الموضوع: Neverland رواية
عرض مشاركة واحدة
  #48  
قديم 12-04-2017, 08:59 PM
 
أعتذر جدًا للتأخير وعدم الرد على ردودكم
جدًا مشغول
بكرا ان شاء الله ارد ع القدسم الاول وبعدي الثاني بعد بكرا ع البارت الثامن تعويضًا عن التأخير ~

الفصل السابع : و أمسى كُلّ شيءٍ حُطامًا.
ازدردَ ريقهُ تتسابقُ دقاتُ قلبهِ في قرعها و جسدهُ يرتجفُ توترًا و خوفًا مِن إجابةِ السؤال الذي طرح بعدَ ترددٍ شديد " سبب ؟."
أخذت شيلا نفسًا عميقًا مترددةً في الإجابة " كُلّ شيءٍ كان لأجـ--"
كحاتٌ متتاليةٌ صَدرت مِنها قَبلَ أن تستطيعَ إنهاءَ جملتها أجبرتها على الانهيارِ منَ الكرسيِ أرضًا مِما أفزعَ ليديا و آرثر
حملها الأخيرُ هاتفًا بقلق " شيلا أنتِ !--"
ما كادَ أن ينهي سطرهُ حَتى لمحَ الدماءَ تسيلُ مِن أنفها و فمها فازدردَ ريقهُ رُعبًا ليهمسَ مستنكرًا " بحقِ الإلهِ ماذا فعلوا بكِ ؟."
بقيت ليديا متسمرةً مكانها تحاولُ تحريكَ جسدها الذي لا يستجيبُ فاستجابَ أخيرًا لتتقدمَ ساقها خطوة " علينا أن ننادي طبيبًا !."
نهرها آرثر بحدةٍ مِن فورهِ " لا !، لا يمكننا الوثوقُ بالأطباء !، لا نعلمُ مَن منهم عَملَ تحت الأرض و مَن لَم يفعل !، أساسًا إن انتشرَ خبرُ مريضةٍ بشعرٍ أشيب ستكونُ مسألة إيجادها مسألةَ وقتٍ فقط !."
" لَكن--" قطعتها ليديا قبلَ أن تكملَ لتستبدليها بجملةٍ أخرى " احملها إلى غرفتي."
حملها آرثر متوجها نحو غرفةِ ليديا لتتشبثَ بملابسهِ تجاهدُ لنطقِ حروفها " لا تقلق بشأني.. أنا لَن أصمدَ طويلًا بأيةِ حالٍ.. أنتَ يجبُ عليكَ أن--"
قاطعها يهتفُ بقلق " لا تتحدثي !، ذلكَ سيزيدُ حالكِ سوءً !."
مرّ الوقتُ و حلّ الليلُ و حالةُ شيلا لَم تتحسن، لا تزالُ تملكُ إرتفاعًا حادًا في درجةِ الحرارةِ و لا تزالُ لَم تستيقظ بعد.
أما في المطبخِ جلسَ آرثر على مائدةِ الطعامِ يقرأ كتابًا منغمسًا في حروفهِ بشدةٍ غيرَ واعٍ على محيطهِ أو هكذا يبدو... فكلماتُ الكتابِ كما لَو كانت طلاسمَ يعجزُ عقلهُ عَن استيعابها.. مبحرٌ بعيدًا فلا وعيهُ و لا لاوعيهُ يدريانِ عَن العالم.
- " ألا تستطيعُ النوم ؟." عبارةٌ خرجت مِن بينِ شفاهِ ليديا شَدت إنتباهَ آرثر إليها تعيدهُ إلى واقعهِ فأجابَ محاولًا تصنعَ الهدوء " نوعًا ما..."
ابتسَمت له بلطفٍ تضعُ كوبًا منَ الحليبِ الساخِنِ أمامهُ " تمامًا كَما كُنا نفعلُ حينَ كُنا أطفالًا !."
ابتسمَ لها بدورهِ موافقًا " بلى... ما زلتُ لا أستطيعُ رفضَ الحليبِ الساخن !."
تلاشت ابتسامةُ ليديا لتحلَ محلها تعابيرُ القلقِ فهي أدركت أنّ آرثر يتصرفُ بغرابةٍ اليوم... كيفَ لا و هو تذكرَ أمورًا كافحَ طوالَ خمسةِ أعوامٍ لنسيانها و ها هو تذكرها كلها في لحظة..
وَ لو لم يكن قد نسيها حقًا إلا أنهُ نجحَ في دفنها داخلهُ في أعماقهِ على الأقل لكن ها هي تطفو على السطحِ مجددًا.
بنرةٍ قلقةٍ سألت " أنتَ بخيرٍ آرثر ؟."
أجابها بسؤال آخر " ليديا.. أتذكرينَ حينَ أخبرتني أن أجدَ نفسيَ مجددًا ؟."
أومأت ليديا بالإيجابِ فأردفَ يبتسمُ بارتباكٍ و يشتتُ نظراتهِ في الأرجاء " آسف.. لكنني مشتتٌ تمامًا في هذه اللحظة."
اتسعت ابتسامتهُ يلفها اللطفُ فأغمضَ عينيهِ مستكملًا " رجاءَ أخبريني مَن أنا مجددًا.."
تركت ليديا كوبَ حَليبها على الطاولة و اقتربت منهُ تعبثُ بشعرهِ بينما تبتسمُ بلطفٍ تخفي خلفهُ قلقها " أنتَ آرثر... تملكُ منَ العمرِ سبعةَ عشرَ عامًا.. تملكُ أختًا صغرى تدعى ليديا.. هي بنفسِ عمركَ تقريبًا.. أنتَ تحبُ حساءَ الخضارِ و الحليبَ الساخن.. تعشق القراءة و تعرفُ ما لا يعد و لا يحصى منَ الأمور الغريبة عديمة الفائدة و مؤخرًا بدأت تعتادُ على تلكَ العادية المفيدة.. مهووسٌ أحمقُ بالحيواناتِ و بالقطط خاصةً تطمحُ لتكونَ بيطريًا و معَ ذلكَ فأنتَ أحمقُ ذو تفكيرٍ سلبيٍ حينَ يتعلقُ الأمرُ بنفسكَ أو بخطرٍ يهددُ أقاربكَ.. و رغمَ ذلكَ أنتَ تخففُ مِن قدرِ مشاكلِ مَن حولكَ و تغمرهم بالإيجابية ."
ضحكَ آرثر بخفةٍ قالًا " أنتِ يمكنكِ أن تكوني شريرةً أحيانًا !."
وضعَ يدهُ أعلى يدها التي تعبثُ بشعرهِ مستكملًا " لكن أشكرك.. أشعرُ أنني أفضلُ حالًا.."
ابتسمت ليديا لهُ بدورها لتنهضَ و تسحبهُ مِن يدهِ قائلة " و الآن إلى النوم !، لقد تأخرَ الوقتُ كثيرًا بالفعل !."
أما صباحُ اليوم التالي... في القلعة الملكية و بالتحديدِ في جناحِ آيدن و في غرفةِ مكتبهِ.
حَدقت عينا كلحيِ الشعرِ الذهبيتانِ بورقةٍ ما بتركيزٍ شديدٍ يكادُ ينعزلُ عَن العالمِ الخارجِ لشدتهِ فزفرَ و مررها نحوَ أخضر الخصلاتِ قائلًا " ما رأيكَ كريس ؟."
قرأها المعني بصوتٍ مسموعٍ مستغربًا و عيناهُ البرتقاليتانِ اللتا اقتربتا مِن لونِ البندقِ تتحركانِ أفقيًا معَ الكلمات " عزيزيَ السيد ألف.. كل شيءٍ جاهز كما طلبتهُ تمامًا.. ننتظرُ إشارتكَ للتنفيذ.. منَ السيد باء."
أخفضَ كريس الورقة مجيبًا " لا شيءَ مريب.. ألف و باء رموزٌ لا يعلمُ بشأنها سوانا و جوزيف... لا أظنُ أنها مزورة..."
استلمَ آيدن الورقة من كريس مجددًا ليحدقَ بِجين هذهِ المرةِ قائلًا " ماذا عنكَ جين ؟."
انتشلَ المعني قطعةَ شوكولاتا منَ الطبقِ أمامهُ فأجابَ بينما يمضغها " بما أنّ لا أحدَ سوى أربعتنا يعرفُ بشأنِ الرموزِ فكونُ الرسالةِ مزورة يعني أنّ جوزيف خائن.. لا أظن أنه بهذه الحماقة.."
أسدلَ آيدن جفناهُ على ذهبيتاهُ مرخيًا رأسهُ إلى الأعلى " أليسَ كذلكَ ؟... لكن ماذا لَو توقعَ أننا لَن نشكَ بهِ ؟... ماذا لو--"
قاطعهُ كريس بنبرةٍ جديةٍ و نظراتٍ حملت بعضَ الصرامةِ في ثناياها " آيدن.. أنتَ حذرٌ أكثر منَ اللازم !، أتفهمُ موقفكَ لكنَ الحذر المفرط سيءٌ بقدرِ ما هو جيد !."
حدقَ آيدن بكريس بارتباكٍ فأومأ إيجابًا بطاعةٍ معتذرًا كطفلٍ صغير " أجل.. آسف."
لطالما كانت هذهِ طريقة كريس في وضعِ حدٍ لترددِ آيدن.. هو يعلمُ أنّ للأخير كُلّ الحقِ في التردد و الحذر..
و يعلمُ أنّ كلماتهِ منطقية و هي ليست بعيدة عَن الواقع.. لكن في الوقت ذاته ليسَ و كأنهم يستطيعونَ شيء سوى الثقةِ بجوزيف في هذه المرحلة المتقدمة منَ العملية
لذا رأى أنّ أفضل حلٍ يكمنُ في التقدمِ إلى الأمامِ بدلًا منَ التلعثمِ في المكانِ نفسه.
أخذَ كريس الرسالَة مِن بينِ يدي أميرهِ ممررًا زاويتها السفلى فوقَ لهبِ الشمعةِ التي تستريحُ على شمعدانٍ فوقَ مكتبِ آيدن لتتآكلَ شيئًا فشيئًا يتوهجُ أبيضها أحمرَ مائلَ إلى الصفرةِ ثُمّ يتصاعدُ ليحلّ محلهُ أسودُ فاحم يتطايرُ في الهواءِ رمادًا...
مشدٌ شدّ انتباهَ كحليِ الشعرِ لهُ فسرحَ في خيالهِ برهةً كما لو كانت عقودًا متتالية...
لا يعلمُ لِمَ .. لكنهُ أحسّ بوجودِ شبهٍ بينهُ و بينَ هذهِ الورقة التي احترقت مضمحلةً إلى لا شيء.
رغمَ أنهُ و من وجهةِ نظرهِ احترقَ لكنهُ لَم يمسِ رمادًا يومًا.. لا يزالُ لهيبهُ عالٍ لافحٍ يأبى الخبوَ و لو للحظة... إذًا ما تفسيرُ هذا الشعور المقيت المشؤوم الذي يساورُ قلبهُ متوغلًا في روحهِ و مهيمنًا على عقلهِ اللا واعٍ ؟.
أجبرَ نفسهُ على التناسي و لو كانَ ذلكَ الإحساسُ لا يفارقُ فكرهُ لكنهُ وقفَ على أيّ حالٍ يهتفُ بنبرةٍ أُشبعت بثقةٍ لَم تتزعزع و لَو قليلًا عكسَ تلكَ التي داخله " كريس، جين !، إنهُ الوقتُ الموعود !، نحنُ سنظفرُ بالعرشِ الليلة !."
أما إن عُدنا إلى ليديا و آرثر نجدُ أنّ الأخيرَ يلازمُ شيلا التي بدأت تستعيدُ وعيها أخيرًا... لكنهُ لَم ينتبه إلا حينَ قالت " نحنُ.. مَمسوسون.... مما يعني أنّ شيطانًا يسكنُ أجسادنا.."
ازدردَ آرثر ريقهُ يحاولُ استيعابَ كلماتها.. هي قالت للتو - شيطان - فأين أمسى الواقعُ و أينَ الخيال ؟.
أردفت " الشيطانُ يستمرُ باستنزافِ طاقةِ حياتنا.. و في النهايةِ نحنُ سنختفي.. كما لَو لَم نكُن موجودين منَ البداية.. هو سيستحوذُ على أجسادنا... سيؤذي أحبابنا .. و حتى يقتلهم واحدًا تلو الآخر ... كما أنّ وقتَ حدوثِ ذلكَ قريبُ لكَ و لي..."
أطلقَ آرثر زفيرًا مهتزًا سابحًا في أفكارهِ التي أظلمت بالكامل... أنفاسهُ لَم تضطرب إنما توقفت فقد أعطى سيدها الأولوية لفكرهِ غافلًا عنها... أطرافهُ ارتجفت و سكونٌ موحشٌ طغى على روحهِ لمجردِ تفكيرهِ بأنّ أحدًا ما سيؤذي ليديا مستعملًا وجهه.
تحسسَ رقبتهُ بأناملِ أصابعهِ متمتمًا " لا بدّ مِن طريقةٍ ما لإيقافِ الأمر .."
ابتسمت بلطفٍ رغمَ هيمنةِ الإرهاق على تعابيرها فربتت على شعرهِ ببطء " لا بأس، لا بأس.. هَون عليكَ....كُلّ ما عليكَ فعلهُ هو الخروجُ منَ المستعمرة... حَلُ كُلّ شيءٍ يكمنُ هُناكَ... حيثُ كانت البداية و النهاية."
نوبةُ كحاحٍ أخرى انتابت شيلا و هذهِ المرة معَ كُلّ كحةٍ تخرجُ دمائها سيولًا... لكنها لَيست قطعًا حمراء قانية.. إنما دماءٌ داكنة كثيفة ذات رائحة صدئة كتلكَ التي تخثرت بالفعل... لكن هَل الدماء تتخثر داخلَ جسم الإنسان أصلًا ؟
هتفَ آرثر باسمها بفزعٍ عشرات المرات مما دفعَ ليديا لاقتحامِ الغرفةِ بفزعٍ لتشهقَ مرعوبةً بمجردِ رؤيتها لحالةِ شيلا.
أما الأخيرة فتمتمت بضعَ كلمةٍ غيرَ مفهومةٍ فسطعَ نورٌ أبيضَ أرجاء المكان و انقشعَ آخذًا إياها معهُ إلى مجهولٍ لا يعلمهُ سواها.
في تلكَ الأثناء داخل القلعة... مشى آيدن في الأروقةِ بخطواتهِ الثابتة، الشامخة، و الواثقة المعتادة متوجهًا نحو غرفةِ العرشِ حيثُ يوجدُ والدهُ و عيناهُ تبرقانِ حدةً تنافسُ نصلَ أفضلِ السيوف.
و رغمَ كميةِ الحقدِ التي يكنها لوالدهِ فهالتهُ و الجليدُ واحد.. باردة.. راكدة.. شفافة.. لكن يتعذرُ عليكَ الرؤية مِن خلالها.. خالية مِن أيةِ نيةِ قتلٍ أو مشاعرَ سلبيةٍ و لو كانت أطيافًا خابية.. أما السببُ فهوَ منَ البساطةِ ما يشرحُ في جملةٍ صغيرة.. هو لا شيعرُ بشيءٍ منَ الأساس !.
و في تلكَ القلعةِ ذاتها أطلت سيدة سوداء الشعر زرقاءُ العينينِ بيضاء البشرة مِن بابِ غرفةِ نومٍ فاخرة استلقى بليك فوق السرير الذي يتوسطها على ظهرهِ خصلاتهُ السوداء مبعثرة و زرقاوتاهُ تحدقانِ بكلماتِ كتابٍ يمسكهُ بيدٍ واحدة معَ ابتسامةٍ جانبية.
سألت بحزمٍ و انفعال " بليك !، و لكن بحقِ السماءِ ماذا تفعل ؟!، إنهُ ليس وقت التقاعس !!."
أجابَ دونًا عَن إزاحةِ نظراتهِ عَن الكتابِ و بنبرةٍ ودودة " أهلًا أمي !، أجل، أنا بخير !، و لا أتقاعس !..."
زفرت بحدة " أنا لم أسالكَ عَن حالكَ !، و أيضًا ماذا تسمي الاستلقاءَ بإهمالٍ هكذا على السرير و قراءةُ كتابٍ أحمقَ في وقتٍ مهم كهذا غير التقاعس ؟!."
ضحكَ بخفةٍ فأجابَ بأريحيةٍ شديدة " لا تقلقي أمي.. كُلّ شيءٍ مخططٌ لهُ بدقة !."
تقدمت نحوَ سريرهِ بخطواتٍ متسارعةٍ عصبيةٍ فجلست على الحافةِ تقولُ بانفعال " أتفكرُ في جعلهِ يقتلُ والدكَ بليك ؟، أهذهِ هي خطتكَ الدقيقة ؟!."
صفعَ كتابهُ بخفةٍ يجلسُ على السريرِ متكأ بإحدى ساعديهِ " واو ~، بحق الإلهِ أي نوعٍ منَ الأشرار تظنينني ؟، يستحيلُ أن اقفَ مكتوفَ اليدينِ أراقبُ أخي الصغيرَ يصبحُ قاتلًا و لو لَم نكن أشقاء !، فلتثقي بي !، لَن أدعهُ يؤذي نفسهُ و والدنا !."
هبت واقفة تشيرُ لهُ بسبابتها " يستحسنُ أن تكونَ عندَ كلامكَ بليك !، و إلا ستدفعُ الثمن غاليًا !."
خرجت منَ الغرفةِ تصفعُ بابها بقوةٍ بينما تمتمَ هو مبتسمًا : مخيف مخيف..."
نعودُ إلى ممرات القلعة... هُناكَ حيثُ يمشي آيدن و كُلّ حواسهِ يقطةٌ بالكامل يتربص بالإشارة التي اتفق عليها معَ كريس و جين في حالِ استعدا للعمليةِ بشكلٍ كامل
إبرةٌ سوداء هطلت من نافذه الرواق المفتوحة كالشهابِ كإشارةٍ على بدء العملية، إشارةٌ لا مجالَ للتراجعِ بعدها
فقد خرجت مِن مسدس جين الذي وقفَ بعيدًا على سطحِ أحدِ أبراجِ القلعةِ المقابل لمدخلِ غرفة العرش قربَ كريس فاستبدلَ مسدسهُ ببندقيةِ قنصٍ متطورةٍ منبطحًا على بطنهِ موجهًا فوهتها نحوَ آيدن آخذًا نفسًا عميقًا تجلى فيهِ القلق و الضيق الملازم لهُ منذُ أفاقَ صباحهُ لسبب ما و عيناهُ تبرقانِ بحدةٍ بينما ينظرُ إلى الهدف.
جلسَ كريس القرفصاءَ قربهُ قائلًا " أتستطيعُ حقًا أن تفعلها جين ؟."
قطبَ برتقاليُ الشعرِ حاجبيهِ منزعجًا فردّ باغتياض " مَن تظنني كريس !، أنا أفضل قناصٍ في المملكة !!."
تعابيرُ جادة شقت طريقها إلى تقاسيمِ وجهِ كريس و قد قالَ بشيءٍ منَ البرود " لَم اقصد الأمرَ عمليا... بَل معنويًا.. أ أنتَ مستعدٌ لسلبِ حياةِ أحدهم حقًا جين ؟، فكر جيدًا.. أنتَ طفل.. فهل أنتَ مستعد لتلوثَ يديكَ بالدماءِ و تصبحَ قاتلًا ؟."
قبضَ على سلاحهِ بشدةٍ حَتى ابيضت أطرافُ يديهِ فهمسَ بشيءٍ منَ العزم " إن كانَ مِن أجلِ أميري... إن كانَ مِن أجلِ هذهِ البلاد.. فلا أهتمُ لَو أصبحتُ حاصدَ الأرواحِ بعينه !."
ركزَ جين في منظارِ قناصهِ بعدَ هذه الجملة " أه !، لقد دخلَ غرفةَ العرش !!."
بقيَ يحدقُ ببابِ غرفةِ العرشِ محدقًا بمنظارهِ بتوترٍ و أعصابهُ على الحافة فأدارَ عدستهُ نحوَ الجهة الأخرى ليهتفَ بقلقٍ " كريس هذا سيء !، نحنُ في ورطةٍ لَم نحسب لها حسابًا !!."
فإن عُدنا إلى غرفةِ بليك نجدُ أنهُ هَمّ بتغييرِ ثيابهِ إلى أخرى مريحة و فاخرة معلقًا سيفهُ النحيلَ على خصرهِ
فخرجَ يرمقُ كُلّ ما حوله بثقةٍ مفرطةٍ و كبرياءٍ شديدين يحتلُ زرقاوتاهُ بريقٌ حادٌ و ابتسامةٌ ماكرةٌ رُسمت على محياه.
أما داخلَ غرفةِ العرش.. استُقبلَ آيدن بمشهدٍ هَدمَ كُلّ توقعاتهِ و حساباته.. مشهد لَم يتوقع رؤيتهُ و لو بنسبةِ واحدٍ على مليون..
والدهُ كانَ هُناكَ جالسًا على عرشه... بملامحهِ الحادة ؛ الهادئة ؛ العابسة ؛ الجادة و الجبارة... تلكَ التي تدبّ في قلبكَ رعبًا و رهبةً مجبرةً إياكَ على الاعترافِ بِمَن أمامكَ ملكًا عظيمًا سواءَ شئتَ أم لَم تشأ.
لَكن مهلًا.. قدحُ النبيذِ الزجاجي الفاخر مكسورٌ تحتَ أقدامهِ التي داست على آلافِ المواطنينَ بلا شفقةٍ أو رحمة.. و سائل زيتي أحمرٌ أغرقَ الأرضية ...
ذلكَ قطعًا أكثرُ مِن أن يحتويهِ قدحٌ صغيرٌ كهذا... أكثرُ بكثير.
رفعَ نظرهُ نحوَ الأعلى و عيناهُ تتسعانِ شيئًا فشيئًا... ملابسُ والدهِ تصطبغت أحمرَ كذاكَ الذي افترشَ الأرضية ..
رُمحانِ غُرسا في صدرهِ و سيفٌ في رقبتهِ و الدماءُ شيءٌ يقطرُ و شيءٌ قَد جَفّ بالفعل...
عَقلُهُ تشوشَ تمامًا حَتى مزجَ الواقعَ بالخيال فَخُيلَ لهُ اهتزازٌ في الأرضِ تحتهُ و مئات الأقدامِ تقرعها...
حرارةٌ تَصاعدت في حلقهِ تُجففُ ريقهُ و أنفاسهُ ضاقت فمهما سحبَ منَ الهواءِ حولهُ لا يكفي..
أصبحت الدنيا تدورُ بهِ فتراجعَ خطوةً إلى الخلف بعدَ أن شعرَ بتوازنهِ يختل.. صوتُ الأقدامِ تقرعُ الأرض لَم يتوقف و على العكس أصبحَ يعلو و يصدو في رأسهِ متصاعدًا... مشاعرهُ تبعثرت فأمسى غيرَ قادرٍ على التصرفِ بعد !.
رد مع اقتباس