عرض مشاركة واحدة
  #568  
قديم 08-02-2015, 05:47 PM
 



مدخل:

يُحكَى أنْ هُناك طفلٌ حَل ضيفاً عَلى النجوم واسْتَرق بريقها!
كانَ في حَضرتهِ يحلِ الصَباح.. وَتنتشي الأرواحْ
كَبرَ الطِفل وحَل الغد.. جَاء الليلُ وسُمِع الرعد
ما الذَي حَدث؟ ايها الطِفل كُف عَن العَبث!
أينَ ذهَب شمسُنا؟ أينَ توارى الطِفل ولم يكتَرث؟
كانَ هُناك حيثُ هو منهَمك.. يحُل ألغازَ حزنِه ليُدرك
أكانَ من الخَطأ ان يستَرق بريقَ النجوم؟ كانَ يجلسُ هناكَ كالمَهموم
ظَهرَ القَمر فمن يَكون؟ يكفكِفُ الدموع.. ويُبهج المَحزون
هَل سيعيدُ شمسَنا؟ وَيكون للطِفل الرفيقَ الحَنونْ؟





البارت العاشر -الجزء الأول-
(سَجين الظَلام)


كانت السيارة تسير حاملةً أياها الى قصرها بروحها المضطربة من افعال الحزن، تعلقت صورته في ذهنها تأبى ان تتوارى، كان يقف متسمراً بين عداد الجمهور وقد لوى شفته بعبوس وهو يراقبها تغادر حفل احلامه الذي انتظره طويلاً، انزل قبعته عن رأسه بعد ان مشت بها السيارة واخذت نظراته المحطمة تطارد السيارة..
فُتحت البوابة الضخمة ذات الأسوار العالية التي تحيط بالقصر وترجلت هي من السيارة بانكسار، اليوم ستعلن عن رحيل والدتها الأم من حياتها، لذا كان لابد لتيار الانفعال الحزين ان يسري بأعماقها، فيمزق عقد اللؤلؤ الذي طوق جيدها بعنف، ويمسح بكف يدها مساحيق التعاسة التي صبغت وجهها، سارت وقد اضطربت انفاسها وهي تتصور والدها جالساً في انتظار عودتها لتحكي له عن حكايا موعدها والحب، لم تخطىء مخيلتها فها قد رأته يقف ما أن لمح دخولها وقد شقت ابتسامة حانية وجهه:
- ها قد عادت فتاتي.. الا تعلمين كم الوقت الآن كيف تستنزفين وقت عطلتك مع ذلك الشاب وتنسين آباك الذي اصابه الضجر في انتظارك!
كانت تمشي اليه تكتم دموعها وخطواتها تتسع بعجلة، ارتمت في احضانه ودست وجهها في صدره تخبأ قطرات الحزن التي بللت وجهها، نزل كفه المصدوم على رأسها يطبطب عليه، وهو الذي ظنها ورثت الشخصية القوية من والدتها فلم تكن لتنكسر امامه بهذه الصورة، اذاً ما الذي حدث؟:
- ما الذي دهاك أليس؟ لقد كنت امازحك! هل رفضك ذلك الشاب؟ اخبريني..
كانت تتنفس بعمق وقد غمرتها الطمأنينة بين يدي من وهبها الحياة، لم تكف صورة والدتها بين ذراع ذلك الرجل عن التجلي امام مقلتيها حتى مزقت تلك الطمأنينة التي حلت عليها، فحرضت نحيبها الذي ترافق بدموع حارقة تحرق جوف والدها الذي انهزم امام هواجسه فأخذ يهزها بلطف مطالباً لجواب على تساؤلاته، "كيف سأخبره؟ هل ادمر حياته باطلاعه اليقين؟ ام اتركه يعيش الزيف البهيج؟" انتشلت رأسها عن صدره لتصطاد عيناه نظراتها الكسيرة، راح يمسح دموعها وهو يغمرها بأنفاس العطف وقد طوق كفاه وجهها وهو يقول:
- ألن تخبريني ما الامر؟
همست بغصة:
- أمي..
بالكاد التقطت اذناه همسها فقال:
- ما بالها؟
كانت ضربات قلبها المتيقظ تزداد بجنون محذرة لها من اخباره بالحقيقة، فما كان منها الا ان تهز رأسها بالنفي وتفر من يديه كما كانت لتفر من الحقيقة المرة، وتنطق كلماتها بانهزام:
- لا استطيع اخبارك..
بدا متفهماً وهو يقول:
- هل الأمر مُلح؟ هل يجب علي ان أعلم به الآن؟
انحدرت دمعة يتيمة من عينيها، لتزيلها بظهر يهدها بامتعاض لذاتها التي انكسرت بهذه الطريقة، وزفرت العبرة التي خنقتها وهي تجيب بالنفي:
- لا! انه ليس كذلك..
- اذاً سأعلم عندما يحين لي ذلك.. اذهبي وغيري ملابسك سأنتظرك على مائدة الطعام.. ولا اريد ان ارى الدموع هذه المرة اتفقنا؟
اومأت بالإيجاب، ومشت خطوتين مبتعدة عنه وانحنت له باحترام وساقتها قدماها الى غرفتها التي ستحل الكآبة ضيفاً عليها الليلة، ابتسم والدها بكدر لتنطق شفتاه بلوعة المهموم:
- يبدو ان الامر انكشف اخيراً.. آعتذر عن عدم اخبارك مسبقاً صغيرتي.. علمت انه سيسبب لك الألم..
التقط هاتفه واتصل على رقم بعجل، واطلق تنهيدة يعلن بها بدأ الحرب الكلامية التي ستنشب بعد قليل، وما ان اجابه الطرف الآخر حتى نطق بغلاظة:
- لم يكن هذا اتفاقنا كوزوكي (اسم والدة أليس)..
- ولم يكن هذا خطأي! من اخبرك بأن ترسلها الى الحفل وانت تعلم انني سأكون معه؟
- هذا لأنك لم تعودي للمنزل منذ فترة! الا تشفقين على ابنتك التي فتك بها الشوق وهي تنتظر رؤيتك؟
- كنت سأعود الليلة بعد ان انتهي من الحفل..
- لا طائل من الكلام الآن.. فقد انتزعت الشهرة الامومة من قلبك..
انسدل جفناه على عيناه، بأسى ليعيش السواد لثوان وهو يستجمع انفاسه لما سيقوله بعد قليل، وجاء صوته كالهمس الذي لم يشأ ان يخرج من جوفه:
- سأقابلك غداً في وكالتك.. واعتبري هذا الزواج قد انتهى!
اغلق الخط، ورمى بالهاتف على الاريكة بجواره ليرمي بجسده عليها بعدها وقد غطى كفه عيناه بحسرة..





حل ذلك السيد الفاحش الثراء والفائض النبولة ضيفاً على مدينة نارا التي تبعد نصف ساعة عن اوساكا حيث اوسترايا، وتحديداً على قصر آل يوشينو (عائلة توشيرو)، كان حديث المجلس لا يخلو من الارقام، فالضيف والمضيف تربطهما علاقة تكاد تكون دموية بالمال تشابه علاقة الصداقة التي ربطتهما منذ امد، السيد سوجيرو يوشينو والد توشيرو كان رجلاً مقبلاً على عقده الخامس من العمر، رغم تقاسيم وجهه المتراخية الا ان الحدة كانت هي المسيطرة عليها، كانت ملامحه تختلف بشكل شاسع عن توشيرو ابتداءاً بلون شعره الرمادي الداكن وعيناه الخضراوان، كلماته كالنصل الحاد وافعاله منزوعة الشفقة في بعض الاحيان وهذا ما جعله يستحق منصبه الحالي كوزير المالية، استأذن الضيف الذي لم يطل المكوث فهو سيد المال لا سيد الوقت، بينما كان الوقت من الد اعداءه إن لم يطعه تلخبطت جميع اعماله، لذلك كان يطيعه طيلة العام ليسترق منه بضع ساعات مع اصحابه:
- اراك في طوكيو اذاً سوجيرو-كن (اسم والد توشيرو)..
رد عليه وقد تصافحا:
- فليكن لقاءنا القادم في ملعب القولف الجديد الخاص بك.. ايزايا (اسم الضيف)..
صدحت قهقهته:
- لك ذلك.. ولنفتتحه معاً..
وانصرف مغادراً وقد انحنى له جميع سكان القصر فشأنه شأن سيدهم صاحب القصر، وجهته الجديدة مطار اوساكا مع سكرتيره الخاص الذي يصاحبه كالظل في رحلات العمل وغيرها..





جمد جليد الصدمة اوصالها، تشتت افكارها وقد غادرها عقلها، منظر دماءه القرمزية التي كانت تقطر من السيارة وشكلت بركة قد عصر قلبها الذي كادت ضرباته تفجره، هوى بها عقلها الى عالم الواقع على صفارات الاسعاف البعيدة التي تشق طريقها بسرعة بين السيارات، رأت عندها قائد المركبة التي كانت طرفاً في الحادث يترجل عن سيارته ببعض من الخدوش والجروح السطحية وقد استفاق من صدمته لتوه، دنا من الباب الذي يقبع خلفه جسد آيدن البارد المخيف، همس عندها وقد احاطت به نظرات هيميكو التي تسيل بغضاً ظناً منها ان هذا الرجل هو المتسبب في الحادث:
- يا الهي كيف حدث هذا..
واكمل وهو يطرق على النافذة طرقات متوترة وقد ارتجف صوته الذي حاول جعله مسموعاً:
- ايها الشاب اجبني.. ايها الشاب هل تسمعني؟
رغم نظراتها القاتلة التي كانت ترمي بها ذلك الشخص الا ان سؤاله لآيدن جعلها تشيح ببصرها نحوه وهي تترقب منه اي ردة فعل بأمل، الذعر يدب الى اعماقها كلما اتضح لها سكون جسده، وهمسات الناس حولهما لم تكن تسعف مشاعرها النازفة وهي ترى آيدن الشاب النبيل يصارع الموت في ظلام دامس وحده:
- " ياله من حادث شنيع.. يال ذلك الشاب المسكين.. منظره يشعرك بالغثيان.. يا ترى من المخطىء.. انه صاحب السيارة الحمراء بالطبع كان يقود سيارته الرياضية بسرعة في طريق لا يسمح بذلك! يالها من سيارة فارهة، كم من المؤسف انها تحطمت بهذه الصورة! "
اكتسحها فيضان من الغضب عندها، كيف لهم ان يتحدثوا بهذه الطريقة وآيدن غارق بدماءه، هل يعقل ان الانسانية تزول عندما يكون الحزن حزن الغير؟ وتندثر لدرجة السخرية من ألم الغير؟ فصاحت بما ملأ رئتيها من هواء وهي ترمق جمع الناس بنظرات حارقة:
- موو ايي (يكفي!!)..
زلزلت صرختها عندها جمع الناس، الا انها لم تخرسهم فهمساتهم لم تتوقف وتمحورت هذه المرة عنها:
- " من تكون هذه الفتاة؟.. اهي احد قريباته؟.. كانوجو ديسكا؟ (اهي حبيبته؟).. "
لا جدوى من المحاولة في اسكات افواه فضولية، لذا كان من الافضل لمداواة قلقها المستميت على آيدن ان تدنو من السيارة رغم الرعب الذي تملكها، فانصرف قائد المركبة الاخرى متلافياً نظراتها وقد لاحظ انفعالها وتبين له وجود علاقة بينها وآيدن، لم تجرؤ على شد مقبض الباب، ماذا ان هوى جسده امامها وتأذى اكثر؟ رغم صخب المكان من حولها خال لها ان تسمع ضربات قلبها العنيفة، فاضت الدموع في محجريها تطالب بالهطول، اخذت تهمس وهي تتلمس نافذة السيارة بكفها المرتعش:
- كايجو( ايها الرئيس)..
كان رده السكون التام، فازداد قلقها استماتة وانحصر في قبضتها التي شكلتها وهي تضرب زجاج النافذة، ونطقت من بين ذعرها على سكونه:
- فوزاكِرنا.. آيدن نو باكا (لا تعبث معي.. آيدن ايها الغبي!)..
هدء المكان من حولها فاذا بها ترى تدخل الشرطة التي اعدت الحواجز تفصل فضول المارة عن موقع الحادث، اقترب رجال الشرطة من قائد المركبة الاخرى وقد دار بينهم حوار لم يستدعي اهتمام هيميكو التي تضرعت بالدعاء لآيدن بسريرة صامدة رغم منظره الذي لا يسر الناظرين، دنى حينها شرطي من هيميكو وقد حط يده على كتفها:
- يا آنسة.. ارجو ان تخلي مكان الحادث لا يسمح للمارة بتجاوز الحواجز..
لم تتزحزح من مكانها وكذلك نظراتها التي تجمدت على آيدن، سألها الشرطي حينها:
- هل تعرفين هذا الشاب؟
تمتمت بهمس:
- اجل! انه آيدن..
- هل قلتي ان اسمه آيدن؟ هل يمكنك ان تطلعينا على اسمه الكامل وكم يبلغ من العمر..
- كاتسوراقي آيدن في الثامنة عشرة من عمره..
كان يدون ما تقوله ثم قال شاكراً لها:
- اريقاتو قوزايماس (شكراً جزيلاً).. هناك سؤال اخير اود طرحه عليك ماهي صلة قرابتك به؟ كما تعلمين نحن نحاول الوصول الى عائلته..
صلة قرابة؟ لا يوجد، لا تعلم لما في هذه اللحظة تذكرت جملته التي بثت طمأنينة سرمدية الى اعماقها وهو يحدث اخاها هاتوري صباح هذا اليوم "لا تقلق فهيميكو-سان بين أيدي امينة في اوسترايا" ، تمتمت عندها:
- لا توجد صلة قرابة.. واتاشاي وا آيدن-سينباي نو كوهاي (انا زميلة آيدن من مرحلة ادنى من مرحلته)..
- اه سو ديسكا؟ (اه هل هذا صحيح).. هل تعرفين اياً من افراد عائلته؟
هزت رأسها نافية متأسفة، فرد عليها:
- حسناً شكراً على تعاونك من جديد..
انزلت راسها احتراماً ، حينها وصلت سيارة الاسعاف، فهرع رجالها الى آيدن بالسرير المتحرك، الجم توترهم وحركتهم السريعة تلك المفاجآة التي لم تكن طي الحسبان، كان الباب الذي يجلس خلفه آيدن قد تحطم بحد يجعل فتحه صعباً لم يكن كسر زجاج النافذة خياراً متاحاً فرأس آيدن كان قد اتخذ النافذة موضعاً له، مع كل ثانية تمر كانت هيميكو تقترب للجنون بخطوة، وبعد ان مرت دقيقتين كاملتين على وصول الاسعاف، انفجر بركان من القلق بجوف هيميكو وسالت حممه المرعوبة لتخرج كصراخ من هيميكو التي لم تطق صبراً فصرخت بحشرجة:
- اسرعوا.. ألا ترون بركة الدماء تحت المركبة.. أياكم وان يموت كايجو!
وقتها فتح الباب اخيراً بعد الاستعانة بأدوات خاصة، جس رجل الاسعاف نبض آيدن وقطرات العرق قد بللت جبينه، زفر براحة وبعث بنظراته المطمأنة نحو هيميكو التي تنفست الصعداء وقد واست نظراته رعبها، وسمحت لتيارات الدموع ان تخط طريقها على وجنتيها بأريحية، وتم حمل جسد آيدن الى مركبة الاسعاف برفقة هيميكو، اتضحت اصابات آيدن الفاقد للوعي عندها، كان اخطرها نزيف رأسه الذي اقلق رجال الاسعاف، من ثم اصابة ذراعه اليمنى التي كانت تنزف بشدة منبأة عن وجود كسر، وقد انغرس بعض من الزجاج الذي تطاير لحظة وقوع الحادث في جسد آيدن في نواح متفرقة..





كان كالمكبل بسلاسل حديدية، غارقاً في دوامة عملاقة من بحر الألم الى حد الخدر، كان الوجع ينخر عظامه نخراً وينهش لحمه حياً، وقد عانقته اشباح الظلام حد الاختناق، الا انها نسيت ان تغطي اذناه فقد استفاق سمعه على صراخها بالمارة، واخذ يستشعر وجودها مع صوتها الفريد المميز، استكان مستمعاً لكل كلمة قالتها وهي تصرخ به ان لا يعبث معها، كان يريد طمأنتها انه لا زال متمسكاً بواقعه، الا انه اطياف العالم الاخر كانت اقوى من ان تسمح له باصدار اي فعل يعلم من حوله انه عائد اليهم، يود لو يتأوه فيزيغ الالم عنه ويبتعد ولو مثقال ذرة، الا ان فاهه لا يتبع اوامره، عند تلك اللحظة وهو يسمع صفارات الاسعاف والشرطة، اغتاله الالم من واقعه فغطس في غيبوبة افقدته حواسه كلها واولها احساسه بالالم، فخال له انه مغادر تماماً فما كان له الا ان يستسلم..
جاء صوتها كحبل انقاذ قد رمي له من اعلى جرف الظلام الذي هوى اليه، تناجيه بأن يعود لهم، سمعها تتحدث وقد تحشرج صوتها وهي تكتم شهقاتها:
- ايومي-تشان.. ل..لق.لقد تعرض الرئيس لحادث! ، وهل يبدو لك من صوتي انني امزح..
وبكت:
- دوشيو (ماذا علي ان افعل).. ، ارجوك تعالي نحن في طريقنا الى المستشفى القريب من المدرسة الآن..
كان يستشعر ان العالم سيضج من حوله بسبب اتصالها بأيومي يكفيه ان تعلم هي بأمر الحادث، انصب تركيزه على اصابع يده محاولاً تحريكها، اصراره على عدم اثارة قلق اصدقاءه حرره من القيود التي طوقت كفه فحركه لتشعر به، ما ان رأته هيميكو حتى شعرت بالحياة تدب الى اوصالها من جديد، تركت الهاتف وطوقت كفه بكفيها، وهي تقول بسرعة هستيرية وبحشرجة:
- آي..آيدن هل تسمعني؟
لم تقاوم سيل الدموع الذي اندفع على وجنتيها عندها، وسال لينسكب على كف آيدن، عندها انقشع السواد الذي غلف ابصاره، وقد فتح عيناه بوهن، كان المكان حوله قد تلون باللون القرمزي نتيجة لدماءه، رأى شعرها الوردي ينصب على ذراعه المضرجة بالدماء، وقد دست كفه بين كفيها ووجهها وهي تناديه اذ ظنت ان تحرك كفه كان محظ خيال صوره لها قلقها، حرك اصبعه هذه المرة، فأشاحت هيميكو ببصرها لتصب نظراتها بدهشة على عينيه الخضراوتين وهي تتمتم وقد شقت ابتسامة وجهها:
- يا الهي لقد افاق، هل انت بخير كايجو؟
وسرعان ما تلاشت ابتسامتها وهي تبصر سيل الدموع الذي كان قد شق طريقه على خديه قبل ان يتعرض الى الحادث، ما كانت لتتصور انها بسبب مشاعره المتألمة لذا تألمت وهي تعتقد ان دموعه اهدرت بسبب الالم الجسدي، اخذت شفتاه تتحركان بضعف، فأزال رجل الاسعاف قناع الاكسجين عنه وهو يقول:
- لا ترهق نفسك بالحديث..
حاول ان ينطق بصعوبة بالغة:
- بو..ببوكو.. دد..داي..دايجوبو (انا بخير!)..
شعر بلمسة كفها الحانية على وجهه وهي تمسح دموعه:
- اجل ستكون بخير!
ودون سابق انذار، علا صدره بصورة مريبة لا ارادية وهبط بنفس الصورة، اخذ يعلو ويهبط بسرعة جنونية، ليتقوف تحرك جسده المريب على تلك الدماء التي تفجرت من فمه، اخذ يسعل دماء وترت طاقم الاسعاف، اخذت هيميكو تصيح:
- ما الذي يحدث ما باله؟!
دفعها رجل الاسعاف برفق فغادر كف آيدن كفها، وانسدل جفناه على عيناه التي تسمرت عليها، بينما كان رجل الاسعاف يتحدث على عجلة وتوتر:
- ابتعدي رجاءاً يا آنسة، يجب ان نزيل الدماء حتى يستطيع التنفس بطريقة صائبة..
الجمت هيميكو قلقها وافسحت المجال لرجال الاسعاف ليباشروا بازالة الدماء من فمه باجهزة متخصصة، لم يهدأ توترهم الذي اكتسح معالم وجوههم، فسعاله للدماء دليل على وجود نزيف داخلي وفي عضو مجهول من الجسد، وفوق ذلك كله وصول الدماء الي فمه واتخاذها المجرى الذي يتنفس منه آيدن كان امراً يصعب السيطرة عليه على يد رجال الاسعاف، اتصل رجال الاسعاف بالمستشفى ينذرون عن حال آيدن الذي تفاقمت خطورته، كان يتحتم على الاسعاف الوصول الى المستشفى قبل اربعة دقاق من اللحظة التي سعل آيدن بها الدماء، فقد توقفت عملية التنفس وبتوقفها لا يصل الاكسجين الى الدماغ، وبعد اربعة دقائق من توقفها يموت الدماغ، كانت هيميكو تشعر انها كالعاجزة تماماً، تراقب آيدن بصمت وقد سربل كفها فمها بصدمة، ترقرقت الدموع من عينيها مرة اخرى الا انها كانت هذه المرة محملة بالخوف، قد يكون هذا هو فراش موت آيدن، لماذا تحدث كل هذه الامور تباعاً! لقد كان بخير قبل قليل! تمنت بيأس منزوع الأمل لو ان الاحلام تتحقق بشكل اسرع فتكون هي الان تلك الطبيبة البارعة وتقوم بمعالجته وانقاذه في هذه الظروف المريعة، كادت تقسم انها ستتخلى عن حلمها لو حدث مكروه لآيدن، بيد ان صورة والدتها المريضة اندفعت الى مخيلتها، فتشبثت بامل بقاء ايدن على قيد الحياة كتشبث نظراتها به وقتها..





كان من بين الاغراض التي وجدتها الشرطة في السيارة هاتف آيدن طريقتهم للوصول الى عائلته، اخذ الشرطي الهاتف الذي تهشم جزء من زجاج شاشته، دخل سجل المكالمات، اخر مكالمة اجراها آيدن كانت بأسم "هاياشي-سان"، قطب الشرطي حاجباه وتوترت حركة اصابعه على الهاتف، نادى على المحقق واشار له بأن يرى الأسم، قهقه المحقق باستخفاف وهو يقول:
- ماذا هل صدقت هذه التراهات؟ لا تزال مبتدأً يا صاح.. الحادث حصل بسبب تجاوز قائدة المركبة الحمراء لاشارة تمنع المرور.. هل تظن ان اتصال الشاب ب"السيد موت مبكر" قد يتسبب في الحادث؟ دعك من هذا الرقم وابحث عن ارقام عائلته.. فهو يبدو لي كرقم احد اعداءه وقام بتسميته بهذا الاسم لانه يتمنى له الموت المبكر!

[cc=ملاحظة]نحن نعلم ان آيدن قام بالاتصال بكبير خدم عائلته والذي يحصل وان يكون اسمه هاياشي، وهو من الاسماء اليابانية القديمة والتي تعني الموت المبكر، كانت التسميات المخيفة والقبيحة شائعة في السابق والهدف من تسمية الاباء لابناءهم بها هو لدفع ضرر الارواح الشريرة عن صغارهم..
[/cc]
وابتعد عنه خطوتين ثم عاد مسرعا وهو ينبهه:
- لا تقم بنشر الشائعات حول هذا الموضوع.. سينقلب مركز الشرطة رأساً على عقب ان اعتقد الناس ان هذا الحادث هو جريمة مدبرة.. فكما تعلم قد يكون هذا الشاب احد اقارب عائلة كاتسوراقي صاحبة مجموعة كاتسوراقي الشهيرة..وقد تبين لنا تماماً ان الشاب هو المخطأ في تسجيل كاميرات المراقبة..
اجاب الشرطي باقتضاب:
- ماذا ان لم يكن صاحب هذا الرقم بشرياً؟
لكمه المحقق على رأسه وهو يقول بحنق:
- لا تدفعني الى سحب شارتك! كيف لك كشرطي ان تفكر بهذه الطريقة.. عملنا يحتم وجود الدلائل الملموسة!
- سُمي ماسين(المعذرة).. سأبحث عن ارقام العائلة..
واخذ يبحث عن ارقام العائلة حتى عثر على الرقم المسجل بأسم "شقتي"، والذي تلقى منه اتصالا قبل فترة قصيرة، ضغط زر الاتصال:
- موشي موشي( الو).. آيدن-بوتشان (سيدي الصغير آيدن)..
- معكِ الشرطة..







تجلس بوقار وهدوء في السيارة عائدة من العشاء الفاخر الذي حضت به برفقة عمها آكياما بعد زيارتهما للمقبرة، وهي تتأمل سماء الليل الداكنة المرصعة بالنجوم، ابتسمت دون شعور عندما زارها طيفه يذكرها بأنه طفح اشتياقاً لها، همساته ولمساته الدافئة الحنونة اختطفت من قلبها كل القلق والخوف الذي كان بتربص به، اخذت تعد الدقائق حتى تصل اليه في اوسترايا مكمن احلامهما، انخرطت في نزال مع الزمن وقلبها يخفق ويرفرف كلما اقتربت من اوسترايا، كانت تسير على نفس الطريق الذي سار عليه آيدن، كان الطريق مزدحماً بسبب اغلاق معظم المسارات، و مسارها هو الاقرب الي الحادث، وما ان وصلت الى موقع الحادث حتى هوت نظراتها من السماء الى الارض كالطائر الجريح، ما الذي حدث هنا، ارتعش قلبها من منظر السيارات المدمرة، توهمت ان سائلاً ساخناً انسكب على فخذها بغتة، فصاحت بوهن وهي تطبطب على فخذها:
- انه ساخن!!
اهتزت السيارة بعد ان توتر السائق من صيحتها، كانت ذكريات ذلك اليوم المشؤوم تتقاذف الى رأسها فتصيبها بالجنون، كان اول شيء احست به ذلك اليوم هي سخونة القهوة التي انسكبت عليها من يد والدتها، وها هي ذاكرتها تتلاعب بها ما ان رأت منظر الحادث، ذعرت ماكي التي تجلس على مقربة منها وهي تبحث عن ذلك الشيء الذي وصفته سيدتها الصغيرة بالساخن:
- ماذا هناك؟ ما الذي دهاك ايانو-ساما؟
اضطرب تنفسها بعد ان افاقت من خداع ذاكرتها على صوت ماكي، اسدلت جفنيها على عينيها بقوة كما كانت تقبض كفها، جيش الدموع لم يسكن عن هجومه حتى فتح جفناها معلنان الاستسلام، حاولت كتم شهقاتها بيدها وهي تهمس لماكي:
- نان..ناندي موناي( لا شيء)..
انها تعيش ذلك اليوم ببعض من تفاصيله التي نستها في هذه اللحظة، ككل مرة ترى فيها حادثاً مرورياً، لكن من غير المعقول ان توشيرو ذا الخمسة عشر عاماً لم يطرق ذاكرتها بعد، كانت مشاعرها تتألم، الم يكن تذكرها لتوشيرو هو افضل تعويض عن ذلك؟ اذاً لماذا لا تستطيع تذكره؟ يا لها من ذاكرة متلاعبة! تذكرها باللحظات الاخيرة لمن رحلو عن دنياها، وتأبى ان تهديها ذكريات من يقبع بجوارها! جل ما تريده هو ان تهب توشيرو مشاعر حب صادقه وتقاسمه الذكريات، فهل هذا بالكثير؟





- ايز.. ايزابيلا-ساما.. لقد اتصلت الشرطة!
كانت ايزابيلا تهدء من روع صغيرها داني الذي انفجر باكياً عند مغادرة آيدن، اشاحت ببصرها نحو الخادمة التي اختطفت الصدمة لونها، وقالت بعَجَب وبلغة يابانية:
- ولما قد تتصل الشرطة؟
نطقت الخادمة بصعوبة ورأسها مطرق:
- لقد تعرض آيدن-ساما لحادث مروري..
صاحت:
- ناني؟! (ماذا؟!)..
وهمست بألم:
- آيدن طفلي!
صدت فيض المشاعر المتوجعة والمصدومة التي انكبت عليها، لا تستطيع ان تري داني هذا الوجه المتألم منها، هو لم يفهم حديثهم الياباني، اشارت لمربية داني بأن تقترب، وتوارت عن انظار داني وهي تجر الخادمة معها:
- ما الذي تقولينه؟ وكيف حدث ذلك؟
- لم تخبرني الشرطة بالكثير.. سوى ان السيد الصغير هو المخطىء..
كانت ضربات قلبها العنيفة والمتتابعة تعلن انها في حرب طاحنة مع نفسها، ايعقل ان هذا حدث بسببي؟ اخذت تفاصيل المستشفى من الخادمة وخرجت مع السائق الذي لم يكن من سائقي العائلة، فقد احضره آيدن خصيصاً لها حتى لا يكتشف والده وجودها في اليابان، لم تستطع مجابهة دموع الخوف من ان تحرم من ابنها وتحرم عالمه منه، فسالت على وجنتها بصمت وهي تضرب على صدرها بخفة تواسي وجعه، كيف حدث هذا؟ لما تركته يخرج غاضباً! احفظ ابني يا الهي!






اقلعت الطائرة واتخذت مسارها من سماء اليابان الى سماء الصين، كان صاحب الاموال بالارقام التي لا تحصى يجلس في جوفها على احد المقاعد الواسعة والمريحة، وقد استعد لأن يخلد الى نوم هانىء ليخفف من عناء رحلة الثلاث ساعات التي يجب ان يقطعها، كان لديه اجتماع هام مع احد شركاءه في الصين في صباح الغد، وهو لا يكف يركض وراء الاموال حتى وان اكتفى منها، ازعج نعاسه صوت رنين هاتف سكرتيره الذي اعتذر على ايقاظه لرئيسه واجاب:
- موشي موشي (الو).. ما الامر هاياشي-سان؟ (كبير خدم عائلة كاتسوراقي)..
وهب واقفاً على ساقيه وقد نطقت شفتاه بصدمة:
- ماذا؟ ما هذا الذي تقوله؟
انزل الهاتف عن اذنه بعدها، وقد اختفت التعابير عن وجهه تماماً وهو يهذي بكلمات للسيد جاء وقعها كالموج العاتي الذي اكتسح شاطىء طمأنينته، ضغط على احد الازرار على كرسيه ونطق بصرامة تظهر ما اعتراه من قلق مخاطباً للطيار:
- عد الى اوساكا..
ما الغرض من ان يلهث وراء الاموال، وقطعة من روحه تصارع الموت في هذه اللحظة؟




الأسئلة:
- في اعتقادكم ما هو الاتفاق الذي كان بين والد أليس ووالدتها؟
- هل سينجع الاسعاف في الوصول قبل الوقت المحدد؟ وهل سينجح الاطباء في معالجة آيدن؟
- هل ستتذكر ايانو توشيرو؟ وكيف؟
- ما هي هوية السيد في المقطع الاخير؟
- ما هو افضل مقطع في هذا البارت؟ وما هي افضل شخصية؟
- ما هو رأيكم في البارت بشكل عام؟

كنت انوي كتابة بارت طويل لكن الوقت لم يسعفني بما انني مقبلة على سفر لذا اتمنى تفهمكم
لا تبخلو علي بردودكم الجميلة فأنا بحاجة لتشجيعكم
لقاءنا في الجزء الثاني من البارت بإذن الله


__________________
" لآ آلـه الآ الله.. سُـبْـحَـآنَـكَ رَبـيْ آني كُـنتُ مِـنَ آلـظـآلِمينْ "






التعديل الأخير تم بواسطة ĐαrК Đεṁση ; 08-02-2015 الساعة 06:23 PM
رد مع اقتباس