عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 07-24-2017, 01:27 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/28_04_17149333614378276.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]






فخامة رهيبة ~


4


تركت لساقاي العنان في كنف حديقة منزلنا الخلفية، حاملة بين يدي رشاش المياه أمطر الأزهار بهتن خفيف كالندى متفاخرةً أمام لوي بخبرتي الواسعة في هذا المجال التي اكتسبتها من مساعدتي للعم رؤوف في حديقة الميتم.
لم يبدُ عليه الإهتمام.. عيناه الرماديتان تتابعنني بهدوء وقد اتخذ من عتبة الباب مجلسًا، يمسك بشقة بطيخ بكلتا يديه أخفت معالم وجهه السفلية حتى لا أكاد أعلم إن كان ينوي أكلها بالفعل أم يتعمد إخفاء وجهه بها، واستقر طبق البطيخ على يمينه.. بطريقة ما بدا مختلفًا عن لؤي الذي أعرفه!

لم تشرق الشمس اليوم ولا أمل لانبلاج سناها بعدما ابتلعتها كتل الغيوم المتكاتفة.
جلست على العشب النديّ وطويت ساقاي أسفلي غير عابئة بابتلال ملابسي فقد سبق ونال الماء منها، ألامس بتلات الورود قبالتي منتشية بعطرها، واعترتني رجفة مفاجئة عندما مر شيء من خلفي محركًا الهواء الراكد، فاحتضنت نفسي مستشعرة البرد والتفت إليه.
لم يحمل وجهه أي تعبير، بأعين نصف مفتوحة حدجني سراج وكأنني ارتكبت خطأ ما!

- ماذا؟!
نطقت وبادلته نظراته متحدية.
ألقى ما بيده على وجهي فازحته بعصبية بعد أن أصاب عيناي : ما الذي تفعله؟
استدار عني وحرك يسراه في الهواء معللًا : لا تحلمي أن اعتني بك إن أصابك المرض.
عاينت ما بيدي فلم يكن سوى منشفة!
أعدت نظري إليه وعلى لساني كلمات أردت التصريح بها لكنه سبقني بالحديث منحنيًا بجزعه ينتزع طبق البطيخ من جوار لؤي : أأصاب كلاكما الجنون؟! إننا في الشتاء!
رمقه الأخير فاغرًا فاه وشرع يتناول ما بيده على عجل وكأنما يخشى انتزاعه منه قسرًا كما فعل بالطبق
- أدخلا وإلا ألقيت بنصيبكما من الطعام لكلاب الحي.

**

كنت متربعة على الأريكة أتابع التلفاز مع لؤي المستلقي على الأرض بأريحية، بدا متحمسًا لأحداث الفيلم مثلي فتبادر إلى عقلي هيئته صباحًا ووجه الجامد وتسلل اسم سلمى إلى أفكاري، أيكون لها يد في ذلك؟! ، تصادمت نظراتنا مع التفاتته إلىَّ وهو يشير الي التلفاز أن انتبه، كان أحد أفلامه المفضلة كما زعم ولم يرد مني تفويت هذا الجزء بالذات، صوبت نظري إلى الشاشة سريعًا متداركة بعد أن اتضح لي أن بصري انحاز إليه دون أن أشعر.

انتبهت لكتف سراج الذي غطى نصف الشاشة قبالتي فجأة أثناء انغماسي في المتابعة، بالكاد كانت أنامله تلامس حواف طبق الحلوى الذي وضعه على الطاولة القريبة من مجلسي للتو، بعدم استيعاب رفعت بصري إليه فوجدته ينظر بعيدًا بهدوء لم أعهده سرعان ما تبدل وهو ينظر أسفله ويرفع قدمه اليمنى حانقًا بحركة استعجبتها وكأن شيئًا ما علق بها : دعني أيها الوغد!
نبرته العالية اخترقت مسامعي فأرخيت رأسي قليلًا أستطلع الأمر.
ذراعا لؤي الملتفة على ساقه أبت تركه رافضةً الحراك وبان شيء من الإزعاج على ملامحه : لماذا تفسد علينا الفيلم، ألا يكفيك ما فعلته في الصباح؟! من سيعوضني عن البطيخ الذي اشتريته بعد عناء!
بدى كطفل يتذمر من والده!
وضعت يدي على فاهي كاتمةً ضحكة وتابعت تلوى لؤي على الأرض باستمتاع أثر حركة سراج العنيفة، وما هل إلا ثوان حتى هدأت حركة ساقه مثبتًا إياها على الأرض ظننت فيها أنه استسلم.
تبسمت كوني علمت عنه هذه السمة أتراها السبب أيضًا في تركه لزوجته؟!
أدرت بصري علني أنفض عني تلك الأفكار التي تهاجمني فجأة كمحاولة لعدم الخوض فيما لا يخصني، واتكأت على الأريكة مستعدة للوقوف.
لم أكد أفعل حتى خُطفت أنفاسي وشقهت متسمرةً في مكاني وأنا أرى قدمه الأخرى تتحرك مسددة ركلة إلى رأس لؤي الذي سارع بإفلات ساقه وأمسك رأسه متأوها.

مرر أنامله بين خصلات شعره متنهدًا : هذا جزاءك.
حدقت به مشدوهة فانتبه لوجودي أخيرًا وخيل إلي أنني لمحت شبح ابتسامة على ثغره قبل أن ينصرف.

**

انتابتني السعادة عندما أتصلت ريناد ودعتني إلى حفل سيقام في منزل صديقتها غدًا مساءًا؛ فركضت إلى لؤي فرحة أخبره عن الأمر وهو لم يبدي معارضة بل رحب بالفكرة بسرور وجلسنا نثرثر ونضحك حول الأمر وطرائف الحفلات الممتعة، أخبرني أنني بحاجة إلى ملابس مناسبة لكنني ما كنت بحاجتها فعليًا فلدي ما يكفيني لكنه أصر وانخرطنا في حوار علا فيه صوت لؤي مصطنع السيطرة قطعته إطلالة سراج علينا ببدلته الرسميه متوجهًا إلى عمله الذي لم أعرف بعد ما يكون.
فأقبلت عليه بابتسامة واسعة وألقيت على مسامعه الخبر، ظل ساكنًا لبرهة يحدق بي وتلاشت ابتسامتي مستعدة لسماع رفضه المعتاد، عبست متنهدة وكدت أعود ادراجي فاستوقفني بقوله : أفعلا ما يحلو لكما لا شأن لي بذلك.
حدقت به دهشة فقابلتني تعابير وجهه الفاترة تؤكد لي عدم مبالاته بالأمر، هو لم يعترض لكنه في ذات الآن لم يوافق، ووجدت نفسي أتمنى وأتوق إلى معرفة رأيه حتى وإن كان رافضًا.. ودهشت من نفسي!!

- شأن من إذًا؟ أولست شقيقها الأكبر ورب هذا المنزل؟!
عقب لؤي معترضًا بحدة وترك الأريكة التي يعتليها متقدمًا نحونا، نظرت إليه برجاء أن لا يبالغ في القول لكنه لم يأبه بنظرتي وواصل التقدم.
- أنا لست والدها!
- بلا نحن كذلك.
صاح لؤي محركًا ذراعه بانفعال يشق بسيف كفه هواء الغرفة.
رد باستهجان ساخر : وكيف ستكون والدًا لها إذًا بعد أن تتزوج؟ هل سترضى سيدتك الوقورة ذلك أم أنك ستتركها وتعيش هنا مع ابنتك المدللة؟!
أطلق سراج ضحكة استفزت لؤي فقبض على يده يكبح زمام الغضب ونطق بنبرة تحمل وعيدًا ظاهرًا : لا تتحدث عن من ستكون زوجة أخيك بسوء؛ ألا تخجل من نفسك؟!

- يبدو أن الحديث سيطول؛ لنجلس.
قال محركًا رأسه تجاهي فاذعنت لأمره بدون مقاومة واسندت رأسي إلى حافة الكرسي باستسلام منتظرة ما ستؤول إليه الأمور.
- لا تتجاهل حديثي!
رنت ضحكة سراج المستمتعة وأعقبها بقوله : إنني أسمعك يا أخي العزيز.

رفع سبابته محذرًا : أبعد أفكارك المعقدة عن سلمي أنا من سأتزوجها وليس أنت.
غضن جبينه بضيق واضح وتحدث من تحت ضروسه المطبقة : لماذا تصر على تعكير مزاجي؟ ألم تكن للتو تتحدث عن الصغيرة؟!

رفعت رأسي وقلت بصوت مهزوز مرتبك : أنا لا أريد شيئًا.
- أخرسي أنتِ!
لم يكن صوت سراج من زلزلني هذه المرة، نظرت له بمزيج من الصدمة والانكسار، يعتصر قلبي ألمًا.
حتى سراج لم يستطع إخفاء دهشة ورمقه مترقبًا القادم..
كل كلمات سراج وصراخه علي وسخريته التي لا تنتهي مني ومن والدتي غير مراع احساسي او احتساب حرمة الموتى شعرت أنها جميعا لا تساوي شيء أمام هاتين الكلمتين اللتان اندفعتا من بين شفاه لؤي في تلك اللحظة!

وقفت استند على حافة الأريكة قبل أن أشد أزر نفسي وأمضى إلى غرفتي بخطوات ثابتة وعقل مشوش.

- ياسمين!
هتف من مكانه بلوعة ولم تتجرأ قدماه على الحراك.

**

استلقيت على سريري أفكر في اللاشيء، أغمض عيني للدقائق ثم أفتحهما فيصدمني الضوء المنبعث من المصباح المتدلي في سقف الغرفة لأعاود إغلاقهما مجددًا وقد اعتراني شيء من الإزعاج.
سمعت صرير الباب وتلاه خطوات أقدام تقترب وشعرت بحركة خفيفة للسرير أثر جلوس أحدهم عليه، ففتحت عينًا واحدة اختلس النظر فإذا به سراج جالسًا علي طرف الفراش موليًا إياي ظهره.
- إنه منزلي.
لم أفهم ما الذي يريده من خلف تلك الجملة فآثرت الصمت، وراقبته بعيناي نصف المفتوحة.
زحف بصره إلى منتصف الجدار يتأمل لوحة لأزهار الياسمين النضرة وقت الغروب قبعت هناك، ونطق بعد مدة : ليس عليّ الاستأذان للدخول.
أجبت يهمس خفيف رغم أن الأمر لم يعجبني تمامًا : أعلم.
التفت إلى بنصف وجهه وتسائل بفضول : أتبكين كالمرة السابقة؟!
رغمًا عني انفرجت شفتاي بنصف ابتسامة حملت بين طياتها دهشة واستهزاءًا؛ فألقى ببصره إلى ركن آخر في الغرفة واسترسل : لقد هرب كالعادة.
تقلبت على جانبي الأيسر وأوليته ظهري هذه المرة متجاهلةً.

- أنا لست والدك ولا هو كذلك عليك تقبل الواقع.
- ومن قال أني أعترض؟
- عيناكِ.
انقبض قلبي من كلمته المفاجئة وارتفع حاجباي في دهشة وعندما حولت طرفي إليه كان لايزال جالسًا بهدوء وقد تقوس ظهره للأمام قليلًا مسندًا ساعديه إلى ركبتيه.
- أنا لست والدك.
كرر بهمس خفيف وكأنه يريد ترسيخ كلماته في رأسي.
- تكرهني لأنني أشبهك؟
- لو كان الأمر يتعلق بالمظهر لكان الأولى في الكره هو أنا لأنني أشبه والدك ألا تعتقدين ذلك؟
نطقت بسرعة : لكنني لا أكرهك!
- أتحدث عن نفسي.
وقف متنهدًا يعدل هندامه واستدار إلى بكامل جسده قائلًا : لقد أخرتني عن العمل بما يكفي قولي ما الذي تريدينه لأحضره في طريق العودة.
اعتدلت جالسة وأجبت بغضب طفيف متحاشية النظر إليه : لا أريد شيئًا!
صعقت برزمة المال التى ألقيت أمامي فجأة ونطقت وعيناي تتعلق بها : ما هذا؟!
- مال.. هل هذه المرة الأولى التي ترينه؟
نبرة استخفاف علت صوته فنظرته محتدة : يمكنك الاحتفاظ به لنفسك لا حاجة لي به.
تبسم بطريقة غريبة وكأنه يسخر من أفكاره التى راودته في تلك اللحظة ومد يده منحنيًا ليسترد ماله : عفيفةٌ ها؟ هي أيضًا كانت كذلك قبل أن يجرفها الطمع.
وعلمت من جملته أنه يشير لأمي.
أسند ذراعه على إطار الباب وألقى نظرة طويلة علي اللوحة قبل انصرافه ونبس بغموض: لم تجلب سوى الأحزان.. تخلصي منها سريعًا قبل أن تصيبك لعنتها.

**

- ياسمين.
صوت لؤي من نبهني هذه المرة بعد ساعات من الإنتظار استغل القمر فيها فرصته وبسط غيهبانه الديجوري على عرش السماء.
لم أكن فى غرفتي إنما مضجعة على الأريكة أشاهد التلفاز بذهن غائب وفور ما سمعت صوته اعتدلت في جلستي ونهضت لاستقباله.
- لماذا تأخرت كل هذا الوقت؟.. تعلم أنني لا أحب البقاء وحدي بالمنزل.
بصوت جاهدت لخروجه مرحًا لفظت وتقدمت لأستكين أمامه.
- أحضرت لكِ شيئًا.
ألقى بذراعيه على كتفي بغتة وجرني إليه معانقًا : أنا آسف.
حاولت دفعه عني متملصةً بعد أن أحكم علي بقوة لم أتحملها لكنه أبى تركي وشدني إليه أكثر.
- أنت تبالغ، دعني لا أستطيع التنفس!
بصوت شبه منعدم خرجت كلماتي.
- قولي أنك سامحتني.
- لقد فعلت.
شدد على جملته بإصرار : قولي سامحتك.
نطقت بسرعة مأخوذة الأنفاس : أقسم أني سامحتك ابتعد عني الآن.
أبعدني عنه ونظر إليَّ باسمًا فركلته في ساقه لاهثة وقد خالجني شيء من الغيظ : لا تكررها أيها الوغد عديم القلب كدت تقتلني!
تقوس حاجباه وسحب أذني مؤنبًا خائب الأمل : أتقلدين ألفاظ سراج البذيئة الآن؟!
رفعت بصري إليه ممتعضة ومددت لساني استحثه على اللحاق بي : ليس لك شأن في هذا!
وهربت منه في أرجاء المنزل ضاحكة تغمرني سعادة أنستني كل هم قد مررت به يومًا وهو يتبعني متوعدًا بإنزال أسوأ أنواع العقاب على.

**

- ياسمين إنني أنتظر!
- قادمة.
أجبت على عجل وطالعت نفسي للمرة الأخيرة في المرآة، كان ثوبًا رائعًا اشتراه لي لؤي بالأمس كهدية اعتذار.
جزئه العلوي بلون سكري هادئ مصنوع من صوف ناعم رجحت كونه فاخرًا لأنه لم يسبق لي وأن أحسست ذاك الشعور عند ارتداء الصوف سلفًا، طويل الياقة والأكمام تَناسب مع الشتاء تمامًا.
وتنورته من القطن الأخضر الفاتح تصل لمنتصف الساق تقريبًا، أحببت الحزام اللؤلؤي الذي أحاط خصري فحاوطت رقبتي بقلادة لؤلؤية كذلك ورفعت شعري كذيل حصان مع إبقاء غرتي حرة تتدلى على جبهتي.
ابتسمت كوني استشعرت به بساطة الريف وفخامة العاصمة في الآن ذاته فقد كانت مرتي الأولى لارتداء المجوهرات حسب ما أذكر.
ارتعدت من صوت الباب الذي اخترق السكون فجأة فمضيت لفتحه بعد أن التقتت حقيبتي وعلقتها على كتفي.
- كيف أبدو؟
همست للؤي وابتسامة كبيرة تشق وجهي، لم أشعر به إلا وهو يرفعني في الهواء كطفلة ويضحك بسعادة وشعرت بقلبي يسقط بفعل حركته!
دار بي نصف دورة ثم تركني أترنح لأسارع بالاستناد على ذراعه وأغرس أصابعي في قميصه بانفاس مضطربة : أتود قتلي أم ماذا؟ ليست المرة الأولى التي تخيفني هكذا!
رنت ضحكته المرحة وطبع قبلة أعلى رأسي وربت عليه كجرو صغير.
- لم أكن أعلم أن وجود أخت صغرى في البيت سيجعل الحياة تدب فيه بتلك البهجة.
- إنك مجنون يا لؤي!
استنكرت وسحبت هواءً ملئ رئتي لأعاود الإستقامة وابتسم إليه مجددًا، لن أنكر أن كلماته أسعدتني في النهاية.

- أيها الأب الحنون!
هتف سراج وهو يحث الخطى إلينا بصوت لين لم يحمل من السخرية ولو ذرة!
فالتفتت رؤوسنا إليه ولازالت تلك البسمة عالقة بشفتاي.
- أسترحلان هكذا؟
فتح ذراعيه مستفسرًا فترجم عقلي الكلمات بطريقة خاطئة وتصاعدت السعادة لأقصى درجاتها وأنا أهرول نحوه معانقة إياه بتسرع وإهمال مني.
- لم نكن لنرحل قبل توديعك.
- لم يكن هذا ما أردت.
لفظ ببرود وأبعدني عنه بهدوء وكأنه لا يكترث لي، شيء بي تحطم لحظتها فجاهدت لإبقاء ابتسامتي محلها ورفعت وجهي إليه مغمضة العينين مانعة بصره من الولوج إلى داخلي وسبر أغواري : أعذرني.
استدرت عنه فسحب ذراعي ولازلت أولي له ظهري ووضع به شيئًا لم أتبينه إلا عندما أعلن : إنه هاتفك الجديد، قد تحتاجينه.
أومأت ولم أقوَ على الرد وفي اللحظة التي ترك بها ذراعي تتهاوى شعرت بالهاتف ينزلق لكنني سارعت بإحكام قبضتي عليه بقوة.

**

- أنظري إلى الجانب المشرق لقد أعتذر لك بالأمس وفي المقابل حرمني بطيختي الثمينة وأهداكِ هاتفًا كذلك، إنه يدللك بطريقته.
وياله من دلال! قهقه لؤي وحول مسار قيادته إلى شارع فرعي في حين أسندت رأسي إلى الزجاج السيارة باستياء، لم أكن في مزاج يسمح بالإنصات إلى دعاباته لكنني احترمت كونه يحاول التخفيف عني حينها.
- تلك الحلوى مساءً كان يصنعها لي في صغري عندما نتشاجر، إنها بمثابة اعتذار لديه.
حركت رأسي مدعية الإهتمام وتعلقت عيناي بخط المباني على يساري.. بدت رتيبة مملة لا حياة فيها وهيء لي أن الحفل سيكون كذلك.
- بالمناسبة كيف هي الحفلات هنا؟
غيرت دفة الحديث فتطلع إلي بإشراق وأعاد بصره سريعًا إلى الطريق ليتحدث بحماس : سيكون عليك أكتشاف ذلك بنفسك أرجح أنكِ ستستمتعين.
سحبت نفسًا عميقًا وزفرته معتدله في جلستي : أتمنى ذلك.

**

عندما اقتربنا من مكان الحفل لمحت ثلاثة فتيات ممن هن في سني أو أكبر يلجون إلى المنزل المحدد، قدرت من حركاتهن أنهن يتبادلن بعض الأحاديث الطريفة واحتل البحر خلفية المنظر ممتدًا ببهاء يعكس على صفحته بريقًا ألماسي خافت لأنواء السماء الليلية وإن كان بعيدًا إلا أنني ألفته وغدرت بي ابتسامه مسحورة بروعة المنظر.

- أعجبكِ المكان؟
- إنما البحر!
اندفعت أسأل بينما أنظر إليه بتوق : أتحبه؟
ارتخت عضلات وجهه ولم يبدو سعيدًا هو يجيب : ليس كثيرًا.
همهمت بتفهم والفضول يساورني سرعان ما نفضته مستعدة للنزول.
- أعتني بنفسك واستمتعي.
- سأفعل.
أجبت باشراق وترجلت من السيارة لأنعم ببرودة نسمات الليل تتخلل ثنايا شعري وملابسي لوحت للؤي واستدرت ترافقني نظراته إلى حين ولجت إلى المنزل.

- أهلًا بك بيننا، شرفتِ حفلتنا الصغيرة!
صوت صاخب أفزعني وقبل أن اتمكن من رؤية المتحدثة أحاطت رقبتي بذراعها مما فاجأني فافترت بتشنج : آه حسنًا.

تنامى إلى مسمعي صوت موسيقى صاخبة لم تستطع الجدران كبحها من التمرد خارجًا تمازجت معها أصوات ضحكات مجلجلة وصراخ مرتفع نغمه، وعندما تركتني تلك الفتاة استقمت مدركة أنني في المكان الخطأ.. مختلف تمامًا عمَ اعتدت عليه!

أين المقاعد الخشبية؟ أين بيانو خلود وكمانُ شمس؟ أين الهدوء والسكينة؟ وأين قوانين الميتم التي تنص على عدم رفع أصواتنا بتلك الطريقة المخزية؟!

تحركت خطوة إلى الوراء متوسعة العينين.. إن كان هذا الصوت نابع من الداخل فكيف يكون الحال هناك إذًا؟!
أردت العودة إلى المنزل الساعة، شعرت أن بدخولي لهذا المكان سأخون كل ما غرسته بنا السيدة أماني و.. أمي!

لكن شيء ما أوقفني يدٌ وضعت على ظهري بهتة تدفعني إلى الأمام مما أجفلني وعندما التفت كان صبيًا أطول مني قامة وقد انعكس شيء من نفاذ الصبر في عينيه وهو ينطق : ما الذي تنتظرينه؟! إنك تسدين الطريق.

ابتعدت بارتباك ووثب قلبي في قفصه يرتجف، سارعت الخطى إلى الداخل واحكمت قبضتاي على حزام حقيبتي بسخط أقاوم رغبتي فى مسح بقايا موضع يد ذاك الغريب عني.

**

قربت كأس العصير من فمي وأنا أراقب أجواء الحفل الصاخبة من مكاني مستندة علي سور الشرفة البارز، لأجلك رينا سأنتظر قليلًا بعد.. ولكي لا أقلق أخواي كذلك.
ضوء باهت عم الغرفة أخترقته ألوان المصابيح الصارخة المتدلية من كل مكان في هذه الصالة، وكراسٍ معدودة قبعت في أركانها خلت من الجالسين المشغولين بالرقص والمجون واحتلت الركن الغربي طاولة مستطيلة توزعت عليها أصناف الطعام والشراب.
عضضت شفتاي قهرًا لما آل إليه الوضع ونقلت بصري في المكان مكرهه أحاول التقاط شبح رينا من هذا الجمع.

- ياله من رد فعل!
صوت هادئ انبعث من جانبي فشككت أن أكون المعنية وناظرت صاحبته بترقب، كانت تستند على الطرف الآخر من سور الشرفة بكلتا ساعديها وتتطلع للأمام كما لو كانت تراقب أحدهم، لكنها قريبة بحيث أمكنني سماع ما تقول.
رمشت عدة مرات مترددة قبل أن أسأل : ما الذي تعنينه؟
أشارت إلى أذنها ففهمت ما ترمي إليه ونطقت بصوت أعلى نسبيًا : ماذا تقصدين؟!
لمحت زاوية فمها تنحني مجيبة : يبدو أن لديك خوف مرضى من الفتيان!
أطرقت برهة وأعدت البصر إلى الأمام مستأنفة : إنه شأني.
- أدعى سراب.
تلاقت نظراتنا عندما حركت رأسي باتجاهها وهمست باهتمام : ياله من اسم!
رفعت ذراعيها وتثائبت بملل وهي تمشي نحوي : يمكنني تخمين ما قلته.. لقد مللت المنظر أتودين الذهاب إلى مكان آخر؟
- إلى أين؟
غمزت بعينها ضاحكة : أعرفك على الرفاق!

**

- صفاء.. حنين وأمل.
لفتت الأخيرة انتباهي من بين الكل ليس فقط بالأسم الذي يطابق اسم زوجة رائد إنما هدوئها كذلك، وجلستها المستقيمة على الكرسي راعتني كما لو كانت نبيلة، وواترت أهدابها الانسدال ببطئ شديد على محجريها منافية وقع الموسيقى وعندما تفتحهما تنعكس الأضواء خافتةً على حدقتيها الداكنتين، حدقت بي وبش وجهها : يبدو أنها مرتك الأولى.
خرجت كلماتها لينة لم تختلف سرعتها كثيرًا عن سرعة حركة أجفانها.
- إنها كذلك.
أمالت رأسها بعبوس : آسفة يبدو أنك تورطت مع شخص ممل مثلي.
هتفت مصححة : لا لا الأمر ليس كذلك أبدًا بل أنني أتمنى لو نكون أصدقاء.
ضحكت بخفوت : سيكون ذلك من دواع سروري.

- هل تأخرنا؟ ما الذي كنتن تتحدثن بشأنه؟
استعلمت حنين بدون نية لمعرفة الجواب في الحقيقة وألقت ذراعها على كتفاي بلا تحفظ، هي بعينها الفتاة التي استقبلتني عند المدخل وبدا لي أنها عادة فيها!
استرسلت متنهدة : إن العدد كبير هذه المرة وعلي إلقاء التحية على كل فرد هنا.
عقبت سراب هازئة : من أخبرك أن تجعلي الدعوة مفتوحة؟
زمت شفتيها وهمهمت بطفولية : ما كنا لنلتقي ياسمين حينها!
ابعدت ذراعها عني وبدت أكثر جدية وهي تضرب قبضتها على كفها المنبسط : تذكرت.. إن ريناد تنتظرك!
لم تفسح لي المجال للحديث إلا ووجدتها تصرخ في صفاء التي كانت ترقص لحظتها وتشير إليها أن تنادي ريناد، يبدو أنها مشهورة!
تصلب لساني عندما تطرق إلى أذناي صوت عقلي ووجدتهم يحدقون بي.
سارعت بالقول متداركة الموقف : حسنًا إنه رأيي وحسب.
قهقهت حنين : إنها كذلك!

**

أقبلت نحوي ريناد مخترقة الجموع واندفعت إلى معانفة : لم أعتقد أنك ستأتين!
مازحتها : هذا ما حدث.
وضعت كفها أعلى ذراعي وتبسمت بينما انتقل بصرها على امتداد ثوبي : لسنا في حفلة لرجال الأعمال هنا.
لكزت ذراعي بمرفقها ملاطفة : لا عجب أن الأنظار تنصب نحوك!
فغرت فاهي أحاول استيعاب الأمر وخيل إلي أن الأعين تخترقني من كل صوب لكنني رفضت الأنصياع لحدسي ومقابلتها.
ضحكت ملئ قلبها : تبدين غريبة بحق!
ضيقت عيناي أعلمها أن دوري في تقييم ملابسها قد أتي فاتخذت وضعية عارضة أزياء من فورها وتخصرت وكسى وجهها تعبير ناعس كما كان يفعل عارضها المفضل على غلاف الملصق الذي كانت تكتنزه.
لم يعجبني تمامًا ما ترتدي وصدمني أرتدائها لملابس قصيرة كاشفة كتلك!
نطقتُ بعدم تصديق : ما الذي ترتدينه؟! أوافق والداك على خروجك هكذا؟!
- لقد اعترضوا في البداية لأن الجو بارد، تعلمين قد تسقط الأمطار في أي لحظة لذلك اضررت لأخذ معطفي ومظلتي.
ببساطة أجابت وكأنه ليس بالأمر الكبير!
- ماذا عن ما تعلمناه في الميتم؟
شبكت ساعديها وتحدثت بلهجة استخفاف : الميتم وجد لليتامى يا ياسمين، مشكلتك أنك تعيشين في الماضي.

ما كنت أعلم إن كانت هذه رينا التى أعرفها أم شخص آخر أحاط الظلام كيانه فما عاد يمكنها الفكاك من براثنه، وتجلت إيماءاتها في عيني كما لو كانت مصفدة بخيوط وهمية تنبع من فراغ.
- أنا شخص يحترم المبادئ.
لفظت بقوة وهبتني إياها العواصف المتأججة بداخلي وأشحت عنها وجهي بحسرة حاسمة أمر الرحيل.

**

لم يكن وجه سراج مسرورًا عندما رآني أمام الباب.
بالكاد أمكنني الوقوف والرجفة تسري في أنحاء جسدي، وبمشقة ألتقط أنفاسي كما لو كنت أتسولها.
أبعدت خصلات شعري الملتصقة بجبهتي لأطالعه برجاء أن يفسح لي المجال للدخول، رمقني مذهولًا يسأل : هل عدتِ ركضًا؟!
تلعثمت بصوت متقطع : أمنحني كوب ماء أولًا!


xXx


السلام عليكم
كيف الحال ؟
أعلم كم من الوقت تأخرت لكن ما باليد حيلة عندما يتعلق الأمر بالسفر والمرض فاعذروني xD
هذا الفصل ضعف حجم سابقه كما ترون
^
تعويض خ
شكرًا لكل من شرفني ولو بلايك
بانتظار توقعاتكم وآرائكم
قراءة ممتعة



[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________

غدًا ستشرق الشمس!

× شرطة خارجة عن القانون ×

سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

سَلة التفاح ♪|| بلون السماء..!
رد مع اقتباس