عرض مشاركة واحدة
  #143  
قديم 03-18-2017, 10:39 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/01_02_17148592663790712.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


44

~
جوليا ~




اقتربنا من السرير بهدوء ، لم نستطع رؤية وجهه فقد كان مختبئاً أسفل لحافه ، مدت روز يدها لتبعد اللحاف عن وجهه ولكنني أمسكت بيدها قبل أن تصل إليه وهمست بهدوء : لا تفعلي هذا يا روز ، أخشى أن ينزعج ياماتو ويستفيق ..

تأملته بعيون متألمة وحزينة ، روز تستطيع فهم شعوره بالتأكيد بما أنها قد مرت بموقفه ، وهي أكثر من يحس بألمه ..
تحرك ياماتو فجأة بشكل غريب ، ثم نهض من سريره بفزع وهو يتصبب عرقاً رغم برودة الغرفة ..

أنفاسه المضطربة ونظراته المشتتة أكدت لي بأنه كان يحلم ، بدى وكأنه انتبه لوجودنا للتو ولهذا قال بتلعثم : ماذا تفعلان هنا ؟؟
ردت روز بحزن : ياماتو هل أنت بخير ؟؟
أشاح بوجهه بعيداً عنا وأخبرنا بصوت هادئ وهو يشد بقبضته طرف اللحاف : غادرا من فضلكما لا أريد مقابلة أحد في الوقت الحالي ..

بدى وكأنه يحاول أن يمنع نفسه من الإنفعال أمامنا ، ولهذا أمسكت بكتف روز وقلت : لنغادر يا روز ، سنعود إليه لاحقاً ..
أبعدت روز يدي ثم احتضنت ياماتو فجأة وبدأت بالصياح وهي تتمتم بجمل لم أفهمها ، ولكن على ما يبدو أنها كانت تحاول مواساة ياماتو ..


لم يكن ياماتو أقل تفاجأً مني ، فقد تصلب في مكانه لثواني ، ولكن سرعان ما لانت ملامحه وبدأت مشاعره التي كان يحاول إخفائها تنعكس على وجهه ، و ما فاجأني أكثر حين بدأت دموعه بالإنهمار ..
شد على روز وبدأ يتحدث بصوت مبحوح : لقد كنت سعيداً حين تأكدت من أن والدتي لازالت على قيد الحياة ، كنت أخطط كيف سآقابلها وماذا سأقول لها ، ولكن لم أتوقع أن أكون متأخراً للغاية وأنها ستفارق الحياة قبل رؤيتي لها ، الأمر مؤلم جداً يا روز ، لا أستطيع أن أزيل هذه المشاعر المؤلمة ، أرغب في أن يعود بي الزمن للوراء حتى أتمكن من مساعدتها ، لماذا كان عليها أن تموت مبكراً هكذا ؟؟ لماذا يحصل هذا معي ؟؟ مالذنب الذي اقترفته لأُحرم منها ؟؟


ألم .. حزن .. ندم .. قهر ..
جميعها تصف مشاعر ياماتو الآن ، كل حرف نطق بها كانت مشبعة بجميع هذه المشاعر ..
كان قلبي يعتصر حزناً وأنا أراه بهذه الحالة ، وما يزيد الأمر سوءً مشاركة روز له في البكاء ، صوت نحيبهما االمتداخل والأجواء الكئيبة من حولنا لا تعجبني البتة ، أكره النظر إلى مثل هذه المواقف ، لا أحب رؤية أحد يتألم أمامي وأنا عاجزة عن القيام بأي شيء ..




فتحت فاهي لأنطق بكلمة ولكن لا شيء يخرج معي ، ماذا يمكنني أن أقوله لهم ؟؟
مهما حاولت فهم مشاعره فأنا لا أستطيع تخيله ، لم يسبق لي وأن فقدت شخصاً ثميناً لي ، ولهذا لا أستطيع تصور مقدار الألم الذي يمران به ..
صحيح أن شيبا وكيتورا ماتا وأنا حزينة لموتهما ونادمة أشد الندم على ذلك ، ولكن هما لم يكونا يعنيان لي الكثير ، والمشاعر التي تملكتني هو الشعور بالذنب ، ولكن في حالة ياماتو وروز فالأمر مختلف تماماً ..

انتشلني من التفكير صوت روز التي قالت بعد أن هدأت من نوبة البكاء : ياماتو أنا أشعر بما تشعر به ، أنا فقدت والدتي أيضاً ، ولكنك أفضل حالاً مني ، فوالدك لايزال بجانبك ، أما أنا فكما ترى وحيدة لا عائلة لي ، لهذا إبتهج ولا تُسبب القلق لمن حولك أرجوك ..


لمحت إبتسامة ساخرة رُسمت على شفتيه أتبعها صوته الهادئ وهو يبعد روز عنه برفق : لا تذكري والدي مجدداً يا روز ، فهو السبب في حرماني من أمي ، ظل يكذب علي طوال هذه السنين ، جعل من أمي ميتة طوال الثمانية عشر السابقة على الرغم من أنها لم تكن كذلك ، أصبحت لا أطيق رؤيته فأنا أخشى من أن أكرهه ، كلما تذكرت ما فعله أشعر بالغضب تجاهه ، مع أنني لا أتمنى أن أحمل مثل هذه المشاعر لأبي ولكن المشاعر تتولد في داخلي رغماً عني ، الأمر متعب للغاية ، لا أريد أن أكرهه وفي الوقت نفسه لا أستطيع أن أسامحه على خداعه لي ..

ياماتو يكبر في عيني يوماً بعد يوم ، إنه فعلاً شاب رائع بأخلاق عالية ، رغم أن والده متسلط إلا أن ياماتو لا يزال يكن له الإحترام ، فعلاً يُصعب إيجاد شخص بمثل نقاوة ياماتو ..
أطلقت زفرة طويلة قبل أن أقول بهدوء : ياماتو هل حاولت أن تسأل والدك عن السبب ؟؟ أنا واثقة من أنه قام بذلك من أجل مصلحتك ..
صاح بغضب : ومن قال أنني لم أسأله ؟؟ لقد سألته مراراً وتكراراً ولكنه يرفض الإجابة ، حينها بدأت أشعر أنه ليس هناك سبب مقنع لفعلته ، ولهذا لم أعد أريد رؤيته مطلقاً ..


تمتمت بضيق : لا تقفز إلى استنتاجات لا صحة لها ، لربما هو لم يخبرك لأنه يعلم أنك لن تتحمل الحقيقة ، حاول أن تضع أكثر من إحتمال في حسبانك حتى لا تخطئ في حقه ..
صمت ياماتو لثواني قبل أن يعود للإستلقاء على فراشه ويختبئ أسفل اللحاف : غادروا من فضلكم ..


على الرغم من كل ما قلته إلا أنني لست واثقة كثيراً بما تفوهت به ، ولكنني أتمنى من أعماق قلبي أن يكون للسيد كودو سبب مقنع ليخفي حقيقة والدة ياماتو طوال هذه السنوات ..
أمسكت بيد روز وأشرت لها بعيناي نحو باب الغرفة ، فهمت روز مقصدي ..
قبل أن تتحرك من مكانها نطقت بهدوء بعد أن رسمت على وجهها إبتسامة حزينة : أتمنى أن تتخطى الصدمة بسرعة يا ياماتو، فمن المؤلم جداً رؤيتك بهذا الشكل ..


غادرنا بعدها الغرفة لأتفاجأ بالسيد كودو الذي كان ينتظرنا في الخارج ..
قفز بلهفة وقال محاولاً تصنع البرود : هل استجاب لكم يا جوليا ؟؟
إبتسمت لأطمئنه : سيعود إلى ما كان عليه قريباً أنا واثقة ..
ثم حولت نظراتي إلى نظرات جادة وتابعت حديثي : ولكن لا أظن أن ذلك سيحصل إلا إذا علم السبب الذي دفعك للكذب عليه يا عمي ، أرجو أن تصارحه بأسرع وقت ممكن إن أردت أن يكون ابنك بخير ..
ضيق فتحة عينه وقال بحذر : لماذا تتحدثين كما لو أنك تعلمين ما حصل بيني وبين ميدوري ؟؟

نطقت بعفوية : من ميدوري هذه ؟؟ إن كنت تقصد والدة ياماتو فأنا لا أعرف حقاً أي شيء عنكما ، ولكن خمنت أن هناك مشكلة كبيرة بينكما بما أنك زيفت سبب غيابها ..


انهيت عبارتي بإبتسامة غبية رسمتها على وجهي ، ليرد علي بهدوء : هو لن يكون سعيداً إذا علم بالماضي الأسود لوالدته ، ولهذا أفضل أن يبقى الأمر سراً عنه وعن الجميع ..
لم أحب أن أتدخل بينهما أكثر من هذا ولهذا قلت : حسناً إفعل ما تراه صواباً فهو إبنك وأنت أعلم بمصلحته من الجميع ..

خرجنا من المنزل بعد أن ودعنا السيد كودو وروز كانت صامتة طوال الوقت ، ولا يبدو أنها بخير مطلقاً ..
بعد أن صعدنا السيارة قلت لها : روز ما بك ؟؟
أشاحت بوجهها عني : لا شيء ..

صمت ظناً أنها حزينة على ياماتو ، ولكنني تذكرت فجأة أن السيد كودو ذكر موضوع الخطبة أمامها ..
إلتفت إليها لأحاول إيضاح الأمور لها ، ولكنني صدمت حين رأيتها تبكي ..

قلت بهلع : روز ما بك ؟؟
أطلقت روز شهقاتها بعد أن كانت تكتمه ، وأنا شعرت بإضطراب أكبر ، خلخلت شعري بين أصابعي بحيرة ، لو علمت أن هذا سيحصل ما كنت لأوافق على زيارة ياماتو ..
نظر إلي مات الذي كان معنا بتعجب ، وكأنه يتسائل عن سبب بكائها المفاجئ ، إبتسمت بإرتباك في وجهه وعدت أنظر إلى روز ..
تحدثت مجدداً محاولة إسكاتها وأنا أحرك يدي بعشوائية في الهواء : إسمعيني إن كنت تبكين لأنك قلقة على ياماتو فأنا أشعر أنه سيكون بخير وإن كان بسبب ما سمعته اليوم من السيد كودو حول موضوع الخطبة فالأمر حدث فوق إرادتنا ، وأنا وياماتو معارضان لهذا تماماً ..

سكتت روز قليلاً وقالت بصوت مرتعش : إذا كنتما معارضان فلماذا ستقيمون حفلة لإعلان الخطوبة ؟؟
عدلت طريقة جلوسي : اسمعي أنا وافقت لأنني أريد من جدتي خدمةً ما ، ولكن وبعد أن أفرغ من حاجتي سنلغي فكرة الإرتباط بشكل تام ، ففي النهاية لا أنا منجذبة إليه ولا هو كذلك ..
علا نحيبها فجأة بشكل أفزعني ، قلت بتلعثم : هي أنت ما بك ؟؟
ردت وهي تمسح دموعها بكفها بغضب : كيف له أن يرفض الزواج من فتاة رائعة مثلك ؟؟ إنه سيء للغاية ..

حركت رأسي بقلة حيلة ، لا أفهم ما تريده روز بالضبط ، أطلقت تنهيدة متمتمة بعدها : ولماذا لا أكون أنا السيئة لأني رفضت شاباً مثالياً كياماتو ؟؟ كلانا رفض فكرة الزواج لسبب معين ، فأنا مثلاً رفضته لأنني لا أنوي الإرتباط بأحد في الوقت الحالي ، وياماتو لديه سببه أيضاً ..
نظرت بفضول متسائلة : وما سببه ؟؟ لا أظن أنه أخفى الأمر عنك ..


ترددت بشأن إخبارها قليلاً ، لقد كان من الواضح أنها تحب ياماتو ، ولكنها لم تدرك ذلك ، و المشكلة أنني لا أعرف الفتاة التي يحبها ياماتو ، ولهذا أرى أنه من الأفضل إخفاء الأمر عنها ..
-
لا أعلم السبب فهو لم يخبرني بالأمر ، وأنا لم أجبره على ذلك ..
هدأت روز أخيراً ويبدو أنها قد انشغلت بالتفكير في سبب رفض ياماتو ، فهي قد بدت شاردة الذهن طوال الوقت ..

في اليوم التالي لم أحضر إلى المدرسة لأنني توجهت إلى المطار بما أن اليوم هو اليوم الذي سيسافران فيه آلبرت و شينا ..
عندما وصلت جلت ببصري في المكان المليء بالناس المغادرون والعائدون ، وأخيراً وجدت آلبرت الجالس على كرسيه المتحرك وهناك طفلة صغيرة في حضنه ..

اقتربت منه وقلت بإبتسامة : مرحباً آلبرت ..
رفع بصره إلي وقال : مرحباً جوليا ..
تحدثت سيدة مسنة كانت تقف بجواره : من هذه الفتاة يا آلبرت ؟؟
-
إنها جوليا صديقة ياماتو ..
ثم نظر إلي وقال : هذه أمي يا جوليا وهذه الصغيرة هي إبنة أخي فيفي ..


انحنيت بإحترام لوالدته : سررت بالتعرف عليك ..
-
وأنا كذلك سعيدة بالتعرف عليك ، ولكن أين ياماتو ؟؟ ألن يحضر ؟؟
قلت بإحراج : لا أظن ذلك ، فوالدته قد توفيت قبل أيام فقط وهو لم يتخطى صدمته بعد ..
بدى على آلبرت الدهشة وهو يقول : أقلت أن والدته قد توفيت ؟؟ ولكن كيف علم بشأنها !!
-
لا أعلم ..
قال بنبرة يتخللها الغضب : ولماذا لم تخبروني بالأمر ؟؟
أجبت بإرتباك : أمم لم نرد منك أن تقلق ..
ثم تابعت بسرعة مغيرة مجرى الحديث : بالمناسبة أين شينا ؟؟

أتاني صوتها الساخر من خلفي : أتذكرتني أخيراً ؟؟
إلتفت إلى مصدر الصوت لأتفاجأ بصفعة على خدي الأيمن كانت شينا من وجهته لي ، وابتسمت بعدها بإنتصار في وجهي ..


لم أُرد أن أُحدث الكثير من الضجيج في المطار لهذا تجاهلت ما قامت به وقلت بهدوء : أرجو أن تعودي سالمة يا شينا ..
تحولت نظراتها إلى كره وهي تقول : لا تظني بأني سأسامحك لأنك توليت أمر تكاليف الرحلة ، أنا لازلت أريد أن أنتقم لأخي بعد عودتي ..
-
وأنا مستعدة لذلك جيداً ..
صاحت بغضب : أتحاولين إستفزازي ؟؟


فضلت إلتزام الصمت بما أن جميع ما سأقوله قد يثير غضبها ، وعدت أنظر إلى آلبرت وقلت : أرجو أن أراك تقف على قدميك مجدداً عند عودتك ..
لمحت بريق الحزن في عينيه حين قلت ذلك وقد عرفت سر هذه النظرة ، ولهذا وضعت يدي على كتفه وقلت محاولة تشجيعه : كن متفائلاً يا سيد آلبرت ، أنت ستُشفى بالتأكيد ..
تمتم بهدوء : أتمنى ذلك ..


ثم تابع وهو ينظر إلى شينا وقد رُسمت على وجهه إبتسامة ماكرة : ولكن حتى لو لم أستطع السير فشينا ستقبل بي كيفما كنت صحيح ؟؟
احتقن وجه شينا بالإحمرار حينها : أصمت أيها الغبي ..
كنت أنظر إليهما بتعجب ، يبدو أنه قد حصل الكثير ، انتبهت إلى آلبرت الذي قال : جوليا هل لك أن تتصلي على ياماتو ، أريد أن أتحدث معه قليلاً ..


أخرجت هاتفي على الرغم من أنني لست واثقة مما إذا كان سيرد أم لا ، عندما أوشكت على الإتصال به سمعت آلبرت يهمس : ياماتو ..
نظرت إليه بإستغراب : نعم سأتصل بياماتو ..
-
لا لا أعني أن ياماتو هنا أنظري خلفك ..

إلتفت إلى الوراء لأتأكد مما قاله ، توسعت حدقتا عيني حين رأيت ياماتو بنفسه قادم إلينا بوجهه الشاحب وعينيه الذابلتين .
عندما وصل إلينا قال معتذراً : آسف على تأخري ..
كنت أنظر إليه وأنا غير مصدقة لما أراه ، لم أعتقد أنه سيأتي أبداً ، ولكن حضوره هو صدمة بالنسبة لي ..

قال آلبرت : ظننت أنك لن تأتي ..
بدى وكأنه قد أرغم نفسه على الإبتسامة وهو ينطق : كيف لي ألا آتي لتوديعك ؟؟ أنت مهم عندي ولهذا كان يجب علي أن أراك قبل سفرك ..
حدق فيه آلبرت : سمعت أن والدتك قد توفيت قبل عدة أيام ، كنت سأعذرك حتى لو لم تأتي ..
أغمض عينيه بألم متمتماً : هل كنت تعلم أن والدتي على قيد الحياة سابقاً ؟؟
-
أنا عملت في منزلك مذ أن كنت طفلاً ولهذا أعلم بالطبع ..


صاح حينها ياماتو بغضب : لماذا لم تخبرني بالأمر إذاً ؟؟ لماذا تعلم وأنا لا أعلم ؟؟ هذه قسوة ..
-
لقد حرص والدك على أن يبقي أفواهنا مطبقة ، ولم يتجرأ أحدنا على مخالفته ..

أمسك برأسه وأخذ يضغط عليه وكأنه يحاول أن يخفي إنفعاله أو يحاول كبت جماحه ، شعرت بالتوتر حين لم يسعفني عقلي بحل جيد للتخفيف من الضغط الموجود حولي ..


-
سيد آلبرت آنسة شينا يجب علينا المغادرة الآن ..
نظرت إلى الممرضة التي سترافقهم بإمتنان ، لقد أتت في الوقت المناسب تماماً ، احتضن آلبرت إبنة أخيه وقال بصوت غمره الدفئ على غير العادة : سأعود قريباً يا عزيرتي وإلى ذلك الحين إهتمي بجدتك جيداً حسناً ؟؟
تعلقت الطفلة برقبته وقالت بصوت ينذر ببكائها : عمي هل ستغادر الآن ..
مسح على رأسها بحنان : ألم نتفق على ألا تذرفي الدموع عند مغادرتي ؟؟ لن أشتري لك هدية إذا بدأت بالبكاء ..


أخرجت من حقيبتي قطعة حلوى وأهديتها إياها حتى تمتنع عن البكاء ، وبالفعل كان للحلوى مفعولها الساحر كالعادة ، فقد تركته الطفلة وذهبت إلى جدتها وهي تبتسم بسعادة ..
ودع آلبرت والدته وقبل مغادرته إستدار إلينا بعد أن ابتعدت شينا عنا وقال موجهاً خطابه لي : لا تقلقي يا جوليا ، سأحاول جعل شينا تنسى حقدها وتلغي فكرة الإنتقام ..
ابتسمت بإمتنان : سأكون سعيدة لو تمكنت من فعلها ..


عندما غادروا إلتفت إلى ياماتو بسرعة ، فإذا به قد ولى ظهره ليغادر المكان ، قلت بسرعة : أنا متفاجئة من وجودك هنا يا ياماتو ..
-
كنت قد وعدت آلبرت من قبل أنني سأودعه حتماً ، وأنا عادة لا أخلف وعودي مهما كانت الظروف ..
قلت بتردد بعدها : أممم ياماتو هل تعرف ما حصل لسوبارو ؟؟ إنه غائب عن المدرسة لثلاثة أيام ، وعندما ذهبنا إلى منزله لم يكن فيه ، وجاره أخبرنا بأنه لم يعد إلى المنزل ، أنا قلقة عليه ، إن كنت تعلم شيئاً عنه فأخبرني أرجوك ..
أجابني من دون أن يلتفت إلي : ذلك اللعين لا يستحق أن نقلق عليه مطلقاً ، لا تهتموا به فهو ليس سوى شخص مخادع وماكر .

نظرت إليه بتعجب ، من الغريب أن يتحدث ياماتو عن شخص ما بهذه الطريقة ، خطوت بإتجاهه ووقفت أمامه ثم قلت وأنا أحدق في عينيه : أكره أن أتدخل بينكما ، ولكنني أرى بأن الأمر قد زاد عن حده ..
ثم صمت قليلاً قبل أن أواصل بحذر : هل لسوبارو علاقة بموت والدتك ؟؟


بدى وكأني أصبت لب الحقيقة فقد كان يشتت أنظاره هنا وهناك ، ولكنني كنت أحرص على أن أجعله ينظر إلى عيني مباشرة لأمنعه من الكذب ..
لينطق بعدها بإستسلام : سوبارو هو أخي الأصغر ، والمنزل الذي ذهبت إليه في ذلك اليوم معك هو منزل سوبارو الحقيقي ..

رمشت بدون استيعاب ، هل قال لتوه إنهما أخوان ؟؟
ابتسمت بغباء متمتمة : هل أنت جاد ؟؟ أنت وسوبارو إخوة !! كيف حصل ذلك ..
ابتسم بغيظ قائلاً : حتى أنا لم أعلم بهذا إلا متأخراً ، ذلك اللعين كان يعلم بكل شيء ، ولكنه لم يخبرني أبداً ، أنا أكره ذلك النزق وبشدة ، على الرغم من أن المدعو روكاوا قد أخبرني بذلك من قبل ولكن سوبارو جعل الأمر يبدو ككذبة اتفقا عليه ، وأنا بكل غباء صدقته ولم أشك ولو قليلاً في صدق روكاوا ، ولكنني اكتشتفت الحقيقة في وقت متأخر جداً ، وفي النهاية يُلقي سوبارو باللوم علي ، يقول بأنني السبب في موت أمي وأنا لم أقابلها من قبل ، إنه مجنون بالفعل ، صب غضبه علي على الرغم من أنني أنا من يجب أن أغضب عليه ، يُمثل دور المسكين مع أنه ظالم ، كان يعلم بكل شيء ولكنه لم يُرهق نفسه بإخباري ..



بدى ياماتو منفعلاً وهو ينطق بتلك الكلمات الغاضبة ، أمسكت بيده لأقوده إلى مكان آخر ، فصراخه العالي جعل الجميع يلتفتون إلينا ، حاولت البحث عن مكان خالي يمكن أن نتحدث فيه بأريحية ، ولكن لايبدو بأن هناك مكان كهذا في المطار ..

جذب يده وقال : أنا سأعود إلى المنزل ، إن أردت أن تعرفي حول الموضوع أكثر فاذهبي إلى سوبارو ، فربما لازال هناك المزيد من المفاجئات التي يخفيها ..
ذهب ياماتو وأنا عدت إلى سيارتي ، حتى الآن لازلت غير مصدقة لما سمعته ، لم يخطر في ذهني يوماً أن يكون سوبارو وياماتو أخوان ، الحياة مليئة بالمفاجئات حقاً ..

ترددت إن كان يجب أن أذهب إلى ذلك المنزل الذي ذهبنا إليه سابقاً ، فأنا أشعر بأنني سأجد سوبارو هناك بالتأكيد ، بعد التفكير ملياً حزمت أمري وقررت الذهاب ..
عندما وصلنا إلى المكان المطلوب طلبت من مات وجون البقاء في السيارة ، ولكنهما رفضا وأصرا على مرافقتي ، وهما إذا أصرا على شيء فمن الصعب تغيير رأيهما بسهولة ..


قلت بإنزعاج وأنا أرفع سبابتي :" أريد شخصاً واحداً فقط معي ، إما أنت يا جون وإما أنت يا مات "
تبادلاا النظرات ثم قررا بأن يكون جون من يرافقني ومات سيبقى هنا بإنتظارنا ..


ترجلنا من السيارة ، وبخطوات مترددة وقفت أمام البيت الذي يدل على أن صاحبها ذو حالة مادية أعلى من المتوسط أي أنه ليس بالفقير ولا بالغني ..
وقفت قليلاً أفكر فيما إذا كان يجب أن أضغط زر الجرس أم أعود أدراجي ، انتبهت إلى جون الذي قال :" من صاحب هذا المنزل يا آنسة جوليا ؟؟ "
"
أممم إنه لصديقي سوبارو ... على ما أظن "
"
ماذا تعنين بعلى ما أظن ؟؟ إذاً أنت لست واثقة من هذا "
ابتسمت في وجهه ببلاهة ، ليجرني من يدي وهو يقول :" لنعد فقط إلى المنزل ، السيدة لن يعجبها فكرة ذهابنا إلى منزل شخص لا تعرفينه "
قلت وأنا أحاول مقاومته : " ياماتو أتى إلى هنا سابقاً ألا تتذكر ؟؟ إذا أصحابها ليسوا أشخاصاً مشبوهين كما تعتقد "
تركني وهو يطلق زفيراً عالياً :" إذهبي لطرق الباب إن كنت تثقين بأصحابها حقاً "


هذه المرة لم أتردد في قرع الجرس ، وما هي إلا ثواني حتى فتحت خادمة باب المنزل وهي تنظر إلي بإستغراب ، قلت لها مستفسرة : أهذا منزل سوبارو ؟؟ ..
تلعثمت بمجرد أن سمعتني أنطق بإسمه : آآ أنتظري قليلاً آنستي ..
أغلقت الباب وأبقتني خارجاً ، تعجبت من تصرفها هذا ، انتظرت لدقائق قبل أن يُفتح الباب مجدداً ، ولكن الشخص الذي ظهر من خلفها هذه المرة كان رجلاً في عقده الثالث ..


نظر إلي بتفحص ثم نطق بتساؤل : من أنت يا فتاة ؟؟
-
أنا جوليا طالبة في المرحلة الثانوية ، هل هذا منزل سوبارو ؟؟ ..
رفع ببصره إلى جون : ومن يكون الشخص الواقف خلفك صاحب البنية الضخمة ؟؟
قلت مبتسمة : لا تعره إهتماماً ، إنه مرافقي وحسب ، ولكنك لم تجب على سؤالي أيها السيد ، أهذا منزل سوبارو ؟؟
وقف جانباً وفتح الباب قائلاً : تفضلا بالدخول ..
-
سأكرر سؤالي للمرة الثالثة ، أهذا منزل سوبارو أم لا ..


أدخل خنصره في أذنه متمتماً : أنت مزعجة ، ماذا تريدين منه ؟؟
أجبت بصراحة دون مراوغة : لقد سمعت أن والدته قد توفيت ، ومن واجبي الإطمئنان عليه وزيارته ..
أشار لي بالدخول وقادني إلى المجلس ، ثم قال : انتظري قليلاً ..
غادر لثواني ثم عاد وجلس على الأريكة وأنا أنظر إليه بحيرة ، فهم نظرتي وقال : ستحضر الخادمة العصير بعد قليل ..


وقفت من مكاني وقلت بإستياء : عصير ؟؟ من قال أنني هنا لشرب العصير ؟؟ ظننت أنك ذهبت لمناداة سوبارو ..
أسند ظهره إلى الوراء متحدثاً : لماذا أناديه ؟؟ لا أذكر أنني وافقت على مقابلتك له ..
قطبت جبيني دلالة غيظي ولكنني نطقت بذات النبرة الهادئة : لماذا أدخلتنا إذاً أيها السيد ؟؟ وبالمناسبة هل أنت والد سوبارو أو قريبه ؟؟
-
أنا مجرد صديق لهذه العائلة ، وقد كان من الوقاحة أن أردكم خائبين بعد أن قطعتم هذه المسافة كلها ، لهذا كان علي أن أستضيفكم بكأس عصير ولو قليلاً ..

قلت بإمتعاض : لو أردنا شرب العصير لشربناه في أي مكان من هذا العالم ، ولكن هدفنا من المجيء هو رؤية سوبارو ..
قال متأسفاً : المعذرة لا يمكنك ذلك ، لا أظن أن سوبارو سيسعد برؤيتك في الوقت الحالي ..
-
لن تعرف حتى نجرب ، لربما يتحسن حال مقابلته لي ..


لا تسألوني من أين أتيت بهذه الثقة المفرطة ، كل مافي الأمر أنني أتحدث متصنعة الثقة مع أنني أدرك حق المعرفة أن الأمر مخالف تماماً لما قلته ..
قال بعد أن نهض من مكانه : أكره أن أكسر ثقتك ولكنني أدرك أن زيارتك غير مرغوب به في الوقت الحالي ..
ضيقت عيني قليلاً : ولماذا تقول ذلك ؟؟


قاطعنا دخول الخادمة التي قدمت لنا العصير وغادرت ، قال بعدها الرجل : تناولا العصير وغادرا من فضلكما ، لقد انتهى النقاش ..
هم بمغادرة المكان لكنني أوقفته : إذا خرجت دون رؤيته سأكشف للعالم بأسره عن هويته الحقيقية ..
إلتفت إلي ببطء : ماذا تعنين ؟؟
ابتسمت بمكر وقلت : أعلم أن سوبارو ليس بشخص عادي بل هو مشهور ، وهو يخفي وجهه حتى لا يكتشفه أحد ، ولكن يبدو أن سره سيُفضح قريباً ..
إستدار بسرعة : كيف علمت بهذا أيتها الماكرة ؟!
ثم صمت قليلاً قبل أن يتابع بشك : هل ياماتو من أخبرك بالسر ؟؟ يبدو أنه يُنفس عن غضبه بإفشائه لجميع الأمور المتعلقة بسوبارو ..

أبعدت خصلة متمردة من شعري عن وجهي وقلت بملل : أيها السيد لماذا تدقق في أمور ليست بمهمة ؟؟ أليس من الأجدر أن تقلق على سر سوبارو ..
حملق فيني بغضب مما جعل جون يقف بإستعداد لأي حركة قد يقوم بها ، أشرت إليه بالإسترخاء ولكن جون لم يهتم بحركتي ، فهو يظن أن هذا الرجل لربما سيتسبب في إيذائي ..


شد الرجل على قبضته وقال : سادعك تقابلينه ولكن بالمقابل يجب أن تبقي فمك مطبقاً ، وأنا لست مسؤولا عما سيحصل ، فأنا أخبرتك سابقاً بقائك ليس مرغوباً به ..
قلت بلا إهتمام : حسناً أياً يكن ، أرشدني إليه وحسب ..

سار أمامي وأنا أتبعه وجون من خلفي ، قادني إلى الدور الأول وسار إلى أقصى غرفة في الممر ، إلتفت إلي وقال : إبقي هنا أولاً حتى أُعلمه بتطفلك ..
أخرج من جيبه مفتاح الغرفة وبدأ بفتح القفل وأنا أنظر بتعجب ، لماذا يحبسه يا ترى ؟؟


عندما أمسك بمقبض الباب ليفتحه دُفع الباب من تلقاء نفسه وظهر من الغرفة رجل لم أتعرف عليه ..
أمسك الشاب الذي خرج من الغرفة ياقة ملابس الرجل وقال بغضب والشرر يتطاير من عينه : أيها اللعين إلى متى ستظل تحبسني كحيوان في هذه الغرفة ؟؟
أمسك الرجل بيد الشاب محاولاً الإفلات من قبضته : سأظل أحبسك حتى تتصرف بعقلانية ..
-
وهل تراني مجنوناً أيها ......


بتر عبارته حين وقع بصره علي ، حين أدركت أنه لاحظ وجودي أخيراً اقتربت خطوتين إلى الأمام وقلت بإبتسامة : مرحباً ..... يا سوبارو ..
نعم هذا الشخص الذي أمامي هو سوبارو بالتأكيد لكن هذه المرة بدون ضمادات على وجهه ..
لو لم أسمع صوته الذي يمتاز ببحة خفيفة ما كنت لأتعرف على هوية هذا الشاب ..



تعجبت حين لم يحرك ساكناً ولم يُبدي أي ردة فعل حين رحبت به ، المسكين يبدو أنه تيبس في مكانه ، فهو لم يتوقع أن أراه هكذا دون ضماداته ..
بقي على حاله لدقائق وأخيراً حرك بصره عني وثبتها على وجه الرجل الواقف أمامه ليقول الآخر بإندفاع : هي من أصرت على مقابلتك ، كما أنها تعرف هويتك الحقيقة ولهذا لم أُمانع ..

تحركت شفتيه الجافتين بكراهية واضحة : إنه ياماتو بلا شك ، نعم ياماتو هو من أخبرها كنت أعلم أنه لا يمكنه إطباق شفتيه ..
انتابه قوة غريبة استطاع بها دفع الرجل بقوة حتى أسقطه أرضاً ، تجاوزه بخطوات سريعة وملامح وجهه الغاضبة أرعبني بحق ..
أشرت لجون بالإمساك به بما أنه الوحيد القادر عليه في الوقت الحالي ..

أمسك جون بكلتا يديه وجعلاها خلف ظهره ، وكلما حاول سوبارو الإفلات منه تألم ، ولهذا لم يبقي شتيمة في قاموسه إلا وقد تفوه بها ..

نهض الرجل الذي كان ملقى على الأرض وقال : أحسنت عملاً جوليا ، ولكن هلا أمرت الرجل بإدخال سوبارو إلى غرفته ..
طلبت من جون أن يقوم بذلك ، أدخله جون للغرفة ثم أفلته ، ليعود سوبارو إلى هيجانه مجدداً ..


كنت أنا والرجل نقف عند الباب مانعين خروجه من الغرفة مجدداً ، تحدث الرجل : سوبارو أخبرتك بأنني لن أتركك تغادر إلا إذا بدأت تتصرف بتعقل ، أخشى أنني لو تركتك فستقوم بأمر سيء تعرض حياتك للخطر ..
صاح سوبارو بغضب : ومن يهتم ؟؟ غادر وحسب يا سيد روكاوا إلى منزلك ، وجودك هنا لا معنى له ، دعني أقوم بما أريد به ..


زفر المدعو روكاوا دون أن يجيب عليه ، نظر إلي وقال : أظن أن هذا يكفي يا جوليا ، حان الوقت لتغادري ..
رفعت بنظري إلى وجه سوبارو الذي كان مظلماً بشكل غريب ، ثم نطقت بهدوء بعد أن أشحت ببصري بعيداً بسرعة : أرجو ألا يطول غيابك يا سوبارو ، أراك لاحقاً ..
غادرنا غرفته وأغلق السيد روكاوا الباب بالقفل مجدداً ..
قلت مستفسرة : بالمناسبة يا سيد روكاوا من هو سوبارو بالتحديد ؟؟
-
ماذا تعنين ؟
-
أليس هو شخص مشهور ؟؟ ولكن في أي مجال بالتحديد ؟؟

نظر إلي بإستنكار متمتماً : ألست تعرفين سره ؟؟ أليس هذا ما قلته أم أنك كنت تخدعينني وحسب ..
ابتسمت في وجهه : أمم في الواقع لا أعرف سره بالضبط ، ولكنني سمعت أنه مشهور فقط ..
-
يالك من ماكرة ، ولكن ألم تعرفي هويته حين رأيتي وجهه من دون ضمادات ؟؟

حركت أكتافي : أنا لا أعرف كثيراً عن المشاهير لهذا لا أظن إنني رأيته قبلاً ..
إلتفت إلي حينها وقال بنبرة يتخللها الغضب : كيف لك إلا تتعرفي عليه ؟؟ إنه مشهور للغاية ، ألم تسمعي قبلاً بالمغني ورابوس ..
صمت قليلاً أفكر في الإسم الذي ذكره ، فجأة تذكرت أنه المغني المفضل لروز ..
شهقت حينها وقلت : لا تقل لي .....
قاطعني بفخر : نعم سوبارو هو المغني ذاته ..




خرجت مني ضحكة ساخرة لا إرادية ، جعل سيد روكاوا ينظر إلي بإستنكار متسائلاً عن السبب..
قلت وأنا أضع يدي أعلى فمي أخفي إبتسامتي : أحم آسفة ، لكن لا أستطيع أن أصدق أن سوبارو يمكن أن يكون مغنياً ، هذا أمم مضحك قليلاً ..
بدى عليه الغضب وهو يقول : كيف لك أن تسخري منه ، يجب أن تكوني فخورة لأنك استطعت مقابلته أيتها الوقحة ، الملايين من المعجبين يتمنون معرفة هويته الحقيقية ، وأنت تسخرين منه بكل ببساطة ، كم هذا فظ للغاية ..


فضلت الصمت لأنني لو تحدثت أكثر فقد أغضبه لا أكثر ، ولكنني لم أستوعب الموضوع بعد ، ولا يمكنني تصوره مطلقاً ..
غادرت المنزل وبمجرد أن صعدت السيارة أطلقت العنان لنفسي لأنفجر ضاحكة بعد أن كنت أحاول كبتها أمام السيد روكاوا ..

ضحكت حتى أدمعت عيناي ، لا أستطيع تخيل سوبارو البارد والمستفز يغني أمام ملايين الناس ، الحياة مليئة بالمفاجئات حقاً كما ذكرت ..

بعد أن هدأت بدأت بمسح دموعي التي سالت من كثرة الضحك وأنا ألتقط أنفاسي وأشعر بأن معدتي تؤلمني ، نظرت إلى وجه جون ومات اللذان ينظران إلي بحيرة معتقدين أنني قد جننت بالكامل ..
نطق مات أخيراً : " ما بك يا آنسة جوليا ؟؟ أنسيت دماغك في ذلك المنزل أم ماذا "
أجبت ضاحكة : "ربما من يعلم"

أنهيت عبارتي وعدت إلى الضحك ، ولكن بشكل أقل جنونا ، لازالت صورة وجه سوبارو عالقة في ذهني ، وكأنه لا يزال أمامي ..
لازلت لا أستطيع إستيعاب أن ذلك الشاب الذي رأيته كان سوبارو نفسه الذي أعرفه ، لا أعلم لم لكن ملامحه رسخت في ذهني رغم أنني تعمدت ألا أطيل النظر إلى وجهه كثيرا ..
بشرته السمراء وتقاسيم وجه الخشنة والمتجهمة ، تلك العيون التي كانت كالبحر في لونها وعمقها ، شعره الأشقر الذي كان إلى شحمة أذنه رغم كونه أشعثا حول وجهه إلا أنه قد أكسبه جمالا ، رجولة وفخامة شعرت بها أول ما رأته ..
أنا وبصدق لم أطل النظر إليه ولم أرغب بذلك ، لأنني بكل بساطة كنت سأكذب نفسي ، لم أتصور يوما أن يكون سوبارو بمثل هذه الجاذبية الطاغية ، لولا صوته ما كنت لأقتنع ..

توقفت السيارة فجأة وسط الطريق وهذا ما أيقظني من شرودي ، إلتفت إلى النافذة ظناً مني أننا وصلنا ، ولكن الأمر لم يكن كذلك ..
إلتفت إلي السائق وقال معتذراً : آنسة جوليا أنا آسف يبدو أن السيارة قد تعطلت ، سأتصل بالسائق الآخر ليقوم بأخذك ..
-
حسناً لا بأس ..


لفت نظري المشفى الذي كان بجوارنا ، بدى إسم المشفى مألوفاً فأخذت أكرر الإسم في داخلي محاولة تذكر ما الشيء المهم فيه ، حينها تذكرت أين سمعت بهذا االمشفى ..
قلت للحارسين : " أريد النزول من السيارة فأن أشعر بالإختناق " ..
لم يرفضا طلبي وسمحا لي بالنزول ، ثم قلت وأنا أشير إلى المشفى : " أحد أصدقائي يرقد في هذا المشفى ، أريد الإطمئنان عليه بما أننا هنا الآن "
قال جون : " إذاً مات سيرافقك هذه المرة "
قلت بصرامة : " لا هذه المرة أنا سأدخل إليها لوحدي ، أرجوكما كفا عن إزعاجي ، لا أظن أن المشفى سيكون مكاناً خطراً حتى ترافقاني "

تبادلا النظرات كالعادة عندما يكونان حائرين وفي النهاية قالا بإستسلام : " حسنا سندعك تذهبين لكن كوني حذرة "
رفرف قلبي من السعادة ، ورحت أركض إلى المشفى بعد أن لوحت لهما بيدي مودعة ، سألت موظفة الإستقبال عن شخص يُدعى ساي وذكرت لها اسمه كاملاً حتى لا تدلني على ساي آخر ، بدى عليها الإرتباك حين ذكرت اسمه ، ولكنها أجابت بإبتسامة لطيفة : لا يوجد مريض بهذا الإسم يا آنستي ..

ضيقت فتحة عيني بشك ، أنا واثقة من أن أبي قد ذكر بأن ساي يرقد هنا ، والمراقبة مشددة عليه ، وربما قد تلقت أوامر من الشرطة تمنعها من أن تدلني عليه ..
قلت بهدوء : أنا مرسولة من قبل أحد الضباط ، لدي رسالة مهمة يجب إيصالها لأحد الشرطيين المسؤولين عن مراقبة ساي ..

قالت وهي تعبث بالحاسوب : كان عليك إخباري بهذا مسبقاً ..
أعطتني رقم الغرفة الذي بها ساي ، هذه الموظفة تبدو غبية قليلاً ، فلا أظن أن كذبة بسيطة كهذه ستنطلي على أحدهم بهذه السهولة ، ولكن أنا ممتنة لهذا ..


عندما وصلت كان هناك شرطيان يقفان على طرفي الباب ، قلت بهدوء : مرحباً أيها السيدان ..
قال أحدهما بإستغراب : ماذا تريدين ؟؟
-
أريد زيارة المريض الذي في داخل هذه الغرفة ..
-
من أنت ؟؟ وما صلة قرابتك به ؟!
-
أنا جوليا وأنا ضحية من ضحايا المجرم ساي ..


أصدر الآخر شهقة قوية وقال بإندفاع : أنت إبنة المحقق روك بالتأكيد ، يا إلهي كيف لي ألا أتعرف عليك ، بالرغم من أن صورك تملأ المجلات والصحف ..
نظر الآخر إلي بنظرة تفحصية وقال : إذا دققت النظر في وجهها فهي تشبه المحقق روك كثيراً ، ولكن ماذا تفعلين هنا !!
-
أتيت لألقي نظرة على ساي ..
-
أنا آسف ولكن يُمنع لأي شخص كان رؤيته ، وأيضاً هو غائب عن الوعي ولهذا لا فائدة من مقابلته ..


أجبت بطريقة درامية : ولهذا أريد إلقاء نظرة على وجهه ، كان دائماً يبدو متغطرساً وسفاحاً ، أريد رؤية ملامحه وهو بهذا الحال ، أريد أن أُطفئ نار الغضب الذي يشتعل في جوفي ، رؤيته بشكل مثير للشفقة سيجعلني قادرة على مواصلة حياتي ، ضعا نفسيكما في مكاني ، لقد تم تعذيبي على يديه بأبشع الطرق ، ورؤيته طريح الفراش هو أقل شيء يمكنني فعله لأشفي غليلي ، لهذا أرجوكما لا ترفضا طلبي ..

أنهيت عبارتي وشبكت أصابعي ببعضها ووضعتها أسفل ذقني وأنا أرمقهما بنظرة حزينة ومتوسلة ..
لاحظت نظرة التعاطف على وجهيهما ، ولهذا سمحا لي بالدخول بعد أن أقنعوا الشرطي الثالث الذي كان داخل الغرفة ..

دخلت إلى الغرفة وأنا أشعر بأن قدماي قد أصبحتا ثقيلتين ، سرت في جسدي رعشة حين لمحت السرير الأبيض والأجهزة من حوله ، وقفت أمامه وأنا أشعر بمشاعر مضطربة ..
تأملت ذلك الوجه القاسي الذي كان لي معه ذكريات قاسية ، ولكن ملامحه الآن مختلفة كثيراً ، عيناه اللتان كانتا تشع مكراً ودهاءً أصبحتا مغمضتين ، فمه الذي كان يبتسم دائماً بدناءة أصبحت جافة ، ملامح وجهه الذي كانت تعبر عن مدى قذارته و شره صار خالياً من التعابير ولا ننسى طبعاً ذكر الكدمات التي في جميع أنحاء جسده والتي لم تلتئم بعد بصورة كاملة ..

أغمضت عيني بقوة وضعف، هو لا يستحق نهاية كهذه ، يجب أن ينال جزاءً أكثر قسوة من هذا ، هذا لا يُعتبر شيئاً مقارنة بأفعاله الشنيعة ..

لم أستطع أن أمنع نفسي من ضربه ، رفعت قبضتي عالياً إستعداداً لتوجيه لكمة في وجهه ، أهشم فيها أنفه المتغطرس ، وأكسر فيها أسنانه ، ولكن يد الشرطي الذي كان خلفي منعني حين أمسك بمعصمي قبل أن أتمكن من فعلها ..
همس بصوت خافت : لا تفعلي هذا يا جوليا ، هو لن يشعر بأي شيء في الوقت الحالي ، إذا أفاق من غيبوبته سأسمح لك بضربه قدر ما تشائين ..

أنزلت قبضتي وأنا أشعر بغضب عارم ، رؤية وجهه أعادت لي مشاعر أريد تناسيها ، وذكريات أرغب في محوها ، أصابعي بدأت تحرقني مجدداً ، ومعدتي تؤلمني ، وبدأت أشعر بطعم شيء مقزز في فمي ، أشحت بوجهي وأنا أمنع دموعي من الهطول ..

أنا أقوى من هذا ، يجب ألا أتأثر بالماضي ، يجب أن أنسى مشاعر المعاناة التي شعرت بها بسبب ساي ، ضغطت بيدي على رأسي ، حينها شعرت بيد أحد على كتفي ..
نظرت فإذا به الشرطي مجدداً ، قال برقة : لنغادر يا جوليا ..

يبدو بأنه قد أحس بي ، ولهذا أراد إخراجي ، سرت معه نحو الباب ، ولكن فجأة شعرت كما لو أن أحداً رمقني بنظرة قاتلة من الخلف ..
إلتفت بسرعة نحو سرير ساي وقلبي يرجف كورقة ضعيفة لسبب ما ، قال الشرطي بإستغراب : ما بك يا جوليا ..
قلت بخوف : لا أعلم ، لا أعلم حقاً ..
أحاطني بذراعه على كتفي وأخرجني من الغرفة ، وأنا أفكر في سر ذلك الشعور الغريب الذي إنتابني ، أقسم وكأنني شعرت بأن أحداً قد نظر إلي من الخلف، ولم يكن هناك سوى ساي ، هل أفاق من غيبوبته ؟؟

لا مستحيل ، نفضت رأسي لأطرد هذه الوساوس ، رؤيتي له مجدداً جعلت مشاعري هائجة ولهذا أصبحت أتخيل أموراً غريبة ، يبدو أنه لم يكن علي رؤيته مطلقاً حتى يفيق ، كان قراري في غير محله ، أنا غبية ما كان يجب علي رؤيته بعد كل شيء ..

نهاية الفصل ..
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

التعديل الأخير تم بواسطة وردة المـودة ; 03-23-2017 الساعة 10:07 AM
رد مع اقتباس