عرض مشاركة واحدة
  #72  
قديم 10-23-2016, 08:42 PM
 



قراءة ممتعة :

لم تعلم الخادمة ما عليها فعله وهي ترى تلك التصرفات ، حملت السماعه بلباقة ووضعتها على أذنها موضحه :" أعتذر على قطع الإتصال ، لا يبدو سيدي على ما يرام ، أيمكنني مساعدتك ؟"
رد الشخص على الجانب الآخر بتلعثم :" لا .. لا أظن ذلك ..هذا ليس ممكنا كما اعتقد ..
لكن ربما عليك معرفة أنّ ..."
ارتعدت المسكينة لهذه الفاجعة ، وقالت بهدوء :" حسنا ، شكرا لإخباري ، سنقوم بما علينا فعله "
أغلقت الهاتف ، وتوجهت جريا للمطبخ حيث مدبرة المنزل لتعلمها بالأمر هي الأخرى ..
تملمت إحدى الخادمات وهي ترى وجوههم المتغيرة وقالت :
" علينا إخبار الآنسة ليس كذلك ؟"
وقفت إيزابيلا لتجيب بصرامة :" أخوها سيفعل ، هذا ليس من شأننا عودوا لإنهاء أعمالكم وحاولوا إكمالها بسرعة كي نستطيع تحضير كل شيء ليوم غد " .
وبعد كلامها إنتشر الجميع في الأرجاء ، وألبابهم مشتته بسبب الواقعه .
ـ
فيما كانت استيرا تُحاول جهدها فهم أحد الكتب ، دخل غراب فحمي للغرفة وحام طويلا ،
لم تكتفي بمراقبته إذ انها تؤمن بأنه جالب حظ نحس ، لذا سارعت لجلب مكنسة وبدأت في المطاردة ، فهو يطير هنا وهي تضرب هناك ، هو يملأ المكان بصوته الكريه وهي تخرسه برمي الكتب عليه ، لكنه أذكى ..
فهو يقوم بالطيران عاليا أو يقف في زوايا شديدة البعد ، حتى السلالم لا تصلها ، وهذا ما جعل إستيرا تسقط عدة مرات عن الكرسي والكتب في محاولات إخراجه ،
في النهاية إكتفت من ذلك كله وجلست القرفصاء على الأرض بغضب وتعب طاغيين راجية :
" أرجوك إرحل من هنا .. إذهب لمكان آخر ."
وببساطة حلقّ الغراب بعيدا، فجعلت تقلب نظرها مندهشة قبل ان تشرع في القراءة مججدا
آملة عدم حصول أمر آخر .
-
أوقفت سيارتي وأنا أكاد أنسى طريقة المشي ،لا أستطيع التفكير في أي شيء ، حتما هو خطأ ، توجهت نحو مكتب الإستقبال في المشفى وأعطيت العاملة هناك إسمي والغرض من حضوري ، لتستدعي مباشرة أحد الممرضين الذي سار بي نحو الغرفة ، وقبل أن أدفع الباب وادخل ألقى عليّ نظرة حانية قائلا :
" أتمنى أن لا يكون الأمر .. ستجدني في آخر الرواق إن احتجتني .." ورحل ....
عالجت من أمري طويلا .. لكني أتخاذل في كل مره أحاول فتح الباب فيها . ماذا لو كان صحيحا ؟
ماذا لو كان النيام هنا عائلتي ؟ هل سأتوج ملك الشجاعة إن دخلتالآن وألقيت نظرة على وجوههم ؟
لم أعود نفسي على الجُبن .. ولن أفعل ... سأضغط على نفسي ... سادخل .
أغمضت عينيّ ودفعت الباب لأدخل ، ثم استدرت بسرعه لأغلقه وانا أواجه باقي الغرفة بظهري ،
تساقطت بالفعل قطرات عرق وأسى من قلبي المرتبك ، ولم أرد النظر لحالهم أو حالي ، الوقت يداهمني ، سألقي نظرة سريعه .. علهم مخطئون .. بل لابد من ذلك ، من المستحيل حدوث هذا ..

حبست أنفاسي المرتعشة ونظرت أخيرا للأسرة الثلاثة داخل الحجرة البيضاء ، مازلت أتمسك ببصيص أمل .. ليسوا هم .. خفضت الغطاء الأبيض عن صاحب السرير الأول ، ففغرت فاهي .. غير معقول ، لا بد أني احلم ..
سأرى الآخر علي أنسى إرهاقي الذي يصور لي أشياء خاطئة . نزعت عن الوجه الغطاء فظهر لي ما جعل أعصابي تتصلب ، ما ازال أحلم ، كررتها داخلي وأنا أسحب الغطاء عن الوجه الأخير ، فتهالكت وقد أظلمت الدنيا في عيني ّ
قرة عينيّ والداي وجدي ، أراهم الآن أجسادا جوفاء وأرواحهم قد صعدت للسماء ، كيف ؟ ألا ينطقون ؟ ألا يبتسمون ؟ ألا يشعرون بي ؟ لمْ .. لمْ يموتوا .. لن أقبل بهذا ..
صحت وانا أنعش قلب كل واحد منهم :" هيا ، إنهض ، إنهض ، إنهض ، أبي هياا ، جدي ، أمي ، لا تفعلوا بي هذا ،لا تستسلموا ، لديكم رضوض فقط صدقوني تستطيعون النجاة ، فقط إستفيقوا ، تحركوا قليلا وسأجعل الأطباء يوصلون الأجهرزة باجسادكم لتتعافوا بسرعه ، هيا ، هيا ...."
كنت أسرع في عملية الإنعاش ، أحاول تدفئة أطرافهم الباردة وأمسح دموعي من فوق وجوههم الشاحبة ، لن أتوانى ، ولن أتوقف حتى أشعر بدبيب الحياة فيهم ، فهم لم يموتوا ، أنا متأكد ..
شيئا فشيئا أحسست بولوج الروح داخل جثثهم المستعدة للحياة من جديد ، إنهم يحتاجون دفعة صغيرة مني ـ دفعة صغيرة فحسب ،....

ـ

دخل طبيب ومعه بعض الممرضين الغرفة وإرتعبوا من التصرف المجنون الذي يرونه
قال الطبيب بصياح :" أرجوك توقف ، لقد ماتوا " وحاول إبعاده عن أبيه ، فأسقطه راوند أرضا ممسكا به من ياقة قميصه مهددا :" لم يموتوا ، سيعودون للحياة وسترون "
رماه جانبا ليعود لفعلته وهنا أمر الطبيب :" للميت حرمةـ أخرجوه من هنا وهدؤوه " أعاد الممرضون تغطية وجوه الموتى ، ثم تعاونوا على حمل راونتد الصارخ خارج الغرفة ، وهو يقاتل ويصيح بهم أن "توقفوا وساعدوني .. إبتعدوا عني ، دعوني " لكن مع كل عمل مضاد كان يقوم به ، كان الممرضون يزدادون صرامة إتجاهه فيخرسونه بأيديهم مانعيه من إكمال نشر الفوضى ، ويكبلونه جيدا بأيديهم إلى أن وضعوه في سرير أحد الغرف وخذوا أمكنتهم في تقييده فيما بدأ الطبيب بملأ الإبرة بالسائل المهدئ أمام عيني راوند , لم يفهموه .. لمَ ؟
حبس دموعه وأطبق فمه وتوقف عن المقاومة . حتى طنوا أن وعيه غائب ، لكنه صرخ فجأة صرخة عظمى أخرج بها كل الأوهام التي راودته وهو في الغرفة التي احتضنت جثث أحبائه ،
تذكر أخته .. وعلم أن ما يفعله مله من سبيل إلى نفسه ، بل يجعله تائها كطفل مجنون في شوارع مزدحمة ، عليه تقبل الأمر الواقع .. عليه التصرف بعقلانية ، وإدراك أن والديه وجده .. قد ماتوا ؛
إرتفع صدره وهو يتنفس بشدة بعد ذاك الصوت الذي أصدره ، ثم نظر للطبيب قائلا : "أرجوك توقف .. أحتاج البقاء مدة كي أرتب أفكاري وأستوعب الوضع ، أخرجوا من فضلكم .
اقترب منه الطبيب متفحصا وجهه ، ثم خرج وتبعه الممرضون جميعا ، ليضل راوند وحيدا في الغرفة تلك ،

في حفظ الله
رد مع اقتباس