الموضوع: وريث الظلام
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-17-2018, 02:40 PM
 
الجزء الثالث _ { رؤية في ضباب}

(( رؤية في ضباب ))

لم أجلس بالمطبخ بل أخذت أبحث في الثلاجة و الأدراج , يبدو كل شيء معداً , ربما طلب والدي من الشركة أن يشتروا الطعام... دخل أبي و صنعنا معاً شطائر كثيرة و حليب دافئ لي و شاياً له , رغم اعتراضي لكنه يحتج بأن الحليب مفيداً جداً لساقي و عقلي . لقد بدأت أشك بأن والدي يعتقد بأن الاصابة بعقلي أو رأسي أشد من ساقي و هذا جعلني أعبس كثيراً !!.
_ هيا إلى النوم !.
قال أبي بسعادة مزيفة , قلت ببرود و أنا أراقبه بدقة : لا أريد النوم الآن فالوقت ظهيرة !.
_ إذن إلى القيلولة !.
_ لمَ لا تذهب أنت ؟!.
قلت ببرود , فعبس ثم فتح فمه ليجادلني لكن جرس الباب رن فجأة ....
حدقنا ببعضنا بدهشة فنحن قطعاً لا ننتظر أحداً , ثم نظر أبي حوله و نهض ببطء , قال لي بهدوء : أبقي هنا...
مشى بصمت , ورفضت طبعا البقاء جالسة فسرت خلفه بأقصى حذر ألا يصدر العكاز صوتاً.
فتح والدي الباب و ظهر رجل عجوز لطيف المظهر و .... صدمت ... الطبيب .. ذلك المزعج طبيب العظام ><...
قال لوك فرانس بمرح : مساء الخير ! , آسف لإزعاجكم لكن والدي ما أن سمع بقدومك حتى أصر على رؤيتك سيد موند ... هذا هو أبي جورج فرانس ..
قال الرجل العجوز بمرح وعيناه الفاتحتان تلمعان بسعادة : جاك !! , جاك براين موند.. لا تزال عصبياً تكره المجهول هاه...
وصافح أبي بحرارة كبيرة وكان والدي سعيداً وهو يرد عليه .. قال الطبيب فجأة بمرح وهو يحدق بي : وهذه ابنته الكبرى الجميلة .. كلآرآ !.
و أشار إلي , ثم غمز بعينه ضاحكاً وقال : كيف حالك عزيزتي ؟!.
ارتبكت وتغير وجهي هذا حالي دائماً عند التعارف الأول لأي شخص .. لأن كلهم يحدقون بي باستغراب أولي ..
كان العجوز يحدق بي بتركيز غريب , ثم قال بهدوء وعينيه ثابتتان علي: أنها جميلة بشكل ما , لكنها تشبهك جاك .. غير أن عينيها تشابهان عيني براين .. خضراء باهتة . عساها لا تملك صفاتك ..
بادلته التحديق باستغراب و توتر بينما هم يضحكون ..
عيناي تشابهان جدي بالتبني ! , أنه يمزح بلا شك ...هذه مجرد مصادفة ..
قال والدي بسعادة : أرجوكما أدخلا . أني على وشك إعداد بعض الشاي ..
قال الطبيب معترضاً بلطف : لا نحن آسفون على الإزعاج , نعلم بأنكم للتو وصلتم لكن والدي أحب رؤيتكم فقط ..
قال العجوز جورج بلطف : نعم سوف نراكم في وقت لاحق , أرجو أن ترتاحوا .. منزلنا شرقاً على بعد ميل واحد فقط تقريباً...
أومأ والدي وهو يقول برقة : آوه حسنا إذن.
ودعانا و غادرا إلى سيارة جميلة زرقاء داكنة , هي سيارة الطبيب بلا شك .. قلت بنفسي بأسى آآآه يا ألهي لا يكفيني فقط أنه طبيب و ينوي علاجي بل صديق قديم أيضاً و ينوي زيارتنا كثيراً >< ... أين يمكنني الهرب ؟!. لاشك بأنه وأبي سوف يجتمعان كثيراً و سوف يخبره بكل شيء عما أعاني وفي النهاية سيرتعب أبي كثيراً ~
اطمئن علي والدي عندما اصبحت في سريري و تغطيت كلياً فارتاح وجه ..
قلت ببرود : هل ستبقى طوال الوقت هنا تراقبني لعلي أسقط على وجهي !!.
حك شعره بتوتر و دقال : لا , لم أنتِ غاضبة دوماً و منزعجة ؟... حسنا سوف أذهب و إلا ستحرقني نظراتك .
غادر إلى الأعلى لينام قليلا . لكني لم أنم أخرجت كتاباً ما و جلست أقرأ بعض الوقت .. حتى غلبني النعاس رغماً عني ... ورحت في دوامة ثم ظلام .
سمعت ضجيجاً , حديثاً و خطوات حولي , المكان مظلم عندما فتحت عيني بكسل ثم أغمضتهما شعرت بأحد يدخل الغرفة و خطوات قرب سريري , ثم صمت بعدها خرجت الخطوات بهدوء .. مؤكد بأنه والدي دخل ليطمئن علي !. أن باله غير مطمئن ..
تحركت أكثر ثم جلست و حككت عيني , بعدما صفت الرؤية كان الوقت ليلاً و الساعة بجانبي تشير إلى السابعة !
ياه نمت كل هذا ... انصتُ بتوتر ... همهمات جيني و صوت أبي يحدثها .. تلفتُ حولي وجدت وعاء من الماء و كأس صغير ... بللت منديلي و مسحت وجهي ثم رتبت شعري و ثوبي ...
خرجت إليهم بهدوء .. كانوا في الردهة و والدي يتحدث بالهاتف بينما جيني تلعب على الأرض بألعابها .. رأتني فسعدت بي و أخذت تناديني " تاتا .. تاتا ... " < فهذا اسمي عندها
اقتربت منها و والدي يلتفت و ينظر إلي بينما يستمع للهاتف .. جلست على الكرسي ثم حملت جيني إلى جانبي .
أغلق ابي الهاتف , فقلت له : لمَ لم توقظني لقد تأخر الوقت ..
هز كتفيه بشكل عادي ثم توجه للطاولة الصغيرة لاحظت أن عليها أبريق صغير من القهوة و فناجين , سكب لي فنجان و اعطاني ... قال وهو يجلس على أريكة مجاورة وبين يديه فنجانه :
_ اردتك أن ترتاحي فقط ..هل تشعرين بالألم ؟!.
هززت رأسي نفياً , فأنا لا أشعر سوى بالثقل وأنا أسحب قدمي هنا و هناك ..
سألت وأنا أرى جيني بشعرها المسرح وثوبها الأصفر الجميل رائحة البودرة العطرية تفوح منها ..
_ هل أطعمتها ؟!.
_ وما رأيك ؟! , أأترك طفلتي الجميلة تموت جوعاً , هل ترينني أحمق كلآرا .
كان يسخر مني وهو ينظر نحوي باستخفاف وابتسامة !, واو والدي يجيد جيداً الاهتمام بـ جيني ربما أفضل مني ~~" !
_ سوف نزور المستشفى غداً صباحاً و كذلك جيني لأن لديها بعض التطعيمات .
آوه تأوهت بداخلي فاجئني قوله وعودته للجدية بسرعة , هل يجب هذا ؟! . رأسي يؤلمني من كل هذه الأجراءات .. لا أحب أن اسمع كلمة مستشفى فما بالي بالذهاب إليه كل فترة ~~.
_ لا تنظري إلي هكذا , يجب هذا عزيزتي , و كذلك المدرسة سنضع أوراقك بها أن أردتِ حالاً .. أو تحبين أن ننتظر بعض الوقت...
قلت سريعاً : لا أبي , لا بأس بالنسبة للمدرسة أحب أن أبدأ قريباً. لقد تأخرنا كثيراً .. " لقد مضت ثلاث اسابيع على بدء الدراسة ! "
حك والدي جبينه يفكر وعيناه الخضراء الفاتحة تضيق علي .. تردد وهو يقول : ربما .. تحتاجين مرافقه أو ...
رفعت حاجبي دهشة أهذا ما يفكر به ! , قلت بسرعة معترضة : لا احتاج لشيء أبي !. سأكون بخير !.
رأيت نظرة التفكير بعينيه مجددا , فقلت بأقصى هدوء أملكه بهذه اللحظة : يجب أن تصدقني أبي , سأكون بحال جيدة .. أني أتدبر أمري تماماً مادمت لن آتي للمنزل مشياً... أن أمر المرافقة شيء اعتبره سخيفاً و مبالغٌ به .!
رفع أحد حاجبيه فابتسمت له ولدهشتي ابتسم هو أيضا و قال بهدوء لكن بتردد خفيف : حـ...سنا عزيزتي , غدا سوف نذهب للبلدة ..
أنا أعلم تماماً بأن حسنا هذه المختصة بوالدي هي لا تقصد "أجل" , بل حسنا سوف أرى لحين !. لكني هززت رأسي ...
وفجر اليوم التالي كنت غافية تقريباً و ظننت بأني سأغرق بالنوم مجدداً لكن سمعت صوت قادم من الخارج ... من الغابة في الليل , عدتُ للنوم وأنا أقاوم شعور مزعج بالضيق والبرودة التي تتسلل .. سمعت الصوت مجدداً وكأنه تنفس لحيوان ما مخيف , لكن رأيت أبي من النافذة يسير في الظلام خارجاً ... يا إلهي ! أين يذهب ؟! , كان هناك شيء ما يتبعه ! رأيت ظل غريب ... ناديته بصوت عالي خائف " أبـ... أبــــــــي ؟!!! "
فجأة فتحت عيني بقوة على صراخ عالي .. "جيني" تبكي بحرقة و تنادي "مـ ...ما ما...ماما " !.
ارتديت ملابسي على عجلة و يداي ترتجفان لا أدري لمَ بينما قلبي يخفق بقوة مرتبكاً , قلبي يرتجف رعباً أيضاً كان ذلك حلماً مزعجاً وكأنه تسلل لعقلي !, لم أشعر بنفسي نائمة !!.. . مالذي يحدث لي , ولمَ أرى أحلاماً مخيفة عن والدي ؟!!.
خرجت للردهة .. رأيت أبي يحاول تهدئة جيني وهو بقميص و بنطال قطني خفيف .. كان واضح عليه الأرهاق و شعره مبعثر ... اقتربت منه بسرعة و قلت وأنا أشير للأريكة :
_ أبي , أبي اعطني جيني و اذهب لتغتسل .سأعتني بها...
لم يكن هناك من خيار , حملت جيني بين ذراعي بحرص شديد وأنا أجلس منهكة وكأنني كنت أركض .. بينما هرع أبي للأعلى وهو يقول : سأعود بسرعة...
هدأت جيني فجأة معي وأنا أضمها بحنان و أقبلها " يا حبيبتي الصغيرة , لا تقلقي بابا و تاتا لديك هنا... ".
عاد أبي بعد دقائق سريعة ببنطال جينز و قميص أبيض وجاكت جينز بذراعه , قال بهدوء : هيا حبيبتي أجلبي معطفك سنذهب...
وبينما أنا بغرفتي أرتدي بلوفر خفيف لأن الجو فجراً بارداً جداً و مظلماً .. سمعت أبي يتحدث بهاتفه .. لكن مع من ؟!.
كان قد وضع جيني الهادئة في كرسيّها الخاص بالخلف , وظل يسير ورائي كي أصعد ...
قلت بتذمر : أنا بخير أبي..
_ أجل صغيرتي..
لكنه بقي يساعدني حتى ربط لي الحزام ثم دار حول السيارة ليصعد خلف المقود و لننطلق قبل شروق الشمس حتى .. كان هناك القليل من الضباب في جوانب الطريق قرب الأشجار .. مررنا بمنزل كبير قابع بالظلام و هادئ و جميل ... فكرت بأنه لا شك منزل السيد " جورج فرانس ".
فجأة قال أبي فزعاً وهو يلتفت نحوي : لقد نسيتِ تناول الإفطار !! يا ألهي ..
حدقت به فزعة من لهجته وليس بسبب كلامه , قلت بضيق : لا بأس أبي , سنتناوله لاحقاً , لكن جيني هل جلبت حقيبتها الخاصة...
_ أجل أنها بالخلف , بها بيجامة احتياطية و زجاجتها وعلبة الحليب و أوراقها المهمة .. لكن ماذا عنك أنتِ حبيبتي. .
كانت حقيبة ذراعي الصغيرة معي .. وبها نسخة من ملفي بالمستشفى وكل أوراقي ...
_ إن الحقيبة ثقيلة من هذه الأوراق...
كان ينظر إلي بقلق بعد كلماتي .. وصلنا للمستشفى وكان كبيراً جداً بثلاث مبان ضخمة وسط البلدة , ظننت بأنها بدائية قليلا لكنها متقدمة جداً و كأنني بالمدينة لكن أصغر قليلا و بأشجار جميلة تحيط الشوارع الخالية بهذه الساعة المبكرة جداً...
فتح لي والدي الباب و ساعدني قليلا , ثم اتجه إلى الخلف وهو يحمل جيني بلطف و يعطيها لعبتها الصغيرة كي تلهو بها ,و تأبط هو حقيبة جيني الكبيرة , بدا شكل والدي غريباً ... أنه أبٌ مكافح .. مشى أمامي بكل نشاط وحذر بالرغم من أنه مرهق ولم ينم جيداً لكنه يقظ جداً ...
أما أنا فشعرت بالدوار ومعدتي تغوص و تؤلمني ما أن شممت رائحة المستشفى ... الغثيان اجتاحني وأنا أحاول اللحاق بسرعة
خلف والدي الذي يتوجه للاستقبال .. كان المستشفى خالياً تقريباً و الجو هادئ و بارد و ساكن...
حدث والدي الموظفة و شرح لها ... لكنها قالت له بأن مبنى الاطفال هو الآخر بينما هنا هو البناء الرئيسي و أنني سأتعالج هنا ... فأخذت البطاقة الخاصة بي وبدأت العمل على الكومبيوتر ... نظر نحوي أبي و قال بهدوء : حبيبتي أجلسي هناك .. هيا.
توجهت للمقاعد و جلست بطاعة وصمت , تحدث والدي قليلا إلى الموظفة وهو يعدل من وضعية حقيبة جيني الثقيلة بينما ذراعه الأخرى تلفها بعناية وقوة ... نظر نحوي مرتين بعبوس ثم تناول الهاتف من الموظفة و تحدث به !.
نظرت للساعة المعلقة .. كانت تشير إلى السادسة و النصف الآن , اقترب والدي مني و قال بهدوء : سنذهب أنا وجيني للبناء الآخر حبيبتي , لكن لا تقلقي أ...
قاطعته بهدوء : سأنتظر هنا ..
_ لا , آه .. كلمت الدكتور لوك هو قادم الآن سيأخذك معه .
صدمة لثانية بالرغم من توقعي لهذا بالمستقبل لكن ليس الآن ! , قلت باعتراض متوتر ومعدة تغوص : أبي !! لا تتركني وحدي !.
رد بتعب وهو يهدأ جيني التي بدأت تنزعج وبوادر البكاء تقترب من الظهور : يا عزيزتي , أني هنا قريب , فقط سآخذ جيني و سنعود حالاً...
رأيت تعب عينيه وشحوب وجهه فخجلت من نفسي جداً ! , لا أزال اتصرف كالأطفال ..!! تبا مالذي يقلقني لهذا الحد ...!
قلت بسرعة شاعرة بالذنب والاستياء : حسنا , أبي آسفة جداً لأزعاجك .. سأذهب مع د.لوك .
بعد ذهاب أبي بدقائق قليلة سمعت خطوات قادمة من خلف الاستقبال و ظهر لوك فرانس كان يبدو غريباً قليلا بمعطفه الأبيض لكن لا بأس به , رسم ابتسامة لطيفة حانية بينما أنهض لتحيته ... حياني بلطف وهو يشد على يدي و يضع يده الأخرى على كتفي ..
قال بمرح : هيا لنذهب لمكتبي كي نتحدث قليلا...
حدقت به و قلت بصوت خافت ضيق : ماذا ؟!.
_ أني سأقرأ ملفك عزيزتي و سوف نرى ما يمكنني فعله بنفس الوقت سوف تحدثينني عما تشعرين و ستساعدك لوسي.
ظللت صامتة في المصعد و سأل هو عن أحوالنا و استقرارنا .. رددت بهدوء " كل شيء هادئ الآن ".
دخلت بمكتبه ودهشت لكبره و جماله , يبدو بأنه ذو مكانة عالية ... كان لوك لطيفاً جداً ومهذباً للغاية ربما تذكر تحذيري له من ردات فعلي .. لكني كنت مرهقة وهادئة ولا أريد الدخول بأي مناقشة .. جلب لي القهوة و بعض البسكويت "كوكيز" ثم جلس يقرأ بالملف قليلاً .. نادى الممرضة التي تدعى لوسي , وذهبنا إلى غرفة الأشعة ...
بعدها انتهى كل شيء بشراب عصير بارد و مكالمة والدي الهاتفية... و موعد غداً ~~" !.
_ لكن.. أنا , غداً .. يجب أن أذهب للمدرسة .
قلت الكلمة الأخيرة بهمس يتلاشى و ضيق غريب بصدري , ظل ينظر نحوي بدقة غريبة تشبه دقة أبي عندما يقر بنفسه أنني شبة واعية !.
_ حسنا , آمم . أخرجي باكراً كي نرى معاً الأشعة و نقرر بعد الأمور... أخبريني إذن أنتِ لا تشعرين بألم في ساقك هذه صحيح ؟
ترددت ثانية , أني أشعر بألم كالنار يأتي و يروح خاصة عندما آوي للنوم .. قلت كاذبة بسرعة : لا ألم .
نظر بشك و قال بهدوء : هل أنتِ واثقة ؟!. يخيل لي الآن أنك تتألمين ...!
حدقت به و شعرت حقاً ببرودة في وجهي لا شك بأنني أشبه الأشباح ~~" , قلت بهدوء : آوه لا أني بخير..
ركبت السيارة بعد دقائق وكانت جيني نائمة بصمت في كرسيها بالخلف ... همس أبي بتعب وهو يصعد : لقد بكت كثيراً... رباه ظننت بأنها لن تسكت . قالت لي الطبيبة بأن لا نحملها مع ساقها التي بها مكان الحقنة ستؤلمها بشدة..
أومأت برأسي بصمت وظل والدي يقود بهدوء وهو ينظر بتركيز حوله ولم يسألني عما حدث بموعدي .. هذا أفضل ربما كلانا فكر بتجنب الكلام اثناء القيادة تحديداً .. فقط نظر نحوي مرتين و تبسم ثم طلب مني أن ألقي نظرة على جيني في كرسيها الخاص بالخلف ... ففعلت عدة مرات وكانت الصغيرة المسكينة نائمة بعمق و شفتيها الصغيرة الناعمة مقفلة بقوة وعبوس ...
اوه يا صغيرتي البريئة كانت تتألم ...
فجأة توقف والدي بهدوء شديد قرب محل ما .. نظرت وقبل أن أنطق قال هو بهدوء : سأنزل لأجلب بعض الخبر و الفطائر حبيبتي انتظري دقيقة فقط ..
_ أجل أبي ..
نزل والدي بسرعة الى محل الخباز المتواضع الذي خرج منه مشتريين بأكياس ذات رائحة طيبة ولذيذة ..
دخلنا المنزل بهدوء و والدي يحمل جيني بحذر شديد و قد بدأت الطفلة تتحرك منزعجة متألمة لكن ما أن وضعها فوق الأريكة حتى عادت للنوم بهدوء ... جلست بالاريكة التي بجانبها بصمت وخرج والدي للسيارة كي يجلب الفطائر ...
مر من مدخل الردهة وهو يناديني بهمس عالي قليلا ويشير بيده : كلارآ ! تعالي للمطبخ عزيزتي كي تتناولي الإفطار.
شعرت بالتعب لا أريد النهوض و المشي مجدداً ~~"... فقمت رغما عني و مشيت بحذر و هدوء لأجلس بارتياح على أول كرسي خشبي لطاولة الطعام , كان أبي يضع أبريق الشاي فوق النار ... التفت لينظر نحوي متفحصا ثم قال :
_ هل كان لقاؤك بالطبيب لوك جيداً , ماذا حدث بالموعد ...؟
هززت كتفي بملل وقلت بهدوء : أجل كما أظن , لقد تحدثنا فقط في مكتبه ثم صورتين للأشعة بعدها موعد غداً ..
حدق بي والدي مستغربا قليلا ثم قال مندهشا لكن بشكل خفيف : حقا ! , هذا ممتاز للبداية اعتقد بأنه طبيب بارع برؤيته لأشعة القدم سوف يعرف ما المشكلة تحديداً ..
عاد ليسكب ماء الأبريق الحار في كوبين بينما ضربات قلبي تتغير بضيق ... كنت أحدق بظهره بتوتر ... هل يظن والدي...هل يعتقد بأن هنالك أمل ما بي ؟!... لكن هذا مستحيل ! أنني قد خرجت من مستشفى ضخم معروف في منتصف مدينة حديثة جداً وقد قالوا بأن لا أمل بعودتها طبيعية ! , فكيف يمكن لمستشفى عادي بوسط تاون بسيطة أن يحدث فرقاً .. !
أن لن أزعج نفسي بالتفكير بهذا الأمر ... ما حدث قد حدث و انتهى ..
قبل أن أقول أي شيء التفت نحوي و قال بمرح غريب وهو يقترب ليجلس ممسكا بالكوبين : من يدري في هذه الحياة كيف تسير الأمور حقاً , أقصد لكل شيء وضعه و سببه . هممم افتحي هذا الكيس عزيزتي..
تناولنا الفطائر المحشوة باللحم و تحدثنا قليلا ببعض الأمور .. نهضت و أخبرت أبي بأنني سأتمشى بالمنزل فأنا لم يتنسى لي سوى رؤية المطبخ و الردهة وغرفتي .. حتى غرفة البيانو لم أتأمل بها جيداً ..
دخلتها بهدوء .. كلاسيكية الطابع و ألوانها هادئة أحمر داكن و زخارف كل شيء الأثاث و ديكور الجدران ذهبي هادئ منطفئ .. ربما لأن الستائر الثقيلة مسدلة على النوافذ جائني شعور بالنعاس و السكون .. فخرجت منها بسرعة , أنا لا أريد النوم الآن ...
لم أرى أبي بالردهة ربما لا يزال بالمطبخ .. سرت بحذر شديد آخر الممر إلى الدرج .. رأيت بابين لغرفتين لكني تجاهلتهما ... أريد فقط الصعود للأعلى ...
وضعت قدمي السليمة فوق أول عتبة للدرج و...
_ كلارآ ؟!. مالذي تفعلينه حبيبتي ؟.
اوه لقد ضبطت بالجرم >< ".. قلت بدون أن التفت إليه : أريد الصعود للأعلى فقط ...
_ كان عليك قول هذا , هيا بنا ..
ماذا ؟! لكني أريد أن أكون وحدي .. أمسك والدي بمرفقي الأيسر وهو يسير معي بحذر أيضا كان ادرج واسع قليلا و مريح مفروش بسجاد أخضر داكن .. حسنا .. يميناً ثلاث غرف للنوم واحدة بها والدي و جيني .. و حمامين صغيرين .. و بالممر الآخر غرفة للرسم كانت مقفلة جيداً قال والدي بأنه أضاع المكان الذي وضع المفتاح به .. و الغرفة الأخرى مكتب صغير للعمل وحمامه المرفق...
حدقت من النافذة في آخر الممر ... كانت تطل على أشجار الغابة ...
_ ما هذه الغابة ؟!.
أتى والدي ليقف خلفي و ينظر من فوق كتفي قال بهدوء : آمم .. هي مجرد غابة معروفة للصيد بها بحيرة كما سمعت.
_ تعني... هي ليس بها نمور أو... دببة و غزلان ؟!.
حدقت بأبي وقلبي يخفق لا أدري لم بدأت أفكر بأن سور هذا المنزل قصير وغير قوي .. لاشك بأن الدب سيحطمه أو يقفز النمر من فوقه ... أو...
_ لا حبيبتي ... لقد عشنا هنا عشرات السنين لا وجود لهذه الحيوانات ! , هل أنتِ خائفة ؟!. هل الغزلان تخيفك أيضاً ؟
كان يحدق بي مدهوشاً وكأنه لا يصدق بأي أسأل هذا السؤال !, لكني محقة ...
قلت باضطراب خفيف : أأنت واثق ؟! , الغزلان تصبح مرعبة أحياناً... يمكن أن يتسلل أي حيوان ببساطة هنا ! آه ربي ماذا عن الأفاعي و الزواحف ؟!.
حدقت به بعيون رمادية قلقة جادة ... تخيلت لو استيقظ من النوم لأجد أفعى تشاركني الفراش....!!! سأموت قطعاً !.
لصدمتي أخذ يضحك , هذا الرجل ! ... ضمني قليلاً وهو يهتز من الضحك ... مالذي جرى له ؟!
_ لا يا حبيبتي الصغيرة الجبانة ! أنت بخير تماماً والمنزل مقفل و مؤمن تماماً .. لا تقلقي أرجوك كلارآ...
هززت رأسي غير مطمئنة .. قلت بتوتر و عبوس : توقف عن الضحك رجاءاً أبي أنا لستُ جبانة ><"... على فكرة هل يمكنني النوم هنا في الأعلى...
حدقت به بعيوني البريئة ... توقف و قال بهدوء وابتسامه رقيقة وهو يلمس أنفي : لا صغيرتي ! , ذلك من مصلحتك و ألا ترهقي نفسك .. هيا لننزل الآن.
قطع كلامه بسرعة و أمسك بمرفقي حتى لا أناقشه يحب أن يكون المنتصر لكني سأرفع راية النقاش مجدداً...
تناولنا العشاء بهدوء و جيني قد أفاقت لمستها أنا فقط قليلا فانتابتها نوبة بكاء طويلة ارهقتنا ولم تنم حتى الساعة العاشرة... خشي والدي أن يحممها فقط اكتفى بتبديل ثيابها بحذر بالغ وبعد اطعامها هدأت ونامت...
بينما أقف أنا كالبلهاء بلا حول ولا قوة وعيناي تتبعانهما بتوتر ... يجب على والدي جلب مربية ما ! , لا يمكنه تحمل هذا أكثر سوف يصاب بانهيار عصبي ! , كما أنه سيعمل بالتأكيد...
بعدما هبط السلم بوجهه المتعب قال لي بهدوء : عليك النوم الآن كلارآ ! , غداً مدرسة و موعد بالمستشفى ...
انقبضت معدتي بشدة وشعرت بالدوار وأنا أقول بتوتر: ماذا عن... أعني...
_ سنذهب معاً لأضع أوراقك هناك , لتلحقين الدروس .. هيا إلى النوم لقد تأخر الوقت.
لم استطع النوم جيداً , كنت أتقلب كثيراً وصوت حفيف الأشجار الضخمة بالخارج توترني ... فبدل أن استرخي وأنام أشعر بأني مشدودة الأعصاب...
تعبت أخيراً من كل هذا القلق و أثقلت جفوني .. لكن صوت غريب بين أصوات الأوراق... كان قادما تقريبا من داخل السور أو هكذا ظننت مباشرة , هببت من فراشي ..
و ببطء سرقت نظرة من بين الستائر ..
ليس هناك شيء سوى الظلام الشديد و حتى الأشجار لم استطع رؤيتها , كان الخارج مرعباً للنظر لكني لم أقدر على أبعاد بصري عن التحديق في الظلمة و الـ لاشيء !...
بينما قلبي يرتجف بقوة و أحساسي يخبرني بأن هناك شي ما مختبئ... !
مرت ثانية أعنف بها نفسي بأني جبانة حقاً كما قال والدي , مرتعبة من التغيير و أكره الغرباء .. و الغرابة .. كانت عيوني متسمرة جداً بلا أي حركة على نقطة في الظلام ..
أعلم بأن خيالي يجمح بشكل أخرق لكني واثقة أني في هذه الثانية أحدق بـ ...
مابدا كـ... زوج من اللؤلؤ الأسود يلمع من بعيد جداً قرب الظلال الكبيرة للأشجار...! كأنها نقطتين من العيون صغيرتين بعيدتين ... يبادلانني التحديق وبهما لمعان غير مطمئن ...
خفق قلبي متضخماً رعباً...
ماهذا ؟! , هل لا أزال أتخيل ؟! , أتراه يكون حيوان ما ...؟! , ربما شيء ما يراقبنا ... أظنه يحدق بي أنا...!
تمسكت بالستار بقوة أخفي كل شي ألا عيناي الجاحضتان ... قلت بهمس يرتجف : الويل لك أن كنت شيئا شريراً يريد الدخول . سـ... سا ..
لكن انطفأ اللمعان و اختفت زوج العيون السوداء ... شعرت بأنني تخيلت كل هذا... آووه ماذا أفعل بنفسي...؟!
عدت للنوم المضطرب مجدداً .. وبدأت معدتي تؤلمني و قلبي لا يزال يخفق بقوة , تبا لن أنام هكذا بينما جسدي كله مشدود...
ظللت فترة طويلة هدأ استرخيت وهدأت لأنام بشكل هادئ وبلا أحلام ...
_ كلآرا , عزيزتي هيا استيقظي الساعة تجاوزت السادسة !.
همهمت بأني لا أريد النهوض ... عيناي مثقلتان للغاية و جسدي دافئ و النوم أصبح رائعاً الآن .
_ كلآرا !! .. هيا لا نريد أن نتأخر أكثر وفي أول يوم لنا أيضاً...
فتحت عيناي رغما عني وأنا أحكهما متأففة وقد رأيت والدي يخرج وبتعب شديد بدلت ثيابي و سرحت شعري بيداي , آخ كم أصبح متكاسلة جداً في الصباح ..
ولكن هذا ليس ذنبي !. أنه بسبب ليلة الهلاوس بالأمس...!!
جلب والدي جيني وثبتها بهدوء في مقعدها الخاص المثبت بالخلف وبين يديها لعبة ما وهي تبدو مرتبة وهادئة , بينما أقف أنا بصمت بجانب السيارة أحدق بالأشجار...
شعرت بوالدي يقف خلفي يحدق بي...!
قال بصوت هادئ متسائل : آممم ... كلارآ . أين حقيبتك ؟!. هل ستذهبين هكذا بلا شيء...؟!
تجمدت لثانية ثم التفتُ ببطء أحدق به بدوري , " هاه , حقيبة ؟! " رددت بداخلي ...شهقت فجأة : يوه نسيت حقيبتي ..!
كانت حقيبتي قديمة من سنتين وهي معي ..على العموم هي من نوع أصلي جداً ولم تتعرض لأي خطب ..
نظر إلي والدي نظرة معاتبة وأنا أهم بالحركة قلت بتوتر وذنب : سأجلبها حالاً..
_ لا آه كلارا أجلسي بالسيارة فقط , سأحضرها أنا , حقيبتك البنية في غرفتك جاهزة هاه ؟.
قلت وأنا أعض شفتي : أجل .. آسفة أبي... أنا...
لكنه لم يسمعني بل ذهب راكضاً للداخل... , تباً مالذي يجري لي ؟!. أتصرف كالبلهاء دوماً .. ولكن .. أنا لن أعود لطبيعتي أبداً . ليتني مت في ذلك الحادث ...
كان والدي ليهتم بـ جيني فقط بدلا أن أزيد حملي عليه...
قطع حبل أفكاري المشؤمة صوت جيني وهي تبكي فجأة !!... تحركت قليلا فقط لأفتح الباب بجانبها و أنحني نحوها قائلة بتوتر
_ صغيرتي مابك ؟... ياحبيبتي أسقطتِ لعبتك...آه هاهي...
وانحنيت أكثر الى الداخل لأمسك باللعبة البلاستيكية في أسفل المقعد لكن ... آآه , فقدت توازني لأنني وضعت كل ثقلي على ذراعي الممسكة بالعكاز بينما أنحني ... فسقطت على المقعد أتشبث به لكن جسدي انزل بقوة إلى اسفل السيارة لم يساعدني العكاز بل عرقلني و اصطدمت كلا ساقي بشي صلب في الأسفل ...
موجة من الألم سرت في قدمي لاشك بأنها ضربت العجلة !.
جاهدت للنهوض وصراخ جيني يرتفع وكأنها عرفت بأن سوءً قد حدث ...!
_ كلآرا ...!! - أتى والدي راكضاً بسرعة وبيده تتأرجح حقيبتي الفارغة ... لفني بذراعه و أوقفني بسرعة... قلت بصوت عالي متوتر : أنا بخير ما بك ...؟!
_ رأيتك تسقطين ! , مالذي جرى ؟!
قال بصوت أقرب للغضب !, خفت قليلا و أنا أشعر بأن قدمي بدأت تخزني بشكل غريب ... قلت بشكل جدي :
_ لقد انزلقت قليلا فقط لأجلب لعبة جيني .. كل شيء بخير لمَ كل هذا القلق ؟, سوف أجلس الآن فقط...
ظل يحدق بي بعيون مرتعبة وجبين ضيق حتى استقريت فوق المقعد .. , تبا بدأت تلك القدم ترسل أنذارات .. مادامت قدمي السليمة تألمت حقاً ربما ستترك كدمة متورمة ...
لكن ماذا عن القدم المصابة .. آه سوف تقتلني لاحقاً.. هل جلبت معي المسكن .. أظنه بالحقيبة...
دخلنا البلدة التي تبدو كمدينة صغيرة هادئة و جميلة ... كانت حية بالحركة والنشاط والسيارات لا تنقطع .. لكن بلا ازدحامات ... بدا الجو بارداً قليلا وهناك غيوم في طرف الأفق البعيد ..
توقف والدي قليلا ليسأل بعض المارة عن الوصف الدقيق للمدرسة . ثم تابعنا الطريق...


ارتجفت و سرت في برودة عندما توقف والدي خارج فناء المدرسة ... أبنية كبيرة , لا أدري كم عددها ربما أربعة .. والكثير من المراهقين يسيرون للداخل وهم يتمازحون و يضحكون ... وهناك الفتيات .. لبسهن ليس بالملفت كانوا يدلفون من هذه البوابة الكبيرة ... توقف والدي أقرب شيء ممكن لها ...
ثم التفت إلي , قال فزعا فجأة : تبدين شاحبة للغاية , هل أنتِ بخير ؟!.
نظرت نحوه و انتبهت لنفسي .. كنت فاغرة فمي وعيناي زائغتان لا تطرفان وكأني وسط فلم رعب ... هززت رأسي بسرعة و حاولت السيطرة على تعابير وجهي ... قلت بضعف مخفي : لا , أنا بخير...
بينما قلبي يضرب بقوة أضلاعي مرعوباً... ظل والدي بنفس نظرته الفزعة جعل لون عينيه الأزرق يفتح بشدة
_ أأنت واثقة ؟! , سأنزل معك قليلا فقط للأسف لا يمكنني ترك الطفلة هنا .. كلآرا ؟!.
قلت مجدداً بآلية : أنا بخير والدي , أنها مدرسة وليست قاعدة عسكرية ...!
عبس والدي ثم ألقى بنظرة على جيني كانت لا تزال تلعب غير أنها متململة قليلا .. نزل فجأة وفتح بابها ثم حملها بين ذراعيه بحرص... فتحت فمي مصدومة , لا يظن بأننا سنسير وسط المدرسة كلنا ...!!
نزلت بضيق ولكن ما أن وطئت قدمي اليمنى ارض حتى أرسلت موجة من الألم الحاد في جسدي كله... " آآه " تأوهت بداخلي وأنا أتمالك
نفسي و أعض على شفتي لأتمسك بالعكاز بكلا يدي
_ كلارا ؟!.
التفتُ لأبي المتوتر ..مددت يدي لأقول بأقصى هدوء أملكه : اعطني حقيبتي أبي , وعد مع جيني أنا أعرف كيف أدبر أموري.
قال بضيق وهو يحدق حوله لكل الطلاب الذي يمرون قربنا ويحدقون بنا : لكن....لـ...
قاطعته بضيق و الألم يحرق قدمي : أسمع أبي... لا تنظر إلي هكذا وكأنني في السادسة ! .. أرجوك...
شعرت بأن أمله خاب قليلا وكأن ليس بيده شيء ليساعدني... قال باستسلام : سأعود إليك قريباً.. دعيني أرى كيف تمشين ..
مد لي بحقيبتي فأخذتها و ثبتها على كتفي اليسرى , ثم ابتسمت له بوهن و بصعوبة حركت قدمي وأنا أنظر لطريقي في الأرض. آوه كم يبدو شكلي مثيراً للشفقة ... كانت الأرض ترابية قليلا لكن مستوية و نظيفة من الأشياء... سرت بعض خطوات ضاغطة على نفسي وأحاول ألا أركز ثقلي على قدمي المصابة سوف تقتلني ..

نظرت لأبي خلفي و ابتسمت مجدداً له , كان عابساً لكن أومأ برأسه و بقي ينظر نحوي. بينما أفكر أنا ألا يوجد مكان خاص كفاية ليصرخ أحد فيه من الألم حتى يهدأ ...
رأيت مجموعة من الفتيات و الفتية يفسحون لي الطريق بينما نظراتهم غريبة علي .
دخلت من البوابة بهدوء و أنا أنظم أنفاسي , آآه لقد انظمت قدمي الأخرى لحملة الألم في جسدي ... هيا لا توجد كراسي هنا في هذه الباحة , سحقاً ؟!
وظللت أحث السير البطيء نحو البناء الكبير الذي يدلف منه الطلاب ... ثم ألقيت بنظرة خلفي , ماذا ألم يغادر بعد ؟!. وقعت عيناي بعينيه فتوتر هو ... ظن بأني لن أراه من هنا ..لوح لي و بتردد واضح عاد ليضع جيني بالسيارة و ليصعد هو...
تنهدت بغيض وحزن متراكم ... هل سيبقى حالي هكذا طوال حياتي ؟! معاناة لي و لمن حولي ..وهم و ثقل... و...
قاطع بؤسي صوت عالي فتى يقول : احذري هذه الحفرة !.
توقفت بسرعة شديدة جعلتني اصاب بالدوار .. وحدقت حولي جيداً كان الصبي يمشي موازياً لي و من عينيه التين تلمعان علي يبدو بأنه كان يتأمل منظري و سيري...
كان هناك بالفعل حفرة صغيرة أمامي لكنه كفيلة بأن تسقطني أنا و عكازي هذا...
اقترب الصبي الأشقر وابتسم بحذر نحوي .. يبدو أصغر مني بسنة أو سنتين ولكنه طويل القامة و جميل المظهر... عيناه بنيتان مألوفتان قليلا...
قال بهمس دون أن يلتفت كليا إلي : أنتِ جديدة . أعرف بأنه يجب أن تذهبي لمكتب الوكيل أولاً .
كان عقلي مرهق و يعمل بكد... قلت بهدوء : شكراً لك , و... أن لم يكن لديك مانع أن تـ...
قاطعني بذكاء غريب وهو ينظر بعيناي : بالطبع ليس لدي مانع لأوصلك للمكتب.
سار أمامي برشاقة وأنا أتعثر كعجوز , كان الجميع يفسح لنا و يحدقون بي مطولا وإلى جينزي الواسع القديم ثم جاكيتي الرمادي وحقيبتي البنية و حذاء رياضي أسود واحد بينما القدم المصابة في وسط جبيرتها المحمية والمخصصة للمشي .. كنت أغرب خليط للألوان , أقسم بأنه لو كان هنا مصمم أزياء لخر صريعاً...!!!

فجأة تردد الفتى و توقف ليلتف إلي , كنت ألهث ألماً و تعباً وأشعر بأني اتصبب عرقاً في هذا الجو البارد ... لكني بسرعة أخفيت كل مظاهر بؤسي الغبية وتظاهرت بالتركيز والثقة !
_ أتظنين بأنك قادرة على صعود الدرج , أم أنادي الوكيل ليهبط إلى هنا ؟!.
كان ينظر نحوي متسائلاً , فقلت بكل برود بينما أعلم بأنني سأتألم كثيراً : استطيع الصعود لا بأس.
نظر نحوي شاكاً قليلا ثم همس : طيـب ..
صعد أمامي وأنا وراءه , في البداية تسمر جسدي رغما عني خوفاً , لكني بصعوبة تحاملت على نفسي و صعدت الدرج ... رباه كم كان هذا مؤلماً و مرهقاً...
يا ألهي أن لم أصل حالاً سأسقط على وجهي ليغشى علي...!
_ أن مكتب الوكيل في آخر الممر...
قال مصرحاً , ثم سار بهدوء و بطء من أجلي , بينما ألتقط أنفاسي تعباً ... و رأيت بعض مقاعد فتمنيت لو اقدر على الجلوس قليلا...! , أشار لي بالمكتب الذي في آخر الممر و توقف ليحدق بي...
قال بتوتر : تبدين مرهقة للغاية و شاحبة , أجلسي قليلا... أتودين بعض الماء ؟!.
آوه كم كان هذا لطيفاً منه ... لكن لا ... كبريائي اهتاج فجأة ... قلت بابتسامه لم تظهر : لا أني بخير , سأدخل فقط ,شكراً لك...
أومأ و غادر ببساطة ... هه أشعرني بأني عجوزة !. على العموم سأسير هذه الخطوات البسيطة فقط ...
طرقت الباب مرتين ثم سمعت صوتاً يقول " أدخل... "
فدخلت ... نظر نحوي رجل في منتصف العمر ببرود ثم عاد لأوراقه ... كنت على وشك ألقاء التحية لكن رفع رأسه مجدداً بسرعة و حدق بي مصدوماً قليلا...
قال وهو ينهض : آوه المعذرة , هل أنتِ طالبة جديدة ؟!, أجلسي هنا من فضلك و أعطيني فقط أوراقك..
أومأت و جلست على الأريكة متنهدة بداخلي وشاكرة ... ثم أخرجت أوراقي لاحظت بأن يداي ترتجفان و أظافري مزرقة ... سلمته الأوراق بسرعة لاتفحص نفسي .. عندما يقولون شاحبة , ماذا يعني هذا تحديداً...
فتشت بحقيبتي التي لا أعلم ما بداخلها ... أصابني الرعب , لم أضع بها شيئا !!! غير تلك الأوراق المهمة وأيضا والدي هو من وضعها وليس أنا !!... يا ألهي لم هذا الأهمال مني ...!! آوووه لا حتى قلم ><"؟!. آهئ أود لو ألقى بنفسي من الشرفة...
_ الآن يا كلآرا , سآخذ أوراقك للمدير و يمكنك البدء اليوم بالدراسة .لقد تأخرتِ كثيراً لكنك ستقدرين على المضي صحيح ؟!.
ابتسم لي بلطف , أومأت بصمت.
_ سأخبر الآنسة ماري لتعطيك جدول صفوفك وخارطة للمدرسة مكتبها بالأسفل من الجيد لك , هلا نزلنا الآن .
فكرت بعبوس " أريد البقاء جالسة قليلا بعد ~~" لكني نهضت و عاد الألم و تبعته وأنا أكتم آلآمي , أكاد لا أرى شيئا أمامي !.
رحبت بي امرأة شابة بلطف بالغ اعطتني الأوراق و اصطحبتني لأول صف لي... كان صف العلوم الكيميائية .
طرقت باب المعمل ثم دخلت برشاقة اتبعها أنا ببطء و اعتراني خجل شديد و توتر و ألم في المعدة .. كان المعلم يقف مشدوهاً قليلا يحدق بي والآنسة ماري تحدثه , ثم ابتسم بلطف من خلف طاولته ... بينما أنا لم أجرؤ على النظر ورائي حيث الطلاب يبدون كثيرون جدا ربما مكتملو العدد ...!
اعطتني الانسة ماري ابتسامه مشجعة و غادرت .. قال المعلم بلطف : اهلا بك ..
ثم وجه كلامه للطلاب الصامتين جداً : أنها كلارا موند وهي معنا في هذا الصف .. أرجوكم رحبوا بها وأفسحوا لها مقعداً.
رفعت عيناي قليلا فقط متوترة بينما قال بعض الطلاب بصوت واضح : اهلاً... والبعض همهم وهم ينظرون بفضول عادي.
وجدت مقعد فارغ أمامي فجلست به بصمت .. لكن لم استطع الاسترخاء على مقعد المعمل الذي بلا ظهر . وضعت حقيبتي أرضا , و بدأ المعلم يشرح الدرس بهدوء .. فجأة سألني :
_ آه صحيح , لأي درس وصلتم به في مدرستك القديمة كلارا ؟!.
غاصت بطني و حدقت به بشكل افزعه قليلا كان الكل سكت فجأة ... قلت و أنا أشعر بصداع يعمني : أنا... أنا للتو أبدأ الدراسة.
حدق بي لثوان مدهوشاً قليلا , ثم حرك رأسه : آه فهمت .. لا بأس .. سيساعدك الطلاب في الدروس الماضية ..
أكمل الدرس بينما أشعر أني وسط المجهول لا أفهم شيئا .. شعرت بالغربة والضيق أريد فقط العودة للمنزل .
انتهى أخيراً بينما ألقي نظرة على جدولي , تذكرت شيئا ما اسعدني .. لدي موعد اليوم وسأخرج باكراً أي تقريباً بعد ساعة , لأول مرة في حياتي أشعر بأن الذهاب في موعد للطبيب أخف وطأة من الدخول في مدرسة لأول مرة .. سأطلب منه أن يعطيني وعداً غداً أيضا...
نهضت عندما لاحظت أن الصف فرغ تقريباً وأن الجميع قد خرجوا .. آوه يجب أن أذهب لصف التاريخ في الطابق الثاني كما هو موضح مع الأسف !. , كانت قدمي ثقيلة مخدرة بشكل أخافني وثقيلة .. بصعوبة أرفعها و أخفضها بحذرة .. وهكذا أسير أبطأ من حلزون !.
توقفت أمام الدرج أخيراً بعدما تجاوزت حشود الطلاب وأنا ألتقط أنفاسي .. حدقت بيأس بالدرج , هل علي أن... ؟!
قاطع تفكيري صوت مألوف خلفي
_ كلآرا ..
التفت ببطء و حدقت بالطبيب لوك فرانس , وبجانبه الآنسة ماري التي تشير إلي بمرح ثم تقدموا بسرعة قبل أن اتحرك بجسدي..
قال الطبيب بلطف وهو يتأمل وجهي : مرحباً كلارا , كيف حالك ؟! , تبدين لي مرهقة جداً .. جئت لاصطحبك للمستشفى بعدما حدثت والدك بالطبع .
قالت الانسة ماري : لقد أخذ الدكتور فرانس العذر لك عزيزتي يمكنك الذهاب الآن .
حدقت به و قلت بتوتر مخفي : يفترض أن الموعد في الساعة..
_ أنا أعرف , هيا اعطني حقيبتك..
أخذ مني الحقيبة و انتظرني لأسير بجانبه .. تباً لا أريده أن يلاحظ ... لكن ودعتنا الآنسة ماري و غادرت .. كانت الممرات فجأة قد خلت لأبتداء الصف الثاني الآن...
مشيت بتعب ضاغطة على نفسي و فكرت بأني سوف أموت أن استمريت على هذه الحالة لساعة أخرى .. أن لتحملي حدود ..
_ اووه أنت تعرجين بشكل سيء , لقد أصبت قدمك ... أليس كذلك ؟!.
قلت باضطراب وأنا ألقي نظرة خاطفة لوجهه المصدوم : لا , أني فقط مرهقة و...
قاطعني بجدية حادة وهو يقف أمامي كي اتوقف : توقفي عن الكذب على طبيبك كلارا أنا أعرف تماما عندما يكذب المريض وقد تجاهلت كذبة الأمس لكن اليوم .. هل تريدين الأصابة بالشلل وأنت تضغطين على أصابك بهذه القسوة ..؟! .... آنسة ماري..
نادي وهو ينظر من خلفي , لتأتي المرأة وهي تقول بتعجب : ماذا ؟!.
_ أرجوك هل تملكون مقعداً متحركاً ... كلارا تشعر بالألم...
_ آه أجل , سأجلبه حالاً...
لم اقدر على النظر بوجهه , قلت بهمس بارد : لا تقل شيئا لأبي ..
_ سيأتي لرؤيتك بعد الموعد .. والدي الذي قابلته يتحدث إليه بشأن عمل ما.
جلست على كرسي متحرك مخصص للحالات الطارئة في المدرسة و دفعني الطبيب إلى سيارته لينطلق بنا للمستشفى ..
_ آوه لا , .. لا ...
و هز رأسه عابساً و مقطباً وهو يحدق بصور الأشعة , بينما سقط قلبي في هوة مظلمة و توتر لا نهاية له.. مالذي يراه ؟!.
رفع عينيه إلي وبدا منزعجاً جداً .. شعرت بأنه سوف يوبخني ... كنا قد انتهينا للتو من تصوير الأشعة واعترفت أنا له بأني ضربت قدمي هذا الصباح لكني لم أظن بأن الوضع حرج لهذه الدرج....!
_ كلارا !.. أنظري مالذي حدث بقدمك اليمنى .. لقد تورمت جداً و المفصل بحالة رهيبة فهو لم يعد قادر على حمل الثقل بينما الأربطة التي بدأت تتكون و تنمو مجدداَ تقطعت تماماً .. العصب الحركي لا يزال تالف بينما الأعصاب الحسية تعرضت لضغط شديد جعلها تتوقف عن عملها وهو نقل الأحساس والألم لهذا تشعرين بالخدر و الثقل الشديد بسبب التورم ... هل تريدين أن أطلع والدك على هذه الأشياء... سوف يفزع جداً...
حدقت به برعب و فمي مفتوح .. لا أدري ما أقول أو أفكر...
_ أنتِ ممنوعة من السير يا آنسة لمدة أسبوع حتى يتحسن الكاحل ! , آوه نسيت أمر القدم الأخرى , أنها في وضع سيء , أنتِ تحملينها كل ثقلك .. أخشى بأنك أن استمريت هكذا سوف تتعب الأربطة و الأعصاب لتتلف بالنهاية .. بالإضافة إلى أن جسدك نحيل ضعيف ووجهك شاحب جدا يجب أن تتناولي الكالسيوم والمعادن ... سأصف لك كل شيء بالورقة .. الآن هيا نضع مرهما مخفف للألم و معالج للانتفاخات ثم نعيد التضميد بشكل جيد ..
قلت بضعف و الممرض تأتي لتساعدني على الجلوس فوق السرير الأبيض العالي :
_أرجوك سيد فرانس . لا تخبر أبي بكل هذا ... سوف... سوف...
_ اهدئي عزيزتي , أنا سأخبره بأن المشي الكثير سيضر قدمك .. لذا استرخي فقط ودعيني أفحص كاحلك .
تمددت على السرير بينما يضعون على كلا قدمي الدهان و يلفانهما , لكن قدمي اليمنى حظيت بلفافات اضافية داعمة ...
اعتدلت بجلوسي بينما هو يقف قربي يكتب تقريراً ما و الممرضة تساعدني في ارتداء فردة حذائي و الداعم لقدمي المصابة ..
_ همم عدم المشي لأسبوع , و آه نسيت القول بأن بعد هذه الفترة أن اردت استخدام العكاز فأنا سأصف لك عكازين وليس واحداً , سيضرك هذا...
حدقت به مصدومة و فزعة ... بضيق واضح قلت مرتجفة : لكن ... لماذا ؟!.
_ لأسباب بسيطة و خطرة بنفس الوقت , العكاز الوحيد يشوه كتفك وذراعك معاً خاصةً أنهما بطور النمو ..بينما تـ...
قاطعته بصوت مرتجف وعيناي تقدحان : هذا يكفيني أني أتقيد أكثر و أكثر كل يوم .. أني أريد العودة إلى ماكنت عليه بأسرع وقت , كيف يمكن لوالدي أن يعود لطبيعته و للعمل ؟! , وأنا لن أحب الدراسة بهذا الشكل .. المصاعب لا تحتمل والنظرات أ...
_ هذا يكفي كلارآ , الصراخ و الغيض مما آل إليه حالك لن ينفع .. عليك بالتعايش .. استرخي أرجوك و خذي عدة أنفاس عميقة...
قلت بحده شديدة : ليس هو الحال الذي أنا به أنما فقدت قدرتي على معرفة مايجب علي فعله !!.
رد بضيق : لا تزالين صغيرة على تفكير كهذا أنتِ...
قاطعته بنفس الصوت الحاد الغاضب : أكرهه هذا النعت !, كن مكاني لنصف يوم مقيده بالعكاز أحدق بأبي بعجز شديد بينما هو يحمل كل الثقل جيني بأحدى ذراعيه وبذراعه الأخرى يهتم بي...!
هز رأسه وهو يقول بضيق شديد : أنتِ لم تمنحي نفسك الفرصة و النظر لكيفية أصلاح الأمر ...
_ وكيف هذا ؟!. أني عاجزة للأبد .. على كل خططي للحاضر و المستقبل أن تتغير كلياً , بت لا أقدر على تخيل ماسيحدث لي لاحقاً... بدأت...
كدت أقول " بدأت أهلوس , " لكن عضضت على لساني بقوة و أحدجه بنظرات حارقة وعيناي محمرة من شدة الاحتقان , ظللنا نتبادل النظرات القوية إلا أن فجأة طرق الباب و دخل والدي ..
طرفت بعيني كثيرا وحاولت أن أبدو هادئة بصعوبة .. تبادل تحية حارة ومصافحة مع الطبيب ثم وقف قربي وهو يمسك بيدي و يهمس بحنان لي :
_ هاي حبيبتي , كيف حالك ؟!.
_ بأفضل حال أبي . ,,, ومنحته ابتسامه رقيقة جعلته يرد علي بمثلها بينما يدق قلبي بعنف ... كان الطبيب يراقبني ..ثم قال بهدوء يحدث والدي
_ أريد التحدث معك قليلا جاك . جينا اجلبي هذه العربة و اصطحبي كلارآ للاستراحة ..
حدقت به بقلق شديد وعيناي زائغتان , بينما هو تجاهل نظراتي وبدت عليه ابتسامه توترني .. الويل له أن أخبر أبي... سأقتله !.
كنت جالسة على المقعد بصمت وظهري مشدود و أوجه عبوساً لاذعاً و نظرات قاتلة حادة لمن ينظر نحوي , يبدو بأن هذه البلدة السخيفة الهادئة لا يوجد بها أشخاص مصابون كفاية لأن يجلسوا على المقاعد المتحركة .. إذن أنا ككائن فضائي بالنسبة لهم .
تبسمت لي الممرضة برقة وهي توقفني قرب المقاعد الخالية , يبدو لي المستشفى شبة خالي في هذا الوقت .. قالت برقة
_ أتحبين أن أجلب لك بعض العصير ؟.
فكرت بقول "لا" بفضاضة , لكن مظهري وأنا جالسة أشرب شيئا ما وأحدق بوالدي بنظراتي اللطيفة سيجعله يسترخي .
_ آوه أجل أرجوك...
وبالفعل جاء والدي يسير كان متجهما قليلا ,لكنه تبسم لي بحنان و شكر الممرضة التي غادرتنا .. حدقت بأبي وابتسمت بارتباك...
_لا بأس عليك حبيبتي , هل تشعرين بالألم ؟!.
_ لا أني بخير ,لقد تناولت مسكناً قوياً قبل دقائق..
تذكرت جيني فجأة فقلت بتوتر بينما هو يدفعني للخارج : و أين جيني ؟!.
تردد لثانية فقط ثم قال بهدوء : أنها ..عند السيدة فرانس .. أقصد والدة لوك جيراننا لقد أحبتها جيني من أول نظرة وهي تبدو بخير معها...
كنت مصدومة جداً لأرد ... لقد قال الطبيب بأن أبي يناقش أمور العمل مع والده "جورج" ولاشك بأن جيني بنفس الوقت تلاعب فوق حجر سيدة عجوز !... هذا أًصابني بالدوار , شئت أم أبيت علاقة والدي تقوى بسرعة مع هؤلاء الناس ..
نظرت إليه , كان عابساً بنظرة غريبة , همست بتوتر : مالذي.. قاله لك الطبيب...؟!
ألقى إلي بنظرة سريعة شبة حادة , قال ببرود : مالذي تتوقعينه بما أنك لن تستطيعي المشي لأسبوع !.
كتمت شهقة ! , ذلك الرجل أخبر والدي .. قلت بحرج وضيق شديد : أبي .. أن الوضع كان ....
قاطعني بحده : كلارآ , هل تظنيني أحمق ؟! , أنا من رأيتك تسقطين صباحاً نصفك تحت عجلات السيارة !. لقد أخبرته بهذا عندما قال بأنك ستتحسنين لكن ببطء ... و أردت حقاً...
شهقت : عساك لم تلكمه !!. أبي !!!
_ اششش لا بالطبع .. هلا هدأتِ !.
حدق بي و أكمل بجدية يائسة : هل تفكرين بأخفاء كل شيء عني ؟!, أين نوع من الآباء أكون ! .بحق الرب ربما تودين الموت دون أخباري حتى ... كيف أمكنك كتم كل هذه الآلام ؟ كنت أشعر بأن هناك خطب ما ..لكنك .. يالك من فتاة .. أتساءل من تشبهين ... إياك التظاهر مرة أخرى.
شعرت ببؤس و حرج لم أشعر به منذ ...!..ضممت شفتي بقوة ولم أنطق بشيء , فقط زفر والدي بعمق و قال بعد دقيقة بصوت رقيق : سيتحسن كل شيء عما قريب صغيرتي , أنتِ تفتقرين للصبر , عليك فقط أن تصبري.. اتفقنا ولا مزيد من الخداع..
أومأت ببرود وقلت بقلبي " أنا لا أعدك " ... لكن والدي نظر نحوي وابتسم وهو يمد يده ليلمس أنفي مداعباً...
_ ... آه صحيح نسيت أخبارك , نحن مدعوين للعشاء لديهم الليلة. أقصد آل فرآنس ..
هززت رأسي دائخة أشعر بالتعب البالغ .. والدي ساعدني في الدخول للسيارة ,لقد حملني كلياً متجاهلاً اعتراضي ..
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
رد مع اقتباس