الموضوع: وريث الظلام
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 02-17-2018, 02:43 PM
 
الجزء الرابع _ (( بلا سابق إنذار !! ))

(( بلا سابق إنذار !! ))


كان هناك ذلك الشيء مجدداً ..! , الطنين الحاد القوي ثم ضوء يصيب العمى و ضربة قوية هوت بي رأساً على عقب ... في دوامة من الظلام و الألم ~
تأوهت و تقلبت ... ما كان هذا ؟!.
..." ..... " همهمة غير معروفة تجيء من مكان ما .. حككت رأسي بقوة أحاول تصفيته من الطنين المزعج , ثم تلاشى الظلام ببطء ... رأيت ملامح منزل كئيب في الليل القاتم ... آه ... صراخ امرأة , ثم صوت ضربه وتعثر وسقوط مستمر على درجات السلم المظلم ... صوت صراخ المرأة ارعبني ... و استقر جسدها آخر الدرجات وهي شبة صريعة تقاوم الألم بصعوبة ..
صرخت برعب : أمييييي !!! كانت أمي من سقط من الدرج الطويل وهي تتلوى أمام عيني وقد بدأت تنزف بشدة الدماء .
شعرت بأنني سأموت خوفاً عليها , مالذي حدث.. لم أرى شيئا ... هرعت إليها و أنا أتحسس جسدها برعب .. انتفضت وهي تقول : " كلارا ... استدعي اباك ... آه " و خرت صريعة من شدة الألم ..
الشيء الذي لا افهمه هو رؤيتي لمنزل جدي بالتبني من الخارج .. كأنني أقف قرب شجرة ضخمة و الوقت ليلاً... و القمر بعيد و ضعيف خلف الغيوم ...آه يجب أن أجد أبي لأجل المساعدة بسرعة ... صوت بعيد يتنامى لسمعي... ثم علا ... أنها جيني تبكي من الغرفة ... نافذتها المفتوحة لغرفتها المظلمة ...
أطل ظل مريع طويل منها قطعاً ليس والدي ... حدق هذا الشيء بي ثم عاد للداخل و أقفل النافذة .وكأنه يريدني خارجاً !!!.
هززت رأسي مرعوبة مصدومة ... و ركضت نحو البيت أصرخ : أبييييي .... جينييي ... هناك غريب بالمنزل ..!!!
كنت أصارع ما أراه وما يحدث ... وفجأة ظهرت شاحنة لا أدري من أين و ضربتني و مرت فوقي بينما جسدي يتقطع تحت عجلاتها ... صرخت بألم رهيب يجتاحني و حرارة فضيعة ...

_ كلآرا ... كلآرا ... يا ألهي كفي عن الصراخ ...!!

ناداني صوت مألوف بعيد وشيء قابض على ذراعي يهزني !... ثم رشة باردة على وجهي جعلتني انتفض و افتح عيني باتساعهما ... كان وجه والدي قريباً وهو يحدق بي شاحباً جداً خائفاً ... بينما جيني تبكي بقوة خلفه ..
_ كان هذا كابوساً حبيبتي لا تخافي... اهدئي ... اشربي هذا الماء...
ادركت بأنه رشني بالماء , امسكت بالكأس بيد ترتجف بينما هو يلتفت للصغيرة , كانوا بغرفتي و الوقت لا أدري لكن الجو قاتم قليلاً... تنهدت بتعب بينما جسدي يؤلمني كله ورأسي يدور ..و يدور بصداع معذب ... ما كانت سلسلة الكوابيس المريعة قبل قليل ... أقسم بأنها أسوأ ليلة أمر بها حتى الآن ...
_ هل تحسنتِ ؟!... كلآرا ؟!
سألني والدي وهو يرمقني بقلق ... نظرت نحوه وأنا أدعك جبيني المتعرق , قلت بارتجاف :
_ بخير ... لا بأس ...
كان وجهه الشاحب و عيناه المتوترتان تقولان الكثير مما حدث .. لكني لا استطيع التذكر .. هل كنت أصرخ حقيقة ؟!.
قال بتوتر خفيف : الساعة الآن السادسة مساءاً , إن كنتِ غير مستعدة للذهاب فسوف نعتذر و...
قلت بترديد ويدي لا تزال فوق جبيني : ...للذهاب ؟!
_ آ ... للعشاء الليلة ... منزل آل فرآنس !.
_ آها , لقد نسيت , آسفة أبي ... آه بالتأكيد سأستعد الآن .
حدق بي بتركيز بينما هو يهدهد جيني التي تحدق بي هي الأخرى فوق ذراع والدي ... قال بخفوت :
_ هل تشعرين بالألم حبيبتي في ساقيك أو أي مكان ...؟!
قلت بهدوء أخفي تعبي : لا سأتناول الدواء الآن .. لا بأس علي ..
عندما خرج , كنت لا أزال أتصبب عرقاً بارداً و انتفض لا أقدر على السيطرة على يداي .. لكني بصعوبة بدلت ثيابي لتنورة واسعة و طويلة وكنزة عادية , لملمت شعري وغسلت وجهي بمنديل مبلل و كدت أقف لولا وجود الكرسي المتحرك بجانب السرير ولا وجود لعكازي !. كما أن ساقي ارسلت إنذاراً مذكراً و محذراً أيضاً...
تأوهت بضيق وأنا أتخيل نفسي أدخل لمنزل غرباء فتاة بكرسي متحركة و من خلفها والدها المرهق يحمل رضيعة بين يديه ..!!
ولم تعجبي الصورة أبداً ... هل هناك مجال للتراجع ...؟!
وظللت أحدق بالكرسي الجلدي الأسود .. طرق الباب وظهر صوت أبي خافتا : كلآرا ؟!.. هل أنت جاهزة ؟.
قلت و أنا أقفز فوق الكرسي : أجل سأخرج الآن ..
كنت أتولى قيادة نفسي , حتى توقفت برعب أمام الدرجات ,عائق لم يكن في الحسبان .. مر والدي من جانبي وهو يحمل جيني و حقيبتها الخاصة .. همس لي بشيء ما لم اسمعه .. كان الظلام يعم بالخارج و ضوء المصباح الخارجي يغمر سيارة أبي .. وضع جيني بمقعدها الخاص و حقيبتها .. ثم التفت الي و تقدم وهو ينحني ليحملني ..
قلت محتجة : لا أبي .. اسمع .. اسندني فقط أنا...
_كلآرا هيا لا وقت لدينا...
تعلقت به وهو رفعني بكل سهولة ... ربما لأنني فقدت الكثير من الوزن منذ الحادثة ..ولأن والدي رياضي منذ زمن وهو يزور النادي بانتظام لكنه توقف حتما بسبب الحادثة .. غير أنني أشك بأنه يخفي رياضته المفضلة عنا "الملاكمة" , لأنه دائما ما يلكم الناس اذا غضب و يكسر أسنانهم !!. لذلك أحمد الله أنني ابنته لأنه يستخدم اللكم لحمايتي ^^!.
فكرت بصمت وهو يضعني في المقعد ... هل لهذا السبب أرى الشبان لا يقتربون مني >>"؟؟؟! لكن هذا مريح جداً...~
وضع كرسيي الخاص ثم عاد لينطلق .. جلس ثم انحنى للخلف يتفقد جيني التي بدأت تثرثر لنفسها و تعصر لعبتها المرنة
فابتسم وهو يهمس لها برقة حسدتها عليها : من هي أروع كائن على وجه الأرض .. نعم هي أنتِ .. أنتِ تعلمين أليس كذلك ؟! .
كانت جيني تحدق إليه بعينيها الزرقاوان السماويتان الجمال وتضحك له بسعادة .. فضحكت أنا أيضاً .. لقد شعرت بشيء رائع يلف قلبي .. حدق بي أبي مبتسما و داعب مقدمة شعري ثم همس : وأنت أجمل شابة في الكون .. هيا اربطي حزامك حبيبتي...
فأطعته بلا أي اعتراض حتى ولو كانت المسافة مترين ..!
توقفنا أمام منزل كبير جداً و طراز كلاسيكي يشابه منزل جدي ... غير أنه حديقته نظيفة و مخضرة و الأنوار تسطع منه .. تضايقت عندما رأيت العتبات .. لكن جلب والدي المقعد و تبثه لأجلي حتى استقريت فوقه بصمت وقد بدأت التوتر يتسلل .. عاد ليحمل جيني و حقيبتها الصغيرة .. قمت أنا بدفع نفسي قربه و لأجل أن يبدو الجو أكثر طبيعية رسمت ابتسامه لم أعلم بأنها مزيفة إلا عندما ألقي إلي والدي نظرة غريبة متساءلة !.
فتح لنا الباب .. وظهرت لنا سيدة جميلة المظهر رشيقة القوام حتى ولو كان نصف شعرها فضي اللون مرتب و لامع بشكل جميل وثوبها أنيق ... هذا غير معقول أهي السيدة فرانس ؟!.
تخيلتها عجوزاً قبيحة لا تقوى على شيء ...! لكني أنا و خيالاتي الرهيبة ~~"

قالت بسعادة بينما أقف أنا أمام أول العتبات خلف أبي الذي تقم و صافحها :
_ يا ألهي كم أنا سعيدة برؤيتكم مجدداً , شعرت بالفراغ من بعدكم .. آه جيني الفاتنة ..
و اخذت الطفلة من ذراعي والدي بشوق وهي تقبلها بحنان بينما والدي يقول بتهذيب : مساء الخير سيدة فرانس .
_ آآوه دع عنك الرسميات جاك أرجوك .. نادني فقط جورجيا ..
شعرت بأني مختفية بينما والدي يحدثها و ظننت لوهلة بأنهما سوف يدخلون و يغلقون الباب أمام وجهي .. لكن تخيلاتي التعيسة مجددا مرت في اجزاء من الثانية أعلم بأن هذه اللحظات ستغذي تعاستي عندما أكون وحدي ليلاً و ستبدأ الهلاوس , لكني سأقاتلها هذه المرة إن عادت...
التفت إلي والدي ونزل الدرجتين وهو يضع يده على كتفي و يقول بحنان : هذه ابنتي كلآرا ..
حدقت بي المرأة بدهشة أولاً .. ثم قالت بعطف أو شفقة لا أدري : آوووه يا حبيبتي . آسفة لم أرك .. كم أنتِ جميلة .
لكني رأيت الحيرة بعينيها , ربما لأني لا اشبه جيني و والدي كثيراً .. استغربت جداً , فأنا لم أنظر لنفسي من هذه الناحية .. جاء السيد فرانس و قال ضاحكا من خلف زوجته : أتريدين إبقاءهم خارجاً طوال العشاء , آوه يا ألهي . أرجوكم ادخلوا..
أنا أنكست رأسي لا أدري ما العمل , لكن والدي انحنى نحوي و حملني... آآه يا الإحراج ... فحاولت ألا أنظر حولي ..
كانت السيدة فرانس تقول ضاحكة أيضا في ممر الردهة : آوه يا ألهي كم أنسى عندما تكون جيني الملاك بين يدي.
وأخذت تداعب الصغيرة بسعادة و جيني تضحك , وهذا أشعرني بالحنق الشديد .. لقد وثقت جيني بالغرباء سريعاً .. لم يعجبوني عائلة فرانس أبداً ..وتمنيت من كل قلبي لو أنني في المنزل مع الهلاوس .. أشعر بأنها أرحم ><...!!
كانت الردهة مضاءة جدا و فاخرة وجميلة التحف للغاية .. ل
كن هه بالطبع ردهة منزلنا أجمل و أفخم... لا أدري لم أشعر بالغضب و النبذ , لكني لا أحب الزيارات طبعا وأنا محمولة أمام غرباء ...!!
وضعني والدي بخفه فوق أريكة طويلة مريحة و همس لي : سأجلب العربة لأضعها في الممر ...
ابتسم للزوجين مستأذنا و خرج .. وبعده بثوان دخلت سيدة أخرى .. لكنها امرأة شابة وجميلة جداً شقراء وأنيقة للغاية ابتسمت لي بمرح و قالت بصوت ناعم وهي تقترب بسرعة بخطوات رشيقة حسدتها عليها :
_ لقد قابلت السيد موند قبل ثوان .. ياللروعة ظننت أنهم لن يأتون .. أنتِ مؤكد كلارآ ..
صافحتني بحب و ظلت واقفة قربي لثوان .. شعرت بالأمتنان جدا لهذه السيدة الجميلة التي لم تعتبرني خفية من أول نظرة ..
ثم داعبت جيني التي بحجر السيدة فرانس برقة و التفتت لتقول لي و للزوجين : سوف أجلب الشاي حالاً ..
توقفت فجأة و التفتت لتقول بحرج وابتسامه خفيفة : اووه يالا قلة ذوقي ! , أنا جوليان زوجة لوك. ولا أدري أين ذهب أليكس لا شك بأنه يذاكر بالأعلى , سينزل فوراً ..
قلت بهدوء و ابتسامه : تشرفت سيدة فرانس ..
ابتسمت لي برقة و خرجت .. قالت السيدة فرانس العجوز بمرح في لحظة دخول والدي : لقد حدثنا لوك عنك كثيراً عزيزتي , كم أنت فتاة طيبة .. لا شك بأن أليكس بمثل عمرك ..
ابتسمت بوهن و والدي يجلس بجانبي شعرت بالهدوء .. قال السيد فرانس معترضا : لا أليكس أصغر سنا بقليل .. أنه في الخامسة عشرة .. لم لا ينزل لقد أتوا الضيوف ؟!
تساءل بحيرة وهو يلتفت للمدخل , سأل والدي بهدوء : ألن يأتي لوك الليلة ؟!.
اجابته السيدة فرانس وهو تضع جيني على الأرض كي تحبو كيفما تشاء : آه لا مع الأسف لقد أوصل زوجته وابنه ثم غادر لديه عمل كثير...
اومأ والدي و ظل صامتاً .. جلبت زوجة لوك الشاي و الكعك و جلست على الأريكة المفردة التي بجانبي وشعرت بالسعادة لأنها لم تتجاهلني كما يفعل الجميع وكأنني طفلة في الخامسة .. تحدثت إلي بكل رقة و لطف وليس بالشفقة .. بل شعرت من كلامها بأن هنالك أمل كبير بالتغير للأفضل... اعجبتني هذه المرأة جداَ... ثم أخذت تتحدث إلي والدي كذلك بسعادة ..
فجأة أطل ظل شخص من المدخل .. و ظهر فتى أشقر طويل بجينز وتيشرت مرتب .. صدمت لدى رؤيته ... آآوه لا يمكن أن يكون هو ... التفتت إليه جوليان و قالت بسعادة : تعال يا عزيزي .. الضيوف هنا .
اقترب أكثر للضوء و بدا هو أيضا مندهشا لرؤيتي .. نظرت إليه من جانب وجهي و بقيت صامتة .. اقترب هو من والدي و صافحة مبتسما وهو يقول : اهلا سيد موند .. آسف لتأخري ..
ثم نظر إلي و قال بتهذيب : مرحباً ..
قلت بلا ابتسام : اهلا ..
وجلس على أريكة قرب جده بينما أمه تقول مندهشة من برودنا : أليكس هذه كلارآ أنتما بنفس المدرسة , ألم تلتقيا ؟!.
قبل أن أجيب قال هو بهدوء وهو ينظر في عيني : آه لا .. مع الأسف لم أرها.
فشعرت بارتياح لا أريد أن يقول لهم كيف كنت تعسة باليوم الأول وكدت أسقط على وجهي ..
أتبع الفتى كلامه : أننا في صفين مختلفين ..
قلت ببرود وعيناي منخفضة : أنا في الصف الأخير.
تأوهت السيدة فرانس الشابة محبطة و نظرت نحوي وهي تقول : تبدين أصغر سنا حبيبتي ,لكن هذا جيد لك سوف تتخلصين من الدراسة خلال سنة بينما بقيت سنة أخرى لـ أليكس ..
و ظلوا الكبار يتحدثون و يثرثرون بينما أنا و أليكس صامتين و كلانا يشعر بالملل . لقد لمحته مرتين يتثاءب .. وجعلن هذا اتثاءب أنا أيضا .. ثم حككت عيني .. الكعك و الشاي خدراني و تمنيت لو أنني بالمنزل في سريري .. بينما جيني تتمشى أو تحبو بسعادة بين أقدامنا حملها والدي و داعبها كثيراً حتى ملت منه ثم قفزت لحجري وأنا استقبلتها بكل فرح ..
لكن السيدة فرانس العجوز شهقت فجأة قائلة بقلق : آووه لا .. جيني سوف تؤذين أختك .. أليكس خذ الطفلة قليلا...
قلت معترضة بينما حدق بي والدي مثلهم : لا أنا بخير .. أننا بخير..
لكن أليكس نهض وقال مبتسما بقلق : لا بأس سأهتم بها ..
ضحكت أمه لتقول : أنه يحب الأطفال .. أليكس سيكون والداً رائعا بالمستقبل.
أحمر الصبي خجلاً و التفت ليعود للجلوس قرب جده .. و للتو لاحظت شيئا .. كان جده السيد فرانس يرمقني بنظرة غريبة .. نظرة متسائلة مرتقبة .. ليست عدوانية أبداً .. أنما كأنه يحدق إلى كائن غريب ولا يدري أهو مؤذٍ أم لا ... باختصار كان يتفحصني .. استغربت كثيراً و التصقت بوالدي وقلبي يخفق ..
قال الرجل فجأة وهو يرفع فنجانه لفمه : جيني تمتلك عيني والديّها , لكن كلآرا تبدو مختلفة .. لكنك جميلة ياصغيرتي الرمادي لون هادئ كطبعك ..
لا أدري ما خلف كلماته لكن والدي ابتسم برقة ,,, قلت بصوت بارد دون درايتي : أنها خضراء .. عيني ..
قال والدي بسرعة و كأنه يشعر بشعوري : أن كلآرا بلا شك تملك عيني من عائلة والدتها .. رمادية مخضرة جميلة ..
_ حقا ؟! , أنها تبدو لي رمادية فقط الآن .
نظر نحوي والدي باهتمام , بينما فكرت بعبوس وأنا أحدج الرجل ما شأنك بلون عيني >< ..!!
قال والدي بلطف يهدأ توتري : هذا شيء مميز حتماً , يبدو لي عميقاً ..
همهم السيد"جورج" بلا اكتراث و عاد ليتناول بعض كعكه .. بعدها ظلت الأحاديث هادئة حتى حان وقت العشاء ... بعد العشاء بقليل و الجميع يتناول القهوة , سألني أليكس أن كنت سأذهب للمدرسة غداً .. حدقت به وأنا لا أدري حقاً... قلت بتردد " لست واثقة ربما سأذهب ..." .
وفكرت بالأشخاص الذين رأوني بالعكاز ... لآتيهم في اليوم الآخر على كرسي متحرك .. ألن تتحسن هذه الفتاة أبداً ؟!.
بدأت قدمي المصابة تؤلمني بشكل مفاجئ جعلتني ارتجف لثوان .. فقبضت على ذراعي بقوة و صررت أسناني مفكرة هل تناولت المسكن و الدواء .. لكني لم اتذكر شيء .. تباً ... أصابني الصداع ايضا وبدأت أنفاسي تضطرب من الألم المكبوت ...!
انتبهت أن الجميع فجأة يحدقون بي... سألت السيدة العجوز بقلق : هل تشعرين بالبرد عزيزتي ؟!.
بينما يحدق بي والدي بتوتر مشدود .. حككت جبيني و قلت بصعوبة اقاوم الألم : لا . أنا بخير ..
قال "جورج" فجأة وهو يتمعن فيّ : لا شك بأن الصبية متعبة جداً , يجب أن ترتاح كثيراً وتتمدد .
كانوا كلهم يحدقون بي قالت السيدة جوليان برقة : اوه حبيبتي , ربما تشعرين ببعض الصداع لدي بعض المسكنات.
نهض والدي فجأة وقال برسمية وهدوء معتذراً : آسف حقا , الأمسية كانت رائعة , لكن جيني بحاجة للنوم أيضاً , وكلآرا امضت يوماً مرهقاً..
نهض جورج وهو يقول بتعاطف : نعم بالطبع .. لقد أرهقناكم .. لا بأس جاك.
تبعونا كلهم للخارج و حملني والدي و أنا لا أزال أتألم من الساقين كلاهما بدئا يحرقانني وكأن هنالك جمر داخل اللفافات !.
جلست اتنفس بصعوبة في السيارة و يداي ترتجفان محاولة اغلاق الحزام , بينما والدي يعود ليأخذ جيني من يدي السيدة ... سمعت صوت حركة غريبة بعيدة , فلتفتت بتعب أحدق في الأشجار البعيدة المظلمة .. كانت الساعة تقترب من التاسعة .. عدت كي أربط الحزام .. لكن الصوت عاد و كأنه مشي ثم توقف .. رفعت عيني بإرهاق أنظر بتوتر فألمي جعل مشاعر مشوشة ...
لكني صدمت .. وأنا أرى بين شجرتين ظل طويل ... لشخص ما واقف يتطلع نحو السيارة , لكن كل شي مظلم فيه لا ملامح ولا عيون... عيون آآه تذكرت العيون التي بالأمس .. اللعنة لقد عادت الهلاوس أنها تتشكل لي تدريجياً ..
_ حبيبتي ؟!.
حدقت بأبي الذي جلس وراء المقود و هو يعتدل و يساعدني في ربط الحزام .. قال معاتباً و قلقا بنفس الوقت :
_ لقد نسيت تناول دواءك أليس كذلك , آوه كلارا ؟!.
اضطربت و قلت مشوشة : أبي .. هناك شيء ما قرب الأشجار...!
حدق والدي إلى حيث أشير بأصبعي ولم يكن هنالك من شيء.. عاد ينظر نحوي وقال مكملا كلامه : سنعود بسرعة كي تتناولي طعامك و لترتاحي فأنت شاحبة جدا و مرهقة للغاية .. آسف لأرهاقك كان علينا رفض الدعوة الآن .
_ آه لا , أرجوك .. أنا متوترة فقط ولم اعتد على العكاز حتى يجلسوني على مقعد .. لكني أعدك بأن أكون افضل عما قريب...
هز رأسه ولم يجادلني و وصلنا للمنزل .. حدق أبي بـ جيني الصامتة فوجدناها نائمة .. قال بهمس لي : سآخذها أولاً ثم أعود إليك ..
اومأت برأسي بتعب .. فنزل و حملها ليدخل المنزل .. بينما بقيت أنا أسمع صوت الرياح .. و فجأة وخزني كاحلي المصاب بشكل قوي جعلني أتأوه ألماً و أنحني نحوه كي أمسكه بقوة .. لكن ظل يؤلمني .. قلت صارخة والدموع في عيني : هذا يكفي...!
" لا تصرخي !."
جاءني همس عجيب مع صوت الرياح و حركة الأشجار في ظلمة الليل , شهقت و أخذت التفت حولي مرعوبة أقصى درجة أضم نفسي... و هاهو مجدداً , تبا للهلاوس .. أنه نفس ظل الشخص الذي كان قرب منزل آل فرآنس ... لكنه يبدو أقرب قليلا... غير أنه مظلم ... وقد تحرك ليضع يديه حول وسطه ...
هذه ليست هلوسة !... منزلنا مراقب ..!!
كدت أصرخ بـ أبي... لكن الهمس عاد ليقول بشكل أكثر وضوحاً " لا تصرخي و إلا سيعود !! "
أخذت انتفض بمكاني و ظل الشخص مهما كان واقف على مسافة كبيرة ربما أكثر من عشرة أمتار كان ينظر بعيداً بحسب التفافة رأسه .. وكأنه يراقب شيء ما ... أخذ قلبي يقرع بقوة ... سمعت صوت والدي ينادي .
_ كلارا ...؟!
وفتح لي الباب لأرمي بنفسي عليه و أتعلق بعنقه... تفاجئ و قال وهو يحتضنني مهدأ : حبيبتي ما بك ؟!. آه أنتِ متجمدة...
قلت بتوتر مخفي وأنا أرى الشخص يختفي في الظلام : أني مرهقة جدا أبي...
ساعدني في دخول الحمام , لأخذ دشا سريعا حاراً ... ثم دفئت نفسي ببجامة داكنة ثقيلة و طويلة الأكمام ,ثم ساعدني أبي في ربط كاحلي مجدداً بالأربطة الجديدة بعد دهنهما , تناولت الدواء و كأس كبير من الماء .جلس معي قليلا يسألني أن كنت أشعر بالألم ... فطمأنته أنني بخير الآن وسط سريري و قد بدأ الألآم تختفي... قبلني على شعري برقة وهو يقول : سأكون بالأعلى أعمل على شيء ما .. تركت جيني نائمة في غرفتي .. استطيع أن اسمعكما كلاكما أن ناديتماني ..
قلت بخفوت و تعب : آسفة أبي لأرهاقك .
_ لا عليك حبيبتي .. تصبحين على خير..
وغادر الغرفة ليطفئ النور ... ثم وضعت رأسي على الوسادة من التعب نمت سريعاً...

لا أدري كم مضى علي .. كان كل شيء هادئ ثم فجأة دوى بأذنيّ صوت صراخ بعيد للغاية و كأن أحدهم يطلب النجدة !!.
فتحت عيني بصدمة و حدقت حولي وشفتي تنطقان بلا وعي كلمة : أين ؟!.
حدقت بنفسي و تذكرت كل شيء... ثم فجأة تراءت لي صورة أمي و تلاشت بسرعة وكأنني لم أرها منذ سنوات...! رفعت يدي و تحسست وجهي ... كله مبلل بالدموع ... سحبت الغطاء و مسحته بهدوء بينما يداي ترتجفان ...
مالذي يجري لي ؟! .. شيء غريب و مخيف ... هلاوس أحلام مريعة كأنها حقيقية جداً .. ألآلام لا تنتهي ... لقد اكتفيت من كل هذا ...!
حدقت بالساعة .. كانت التاسعة صباحاً .. فكرت ببرود فلتذهب المدرسة إلى الجحيم ...! رأيت الكرسي قربي فقفزت عليه .. و دفعت نفسي خارجاً بعدما اصطدمت بالباب وآذيت أصبعي و شتمت . لكني ظللت مستمرة
حدقت بالردهة متكاسلة أن أدخلها. ناديت بهدوء : أبي ؟!.
لكن لم يرد علي أحد .. توقفت أمام الدرج الطويل الذي لا أمل بصعوده , كان الطابق يبدو مظلما هادئاً. غريب , ذهبت للمطبخ ولم أجد شيء , نظرت من النافذة فرأيت سيارة والدي ساكنة بمكانها ... ربما لا يزال أبي و جيني نائمين ..
عدت للمطبخ وأنا أقول سأصنع لهم الطعام .. أخرجت البيض و الأجبان وبعض الخضار للسلطة و بدأت العمل وأنا جلسة في كرسيي أضع كل شي بحجري و أقطعه .. آآوه أنا لست سيئة .. أبدو جيدة بهذا العمل ..
صنعت عجينه صغيرة لأجل الفطائر بالجبنة و وضعتها بالفرن و قمت بصنع البيض المقلي و تقطيع السلطة و تجهيز التوست و المربى و الكريمة ... صنعت أفطاراً جيداً جداً.... ثم وضعت أبريق القهوة على النار بينما أشرب بعض العصير البارد كي اتنشط...
اقتربت الساعة من العاشرة , وأنا أسكب القهوة في فنجانين كبيرين .. فاجئني صوت مذهول
_ كلارآ ! , ماذا تفعلين ؟!.
التفتُ لوالدي و قلت مبتسمة بأشراق قدر ما استطيع : صباح الخير أبي .. وضعت لك قهوتك سوداء كما تحب.
بالرغم من نظرة الذهول في عينيه وهو يحدق بالطاولة المملوءه بالأصناف - قال معاتباً وهو يرفع يديه باتجاهي :
_ لكن ... عزيزتي , قد تؤذين نفسك .. لا تفعلي هذا ماذا لو حدث لك شيء ما ؟!.
قلت بامتعاض وهو يقترب مني قليلا لينظر إلى الفرن خلفي لعله يحترق : أن كل شيء بخير , يداي كما ترى و عقليتي بخير جداً..
حدق بي قليلا ثم ابتسم اخيراً و انحنى نحوي كي يضمني بحنان و تقدير همس : أنتِ تفعلين دوماً مافي رأسك أليس كذلك ؟!
قلت بمرح : أجل ألستُ اشبهك طباعاً .. لا تتذمر إذن.
ضحك بصوت عالي اسعدني ... ثم فجأة تعالى صوت جيني تبكي... قال بسرعة وهو يهرع للباب : أظن بأن الجميلة النائمة استيقظت...!
مر اليوم بسلام فقد خرجا في نزهة بالبلدة الجميلة بالسيارة و توقفنا عند عدة محلات يشتري منها أبي اطعمة , كتب , أدوات مكتبية لأجل عمله القريب , وجلب جهاز خاص للاستماع للأطفال عندما يكونون بغرفة بعيدة , فكرت بأنه مفيد جداً ..
كنت استمتع بيوم العطلة الجميل هذا و جلسنا كلنا معاً على تلة جميلة قرب الأشجار و تناولنا الغداء ونحن نتحدث قليلا , استلقى والدي ليغفو وبقيت أنا و جيني نلهو قربه حتى فجأة اقتربت غيوم لتغطي الشمس ببطء ...
فتح والدي عينيه و حان وقت العودة للبيت ..
كان أبي يصنع العشاء بينما جيني تنام قليلا في الردهة أنا تسللت إلى غرفة البيانو .. وجدت آلة الموسيقى و مكتبة صغيرة بها تسجيلات وبعض الكتب الموسيقية ... لم آبة لها وأخذت أعبث بالأدراج .. وبينما كنت أمد ذراعي بطولها داخل درج ضيق ... لمست شيئا رقيقاً .. كأوراق مجمعة معاً... مندسة تحت كومة من الاسطوانات ..
سحبتها بحذر ألا تتمزق , و بالفعل ظهرت مجموعة من الأوراق القديمة الصفراء .. قرأت التاريخ , آوه يعود ربما لخمسة عشرة سنة و أكثر .. ضيق عيني .. خط اليد صغير وأنيق لكنه مستعجل جداً ومكتوب بالفرنسية أظن .. تباً .. أنا أبدا لم أكن جيدة بهذه اللغة >>!.

وضعت الأوراق فوق الطاولة , و تابعت عبثي بالدرج الطويل هذا .. تلمست اصابعي سلسلة ما... سلسلة صغيرة ناعمة و...
_ كلارآ ؟؟!.
افزعني ابي فلتفت بسرعة و دفعت بالأوراق في الدرج و أغلقه .. ثم ظهر أبي ينادني بهمس عالي قليلا : ماذا تفعلين ؟!.
_لا شيء...
_ هيا لتناولي العشاء .

بعد العشاء أخذ والدي جيني للأعلى و معه أيضا زجاجة حليبها في حال أن استيقظت جائعة ... جاء إلي وكنت جالسة على الأريكة في الردهة و بين يدي كتاب لا أدري ما عنوانه .. مر بي والدي سريعاً و قال بهدوء وهو واقف قرب مدخل الردهة المقوس
_ سأكون في غرفة المكتبة هنا أرى بعض أوراق العمل , ناديني أن اردتِ النوم .
قلت بهدوء : حسنا " ... وأنا أفكر بأنني سأمر عليه فقط لألقي التحية لا لأجل المساعدة .. بعدما ذهب بدقائق لاحظت جهاز الاستماع الخاص بـ جيني على الطاولة البعيدة ... فكرت لقد نسيه والدي هنا .. لكن مؤكد بأن الآخر قرب جيني النائمة ...
مر وقت طويل وأنا اقرأ و عقلي في خمول غريب ... لم يكن نعاساً أنما خمول حتى عن التفكير , نظرت للساعة فكانت الحادية عشرة .. صدمت لثوان , هل ظللت اقرأ لساعتين !!. يجب أن أنام باكراً حتى ولو لم تكن لدي نية للمدرسة غداً ..
سحبت المقعد المتحرك قربي و جلست عليه بحذر .. ثم ذهبت لغرفتي و لبست منامتي و ربطت شعري الداكن ثم عدت للردهة اخذت جهاز جيني و اطفأت المصابيح ... دفعت نفسي لغرفة المكتب التي بآخر الممر و طرق الباب ثم فتحته .. فوجئت بـ أبي نائم فوق المكتب .. والضوء مسلط عليه وعلى شعره البني الداكن ..

_ آوه , تأوهت بخفه , والدي حبيبي العزيز يبدو في غاية الأرهاق .. فكرت هل اوقظه ؟! , لكنه سينهض و يعود للعمل .. اقتربت منه و اخذت معطفه الملقى على كرسي قريب وغطيته به ثم قبلت جانب وجهه .. يبدو الكرسي المكتبي مريح نوعاً .. لن يتألم من ظهره ان استيقظ ..
غادرت المكتب و صعدت لفراشي غطيت نفسي جيداً و وضعت جهاز جيني على طاولة السرير ...

ظننت بأنني غفوت لثوان , لكن شيء ما لمس جانب وجهي ففتحت عيني مرعوبة و بشهقة غير مقصودة ... نظرت في الظلام حولي ...لا شيء... تنفست بسرعة وأنا انصت .. متأكدة بأني سمعت شيء خفيفاً , صوت كـ .. غطاء يسحب على الأرض...
نظرت للضوء الطفيف القادم من أسفل الباب , مصباح الممر لا يزال مضاءاً ... ظللت احدق بقلق .. فجأة مر ظل سريع يغطي الضوء ويعيده ... شخص ما يركض بالممر !!! .
شهقت برعب لا يوصف !!. هنالك لـص في المنزل !!!. .. يستحيل أن يكون أبي ... نظرت لساعة يدي لتضيء بشكل خفيف .. تشير الساعة الى الثالثة فجراً ...!!
انتفضت بخوف , والدي لا يمكنه أن يركض هكذا في المنزل بهكذا وقت .. ولمَ يفعل , الجزء المرعوب بعقلي يحاول أقناعي بأنه أبي و أن علي فقط أن أندس تحت الأغطية أدعو بمرور الليلة بسلام ...!
لكن صوت ما جعلني اقفز من مكاني ...
" ... هسسس ...!! " وكأنه صوت أفعى ضخمة ... ثم " وآآآآء ....وآآآآآآآآآآآآآآآ "
صراخ جيني !! ... أنه صادر من الجهاز قربي... هناك شيء ما مرعب عندها في الغرفة وهي وحيدة ....ربما والدي لا يزال نائما في المكتب ...

لست أدري كيف فعلت ذلك لكني قفزت على الجدار اتمسك به , وقد أمسكت بيدي بشيء لا أدري ماهو و ركضت أفتح الباب و ثم فجأة صرت أصعد الدرج بسرعة لا أشعر بأي شيء... لا أعرف أين تنام جيني لكن صوتها قادم من الظلام ... ركضت بجنون ودخلت الغرفة ... لأصقع بمنظر رهيب ...!

كان هناك شيئا ما ,, ظل طويل جدا يصل للسقف رأسه و يحيط به هالة من الظلام الأشد اسودادا من أي شيء رأيته في حياتي .. كان هذا الشيء يملك عيناي مشقوقتين حمراوين كالجمر , والذي أرعبني لحد الموت أن له يدان كالسيوف يحمل بهما جيني التي تبكي بخوف شديد ...
حدقت بي بعيونها الخائفة الباكية... اقسم بأنها تستنجد بي ... صرخت بقوة وأنا أركض إليه كالمجنونة : اتركهااااا ....
و أخذت أضربه بكل قوة بالشيء الطويل الذي امسكه ظهر بأنه عكازي.. حاولت أن ادفعه بجسدي لكنه وجه لي ضربه بصدري ..وكأن سكينا من جليد اخترق قلبي فارتجفت كل اوصالي .. ان كان يظنني سأستسلم بسهولة فهو مخطئ مهما كان هذا الشيء....
تعلقت به احاول الوصول لـ جيني ... وضربت أحد عينيه بالعكاز الذي امسكه ...
لكنه اللعين رد لي الضربة وشعرت بالأرض تبتعد وأنا أطير عالياً ... اصطدمت بالجدار خلفي بقوة وسقطت على ذراعي التي التوت بشكل مريع . صرخت ألماً ثم رفعت رأسي بجهد جهيد و رأيت شيء آخر يقفز من زاوية ما ...
كان ظلا بشرياً على الأقل , و لدهشي ذلك الشيء ذو العيون الحمراء تراجع بعيداً .. الظل البشري لم يفعل له شيئا سوى أنه قفز عليه و اختطف "جيني" من بين ذراعيه المرعبة ...
صرخ صوت غريب للغاية من خلفي : اقتله !!. بحق الأله !!. اقتله...!
دخت بشدة و صرخت ألماً عندما أمسك بي بقوة شيء من الخلف.
_ بها خمسة كسور على الأقل ! . توقفي عن الصراخ .
لكمت المتحدث المزعج البارد ...على وجهه كما شعرت من خلف ظهري .. لكن جسدي ارتفع عن الأرض...
_ الجحيم !!!.
زجر صوت بارد مخيف من الواقف قرب النافذة . وهو يعيد جيني الى سريرها , وقد مسح بخفه على وجهها و فجأة هدأت نهائياً و أغمضت عينيها ..
تطلب مني الأمر خمسة ثوان لاستوعب ما يجري حولي .. هناك شخصين هنا .. و الظل ذو العيون الحمراء اختفى وكأن لا وجود له ...!! بينما أنا محمولة بين ذراعي شخص بارد للغاية .. أعني بارد فعلياً وكأنه تمثال جليد ...!!
شفتي نطقتا بلا وعي مني : النجدااااااااة ... أبــــــــي ....!!
_ أنها لا تدرك بأن النجدة هنا بالفعل .. ألم أقل اخرسي...!
اللعنه عليه , سوف أموت ألماً وهو يصرخ بي... ضربته مجددا على وجهه بذراعي السلمية .. وأخذت أرفس وأقاوم ...
_ هل تريدنني أن أسقطك أرضاً ... بحق الأله ! اهدئي الآن...
قال كلامه بشكل أرق قليلاً بالرغم من حدته .. وضعني على كرسي كبير وارتد قليلا , كنت اترنح و أرى الأرض تقترب و تبتعد كما أن النجوم ترقص أمام عيني وفي رأسي حفلة من طنين رهيب مؤلم..
لكن زجر نفس الشخص الذي قربي .. فزعت حسبته سيقتلني ... لكن بسبب الدوار و مقاومة الأغماء اسمع الكلام متأخراً
_ لقد جعلته يفلت عمداً !! , أنت حتى لم تخدشه !!.
_ لن اقتله ! , أنه لم يقصد الأذية ...!!
قال الصوت البارد ببطء و بكسل لا يحتمل , بينما لم استطع رؤية صاحبة جيداً , لكن ضوء القادم من خارج النافذة وضحت لي معالم لشخص طويل بجسد ممشوق وذراعين بعضلات مفتولة معقودتين فوق صدره ... لكن هناك... عيناه .. عينان مستحيلتان !! ...
لا يمكن أن تكون ... ذهبي داكن يسبح حول بركة من الرماد المنطفئ... جمع أغرب لونين في الوجود ينكر كلا منهما الآخر " الذهب " ذو القيمة الرهيبة ..,..... "الرماد" الذي لا شيء ...!.
زجر الصوت الذي قربي مجدداً فانتفضت من شدة حدته و برودته :
_ سحقاً , "دانييـل" ! أنت تراه يكاد يقتلهما معا .. لمَ لم تتدخل منذ البداية ؟.
_ لن تفهمني "ليونارد" . أليس كذلك ؟! , أنظر لفتاتك سوف تموت حالاً ان استمريت بمجادلتي و تجاهلها !.
كنت ارتجف اضطراباً خوفا , بل رعباً و برداً , فالجو فجأة اصبح جليدياً قاتلاً .. بينما صاحب العينان البركانيتان تحدقان بي بحقد لا أفهمه !..
شعرت بلمسه خفيفة على كتفي .. ثم صوت هادئ قريب مني : هيه , كلآرا قاومي قليلا .. سوف اساعدك.
واخيرا صوت لطيف بعض الشيء ~~"
ارتجفت وأنا اهمس بخوف : لا تؤذي جيني .. أرجوك... جيني...
_ ستكون بخير , لا داعي للقلق...
قلت مجدداً وأنا اترنح لا أرى أمامي : والدي... والدي ...
_ أنهما بأمان كلاهما .. حاولي ألا تصرخي اتفقنا , سأحملك. تماسكِ ..
عندما دس بذراعيه حولي شعرت بهما كالجليد والألم هاجمني بقوة من كل مكان حتى رأسي أشعر به سينفجر ...
أخذت اشهق كاتمة صرخاتي ... آآه الوضع لا يصدق ... أنه من أسوأ الأحلام أو الكوابيس أو الهلاوس... أنها أسوأ من الحقيقة أو واقعي الذي اعيش به... وضعت يدي السلمية بفمي أعضها بقوة من شدة الألم و دموعي تسيل كالنهر...
_ آسف جداً لما حدث , سأزيل الألم سريعاً عنك .
قال بصوت هادئ للغاية , لكني لست واثقة بأنه آسف حقاً !! .. وضعني فوق سريري , و بالكاد رأيته , اقصد خياله , كان يشبه قوام ذلك الشخص , طويل ورشيق وقوي وصوت بارد ... لكن عيناه مختلفتان ... بلون بركة جليدية في الظلام... زرقاء باهتة هادئة و... متجمدة ...!

همس بهدوء وهو يضع يده الباردة البيضاء على جبيني : أولاً يجب أن تنامي ..
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
رد مع اقتباس