الموضوع: وريث الظلام
عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 02-17-2018, 03:14 PM
 
مفاجئات غير سارة البتة

مفاجئات غير سارة البتة




أنني واثقة عندما بدلت ضماداتي هذا الصباح بأن كاحلي طبيعي جداً خارجيا على الأقل ولا وجود لأي علامة أو أي شيء مريب ...!
_ هل انتهيتِ ؟!.
لقد قاطع حديثنا الغريب والمخيف صوت رنين جرس الصف ولم يساعدني في دخول الصف أو حتى يرافقني بل دفعت نفسي بنفسي و مر صفين متتاليين من الدروس المرهقة ...
والآن هاهو بجانبي في وقت الاستراحة بعد أن احرج الفتيات بنظرته فغادرن بهدوء .. ماخطب المدعو "دانييل" هذا ؟!
حشرت كتابي بقسوة في حقيبتي التي اضعها خلف ظهري , قلت بهدوء : حسنا , مالأمر ؟!.
توقفت قرب طاولة خشبية دائرية في الباحة حيث الجو بارد قليلا لكنه لطيف وهناك الكثير من الغيوم البيضاء , جلس هو على الكرسي على الجانب الأيسر مني كي يكون متراوياً قليلا و يسمح لي برؤية الباحة و الطلاب في جهتي اليمنى...
_ كيف كان يبدو ؟!.
التفتُ إليه و اضطربت قليلا لقربه ولتحديقه الشديد في عيناي , لأول مرة أجلس مع هذا الشخص الفظ الناري الطباع يجب أن أتوخى الحذر في كلامي معه... فأنا لا اعتبره كـ ليونارد. قد ينفجر بي في أي لحظة , وأجد نفسي ميتة فجأة !.
أجبته بصدق وهدوء لا أدري من أين جلبته وأنا أتأمل بحر الفضة في عينيه و خطوط الذهب السائل : ...ذلك الخيال , كان... كظل طويل يملك ذراعين و ساقين أظن... و بلا ملامح, لم يكن هنالك من عينان أو فم...وما شابة.
ضاقت عيناه قليلا و التمعت , أومأ وهو يهمس بنعومة : ومالذي كان يفعله ؟!.
_ آحم .. لستُ واثقة , كان يراقبني لفترة... اعتقد ..
صمت احاول تذكر الليلة الماضية جيداً , فقال هو يحثني بهمس : و بـعد...؟!
_ أظهر .. تلك العلامة في كاحلي..
_ ...و السلسلة ؟!.
مرت رياح باردة عبثت بشعري و قميصي , فلممته بسرعة و وضعته تحت القميص عند رقبتي , بينما هو لا يبدو متأثراً قط .. لقد تطاير شعره الأسود الحالك حول وجهه الرائع التقاسيم لكنه لم يتحرك قط بقيت عيناه مركزتان في عيني ..و باردتان منتظرتان ...
_ لا أدري من أين جلبها , لكن...والدي لاحظها و أظنها كانت لزوجة أبيه بالتبني ..
كنت أريد أن أشرح له أيضا أن السلسلة تبدو مألوفة بشكل ما لكنه قاطعني بفظاظة وبرودة : أخرجي ذلك الجرس...!
حدقت به , قلت بتوتر : أي جرس ؟!.
_ افعلي فقط ! , أني لا أملك النهار بطوله !!.
أجابني بحده بالغة و عصبية , فرمقته بضيق شديد ثم هززت رأسي و أخرجت الجرس الصغير للغاية والناعم الفضي...
حدق به بضيق واستنفار ثم حرك رأسه ولم يلمسه بل قال بصوت منخفض : أنه جزء من السلسلة ..لا انتبهي !!
كنت على وشك أن أضعهما معاً السلسلة الناعمة والجرس لأن السلسلة ناعمة جدا ستدخل بحلقة الجرس الصغير...لكني فوجئت بقبضته قوية جداً وباردة أطبقت على معصمي بشدة آلمتني !!
_ آآه , ماذا ؟!.
قال بقسوة وهو يصر على أسنانه كي لا يرفع صوته : يالك من ! , لقد أخبرتك صباحاً بأنك بوابة للوحش و ها أنت على وشك وضع شيء ما خطير عليك . هل تحبين رؤية قدمك تتقطع ؟!.
ترك يدي وكأنه مشمئز , ضممت يدي برقة أحاول تدفئتها بينما قلت منزعجة : أتعني بأن بي شيء شرير و هذا الجرس سيحاول اقتطاعه مني ؟!.
_ ها أنت بدأتِ تفهمين !.
قالها لكل سخرية وكأني شخص أخرق للغاية , هززت رأسي احاول التركيز ,قلت أهمس بيأس : و كيف الآن سأحمي نفسي .. كيف أتخلص من تلك العلامة مهما كانت في المقام الأول..!
_ مادام هذين الشيئين منفصلين فهما يقومان بعملية تنبيهك لا حمايتك .. لكن لا تجميعهما معاً فستقلتين , أما بالنسبة للعلامة فهذه .. من وضعها وحده هو من يستطيع ازالتها ..!
لم اقدر على التنفس لثوان , قلت بقلق : ذلك الشيء... لن .. يزيلها أليس كذلك ؟!.
_ ولمَ يفعل ؟! , أنت بوابة ممتازة له ..
_ لا أحب نبرة السرور في صوتك !.
ضاقت عيناه الرماديتان و هزأ قائلا : وأنا بدأت أندم على تحذريك من ذلك الجرس والسلسلة.
رددت بحده : يلا الأسف ندمك متأخراً !.
وافقني ببرود : لكن , رؤيتك تتقطعين أشلاءاً وسط ساحة المدرسة غير جيد على البشر هنا...!
رفعت رأسي ببرود : تتحدث وكأنك لست بشرياً مثلهم !.
ومضت عيناه بخطورة : ومن قال ؟!.
خفق قلبي قلقاً .. ماذا يعني هذا ال... قلت بتردد : إذن لست... بشرياً حقاً... ولا... ليونـ...
قاطعني بلا اهتمام : ليس تماماً بالنسبة لي , لكن ليو حالة أخرى...
همست بقلق وعيناي متوسعة : وماذا تكونان ؟!.
_ أنت لا تزالين في مرحلة أنكار لتلك الوحوش التي تزورك بسعادة , فكيف تردينني أن أخبرك , لن يعجبك هذا لكني لا أهتم في الواقع لما تظنين ..
ضاق جبيني و حاولت قائلة : مصاص دماء مثلاً ؟!. مع أنني أظنك أسوأ...
لمعت عيناه و مط شفتيه ليقول بهمس ناعم : هذا ليونارد ..بالطبع أنتِ عديمة الملاحظة , لكنك نلت نقطة على معرفتك لهذا الوجود !.
فغرت فاهي , ياله من وضيع لا يفوت أي فرصة لأهانتي...
قلت ببرود : مع هذا ليون أفضل منك , لا شك بأنك ابن الوحوش...
ولينتي لم أنطق , لقد برقت عيناه ببرق ذهبي و اهتز جسده مع لفحة هواء جليدية ضربت وجهي .. شحب وجهه جداً وأبيض كالثلج بينما أحمرت شفتاه و قلبت عيناه بسرعة خاطفة للون الذهبي النارية المشتعل ..
هب واقفاً فضممت نفسي بسرعة وكأنني خشيت أن يقطع رأسي .. هدر بحده لم أسمعها من قبل أبداً :
_ لعلمك فقط ولأنارة عقلك الغبي !, أنا ولدت من أروع أبوين عرفهما كلا العالمين هنا.. لا يمكنك حتى أن تنعتهما بأي صفة قريبة من قلة الأحساس !...
التف من الطاولة بسرعة و عنف ثم ذهب بعيداً بينما عبثت رياح باردة شديدة في الساحة جعلت الأشجار تتمايل و الطلبة القليلون يهرعون إلى الساحة الداخلية...
كنت مصعوقة , مالذي جرى له بحق ال....!!
هززت رأسي أحاول التفكير , هل يظنني أهنت أبويه ؟!. آه يالا الحماقة , كلانا أبله و غبي... أني أقصده هو فقط بالتشبيه , ما كان له أن يثير أعصابي هكذا .. لكني لم اتوقع أن يكون محباً لوالديه بهذه الشدة ..! كان علي أن أتعقل أكثر منه... لا يمكن أن يفقد كلانا صبره .. سأضع أعصابي في مياه باردة المرة القادمة .. أن لم يكن هو متعقلا أنا سأكون !.
ساعدت نفسي بنفسي مجدداً و بصعوبة كي ارتقي الألواح و أدخل البناء , رأينني الفتيات "لونا" ذات الشعر القصير و "سيلا" ذات الشعر الأشقر , نظرن نحوي بقلق طفيف ثم ابتسمن وساعدنني في الوصول للصف التالي ..
لم أرى ذلك المدعو "دانييل" كل اليوم و هذا حسن , أني حتى لست متأكدة بأنه يتظاهر بالدراسة لأجل حراستي كـ ليون .. ليونارد الذي قال أنه مصاص دماء .. بصراحة أنا لم أكون أي فكرة أو شكلاً معيناً في عقلي لهؤلاء ..!
حسنا ربما فكرت بـ .. وحش ضخم شاحب اللون جداً رمادي ربما بأجنحة جلدية مخيفة و أنياب ظاهره .. وليس شاباً وسيم المظهر هادئ وحاد بنفس الوقت , مع هذا هو أفضل أخلاقاً من رفيقه .
وفي نهاية اليوم , جاء والدي وكان يبدو شاحباً أكثر من العادة فخفق قلبي توتراً وقلقاً... قلت بهدوء وهو يساعدني على الجلوس في المقعد :
_ أين جيني...؟!
_ في المنزل , معها السيدة فرانس...
عندما قال السيدة فرانس هل يقصد زوجة لوك الرقيقة , أم تلك العجوز التي لا تراني ؟!. لكن لا يهم كثيراً هذا .. ما يقلقني هو أبي , قلت مجدداً بتوتر : ماذا إذن ؟!.
حدق بي قليلا ثم قال وهو ينطلق بالسيارة : لا أدري لقد اسيقظت جيني باكية لاكتشف أنها مصابة بالحمى .. أخذتها للمستشفى ليس بالشيء الخطير أنما فقط مجرد برد , أخذت بعض الادوية و عدت...
شهقت بقلق حبيبتي جيني مريضة , قلت : آوه وكيف هي الآن ؟!.
_ تركتها نائمة و بصبحتها السيدة فرانس لقد تحسنت قليلا..
كنت قلقة جداً وأصابني الرعب فجأة , ماذا لو لم تكن حمى عادية , ماذا لو أذاها شيء ما....! عندها ماذا سأفعل ؟!.
رأيت وجه والدي قلقا جدا شاحباً وكأنه أصبح في الخمسين فجأة , فمسحت على يده برقة و اكتشفت بأن يدي كالثلج ..
صفيت حنجرتي كي يخرج صوتي صافياً : ستكون بخير أبي...
زفر ثم نظر نحوي وابتسم بعطف ولم ينطق بشيء , حتى توقفنا أمام المنزل , لكن والدي لم ينزل من السيارة بل بقي قليلا منتظراً ينظر خارجاً , عرفت بأنه يريد التحدث إلي... و بهذه الطريقة لا يبدو أن الحديث جيد !.
التفت نحوي وقال بهدوء وعيناه الزرقاء لامعة بحزن : لقد وصلت... المربية أنها أخت لوك تدعى ليندا , وهي تعمل طبيبة أطفال لكنها تركت العمل و أتت هنا , هل يمكنك تخيل هذا ؟!.
كان يتكلم بهدوء خافت شديد , يخفي عاصفة غضب رهيبة أعرفها ... كنت أنا أيضا مصدومة أنما ليس بهذا القدر لقد خفف غضبي أيضا من شدة الصدمة ...
هززت رأسي و قلت بتماسك : لندخل أبي .
خرج بخفه من الباب و جلب عربتي لكنه أخذها للداخل , فغرت فمي ... أبــــييي ><... !!
أتى نحوي فقلت مسيطرة بصعوبة على أعصابي : أنت لا تفكر بأدخالي للمنزل محمولة هكذا !!.
زم شفتيه ولم يأبه لي قال بهدوء : هيا كلآرا , أنهم في الأعلى سينزلون خلال دقائق...
فحملني بخفه و أنا أسأل بتردد : عندما قلت أنهم ... من يكونوا ؟!.
_ لوك هنا أيضا , والسيدة جورجيا لكنها قد غادرت قبل مجيئنا...
حسنا ربما تلك العجوز اطمئنت على جيني و غادرت لا يهمها أيا منا الابنة الأخرى المقعدة و والدها البائس !. تضايقت من نفسي و من سوداوية أفكاري ..!
أجلسني أبي على الأريكة و عندما هم بالخروج من الردهة , دخل لوك أعرف قامته الرشيقة كوالدي و من خلفه فتاة . لا بل شابة تكبرني بعشر سنوات ربما !!.
كانت بشعر أشقر داكن وعينين واسعتين عسليتين , آه ربما كانت في السادسة و العشرين , عبست بشدة تبدو جميلة جداً و أصغر بكثير من عمرها , فكشرت بقوة و ألتمعت عيناي و أوشك على الأنفجار...
نظر نحوي لوك و تبسم بقلق واضح , بينما بقي والدي واقفاً قربي ببرود يديه في جيبيه , وقفت الشابة بتوتر هي أيضا ببنطالها الجينز الجديد هذا و قميصها الذي يبدو ثمينا ><"...
بدأ لوك الكلام بهدوء وتمالك : جيني بخير الآن , أنها نائمة , تحتاج لكثير من النوم...
ثم نظر نحوي و تبسم قائلا : هاي كلآرا , كيف حالك عزيزتي ؟!.
أومأت برأسي ولم ابتسم تماماً , مع أن لوك لا ذنب له , لاحظت نظرات المرأة الفضولية نحوي تتأملني بدقة ثم وقعت عيناها بعيني فضيقتهما بعبوس , ابتسمت لي بتوتر ثم تقدمت برشاقة احسدها .
و صافحتني بحرارة وهي تقول بصوت ناعم : كلآرا الجميلة , مرحبا حبيبتي أنا ليندا . كيف حالك ؟!.
توترت جداً , حسنا اعترف بأنها تبدو لي لطيفة لكن لنرى لاحقا....
رددت بهدوء وبلا ابتسام : اهلا , أنا بخير...
قال والدي فجأة ببرود : سأحضر الشاي .
فقال لوك سريعاً : سأساعدك ...
و خرجا معاً و أنا أحدق بهما برعب ... هييييه تركتماني مع هذه المرأة وحدي لماذا ؟!.
بقيت دقيقة جامدة لا أفعل شيئا فتحركت ليندا هذه لتجلس على كرسي قريب مني تقابلني , سألت برقة :
_ كيف كان يومك كلآرا , هل المدرسة لطيفة ؟!.
رددت بهدوء كي لا تظنني مضطربة نفسية : جيد جداً , لا بأس .
أومأت و قالت بهدوء : أنا آسفة أن ضايقتكم و جئت بهذا الشكل وكأنني وضعتكم أمام الأمر الواقع , لكني في الحقيقة تركت عملي منذ زمن و كنت أريد العودة لعائلتي هنا .. كنت بائسة بالمدينة حقاً , لم أحبها .
صمت أحدق بها بهدوء , بدت هناك ظلال داكنة حول عينيها و وجهها شاحب قليلا , سألت بهدوء : أليست الوظيفة رائعة ؟!.
طرفت بعينيها كثيراً وكأنها تفاجئت من تجاوبي معها , قالت مبتسمة بحنان : رائعة جداً , لكني لم أتأقلم جيداً فحاولت و بقيت هناك ثلاث سنوات بلا جدوى .. اكتسبت خبرة لكنها ليست كافية بالنسبة لي.
ابتسمت مجدداً وقالت بتوتر خفي لاحظته : حسنا أنا لا أريد التطفل أبداً , لقد جئت للتحية فقط و رأينا فجأة والدك قادم و معه جيني من المستشفى .. آه لقد انزعج كثيراً .
ضاق جبيني وقلت بخفوت : لكن شكراً لزيارتك.
ابتسمت لي مجدداً ثم نهضت وهي تنظر في ساعتها الثمنية بمعصمها قالت : سأعود لوالداي الآن , يجب ان اعتذر عن الشاي ..
دخل والدي فجأة بالشاي ومن خلفه لوك يحمل صينية كعك , نظروا نحوها متسائلين فابتسمت وهي تقول : يجب أن أذهب.
قبل أن ينطق والدي , قال لوك بسرعة : لا بأس عزيزتي سأوصلك.
زممت شفتي بقوة , قال والدي بصوت بارد واضح جعلنا كلنا ننتبه : ليس قبل شرب الشاي.
خفق قلبي و قلت بنفسي لو أنني مكانهم لفررت بسرعة لا يهمني الشاي , لكن الشابة قالت بابتسام خفيف : لا بأس , لكني سأخرج مباشرة , والداي يريدان التحدث إلي.
فجلست على نفس مقعدها و جلس لوك بترقب على مقعد مجاور , بينما سكب والدي الشاي لهم ثم سلمني كأسي و جلس بجانبي تماماً و رفع ذراعه من خلف ظهري ولم يشرب هو شيء... بل بقي يراقب الجميع ببرود .
حسنا , فعلته هذه وكأنه يحميني , لكن مما أبي بربك أهدأ .. هذه المرأة مسكينة , لا شك بأن لوك بقي أيضا لحماية أخته ×× أكره الأوضاع العائلية المعقدة...!!
قالت المرأة فجأة بمرح : هذا الشاي لذيذ من منكما أعده هكذا , أم أنكما تعاونتما معاً مع أنني أشك بهذا ..
تجهم والدي بينما كدت اختنق أنا بشرابي , نظر لوك نحونا بانتظار , فأجاب أبي بهمس هادئ : لقد تعاونا , المهم هو النتيجة .
ابتسمت بهدوء وهي تلقي بنظرة سريعة على اخيها : معك حق .
ثم قالت مجدداً بهدوء : أتيت من المطار والسماء تقصف و تمطر بقوة , لكن الغيوم هنا كثيفة جداً تبدو كأنها تمطر ..
انصتا فجأة و سمعنا صوت المطر يشتد بتدرج , قلت أنا بهدوء : آوه بهذه السرعة !.
فتبسمت لي الشابة , بينما قال لوك : ربما يجب أن نذهب قبل أن يشتد المطر أكثر , سأجد أليكس وسنمضي الوقت بالبيت...
فوقفت معه اخته و كذلك أبي الذي قال بهدوء : أيمكنك زيارتي غداً...؟!
لاحظت بأنه وجة الدعوة لـ لوك فقط !.. فراقبت ملامح الشابة الهادئة الطبيعية , بينما لوك يجيب : آه بالطبع لا بأس .
لكن فجأة قالت المرأة بهدوء وعيناها مركزتين على أبي : هل يمكنني أن أتحدث معك غداً أيضاً ؟!.
رأيت ملامح وجهه تشتد و شفتيه تحمران , آوه سوف يرفض , لكنه أشاح بنظره فجأة و نظر إلي أنا ..
رد عليها وهو يحدق بي : أجل .
ثم اصطحبهم إلى الباب ... وتأخر بالعودة ربما ذهب للمطبخ , أو ليطمئن على جيني .. قضمت من الكعك
و تناولت الشاي الساخن و عيناي على النافذ المسدلة الستائر لا استطيع الرؤية لكن صوت المطر بدا واضحا أكثر ..
يجب أن اهنئ أبي على قوة تمالكه اليوم , لقد ارهق كثيراً ولم ينفجر غاضباً .. أو ربما غضب وانتهى >>؟!
_ صنعت هذه الشطائر ...
التفت اليه وهو يضع طبق ملئي بالشطائر الساخنة أمامي , و أكمل بسرعة : سأرى جيني...! .
ثم اختفى سريعاً من الباب , تأوهت , أنه لا يزال غاضب...!


مرت ربع ساعة ولم ينزل أبي أو أره , هدر صوت الرعد بقوة قريباً جداً و اشتد المطر أكثر , قربت مقعدي كي أجلس عليه , لكن داهمني شعور مفاجئ و ألم رهيب في عظامي كلها و ساقي خاصة !!.
انحنت و أنا اشهق وأضم نفسي ..وكأن كهرباء صعقتني فجأة , كتمت ألمي بصعوبة وشعرت بغثيان رهيب و كدت أخرج كل مافي جوفي على السجاد .. لكني تمالكت نفسي و ترنحنت يمنة و يسرة .. شعرت بيد تقبض على كتفي ..
_ مالذي جرى ؟!.
ما هذا الصوت لم أعرفه , لكن اليد الباردة ليست يد والدي .. رأيت بعيناي شيئا غريباً .. و لأول مرة ...
ظلا غريباً ينحني فوقي ويرفعني عالياً بلطف , ثم وكأنه أحاطني بذاعيه محتضنا , كنت صغيرة الجسم جداً بالنسبة إليه .. بعدها انزلني و رأيت ظلال غرفة ما لم أعرفها...
_ كلارا ؟!!!
شهقت بقوة و التفتُ بعنف نحوه الصوت , كان أنفي على بعد سنتميتر واحد فقط من انفه , وعيون زرقاء فاتحة جداً متسعة في عيني المرعوبة ..
آوه لا داع للخوف , أنه ليونارد ... ابتعد بسرعة عني , كان خلف الأريكة منحنِ نحوي , التفت و جاء يقف أمامي ..
_ مالذي جرى لك ! , لقد اغشي عليك لثانية !!.
حدقت به وأنا استرد أنفاسي.. رفعت حاجبي مصدومة , قلت بتردد : اغشي علي ؟!.
طرف بعينيه بحده و تلفت حوله , كان يلبس ملابس جلدية سوداء , ويبدو كـ شاب عصابات . لكنه وسيم جداً..
_ لقد زاغت عيناك و تشنج جسدك بشكل رهيب ثم اغشي عليك بين ذارعي بعدها افقت مرعوبة ! قلت أن الفتاة ماتت !!.
لكن الألم في ساقي كلاهما لا يزال يسري , لم اقدر على تحريكهما قط , مالذي دهاني ؟!.
قلت برجاء : ساعدني ارجوك .. لأجلس هنا .
كنت أشعر بأن عيناي تدمعان لكني لن أبكي , رفعت بصري نحوه فتقدم مني بهدوء وقال هامساً : سأحملك ..
_ لـ....
لم أكمل اعتراضي لأنه حملني حقاً و سار بي بهدوء , قلت بتوتر : لا ارجوك , احتاج أن أجهز ثيابي و أذهب للاستحمام !.
رد ببرود : لا , يجب ان تتناولي الدواء أولاً ..ثم ترتاحي , الاستحمام سينتظر .
نظرت الى الساعة ما أن انزلني فوق السرير و التفت حوله , كانت تشير الى الخامسة تماماً و الجو قد أظلم بشدة ..
اختفى الشاب بسرعة من الباب ثم عاد بسرعة و وضع كرسيي قرب السرير , همس : والدك آتٍ ..
سمعت صوت والدي ينادي بتوتر : كــلآرا ؟!..
_ هنا أبي ! , بغرفتي...
لا أدري أين اختفى ليونارد .. لكنه فعل هذا بسرعة تربكني , دخل والدي بسرعة أيضا و حدق بي بعيون قلقة ...
_ حبيبتي ما بك ؟!.
طرفت بعيني ببرائة : ماذا ؟!.
اقترب مني و حدق بي جيداً , هو يشعر بشيء ما لكنه غير واثق .. مسح على شعري المتطاير الاشعث ثم على وجهي برقة ..
_ أنتِ متجمدة كالصقيع , آوه يا صغيرتي سأجلب لك غطاء اضافياً .
فتحت فمي لاعترض لكنه خرج سريعاً , آووف لمَ الناس يتحركون بسرعة دوما هكذا !! , وفكرت بـ ليونارد , ألم يكن خارجاً لمقابلة صديقته , لكنه عاد و هذا مريح يعني أن مقابلة ذلك المزاج الناري المخيف ستقل !. كننت معه ليوم واحد وكاد يصيبني الجنون !.
جلب لي والدي الغطاء و جلس يتحدث معي قليلا على أمور غير هامة كـ عمله المكتبي العادي و عند كتب مفيدة في مكتبة جدي ثم قال بأن جيني تحسنت وهي تنام كثيراً , آوه افتقد صغيرتي المدللة ..!
كنت أعلم بأنه يتجنب الحديث عن تلك المرأة , ما كان اسمها ؟!
لكنها أقل همومي حقاً , لدي اشياء تفزعني و تشغلني طيلة حياتي المتبقية .. التي أشعر بأنها لن تكون طويلة...
_ هل ستنامين الآن ؟!
اجبت بطبيعية : سأقرأ كتاب ما و أظنني سأنام قريباً أجل .
همهم بهدوء ثم نهض ليتمشى بغرفتي قليلاً توقف أمام النافذة و ظل يحدق بالظلام بصمت , سألني فجأة بهدوء :
_ هل يعجبك هذا المكان ؟!.
هل يعجبني أنه لا يعجبني قط ,, أني أكرهه جداً , أني أكرهه لحد أن...
_ لا بأس به أبي .
وجدت نفسي أكذب لأجله وابتسم بتردد , من الجيد انه التفت بالحظة المناسبة ولكنه لم يبتسم إنما التمعت عيناه ..
اقترب مني و ضمني بحنان ثم قبل رأسي وهو يقول : فتاتي الصغيرة تحاول أن تكون قوية . لن أغضب أن قلت بأن المكان مقرف حبيبتي اتذكر انزعاجك في أول يوم .. أنا أيضا منزعج قليلا.. لكننا سنمضي...
ضحكت بلا صوت رغما عني .. فأكمل وهو يعانقني : اشعر بأنك ستتحسنين بسرعة و سأفعل ما تريدين .. البقاء هنا أم الرحيل .. و ستختارين مدرستك بنفسك...
آوه , هذا ما يفكر به !.. قلت ضاحكة : حسنا تذكر هذا عندما أسير على قدمي مجدداً ^^ .
ضحك هو أيضا بمرح : آوه أجل ستفعلين.
...
كان الطبيب لوك يتحدث بأمور تافهة غريبة وأنا أحدق به بتركيز وتعب و ملل .. مالذي يحاول قوله بالضبط !.
كنت في موعدي معه بعد ثلاث أيام وقد قلت له بأن قدميّ كلاهما يقتلانني من الألم حتى المسكنات لا تنفع كثيراً , وأنا أخفي هذا عن والدي , لكنه اكتشف هذا و غضب ثم اتصل بـ لوك وقدم موعدي الذي يفترض به أن يكون بنهاية الاسبوع ..
و هاهو يذهب مع ذلك الأخصائي و يتركني وحدي مع لـوك الذي اصبح ثرثاراً فجأة !!.
و قلقاً أيضاً , جلب لي العصير و استئذنني قليلا ..بعدما خرج فكرت بأبي و جيني التي تركها مع ممرضات لطيفات بالحضانة ..
دخل لوك بعد دقائق ولا يبدو سعيدا أبداً حتى بعدما ابتسم بتوتر .. خفق قلبي هناك شيء سيء بالطريق...><"...
لم يجلس أمامي على المكتب بل ظل واقفاً الى جانبي قليلا ... رفعت رأسي إليه مستفسرة بقلق.
_ كلارا , لقد ظهرت نتائج التحاليل والأشعة ..
كان صوته دافئاً لكن البرودة اجتاحت جسدي , قلت قبل أن يكمل كلامه : خارج التوقعات !. أني أفهم إن كانت سيئة !.
حدق بي مصدوما قليلاً هز رأسه وجاء ليجلس لكن بجانبي , بطريقة تشبه طريقة والدي قلقة يحاول حمايتي ربما...
قال متردداً لكن مصراً : كلارا , أرجوك افهمي هذا , في عالم الطب....
آوووه هاقد عاد للثرثرة مجدداً ... قلت بسرعة اطمئنه : يمكنك أخباري بأي شيء أنا بخير تماماً .. أعرف بأن التحاليل ليست جيدة ..
تنهد و قال بأسى وهو يحدق بسقف الغرفة : حسنا .. أنها ليست جيدة , وهذا أمر يمكنك تخمينه أليس كذلك ؟!. لكن الأمر الآخر هو...
نظر في عيني وأكمل بنبرة حزينة : لن تتحسن قدمك مطلقاً كلارا .. أبداً .. لن تقدري على السير مجددا بطبيعية . أنا آسف جداً .. آسف حقاً لأن لا يداي هاتي ولا يدا الاخصائي لايت ولا الاستشاري الذي تحدثنا معه و لا غيرهم يقدر على اعادتها كما كانت .. تستطيعين السير بمساعدة عكاز فقط..
حدقت به دون أن اتنفس .. اللعنة ! ...
تباً مالذي سيحدث لـ والدي !!.. كان يشعر بالأمل أكثر مني... آه ه ه
شعرت بسكين يقطع بأحشائي , ابتعلت لعابي و أنا أحدق بعيني الطبيب الحزينتين , قلت بهدوء : حـ...حسنا...!
تبا صوتي يرتجف , آه أنها صدمة , ظننت بأني قادرة على التقبل... ظننت بأني .. سأتحسن يوما ما...
لكن لا ... كل ظنوني خابـت .. و أملي الوحيد البائس , ظهر بأنه سراب لا أمل ...!
_ كلارا ؟!.
همس الطبيب بقلق , كان الغشاوة ابتعدت عن عيني و رأيته أمامي , قلت ببرود غريب : ماذا ؟!.
كان قلقاً جداً , هز رأسه بشكل خفيف و قال بدفء مشجع : أنها تتحسن ببطء , لكن في النهاية تحتاجين لعكاز فقط للمساعدة على التوازن , الأعصاب ماتت تماماً لكن الأربطة تنمو و تتحسن وأنت شابة قوية , لا تتوقفي عن القتال أبداً , اتفقنا ؟.. لا للاستسلام ؟!.
كان كلامه نصف مشجع نصف مُغضب ... قلت وأنا أحاول التنفس طبيعياً : وماذا لو... لو اردت الاستسلام , ماذا لو اردت التوقف عن القتال كما تقول .. ماذا لو أني سأعيش مع هذه الحقيقة لكني لن أكون راضية .. ماذا لو أردت أن أقفز على قدمي حتى لو تكسرت .. ماذا لو اصبحت عصبية جداً و أغضب و هكذا.. أسيء للناس و ألوم نفسي و أود لو أكون مجرمة و أكره الحيـ....
اوقفني وهو يمسك بذراعي قائلا : توقفي كلارا... اهدئي .. اهدئي خذي نفساً...
رددت بحده : لا أريد أخذ نفس , أرأيت لقد خابت كل آمال والدي بي... أنه يعاني لأجلي .. أنت لا تفهم .. ها أنا أخذله مجدداً... و مجدداً و... ومجـ...
_ كلارا !!
لم يكن هذا صوت الطبيب , بل....
حدقت بالباب برعب , كان أبي واقفاً يحدق بي بصدمة ومن خلفه شخص ما ..
شعرت بأن العالم يتحطم حولي كله !!!... لقد رأى والدي ضعفي وانهياري ... لقد تحطم كل شيء... تماسكي . درعي... كل شيء...
كدت أبكي ... لكن لا أدري لم بردت عيناي فجأة و تسمرت...
نهض لوك وقال لي وهو يمسك بيدي يشد عليها قليلا : لقد أخبر الدكتور لايت والدك , سأخرج قليلا الآن.
صدمت وكدت اقول له لا تتركني هكذا مع أبي ...!! أني منهارة ويجب أن يغطي علي قليلا حتى لا يلاحظ أبي كل شيء...
لكن فات الأوان !.
كان الطبيب لايت هو من يقف خلف أبي و خرجوا جميعا مغلقين الباب خلفهم , بينما تقدم مني بهدوء ..
قلت بسرعة قبل أن ينطق بشيء يقتلني : أسمع ! , هذا الوضع كل تافه !.. حقاً , بربك لا يوجد شيء أسوأ من هذا أليس كذلك , اعتقد بأننا وصلنا للحد الأقصى ! . هذه الحياة سخيفة , أعني ...
وضحكت فجأة بصوت عالي لا اعرفه , أكملت وأنا أنظر لأي شيء غير وجه والدي :
_ كل ما أقصده هو .. سأسير بثلاث سيقان بدل اثنان لما تبقى من حياتي , هذا ليس بتلك القضية الكبرى , هناك المئات غيري , مهما يكن , أنا غير مهتمة . لكني خيبت أملك بشكل فضيع للمرة الثانية .. لا أنا لست منهارة أبي لكني اتمنى لو كانت لديك آي ابنة غيري تستطيع أن تعتمد عليها و تحبها جيداً .. آوه ربما جيني رائعة بما يكفي .. أليست كذلك ؟!. أني اشعر بالسخافة حقا , كلامي أخرق لا أدري لم أثرثر الآن . لكن سامحني .. سامحني أرجوك.
نظرت نحوه برعب وجسدي يتعرق ببروده , فوجئت بالصدمة والدموع اللامعة في عينيه الزرقاء الداكنة الرائعة ..
قلت بخوف وأنا ابتلع دموعي : أبي ؟!.
تغيرت نظرته للحدة ! , فقال بغضب وهو لا يزال واقفا أمامي : في الواقع نعم ثرثرتك خرقاء سخيفة ولا معنى لها ! , و تستمرين بهذا مع علمك بأنك فتاتي المفضلة وابنتي الأولى الثمينة ... لم أكن أظن بأن ردة فعلك للنتيجة غريبة و بلهاء بهذا الشكل ... لماذا تستمرين بالتقليل من شأنك و بأن نهاية العالم غداً...؟!
كدت أبكي من نبرته أكثر من كلامه .. فأنا لا اسمعه جيداً الآن .. قلت بصوت مبحوح : وآسفة لأن ردة فعلي غير طبيعية أيضا...!
تأوه بغضب وهو يرفع رأسه عالياً : ياااارب ساعدني !!.
تقدم مني وجلس بجانبي ثم أخذني بين ذراعيه كان يخفي عينيه عني .. من يرانا يظن بأنه هو المصاب لا أنا .. لا أدري من أين اتاني الجمود و البرود ....و الغباء هذا كله !!.
_ حبيبتي الصغيرة الحمقاء .. أنا أحبك مهما حدث , وأنتِ لم تخيبي أمالي قط ! , أنا الذي اعطاك أملاً زائفاً اتذكرين حديثنا قبل أيام ... قلت بأنك ستسيرين مجدداً .. وشجعتك , لكني خذلتك . آسف صغيرتي .. أنا آسف...
يالا الغباء كلانا يتعقد بأنه خذل الآخر ... لكن والدي لا ذنب له .. لا ذنب له بأي شيء من البداية ... وهو لا يستحق هذه المعاناة ... لقد عانى من قبل بما فيه الكفاية...!
قلت بهمس : وأنا أحبك أبي , فقط .. لننسى الأمر...
ضحك بحزن وابتعد قليلا عني ليقول بحنان وهو يمسح على وجهي : من أين جلبت كل هذه القوة ؟!.
يظنني قوية ! وأنا أشعر بأنني اتفتت من الداخل ببطء و أتلاشى ...~
_ لكني عند وعدي... سيبقى كما هو...
حدقت به و قلت : وعد ماذا ...؟!
ضاق جبينه و كلمني بجدية : أن كنت تريدين الرحيل فسنرحل و سنمكث بمكان تحبينه و سأجلب لك خادمة خاصة و ستدرسين بـ...
قاطعته بضحكة متكسرة : لا أبي... لا أريد أن نرحل , ونبدأ من جديد برحلة آخرى للبحث لك عن وظيفة !.
_ هاا أيتها الماكرة الخبيثة ! , هكذا إذن ...
قرصني على أنفي بلطف فضحكت رغما عني , قال فجأة وهو يتأملني : .. لكانت والدتك فخورة بك , أنا أدرك بأنك قوية حبيبتي , لكن لهذه الدرجة .. لقد اذهلتني...
تجاهلت كلمة قوية و قلت : وستفخر أيضاً بك ..
جاء الطبيب لايت و لوك وحدثنا قليلا , بينما بقي لوك صامتا عابساً قليلا وغارقا بالأفكار .. آوه لا يمكن أن يشعر هو أيضا بالذنب...!
قال لي الاخصائي بلطف بالغ ومرح رائع هو يسلمني باقة ورد بيضاء و زهرية رائعة و كبيرة
_: هذه لأجلك اقتطفتها من حدائق الملكة أليزابيث منتصف الليل تحت ضوء قمر كامل لعلها تضاهيك جمالاً لكن لا جمال يضاهيك يا عزيزتي...
و غمز لي مداعباً وهو يقول : ليتني اصغر بعشرين سنه هاها...
فضحكت بشدة و كذلك والدي و لوك الذي جلب لي هدية أخرى أيضاً , في الواقع ثلاث هدايا , تحفة رائعة بشكل حورية على الصخور , و وشاح حريري , وساعة ثمينة !.
وكذلك الممرضة اللطيفة جلبت لي هدية لوحة رائعة لبحر و شروق الشمس... أحببتها كثيراً.
خجلت منهم جداً , كانوا يعلمون بالنتائج سابقاً و أظنهم جهزوا هذا لأجلي لعلي انهار و أبكي .. لكن كما يبدو لم يتوقع أحد ولا حتى أنا ردة فعلي البائسة تلك...
رافقنا لوك للمنزل و كانت الساعة السابعة مساءاً .. وجيني قد عادت لطبيعتها المشعة الرائعة ..
تركاني وجيني في الردهة و ذهبا ليعدا معا شيئا للعشاء ..

ظللت أفكر بسكينة و جيني تلعب قربي بألعاب وهدايا أيضا من الأطباء الذين سحرتهم بجمالها و برائتها ..
فكرت بـ أني ... كنت حمقاء... و حمقاء رهيبة أيضاً . كان علي الصبر و التماسك , لكني غضبت من لوك و من نفسي و حاولت لوم العالم و الحياة التي اعيش بها أيضا .. آه .
تنهدت بأسى و شعرت بأني سأنهار عند أي كلمة سيئة .. لكن الجميع حرص على اللطافة البالغة والابتسام والمرح بوجهي... لذا ليس لدي عذر غير رد الابتسامات والمرح ... الزائف.!
لقد عملت هذا ... لقد عرفته . أني أعرف نفسي حقاً ... أنا لست راضية الآن , و مجدداً أرى مستقبلي أشد أسودادا مظلم لا أعرفه ... تبا أكره أن أواجه المجهول ... أكره بأن أكون عاجزة هكذا , مسلوبة الأسلحة لا شيء لدي .. وبمواجة تلك الأمور الأخرى...!
شعرت بشيء يملس ركبتي...
نظرت لـ جيني التي وقفت على قدميها و توازن نفسها علي , كانت تحدق بي بعيونها الواسعة الرائعة التي بلون السماء ..
_ تارا .. تاتا .. تــارا ؟!
كانت تحدق بي مستفسرة وكأنه قلقه علي , و تتلمس ركبتي و ساقي بيديها الصغيرة الناعمة بينما شعرها الأشقر الفاتح جدا والناعم كالحرير متطاير حول وجهها الأبيض و خديها الحمراوين ..
تأوهت وكدت أبكي , لكني رفعتها إلي و احتضنتها وقبلتها , أنها نسخة عن أمي الراحلة .. هذه الفاتنة الصغيرة الطيبة...
وهي تحاول قول كلارا ... لكنه يتحول لـ تارا ؟!... هذا ليس سيئا .. ابتسمت لها بحب فأخذت تتحسس وجهي بنعومة ..
دخل لوك وهو يحمل كأس عصير ضخم , ابتسم لنا بلطف ثم انحنى و حمل جيني مني , سلمني الكأس و جلس على الكرسي قربي و الطفلة بحجره يلاعبها ..
همست أشكره , فأومأ وهو يقول بهدوء : أننا نطهو شرائح اللحم والمكرونة بالجبنة .. مع عصير الفاكهة .
أخذ يداعب جيني بأبوة , بينما أنا أشرب , توقفت قليلاً , ثم قلت باحراج له : لوك , أنا .. آسفة لقد سببت لك الأزعاج , الكثير منه في الحقيقة , وأنا آسفة ..
حدق بي وقال متفاجئاً : آووه لا عزيزتي , لا أزعاج أبداً , بل العكس أنت أفضل شابة في سنك قابلتها مختلفة جداً , كما أنك أفضل مريض حظيت به . لقد ساعدنا بعضنا البعض أليس كذلك ؟!.
خجلت واخفضت عيناي , بينما تابع بمرح : ولا حتى عندما قلتِ بأنك ستصبحين مجرمة ؟!
وابتسم بحنان , كدت اضحك , قلت بتردد : أجل , كما أني أشكرك على الهدايا , أنها جميلة جداً .
ابتسم وقال بهدوء : الوشاح من جوليان أنها معجبة بك و نتمنى معاً أن تزورونا يوماً في منزلي الخاص ..
شكرته بلطف ثم فكرت بالذهاب لغرفتي كي آخذ حماماً سريعاً و ابدل ثيابي قبل العشاء.. فنظرت إلى كرسيي المتحرك...
_ يمكنك التخلي عن هذا في نهاية الأسبوع , يمكنك السير الأسبوع المقبل الى المدرسة بالعكاز .
نظرت إليه و سألت بهدوء : وهل سيكونان اثنان ؟!.
_ في البداية نعم . اننا نفصّله بشكل خاص و سنعلمك كيفية السير به بسهولة .
أومأت بهدوء بدا لي العكاز شيئا رحيماً .. ساعدني في الوصول لغرفتي ثم عاد بسرعة ليهتم بـ جيني .. اخرجت ثيابي و نظرت الى الساعة كانت تقترب من الثامنة ..
وأنا استحم تفحصت كلا قدمي و كاحلي .. يبدوان طبيعين جداً , لكنهما ليسا كذلك ..
غسلت شعري جيداً ثم ارتديت ملابسي بعجل و خرجت والمنشفة فوق كتفي حيث شعري المبلل يستقر , دخلت غرفتي وأنا اسمع أصواتهم في المطبخ وكانت جيني معهم .. جففت شعري جيداً وحدقت بوجهي بالمرآة ..
كات شكلي مريعاً , لكن ماذا أفعل لقد اعتدت عليه الآن وتلك الهالات حول عيني تصبح زرقاء , ووجهي بلا دماء وعيناي بلون غريب أخضر باهت كأنه عشب ميت رمادي ..
صمت قليلا , أبدو كالمومياء... لا أدري كيف يتحمل الآخرون النظر نحوي...! أني أجلب الغثيان ~~’ !.
تناولنا العشاء معاً وكان والدي ودوداً رقيقاً أكثر من المعتاد حتى مع لوك , الذي قال وهو على وشك النهوض سأحضر المزيد من العصير , لكن والدي أجلسه ورفض أن ينهض و قام هو بجلبه ... مع أن لوك صديق طفولته ...
عندما ودعنا لوك كرر طلب زيارته لوالدي فوافق أبي فوراً , حمدا لله أن لوك دعانا بمنزله الخاص وليس لدى والديه ..!
لم يحدثني والدي كثيراً كان يعلم بأني أحتاج لبعض الوقت ربما بالنسبة للأمر .. كنت سعيدة بهذا لأني سأنهار هذه المرة أمامه منذ البداية ..
لبست بجامتي البيضاء وجلست على سريري اطفأت المصباح لكني لم أقدر على النوم .. بالرغم من وجود الغيوم تمر بالقمر الكامل والضوء الخافت يأتي و يذهب لم يكن هناك من مطر أو أي أزعاج , المفترض أن أنام ..
لكني وضعت يداي على وجهي وعيناي كي أغلقهما رغم عنهما لأنهما يفتاح من تلقاء نفسيهما و أجد نفسي
أحدق بالسقف المظلم !....
فجأة سمعت تكة ما قرب دولاب ثيابي , فتحت عيني وأنا أزفر بحده .. في البداية لم أرى شيئا ... ثم وقع بصري على ظل نحيل طويل مألوف .. لكنه ملتصق بالجدار يرمقني بلا ملامح للوجه يراقبني بدقة و صمت ...
همس خافت جداً صدر من خلفي : أهذا زائرك الذي كلمني عنه دان ؟!.
كان ليونارد يجلس على طاولة السرير بلا أدنى صوت ولو لم يتحدث لما انتبهت له قط .. كما أنه قرب رأسي جداً كان المفترض أن انتبه له أولاً .. ألقيت إليه نظرة عندما تسلل ضوء القمر و بانت عينيه الزرقاء و وجهه الجميل ..
لم اتكلم , فقال هو مجدداً بهدوء : أنه لا ينوي اذيتك أبداً . كما أنه لا يخافني .
همست بتعب : مالذي يريده ؟!.
ضاقت عيناه و رد : لا ندري .. لكنه ... مهتم بك كما أرى !.
توسعت عيني بقلق , همست برجاء : أطلب منه الرحيل ...!
التفت نحوي بهدوء و رد بهمس : لقد سبق و فعلت , لكنه مصر على البقاء . هناك شيء ما بك يثير اهتمامه...!
خفق قلبي بتوتر , قلت وأنا اختلس النظر إلى الظل الصامت في زاوية الدولاب : اقنعه بأن لا شيء بي مثير للاهتمام !!.
_ أنهم يرون مالا نراه , اسمعي الأمر الأهم هي تلك السلسلة والجرس الصغير .. يجب أن تخرجيها من عندك كلارا...
هززت رأسي بتوتر , قلت : لكنهما ينذراني !.
_ لكنهما يجتمعان , ولكن ليس لك كلارا... سيقتلانك ..
ومض شيء بعقلي , قلت بهدوء اجتاحني فجأة : مهلاً , أنتم على حق ... ربما ليست لي. ربما لـ جيني .. نعم , أو والدي.
نفى برأسه وهو يهمس بصوت مقنع ناعم : لا , أعتقد بأنهما لك , لكن ليس و أنت بهذه الحال.
قلت ببؤس : هذا مرهق , لقد اكتفيت , سأضعها لـ جيني.
و نزعت السلسلة من معصمي لكن الظل اهتاج فجأة وتحول لدخان أسود ثم طار إلي بسرعة , حدقت به مرعوبة بينما قفز ليونارد ليصبح بيننا وهو يرفع ذراعيه أمامه ..
قال بصرامة هامسة : أخرج من هنا ..
لكن الدخان الأسود جداً أخذ يفور حول نفسه ثم تشكل على شكله السابق و هسهسة حادة صدرت منه ..
هز ليون رأسه وقال بحده : أنت تخيفها ! , ابقى هادئا أو أذهب إلى حيث تنتمي !.
اهتز الظل غضباً وهو يصدر الصوت الغاضب , وكأنه يتحدث بغضب وكأنه على وشك الأنفجار أو .. أسوأ...!
رأيت شيء مضيء يلمع بيد ليونارد الممدودة أمامي , وكأن أصابعه تضيء بتوهج متوتر !!.
_ أرجع للظلام أو اهدأ .. يمكنك الاختيار من هذين فقط , أي حركة أخرى سيحدث أمر مؤلم !.
شعرت وكأن الظل توقف عن الاهتزاز لكنه اخذ يحدق بـ ليونارد الهادئ بحقد شديد وبتموج كالدخان ..
قلت بخوف هامسة : مالأمر ليون ؟!.
بقي ليونارد واقفاً أمامي و ظهره إلي , همس بغرابة دون أن يتحرك : أنا أيضا لست واثقاً , لكن حالياً أبقي السوار في معصمك.
لكن الظل أصبح دخان مجدداً و مرق بسرعة من خلال ليونارد ليصبح بجانبي تماماً و احسست به كسحاب بارد جداً وكثيف ..
همس قرب أذني : سيلييسسس...!.
شهقت دون قصد لأن انفاسي كتمت فجأة بينما ليونارد يلتفت بسرعة و قد أظهر ضوء قوي من يديه فأضاء المكان بقوة و حرارة غريبة , فطار الظل من جانبي وهو يهس غاضباً و يلتوى ثم اختفى فجأة من النافذة النصف مفتوحة ..
_ هل أنتِ بخير ؟! , مالذي فعله بك ..
كان يمسك بكتفي ويحدق بي بقوة , قلت بسرعة : لا شيء.. لا شيء... لقد كلمني ربما... اعتقد...
كانت عيون ليونارد حمراء كالدم , و وجهه متغير قليلا , هز شعره وقال بهدوء : آوه , هذا غير مريح قط , قال دانييل بأن هذا الظل يحاول استخدامك او السيطرة عليك مهما يكن.
حدقت به وقلت سريعاً بحده : لا يهمني ما يقوله ذلك المعتوة !.
بردت عيناه ليصبحان زرقاوان ثانية ,قال بهدوء : آها ,وهو أيضاً يبدو غاضباً جداً عندما قابلته في الطريق, هل قال أنك معتوهة .. آوه لا لقد قال بأنك مجنونة وأنك أتعس شخص في العالم !.
توسعت عيناي : مــاذا ؟!!!
_ مهلك ! , كان يقصد بأنه من المحال أن يطارد ظلين شخص واحد بنفس الوقت .. هذا بؤس !.
كانت هذه القشة التي قسمت ظهر البعير ! , بؤس .. تعاسة !... ~~
احترقت عيناي بالدموع وصرخت به : وكأنني أنا من يختار هذا !! . تبا لكم .. لا أريد رؤية أحد .. ابتعدوا جميعاً عنا !!.
_ هييه هدئي من روعك .. حمدا لله أن الغرفة محمية بغطاء .. كلارا ..؟!
تمالكت نفسي وقلت بصوت هادئ غريب : هل يمكنك ان تجيب عن اسئلتي أنها قليلة !.
ظل صامتاً يحدق بي , فقلت بهدوء وعينان تركزان عليه : والدي و جيني هل هما محميان هل تطاردهما الظلال ؟!.
_ أنهما محميان كلارا , لو اراد الظل أذيتهما , دانييل قادر تماماً على ردعه .
سألت بضيق : هل هو هنا ؟!.
_ لقد رحل لمكان ما...
توسعت عيناي و هتفت برعب : من سيحمي والدي و جيني الآن ؟!.
هز ليونارد رأسه وقال بهدوء : هناك شخص آخر يحميهما بالرغم أن دان سيعود غداً ..
غضضت شفتي وقلت ببرود : أن كان الشخص الآخر قادر على الحماية فلا نحتاج أن يعود أصلاً.
رفع ليونارد أحد حاجبيه وجلس على طرف السرير و بعينيه بريق ما .. قال متسائلا بفضول غريب :
_ هل تشاجرتما ؟!. لقد تركتكما يوم واحد فقط...!
قلت أدافع عن نفسي : هو لا يكف عن اهانتي , لا أدري لما يحميني وهو يتمنى موتي من البداية !.
مال ليونارد برأسه وقال بشرود : تشاجرتِ مع دانييـل وريث الظلام و خرجتِ سالمة !...هممم !.
_ في الواقع ظننت بأنه سيقطع رأسي , لكن ها أنا أمامك !... مهلا ً قلت وريــث ماذا ؟!.
_ لا شيء...
ونهض بسرعة , قال بجدية : يجب أن تنامي , غداً لدينا عملية بحث !.
حدقت به : عملية بحث ماذا ؟!.
_ بالضبط , احلاماً سعيدة ...
_ لا .. مهلاً ...
لمس جبيني , فأظلم كل شيء فجأة .. و غرقت بالنوم...~
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
رد مع اقتباس