , تبدو بشرياً جداً .
و التفت أنظر لوجهه , ببرود همس : أني رائع في السيطرة على وجود هذا الغطاء البشري.
شعرت بخوف غريب , لكني تشجعت , قلت بهدوء : تعجبني سيطرتك هذه , أنت لا تفقد اعصابك كذلك المتقلب بين النار والجليد , ترى ماذا عنه ؟!.
تغيرت نظرة ليونارد لشيء غريب , هل بدا حذراً ؟!.
قال ببرود : ماذا ؟!.
سألت ببرائة : أعني دانييـل , أنه ليس مصاص دماء بالتأكيد... ما يكون ؟!.
قال بهدوء : لمَ لا تسألينه بنفسك ؟!.
احرجني بهذا الجواب , فتململت و قلت ببرود : أخبرني أنت أرجوك ؟!.
_ لا تهتمي لهذا ..
زممت شفتي و هززت كتفي ببرود , همست : كنت فقط أسأل هه ..
...
أتت نهاية الاسبوع أخيراً , و ذهبت لموعدي في المستشفى , رحب بنا لوك بابتسامة عريضة كالعادة ..
جلبوا لي العكازين و تدربت عليهما قليلا مع الممرضة و لوك و والدي يراقبوني .. أبليت حسناً ولم أشعر بالألم ..
بعدها أمضينا النهار بالمنزل , كان والدي يتحرك كثيراً يصعد و ينزل و جلب الأشياء و يذهب بها حقائب صناديق كتب .. زهريات .. يغير أماكنها يرتبها ..لا لشيء فقط يبدو أنه يريد الحركة كثيراً ..
و أنا و جيني نحدق به بصمت ...
بعدها أعلنت الصغيرة الشقراء أنها جائعة , فتوقف أبي عن رياضته الغريبة هذه .. و ذهبنا للمطبخ ..
فتح باب الثلاجة ثم تسمر قليلا ...
قلت بهدوء : نفذ الطعام ؟!.
رفع رأسه وأجاب متحيراً : في الواقع , لا يوجد شيء للعشاء , و طعام جيني قرب للنفاذ .. سأحضر لها زجاجة سريعة ثم ...
نظر نحوي و أكمل : يجب أن أذهب للتسوق ... لكني لا اعتقد بأني...
قاطعته بابتسامة : الساعة الثانية ظهراً أبي .. مالذي تفكر به ؟!.
_ مع هذا سأغيب ساعة .. أو أكثر بقليل و ماذا لو جيني تململت منك أ...
قلت ببرود : أنا قادرة على هذا , أننا متفقان جداً أنا و جيني نحب بعضنا ..
وكانت جيني تشد شعري بقوة و تحاول وضعه بفمها .. كل شيء تريد وضعه بفمها الكبير هذا !!
كان والدي يحدق بنا وأنا أحاول جعل الصغيرة جيدة السلوك معي و تبعد يديها الصغيرتين عن عيني وشعري... ابتسمت لأبي الذي هز رأسه و خرج من باب المطبخ ...
راقبته وهو يذهب الى ناحية السور و الباب ثم اختفى من ناظري...
عبست و قلت لـ جيني : أرأيتِ الآن يظننا كلانا طفلتين !.. توقفي عن تقطيع شعري يا فتاة فهو في حالة مزرية حقاً...
فجأة عاد أبي مبتسما و من خلفه ..
سقط فكي صدمة و قلقاً وأنا أرى دانييـل يمشي معه ببساطة و يتحدثان بشيء لا افهمه .. كان ذلك الولد بطول أبي تقريباً و كلاهما طويلان أعلى من المعروف ..
تمسكت بالعكازان بجانبي وكأني استمد القوة بهما .. بينما تلتمع عينا جيني بسعادة وهي تضع قبضتها بفمها بدلال ...
أن كان هذا ما يفكر به أبي , فجيب أن استعد ... سوف يجعل دانييل يبقى لدينا لحين عودته من التسوق ... آه يا ألهي...!
ساعة مع هذا الشاب .. ستحصل مجزرة !!.
قال والدي بسعادة تظهر في عينيه : هاي حبيبتي , لقد شاهدت دانييل يمر من هنا , أنتِ تذكرين دانييل صحيح ؟!.
سألني بابتسامة , مؤكد بأنه يتذكر صراخي ذلك اليوم...
صررت بين أسناني : أجل...
التفت أبي له و قال : سأعود بعد ساعة ..
ثم نظر لي بحنان و قال : لن أتأخر , أتودين أي شيء خاص حبيبتي ؟!.
كنت أفكر بـ رشاش قوي سريع بمئتا طلقة أو ربما قاذفة قنابل كبيرة ... أو قاتل مستأجر يريحني منه...
_ لا شيء أبي , شكراً .
وابتسمت له بحب , قبلني بين عيني بسرعة ثم عانق جيني بقوة و بعدها غادر .
رفعت بصري نحو الزائر الغير مرغوب به أبداً , كان يقف عند باب المطبخ الخارجي ببنطال جينز ازرق داكن و قميص رمادي بأكمام قصيرة أظهرت عظلاته المتصلبة .. كما ظهر أيضا لون عينيه ...
ابتلعت لعابي بصعوبة , كان بعينين صفراوين حاقدتين مشتعلتين..!!
كدت أصرخ بأبي ليعود للأنقاذ .. لكن فات الأوان ..
قامت جيني تتحرك بمقعدها الخاص بملل وهي ترفع ذراعيها الصغيرين نحوه .. كنت أراقب بقلق و صمت و فكرت يجب أن يحميني ليونارد من رفيقه هذا ...
ألقى علي بنظرة جانبية حادة , ثم اعتدل و نظر نحو جيني التي تجلس بجانبي للخلف قليلا , وابتسم لها تلك الابتسامة التي لا أدري من أين اكتسبها .. أمن أمه أو أبيه...؟!
اقترب بقامته هذه و اربكني أنا .. ثم انحنى نحو الطفلة و همس لها برقة لا أدري أيضا من أين جاءت :
_ هيه , جينـي .. تشعرين بالملل .. تعالي لنتمشى .
ثم حملها ببساطه بذراع واحدة و أنا صامته أفور من داخلي , التفت ليخرج الى الحديقة و الطفلة سعيدة تضحك بين ذراعيه ...
شهقت قائلة بصوت غريب : مهلا أين تأخذها ؟!. أنت....
تجاهلني هذا اللعين ><...

صرخت بحده وأنا أسحب عكازين : أنتظر ... أنت... سـآتي مـعكم لـ... .
من فرط سرعتي سحبتهما بقوة ولم أوازن نفسي فيهما أبداً... ترنحنت و ضربني دوار رهيب مفاجئ ..
زلت قدمي و شهقت برعب وأنا أسقط على الكرسي الذي أمامي ! , ثم سقطت على الأرض والكرسي سقط فوقي...!
تأوهت ألماً و شعرت بأن قدمي الأخرى ألتوت ...
_ كلارا....!!
هتف ليونارد وهو يساعدني بسرعة و يحملني لأجلس على كرسيي مجدداً , عاد دانييـل للمطبخ وهو يحدق بنا معه جيني التي صمتت تنظر إلي بخوف ...
تأوهت مجدداً : مهلا.. مهلا... آخ تباً...! بالأمس كنت عند الطبيب بالفعل...
وكدت أبكي... هدأني ليونارد : أنه التواء بسيط .. نحتاج لكماد دافئ ..
_ و مالذي جعلك تقفزين كالبلهاء ؟!.
وكان هذا سؤال بارد و ممل من ذلك الشخص , يداعب جيني بيده الأخرى كي لا تبكي وهي تنظر نحوي بقلق...
صررت على أسناني شهقت قائلة : لم يكن هذا ليحدث لو أجبتني وأنت تأخذ أختي هكذا !!
كدت على وشك البكاء وعيوني تحترق , هدئني ليون وهو يدلك كتفي بخفه : اهدئي كلارا .. لم اعصابك متوترة هكذا...
لكن دانييل تحدث إلي , وكأنه يكلم حشرة لا أنسان ...
_ مالذي تعتقديني أفعل ؟ , اختطف أختك الرضيعة !. يا ألهي لا حدود لغباءك ...
صرخت به ببكاء : إياك أنت تنعتني هكذا مجدداً , تباً ... آه يا ألهي..
انحنيت بسرعة امسح دموعي التي أخذت تسيل بغزارة ولم استطع التنفس كنت أشهق بصوت مكتوم فقط . .
_ دانييـل ! , مالذي تفعله ؟, ...أنت لا تريد أن يحدث سوء فهم بيننا أليس كذلك , بينما الفتاة تحت حمايتي... أنت تجعلها في وضع نفسي سيء !.
كان ليون أروع شيء الآن .. مسح على شعري بخفه , ووقف إلى جانبي , فجأة بدأت جيني بالبكاء أيضاً...
صرخت ثم شدت شعر دانييل بقوة .. نظر نحوها مدهوشا, لكنه لم يتأثر بل أخذ يهزها برقة و يداعبها قائلا بلطف :
_ لا صغيرة .. اهدئي... آوه أنت لست غاضبة مني , ألست كذلك ؟!.
نظرتُ إليه بحقد رهيب , وقلت وأنا اتمالك نفسي : أعطني اختى الأن !.
عبس بوجهي بشدة وقال بحنق : و الآن أنظري ما سببته , فقط وقعتِ على الأرض و أخذتِ تبكين كالأطفال !. حتى هذه الطفلة لا تفعل مثلك !.
ضايقني كلامه بشدة و شعرت بقلبي يفور ألماً , شهقت قائلة : أنا لا أبكي أيها المعتوة عديم الاحساس...
لمعت عيناه وهو يرد بشرر : هل تريدين المضي بموضوع الاحاسيس هذا ...؟!
_ دانييـل آرثر داركنــس !!
قاطعه ليونارد بحده وقد بدت عيناه تتلون أيضاً ... فنظر نحوه ببرود و زم شفتيه الحمراوين بقوة ..
_ هل نطقت اسم أبي قبل قليل أم خدعتني اذناي ..؟!
داهمني شعور غريب لكني قلت مقاطعه نظراتهما لبعضهما الغريبة : جينــي ....!
نظر نحوي و كشر وعيناه رماديتان داكنتان , مسحت عيني مجدداً أعلم بأنهما حمراوين لكن مالعمل... ,اقترب مني و سلمني جيني بخفه ثم ابتعد خطوتين واسعتين و اتكأ قرب الثلاجة ..
أخذت جيني تتحسس وجهي بأناملها الحريرية بتعاطف شديد جعل أحدى دموعي العالقة تنزلق فمسحتها هي و أخذت تتمتم لي بشيء رقيق ... ابتسمت لها و قبلتها ثم احتضنتها ..
ظللنا دقائق طويلة صامتين جميعاً وهادئين خارجيا ربما , أنا و جيني نتهامس و نلعب بصمت معاً بينما تراقبنا زوجين من العيون , اثنان رماديتان باردتان , واثنان زرقاوان داكنتان ...
بعد دقائق بسيطة نظرت نحو ليونارد و بدا هادئاً جداً ولم يغير قط وضعه كأنه يستطيع أن يبقى واقفاً هكذا للأبد ..
بدا صوتي غريبا أجشا وأنا أهمس لها : أن كنت تود بعض العصير فيوجد منه في الثلاجة.
نظر نحوي بهدوء ورد : لا شكراً .
حسنا ربما هو لا يشرب العصير قط , لكني لن أوجه الدعوة لذلك القاسي البارد .. بل وضعت جيني على الأرض الملساء الخشبية النظيفة و جمعت لها ألعابها , و هبطت من كرسيي بحذر و جلست قربها , ثم أخذت هي تلهو أمامي وأنا جالسة على الأرض .. و حولنا اثنان من أغرب و أطول الشبان ..
وأنا منحنية مع جيني .. شاهدت ساقي دانييل يتحركان , ثم خرج من الباب الخارجي للمطبخ .. ولكنه بقي هناك , بينما ليونارد لم يتحرك أبدا . .
جاء والدي بعد نصف ساعة و خمس دقائق بالضبط , كنت أعلم بأنه سيسرع بالقدوم , اختفى ليونارد بهدوء و سرعة بينما خرج دانييل لملاقاته و حمل الأغراض معه ..
شكره والدي بهدوء و وقعت عيناه علينا أنا و جيني. كنت قد جلست على الكرسي , فابتسم وقال بمرح : لقد اشتقت لكما بسرعة.
فضحكت أنا بوهن بينما رفعت جيني باشتياق ذراعيها لأبي الذي رفعها و داعبها , ثم وضعها بكرسيها الخاص ..
فرز والدي الكثير من الأطعمة والفاكهة وهو يتهامس بهدوء مع دانييل , لم اسمع جيداً ما يقولانه .. بدا وكأن دانييل هذا صديق قديم ><... آفف متى يغادر ؟؟.
فجائني والدي وهو يقول له : أبقى هنا لتناول العشاء سنحضره باكراً ؟! أليس كذلك حبيبتي...
ونظر نحوي , فتحت فمي بصدمة , ثم أغلقه بحده وقلت ببرود : لا نريد تناوله باكراً أبي...
يعني باختصار لا أريد من كتلة الجليد هذه أن تبقى هنا , رفع والدي حاجبيه , بينما ظهر صوت دانييل بارداً لكن مهذباً : شكراً سيدي لكني اتناول نوع معين من الأطعمة ولدي بعض الاعمال الليلة.
نظر نحوه أبي و هز رأسه وهو يقول : ما رأيك إذن بفنجان قهوة...
آآآووووه ما خطب أبي !! أنه مسحور بهذا المعتوة كلياً ,><...!!
_ إذا استطعت أنا تحضيرها , اسمح لي...
صوت دانييل الناعم الواثق والابتسامة التي يملكها تطيح بأي شخص أرضاً... اللعنة عليه لقد صدمني , أنه لعين معي و لكنه السيد المهذب و الرقيق مع الآخرين ... لم يفعل هذا؟! هل التكلم معي بأدب يقتله ؟! , لن أبه له على أية حال..!!
بادله والدي الابتسام بشكل يدهشني و قاما معا بتحضير بعض القهوة و الكعك المحلى بينما أنا مذهولة و خرساء !!.
هتفت جيني بمرح : بابابااااا باباا باباااا...
لكن دانييل هو من التفت إليها و وضع بيدها الصغيرة الناعمة قطعة بسكويت و خفق قلبي رعباً وصدمة عندما انحنى وقبلها على شعرها بخفه وسرعة ... فغرقت جيني بموجه من السعادة والضحك وهي ترقرق باسمه :
_ داان .. دان ... داان ..
فابتسم هو لها وكان والدي ملتفتا ينظر إليهما ولم يقل شيئا بل ضحك بلا صوت وهو يقول : لقد حفظت اسمك دانييل...
أجاب الفتى بكل طبيعية وهو يصبح بجانبه و يساعده : أنها طفلة خارقة الذكاء . و مرحه...
ثم ألقى بنظرة حادة سريعة إلي و كأنه يكمل بنفسه , على عكسك أنتِ ...!
أخرس ! قلت بنفسي , حتى لو كنت جبل جليد لا شأن لك ! , ولا أكون مرحة أو لطيفة هذا لا شأن لأحد به ! أنها شأني وحدي !!
هززت رأسي كي ابعد شعري عن وجهي , وقلت بصوت خافت بدا لي ضعيفاً ~~"
_ أبي سأذهب لغرفتي بعض الشيء.
التفت أبي نحوي بسرعة وقال : حسنا حبيبتي , لكن عودي لتناول القهوة ستشعرين بتحسن. مهلاً سأساعدك...
وجاء إلي وأنا أحاول بارتجاف وضع العكازين جيداً تحت أبطي .. ساعدني على الوقوف ثم أخذت امشي بحذر شديد وهو خلفي ,
لكن .. آآخ تألمت بداخلي , كان كاحلي الأيسر لقدمي السلمية ملتوياً فعلاً ...سيتحسن غداً ... لكنه الآن يقتلني ..!
صررت أسناني و كتمت الألم مع كل خطوة حتى تركني أبي , فدخلت غرفتي اتعرق و ارتجف ...
جلست على السرير ألهث و اتنفس بصعوبة من الجهد المبذول ..
_ هاك , ستكونين بخير , لم أرى أحداً بمثل صمودك و صمتك ..
كان ليونارد نعم الصديق , مع أنه يغيض بعض الشيء , لكن لديه احساس بعكس ذلك المعتوة ..ساعد برفع قدمي فوق السرير وكانت بيده منشفتي البيضاء مبلله بمياه دافئة لفها على قدمي و شعرت بالراحة فوراً. ..
_ آه شكراً لك ليون .
فابتسم لي وبدا هذا الشاب جذاباً , لكن لديه صديقة رغم أني لا أنظر إليه بهذا الشكل .. أني فقط اتسائل عن نوع صديقته !..
سألته بتردد وأنا أرفع الغطاء فوقي و استند على الوسائد : هل .. سيعود , ذلك الظل ؟!.
رد بهدوء : لست واثقاً , لقد زجرته تلك المرة ولكنه يبدو مصراً وغاضباً ثم أن دانييل يريد التفاهم معه فهو .. من ذلك النوع ...
_ ماذا تقصد , ذلك النوع ؟!.
_ أعني أنه يستطيع التفهم , يملك عقلاً مفكراً وليس سفاحاً أو مؤذياً إلا لسبب .. وهذا من حسن حظنا , لأنه نوع قوي جداً ...
ابتلعت لعابي , ربما كلامه يطمئن بعض الشيء , لكن الوضع لا يزال مريبا .. و مخيفا.
_ كلآرا ؟..
طرق والدي الباب وحدقت بـ ليونارد الذي دهشت بشدة لطريقة اختفائه فقد حرك يده بحركة دائرية صغيرة ثم تلاشى مع ضباب أسود خفيف كالسحر ...
انحنيت بسرعة لاستلقي على وسادتي , دخل أبي و حدق بي بهدوء , ثم قال متعجباً قليلاً : هل ستنامين ؟!. ماذا عن القهوة ؟!.
قلت بخمول وأنا أشعر بالتعب حقاً : أظنني سأنام أبي , أشعر فجأة بالتعب...
اقترب مني و لمس جبيني بلطف , همس بحنان : لا بأس صغيرتي , ارتاحي جيداً .
ثم خرج مغلقا الباب خلفه , وقد نمت أنا بالفعل مباشرة ... نمت بلا احلام ولا أي شيء ..
_ كلآرا .. عزيزتي , افيقي , حتى نذهب للعشاء في منزل لوك .
افقت بكسل , و بدلت ثيابي لـ بنطال أسود مخملي و كنزة زرقاء ثم بلوفر أسود .. سرحت شعري بألم لآنه في حالة يرثى لها ثم دخل والدي ليطمئن و بين يديه جيني وقد ألبسها فستاناً ناعماً وردياً يليق بلون شعرها الأشقر الفاتح و عينيها الزرقاوان , حدق بي و قال بعبوس خفيف : آمم ألا ترين بأن ملابسك داكنة جداً ؟.
نظرت نحوه و قلت بهدوء : لكنها جيدة للخروج .
لم يعترض أكثر و خرج , كان اللون الداكن يبرز لون عيناي الخضراء الشاحبة الرمادية .. و مرة أخرى فكرت بعبوس من أين جلبت هذا اللون الغريب المحير و البائس , ..
هل أبدل ثيابي ؟!.
_ كلآرا .. أني انتظرك , هل كل شيء بخير...؟!
أمسكت بالعكازين و هتفت : بخير.. بخير أني .. قادمة ..
توقفا أمام منزل جميل بلون فاتح تحيطه الأشجار المنسقة , وحوله منازل مشابة تقريباً لكن الشارع هادئ جداً وكأننا بمنتصف الليل مع أن الشمس تغرب للتو ..
فتحت لنا زوجة لوك "ماريان" الباب وهي سعيدة جداً , صافحت والدي و لم تأخذ منه جيني بل قبلتها ثم ساعدتني على الصعود .. دخلنا بمنزل دافئ جداً بسبب ألوانه الذهبية و البيج للجدران و الأثاث..
_ تفضلوا هنا رجاءاً... لوك سيعود حالاً من المستشفى , لديه عمل طارئ...
و ابتسمت بدفئ ... ثم قالت : سأجلب لكم القهوة فالجو بارد قليلاً..
دخل أليكس فجأة بكنزه رماديه و جينز أزرق , قال بهدوء وهو يصافح أبي : أهلا بك سيد موند .. مرحباً كلارا , كيف حالك؟!.
كان الفتى يبدو شاحباً قليلا , رددت عليه بأدب .. ثم انحنى هو ليشغل المدفئة بالحطب ...
تسائلت بنفسي , لم أره ليومين ..
دخلت أمه بالقهوة و الكعك , قالت له وهي تمسك بكتفه : لقد غادرت فراشك , أنت لا تزال مريضاً.
ثم نظرت نحونا وهي تكمل : لقد أصيب بالحمى و تغيب ليومين ..
قال معترضاً بخجل أمامنا : أني بخير جداً الآن , لقد شفيت حقاً , مجرد حمى ..
قلت بنفسي بخجل ,, آهاا لهذا هو متغيب , المسكين ...~~"..
جلس على أريكة جانبيه وأمه تسلمنا القهوة و تتحدث بلطف بالغ .. ثم فتح الباب ليظهر لوك وبذراعه معطفه الأبيض... كان يبدو متعباً لكنه لا يزال حيوياً...
قال بمرح : مساء الخير جاك , كلارا و جيني .. لقد أتيتم متأخر , لكني تأخرت أيضاً... سأبدل ثيابي ثم أعود.
أمضينا الوقت بهدوء ممتع عنده و اعتذر أليكس لأجل النوم باكراً , قبيل الساعة العاشرة اعتذر والدي لأننا تأخرنا ويجب أن نعود ... لكن لوك تفاجئ وقال :
_ لكن غداً عطلة والوقت الآن باكراً جداً . ولكن...
تثائب جيني وكأنها تحسم الموقف فقررنا المغادرة , واستعدت أنا للوقوف لكن فجأة رن جرس الباب .. ذهب لوك لفتحه و سمعنا أصواتاً , ثم رأيناها .. أنها أخته "ليندا".. كانت ببدلة عادية نظرت نحونا بتوتر خفي لكنها حيتنا بابتسامة ..
قال لوك لها بلطف : أجلسي واشربي بعض القهوة لحين أن أجلب لك أوراقك .
ابتسمت وشكرته ثم دعتها سيدة المنزل "ماريان" للجلوس... قال والدي ببرود : عذراً لكننا خارجون..
نهضت أنا بهدوء وتماسك شديد , و منحتهم ابتسامة كي لا يشكوا بمزاجي المتعكر فجأة و مشيت خلف أبي بحذر شديد .. قال والدي لي عند الباب :
_ انتظري , سأضع جيني وسأساعدك .
قلت ببرود : لا داعي ... حقاً...
و نزلت بينما هو يفتح باب السيارة فجأة تعثرت بحذائي و رأيت الدرجات الخشبية بسرعة تقترب... وآآآآه أنفي تحطم ...!!
تبعه كامل جسدي ساقطاً على الدرجات و رأسي لأسفل !! .. ألا يوجد أذلال أشد من هذا أو ألم أشد من هذا....!!
_ كلآرا...!!!
هتف أكثر من صوت .. و رفعت نفسي ارتجف .. ثم فجأة تساقطت قطرات من أنفي... دم !!

صرخ أبي برعب : كلآرا يااا ألهي...!!

وهم يمسكون بي برفق و خوف ... كنت أرى أضواءاً بيضاء و ألم برأسي لكن بدأت تخف.. صوت لوك :
_ لنحملها بحذر للداخل ...
_ سأجهز لها كمادات و ماء بارد لأجل النزيف.
كان هذا صوت غريب... قلت بدوار : لا أنا بخير... أني فقط...
حملني والدي و لوك معاً .. بينما قال أبي لزوجة صديقه : جيني في السيارة.
_ آوه سأجلبها حالاً .
و عدنا للداخل مجدداً....!
جعلوني اضطجع رغما عني على الأريكة و اعترضت عندما بدأ لوك يمارس مهنته و واجبه على جبيني و رأسي :
_ أني بخير , صدقاً... أبي ؟!
جلب والدي محارم كثيرة يمسح بها وجهي وهو يقول بقلق : أنا هنا حبيبتي ! , مالذي يؤلمك ..
_ لقد سقطت رأساً على وجهها !.
_ آآآه !! , قلت بحده ><.
_ هنا كدمة كبيرة .. آسف عزيزتي تحملي قليلاً... هل تعثرت بسبب كاحلك ؟!.
قلت بضيق : لا , لا أدري كيف ...
أتت أخته بوعاء ماء وساعدتني في وضع المنشفة الباردة على كامل وجهي , بينما تنفست بعمق شعرت بكدمات عدة في صدري و ساقي بسبب الدرجات ..
_ استرخي فقط ستكونين بخير , عزيزتي أجلبي لها بعض العصير البارد وربما مسكن ما لأجل الألم...
قلت باعتراض لـ لوك الجالس على الطاولة أمامي : أنا بخير .
قال أبي وهو يجلس بجانب ساقيّ : ربما تشعرين بالصداع , ابقي مكانك صغيرتي.
رأيت أليكس يدخل و معه كأس عصير كبير , سلمه لوالدي وهو ينظر نحوي بصدمة , قال يسألني : هل أنتِ بخير ؟!.
قلت باحراج : أني بخير . آسفة لما حدث ..
كانوا كلهم يراقبونني حتى جيني التي بين ذراعي "ماريان" تحدق بي بقلق واضح في عينيها الزرقاوين اللامعتين ..
شعرت بأحدهم يمسح بلطف على رأسي , كانت أخت لوك "ليندا" تجلس على حافة الأريكة تعدل الكمادة الباردة على جبيني و كدمتي ..
شعرت بوجهي بارداً شاحباً و أنفي لا أدري ما وضعه .. ربما انكسر فعلاً... لكن النزيف انقطع اخيراً ..
_ لا تضغطي عليه , برفق...
بينما لوك يعاين أنفي بيديه بلطف كان أبي ينهي فنجان قهوة و جيني بحجره .. والجميع يتبادلون الحديث بهمسات خفيفة ,
كنت منحرجة من اضطجاعي هكذا صحيح أحس بدوار وصداع خفيف لكني رفضت المسّكن سيزول الألم قريباً ..
أردت النهوض , لكن لوك منعني وبقي جالساً عند رأسي ولا أدري أين ذهبت اخته ..
بعد نصف ساعة نهض ابي معتذراً وأنه يجب أن نغادر حقاً , فنهض الجميع معنا...
حمل لوك جيني للسيارة بينما أبي يساعدني على السير للباب حتى صعدت السيارة ..

اخذ والدي يكلم لوك و زوجته واخته قليلا عند الباب بينما أنا اشعر بأن الأرض تدور بي ببطء ..
همهمت جيني التي تجلس خلفي مباشرة وسط الظلام , قالت بمرح : عووو ... اوو ... عووو ؟!.
التفت انظر نحوها , قلت : ماذا تهمسين كوبكيك ؟!. < أدللها بهذا ^^" .
لكن جيني ردت علي بأن أشارت بيدها نحو ركن مظلم في الشارع , و رددت بهدوء : عووو ... !
نظرت بقلب مضطرب الى حيث تشير و تجمدت .. كان هناك .... ذلك الشيء.... !!
عيونه الحمراء تلمع من هذه المسافة , آآووه ياااربي ... أنه ذلك الشيء المتوحش الشرير ذو العيون , يحدق بنا...!!
فغرت فمي رعباً .. و علمت بأن هذه الليلة لن تمر ببساطة ...!!
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
رد مع اقتباس