عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-07-2017, 08:33 PM
 

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:900px;background-image:url('https://f.top4top.net/p_5584v4im2.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


ماضٍ سحيقٌ إعتلى جرفَ التواري ..
قليلٌ من أدركهُ و عنهُ أحدٌ لم يُنادي .
غبراءٌ مُقدسةة ، و سقفٌ آثَرَ بالإنهيارِ ؟.
أجنحةٌ ملائكيّة و نهرٌ عظيمٌ حقّقَ الأماني !~
بركاتٌ تُنهَلُ بِشغفٍ و بكؤوسٍ دِهاقِ ؟!
أساطيرُ وثيرة ، تتربعُ في عرينِ الملائكةِ الفاني ~


الليل الأدجن تدثر برداء العاصفة التي دوت فيها الأعاصير .
وتلك اليدان الهزيلتان تقرحتا حتى برز مزيج الدم مع اللحم بفعل تلك السلاسل الحديدية التي أحكمت خِناقهما , وخصلات شعرها التي تشبه الفضة زفرتها الرياح عاليا ، لتسبح بحرية ، الحرية التي نال منها هذا الرجل المُنتصب أمامها ، مروع الملامح ، بالغضب مقلتاه العسجديتانِ تشي ، كان طويل القامة ، مفتول العضلات ، ذو بشرة قمحية على عكسها تماما ،قصيرة القامة ، نحيلة الجسم ، ذات بشرة ثلجية ، قاسمهما المشترك الوحيد هو " العسجد " لون عيونهما التي إلتقت في هذه الثانية

صكّ أسنانهُ و نبس بحنق :" فيبيانا الآثمة ! سيتمُ إعدامكِ لتجاوزِ قوانين القبيلة و ذات الشيء سيلقاهُ ابني "

أرادت أن تشرح وجهة نظرها لكن هبوطُ نصلِ السيف قد بَتر كلامها برفقةِ رقبتها
تراجعَ الرجل مُبتعداً عن البِركةِ القرمزية ثم أمر أتباعهُ قائلاً :" أعثروا على آبرادور و اقتلوه فور أيجاده "
و حثّ خُطاهُ نحو مَثوىً آخر بينما تبعثَر الرجال في الاتجاهاتِ كافّةً...
حتى بدأت دمعاتُ السماء ترتطمُ بالأرض لتنتهك حُمرة الدِماء
و مع ضجيجِ الرعد إلتمع لهم جناحانِ ناصعان ، اختفيا مع ضربةِ البرقِ التالية



" أوه لقد حان وقت إختبارِ القُدسيةِ إذاً "
قال تلك الجملةَ رجلٌ أسمر عريض المنكبين فارع القامة ، يعتمرُ قبعةً من ريشِ النعام و يستر هيكله بقماشٍ بسيط ، بينما قدماه مُتعريتانِ مَثلَهُ كبقيةِ الأنام

رد عليهِ رجلٌ آخر ناقضهُ بالطول و لونِ البشرة ، قد لطّخ وجهه بألوانٍ تتراوح بين الأحمر و تدرجاتِ الأصفر :" نعم و أرجو ألّا يكون هذا الاختبار كسابقه ، أتذكرُ قصة فيبيـ.."

نادت عليهما عجوزٌ قويةُ البنية ، قد ضحِك الشيبُ في جديلتيها الثخينتين و لوّح في وجهها الزمانُ بفرشاته :" لا تذكرا تِلك اللعينة ، ستكون فألاً سيئاً على أختبار اليوم ، هي إستعجلا قليلاً و سننطلق ! "

جمعٌ كبيرٌ من الصلعانِ السود ، يرقصونَ على دقٍ الطبول ، يقفزون مِراراً و تكراراً بينما ينقلون بثقلهم من ساقٍ لأُخرى ، كانوا متحلقين حول مستنقعٍ ضحلٍ كبير ..

ما إن إنتهوا من الرقص حتى خرّوا ساجدين ، و ركعَت خلفهم الجموع ، لينطقوا بكلماتٍ غير مفهومة
ثم يترجّل من بين الحشود ، عجوز طاعن السن ، إلا أنه يحتفظ بوقاره و غلاظةِ أكتافهِ نطق الأخير :" تحيى أرواح الأرض المقدسة "

تعالت الصفقات بعد كلماته ثم هدأت مجدداً فأردف :" اليوم سنستقبلُ مزيداً مِن الرجال و النساءِ الأشدّاء ، سيصبحُ أطفالنا دعماً لنا ، فلنبدأ اختبار قُدسية الأرض ! "
ضرب الجمهور أيدهم بالأرض و مسحوا الطين في وجهوهم إكراماً لها ، ثم إصطف أمام المستنقع بعض الشباب الفتيانَ منهم و الفتيات ..

تقدّم أحدهم ، كان قاتم الشعر و كذلك العينين ، غمس قدميه بالوحل ، و توغلّ حتى توسط المستنقع ، لم يعد هناك همسٌ أو نَفَس في الساحة ، شعر الأخير بمن يُمسكُ قدمه و يشدّ عليها ليرفع نفسه ،و أحدٌ آخر يتسلقُ رجله الأخرى ، أنزلَ ناظريهِ لأسفل فرأى خيالاتٍ من طين ، عليه حتماً ألاّ يفعلَ شيئاً مُشين

وصلت الأطيافُ الموحِلةُ حتى أعلى رأسه و بدأت تتلمسه بأصابعها ، و هو يحدقُ بالوجوه التي خلّت من الملامح ، ما لبث إلا أن شعر بالطينِ يُغدقُ كاهله ، صَعُب تنفسه و شعر بالإختناق و بدأت الدموع تتسربُ من مقلتيه لكنه سمِع هتافاتِ من حوله ، فأراح الأمر فؤاده ، حتى أكدّ له مصيره صوتُ رجل خشن يصيح :" لقد نجح ، لقد إرتبط مع الأرض المُقدسة !"

ركض ناحية الشابِّ شخصانِ من الصُلعان السود و انتشلاه خارجاً ، ليدلف بعده شابٌّ آخر
ما إن أغرق قدميه بطين المستنقع حتى ابتعدت الأطياف و هزّت برأسها مِراراً ، توسعت عينا الشابّ و ابتلع ريقه بصعوبة ، بينما أرهف سمعه نحيبُ والدته فصدحَ الصوت الخشن :" الأرض المُقدسة تَنفيك من بركتِها ، أيّ من الدنيا "
لم يشعر الفتى إلا و قد اخترقت مدّيّةُ قلبه ، فابتلعَ الطينُ جُثمانه ليغفو هناك سرمدا ..


و تتالى المشتركونَ واحداً تلو الآخر ، منهم مَن شقّ رمسه في المستنقع
و منهم من نَجى ، لم يبقَ غيرُها ، قصيرةُ القامة ،كهرمانيةُ القزحيتين ، ذاتُ الضفائر الفاحمة الطويلة
تعالت الهمسات " إنها اليتيمة آرتميسكا ! "
إنهم يسومونها بموتِ ذويها ، قُساة القلوب أولئك ، شدت قبضتها و غرست رجليها في المستنقع ، تعمقّت فيه فتلوّت الأرواح مُطلقةً صُراخاً هيستيرياً أطبَقوا فيه الصدمة على الجميع ، الأرواح المُقدسة تصيحُ بألمٍ و تنوحُ بصوتٍ مسموع !

توسّعت عينا الرجل عسجديّ العينين ، صدمةٌ أغشت بثوبها على فؤاده ، حدثٌ لم يشهد لهُ سابقاً ، " يجب أن تموت ! " هذا ما صرح به بعنفوان غضبٍ و احتقان

هرول نحو ذات الوجه المتكدّر كل الرجال و النساء ، وغريزة القتل قد أعمت بصيرتهم ، ركعت هي بالأرض و الدموع تهطُل وَدقاً من مقلتيها ، طيفُ حاصدِ الأرواح حاصر ذاتَها بمنجله ، سينهش روحها من لحمها ...


" أيتها السماء أغدقيني ببركاتِ النهر المقدس و أبقِ الآثمين جماداً "

صدح ذلك الصوت ليهز الأرض كزلزالٍ عظيم ، توجهت العيونُ نحو المُتلفظ بتلك الكلمات لكنهم لم يدركوا حالهم إلا و قد تخدرّت أطرافهم و اشتدت عليهم الجاذبية ، باتوا غيرُ قادرين على الحركة ..

من بين الأحراج بانَ لهُم ، تفطنوا ملامحه ، أنه هو ، ابن الآثمة !
مَحجراه العسجديان صرحا بهويته ..

تثأثأ سيدُ القبيلة فخرجت الكلماتُ متقطعة :" أنت ابني ... آبرادور ! "
نظرَ الأخير نظرةً دونية نحو الساجد على الأرض و قال :" نعم ، يا هذا "

تقدّم الشابُ نحو آرتميسكا ، لينحني لها بتؤدة و يرفع يده فيهمس :" قيلَ لي أن أحميكِ ، لكن البقاء معهم ليس آمناً ، هلُمي معي "
مَدت يدها لتمسك كفّه ، كبير واسع و دافئ ، حملقت بخصلاتِ شعرهِ الشقراء الطويلة التي تلامس كتفه ، و قد صوبت الشمس أشعتها نحوه ، أنه يبرق و يلمع ، كأنه مَلاك !

قرّبها من صدره و نطق :" أيتها السماء العظيمة ، دعي مياه نهركِ تتدفق ، لينشلنا من زِحام الأرض !"

و أمام أعين الكل ، تلألأت حوله اليراعاتُ في وضحِ النهار ، ثم أضاء نورٌ عظيم و بإضمحلاله كان كلاهما قد اختفى



فتحتْ عينيها الكهرمانيتين لتحلّ بها صدمة أخمدت الكلماتِ في لسانها ، إنها تنتصبُ فوق الغيوم .
رفعت قدمها و أنزلتها على المُزن مجدداً ، صلبة كالأرض ، ليست هشة و متصدعة كما كانت تتخيل ، حرّكت بصرها في الأرجاء ، هيئاتٌ سُحبية لها تشكيل جسم البشر ، لكنهم منتفخون و ساطعون كتجمعاتٍ من الغيوم ، تمتد من ظهورهم أجنحةٌ ضخمة مكسوة بالريش ، يعيشون كمجتمع كامل ، لهم قصرهم و أسواقهم ، بيوتهم و كل ما احتفوا به بالأرض

تذكرت لتوها أنها بين ذراعيه ، فانتفضت متلبكة و لاحظ هو وجنتيها المشتعلة بالحرارة ، فحمحم و أردف :" تعالي ، يجب أن تقابلي شخصاً "

قرع باباً خشبياً لبيتٍ كانت لبّ حِجارتهِ سُحباً ، فتح الباب و قال بإبتسامة :" لقد عدت "
أتاه الردُّ من الداخل :" آه أبرادور ، تعال هنا "

أمسك بيدِ آرتميسكا و دلفا نحو غرفةٍ بيضاء ، فيها سريرٌ نجميُّ التلألأ ، تقبعُ فوقه إمرأةٌ حسناء قد تدّلت خصلاتُ شعرها الثلجي نحو الأرض ، بعينين مُسدلتيّ الجفون و رموش طويلة ، ما لبثت إبتسامتها الهادئة أن صارت هلعاً و نبست :" آبرادور ... هل جلبتَ الوسيطة معك ؟"
-" نعم أفروديا ، ف مملكة الأرض ليست آمنةّ لها "
وضعت كفيها على رأسها بتوتر و تلعثمت قائلة :" مالذي فعلته ؟ أسرع و أعدها الآن ، إن مملكة الأرض على شفى الدمار !"

ألقى آبرادور تعويذةً نقلتهما آنياً للملكة السفلى



لتفجعهم شمسٌ سوداء تتكبدُ سماءً مُلبدةً بالسحب ، و تلك السحبُ تنزفُ دماً ، أمطاراً دموية ، ضرّجتِ المملكة كلها بقناوتها

تقلصت حدقتا آبرادور بصدمة ، كل هذا بسبب إبعادِ * الوسيطة * عن بيئتِها الحقيقية ، لقد تدمرتِ المملكة ، لكن بما أنه قد أعادها فقد يكون هناك أمل ، حتى لمحَ أحد السكان يجري في الأفق ، و فجأة تقدّم نحوهم جمعٌ من الأشخاص ، عيونهم جاحظة و أطرافهم ترتجف ، يبدو أنهم يتشبثون ببصيص أملٍ رقيق جداً و هو ..

" علينا قتلُ ملعونة الأرواح المقدسة ، هي من تسببت بهذا !"
نبس أحدهم و هو يصوب سبابته ناحية آرتميسكا
إرتعدت الأخيرةُ بِروع و قد إستولى عليها الخوف ..

اقتربوا منها جداً و هي قد إحتمت خلف ظهرٍ آبرادور ، تستغيثُ و تتمنى أن تُغاث حتى وصل مسامعها كلامه لافظاً بغضب :" أنتم لا تستحقون الرحمة ! كان علي ألا أعود لأجلكم .."
ثم تابع بتعويذة :" أيتها السماء العظيمة ، فليُغرق نهركِ المُذنبين ، فلتطهري الأرض المقدسة ممن يفسدونها و يسفكون فيها الدماء !! "
انبثق وميض وانشق وهج من بين مياه النهر ، وتزحزح جسر العالمين من بقعته ، أضواء اجتاحت كبد السماء ، والشمس السوداء اختفت ، تلاشت مع النور الذي طغى على المكان .
وتلك الدماء القانية التي تربعت فوق التراب ، فوق كل شبر من الأرض المقدسة ، إمتزجت مع مياه النهر التي تدفقت بلا توقف من مجراها , وشيئاً فشيئاً زادت وتيرة التدفق ، وتشكلت موجة عاتية ، بلغ إرتفاعها حد الأفق ، وأخذت تزحفُ بشراسة ، وقد تخّبط في داخلها تياراتٌ متلألئة ، وإلتفت حولها هالاتٌ ساطعة .
زحفت تلك الموجة نحو تلك الجموعِ المشدوهة ، التي سلبت عقولهم ، وإنعقدت ألسنتهم ، فخرِسوا .
من خلف ظهره بانت ، مقلتيها الكهرمانيتين تفحصت الأرجاء .
والخوف الذي أخذ يسري في عروقها ، تفتت .
من العدم سحبها شىء ما ، جسدها القصير أثقلته أغلالٌ شفافة ، حاولت أن تستغيث بـ آبرادور لكن قيدت فاهها تلك المياه التي غمرت الأرض المقدسة ، تخبطت في حركةٍ عشوائية ، يداها المُرتجفتان ضربت تلك أمواج الصغيرة ، لكنها لم تفلح فإنزلقت نحو الأسفل ، لم تستسلم للوضع فدفعت جسمها نحو أعلى بقدميها متخذةً وضعية السباحة ، وماهي إلى لحظة واحدة حتى أطلت برأسها من المياه ، أنفاسها هائجة ، تنفست كمية من الهواء ، دقات قلبها نظّمت أوركيسترا صاخبة ، و...

وظلت عيونه تبحث عن رشفة الأمل ، نبس واليأس بدأ يتغلغل في كيانه شبه الضائع : " أين أنتِ آرتيمسكا ؟!"

كان فوقها كغيمة بيضاء ، مدت يديها لينتشلها من بين المياه

مَحجراه العسجديان ، لمحا وجودها ، فتوجه نحوها .
صدى قوي تردد ، ضباب كثيف تراكم في السماء ، صوتها أثنوي تكرر: " أنقدني آبرادور "
تلك الموجة العاتية ظهرت من جديد ، كما أغرقت الآثمين أغرقت آرتيمسكا ، وقبل أن تنشطر إلى موجات صغيرة ، إنبلجت بوابة السماء ، حزنا ،ألما ، قهرا إندثر نور اللؤلؤ ، وصراخ آبرداور على موت محبوبته آرتيمسكا زلزل كل ما في الدرك الأعلى ، حاول أن يصحح خطأه ، أن يقتلع ذلك الذنب الذي استوطن أحشاءه ، فجافته التعويذات وخاصمته الأمنيات وطيف نهر بورسيونكولا حرمه من الولوج إلى أعماق الأرض المقدسة التي كانت موطنه وموطن منبوذة تونغفا ، هكذا كان يسمي محبوبته
إشراقات الروح التي حوطت قلبه بكت ، فبكى معها ، وبكت السماء ذررا وثلجا أبيضا ، وتلك الهيئات السحابية غمرت الأرض نورا وضياءا والشمس أرسلت ياقوتاً و عقيقاً ولؤلؤاً مع أشعتها فابتهجت الأرض وازدانت فقال البهاء للنقاء :
تساقطت ...تناثرت ...تبعثرت ، يشبه المنفى والعدم
بلا صوت ، بلا صدى ، بلا صرخة ، تكرر نفس الألم
جاثية على القلب ، اتضح الأبيض من الدامس
فإنجرف الإثم مع فيضان الطاهرة
والقلب سرج صهوات الشجن والهمس
وأصبح مابعد الهلاك ، وميض الأمل في لوس أنجلوس مدينة الملائكة .
#

تـَمـتْ


أحب ذلك اللون ...
لون عزاء محبوبتي ،
واللؤلؤ كان عنوان رثائي على آرتيمسكا
ملاكي آرتيمسكا ....ملاكي ...
كالملاك ...


[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________

التعديل الأخير تم بواسطة .FIRE ; 07-12-2017 الساعة 06:10 PM