الموضوع: وريث الظلام
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 02-17-2018, 02:56 PM
 
( شيء خاطئ وعيون زئبقية )

شيء خاطئ وعيون زئبقية


دوى صوت خطواتي في المنزل الشبة مظلم وكأن الوقت الغروب , قلت مفكرة بدهشة , لقد شفيت بسرعة غريبة وأنا أقف على قدمي ...
حدقت بالدرج الطويل المفضي للطابق الأعلى المظلم بشكل أشد ..
ناديت : أبي .. ؟!
لكن لم أتلقى رداً ... كان الصمت شديداً .. صعدت الدرج بتوتر غريب انتابني .. مالأمر , أين أبي ؟!.و أين جيني ؟!.
مشيت بالممر في العتمة وخوفي يزداد .. مررت من نافذة الممر و سمعت صوت غراباً عالياً فوق الشجرة قرب النافذة , حدقت بضيق في الغراب الأسود الذي بادلني التحديق بعينيه السوداوين .. فتشاءمت منه و شعرت بالسؤ ...
تبا .. أني لا اعتقد بهذا !... لكني على حافة الرعب !.
ناديت بأنفاس مقطعة وأنا أحدق بالممر الذي يغرق بالظلام أكثر وأكثر : أبي ؟! أ...أبي ؟!.
مرت ثانية ثم سمعت صوت اجابني ..." تا...تاتا ... تاا ..."
شهقت وقلبي يقع من مكانه : جينـــييي !!
وركضت بالظلام أناديها : جيني ... حبيبتي , أين أنتِ ؟!... رباه جيني ..
رأيتها تزحف داخل غرفة ما مفتوح بابها , فهرعت خلفها اتخبط , لا أدري كيف لكن الطفلة وهي تزحف أسرع مني وأنا أركض !!
دخلت خلفها شبة ميتة من الرعب أتذكر الوحش ذو العيون الحمراء قد يقتلها...!
لكن ما رأيته شيء آخر تماماً...
كانت الطفلة تزحف نحو شخص ما واقف أمام النافذة التي يطلع منها القمر المكتمل الكبير ..ولم أرى ملامحه .. لكنه رجل كبير بمعطف بني , أنحنى هو و حمل جيني برقة ... شعرت به يحدق بي عندما اعتل منتصباً.
مد إلي بيده ... كانت تتدلى منها سلسلة فضية ناعمة للغاية , بنهايتها عقدة ما ... لم أفهم ....!!
حدقت به جيداً , ماذا يريد ؟!.. لكن الصمت كان مطبقاً هنا , .. كما أنني لاحظت لون عينيه الذي برق فجأة .. عينان خضراء رمادية عميقة ... وابتسامه صغيرة جداً...
_ آ آ ه ه ...!!
شهقت منتفضة بقوة هزت كل أوصالي...
_ آوه آسفة جداً , هل أنت بخير ؟!
انتبهت للخشب الذي أمام أنفي , دار رأسي لثانية ثم رفعته لأعود للواقع ... حدقت بفتاتين واقفتين قربي .. أحداهما بشعر أشقر داكن والأخرى بشعر بني محمر قصير , ينظران نحوي وكأنني مجنونة صعقت بكهرباء !.
قالت الفتاة الشقراء بأسف مجدداً : آسفة , كنتِ نائمة بعمق وقد انتهى الصف منذ وقت طويل..!
لكن الفتاة الأخرى قالت بصوت رنان منفعل قليلا : لكني لست آسفة !, بدا لي أنك تواجهين كابوساً , كنت ترتجفين فترة طويلة قبل أن نعيدك للواقع...
ثم ابتسمت بذكاء .. فحدقت بها رفيقتها بخجل وقالت بينما أنا اعدل شعري المنفوش وارتب قميصي :
_ آمم المهم الآن كيف تشعرين تبدين شاحبة ..
بللت شفتي واستعدت انفاسي لأقول بهدوء : آوه شكراً , أنا بخير...
قالت الفتاة ذات الشعر القصير بلطف : هل تحبين أن تشربي معنا شيء ما ؟.
ترددت وأنا أنظر لهما , لست واثقة .. أيمكنني هذا . أشعر بأني أود العودة للبيت لأطمئن على جيني و والدي ..متأكدة أنه ليس الذي بالحلم الغريب...! وياله من نوع غريب من الغرابة !.
_ لا أظن أنـ...
قاطعتني الفتاة نفسها : صدقيني , ليمون بارد ممتاز جداً .. بالمناسبة أنا لونا وهذه ستيلا . أنت كلآرا صحيح ؟!
حدقت بهما بتوتر , عقلي يعمل بكد وتعب ... حسنا...
ابتسمت بوهن و قلت : تشرفت , لونا , ستيلا .. حسنا لا بأس بالنسبة للعصير.
سارت لونا بجانبي و ستيلا أمامنا .. وهما يبطئان السير لأجلي .. فحاولت ألا أبدو بائسة متعبة .. بينما أحداث الحلم تدور بعقلي .. جلسنا في المطعم الذي كان واسعا جداً ومكتظا ً بالطلاب والأصوات .. حدقت بالساعة بينما ذهبت ستيلا لجلب العصير .. كانت الساعة الثانية عشرة ظهراً , كما أنه بقي صف واحد فقط لمدة ساعة و أعود للبيت...
شعرت بأني غائبة عن البيت منذ شهر ... أود بشدة رؤية أبي و جيني ... لكني لا أريد أن أكون حمقاء .. سأهدأ .. كل شيء بخير... ذلك كان مجرد حلم ...
_ إذن .. كنا معاً في صف الحساب ^^.
كانت لونا تبتسم لي , فبادلتها الابتسام .. قالت وهي تنظر حولها بحماس : هي , كان بجانبك شاب ما غريب , أعني جديد .. هل تعرفين من هو ؟!.
التفت نحوها فكانت تغمز لي مازحة .. شاب , من ؟!... عمل عقلي بتعب أكثر ولم اتذكر شيئا...
لكني عدت للنظر متظاهرة بالتفكير بعيداً نحو الشرفات التي تطل على الخارج . واتسعت عيناي , لقد رأيته و تذكرته فوراً , وكان هو أيضاً يحدق بي بعبوس وعيون حادة ضيقة ولامعه من هذا البعد ...! كان يتكأ وحده على جدار جانبي حيث لا يراه أي أحد ألا من موقعي أو قريب ...
اللعنة ! , قلت بقلبي وأنا أعض شفتي ... ماكان اسمه ... تبا كنت آمل بأن كل شيء حلم أو كابوس .. أو هلوسة غبية...
كان يحدق بي بذقن مرفوعة وبرود , وكأنه يعرف ما أفكر به ويقول ساخراً شئت أم أبيت هذا كله حقيقي ..
_ آه ..
_ ماذا ؟!... إلى أين تنظرين ؟!.
قالت لونا بفضول وهي تحاول النظر حيث أنظر , قلت لها بتوتر : آه لا شيء... فقط أردت فجأة العودة للبيت...
نظرت نحوي بعطف وقالت برقة : آه لا عليكِ بقيت ساعة واحدة , لنا جميعاً , آوه صحيح أريني جدولك لأرى أن كنا بنفس الصف , أنا وستيلا نأخذ نفس الدروس ونستمتع معاً .. ماذا عنك ؟.. سيكون جميلاً أن كان لديك صف تاريخ بعد قليل...
أريتها ورقة الجدول بهدوء وقلت بتهذيب : شكراً , هذا لطف منك .
_ آوووه ... تقريباً نفس الجدول . لديك تاريخ بعد قليل , هذا رائع .
ابتسمت لها , و أقبلت علينا ستيلا بأكواب العصير .. شربنا قليلا , لكن الفتيات كما هو واضح فضوليات لأمري .. وأخذن يسألنني من أين قدمت وأين أسكن و من هم أفراد عائلتي ..
من الجيد أنهن لم يسألن شيئا عن أصابتي .. أو مالذي حدث .. فقط كنت كالطالبة الجديدة الآن !.
سرنا لصف التاريخ كان واسعاً وعدد الطلاب ليس كثير جداً .. كما أن المقاعد متفرقة بشكل عامودي , جلسنا أنا والفتيات بمستوى واحد .. ودخل الطلاب ليشغلوا مقاعدهم .. ضاحكين مثرثرين مع بعضهم ..
وفجأة دخل ... ذلك الشاب الغريب , ساد صمت غريب لثوان , ثم عاد الكل للكلام بصوت اهدأ قليلا وبحماس متوتر وعيون فضولية إليه ...
آخ تذكرت اسمه .. ليونارد... طيب .. لا أزال لا أفهم مالذي يريده ...
سار ببطء وبرشاقة بين المقاعد مر من جانبي متجاهلاً إياي تماماً و جلس خلفي بصمت ... لقد تصلب جسدي وتوترت كثيراً بسببه .. لكني حاولت الاسترخاء أكثر وأكثر وأحاول أن استعيد حواري السابق معه....
أني مرهقة وما كان علي النوم في الصف , ولما لم يوقظني هذا الابله خلفي .. تركني نائمة وخرج .. , المهم ماذا كان يقول لي... آه ... آه ... شيئا ما عن... محاولة حل مشكلة ؟! , وأنه للمساعدة هنا....!
أني لا أرى فيه شيئا يساعد =.=" ...
دخل استاذ التاريخ , رجل بدين لطيف ... و بدأ الشرح من فوره , ولم يلاحظ وجود طلاب جدد .. هذا جيد بالنسبة لي... لا أحب أن يلاحظني أحد .. سيكون هذا مريحاً جداً...
مر الصف بسهولة وسلام .. ثم قرأ الاستاذ الاسماء وانتبه لي و ذكر كذلك اسم ليونارد ..لكنه لم ينطق اسم العائلة .. هز رأسه عندما رآنا ولم يعلق على شيء... فتاة مقعدة تبدو كالأشباح , وفتى غامض يبدو كمصاص دماء ..!
عندما هممت بالحركة , سمعته يقف .. ثم اقترب إلى جانبي الآخر من جهة الجدار ... همس وهو ينظر بعيداً وكأنه لا يحدثني :
_ سأدفعك أنا , اطلبي من رفيقاتك الذهاب , أن سألن عني . قولي بأني صديق قديم ..
رفعت رأسي أنظر إليه , آخ عنقي !.. أنه طويل . المهم أني سمعته لا حاجة للنظر إليه .. التفتُ لأنظر نحو الفتاتين اللتين تحدقان بنا بتوتر و غرابة ...
ابتسمت لهما وتحركت قليلا , فاقتربتا وقالت ستيلا : لقد انتهينا أخيراً الاسبوع المقبل ستبدأ الاختبارات التقويمية ... هممم هل نخرج الآن ؟!.
ابتسمت بتوتر وألقيت نظرة سريعة على الذي خلفي قرب النافذة , قلت بأسف أنظر إليهما : أجل لكن , هو سيرافقني...
نظرن نحو بخجل , ثم قالت لونا : آه , هذا صديقك .. صحيح !.
قلت سريعاً : أنه مجرد ... صديق قديم . سيساعدني ..
هزت الفتيات رؤوسهن تفهماً , فمن الواضح جداً لهن أن ليونارد غير مهتم أبداً سوى بالمساعدة... كما أن وجهه لا يوحي بأنه مستمتع بالأمر ...!!
قالت لونا بمرح : حسنا إذن . نراك غداً ^^
_ إلى اللقاء كلآرا...
ودعنني و خرجن سريعاً , ارتحت لهاتين الفتاتين الطيبتين ... وشكرت الله , لا تبدوان من أصحاب الفضول الشديد بل فضول طبيعي يمكنني التعامل معه...
سأحدث والدي عنهما و سيسعد هو و يرتاح قلبه أن رآني أشق طريقي الطبيعي في الحياة !.. آه ياله من وضع ...
دفعني ليونارد فجأة فشهقت وتمسكت بقوة ... قلت بتوتر : هاي , من فضلك .. استطيع دفع نفسي .
_ كلا , ابقي هادئة ..
رد علي ببروده فصمتُ وهو لم ينطق كذلك , عند العتبات كان يرفعني وكنت مصدومة جداً منه , أنه يرفعني بكرسيي وكأن لا وزن لي ..! كأنه يرفع كتاباً عن الأرض .. ثم يضعني بسرعة وخفة قبل أن يلتفت أحد نحونا ...! أنه غريب جداً ... ترى ما يكون ؟!
أصبحنا في الباحة المتربة ... أوقفني بمكان ممتاز بعيد عن سير الطلاب وقريب من البوابة حيث أرى السيارات ...
تركني و سار قليلا ليقف في ظل شجرة يراقبني بنظراته الغريبة الدقيقة .. وكأنه يتوقع أن أتحول لدودة أرض أو ماشابه !!
_ هاي كلآرا !.
التفت بسرعة نحو مصدر صوت هادئ لطيف , فرأيته .. أنه أليكس .. الفتى الهادئ... رأيته يترك رفاقه و يتقدم إلي ...
دهشت وهو يرمي لي بقطعة شوكولا من مسافة قصيرة ... امسكت بها مبتسمة بمرح ..
قلت ضاحكة : آه شكراً ..
_ كيف حالك ؟!.
توقف بجانبي وهو يراقب السيارات ...
_ أفضل , وأنت ؟!.
ابتسم وهو يرد : جيد جداً , مع أنك تبدين شاحبة مرهقة , لكنك قد تحسنت .. كيف كانت الدروس ؟!.
مع أنه في الخامسة عشرة لكني أشعر بأنه أكبر مني بكثير... تنهدت وقلت بهدوء : لا بأس بها ...
بالطبع لن أذكر بأني نمت في آخر الصف ...حدثني قليلا عن دروسه وكم كانت مملة تجلب الصداع , ثم تحدث عن الجو الملبد بغيوم بيضاء لا تنذر بشيء سيء ... بعدها بثوان سمعت صوت والدي ينادي ..
كان يقف بالسيارة أمام البوابة تماماً .. جعل هذا بعض الطلاب ينزعجون .. لكنه لم يبال بهم بل اشار إلي بيده وقد رسم ابتسامه صغيرة ... تسائلت هل جيني معه ؟!
قال أليكس : سأساعدك ..
وأخذ يدفعني برفق نحو السيارة , في حين خرج والدي .. التفت بي وانحنى والدي يريد حملي , وأمام الفتية مستحيل ..
قلت بسرعة وخجل : لا .. لا أبي أنا أرفع نفسي ...
تراجع أليكس يكتم ضحكة من تعابير وجهي ... لكن والدي طبعا لم يستمع لي .. بل بسرعة خاطفة رفعني و وضعني على المقعد الجلدي البارد ... حدقت به بغيض لكنه تجاهلني و أخذ الكرسي... تقدم أليكس وقال بمرح :
_ اراك لاحقاً , كوني بخير ...
_ شكرا لك أليكس ..
أقترب أبي وصافح أليكس وشكره وعرض عليه أن يوصله أيضا , لكن أليكس رفض لأنه سيذهب مع رفاقه للدراسة بمكان ما ... صعد والدي وراء المقود و تحرك بسرعة ...
_ هاي حبيبتي , كيف كان يومك ..؟!
_ جيد جداً , كان اليوم لطيفاً ..الدروس لا بأس بها وقد تعرفت إلى بعض الفتيات.
تعمدت البدء بالثرثرة وحذفت ذكر ليونارد الغامض وتلك الأحاديث المخيفة ..!
نظر نحوي نظرة خاطفة وابتسم بحنان, علق قائلا وهو يحدق بالطريق : آوه هذا رائع .. سترين أنه يوما عن يوم ستتحسن الأوضاع بكل شيء... الزمن كفيل بعلاج الجراح.
_ واو يالها من حكمة عميقة . لا بأس أنت محق ..
ثم هززت رأسي وقلت فجأة : مهلاً ... أين جيني ؟!.
قال أبي بارتياح : نائمة بالمنزل .. للتو تغذت ونامت تلك المزعجة الصغيرة ..
سألته بهدوء : ماذا عن عملك ؟!.
_ أني جيد تماماً بالأمور الادارية ..تعرفين هذا عزيزتي كما أن الوظيفة رائعة والمرتب ممتاز .. أنه لا يجعلني امتيازاً لشيء لأنه صديق قديم لوالدي .. لكن السيد فرانس رجل قدير جداً .
غاص قلبي فجأة وقد عادت ذكرى الحلم ... والد أبي... هو من كان بالحلم ...!! آووه .. لأن ...لون عينيه مشابه تقريباً لعيني أيضاً... ما ... ما شأنه ؟! , وما .. كان يريد.... وما شأن جيني ؟!...
تقلصت معدتي اضطراباً , فحاولت أن اهدأ ... يجب أن اهدأ ....
حدق بي أبي وقال بتردد : حبيبتي ؟!.
هززت شعري ونظر إليه احاول الابتسام و طمظانته ...وصلنا للمنزل وقدم لي والدي بعض الطعام , ثم صعد ليطمئن على جيني ...
دخلت بغرفتي وضعت حقيبتي ولم أبدل ملابسي ... فقط غسلت وجهي و لملمت شعري مجدداً .. ثم أخذت بعض كتبي للدراسة بالردهة ...
قفزت من كرسيي إلى الأريكة الواسعة بسعادة دون أن يراني أحد و يهلع .. ثم وضع كتبي على الطاولة وقربتها مني ... بدأت أحل الواجبات ... ثم ظهر أبي يمشي بسرعة ...
حدقت به وهو يفتح بعض الأدراج بعصبية يبحث عن شيء ما ..
قلت بتوتر : ما لأمر ؟!.
قال آسفاً بهدوء : آوه لا شيء مهم , أظنني وضعته بمكان ما ونسيت ..
_ ماذا ؟!
_ مفتاح الغرفة .. آه غرفة الرسم , بها أموراً أريد رؤيتها... لكنها مقفلة ولا أدري أين اختفى المفتاح !.
ضيقت جبيني .. غرفة الرسم .. اقترب مني و ألقى إلي بجهاز الاستماع الخاص بـ جيني ...قال
_ ابقي هذا معك قليلا حبيبتي .. سأبحث بعض الوقت...
أومأت بهدوء وهو ذهب نحو غرفة المكتب .. عندما عدت لمحاولة حل واجباتي , واجهتني الصعوبة وكنت أحدق فاغرة لا أفهم شيئاً ... تأوهت بحنق ! .
أني بحاجة ماسة فعلاً لمدرس خاص أو مدرسة مهما كانت !!... وهم كانوا على حق .. تباً !.
أغمضت عيناي بقوة و حككت جبيني , بعد ثانية سمعت شيئاً... فتحت عيناي بسرعة و حدقت بالجهاز اللاسلكي !.
لقد سمعت صوت تكة ما .. كأنه نافذة تفتح أو باب أو....
" تاتتا .. دوي .. مما.. ماما... تاتا... بابا...! آبا ... "
شعرت بكهرباء تضربني ... جيني مستيقظة , و كأنها تتحدث مع نفسها .. أو....
_ أبيييي !!!
ناديت بصوت عالي... فسمعت صوت خطواته السريعة راكضة .. دخل فزعا وهو يقول بعيون متسعة :
_ ماذا ؟! مالأمر... كلآرا ؟!
_ جيني ...!
فكرت قد يكون الأمر سخيفاً ... لكني تابعت بصوت مضطرب بينما والدي يحدق بي وكأنني قد جننت :
_ آه جيني ..لقد استيقظت كما يبدو , اسمعها تتكلم .. لقد افزعتني قليلاً ..
_ آوه !.
تنهد والدي ثم قال وهو يتحرك خارجاً : سأجلبها إن كانت مستيقظة ..
بعد دقيقة عاد و جيني تصفق بمرح بين ذراعيه ومعه بطانية صغيرة ولعبتها البلاستيكية وضعها على الأرض فوق بطانيتها وسلمها اللعبة .. ثم نظر نحوي وقال بوقار :
_ سأذهب لصنع القهوة , أتحبين أن تشربي قليلا ؟!.
قلت بهمس : أجل ..
أخيراً لا يعترض على شرب القهوة .. تابعت بريبة خافتة : آممم بقليل من السكر والكريمة... ربما ؟!.
أومأ موافقاً و غادر , عدت لمحاولة حل واجباتي بينما جيني تزعجني بصوتها ولعبها , آه لقد بالغت في ردة فعلي مجدداً لم يكن هناك من شيء مقلق ..
نظرت نحو الصغيرة ابتسمت لها فضحكت و قبضت على شيء ما في الأرض ثم وضعته بسرعة خاطفة بفمها , أنا صدمت رعباً وسقط فكي وأنا أحدق بها ... هي على بعد مترين تقريباً ... لذا وبلا تفكير كثير لانقذ الطفلة ..
قفزت من مكاني إلى الأرض إلا بي قربها مددت ذراعي أسحبها إلى حجري و أمسك بوجهها بين يدي وهي أخذت تقاومني بعصبية وقد أقفلت فمها بأحكام !!
صرخت بصوت مرعوب : جينيييي ! افتحي فمك ! مالذي بلعته ؟!... افتحي فمك يافتاة...!!
وحاولت أن افتح فمها ونجحت ثم سحبت بأصابعي ما كانت تحاول بلعه ... كانت قطعة فضية صغيرة .. تشبه جرس صغير جداً !
حدقت به ما هذا ؟!
دخل والدي فجأة وهو فزع قليلا وكأنه سمعني ... هرع نحونا وكان مرعوبا مني أكثر مما حدث لجيني ...
_ يا ألهي ! كلآرا مالذي حدث ؟!
_ لقد أخرجت هذا من فم جيني ...
و ألقيت القطعة الفضية بيده , حدق بها قليلا بدهشة ثم نهض واقفا و رفع جيني من بين يدي ليضعها جانبا بسلام وكانت هي على وشك البكاء وعيونها الجميلة الواسعة تلمع بالدموع .. ثم ساعدني على الوقوف والجلوس مجدداً...
_ هل تأذيت ؟! كيف اصبحت بجانبها ؟...عليك الحذر كثيراً حبيبتي.
_ أني بخير أبي لكن جينـي أ....
وقاطعنا صوت صراخها العالي و موجة بكاء شديدة فلتفت إليها أبي بسرعة و حملها يهدهدها بين ذراعيه لكنها لم تسكت بقي تبكي بحرقة وصوت عالي ... فجأة صدر صوت هسيس من المطبخ !
قال والدي فزعاً : القهوة !!!
قلت بسرعة : اعطني جيني ...
سلمني إياها رغما عنه و هرع يركض للمطبخ . كان الله بعون والدي .. أنه يعمل و يهتم بنا وبالمنزل بنفس الوقت !! .
تبا متى اشفى ><...!
صرختُ متألمة عندما أخذت جيني تشد شعري بقوة بكلتا يديها وهي تصيح غضبا مني ربما لأني اخذت ذلك الشيء من فمها المتلهف !!
_ جيني !! آآخ توقفي عن هذا ><!!
امسكتها بأحكام لكن دون قسوة و حاولت تهدئتها ..
_ ياحبيبتي الغاضبة ! هل أنتِ غاضبة مني ؟ , آوه كم أنا سيئة كلآرا فتاة سيئة .. جيني الفتاة الأجمل على الأطلاق ..
أخذت تحدق بي بريبة وأنا امسح دموعها عن خديها الممتلئين المحمرين ..واقبلها بحب واضمها إلى قلبي .. ياحبيبتي ~
بعدها بشكل غريب هدئت وأخذت تلمس وجهي بلطف وتحدق بعيني بتركيز تتعرف إلى حالتي وشعوري نحوها ...
فابتسمت لها واظهرت اسناني ... فاستغربت وهي تكور قبضتها لتدخلها بفمي ..
_ اوه مهلك يافتاة !... هنا يجب ان تتوقفي هاها ها ..جيني !.
ودخل والدي وهو يمسك بصينية القهوة يحدق بنا ..فابتسم بحب و وضع الصينية جانباً ليأتي وليجلس بجانبي ليضمنا معاً أنا و الطفلة ...
_ مالذي تفعلنه أجمل فتاتين بالعالم ..؟! هاه كم أحبكما ..
ما أجمل هذا الشعور , يجب أن احتفظ به بالذاكرة لأطول أمد .. نهض والدي وحمل جيني السعيدة به ليجلس على أريكة مفردة قربي والصغيرة على ركبتيه , ثم سكب القهوة و مد لي بالفنجان ..
ظل هو وجيني يمرحان ويتحدثان معا و أنا عجزت عن المذاكرة لصعوبة ما أجده .. فالدروس هنا مختلفة وأشعر بأنها أكثر صعوبة ودقة ... كما أني لم أحب المدرسة كثيراً مع أن بعض المعلمين تعاطفوا مع حالتي أنني جديدة وفوت علي نصف الفصل الدراسي فقال لي أحدهم أنهم سيأجلون بعض الامتحانات الدورية من أجلي .. وهذا جيد .. لكن الصعوبة ستبقى كما هي...!
أتى المساء , قام والدي بتسخين بعض الطعام الذي جلبه مجهزاً و صنع العصير بينما أنا أعد السلطة وجيني خلفي بكرسيها الخاص ترميني أحيانا باللعبة كي التفت إليها فقط .. كما أنا تنادي أبي و تظل معلقة على الكلمة " بابابابابابابابباب...."
إلى أن يرد أبي عليها برقة : نعم يا ملكة روحي....
أو من تلك الكلمات الجميلة حتى تفرح و تصمت بعض الوقت , لتعيد الكرة برميي باللعب ><"...
بعد العشاء اتصل أحدهم واستطيع ان اخمن من يكون ..
كنا بالردهة وجيني نسعِه جداً تشرب الحليب من الزجاجة فوق اريكتها وهي على وشك النوم .. اخيراً سينام مصدر ازعاجنا !
بينما أتأمل منظر الأشجار في الخارج من جانب الستار , كان والدي يحدث الطبيب "لوك" بالهاتف كلاما عادياً وتبادل تحيات ..
ثم فجأة سمعت أبي يقول بجدية : ماذا ؟! , غداً ..
ألقى إلي بنظره سريعة جداً وكأنه لا يريدني أن انتبه له لكن عيناي تركزت عليه ..
_ آه بالطبع .. بعد المدرسة , هممم ... من ؟!
فجأة تغير صوت أبي ليكون حاداً فلتفتُ إليه بكامل جسدي بقلق ... نطق كلمة "من" بعصبية !!
رأيته شاحباً وعيناه ضيقتان حادتان .. تنفس بحده وقال بصوت حاد لكن منخفض وهو يلقي بنظرة قلقه إلى جيني النائمة :
_ آوه لا . لا . لا ... لو سمحت لوك .. لم نعرف هذا ولا أظننا نريده .. لا يمكنك فعل هذا بي !!.
فتحت فمي بقلقٍ ودهشة ... مالذي يحدث ؟!
كان والدي غاضباً بالرغم من أدب كلامه .. قال مجدداً : هي من اقترح هذا ! , عفواً لكني لا أعرف اختك !!!
خفق قلبي بقوة توتراً ... هي ! أختك ...! من .. وعما يتحدثان ><!! اكاد أموت فضولاً وقلقاً...!
_ تعرفنا ربما !.. لقد وضعت بعقلي سيدة عجوز ذكية .. لا شابة غريبة , آسف لوك , لكني لا أعرف عائلتك تماماً ..ولا أعلم بأن لديك أختاً حتى .. ولا أظن بأن فتاتيّ يعرفان ويتوقعان هذا...
صمت والدي فترة طويلة وهو لا ينظر إلي لقد أعطاني ظهره وأنا أعرف عندما يفعل هذا .. فهي حانق جداً ولا يريد من ابنته رؤيته هكذا ...!
لكني رأيته من قبل كثيراً وأني معجبة بجانبه هذا , فلست قلقه .. عندما لا يكون غضبه نحوي ^^"!
قال فجأة وكأنه يقاطع المتحدث : غداً سوف نرى كل شيء ! , إلى اللقاء لوك .
و أغلق السماعة وبقي ينظر بعيداً لفترة ... بعدها التفت واتجه إلى جيني ليغطيها جيداً , رفع رأسه إلي وقال بهدوء :
_ سأبقيها هنا قليلا فهي غافية قد تستيقظ إذا حملتها... ابتعدي عن النافذة حبيبتي , قد تصابين بالبرد...
أومأت بصمت أغلقت النافذة واسدلت الستائر ثم اتجهت نحو المقاعد ..
_ ما رأيك بحليب ساخن...؟!
وافقت بهز رأسي وأنا أحدق به , فسارع بالخروج ... عاد بعد دقيقة معه حليب ساخن بلا اضافات وفنجان قهوة صغير له ...
شربت قليلا وأنا أراقبه يضع فنجانه على الطاولة ويمشي يدور في الردهة ينظر إلى التحف الصغيرة ..
قال فجأة وهو يقترب مني و يرفع شيء بيده : هذه .. أنها جزء من شيء ما لم أعرف ما هو احتفظي بها قليلا حبيبتي أنها فضية خالصة ..
و وضع بيدي تلك القطعة التي حاولت جيني التهامها .. جرس صغير جداً بحجم ظفر اصبعي الصغير .. قربته لأذني وهززت قليلاً لكني لم اسمع شيئا ..
_ لا أظنه صدفة حبيبتي !
حدقت بأبي و وجدته يقاوم الضحك , حسنا ! هل كانت حركتي بلهاء >>"...
_ ظننت جرس ما ...
_ لست واثقاً , سنرى لاحقاً .. آه يجب أن تنامي الآن .
نظرت لساعة يدي , الثامنة مساءاً .. قلت بهدوء : لا بأس , لكن أخبرني من كان المتصل ..لوك صحيح ؟! , ماكان يريد...؟!
حدثته بهذا بسرعة قبل أن يماطل أكثر ...
قال بتردد وهو يجلس على الأريكة القريبة , : غداً يريد رؤيتك بالمستشفى مع الاخصائي الذي حدثنا عنه ..
حسنا أني أعلم تماما أن لوك تكلم مع أبي بموضوعين .. الأول يعنيني وحدي والثاني يعنينا جميعاً....
فقلت بهدوء وأنا أهز رأسي : حسنا لا بأس... و...
ضيق عينيه وحك جبينه ثم خطف فنجان قهوته وجرعه بسرعة .. خفت عليه فالقهوة لا تزال ساخنة جداً..!
_ تلك ال... المربية لـ جيني وال... المدرسة لك بنفس الوقت .. ظهرت أنها .. أخت لوك , حسنا وهي امرأة شابة و بحسب ما يقول فقد تخرجت بشهادات عالية من الجامعة , تباً ..هذا لا يهمنا !.
شتم بقوة و نهض واقفاً .. دار حول مقعدة و زفر بقوة ثم هدئ نفسه بسرعة وعيناه على جيني النائمة ثم إلي ...
حسنا أنا كنت مصدومة لكني بقيت صامتة انتظره ينهي ما يقول...
_ تلك المرأة تعلم بالطبع عنا أخبرها لوك كل شيء... وهي متفرغة حسنا و تريد القدوم ظنا منها أنها تناسب الوضع . وهذا لن يروقني على العموم هي تبدو حمقاء لتتعامل مع أطفال , تعرفين نساء المدينة !! أنا لن أسمح لها بأن تدخل بيننا و تهتم بكما !.
حدقت به فكانت عيناه زرقاء جداً حانقة ... قلت بتردد : هل قلت بأنها هي من اقترح هذا...؟!
_ أجل .. حاول لوك المراوغه لكنه مضطر لأخباري لأن اخته ستأتي غداً... آوه حسنا لن يحدث ما يتوقعونه...
و حدق بشرّ في الفراغ , فهززت رأسي قائلة بنفسي نفس جملته .. أنا لا أحب الدخلاء الماكرين خاصة ..! لقد توقعت مثل والدي سيدة بدينة لطيفة ذكية و محترمة .. وليس شابة قادمة من المدينة كي تعتني بفتاة مقعدة و طفلة رضيعة لم تبلغ السنة !
جهزت لي بضعه ثياب كي استحم سريعاً بالرغم من برودة الجو .. لكني اشعر بالاختناق .. صعد والدي بجيني للأعلى ...
قبل أن اتحرك صدر صوت رنة طفيفة لا تكاد تسمع من جيب بنطالي... دسست يدي واخرجت القطعة الفضية ..حدقت بها , اقسم بأني سمعت رنة ما ... وضعتها قرب أذني و انصت كل حواسي...
سمعت صوت تكة خفيفة من النافذة خلفي , فلتفتُ بسرعة...
كان المكان بالخارج شديد الظلام وكأننا تجاوزنا منتصف الليل , لكن فجأة خفت الظلمة و ظهر ضوء النجوم الخافت ... ضيقت جبيني ... واقشعر جسدي... شيء ما .. أشعر بوجوده .. مر سريعاً جداً فأظلم الجو بسرعة و عاد ...!
شعرت بشيء غامض ثم فجأة رن الجرس الصغير من تلقاء نفسه أقسم بأني لم احركه ... صدر صوت كـ .. ترن...!
مرة واحدة .. هززت رأسي متوترة جداً , و خفق قلبي... آخ الليل هنا لا يعجبني أبداً...!
وبعد هذه الرنة الخافتة للغاية ارتعشت الأضواء لجزء من الثانية , كدت أصرخ باسم أبي لكني أوقفت نفسي بقوة !!... ما هذا ...؟! و فجأة خطر ببالي ليونارد وذلك الشاب المخيف الآخر...
فتحت باب غرفتي وشهقت عندما رأيت أبي... كان يطمئن علي فقط و يلقي التحية .. قال بأنه سيبقى مستيقظا بعض الوقت في الغرفة يقرأ .. وعلي فقط أن أصرخ باسمه أن أردت شيئا...
أومأت و غادر هو يصعد ... أخذت حماماً سريعاً ولم تكن المياه ساخنة كما يجب .. فارتجفت و خرجت بسرعة... كان شعري لا يزال يقطر.. ساعدتُ نفسي بنفسي و وصلت غرفتي لارتدي كنزة ما و أجفف شعري ..
لكني توقفت بممر الردهة المظلمة وقد رن الجرس الصغير بجيبي رنتين حادتين لكن منخفضتين وكأنه جرس مزعج يرن من بعيد... فتوترت بقوة ... هناك صوت ما يقول لي بعقلي بأن هذا الجرس ليس عادياً وهو يرن قبل حدوث شيء ما... سيء أظن...!
حدقت بالردهة بتوتر ... و رأيت ظل شخص طويل قرب النافذة البعيدة .. في البداية لم أرى والآن ظهر لي وكأنه سراب... ركزت بصري و جهزت حنجرتي للصراخ لأبي...
لكن الظل تقدم خطوتين و تعرفت إليه ... رفع يده ببرود وعيناه الذهبية تلمعان محذرتين.. مال برأسه وكأنه يتأمل شكلي جيداً...
ثم رفع بصره لعيني وشعرت وكأن مساميراً تثبتي بقوة ... ضاقت عيناه وأصبحتا رماديتان فجأة !
_ ما هذه بالضبط ؟!.
كان فمي مفتوحاً همسة لكن باردة , ما... ماا... ماذا ؟!... كأن يسأل شخص آخر... ولكن ...
_ أنها كلآرا ,.. الابنة الأخرى...
أجابه صوت عميق أتى من خلفي , وعرفت صوت ليونارد ... لكن.. هذا الذي أمامي ..
اللعنة وكأنه وليد الظلام أو شيء ما كونته الظلمة وشكلته ليكون بين الناس !... هذا الشيء الخطير !!!
شهقت الهواء بصعوبة وحاولت التراجع .. لكن لم أقدر... ظللت متجمدة لا أقدر على شيء...
_ دانييـل , توقف عما تفعله ..!
تحرك خياله و أغمض عينيه ليفتحهما ويظهر لونهما الرمادي مجدداً ... عندها فقط تنفست مجدداً و شعرت بالدم الحار يسيري بداخلي أخيراً.... مالذي فعله بي ؟!... تبا...
_ .. هذه بها شيء خاطئ... لا .. ليست ما نرى !.
ظهر صوته غريباً خافتاً و بارداً .. وهو ينظر ورائي حيث رفيقه ...
تقدم ليونارد ليصبح بجانبي ثم انحني قليلا ليحدق بوجهي وعيناي .. ضاقت عيناه وكأنني لمحت شيئا ما أحمر يمر بزرقتهما !!
_ أنا... أيضاً لست واثقاً مما أراه .. سيكشف كل شيء قريباً ..
حرك الشاب المدعو دانييل يده في الهواء وقال ببرود وحده خافتة : لا يهم أن عرفت أو لا .. المهم ألا تؤذي وإلا سنقتلها !.
من الذي يتحدثان عنه ؟!... أهي أنا .. ولم هذا الأبلة المخبول يتحدث عني وكأني جماد لا حياة لي و جماد بصيغة الغائب أيضاً ... تبا لهذه الأهانات !! ... لكن مهلاً... هل قال نقتلها ××"؟؟؟
تحدث ليونارد بحده خافتة أيضاً : لن نقتل بشرية ليس بعد...
_ لقد عملنا معاً طويلاً , لكن الآن نتجادل ... مالسبب ؟!.
و عادت عيناه نحوي وقد ومضتان بلون غريب... خفت بشدة هززت رأسي استوعب كل شيء... ثم نطقت أخيراً :
_مالذي تريده ؟!... مالذي يحدث...
أجابني بكل برودة اعصاب : لستُ أنا الذي يريد .. في كل الأحوال الهدف غامض قليلاً...!
اتسعت عيناي , وقلت بسرعة : أخبراني بوضوح تام مالذي يجري...؟! ثم كيف لكما أن تقتحمان منزل قرب منتصف الليل ؟!
هز "دانييـل" كتفه بملل واضح لكنه قال بقسوة ولفحة برد اجتاحه المكان بسرعة : إن لم نكن هنا فسيكون هناك شيء آخر أقل لطفاً منا ! , لذا وفري على نفسك الهستيريا و الهلع !.
ابتلعت لعابي و قلت وأنا أشعر بالبرد : هلا عرفتم عن نفسيكما مجدداً , ومالذي تفعلانه ؟!.
ضاق جبين الذي يواجهني والذي أشعر بأنه يود لو يقطعني على هذه اللباقة التي هبطت فوقي رأسي فجأة ..
أجابني ليونارد ببطء وصبر : هذا دانييل وأنا تعرفين من أكون .. تتذكرين طبعاً ذلك الزائر الأسود الذي سبب لك كسوراً رهيبة آه صحيح لا تذكرينها لقد عالجناها .. لكن حاولنا افقادك الذكرة كي تعيشي بهدوء غير أنها.... ماكانت الكلمة ..؟! هممم
زجر دانييـل بقسوة ولفحة هواء صقيعية آخرى تمر : لم تنجح !!..
_ نعم لم تفقدي ذاكرتك سوى مؤقتاً .. وسبب هذا أموراً أخرى .. المهم الآن أننا نحاول منع ذلك الزائر من العودة ..
كان فمي مفتوحاً أحدق به ... تحرك عقلي بسرعة لكني لم ادرك شيئا... شعرت بجسدي يبرد جداً و الدماء تنسحب مني لذكر الزائر ذو العيون الحمراء !.
_ الفتاة .. مالذي جرى لها ؟!
سأل دانييـل بلا مبالاة وهو يضع يديه بجيبه ... لكزني ليونارد في كتفي , فلتفت إليه بحده , رفع حاجبيه وقال يحدث رفيقه :
_ أنها لا تزال حية ...!
رفعت يدي و دلكت كل وجهي بسرعة ثم حدقت بهما... قلت أسألهما بقلق ويدي منقبضتين فوق قلبي :
_ ما ذلك الشيء ؟!, ومالذي يريده منا ؟!.
لم يجبني أحد لثوان طويلة , فقط تحرك صاحب العيون الزئبقيه و همس ببرود يحدث رفيقه : أرسلها للنوم !.
جزعت و قلت برعب وأنا أرى المدعو ليونارد يقترب مني خطوة : لا ...!
_ الوقت غير مناسب للكلام الآن..
_ ماذا تعني . أنا أريد...
قاطعني بنفاذ صبر : هدئي من روعك.
وقبل أن أهرب أو أحاول الهرب حتى , مس جبيني بيده الباردة كالثلج . وشعرت بدوار غريب... ثم الظلام يطبق فوق جفوني... .
---.
_ هل كل شيء بخير ؟!.
رفعت بصري ببطء ولاحظت نظرة والدي المتوترة... هززت كتفي و بقيت جامدة لا أفكر بشيء معين , كنت أشعر بالاهتزاز قليلا فقط ..
_ لم تنطقي بشيء منذ استيقاظك ولا يبدو بأن ذهابك للمدرسة غير شيئا !.
انطلقنا بالسيارة الى المستشفى و جيني نائمة في كرسيها الآمن بالخلف , لقد مر نصف اليوم الدراسي فقط و أتى والدي لأخذي في موعدي , لم يكن مزاج والدي جيداً أيضاً .. و أراهن بأن الطبيب لوك لن يفرح حقاً برؤيتنا...
حدقت به وهو يقترب منا بسرعة وقد رسم ابتسامه رائعة على شفتيه .. قال بمرح و ذراعيه مفتوحه ومعطفه الأبيض يتحرك حوله :
_ اهلاً بكما , صباح جميل .. كيف حالك أيتها الشابة ؟!
سلم على والدي الذي رد مبتسما قليلا , ثم صافحني بحرارة , وداعب وجنة جيني النعسة ليجعلها تضحك برقة ..
حسناً .. أعرف بأني أظن بأن كل الناس عابسين بوجهي .. وهذا من عذري لأني تلقيت زيارة غير ودي ما قبل منتصف ليلة أمس لشابين معتوهين كلياً ساحرين ربما , شكلاً و افعالاً .. كذلك أرغماني على النوم , لذا لا اعتقد بأني بمزاج لطيف لأجل الفحص !
دخلنا في غرفة الفحص الكبيرة , وساعدتني الممرضة بلطف على الجلوس فوق السرير العالي جداً , بينما والدي وجيني يستريحان فوق أريكة جلدية سوداء في الطرف البعيد , و أنا محاطة بأجهزة ضخمة مخيفة في الأعلى معلقة و قرب السرير...
تقدم مني لوك وهو يحمل ملفا للأشعة بين يديه قال بلطف أبوي : استرخي فقط كلارا , سنصور بعض الأشعة لنرى تحسنك ثم سيأتي الاخصائي لرؤيتك ..
قال والدي من بعيد مشجعاً : سيكون كل شيء بخير حبيبتي...
ابتسمت بوهن ولم أنطق .. قال الطبيب بدهشة : ما بك كلآرا ؟! , تبدين مرهقة...
قال والدي بعبوس من بعيد : أنها صامتة منذ الصباح لا أدري ما بها ؟!.
رفع لوك أحد حاجبيه والتفت لينظر لوالدي ثم إلي , ابتسم بحنان : متوترة من لقاء الاخصائي , آوه لا تقلقي بهذا...
فكرت بعبوس , هذا آخر شيء أقلق لأجله .. تبا !.
أجريت الاشعة بهدوء .. وكانت قدمي مخدرة بغرابة و الآخر تؤلمني قليلا مع أنني لا أدري ما شأنها... لكن ربما لا تزال متضررة من شيء ما ..
قال الطبيب فجأة بعبوس : سنجري اشعة للرأس ..
حدقت به و نطقت بدهشة و توتر : ماذا ؟!.
ابتسم لي بشكل مكلف سريع ثم التفت نحو والدي وحدّثه : للأطمئنان على الأعصاب , الشيء الغريب هو أن العصب الحسي يعمل بضعف و يتوقف أحيانا , أما الأعصاب الحركية فهي متوقفة تماماً و الأربطة توقفت عن النمو فجأة .. يجب أن أطمئن على الغدد في الدماغ , فـ كلآرا لا تزال بطور النمو كما أن هناك أمور أخرى معقدة .. و أخشى أن يتطور الوضع إلى نفسي عميق .
كنت مدهوشة و مرتعبة حقاً , بينما تحولت نظرة والدي للصدمة , وجيني بين ذراعيه , نظر نحوي بقلق بالغ لا يستطيع اخفائه أو أنا من يلاحظة بهذا الوضوح ..
_ الوضع ليس خطيراً بهذا الشكل , مع الأدوية يتحسن هذا , لكن الأعصاب تقلقني ..على كلٍ الاخصائي الدكتور "لايت" سيراك .
صور لي أشعة رأسي وأنا أفكر ببرود ربما خلل ما حقاً .. ربما أن أتخيل حقاً كل تلك المصائب .. آه ~~" .
دخلنا غرفة المكتب و نهض رجل عجوز مسن , لكنه طويل القامة جداً و رشيق كذلك , شعره فضي مصفف بعناية و ملامح وجهه طيبة كان يرتدي بذلة رمادية وليس المعطف ..
قال بمرح وهو يصافح أبي بينما عيناه تحدقان بي بشكل خاطف : مرحبا سيد موند , أنا سيركل لايت .. يمكنك مناداتي لايت فقط ..
داعب جيني بسعادة ظاهره وهي تضحك له , قال : يا ألهي كم أحب الأطفال .. أنها تبدو كملاك حقاً , ماسمها يا ترى ؟!
_ جيني ...
_ جيني ! , أنها فاتنة , مرحبا ياحلوتي ! , هل تأكل الحلوى؟! , لدي هنا حلوى بمكان ما...
ضحك أبي و قال بمزاح : أنها تآكل كل شيء تقريباً .. شهيتها دوما مفتوحة ..
_ أليست ظريفة ؟!.
بينما جيني تضحك بسعادة والجميع متهم بها , شعرت بأنني مختفية حقاً , فـ الفرار من هنا أفضل هيهيهي...!
_ كــلآرا !.
وتجمدت بينما يدي فوق العجلات أريد حقا التحرك , صوت والدي اخترق عقلي.. كان الكل يحدق بي الآن !! , ياربي اهتمامهم بي دوماً يأتي في وقت خاطئ متأخر...!
تقدم من العجوز بسرعة وكأنه يراني للتو !, أمسك بيدي كلاهما معاً وهزهما برقة وهو يبتسم بوجهي , قال بلطف :
_ لديك ملكة جمال آخرى هنا يا سيد موند , يالك من محظوظ !.
جعلني أضحك تبا له ! .. أحمرت وجنتاي سعادة , أحب الأطراء بعد أن فقدت ثقتي بنفسي , ربما لا أزال جميلة المظهر حقاً ..
كان الاخصائي ظريفاً حقا , ويمزح كثيراً .. اختفى تخيلي لرجل عجوز عابس وقاسي .. ارتحت لهذا الرجل المضحك .. وكذلك والدي ضحك كثيراً .. و ثرثروا بكل شيء تقريباً وكأننا في زيارة عائلية وليس موعد في المستشفى ..
جلب عامل ما العصير و شربنا كلنا وتناولنا الكعك وكذلك جيني , ثم لاحظت فجأة البرق و المطر بدأ يهطل بالخارج , حدقت بالساعة إلا بها الثالثة والنصف ..
أخيرا تطرقوا لموضوعي .. وكان السيد لايت قد قرأ ملفي مسبقاً , وعرف بحادثتي لكنه لم يذكرها أنما شعرت بهذا فقط .. نهض و نادى الممرضة لنذهب لغرفة فحص صغيرة وبسيطة ..
وتحت اضاءة بسيطة جلست فوق السرير وكلا قدمي فوق وسادة خاصة , توقف أمام قدمي و ظل يحدق بهما بعيون ذكية دقيقة بينما والدي و الطبيب لوك يقفان خلفه صامتين .. أمسك بقدمي بلطف وحركها شيئا يسيراً ..!
لم تكن قدمي اليمنى المصابة حقاً تؤلمني , أنما فقط لا أشعر بها .. سألني هذا السؤال وقلت له بأني لا احس بها حقاً , فعبس .. ثم تركها و عندما لمس الآخرى شعرت بالوخز .. فقلت له قبل أن يسأل : أنه ألم بسيط...
_ أين تحديداً تحسينه ؟!
_ آمم , كاحلي عند المفصل .
_ طيب , خذي نفسا يا عزيزتي ..
تركني و طلب مني أن اخفضهما من السرير دون أن تلامسا الأرض , ثم طلب بأن أحرك اليمنى , فلم أقدر , ثم طلب بأن أحرك اليسرى , فحركتها شيئا يسيراً بألم .. وقلت بأنها تؤلمني بعض الشيء...
أومأ برأسه و شكرني ثم طلب من الممرضة أن تصنع لي ضمادتين .. وقال لي بأني ربما سأترك العربة بعد قليل من الأيام ...
تبا ! , حسبتني سأتركها اليوم .. آه ليس لدي سوى الصبر ..
قال لي الطبيب لوك بهدوء : لا تحركي قدميك أبداً , كلاهما .. اتركيهما يرتاحان كي تلتئم الأربطة , فهمتني يا كلآرا...
واقفه كذلك الاخصائي , تمتمت أنا مطأطأ الرأس يأساً : حسنا !.
رتب والدي على كتفي , ثم ودعناهما على أن يراياني في موعد بعد ثلاث أيام .. وقفنا قرب البوابة وكانت السماء تمطر بغزارة وهناك رياح قوية .. قال والدي بضيق و جيني بين يديه متوترة : يجب أن أجلب السيارة .
قلت بتوتر أيضا وأنا أراقب الطريق الذي لم يبين منه سوى خيالات السيارات السريعة بسبب المطر المنهمر والرياح :
_ حسنا أبي , اعطني جيني ..
اعادني للداخل و لكنه لم يعطني جيني , بل بقي ممسكا بها بأحكام وحقيبتها الصغيرة , قال لي بهدوء : سأجلب السيارة قرب البوابة لا تتحركي حتى آتي أنا وأساعدك.
لم يعطني فرصة للرد بل غطى جيني بمعطفه وبقي هو بالقميص الخفيف ثم هرع مسرعاً للخارج . لا أدري لكني فزعت بشدة لرؤيته , وصعب علي تخيل شيء مرعب لكنه هاجم عقلي ... وكأنني رأيت والدي وجيني وسط الشارع وقد أتت سيارة مسرعة نحوهما ..
ناديت برعب : أبيييي !!... مهلاً...!!
دفعت بنفسي بقوة تجاه الباب الزجاجي الكبير , لم يكن هناك أحد سواي ... فقررت الخروج للرصيف ... كان المطر يضرب وجهي , ولم اقدر على الرؤية جيداً .. فجأة رنّ صوت صغيف بجيب بنطالي , ثم آلمني كاحلي المصاب بشدة و بسرعة وكأن كهرباء مرت به !!.
تأوهت و ترنحنت لكن لم ابقي واقفة بل تحركت فوق الرصيف أريد رؤية أبي وجيني , لكن علقت العربة الغبية عندما هبطت من الرصيف و اوقفتني في طرف الشارع المبلل بالمطر..
شتمت متألمه ولم أقدر على رؤية ما خطبها أو فيما علقت !... فكرت كثيراً بأن أقف و أركض بيأس لكن الضوء الذي ظهر أعماني ولمحت سيارة قادمة مسرعة , ظننته أبي يريد التوقف قربي , لكنها ظهرت شاحنة مزرعة مستعجلة زرقاء كبيرة ...
توسعت عيناي رعباً , ربما لم يلاحظني بسبب المطر والرياح !!
كانت تبعد عني ثانية تقريباً وأنا أستعد للقفز بقوة للجانب .. شعرت بأني أطير ! , غريب أنا لا أذكر بأني قوية في القفز لهذه الدرجة ...
أنما كانت هناك يدان تقبضان على خصري بأحكام وتسحبانني بسرعة خاطفة عالياً من مكاني , تمسكت بخوف بذراع قوية وأنا لا أرى شيئا من شدة الهواء الذي ضرب وجهي وجسدي فجأة !.
_ سحقاً !.
شتم صوت قريب من أذني و سمعت صرير عنيف لحديد ما... قلت فزعة : عربتي !.
لم ادرك بأني مرفوعة عن الأرض وأن هناك من يحملني فقط بذراعين إلا عندما وضعت فوق كرسي خشبي جانبي تحت مظلة ما ... والشخص الطويل الذي استقام أمامي وسحب يديه بسرعة وكأنني قمامة ما ..
زمجر بحده وهو يعطيني ظهره : ليــوون ؟!.
_ هاك !.
ابعدت شعري عن وجهي وأخذت أحدق جيداً... بينما تجمد عقلي عن التفكير و شعرت بالبرد الشديد...
سحب أمامي عربتي السوداء ووضعها تماماً امام قدمي .. شاهدت خيلاً آخر يختفي بسرعة خلف الشارع ..
_ اجلسي هنا بسرعة !
تعثرت بقولي : ممـ..ماذا ؟!
_ آآوه ><
زمجر الشاب مغتاظاً نافذ الصبر جداً , ثم انحنى قليلا فقط و قبض بقوة على وسطي بكلا يديهإلا بي فوق كرسيي المتحرك ..!
ما أن استقريت حتى قال بعصبية مخيفة شعرت أنه يود ضربي : لا تتحركي !
و التفت مختفياً بسرعة مثل ذلك الخيال , عرفت أذناي أصواتهما ومن يكونان قبل أن تدرك عيناي الأحداث السريعة جداً... لقد انقذاني أولاً ثم كرسيي .. وها هما يختفيا فوراً ...
توقفت أمامي سيارة عادية سوداء و خرج والدي قافزاً ...
هتف بذعر : كلآرا !!!


اقترب مني بسرعة تحسس وجهي و ذراعاي , قال موبخاً بخوف : ماذا تفعلين هنا !!.. تعالي بسرعة أنتِ مبلله , ألم أقل انتظريني حتى أجيء بالسيارة ... آه منك !
قلت آسفة بسرعة شاعرة أنني على وشك البكاء : آسفة أبي أنا....
مالذي أخرجني حقاً ؟!, تخيلاتي و خوفي... ~~"
وضع حولي الحزام ثم كرسييّ في صندوق السيارة تحرك سريعاً , ثم انطلقنا .. ظل يوبخني طوال الطريق على أنني لا اسمع الكلام و أتصرف كالحالمة المذهولة ... فكرت ببؤس أن هذا جنون , و أنني يوماً ما سأنتهي في مصحٍ عقلي !!!
كما أن جيني أخذت تبكي بحرقة مما عكر والدي أكثر و أكثر...
طلب مني البقاء قليلا , حمل جيني أولا للداخل .. ثم جلب كرسيي المتحرك , دخلت في غرفتي مباشرة قائلة بأني أريد تجفيف نفسي... كان المكان مظلماً والساعة تقريباً الخامسة مساءاً... كما أن الغيوم و المطر جعلا الجو أكثر عتمة وكأننا بمنتصف الليل ..
مسحت وجهي بالمنشفة ثم ما أن أنزلتها حتى صدمت وأنا أحدق بهما في غرفتي .. كانا يقفان متجاورين بينما رفع المدعو ليونارد
يده قليلا فقط فأغلق الباب خلفي بالمفتاح كالسحر .. بقي صاحب العيون الزئبقيه يحدق بي ببرود .
قال ليون بهدوء : يجب أن نتحدث , مالشيء الذي رأيته ؟!
دخل مباشرة بما يريد .. ضيقت جبيني و قلت بتوتر: مهلا ! , مالذي تفعلانه هنا ؟!. ثم أنت لم أرك بالمدرسة ...!
رفع ليونارد أحد حاجبيه وهمس : كنت موجوداً لكن ليس المهم أن ترينني.. إذن ... مالذي رأيته ؟!
_ رأيت ماذا ؟!.
_ تلك الفتاة بلهاء حقاً.
علق صاحب العيون الرمادية اللامعة ببرودة لكن بغضب مخفي , فتقدم خطوة وقال ببطء : هناك واحد آخر يسعى ورآءك كما يبدو كما أن هناك شيء ما يجذبهم , تبا ألا تفهمين ؟!.
قال ليونارد بصوت هادئ يحدث رفيقه ذو العيون القاتلة : دان . نحن نفترض أن هناك علامة ما , لكن الفتاة مسكينة لا تدري !.
حدقت بهما وقلت بتوتر : علامة ؟!
حرك دانييـل يده بملل واضح وهمس ببرود : يجب عليها أن تنتبه لنفسها أكثر , أحيانا تشكل خطراً على الاشخاص الذين أحميهم .. قلت لك لنقتلها فقط و ليبدو الوضع حادثاً... والدها سيتجاوز المحنة .
زاغت عيناي و فغرت فمي , قلت بحده أخاطبه : مالذي تعنيه بأني أشكل خطراً أيها المجنون ؟!!.
نظر نحوي بحده و تحولت عيناه للون الذهبي علامة الخطر , قال يزجرني : بلى أنتِ خطر !! و خطر أحمق أيضاً... فقط لو أقتلك !. لكن هناك ما يمنعني !
كدت أبكي مصدومة و مرعوبة , فهو بلا شك قادر على قتلي ... نظرت بذعر و توسل نحو ليونارد العابس... وعندما لاحظني قال بحده يخاطب رفيقه المرعب :
_ دانييل ! أرعبت الفتاة ! هذا ليس أسلوبنا .. ونحن لسنا متأكدين من..
نظر نحوي بضيق مخفي وأكمل : من .. أنها لديها... آه شيئا...!
بردت عينا المدعو دانييل , وعاد لونهما رمادي داكن .. همس ببرود بشيء ما يكلم رفيقه ثم أظلم الجو فجأة و عاد الضوء الخافت , لأرى فقط أمامي ليونارد الذي قال بهدوء :
_ هدئي من روعك , اتفقنا ؟! لا داعي للخوف هو لن يقوم بإيذائك نحن نقوم بالعكس تماماً.
حاولت أن أتحدث لكن حلقي جاف جداً , تنفست بعمق و مرت الثوان , ثم نظرت إليه وقلت بنبرة متوسلة خائفة لا أدري كيف ظهرت مني :
_ كيف... يمكن... يمكن أن أكون ..خـ... خطراً على عائلتي؟!.
كتمت شهقة و ضمتت يداي لقلبي الخائف أكاد أبكي .. رقت نبرته فجأة وهو يقول بلطف غريب وصوت ناعم :
_ قلت بأننا لسنا متأكدين , ثم من المستحيل أن تؤذي شخصا تحبه.. فقط تماسكِ أنها فترة عصبية لكنها ستمر ..
ارتجفت شفتاي و همست : أنا لن أقدر على أخبار والدي عن هذا ... كل شيء أعني...
رفع حاجبه و أجاب بهدوء : لا أظن هذا كلآرا , هل تفكرين بهذا ؟!
فكرت فقط بأن والدي سيصدم جداً , وأنه لن يصدقني , سوف يجلب لي طبيباً نفسياً و عقلياً ... وسأجلب له الكثير والكثير من المشاكل , وهو لا تنقصه هذه ...!
ابتعلت غصتي وحدقت به قلت بتوتر و قد داهم عقلي فكر آخر : لكن... ذلك الشيء هل سيعود ؟!. وما علاقته بي وكيف يمكنني أن أؤذي ؟!.
_ ما دمنا هنا لست واثقا من عودته , لكنه ماكر .. كما أننا لا نفهم ما يريده منك أو من تلك الرضيعة .. هم بالأحرى يريدون الصغار أكثر لأنهم انقياء وسهل ال... سهل جدا عليهم فعل الكثير , وهو بالطبع يريد القضاء عليك أنتِ و والدك لأنكم عائق أمامه !.
توترت وقلت وأنا أضغط زر المصباح لأن الجو أصبح معتما جداً : ح..حسنا.. لم تقل لي كيف يمكنني أذياء من أحب ؟!.
رفع حاجبه ثم ضيق جبينه متضايقا من الضوء , تراجع للنافذة وقال بهمس بارد : راقبي تصرفاتك فقط... و سترين بنفسك !.
ابتعلت لعابي وقلت بتوتر يخفي خوفاً : حسنا.. و.. تظنون بأن قتلي هو الحل ؟!.
هز كتفه وقال بهدوء عادي : ليس تماماً...
هذا الجواب غير مريح أبداً... شعرت بمعدتي تؤلمني بقوة من شدة التوتر والخوف .. قلت وأنا أتذكر العينان المتقلبتان بين الذهبي والفضي :
_ رفيقك ذاك يود قتلي بشدة .. مالذي يجعله يريد هذا مالذي فعلته ؟!
كنت أسمع صوت ضربات قلبي بأذنيّ .. فتأوهت بضيق , هذا يدل على رعبي الشديد و أشعر بأني وحيدة بمواجهة كل شيء...
_ أنه... دانييل لا يريد هذا أنما يود لو ينهي الأمر بسرعة.. ربما كان الطريق الأسهل لحل المشكلة قتلك فقط !.
حدقت به بعيون زائغة , قبل قليل كان رقيق الصوت , لكنه الآن بارد عادي وكأنه يتكلم بموضوع ممل .. و ليس موضوع يتعلق بحياتي أو موتي !.
قلت بسهولة : أنا لا أثق بكما !.
رفع حاجبيه : ثقتك بنا ليست مهمة !
آآخ شعرت وكأنه طعنني , أنه أيضا وقح !!... كلاهما متشابهان . لكن هذا الشاب أكثر هدوءا من صاحب العيون الزئبقية والمزاج البركاني !
تنفست بصعوبة فهما ليسا الوحيدان اللذان لا يهتام بمسألة الثقة ! والدي لا يثق بي أيضا !. أنا أشعر وقتا بأني لا أثق بنفسي...
هززت رأسي و شعرت بالحقد تجاههما ...
قلت ببرود : حقا ! , أليس قتلي سيسهل الأمر على ذلك الوحش لأخذ جيني ؟!. أنتما لا تفكران جيداً.
ظل ينظر نحوي ببرود و مال برأسه وهو يهمس : أشك بأنك أنت من يفكر جيداً , انتبهي لنفسك , نحن نشعر بأن لك علاقة بالوحش .. فقد أتى مرة بسبب صوتك !.
التفت في الظلام و قفز من النافذة ليختفي كلياً...
تاركاً إياي أغرق بدوامة من الرعب والصدمة !!.
لي علاقة بالوحش !!!!!!

فجأة بدت فكرة قتلي ليست بالسيئة !!! ~~"
هل وصل بي البؤس لهذا الحد ....!!
لكن قالوا شيئا عن... شيء آخر يلاحقني ! .
أغمضت عيني بقوة , أتخيل منظري أن دخل والدي الحمام فجأة ووجدني قد قطعت شرياني وسط المغطس لأموت وحدي....
... آه لا كلآرا أنت لا تستسلمين بهذا الشكل ..لن تفعلي ...
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر

التعديل الأخير تم بواسطة lazary ; 02-17-2018 الساعة 03:08 PM
رد مع اقتباس