فرأى انزعاج تارو لمّا ذكر كيفين،
ديفيد: أنا من سيتكلم معه لذا لا داعي لانزعاجك الآن، سأصلح المشكلة قبل أن تتفاقم.
: لست منزعج... ولكن السؤال هو هل يعلم كيفين مشكلةَ بيرلا مع اهلها؟
أخرج ديفيد الهاتف وبدأ يضغط على أزراره
: نحن لا نعلم أساسا لم دخلتْ الجيش؟ ولمَ تقول أن آل فيرناندو ليسوا أهلها؟
أظن أن كيفين يعلم، بما أنه يعرفها منذ أن دخلت الثكنة.
: هل تملك رقم هاتف كيفين؟
ديفيد: لا.. ولكن أستطيع أن أتدبره سأستعين بأحد الأصدقاء.
: أنتم الأغنياء لا يصعب عليكم شيء تستطيعون تدبر الأمور مهما كانت.
غمز له ديفيد بشقاوة وحمل الهاتف واتجه للباب وخرج كي يكلم كيفين بشأن بيرلا.
نهض سام وأحضر اللابتوب الخاص به وجلس وطلب من تارو الاقتراب منه
سام: أنظر تارو هذه عناوين المنازل التي تبنت من الميتم الذي كنتما فيه، وطبقا لما توصلت إليه لم تغادر أختك المدينة، لأن كل الأسر التي أخذت الأطفال في ذلك الوقت ولا واحدة منهم غادرت المدينة ولذا أختصر وأقول قريبا ستجتمع مع أختك.
فلف تارو ذراعه على رقبة سام وضغط عليه بشدة وهو على وشك البكاء من فرط السعادة
: آه...يا سام أنت أروع شخص يمكن الاعتماد عليه...لولاك...لولاك لا أدري ماذا كنت سأفعل سااااام.
واستمر يضغط بقوة أكبر و سام كان ممسك بذراع تارو ويحاول الإفلات منه
سام: أتر...أتركني...أتركني تكاد تقطع أنفاسي يا رجل.
تركه تارو وضربه على ظهره والسرور يملئ وجهه و قلبه
: فقط ابتعد عني وسأكون بخير.
ثم عاد يضغط على أزرار اللابتوب وتكلم بجدية
سام: أنظر هنا تارو يكفيك حملقة في وجهي. هذا هو العنوان الذي سنذهب إليه ما إن نصل إلى هناك إنه المكلف بالتوقيع على أوراق الأطفال المتبنين، والمشكلة هي أنه صارم ولن يقدم لنا أي معلومات.
ثم رفع إصبع السبابة في وجه تارو وأكمل
: عندها يجب عليك أنت حل الموضوع لأنني لن أهدد أو أترجى أي أحد هل فهمت؟.
ضحك تارو على كلام صديقه ثم تكلم بجدية
: لا تقلق، لهذا السبب دخلت الجيش لأنه سيزودنا بالمعلومات رغما عنه.
نظر له سام نظرات ذات معنى
: تارو هل أصابك شيء في رأسك؟
أغلق سام اللابتوب ثم أعاد نظره لتارو
: لقد تغيرت على آخر مرة رأيتك فيها، أصبح مزاحك ثقيل وكذلك مزعج.
تصنع تارو الغضب وأشاح بوجهه عنه
: أهذا هو رأيك..وقولكَ لصديق لم تره قرابة ثلاثة أشهر، يا لكَ من صديق عديم الفائدة.
: حقا؟!..أين كلامك المعسول الذي نطقـته قبل قليل؟
ابتسم تارو: ذهب أدراج الرياح.
أرجع سام ظهره للأريكة وأغلق إحدى عينيه
: أظنك تغيرت بسبب صديقك الجديد، لأنه صاحب مزاج غريب.
ظهرت ابتسامة صغيرة على وجه تارو وهو ينظر لسام الذي أغلق كلا عينيه
تارو: وهل هذا التغير سيء برأيك؟ ألا يعجبك؟
أدار سام رأسه لتارو بعد أن فتح عينيه
: وهل يهم رأيي؟ المهم أنك تغيرت وهذا جيد لك، لأنني مللت رؤية ملامحك الحزينة ووجهك المتهجم طول المدة التي عرفتك فيها.
أُفلتت ضحك صغيرة من عند تارو، لأنه يعلم ويفهم جيدا كلام صديقه
أكمل سام قائلا: لقد تأخر ديفيد، تُرى ماذا يفعل حتى الآن؟
وما إن أكمل جملته حتى دخل ديفيد
فأسرع تارو بسؤاله وقد استقامة في وقفته
التزم ديفيد الصمت حتى جلس على الأريكة
ثم نفخ الهواء من صدره بطريقة درامية ونظر جيدا لتارو ثم ضيق عينيه
ديفيد: أي غريبة أطوار التي وقعت في حبها؟!!
نظر له الاثنان و علامات الاستفهام و الاستغراب تملأ رأسيهما
ثم أمسك رأسه وقبض على شعره وصار يجذبه في كل الاتجاهات، وبعد ثوانِ هدأ وتكلم
: أتعلم ماذا قال لي كيفين؟.
وهنا طفح الكيل مع تارو وكشر وجهه
: ديفـــــيد، يكفي دراما، لا تتمرن على حساب أعصابي، ماذا قال لكَ كيفين؟
استرخَ ديفيد على الأريكة ورفع كف يده كأنه يوقف تارو
: حسنا..حسنا لا داعية للغضب سأخبرك، ولكن حقا أخبرني لم أحببت فتاة...
قاطعه تارو برمي آلة التحكم عليه
ضاغط على أسنانه: ديفيد أخبرتك، لا تختبر صبري.
رفع ديفيد كلا يديه دلالة على الاستسلام
ديفيد: لقد اخبرني أنها من المحتمل ألا تغضب،.
قاطعا كلامه بنبرة غير مصدقة
حمل ديفيد آلة التحكم ووضعها على الطاولة
: كما قلت، قال لي احتمال كبير أنها لن تغضب، وقال أنه إذا التقيناها وتصرفت معنا كما لو أن شيء لم يحدث، فهذا يعني انها ليست غاضبة والأفضل أن ننسى أيضا، وإذا كانت صامتة فاعتذار لها يكفي لأنها غريبة أطوار.
ابتسم سام لكلمتيْ ديفيد الأخيرة
تارو: هل هو من قال لك غريبة أطوار؟؟
رمش ديفيد عدة مرات دليلا على صدمته
: ولكن ألم يثر أي شيء أعصابك سوى كلمتيْ ( غريبة أطوار)
ثم أكمل بطريقة درامية وهو يلوح بيديه بعشوائية في الهواء
: ولكي لا تظلم المسكين كيفين، هو قال أنها فتاة (غريبة) ولكن أنها زدت كلمة (أطوار) لأنها بالفعل غريبة أطوار...
: حسنا..فهمت يكفي تدريب على حسابي وهيا بنا نذهب.
وتوقف على صوت انفجار سام بالضحك لأنه لم يستطع امساك نفسه من المشهد الغريب الذي حدث أمامه، ابتسم تارو بدوره على صديقيه سام الذي نادرا ما يضحك بالقوية، أما ديفيد بقي ينظر ببلاهة لسام ويسأل نفسه، ما الشيء المضحك الذي جعله ممسك ببطنه من فرط الضحك؟
~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~
وبعد ساعة كان ثلاثتهم في السيارة متجهين لمدينتهم الأم والتي يصادف أنها
المدينة التي تسكن فيها بيرلا، رشف ديفيد من علبة البيبسي ثم وجه كلامه بتساؤل لتارو الذي كان جالس بالخلف وبين يديه اللابتوب الخاص به
: تارو ماذا برأيك حدث مع بيرلا؟؟
فرد عليه سام الذي كان خلف عجلت القيادة
: بل قل ما الذي لم يحدث لها!!؟ فكما قلتما لي قبل قليل اكتشفتْ أن خالها في مشفى المجانين،ثم طردها أبوها من المنزل، ودخلت للثكنة وهي لا تعرف فيها أحد، تعرضت للكثير من المضايقات منذ سبعة أشهر ولم تخرج حتى في الاجازات، وكذلك لم يقم أي أحد من أهلها بزيارتها، ثم بعد فترة علمت أنها ليست قريبة لأي منهم، برأيك هل مازال هناك ما سيحدث لها أكثر من هذا!!؟؟
رفع تارو عينيه من على الحاسوب
: سام محق...لو أنني مكانها لا أعلم ماذا كنت سأفعل، أنا متعجب أنها صمدت كل هذه المدة وحدها.
ضحك ديفيد باستهزاء لكي يضايق تارو
ديفيد: إذا..أعجبت بها لأنها فتاة قوية وصامدة...وأيضا غريبة أطوار.
: ديف..أصمت وإلا حطمت هذا اللابتوب على رأسك.
علم ديفيد أن تارو يمزح لأنه اختصر اسمه
: صديــــقي حتى لو صَعدتَ للسماء، ونزلت للأرض ستبقى الفتاة التي أحببتَها غريبة أطوار.
رد عليه تارو ولم يبعد عينيه عن اللابتوب
: أتعلم..إذا صعدت للسماء سأصعد أكثر وأذهب إلى أحد الكواكب، وأحضر لك شبيهك من المخلوقات الفضائية لكي تتمرن معه كي لا تلعب بأعصابي أنا.
: حسنا هذا شيء مقبول ومحمس، وإذا نزلتَ للأرض ماذا تفعل؟
: أممم... إذا نزلتُ للأرض ربما سأنشر صورتك مع مبلغ مغري من المال، وأكتب عليها إما أنك مجرم خطير وهارب، و إما أكتب أننا نبحث عن توأمك.
وكان سام يستمع لكلامهما الذي بدا غريب بالنسبة إليه فهو لم يعهد تارو بهذا المزاج المرح لكن هذا أسعده وجعل ابتسامته تتسع و يزيد من سرعة السيارة في ذلك الطريق الطويل.
"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"~"
وأما بيرلا التي كانت تسير في أحد الشوارع متجهة لوجهة معينة أرادت المرور على أحد الأزقة الضيقة وإذ بها تسمع صوت
: ضع كل المال أو يموت ابنك.
تحسست الحقيبة على ظهراها وأنزلتها ببطء وتقدمت بخطوات ثابتة وأطلت باحترافية، وجدت طفل صغير رهينة لدى مجرم مسلح والوالدْ يرتعش خوفا على ولده وهو يخرج محفظة النقود ويرميها للمجرم.
غضبت بشدة ثم نقلت بصرها في أرجاء المكان.
كان خالٍ والقمامة معفّنة خارج الحاوية، والجدران متشققة حالها يرثى لها. ففكرت في نفسها
[ هذا لا يساعد.. سأتعثر ويعرف بوجودي.....]
فتذكرت قول كيفين عند تدريبهما معا
" [ اختبئي واعرفي عدوكِ حتى تعلمي طريقة هزمه، و ان حُصرتِ هاجمي وجِـدِ ثغرة ، أو اصنعيها لدى عدوك.] "
زمت شفتيها وأعادت النظر حولها وحملت عصى
[ سأرتجل دور العمياء المسكينة ]
وتقدمت بتردد وأصدرت صوتً بقدمها فالتفت اللص وقد ملئه الخوف والتوتر من القادم. فشخر ساخر عند رؤيته لفتاة بدت له ضعيفة وهزيلة و أيضا.. عمياء؟!!
: ما نوع الرياح التي ساقتكِ الى هنا .. أوه انه حظي الرائع.
ثم أكمل بخبث وهو يزيد من ضغطه على الصبي الذي يريد التحرر
: عمياء تسير وحدها في هذا المكان القذر هل تهت يا صغيرة؟؟ .. والآن ما رأيك بإخراج كل ما لديك أيضا؟؟.
قال ذلك وقد بانت ابتسامة بشعة أظهرت أسنانه الصفراء جراء التدخين،
اقتربت منه بيرلا وكانت تدعي أنها تتبع الصوت وتبحث في جيبها.
أما الفتى كان مرعوبا.. ووالده يبحث عن ثغرة ربما تَحدث مع اقتراب هذه الفتاة لينقذ فلذة كبده....
بعد ان اخرجت بيرلا المحفظة اقتربت منه فصرخ عليها قائلا،
فاستغلت قربها من الطفل وضربته على معدته فهوى على الارض فاقدا الوعي، فصرخ والده وركض اليه دافعا بيرلا لتسقط بقوة،، ولم يأبه بتهديدات اللص امام منظر ابنه الذي استكان على الأرض وجهه أصفر .
وفي تلك الأثناء وقفت بيرلا واتجهت نحو اللص الذي فقد توازنه وهو يتراجع للخلف وهي تتقدم وتتذكر كلمات كيفين
: { اذا فقدت الرهينة وعيها سيفقد المجرم فورا تركيزه. فاستغلي ذلك..}
استمرت بالتقدم مع تهجم وجهها وظهور علامات الغضب كونها قد اجتمعت مبادئها مع واجبها كفرد من حماة المواطنين...
رمى السلاح وحاول الهرب لكنها كانت الأسرع أمسكت بيده وجذبته بقوة ليستدير مواجهها ووضعت قدما امام قدمه ليسقط أرضا وكبلت حركته بيديها وقدميها.
: تبا لك من وضيع، تهدد وتسرق.. لقد روعت الرجل على ابنه..
لكن الرجل قطع كلماتها الغاضبة
.....: انت من روعني على ابني. انظري لحالته لقد قتلته.
فاستُـبدلت علامات الغضب بالبلاهة والغباء على وجهها إثر جملته.
: حسنا... لم تكن لدي فكرة اخرى حتى أُفقد المجرم ثباته.
...: هل انت فتاة أصلا ؟؟ يقولون أن المرأة عنوان الرقة.. أين الرقة فيك؟؟ يا الهي ما هذا؟؟.
نظرت له بيرلا جيدا كأنها تقول له ما رأيك؟ ثم تكلمت
: حسنا.. هل لديك حبل أو ما شابه، نقيد به هذا الشيء الشرير؟.
حسنا ، هو ممتن لها على انقاذهما ولكن للصبر حدود على هذا النوع من الأفعال والتصرف.
رد عليها وقد ضاق به الحال
: بالله عليك من أين أجلب لكِ حبل أو ما شابه؟!!!.
ثم أعاد بصره لابنه الذي بدأ يستعيد وعيه بين ذراعيه،
نظرت هي أيضا للطفل ورفعت يدها تفرك خلف عنقها
: سيدي.. ما رأيك اذا بـ...بـحزام بنطلونك؟؟؟.
تمتم الرجل الذي كان تحت ركبتيها وهو يشعر بنَفَسه يكاد ينقطع
: أسرع وأعطيها حزامك، أو خذ حزامي أكاد أموت هنا.